كتاب جالينوس فى الاسماء الطبية [وهى المقالة الاولى منه

| كتاب جالينوس فى الاسماء الطبية [وهى المقالة الاولى منه

|| كتاب جالينوس فى الاسماء الطبية [وهى المقالة الاولى منه

قال حنين بن اسحاق فى كتابه فى فينكس كتب جالينوس: هذا الكتاب جعله جالينوس فى خمس مقالات. وغرضه فيه ان يبين امر الاسماء التى استعملها الاطباء على اى المعانى استعملوها. ونسخته باليونانية فى كتبى الا اننى لم اترجمه ولا غيرى. ثم ترجمت منه الى السريانى ثلاث مقالات. وترجم منه حبيش الى العربى مقالة واحدة فهذا هو الموجود من هذا الكتاب]

[بسم الله الرحمن الرحيم رب يسر برحمتك]

المقالة الاولى من كتاب جالينوس فى الاسماء الطبية

| المقالة الاولى من كتاب جالينوس فى الاسماء الطبية

|| المقالة الاولى من كتاب جالينوس فى الاسماء الطبية

Shafi 1

قال انه ليس بعجب ان يكون كما ان لكل واحدة من الصناعات ادوات لها خاصية لا يعرفها جل الناس كذلك لكل واحدة منها ايضا اسماء والقاب لا يفهمها الا من عالج تلك الصناعات فقط. مثال ذلك انه متى قيل بسيط مسطح لم يفهم ذلك احد ممن يسمعه خلا المهندس، ومتى قيل وسطى لم يفهم ذلك احد سوى العالم بتأليف الالحان، ونجد هذه الاسماء عند الناس تشتبه بالالفاظ التى لا معنى لها كقول اليونانى: بليطورى وسقندابسس. وكذلك ايضا متى قيل ان انسانا ضربته حمرة او به شطر الغب او حمى اجامية او اكلة او علة يسميها اليونانيون قدماطا لم يعرف ذلك الا الاطباء فقط. وليس يجوز لأحد ان يلوم من يضع اسماء والقابا محددة بعد استخراج العلم بأمور محددة طلبا منه للايجاز وقرب المأخذ فى العلم اذ كنا معشر الناس ليس ننال من الاسماء والالقاب شيئا من المنافع خلا ان ينبئ بعضنا بعضا بالقول عن الامور والمعانى التى يريد الإخبار عنها، ولولا ان هذا لنا لكنا لا نفضل على الصم والخرس بشىء، من طريق ان استنباط الامور انفسها كما قد قال فلاطن ايضا قد يمكن ان يكون خلوا من الاسماء والالقاب متى نظرنا فى طبائعها فقط نظر تثبت. والدليل على ذلك ان اصحاب الصناعات الذين يضعون للاشياء التى يستخرجون معرفتها اسماء والقابا انما يصيرون لا محالة الى تسمية الاشياء وتلقيبها بعد ان يكونوا قبل التسمية والتلقيب قد وجدوا تلك الاشياء ووقفوا عليها، ويقصدون فى ذلك الى اشتراك من يقرب منهم ويحضرهم فيما وجدوه منها. فاما من كان منهم لا يحب ان يشركه احد فيما استخرج ووجد لكن يريد ان يخفيه ويستره بخلا منه وحسدا عليه فان التماسه لوضع الاسماء والالقاب وحرصه عليها باطل. واذا كان الامر كذلك فالناس انما عنوا واهتموا بوضع الاسماء والالقاب بعد استخراجهم للاشياء، ودعاهم الى ذلك ما احبوا من اشراك من يحضرهم ويقرب منهم فى العلم بتلك الاشياء. وهذا باب، وآن كان على ما هو عليه من عظم القدر فى الحث على محبة الناس ونفعهم حتى انه ليس يوجد شىء اخص منه بالانسان ولا اولى به منه اذ كان الانسان حيوانا ناطقا مطبوعا على اشراك غيره فيما يعلم، فان القوم الذين يسيئون فى استعماله قد يثربونه ويفسدونه على غيرهم. وذلك انه قد كان مطلقا لهم ان يضعوا لكل واحد من الاشياء التى تستخرج اسماء والقابا محددة فيغفلون ذلك ويغشون انفسهم اولا بالتماسهم نقل اسماء والقاب قد وضعت من دهر طويل ووضعها على كل ما ارادوا تسميته بطريق الاستعارة من المشابهة. فيعرض من ذلك ان يكونوا مرارا كثيرة يريدون الدلالة على شىء ما فيفهم عنهم السامع شيئا آخر سواه، وهذا امر ليس هو شيئا اكبر من انهم يثربون ويفسدون على الناس منفعة الكلام، ثم لا يرضون بان يفعلوا هذا فقط دون ان يحملوا انفسهم بالاقدام على امر جليل الخطر فيعذلوا من يجرى كلامه على سبيل الصواب مع انهم ايضا لا يقدرون ان يميزوا بين ما يجرى من المراء والمحال فى امر الاسم وما يجرى منه فى امر الشىء المسمى بذلك الاسم. بل متى لم يستعمل الانسان الاسماء والالقاب التى يستعملونها هم بأعيانها ظنوا انه انما قال غير ما ارادوا وذهب الى معنى آخر.

