Ittihaf Abna Casr

Amin Wasif d. 1346 AH
68

Ittihaf Abna Casr

إتحاف أبناء العصر بتاريخ ملوك مصر

Nau'ikan

وكان شهما شجاعا اتسعت مملكته وكثرت عساكره، وكان صاحب خيرات، ولما مات كافور الإخشيد اضطربت أحوال مصر فسير إليها جوهرا الصقلي غلام والده المنصور «وسمي بالصقلي نسبة إلى صقلية؛ لأنه رومي الأصل» في جيش عظيم إلى الديار المصرية فاستولى عليها بلا حرب ولا قتال، وعسكر في المحل المعروف الآن بالجامع الأزهر وخان الخليلي وبيت القاضي، وأقيمت الدعوة للمعز بالجامع العتيق، وكان ذلك في سنة 358ه، ثم قدم جوهر إلى جامع ابن طولون، وأمر فأذن فيه بحي على خير العمل. ولما استقر جوهر بمصر شرع في بناء القاهرة، وسميت القاهرة لرمي أحجارها عند توسط المريخ المعروف عند أرباب الفلك من الإسلام باسم القاهر، وسميت الفسطاط بمصر القديمة، وحول إلى القاهرة كرسي النيابة بعد أن كان بالقطائع، ثم أمر ببناء الجامع الأزهر سنة 359ه أي سنة 969م، وأتمه سنة 361ه أي سنة 971م، وجعل جوهر حارة زويلة وغيرها وما جاورها للعساكر القادمة مع المعز من المغرب، وشيد سراي القصر العيني للخليفة وسير جمعا كثيرا مع جعفر بن فلاح إلى الشام، فبلغ الرملة وبها الحسن بن عبد الله بن طغج وغيره، فاستولى عليها ثم سار إلى طبرية فوجد أهلها قد أقاموا الدعوة للمعز قبل وصوله، فسار عنها إلى دمشق فقاتلوه، فظفر بهم وملك دمشق ونهب بعضها، وأقام الخطبة للمعز وذلك سنة 359ه، وقطعت الخطبة العباسية، وجرت في أثناء هذه السنة بعد الخطبة العلوية فتنة بين أهل دمشق وجعفر بن فلاح، ووقع بينهم حروب، وقطعت الخطبة العلوية، ثم استظهر ابن فلاح، واستقرت دمشق للمعز.

وفي سنة 360ه أي سنة 970م وصلت القرامطة إلى دمشق وكبسوا جعفر بن فلاح نائب المعز خارج دمشق وقتلوه، وملكوا دمشق وأمنوا أهلها، ثم ملكوا الرملة، واجتمع إليهم خلق من الإخشيدية، فقصدوا مصر ونزلوا بعين شمس، وجرت بينهم وبين المغاربة حرب، فانتصرت القرامطة ثم انتصرت المغاربة، فعادت القرامطة إلى الشام، وكان رئيس القرامطة وقتئذ الحسن بن أحمد بن بهرام. وفي آخر سنة 361ه سار المعز من المهدية واستعمل عليها يوسف بن بلكين بن زيري، وعلى صقلية الحسن بن علي، وعلى طرابلس الغرب عبد الله بن يحلف الكناني، ولما وصل إلى برقة كان معه محمد بن هانئ فقتل ولم يظهر الذي قتله، وكان شاعرا عند المغاربة بمقام المتنبي، وقد اتسع في مدح المعز حتى كفر؛ فمما قاله:

ما شئت لا ما شاءت الأقدار

فاحكم فأنت الواحد القهار

وسار حتى وصل الإسكندرية، فأتاه أهلها وأعيانها، فأكرمهم ودخل القاهرة في رمضان سنة 362ه أي سنة 973م وحصل بينه وبين القرامطة بالقرب من عين شمس «المطرية» حروب، وكان رئيسهم الحسن بن أحمد بن الإحسائي، فلما رأى المعز كثرة جموعه استعظم ذلك وأهمه وتحير في أمره، ولم يقدم على إخراج عساكره لقتاله، فاستشار أهل الرأي من نصحائه، فقالوا: «لا حيلة غير السعي في تفريق كلمتهم وإلقاء الخلف بينهم.» ففعل المعز ذلك بواسطة ابن الجراح أحد قوادهم؛ حيث برز له مقدارا من الدراهم، فانهزمت القرامطة وتبعتهم عساكر المعز، وأخذ جماعة منهم وأمر بضرب عنقهم، ثم اقتفوا أثرهم إلى بلدهم الإحساء والقطيف، وهي بالقرب من الخليج الفارسي شرقي بلاد العرب.

