أو يكون التعذر الآن غيره ، لم نعمل فيه العكس ، ولم نمتحن ولم نتعلم ، وهذا أيضا لا يصح التحدي به ، لأن ذلك يجري مجرى تعذر الصياغة على النجار ، والنجارة على الخياط .
ألا ترى أن كل من أفكر (¬1) فيه فكره ، وتعمل له تعمله ، يأتي منه مثل ما يأتي به المتحدي ، حتى لا يكون بينهما من التفاوت إلا مقدار ما يكون بين الصانعين من الذكاء والبلادة .
فإذا ثبت ما بيناه ، وثبت أن المجسطي وأقليدس والعروض ، وما أشبههما من الكتب ، يمكن التوصل إليه بالفكر والتعمل والتعلم والامتحان ، ثبت أنه مما لا يصح التحدي به ، وإذا ثبت ذلك ثبت أنه لا يصح أن يلزم كونه معجزا ، على قولنا إن القرءان معجز . لأن الاتيان بأسلوب من الكلام في أعلى طبقات الفصاحة ، أو في الطبقة العالية بالفكر والتعمل ، مما لا يصح على وجه من الوجوه . بل لا بد فيه من طبع لا طريق إليه للتكلف والتعمل .
ألا ترى - ولا نشك - أن الخليل بن أحمد كان أكثر في اللغة والعلم بأوزان الشعر وعيوبه ومحاسنه من امرئ القيس ، لأن امرئ القيس كان الظاهر من أمره أنه كان يعرف لغة قومه ، والقوم الذين قاربوهم ، والخليل تعلم اللغة حتى أحاط بها ، ومع ذلك فلا يشك أن الخليل كان لا يمكنه أن يقول من الشعر ما يماثل شعر امرئ القيس أو يقاربه .
Shafi 135