وانا ممثل لك ذلك اولا بمثال لو انى بحثت عنه مفردا لقد كان فى البحث عنه منفعة: فتوهم الآن انسانا تنوب عليه الحمى غبا واقول انها حمى خلوة من كل عرض وانما اخذته ستا وعشرين ساعة وتركته اثنتين وعشرين ساعة فدخل اليه من الاطباء رجلان فجعل احدهما يبحث عن السبب الذى به تحدث هذه الحمى وكيف الوجه فى مداواتها على اجود ما يكون وجعل الآخر يطالب باسم هذه الحمى اعنى ما الذى ينبغى ان يسمى هذا النوع من الحمى واذا عرض ذلك وقع للطبيب الذى يبحث عن الوجه فى مداواة الحمى ويدع البحث عن الاسم الذى ينبغى ان تسمى به فلا يلتفت اليه شغل فهو لا يزال يستدعيه ويضطره الى الجواب ويأمره ان يخبره باسم هذه الحمى ما هو مع انه فى اكثر الامر علم الله لا يخرج مسئلته مخرج من يجرى كلامه على الصواب كما فعلنا نحن فى قولنا اسم هذه الحمى ما هو بل يجعل مكان المسئلة عن اسم هذه لحمى ما هو المسئلة عن هذه الحمى ما هى. فان هذا عصر قد نجد فيه اطباء كثيرة مذهبهم هذا المذهب اعنى انهم لا يسئلون عن السبب المحدث للحمى ما هو ولا عن مداواتها كيف ينبغى ان تكون ويعتنون بالمسئلة عن اسم الحمى هل هو غب او شطر الغب كأن الوجه الذى به يتخلص الانسان من مكروه الحمى انما هو من قبل العلم باسمها لا من قبل العلم بنفس المرض واستنباط ما يوافقه من الاشياء التى يداوى بها حتى يصلح. واما انا فمن عادتى ان اجعل جوابى مرارا كثيرة لمن سأل عن هذا ان هذه الحمى تسمى زينن وربما قلت انها تسمى ابولونيوس او غير ذلك من كل اسم يتفق ان يجرى على لسانى. ثم ارجع بعد ذلك على الطبيب فأسئله ان كان يعلم مما يداوى به تلك الحمى شيئا ينتفع به فليعرفناه ويتحر فى ذلك ان يخاص المريض مما وقع فيه، فأجده عند مسئلتى اياه عن ذلك اشد صمتا من السمك لانه انسان انما اخذ نفسه بالمبالغة فى معرفة الاسماء فصار ماهرا فيها حاذقا بها ولم يلتفت الى نفس الاشياء بل توانى عنها.

وعلم الله انى قد لقيت من الاطباء خلقا كثيرا جدا قد قصدوا من كتاب اغاثينس فى شطر الغب وهو ثلاث مقالات الى المقالة الاولى وحدها فقرءوها وحفظوها حتى صاروا يحفظونها غاية الحفظ كما يحفظون اسماءهم فاما المقالتان الاخريان اللتان يتلوانها فانهم لا يحفظونهما ولا قرءوهما ايضا فضلا عن ان يكونوا يحفظونهما لكنهم لما وجدوا اغاثينس قد بحث فى المقالة الاولى من هذه الثلاث عن اسم الحمى المعروفة بشطر الغب اعنى اى الحميات ينبغى ان يسمى بهذا الاسم اهتموا بهذه المقالة هما شديدا فصار كثير منهم يحفظها وتوانوا عن النظر فى المقالتين الاخريين اللتين يبحث فيهما هذا الرجل عن الاسباب الفاعلة لهذه الحمى ويصف كيف ينبغى ان تداوى.

