فَلَو كَانُوا فِي ترك التَّقْلِيد كالأوائل لاشتد اخْتلَافهمْ فِي الدقائق وَلم يتفقوا على كثرتهم وَطول أزمانهم وتباعد بلدانهم وَاخْتِلَاف فطنهم كَمَا قَضَت بذلك العوائد الْعَقْلِيَّة الدائمة وَلَو كَانَ الْجَامِع لفرقتهم مَعَ كثرتهم هُوَ الْوُقُوف على الْحَقَائِق فِي تِلْكَ الدقائق لكانوا أَكثر من مشايخهم الاقدمين علما وتحقيقا وانصافا وتجويدا لَكِن الْمَعْلُوم خلاف ذَلِك فاياك أَن تسلك هَذِه المسالك فان نشأة الانسان على مَا عَلَيْهِ أهل شارعه وبلده وجيرانه وأترابه صَنِيع أسقط النَّاس همة وأدناهم مرتبَة فَلم يعجز عَن ذَلِك صبيان النَّصَارَى وَالْيَهُود وَلَا ربات القدود والنهود المستغرقات فِي تمهيد المهود وَهَذِه هَذِه فأعطها حَقّهَا وَانْظُر لنَفسك وانج بهَا وطالع قصَّة سلمَان الْفَارِسِي وَأَضْرَابه وَانْظُر كَيفَ كَانَ صبرهم واعرف قدر مَا أَنْت طَالب فانك طَالب لأعلى الْمَرَاتِب قَالَ الله تَعَالَى ﴿وَمَا قدرُوا الله حق قدره﴾ وَقَالَ فِي الْأُخْرَى ﴿وسعى لَهَا سعيها﴾ وَقَالَ ﴿خُذُوا مَا آتيناكم بِقُوَّة واذْكُرُوا مَا فِيهِ﴾ وَلَيْسَ فِي الْوُجُود بأسره أعز وَلَا أفضل من الْإِيمَان بِاللَّه وَكتبه وَرُسُله ومتابعتهم وَمَعْرِفَة مَا جاؤا بِهِ فَلَا تطلب ذَلِك أَهْون الطّلب فَإِنِّي أرى الْأَكْثَرين لَا يرضون بِالْغبنِ وَالنَّقْص فِي بيع بعض السّلع وَأرى طَالب الأرباح الدُّنْيَوِيَّة يطْلبهَا أَشد الطّلب من أبعد الأقطار بأشق الْأَسْفَار وَأما طَالب الكيمياء والسيمياء فَإِنَّهُ يبْذل فِي طلبهما مَا دون الرّوح بل يرتكب بعض الأخطار والمتالف الْكِبَار مَعَ أدنى تَجْوِيز للسلامة بل عدم التجويز أَيْضا عِنْد ملكة هَوَاهُ لَهُ وَغَلَبَة ظَنّه بِأَنَّهُ يدْرك مَا أَرَادَ ويبلغ مَا قَصده ويصل إِلَى مَا إِلَيْهِ سعى وَلكم من منفق غضارة عمره ونضارة شبابه وَأَبَان أَيَّامه فِي ذَلِك
وَإِنَّمَا طولت القَوْل فِي هَذَا لِأَنِّي علمت بالتجربة الضرورية فِي نَفسِي وغيري أَن أَكثر جهل الْحَقَائِق إِنَّمَا سَببه عدم الاهتمام بتعرفها على الْإِنْصَاف لَا عدم الْفَهم فَإِن الله وَله الْحَمد قد أكمل الْحجَّة بالتمكين من الْفَهم وَإِنَّمَا أَتَى الْأَكْثَر من التَّقْصِير فِي الإهتمام أَلا ترى أَن المهتمين بمقاصد المنطقيين
1 / 28