وفي يوم السبت تاسع عشرينه، مات البدر الأسيوطي، وكان يوما قل أن رؤى مثله في شدة الحر، وكثرة، الشعث، واختلاف الأهوية الحارة، فقال بعض الناس (وأحسن): عن جهنم جديرة بأن تتنفس، لاجتذابه، فإن هذا الرجل كان في نهاية الوحاشة [5] خلقا وخلقا، كان في أول ما نشأ من مغاني العرب، ويحكى عنه في ذلك عجائب، ثم انتقل إلى القاهرة، فتصرف في ابواب القضاة ففاق الرسل في ذلك، فصار وكيلا في الأمور الصعاب، واتسعت معرفته في الجدل، والخصام، والحيل التي تبطل بها الحقوق، ثم اتصل ببعض الأكابر، لانطباعه في السخرية، ومعرفته بالخصام في المحاكمات، فولي قاضي القضاة علم الدين صالح البلقيني، بسعيه في آخر دولة الأشرف، فأقامه نقيبا له، فحصل في ولايته تلك من الفساد، أمر عظيم، وكثر فيه القال والقيل، فلم تطل مدته، ونزى للأسيوطي كثير من الأعداء، فضبطوا عليه الكلمات التي اجترأ فيها على العظائم، فإنه كان شديد الجرأة، فادعي عليه، ثم نصره السفطي على أخصامه. وصحب ناظر الخاص، الجمال يوسف بن كاتب جكم، فتقدم عنده، وصحب بعض الأمراء، وكان حظيا عند الجميع، لما فيه من منافعهم الدنيوية، وعظم أمره، واشتد أذاه، ثم عادى ناظر الخاص، وانتقل إلى أبي الخير النحاس فقدر قرب انعكاس أبي الخير، فأصلح بينه وبين ناظر الخاص تنم المؤيدي أمير سلاح، واستمر مؤذيا إلى أن أراح الله منه البلاد والعباد، في اليوم المذكور، وكان موته قبل ظهره، ولم يخرج إلى يوم الأحد في مثل وقت موته، ولم يصل عليه، إلا قليل، وحدثني الجمال بن السابق، أن الشهاب بن صالح، حدثه، أن الحفار الذي ألحده، وضع بلاطة، ثم صعد هاربا من القبر، فسئل، فقال: احترقت رجلي، وعد الناس موته، وموت اللذين قبله، وهما: الكاتب، والحلبي من تنفسات الدهر، ومن تنفساته أيضا، أنه عزل حميد الدين بن قاضي بغداد المدعي أنه من ذرية الإمام أبي حنيفة، من قضاة الحنفية بدمشق
Shafi 107