Shafi 2

وجميع ما قلته من هذه انما قلته لأفرق به بين المشاحة والمجادلة والمماكسة فى الاسماء وبين الاستدلال على نفس الامور التى يشار اليها بالاسماء. وذلك انه من البين لجميع الناس ان هذه الحمى التى ذكرناها ههنا فقلنا انها تأخذ ستا وعشرين ساعة وتترك اثنتين وعشرين ساعة غير الحمى التى لا تفارق اصلا لكنها مع ذلك تنوب فى اول يوم اعظم نوبتها وهى النوبة التى تعرض للمحموم فيها النافض مرارا كثيرة وتنوب فى اليوم الآخر اصغر نوبتها. فاما الامر فى ان كل واحدة منهما ينبغى ان تسمى شطر الغب ام انما ينبغى ان تسمى بهذا الاسم تلك التى يكر فيها النافض كرات فقط فهو امر ليس البحث عنه بهين. ولا هو ايضا من الامور الاضطرارية فى تجويد مداواة الحميات اذ كان استخراج الاشياء التى تداوى بها هاتان الحميان انما يكون بان يعلم المداوى لهما ان الواحدة منهما وهى التى قلنا انها تترك تتولد عن المرة الصفراء وحدها وان الاخرى تتولد عن المرة الصفراء والبلغم معا لا بان يعلم كيف يستعمل الاسماء. وكان المخطئ فى استعمال الاسماء لا يندا المريض من خطئه بشىء من المضرة، والذى لا علم له بجوهر ما بين الحميين ليس يمكنه ان يستخرج شيئا منهما ينتفع به فى مداواتهما. لانهما ان كانتا كلتاهما انما تحدثان مع ورم حار يحدث فى الاحشاء فقد يحتاج المداوى لهما لا محالة ان يعلم فى اى الاحشاء يحدث الورم الحار، وان كانت واحدة منهما تحدث مع ورم الاحشاء والاخرى تحدث بسبب عفونة الاخلاط فذلك ايضا مما يحتاج الى معرفته، وان كانتا ايضا كلتاهما تحدثان عن عفونه الاخلاط فقد ينبغى للمداوى ان يعلم اى الحالتين حال الاخلاط اعنى هل عفونتها فى البدن كله ام فى العروق فقط وان كانت فى العروق فقط افى جميعها او فى بعضها، ومما يحتاج ايضا الى معرفته ان يعلم هل الاخلاط التى عفنت اخلاط مختلفة وان كانت مختلفة فما الفرق بينها. فان جعل مبدأه من هذه الامور كان وجود المداواة اسهل عليه مما لو انه لم يبحث اصلا عن شىء مما وصفنا. فان لم يبحث المداوى بان لا يجعل استخراجه للاشياء التى يداوى بها من القياس ولا من نفس طبائع الامور واحب ان يكون استنباطه لها التجارب فالامر ههنا ايضا فيما احسب بين انه ينبغى لمن احب ذلك ان يميز ويفصل اولا الاشياء التى عليها تقع التجربة والا يجعل ذلك التمييز والتفصيل بتأليف حروف الهجاء وبالاشياء المركبة منها لكن باختلاف الاعراض واصنافها المتباينة. وقد كان الاختلاف والتباين بين هاتين الحميين ان الواحدة منهما لم تكن تترك وان النافض كان يكر فيها كرات كثيرة وان الاخرى كانت فى اليوم الثانى تأخذ اخذا آخر. واذ كان الامر على هذا فما المانع لصاحب التجارب من ان يتحفظ فى كل واحد من هذين النوعين المختلفين من انواع الحميات مداواة تصلح له خاصة من غير ان يسمى احدى الحميين غبا ويسمى الاخرى شطر الغب او يسميهما جميعا شطر الغب او يسمى الواحدة شطر الغب ولا يسمى الاخرى غبا مطلقا لكن حمى ممتدة، فان الاختلاف بين هؤلاء القوم فيما تقدم ذكره انما هو فى الاسم. وبينهم ايضا اختلاف من قبل ان بعضهم يسمى هاتين الحميين غبا يمتد وبعضهم يسميهما غبا ممتدا.

وعساه قد كان فيما قلناه الى هذه الغاية ايضا غناء وكفاية فى الدلالة على ان المحال والمراء فى الاسماء مباين للمحال والمراء فى نفس الامور، ولكن لما كان الخطأ الطويل المدة لا يمكن ان يداوى ويصلح فى وقت قصير المدة فقد ينبغى لنا ان نرجع الى ما كنا فيه من القول فنعيده، فعسانا وان كنا لم نقدر على رد هؤلاء القوم عما هم عليه فيما تقدم نقدر ان نردهم فى هذا الوقت ردا يجيدون به عن الاسماء ويميلون قبل المعانى التى تدل عليها الاسماء.