وفي سنة 364ه/974م لما انهزم أفتكين مولى معز الدولة أمير الترك من بختيار صاحب «واسط» سار إلى حمص، ثم إلى دمشق، وكان العامل عليها من طرف المعز «زبان الخادم»، فاتفق أفتكين مع أهل دمشق على إخراج «زبان»، وقطعوا خطبة المعز وولوا أفتكين، فعزم المعز على قتاله فاتفق موت المعز، وذلك سنة 365ه/سنة 975م. (9-2) خلافة العزيز بالله

ولما مات أبوه جهز القائد جوهر لقتال أفكتين بدمشق، فاستنجد بالقرامطة، فلما قربوا رحل جوهر إلى جهة مصر فتبعه أفتكين والقرامطة وتبعهم خلق فلحقوا جوهرا قرب الرملة فدخل عسقلان ضعفا عنهم، فحصروه فعاين الهلاك هو وأصحابه من الجوع، فبذل لأفتكين أموالا ليطلقه، فرحل أفتكين عنه، وسار جوهر إلى مصر وأعلم العزيز بالحالة، فسار العزيز بنفسه إلى الشام، ووصل الرملة فقاتله أفتكين والقرامطة ، فانتصر العزيز وقتل وأسر كثيرا، وجعل لمن يحضر أفتكين مائة ألف دينار، ودخل أفتكين في هزيمته ببيت صاحبه «مفرج بن دغفل الطائي»، فأسره مفرج في بيته وأعلم العزيز به فأعطاه الجعل، وأحضر أفتكين فأطلقه العزيز وأطلق أصحابه وأنعم عليه وصحبه إلى مصر، وبقي بمصر معظما حتى مات بها. وفي سنة 372ه بعث العزيز بالله من مصر جيشا مع بكتكين إلى الشام، فوصل فلسطين وقد استولى عليها مفرج بن الجراح، فاقتتلوا وانهزم ابن الجراح، ثم سار بكتكين إلى دمشق فقاتله قسام المتولي عليها، فغلبه بكتكين وملك دمشق وأمسك قساما وأرسله إلى العزيز، فاستقر بدمشق وزالت منها الفتن، وكان العزيز مولعا بالصيد، ومات ببلبيس سنة 386ه أي سنة 996م. وتولى بعده ابنه الحاكم، وكان جبارا عنيدا وشيطانا مريدا، لم يل مصر بعد فرعون أشر منه رام أن يدعي الألوهية كما ادعاها فرعون، فأمر الرعية إذا ذكر الخطيب اسمه على المنبر أن يقوموا إجلالا لذكره واحتراما لاسمه، فكان ذلك في سائر ممالكه حتى الحرمين الشريفين، وأراد أن يفعل الفاحشة بأخته فعملت على قتله، فركب ليلة إلى الجبل المقطم ينظر في النجوم مثل عادته، فآتاه عبدان فقتلاه بالقرب من حلوان وحملاه إلى دار أخته ليلا فدفنته في دارها سنة 411ه/1021م، وهو الذي بنى الجامع المعروف الآن بجامع الحاكم بالقاهرة. وتولى بعده ابنه الظاهر لإعزاز دين الله، وكانت أفعاله جميعها تقرب من أفعال أبيه، ومات سنة 427ه أي سنة 1036م. (9-3) خلافة المنتصر بالله معد بن الظاهر

تولى بعد موت أبيه سنة 1036م، وأقام حاكما مدة ستين سنة، ولم يقم هذه المدة خليفة ولا ملك في الإسلام قبله، وفي مدته قطع المعز بن باديس بالمهدية خطبة العلويين، وخطب للقائم بأمر الله العباسي فجرد عليه الجيوش، فلاقاهم ومعه ثلاثين ألف فارس، فانهزم ودخل القيروان مهزوما، ثم استولت جيوش المستنصر على القيروان ففر هاربا إلى المهدية ونهبوها. وفي سنة 449ه/1057م قبض المستنصر بمصر على وزيره اليازرودي لما وجد عنده مكاتبات من بغداد، وكان قبل توليته الوزارة قاضيا بالرملة.

