هَذَا الْمقَام صَحِيح بالِاتِّفَاقِ مَعَ مَا عضده من الدَّلِيل الْعقلِيّ الَّذِي نبه الْقُرْآن عَلَيْهِ فِي قَوْله تَعَالَى ﴿لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة إِلَّا الله لفسدتا﴾ وَلَا خَفَاء فِي ذَلِك وَلَا خلاف فِيهِ بَين الْمُسلمين فَلَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى عناية وَلَا شكّ فِي قُوَّة براهينة وَسُقُوط الْمعَارض لَهَا وَأَنه أحوط لما فِي مُخَالفَته من خوف الْعَذَاب الْعَظِيم وَسَيَأْتِي تَمام الْكَلَام فِيهِ فِي فروع النبوات
وَأما الْكَلَام فِي النبوات فَاعْلَم أَنه من أوضح المعارف وَقد تطابقت دَلَائِل المعجزات الباهرات عَلَيْهِ وَلَا شكّ مَعَ ذَلِك أَنه الاحوط لِأَن التَّكْذِيب بهَا من الْكفْر الْمَعْلُوم الْمُوجب للعذاب الْأَكْبَر وَلَيْسَ لمنكري النبوات من الشّبَه مَا يُعَارض دَلَائِل ثُبُوتهَا وَلَا مَا ينتهض لإثارة الشكوك فِي هَذَا الْمقَام الْبَين وَإِنَّمَا قدحت البراهمة فِي الشَّرَائِع بِنَحْوِ إِبَاحَة ذبح الْبَهَائِم من غير جرائم وَذَلِكَ جهل فَاحش فَإِن الله الَّذِي خلقهَا هُوَ الَّذِي أحلهَا فِي دَار الفناء الَّتِي كتب فِيهَا الْمَوْت على كل حَيّ لحكمة بَالِغَة وَقد سَاوَى سُبْحَانَهُ بَيْننَا وَبَينهَا بِالْمَوْتِ وَإِن اخْتلفت الْأَسْبَاب وَلَا مَانع فِي الْعقل من ذَلِك قبل وُرُود الشَّرْع على بعض الْوُجُوه فَهَؤُلَاءِ البراهمة لَا يُنكرُونَ تطابق الْعُقَلَاء على سقِي الْمزَارِع بِالْمَاءِ وَإِن مَاتَ بِسَبَب ذَلِك كثير من الذَّر وَنَحْوهَا من الْحَيَوَانَات الَّتِي تكون فِي مجاري المَاء وعَلى الاسْتِسْقَاء من المناهل وَإِن كَانَ وَسِيلَة إِلَى موت حَيَوَان المَاء وعَلى إِخْرَاج دود الْبَطن بالأدوية وَإِن مَاتَ أُلُوف كَثِيرَة بِسَبَب عَافِيَة انسان وَاحِد من ألم لَا يخَاف مِنْهُ الْمَوْت وَيخرج الانسان الذُّبَاب من منزله وَلَو هلكن من الْبرد وَالْحر وَنَحْو ذَلِك وَإِنَّمَا أجمع أهل الْعُقُول على مثل هَذَا لما فِي فطر الْعُقُول من تَرْجِيح خير الخيرين وَاحْتِمَال أَهْون الشرين عِنْد التَّعَارُض كَمَا قيل حنانيك بعض الشَّرّ أَهْون من بعض
وَمن ذَلِك اسْتحْسنَ الْعُقَلَاء تحمل المضار الْعَظِيمَة فِي الحروب لدفع مَا هُوَ أضرّ مِنْهَا وَقَالَت الْعَرَب
(بسفك الدما يَا جارتي تحقن الدما ... وبالقتل تنجو كل نفس من الْقَتْل)
1 / 65