16
وقد يقال - خطأ - إنه إذا كانت الإرادة تعتمد على تحقيق فكرة معينة، فإن التمني إذا تحقق كان فعلا من أفعال الإرادة، طالما أنه هو نفسه كان فكرة ثم تحقق، وبالتالي فلو كان لدي فكرة كسب مائة جنيه في وقت معين، ثم حصلت على المال ملقى في الطريق ووضعته في جيبي، فإنني أكون قد حققت فكرتي، غير أن ذلك واضح البطلان، لأنني في هذه الحالة لا أكون قد حققت فعلا إراديا؛ لأن نتيجة الفكرة «وهي الحصول على المال»، أحدثتها عوامل أخرى، غير فاعليتي ونشاطي «حين وجدت المال ملقى في الطريق». إن الفعل الإرادي - كما سبق أن لاحظنا - لا بد أن يكون نهاية لعملية كانت بدايتها الفاعل نفسه، متخذا خطا معينا من السلوك للوصول إلى تلك النتيجة.
لكن قد يقال: افرض أن فكرة التثاؤب جعلتني أتثاءب؛ ألا تكون تلك حالة من حالات الإرادة؟ والإجابة هي أن هذا الفعل يكون إراديا - يقينا - إذا ما انتبهت إلى فكرة التثاؤب لكي أتثاءب فعلا، ففي هذه الحالة سيكون تثاؤبي مرارا، لكن لو تصادف أن وردت الفكرة على خاطري، ثم أعقبتها حركات معينة بلا هدف مقصود مني، فلا تكون في هذه الحالة إرادة. (14) (5) وتحقق فكرة التغير عن طريق نشاط الفاعل المنتبه إليها - وهي سمة الموقف الإرادي - لا بد في نفس الوقت أن يكون تحققها للفاعل: فهو يحقق نفسه، لأن الفكرة التي ينتبه إليها تعبر عن شخصيته. فأنا أستطيع - مثلا - أن أنتبه على التوالي إلى الفكرة التي تحكم بها بلادي الآن.
17
وإلى فكرة الطريقة التي ينبغي أن تحكم بها، وكلما انتبهت إلى الوجود الفعلي «أو الحكم القائم الآن» شعرت بصراع بينه وبين شخصيتي، بينما أشعر بارتياح إلى فكرة الدولة التي أتخيلها! أو طريقة الحكم التي أفضلها، وأجد أن هذه الدولة تلائم طبيعتي وشخصيتي، وأنها أفضل لتحسين وجودي. ومعنى أنني أشعر براحة لفكرة التغير، أنني لا أجد مثل هذا الشعور مع فكرة الوجود الواقعي القائم، بل على العكس أجد أن هذا الوجود القائم غريب عن شخصيتي.
لكن قد يحدث أن تكون فكرة الوجود القائم، وفكرة الوجود المتغير، كلتاهما معا موضوعا لاانتباهي في آن واحد. فقد يكون الموضوع المثالي الذي أنتبه إليه مركبا من أفكار منوعة - أو حتى متضادة - تتحد كلها في لحظة من لحظات الانتباه؛ لأنها كلها أجزاء يتألف منها الموضوع الذي أنتبه إليه في هذه اللحظة، إذ يمكن أن يكون الجانب الموضوعي عندي في لحظة معينة هو فكرة الأوضاع القائمة مع فكرة تغيرها في آن معا. ومع أن الفكرتين تمثلان معا الموضوع، لا الذات. إلا أن فكرة الوجود - مع ذلك - تبدو موضوعية من مسافة أبعد، لو أن فكرة التغير كانت تتلاءم أفضل مع شخصيتي. ولو صح ذلك فإن الراحة التي أشعر بها مع فكرة التغير ومعارضة هذه الفكرة للوجود القائم لن تكون وقائع سيكولوجية يمكن الفصل بينها، لكنهما سيكونان وجهين لا ينفصلان لواقعة واحدة بعينها، وحين أختار أحدهما أدخل - في الحال - في صراع مع الوجه الآخر.
ويمكن أن نفهم فهما سليما - بهذا المعنى الأخير - الصراع بين الدوافع المختلفة؛ فلو أن الفرد أخذ بفكرة التغير كهدف له، معارضا بذلك فكرة الوجود القائم، فمن الواضح - في هذه الحالة - أن الذات ككل - أعني الفاعل المنتبه، والمركب الفكري الذي ينتبه إليه - سوف تكون ذاتا نشطة إيجابية، بطريقة أو بأخرى. فليست هناك تلك الحالة التي فيها أخذ ورد «أشبه ما يكون بحالة شد الحبل.» بحيث تتجاذب الذات في اتجاهات متعارضة بواسطة قوتين متضادتين، كما لو كانت أشبه بالمسرح الذي تمارس عليه هذه الدوافع المختلفة نشاطها. «إن محاولة تصور «الدوافع» على أنها تعمل في الذهن بقوة باطنية من ذاتها - مثلها مثل الجزئيات المادية بالنسبة للكتلة التي تتألف منها - هو تصور ظاهر البطلان.»
18
إنه إذا ما تذكرنا أن الفكرتين معا - فكرة الخير التي أعتنقها، وفكرة الوجود القائم التي أرفضها - يمثلان الجانب الموضوعي من الذات، أعني أنهما المكونات الضرورية للذات، أو أنهما الذات بمعنى ما - أقول إننا إذا ما تذكرنا ذلك فإننا لن نستطيع بعد هذا أن نعتبر الموقف صراعا بين دافعين، بينما يظل الفاعل نفسه متفرجا سلبيا ينتظر النتيجة، فهو ليس صراعا بين الإنسان في صراع مع نفسه؛ إنه الخصوم المتنازعة وأرض القتال في آن معا.
19 (15) وإذا تساءلنا لماذا يأخذ الفرد بفكرة التغير، معارضا بذلك الوجود الفعلي القائم؟ كانت الإجابة: أن الفكرة تلائم حياته بطريقة أفضل إذا ما أخذت في كل منظم. لكن ذلك يثير مشكلة؛ فالذات يمكن أن تنظم بأكثر من صورة، والنسق المتكامل للحياة يمكن أن يختلف باختلاف الناس، بل إنه قد يختلف مع الشخص الواحد باختلاف أحواله، فقد أجد أن فعلا معينا يلائم البيئة التي أعيش فيها، ثم فجأة تتغير هذه البيئة فيصبح نفس هذا الفعل غير قادر على تحقيق شخصيتي، وهذه الأحوال المختلفة، أو هذه الأنظمة المختلفة للذات، هي ما أطلق عليه «ماكنزي» اسم «عوالم الرغبة
Shafi da ba'a sani ba