Shafi 3

فأقول: انا كنا قد قلنا قبيلا ان ههنا حمى ذات نافض واردنا بقولنا ذات نافض الحمى التى لا يكون النافض فى ابتداء نوبتها فقط مع اخذها لكن يكون النافض فيما بعد اخذها ايضا شبيه ما تبتدئ نوبة اخرى مع نافض مرارا كثيرة على مثال الابتداء الاول. وبعض الناس يسمى هذا الذى تقدم للنافض من الكر مرارا كثيرة معاودة وبعضهم يسميه مراجعة وكيف شاء الانسان ان يسميه بعد ان يحفظ ما يتصور فى النفس من المعنى المقصود المدلول بهذه الاسماء فانما يخالف من سمى به هو فى الاسم فقط لا فى المعنى. وكذلك ايضا الحال فى جميع ما بعد الابتداء الى الانتهاء، فانه ان سمى انسان هذا الجزء تصاعدا او تزيدا او زيادة فانما خالف فى الاسم.

وعلى هذا المثال ايضا لو ان انسانا يسمى بعض الحميات التى تفارق من تأخذه حمى مفارقة ويسمى المدة التى تكون فيما بين كل نوبتين من نوائبها وهو الوقت الذى يكون المريض فيه غير محموم ترك الحمى ولم يرض بان يقول ان انحطاط الحمى يسمى تركا ولا ان شيئا من الحميات الاخر التى ليست على هذا النحو يسمى حمى مفارقة لكان قد خالف جميع الاطباء الذين يسمون الحمى اذا كانت تخف وتسكن سكونا ذا قدر يعتد به حمى مفارقة وان كانت ليس يؤول بها الامر الى ان ينقه منها المحموم، على ان هذا الامر مع ما هو عليه من الدناءة فى قدره وسهولة الامر فى معرفته قد اثار للاطباء فى بعض الاوقات خصومة وقتالا شديدا جدا اعنى الاطباء الذين يسمون انفسهم الطوافين. وذلك ان واحدا منهم قال ان هذه الحمى حمى مفارقة ثم دخل من بعده آخر فقال ان هذا المريض ليس تفارقه الحمى بل هى مطبقة عليه، فظن من سمع ذلك منهما من العوام انهما قد قالا قولين متضادين وذلك لان القوم لم يكن لهم معرفة بالمعنى الذى اليه يشار بكل واحد من هذين الاسمين فكانوا انما ينظرون فيما تلفظ به كل واحد من الرجلين فقط. فرجعوا عليهما وسألوهما ان يعيدا ما قالاه بعينه بقول ابين واشد شرحا من القول الاول، فأخرجهما ما كانا عليه من اللجاجة ومحبة الغلبة الى كثير لم يستنبطا منه شيئا يعود نفعه. وذلك ان احدهما كان يقول ان هذه الحمى ليست من الحميات المفارقة لانها ليس تسكن سكونا يؤول بالمريض الى النقاء من الحمى، والآخر كان يقول ان الحميات المطبقة انما هى تلك التى لا يتبين لها نقصان يدركه الحس بتة وجعل يلقب انحطاط الحمى بهذا اللقب ولم يكن فيهما رشيد يفهم الامر فيقول ان ترك الحمى انما معناه كذا وكذا واطباقها معناه كذا وكذا. هذا على انه انما يجاء بهذا الكلام فى مدينة رومية، وهذه مدينة لو ان رجلا ابتاع بها جارية تسمى ىىاىلوىى فى المثل فسماها فى ذلك اليوم بهذا الاسم ثم باعها من غد من رجل موسر فسماها ذلك الرجل ىىسا لما كان ذلك مما ينكر ولا كان احد بمماحل فى ذلك ولا يقول لمن سماها بالاسم الثانى ليس هذا اسمها فلا تكذبن على الجارية وما حاجتنا الى رد القول بان هذا جائز فى العبيد والاماء وهم على ما هم عليه من الذلة والدناءة اذ كنا قد نجد كثيرا من الملوك المفردين برءوسهم قد نقلوا اسماءهم فبعضهم سمى نفسه بالاسم الاول وبالاسم الثانى الذى اختاره لنفسه وبعضهم اقتصر على الاسم الثانى وحده.

