وهذا حق، لكن إذا كان ذهن الفاعل - في حالة الفعل - يحدث تغيرا موضوعيا، فما الذي تبقى «ليوونج» بعد ذلك لينكره؟ الواقع أن الكاتب إذا ما انتهى إلى مثل هذا القول فإنه يسير - فيما أعتقد - في دائرة مغلقة؛ ذلك لأن النتيجة التي انتهى إليها هي بالضبط المشكلة التي بدأ منها، أعني أن تحديد المعنى الدقيق للعلاقة بين ذهن الفاعل وبين التغير الذي يحدث هو نفسه المشكلة. (9) ثالثا: يعتقد «يوونج» أنه في حالة سلسلة الحوادث التي يتألف منها الفعل - في مقابل عمليات العالم الطبيعي - «لا بد للفاعل أن يكون على وعي بما يعمل، وأن يعمل هذا الفعل لأنه يريد أن يعمله .»
9
وإذا تغاضينا عما تشتمل عليه عبارته هذه من ألفاظ، مثل «الفاعل» و«الوعي»، وهي ألفاظ تجعل الفعل يختلف أتم الاختلاف عن العمليات الطبيعية، فإننا نجده يسلم بأن الفاعل في حالة الفعل، يفعل ما يفعل لأنه يريد أن يفعله. وهذا يعني بعبارة أخرى، أن الفعل لا يكون فعلا ما لم يكن غرضيا، فالغرضية هي سمة السلوك البشري، وهي نفسها الخاصية التي تميز الفاعل عن الأجسام المادية، كما أنها الخاصية التي تميز الأفعال عن أحداث الطبيعة وعملياتها. ومن ثم فإن الاعتراف بوجود مثل هذا الاختلاف الواضح بين الفعل وأحداث الطبيعة، ثم الزعم - بعد ذلك - بأن الفعل يمكن تحليله إلى حوادث ترتبط فيما بينها ارتباطا سببيا - هو تناقض ذاتي صريح وواضح. (10) رابعا: إذا كان الفعل سلسلة من الحوادث التي ترتبط فيما بينها ارتباطا سببيا: فعلى أي أساس يمكن أن نحدد نقطة النهاية في فعل ما؟ إن «يوونج» يرى أن الفعل تحدده أحداث في جسم الفاعل، لكنه يضيف في الحال أن حركة الجسم لا بد أن ينظر إليها على أنها حركة مستقلة عن البيئة أو: الجانب الجزئي من البيئة، التي كان الفاعل يفكر فيه والذي يرغب في تغييره عن طريق الفعل.»
10
غير أن ذلك يظهرنا على أنه ليس ثمة طريقة نرسم بها حدا للفعل كشيء متميز عن سلسلة الأحداث، التي لا حصر لها، والتي سوف تتوالى يقينا، اللهم إلا بالإشارة إلى غرض الفاعل. وفكرة الغرض - مرة أخرى - تتضمن الفرق كله والاختلاف بأسره بين الفعل البشري على نحو ما يقوم به الفاعل السيكوفيزيقي، وبين سلسلة الحوادث المتتالية التي يعقب بعضها بعضا كما هي الحال في حوادث الطبيعة، التي يحاول الكاتب أن يتمثلها. (11) الفرد في حالة الفعل يكون فاعلا، أعني نشاطا إيجابيا فعالا؛ ذلك لأن الفعل إنما يعني إحداث تغير في الوجود. والفعل وقد انتهى، أعني الفعل وقد تم
act «العنصر الثاني من عناصر الفعل» هو التغير الذي يحدث. وهو نتيجة هذا الفعل التي يستطيع الملاحظ مشاهدتها، سواء عن طريق الملاحظة الخارجية، إن كان هذا التغير هو حركة جسمية، أو عن طريق الاستبطان، إذا كان فكرة. غير أن الفعل في حالة الأداء
acting «الطرف الأول، أو العنصر الأول من الفعل»، فهو جانب داخلي، لا يستطيع أحد على الإطلاق ملاحظته، وإنما يمكن للفاعل نفسه أن يخبره حين يكون في عملية الفعل، وأن يستنتجه حين يفحص الموقف فحصا استرجاعيا، أعني حين يسترجع ما حدث. وفكرة العمل في حالة الأداء نفسها تعني أن ما يتم عمله يعتمد في وجوده على حالة العمل: «وينتج من ذلك أن كل تحليل لفعل يجعل من نشاط الذات - في حالة الفعل - ومن التغير في العالم الخارجي حدثين يرتبط كل منهما بالآخر ارتباطا «خارجيا» - سوف يسيء فهم طابع الفعل وخاصيته. وعلى سبيل المثال فإن التحليل الذي يرى أن الفعل مركب من حادثتين إحداهما؛ حادثة ذهنية، والأخرى حادثة مادية، مع علاقة قائمة بالفعل تربط بينهما - مثل هذا التحليل ليس تحليلا ناقصا فحسب، لكنه يلغي الفعل إلغاء تاما؛ لأنه يعني أن في استطاعتنا أن ننظر إلى نتيجة الفعل في استقلال كامل عن الفعل الذي تمت به هذه النتيجة. وهو يعني أيضا إمكان النظر إلى نتيجة الفعل، لا على أنها فعل تم، بل على أنها حادث وقع مصادفة.»
11
صحيح أننا لا بد أن نحلل الفعل إلى جانبين؛ أحدهما داخل الفاعل نفسه، والثاني هو الحادثة الخارجية - أو الحادثة الفيزيائية - التي أحدثها الفعل. لكن المشكلة كلها، إنما تكمن في الانتقال من أحد هذين الجانبين إلى الجانب الآخر، المشكلة هي الانتقال بين هذين الجانبين؛ ذلك لأن الفعل في حالة الأداء «أو الجانب الداخلي من الفعل» يعتمد على هذا الانتقال نفسه.
الفرد في حالة الانتباه يقوم بفعل ما، أعني أنه يعمل شيئا ما، وهذه الفكرة تؤدي بنا إلى النتيجة الآتية:
Shafi da ba'a sani ba