فصل السَّاحر
وَمن ذَلِك السَّاحر يُقَال للمذموم الْمُفْسد وَيُقَال سَاحر للممدوح الْعَالم قَالَ الله تَعَالَى ﴿وَقَالُوا يَا أَيهَا السَّاحر ادْع لنا رَبك بِمَا عهد عنْدك﴾ أَرَادَ يَا أَيهَا الْعَالم الْفَاضِل لأَنهم لَا يخاطبونه بالذم وَالْعَيْب فِي حَال حَاجتهم إِلَى دُعَائِهِ لَهُم واستنقاذه إيَّاهُم من الْعَذَاب والهلكة وَقَالَ رَسُول الله ﷺ (إِن من الشّعْر حكما وَإِن من الْبَيَان سحرًا) فَقَوْل النَّبِي ﷺ وَإِن من الْبَيَان لسحرا يُفَسر تفسيرين مُخْتَلفين أَحدهمَا وان من الْبَيَان مَا يصرف قُلُوب السامعين على قبُول مَا يسمعُونَ ويضطرهم إِلَى التَّصْدِيق بِهِ إِن كَانَ فِيهِ غير حق يدل على هَذَا الحَدِيث الَّذِي يرْوى عَن قيس بن عَاصِم وَعَمْرو بن الْأَهْتَم والزبرقان بن بدر أَنهم قدمُوا على رَسُول الله ﷺ فَسَأَلَ النَّبِي ﷺ عمرا عَن الزبْرِقَان بن بدر فَأثْنى عَلَيْهِ خيرا فَلم يرض بذلك وَقَالَ وَالله يَا رَسُول الله إِنَّه ليعلم أَنِّي أفضل مِمَّا وصف وَلكنه حسدني على موضعي مِنْك فَأثْنى عَلَيْهِ عَمْرو شرا وَقَالَ وَالله يَا رَسُول الله مَا كذبت عَلَيْهِ فِي الأولى وَلَا الْآخِرَة وَلكنه أرضاني فَقلت بِالرِّضَا وأسخطني فَقلت بالسخط فَقَالَ النَّبِي ﷺ (إِن من الْبَيَان لسحرا)
وَقَالَ مَالك بن دِينَار مَا رَأَيْت أحدا أبين من الْحجَّاج بن يُوسُف إِن كَانَ ليرقى الْمِنْبَر فيذكر إحسانه إِلَى أهل الْعرَاق وصفحه عَنْهُم وإساءتهم إِلَيْهِ حَتَّى أَقُول فِي نَفسِي إِنِّي لأحسبه صَادِقا وَإِنِّي لأظنهم ظالمين لَهُ وَسمع مسلمة بن عبد الْملك رجلا يتَكَلَّم فَيحسن وَيبين مَعَانِيه الَّتِي يقْصد لَهَا تبيينا شافيا فَقَالَ مسلمة هَذَا وَالله السحر الْحَلَال
والتأويل الآخر فِي الحَدِيث هُوَ أَن من الْبَيَان مَا يكْسب المأثم مثل مَا يكْسب
1 / 143