بالاختصار. النتيجة الحتمية هي الوضع الخطير الذي آلت إليه الأمور، هي انتشار الكتب المترجمة وموت حركة التأليف وقتلها ووأد الكتب المعدة للطبع في أدراج مكاتب أصحابها؛ النتيجة إغلاق أبواب القاهرة أمام المؤلف في جمهوريتنا ودفعه دفعا إلى الناشرين في بيروت حيث المجال لا يزال مفتوحا لنشر الكتب المؤلفة.
لا أعرف إذا كان المسئولون عن هذه الهيئات قد وضعوا في اعتبارهم تلك النتيجة وهم يرسمون خطتهم لإغراق السوق بالكتب المترجمة الرخيصة، أم فاتهم هذا، ولكن ما أعلمه أن الوضع الذي خلقته هذه السياسة وضع لا يمكن السكوت عليه. إن ترجمة فروع الثقافة المختلفة وجعلها في متناول القارئ العربي عمل جليل ما في ذلك شك، ولكن قتل الكتاب العربي المؤلف بهذه الطريقة عمل مشين ما في ذلك شك أيضا.
لقد ظلت القاهرة عاصمة التأليف ولا نريدها أن تتحول إلى عاصمة للترجمة. إنه لأمر محير ومخجل معا أن تصبح كل دواوين شعرنا ورواياتنا ومجموعات قصصنا وكتبنا للنقد والدراسات والأبحاث تصدر عن بيروت. ويحدث هذا في وقت تولي ثورتنا فيه الأدب والتأليف عنايتها الكبرى، وتنشئ من أجل هذا الغرض المجالس والوزارات. أتكون نتيجة المجالس والوزارات هذا التضييق على حركة التأليف؟
بربكم، قولوا لي أيها السادة: ماذا نفعل؟ ماذا يفعل كاتبنا، أي كاتب، وهو إذا حاول الظهور وجد مجالات الظهور يحكمها هذا الوضع، وإذا حاول قول الشعر وجد المجلس الأعلى للآداب، ولجنة الشعر به وسكرتيرها الأستاذ العقاد، لا يعترفون به أو بشعره؟ وإذا ألف مسرحية جاءوا له بعزيز أباظة مسئولا عن المسرح في المجلس، وعن ظهور المسرحيات في الفرقة القومية، ليلقي مسرحية باسم اللغة تارة، وباسم الأدب الرفيع تارة أخرى؟
ماذا يفعل كاتبنا؟ أي كاتب، ولجان الكتابة والأدب محرمة عليه، ومؤتمرات الكتاب حضورها قاصر على موظفي المجالس والهيئات، والجوائز واللجان والمؤتمرات، وكل شيء يتعلق بالأدب ممنوع على الأديب المنتج الحق، ممنوح بسخاء لكل من عداه؟ ماذا يفعل الكاتب، وكل هذه الهيئات التي أقيمت لتساعده وتدفعه لا تفعل إلا أن تقف في وجهه؟ ماذا يفعل كاتبنا، أي كاتب، والرعاية قد وصلت إلى حد كتابه تحول بينه وبين الظهور؟
بالله عليكم، ماذا يصنع كاتبنا؛ أي كاتب؟!
لغز صلاح جاهين
حاولت خلال الأسبوع الماضي أن أحل لغز صلاح جاهين. عشت مع أبعاده الثلاثة: الرسام والشاعر والممثل، وبرغم ما كتبه هو في صباح الخير وحاول فيه أن يبذر بذور الخلاف بين أشخاصه الثلاثة، وبرغم محاولات المقارنة وإيجاد أشكال التناقض بين شعر صلاح ورسومه، فالحقيقة أني بعد دراسة وتأمل وجدت أن مواهب صلاح المثلثة تتعقد وتتشابك بطريقة تدرك معها أنها كل واحد متماسك.
وأنت لا يمكنك أن تحل لغز صلاح إلا إذا شاهدته وهو يمثل؛ فشخصه - بكتلته الحية - بانفعالاته حين تنتقل إليك دون مانع أو وساطة، يعطيك صلاح مفتاح شخصيته وسر موهبته. إنك حين تقرأ شعره وتتأمل رسومه، تحس أن كلماته وخطوطه محملة بشحنات تعبيرية تتعدى حدود الشعر بمفرده أو الرسم بمفرده. إن شعره ليس مجرد شعر، ورسومه ليست مجرد رسوم، إنك تحس بهذه أو تلك جزءا من كل، والكل لا تحسه إلا إذا أعطاه لك صلاح بكله، وهو يعطيك إياه إذا مثل.
إن شعر صلاح لا يتكامل إلا إذا أنشده أمامك، وكأنه أدوار يكتبها لنفسه ليعتمد على نصفها في التعبير عن معانيها تعبيرا كاملا حين يمثلها. ويخيل إلي أنه لم يختر الكاريكاتير عبثا، فهو فن الرسم الكوميدي أو فن الكوميديا المرسوم، والتشبيهات الجسدية الكثيرة في شعره ليست نزعة إلى «التجسد» بقدر ما هي نزعة إلى «التمثيل»؛ فهو في شعره أيضا يعبر، وكأنه على خشبة مسرح بالجسد.
Shafi da ba'a sani ba