قبل، وهو: أنَّ الظلم الذي حرمه الله على نفسه، ونفى إرادته كما تقدَّم هو مثل أن يترك حسنات المحسن، فلا يجزيه بها، ويعاقب البريء على ما لم يفعل من السيئات، ويعاقب هذا بذنب غيره، أو يحكم بين الناس بغير القسط، ونحو ذلك من الأفعال التي يُنزَه الرب عنها لقسطه، وعدله، وهو قادر عليها، وإنما استحق الحمد، والثناء؛ لأنه ترك الظلم، وهو قادر عليه، وكما أن الله ﷾ منزه عن صفات النقص، والعيب، فهو أيضًا منزه عن أفعال النقص، والعيب.
وقوله: " وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا" -هو بفتح التاء- وتخفيف الظاء في الأصول المعتبرة، ونقل ابن حجر: أنه روي مشددًا، والأشهر تخفيفها؛ أي: جعلت الظلم بينكم يا عبادي محرمًا، فلا يظلم بعضكم بعضًا، والخطاب للثقلين؛ لاختصاصهم بالتكليف، وتعاقب التقوى والفجور، ولأن ما بعده من الألفاظ كالطعام، والكسوة ينص على ذلك، وهذه الجملة تجمع الدين كله، فإن ما نهى الله عنه راجع إلى الظلم، وكل ما أمر به راجع إلى العدل ولهذا قال تعالى في كتابه الحكيم: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ﴾ [الحديد: ٢٥] .
وقال الإمام تقي الدين بن تيمية في شرح هذا الحديث: فأخبر أنه جل ذكره أرسل الرسل، وأنزل الكتاب والميزان لأجل قيام الناس بالقسط، وذكر أنه أنزل الحديد الذي به ينصر هذا الحق، فالكتاب يهدي، والسيف ينصر، وكفى بربك هاديًا ونصيرًا، ولهذا كان قوام الناس بأهل الكتاب، وأهل الحديد، كما قال من قال من السلف: صنفان إذا صلحوا صلح الناس: الأمراء، والعلماء، وقالوا في قوله تعالى: ﴿وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء:٥٩] أقوالًا تجمع العلماء، والأمراء، ولهذا نص أحمد، وغيره على دخول الصنفين في هذا الآية؛ إذ كل منهما تجب طاعته فيما يقول به من طاعة الله، وكان نواب رسول الله ﷺ في حياته كعلي، ومعاذ، وأبي موسى، وعتاب بن أسيد، وعثمان بن أبي العاص، وأمثالهم يجمعون الصنفين، وكذلك خلفاؤه من بعده كأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، ونوابهم، ولهذا كانت السنة: أن الذي يصلي بالناس هو صاحب الكتاب، والذي يقوم بالجهاد هو صاحب الحديد. انتهى.
وقال العلامة السعد في شرح الأربعين النووية: إذا الظالم ينحط عن رتبة النبوة ﴿قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ [البقرة: ١٢٤] وعن درجة الولاية: ﴿أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ [هود: ١٨] وعن مرتبة السلطنة "بيت الظالم خراب ولو بعد حين" وعن نظر الخلائق
1 / 51