Shafi 4

وهذا امر لم يكن من ذينك الطبيبين ولا واحد يفهمه فكانا يتخاصمان ويقتتلان فى الالفاظ مدة طويلة جدا، وكان واحد منهما يزعم ان الحميات المطبقة انما هى تلك التى لا تزال قائمة على حال واحدة من غير ان تنحط انحطاطا يدركه الحس، وكان الآخر يقول ان الحميات التى يكون حالها هذه الحال هى الحميات المطبقة واما الحميات التى تنحط من غير ان ينقه صاحبها منها فانما تسمى حميات دائمة فقط. فلما كان احدهما يقول ان الدائمة هى كذا والآخر يقول ليس هى كذا ولم يكن فيهما رشيد يقول انها تسمى او تلقب كذا او لا تسمى او تلقب بكذا بل كان كل واحد منهما ثابتا على قوله انها كذا او انها ليست كذا لا ينتقل عنه الى ان يقول انها تسمى لم يجتمع ولم يحصل لهما من تلك المقاولة شىء من الربح. ولو كانا لم يدخلا فى قولهما انها كذا او انها ليست كذا وجعلا مكان ذلك انها تسمى كذا او انها لا تسمى كذا لكان سيسهل على الغبى الامى فضلا عن غيره ان يميز ما يقتتلان فيه ويصلح بينهما، بعد ان يكون ممن يمكنه ان يفرق بين القولين فيعلم من كان المسمى لمثل هذه الحمى حمى مطبقة وما السبب الذى دعاء الى ان سماها بهذا الاسم ومن كان المنكر لذلك الممانع من ان تسمى بهذا الاسم ولم قال انها لا تسمى به.

وقد يعرض للاطباء مرارا كثيرة فى مثل هذه المسائل ايضا ان لا يمسكوا عن المراء والمحال حبا منهم للغلبة فيقول الواحد منهم فى المثل ان ابقراط لم يسم ولا واحدة من الحميات قط حمى مطبقة ويقول الآخر ان ارشيجانس قد يسمى الحمى الدائمة بهذا الاسم. ثم يضعون انفسهم فى موضع الحكام فينظرون اى الرجلين اقرب الى الصواب ابقراط ام ارشيجانس، فيخرجهم النظر فى ذلك الى الصباح الذى لا ينقطع. وكان الاجود ان لا يبحثوا عن اسم الحميات المطبقة هل ذكره او لم يذكره اذ كان ليس من المنكر ان يكون الانسان اذا اراد ان يخبر عن هذه الحميات جعل ذكره لها ودلالته عليها فى اكثر كلامه بالصفة لا بالاسم، ولا من المنكر ان يكون الانسان لا يذكر فى كتابه اسم الحمى المطبقة الى اى شىء يصرفة بتة لكن يذكر هذا الجنس من الحميات التى حالها هذه الحال فيقول انها حمى يوم لا يكون لها مبدأ نوبة ثانية بعد مبدئها الاول حتى تقلع عن صاحبها ولا يكون لها ايضا تزيد وصعود لكن تكون نوبتها واخذها نوبة واحدة واخذا واحدا من اولها الى آخرها. وذلك لان النظر فى مثل هذا والبحث عنه هو نظر وبحث يقع فى نفس الامور فاما بحث هؤلاء ونظرهم الذى يجرى بينهم فى كل يوم فانما هو بحث ونظر فى امر الاسماء.

ولعل ظانا يظن انه ينبغى بحسب هذا القول آلا نسمى شيئا من الاشياء الداخلة فى الطب باسم يدل عليه بل انما ينبغى ان نعبر عنها كلها ونشرح معانيها للمتعلم بالقول والصفة. فاما انا فأحسب انى قد بينت مرارا كثيرة ان العبارة عن الشىء بالصفة هى ايضا اسم فأوضحت الطريق المسلوك فى ذلك وبينت بالاشياء اللازمة له من الامور الجزئية كل ما ينبغى ان يتحرى فيه، الا انى لست اشير على الناس ان يستعملوا الاسماء على ما يستعملها هؤلاء ولا انا ايضا استعملها كاستعمالهم لها. وذلك لان الحدث من الاطباء يخطئون فى استعمالهم للاسماء خطأين ليسا باليسيرين: احدهما انهم يجعلون مبدأ تعليمهم منها وانما كان ينبغى ان يجعلوه من نفس الامور التى لها اسماء، والثانى انهم لا يحفظون ما جرى عليه الامر فيها عند من تقدمهم من الاطباء ولا يصرفون كل واحد منها الى المعنى الذى جرت به عادة القدماء بصرفه اليه. وانا مبين لك كل واحد من هذين الخطأين على حدته واجعل اول ما اذكره من ذلك ان اصف كيف ينبغى ان يجعل التعليم.

Shafi 5