وَأما الْقسم الثَّانِي وَهِي الْأُمُور العائدة إِلَى ذَاته فَهُوَ مثل مَا كَانَ من الْخَاتم بَين كَتفيهِ والنور الَّذِي كَانَ ينْتَقل من أَب إِلَى أَب إِلَى أَن خرج إِلَى الدُّنْيَا وَمَا شوهد من خلقته وَصورته الَّتِي يحكم علم الفراسة بِأَنَّهَا دَالَّة على نبوته
وَأما الْقسم الثَّالِث وَهُوَ مَا يتَعَلَّق بصفاته فَهِيَ كَثِيرَة وَنحن نشِير إِلَى بَعْضهَا فَمن ذَلِك أَن أحدا مَا سمع مِنْهُ كذبا لَا فِي أُمُور الدّين وَلَا فِي أُمُور الدُّنْيَا وَلَو صدر عَنهُ شَيْء من ذَلِك مرّة وَاحِدَة لاجتهد أعداؤه فِي نشره واظهاره
الثَّانِي أَنه مَا فعل قبيحا منفرا عَنهُ لَا قبل النُّبُوَّة وَلَا بعْدهَا الثَّالِث أَنه لم يفر عَن أحد من أعدائه لَا قبل النُّبُوَّة وَلَا بعْدهَا وان عظم الْخَوْف وَاشْتَدَّ الْأَمر مثل يَوْم أحد وَيَوْم الْأَحْزَاب الرَّابِع أَنه كَانَ عَظِيم الشَّفَقَة وَالرَّحْمَة على أمته كَمَا قَالَ الله تَعَالَى ﴿فَلَا تذْهب نَفسك عَلَيْهِم حسرات﴾ وَقَالَ تَعَالَى ﴿فلعلك باخع نَفسك﴾ وَقَالَ تَعَالَى ﴿وَلَا تحزن عَلَيْهِم﴾ وَقَالَ تَعَالَى ﴿عَزِيز عَلَيْهِ مَا عنتم حَرِيص عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رؤوف رَحِيم﴾ الْخَامِس أَنه كَانَ فِي أعظم الدَّرَجَات فِي الْكَرم والسخاء حَتَّى أَن الله تَعَالَى علمه التَّوَسُّط فِي ذَلِك حَيْثُ قَالَ لَهُ ﴿وَلَا تبسطها كل الْبسط﴾ السَّادِس أَنه مَا كَانَ للدنيا فِي قلبه وَقع السَّابِع أَنه كَانَ فِي غَايَة الفصاحة الثَّامِن أَنه بَقِي على طَرِيقَته المرضية أول عمره إِلَى آخِره والمزور لَا يُمكنهُ ذَلِك وَإِلَيْهِ الاشارة بقوله تَعَالَى ﴿وَمَا أَنا من المتكلفين﴾ التَّاسِع أَنه ﷺ كَانَ مَعَ أهل الْغنى والثروة فِي غَايَة الْبعد عَن المطامع والترفع عَنْهَا وَمَعَ الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين فِي غَايَة الْقرب مِنْهُم والتواضع لَهُم واللطف بهم الْعَاشِر أَنه كَانَ ﷺ فِي كل وَاحِدَة من هَذِه الْأَخْلَاق الْكَرِيمَة فِي الْغَايَة القصوى من الْكَمَال وَلَا يتَّفق ذَلِك لأحد من الْخلق غير أهل الْعِصْمَة من الله تَعَالَى فَكَانَ اجْتِمَاع ذَلِك فِي صِفَاته من أعظم المعجزات
1 / 79