قيل له: الدليل على ذلك: أن النبي صلى الله عليه ادعا النبوة ، وأتى بالقرءان ، وادعا أنه معجز قد أنبأه عز وجل به ، وجعله دلالة على صحة دعواه ، وبرهانا على صدقه ، وتحدى به العرب قاطبة ، وقرعهم بالمعجز عن الاتيان بمثله ، بل بسورة مثله . وفيهم الخطباء ، والشعراء ، والبلغاء ، وهم الغاية في البيان ، وأولو المعرفة بمواقع الكلام ، وأجناسه وأساليبه من المنثور والمنظوم ، ولهم العادة المشهورة في التفاخر بالبلاغة والفصاحة . والمعرفة بطرق المعارضات ، ومزايا المخاطبات ، مع ما كانوا عليه من الحمية والأنفة والعصبية ، ومع شدة حرصهم على تكذيبه ، وتوهين أمره ، وإبطال دعواه ، حتى بذلوا لذلك ما عز وهان من النفس فما دونها . وهو صلى الله عليه يتحداهم ، ويقرعهم بالعجز ، ويدعي أنه حجته وبينته ، ويذم مع ذلك أديانهم ، ويسب آلهتهم التي اتخذوها من دون الله عز وجل ، ويدعوهم إلى طاعته ، والتصرف على أمره ونهيه ، واستمر على ذلك زمانا (¬1) بعد زمان فلم يعارضوه ، وعدلوا إلى الحرب التي هي أشق ، فقاتلوا حتى قتلوا وقتلوا.
فدل ذلك على أن عدولهم عن معارضة القرءان لم يكن إلا لتعذره عليهم ، إذ لا يجوز على العقلاء إذا حاولوا أمرا أن يعدلوا لمحاولته من الأسهل إلى الأعضل ، ومن الأيسر إلى الأعسر ، إذا كانوا متمكنين منهما ، وإذا ثبت تعذرها عليهم ثبت أنها على غيرهم أشد تعذرا .
والمعجز هو الأمر الذي يتعذر مثله على جميع البشر ، فثبت أنه معجز على ما قلناه ، وهذه الدلالة مبنية على أن التحدي بالقرءان قد وقع ، وأن المعارضة لم تقع ، وأن السبب الذي من أجله لم تقع هو التعذر ، وأن التعذر متى صح ، صح كونه معجزا .
ونحن نبين ذلك فصلا فصلا ، إن شاء الله سبحانه .
- - -
Shafi 63