Reason
تبرره، والأساس الوحيد الذي يقوم عليه هو تعودنا على ملاحظته. وإذا كان ثمة وحدة تضم التعدد المطلق للواقع، فهي وحدة - بناء على المبدأ التجريبي - تفرضها الذات على الواقع، لكنها هي نفسها ليست وحدة داخلية تقوم في قلب هذا الواقع. (9) لكن ألا توجد حلقة وسطى بين هذين الطرفين الأقصيين، أعني بين التصور الميتافيزيقي والتصور التجريبي للسببية، بحيث تشكل تصورا ثالثا للعلاقة السببية؟ هناك بالفعل خطوة وسط؛ ففي حين أن المقدم في السببية الميتافيزيقية ضروري وكاف، وفي السببية التجريبية لا هو ضروري ولا كاف، فهو في هذا التصور الثالث: تصور ضروري لكنه ليس كافيا.
سبق أن ذكرنا - في الفصل الثالث - أن الإرادة يمكن أن تحلل إلى الانتباه وإلى فكرة التغير، بشرط أن يتحقق وفقا لمضمون الفكرة وبنشاط الفاعل نفسه على نحو يشعر معه أنه يتحقق ذاته في هذا الفعل. ورأينا أن الفرد المنتبه لمثل هذه الفكرة يكون نشطا، أعني أنه يوجه نفسه، ويتميز عن ذلك الذي يوجهه غيره. ولكي ندعم هذه الفكرة لجأنا إلى التجربة من ناحية، وحاولنا أن نبين - من ناحية أخرى - أن النظرية المعارضة، وهي نظرية المذهب الجبري، نظرية لا تقوم على أساس سليم. إن الفاعل حين ينتبه إلى فكرة التغير يحدد نفسه لأنه قبل فعل الانتباه لم يكن ثمة شيء يؤثر فيه، بحيث يجعله ينتبه إلى هذه الفكرة الجزئية، فتلك هي الوظيفة الأساسية لفرديته العينية. ومعنى ذلك أن العملية التي تبدأ من الانتباه إلى فكرة معينة وتنتهي بتحقيق هذه الفكرة مشروطة بشخصية الفاعل. لكن العلاقة هنا بين الشرط والمشروط تجعل من الممكن تصور الأول بدون الثاني، على الرغم من أن الثاني لا يمكن تصوره بدون الأول؛ فالعلاقة بين شخصية الفاعل وفعله الإرادي ليست هي نفسها العلاقة بين المثلث وخواصه. كلا، ولا هي كالعلاقة السببية بين الجدار وبياضه، لكنها علاقة من نوع خاص؛ فهي تعني أنه بدون هذه الشخصية العينية للفرد لا يمكن أن يصدر على الإطلاق مثل هذا الفعل الإرادي. لكن هذه الشخصية العينية نفسها يمكن أن توجد دون أن يكون هذا الفعل الإرادي نتيجة ضرورية لها. (10) وهذه النظرية تختلف عن النظرية التي تنسب - عادة - إلى اسبينوزا، كما تختلف عن نظرية ليبنتز. فاسبينوزا يقول في القضية الأولى من كتاب الأخلاق: «الجوهر بطبيعته سابق على أحواله
its affections »
12
وهو بذلك يسعى إلى البرهنة على أن ذلك الجوهر الذي يتألف من صفات لا متناهية يوجد وجودا «ضروريا». ومن ضرورة الطبيعة الإلهية لا بد أن تنتج أعدادا لا متناهية من الأشياء بطرق لا متناهية «أعني جميع الأشياء التي يمكن أن يتصورها عقل متناه».
13
إذ من الواضح أنه يمكن أن ينتج عدد من الخصائص بطريقة ضرورية من التعريف الذي نقدمه لأي شيء. وكلما كان تعريف الشيء يعبر نسبيا عن واقع أعظم، استنتجنا منه خصائص أكثر. لكن الطبيعة الإلهية تمتلك صفات لا متناهية بطريقة مطلقة؛ ومن ثم لا بد أن تنتج جميع الأشياء التي يمكن أن نتصورها من ضرورة الطبيعة الإلهية. وبعبارة أخرى «أعني الجوهر» هو السبب الكامن في جميع الأشياء:
14 «وأي شيء يضطر إلى فعل ما فهو مضطر إلى ذلك عن طريق الله بالضرورة، والشيء الذي لا يضطر عن طريق الله على هذا النحو لا يمكن أن يحدد نفسه لأي فعل.»
15
Shafi da ba'a sani ba