وَذَلِكَ ان السَّاحر يعجز عَن مُعَارضَة الانبياء وَعَن بُلُوغ درجتهم فِي الاعجاز الْحق فَتبين بذلك صدقهم وتمييزهم برفيع مقامهم عَن السحر والسحرة كَمَا كَانَ فِي قصَّة مُوسَى ﵇ مَعَ السَّحَرَة فتعرف بذلك قدر النبوات معرفَة مقادير المحاسن بأضدادها وَللَّه الْحِكْمَة الْبَالِغَة فِي كل شَيْء ﷾
وَمِمَّا يُقَوي أَمر النبوات والاسلام النّظر فِي معارضها وَضَعفه فان الْمُخَالفين لذَلِك ضَرْبَان أَحدهمَا أهل التجاهل المتدينون بدين الْآبَاء وان كَانَ عبَادَة الاحجار وَنَحْو ذَلِك وَلَا يلْتَفت إِلَى هَؤُلَاءِ مُمَيّز وَثَانِيهمَا أهل الفلسفة وَقد نقل الرَّازِيّ عَنْهُم الِاعْتِرَاف بِأَن خوضهم فِي الربوبيات بِالظَّنِّ وَأَنَّهُمْ لَا يعلمُونَ إِلَّا أَحْكَام المشاهدات والمجريات وَلَو لم يقرُّوا بذلك قَامَ الدَّلِيل الْقَاطِع عَلَيْهِم بذلك وَهُوَ اخْتلَافهمْ وتكاذبهم المتباعد المتفاحش الَّذِي تميز الانبياء بالعصمة مِنْهُ عَن جَمِيع أهل الدعاوي الْبَاطِلَة وَالنَّظَر فِي هَذَا نَفِيس جدا فان الشَّيْء انما يزْدَاد شرفا على قدر خساسة ضِدّه وَصِحَّة على قدر ضعف معارضه وَإِلَيْهِ الاشارة بقول يُوسُف ﵇ ﴿يَا صَاحِبي السجْن أأرباب متفرقون خير أم الله الْوَاحِد القهار﴾ إِلَى آخر الْآيَات وَيقرب مِنْهُ قَوْله تَعَالَى ﴿أَو من ينشأ فِي الْحِلْية وَهُوَ فِي الْخِصَام غير مُبين﴾ ثمَّ أَن الله تَعَالَى نبه على عَظِيم عناد المكذبين للانبياء بقوله تَعَالَى ﴿فلعلك تَارِك بعض مَا يُوحى إِلَيْك وضائق بِهِ صدرك أَن يَقُولُوا لَوْلَا أنزل عَلَيْهِ كنز أَو جَاءَ مَعَه ملك إِنَّمَا أَنْت نَذِير وَالله على كل شَيْء وَكيل﴾ فَقَوله إِنَّمَا أَنْت نَذِير وَاضح فِي الرَّد عَلَيْهِم بِأَن أصل الْقَصْد فِي النبوات اقامة الْحجَّة على الغافلين عَن الامر الْجَلِيّ بِمُجَرَّد مَا يُنَبه الغافل من النذارة الْقَائِمَة مقَام الْحَاضِر على الْقلب وَذَلِكَ مَا لَا يحْتَاج إِلَى دَلِيل قَاطع على صدق النذير بل يَكْفِي فِي النذير أَن يكون مُمكن الصدْق غير مَقْطُوع بكذبه فِي الأَصْل وَمثله ﴿فَإِنَّمَا عَلَيْك الْبَلَاغ وعلينا الْحساب﴾ وَلذَلِك ذهب إِلَى ذَلِك كثير من الامامية
1 / 71