الْبَاب الْخَامِس فِي الِاحْتِرَاز من بدع أهل الاسلام وَهُوَ قِسْمَانِ مُقَدمَات عَامَّة جميلَة ومسائل مُبْهمَة تفصيلية
الْقسم الأول الْمُقدمَات والآن وَقد تخلصنا من جملَة الشكوك الَّتِي بَين أهل الْملَل الْخَارِجَة عَن الاسلام بأبين طَرِيق وتحققنا بالاضطرار أَنه لَا يُمكن أَن يُوجد فِي الْعَالم أقوم منهجا من مَنْهَج الاسلام الْمُشْتَمل على التَّوْحِيد والايمان بِجَمِيعِ كتب الله وَرُسُله وَلَا أنزه وَلَا أبعد من كل مَكْرُوه فِي الاعمال والاقوال والأخلاق والعقائد وَأَن من فر من الاسلام كَرَاهِيَة لأمر وَقع فِي أعظم مِمَّا فر مِنْهُ من المحارات والمحالات والضلالات والشناعات فَيجب علينا شكر النِّعْمَة بِحسن التَّخَلُّص وَالِاحْتِيَاط والانصاف فِيمَا وَقع بَين أهل الاسلام من الِاخْتِلَاف لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا وجوب النَّصِيحَة للْمُسلمين والتقرب بذلك إِلَى أرْحم الرَّاحِمِينَ فقد ثَبت فِي الحَدِيث الصَّحِيح أَن الدّين النَّصِيحَة قَالُوا لمن يَا رَسُول الله قَالَ لله وَلِرَسُولِهِ ولكتابه ولأئمة الْمُسلمين ولعامتهم وَهَذِه كلمة اجماع من الْمُسلمين وَثَانِيهمَا الِاحْتِرَاز من الْهَلَاك بعد طول السَّلامَة مِمَّا تقدم من ضلالات أهل الْملَل الكفرية والحذر من أَن يكون مِمَّن ذمهم الله تَعَالَى بقوله ﴿فَمَا اخْتلفُوا حَتَّى جَاءَهُم الْعلم﴾ فَلَا أشفى مِمَّن فَاتَهُ رضَا ربه والنجاة من عَذَابه بعد أَن لم يبْق بَينه وَبَينه إِلَّا الْيَسِير فنسأل الله تَمام هدايته فانه لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَلَا هِدَايَة إِلَّا بِهِ وَهُوَ حَسبنَا وَنعم الْوَكِيل
وَاعْلَم أَنِّي قد أذكر المبتدعة وَأهل السّنة كثيرا فِي كَلَامي فَأَما المبتدعة فانما أَعنِي بهم أهل الْبدع الْكُبْرَى الغلاة مِمَّن كَانُوا فَأَما الْبدع الصُّغْرَى فَلَا تسلم مِنْهَا طَائِفَة غَالِبا وَأما أهل السّنة فقد أُرِيد بهم أَهلهَا على الْحَقِيقَة وَقد أُرِيد بهم من تسمى بهَا وانتسب إِلَيْهَا فَتَأمل مواقع ذَلِك فَأول مَا يُنَبه طَالب الْحق والنجاة عَلَيْهِ أَن يعلم أَنه لَا يَصح أَن يخفى على أهل الاسلام دين رسولهم الَّذِي بعث اليهم وَأقَام بَين أظهرهم يُبينهُ لَهُم حَتَّى تَوَاتَرَتْ شرائعه وَصِفَاته مَعَ قرب الْعَهْد من ابْتِدَاء الِافْتِرَاق واتصال الاخبار وَكَثْرَة
1 / 84