وفي أيامه سار أرسلان البساسيري لإقامة الدعوة للمستنصر بالعراق، وكان طغرلبك قد ترك بغداد، واقتفى أثر أخيه إبراهيم نيال إلى همدان؛ حيث كان خرج عن طاعته مرارا، فلما خرج عليه هذه السنة أسره طغرلبك وخنقه، فانتهز الفرصة عند غياب طغرلبك عن بغداد ودخلها البساسيري ومعه قريش بن بدران العقيلي ومعه مائتا فارس وأربعمائة غلام، وخطب للمستنصر بجامع المنصور وأذن بحي على خير العمل، وقطع من الخطبة اسم الخليفة القائم بأمر الله العباسي، ثم خطب للمستنصر أيضا بجامع الرصافة، وجرى بينه وبين مخالفيه حروب، ثم نزل القائم بأمر الله وأمير الأمراء إلى قريش، وسارا معه باتفاق منه، فأرسل البساسيري يذكر قريشا بما عاهده عليه من المشاركة في الأمر، ثم اتفقا على أن يتسلم البساسيري أمر الأمراء لأنه عدوه، وبقي الخليفة عند قريش، ونهبت دار الخلافة، ثم سلم قريش الخليفة لابن عمه مهاوش، فسار مهاوش والخليفة في هودج إلى حديثة عانة، فنزلا بها وسار أصحاب الخليفة إلى طغرلبك، فعاد طغرلبك مع جيشه لقتال البساسيري فهزمه وأصحابه، وقتله وبعث برأسه إلى الخليفة، وكان البساسيري مملوك بهاء الدولة بن بويه.

وفي سنة 454ه أي سنة 1062م حصلت فتنة بين الأتراك والعبيد كانت سببا في خراب الأقاليم المصرية، وسببها أن أحد الأتراك قتل عبدا وهو سكران، فاجتمعت العبيد وقتلوه، وبلغ ذلك الأتراك فاجمعوا على مقاتلة العبيد، وتقابل الفريقان في كوم الشريك «بمديرية البحيرة»، وحصلت وقعة انهزم فيها فرقة العبيد، فشق ذلك على والدة المستنصر؛ حيث إنها قد كانت السبب في كثرة جموعهم بمصر بشرائها لهم، حتى بلغ تعدادهم نحو خمسين ألفا، وقد أمدتهم في تلك الوقعة سرا، وكانت قد تحكمت في الدولة ونفذت كلمتها، وحثت على قتال الأتراك، فوقعت الفتن ثانيا بين الطرفين آل أمرها إلى وقعة بالقرب من الجيزة، وانهزم فيها العبيد أيضا، وفروا إلى الصعيد وذلك سنة 459ه/1066م، فازدادت قوة الأتراك بمصر واستخف رئيسهم ناصر الدولة حفيد ناصر الدولة بن حمدان بالخليفة، وصاروا يطلبون منه أموالا حتى نفذ جميع ما في الخزينة والتزم ببيع ما عنده، وبعد ذلك سار ناصر الدولة إلى الصعيد لقتال العبيد، فقتل منهم خلقا كثيرا، وعاد إلى القاهرة واستبد بسلطنة مصر، حتى دخلت سنة 461ه فثقل مكانه على الأتراك فاجتمعوا جميعا على عزله، فأمره الخليفة بالخروج من القاهرة، فخرج إلى الجيزة ثم عاد ليلا، ودخل دار القائد تاج الملوك شادي، وترامى عليه فقام لنصرته، وحصلت وقعة عظيمة بينه وبين عسكر الخليفة، فانكسر فيها ناصر الدولة وفر إلى البحيرة، وكثر النهب واشتد الغلاء حتى أكل الناس الجيف، وقطعت الطرق، وكثر القتل فيها إلى أن دخلت سنة 463ه أي سنة 1069م. فجهز الخليفة جيشا لقتال ناصر الدولة، فانهزمت عسكر الخليفة واستولى ناصر الدولة على الوجه البحري وخطب باسم الخليفة القائم بأمر الله العباسي، ونهب أكثر الوجه البحري، فعظم البلاء واشتد القحط وكثرت الموتى، فاضطر الخليفة إلى مصالحة ناصر الدولة بمال يحمل إليه، وبعد قليل وقع الاختلاف بينهما فأتى ناصر الدولة وحاصر القاهرة ونهبها ورجع إلى البحيرة، ومكث هذا الغلاء سبع سنين، وخربت الفسطاط والقطائع.

Shafi da ba'a sani ba