في مفرداته: العبودية: إظهار التذلل، والعبادة أبلغ منها؛ لأنها غاية التذلل، ولا يستحقها إلا من له غاية الإفضال، وهو الله تعالى، ولهذا قال: ﴿أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ﴾ [الإسراء: ٢٣]، والعبادة ضربان: عبادة بالتسخير، وهي الدلالة الصامتة الناطقة المنبهة على كونها مخلوقة، وأنها خلق فاعل حكيم، وتكون للإنسان، والحيوانات والنبات. وعبادة باختيار، وهي لذوي النطق، وهي المأمور بها في نحو قوله تعالى: ﴿اعْبُدُوا رَبَّكُمُ﴾ [البقرة: ٢١]، ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ﴾ [النساء: ٣٦] . اهـ ولا يجوز فعلها شرعًا، ولا عقلًا إلا الله تعالى؛ لأنه المستحق لكونه موليًا لأعظم النعم من الحياة، والوجود، وتوابعهما؛ لذلك يحرم السجود لغيره ﷾؛ لأن وضع أشرف الأعضاء على أهون الأشياء وهو التراب، ومواطئ الأقدام والنعال غاية الخضوع. وقيل: لا تستعمل إلا في الخضوع له سبحانه، وما ورد من نحو قوله تعالى: ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [الأنبياء: ٩٨] وارد على زعمهم تعريضًا لهم ونداءً على غباوتهم؛ وتستعمل بمعنى الطاعة، ومنه ﴿أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ﴾ [يس: ٦٠] وبمعنى الدعاء، ومنه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي﴾ [غافر: ٦٠] وبمعنى التوحيد، ومنه ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: ٥٦] وكلها متقاربة المعنى.
والخصلة الثانية: هي مختصة بالعبد، وهي استحقاق الأجر، وجزاؤه على عمله الصالح يعني: أن الله ﷾ يجزي العبد على ما عمل من الخير، وأما ما عمل من الشر: فأمره موكول إلى ربه وموجده، إن شاء حاسبه عليه وعاقبه، وإن شاء غفر له وسامحه. سبحانك يا رب ما أحلمك، وأرأفك بعبدك المذنب!
والخصلة الثالثة: مشتركة بين الله تنزهت صفاته، وبين العبد الضعيف، وهو أن العبد إذ دعا الله ﷾ في السرِّ والعلن؛ استجاب له، ولبَّاه، وقد ورد في الدعاء وفضله آثار كثيرة نأتي بنبذة منها. روى أصحاب السنن الأربع، وأخرجه ابن حبان في صحيحه، وابن أبي شيبة في مصنفه من حديث النعمان بن بشير ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: "الدعاء هو العبادة" ثم تلا قوله تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي﴾ ١ الآية [غافر: ٦٠] وأخرج
_________
١ رواه أحمد في المسند "٤/ ٢٦٧"، وأبو داود رقم "١٤٧٩"، والبخاري في الأدب المفرد رقم "٧١٤"، وابن أبي شيبة "١٠/ ٢٠٠". والترمذي رقم "٣٣٧٢". والحاكم "١/ ٤٩٠و٤٩١" وصححه ووافقه الذهبي، وابن حبان رقم "٨٩١" من حديث النعمان بن بشير ﵁. نقول: وهو حديث صحيح.
1 / 31