[اتحاف السادة المتقين]
[02]
Shafi 1
بسم الله الرحمن الرحيم وصلي الله علي سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما الله ناصر كل صابر الواجب الوجود ذاتي الحمد سبحان من تعالي في أزل الأزل فلا يزال ليس له قبل وليس له بعد فهو الأول بلا أولية والأخر بلا وصلواته وتسليماته علي عبده الذي بين معالم التوحيد وشاد دعائم الدين وساد عند مولاه كافة الصفوة من العبيد سيدنا ومولانا محمد الحبيب الحميد وعلي آله وصحبه وأتباعه علي التأييد أمين وبعد فهذا شرح كتاب قواعد العقائد وهو الثاني من كتاب أحياء علوم الدين للإمام حجه الإسلام أبي حامد الغزالي الطوسي رحمة الله تعالي المتكفل لبيان القواعد الدينية المشتمل علي محاسن معتقدات الطائفية السنية العلية التي هي غاية مطامح انتظار العلماء العاملين وفي تحصيلها فتوح باب الرشد واليقين استمددت في تفصيل مجملها وإيضاح مهمها وتبين مشكلها بالكتب المؤلفة في طريقتي إمامي السنة والهدي وبدري المعالي في سماء الاهتداء والاقتدا الإمام أبي الحسن الأشعري والإمام أبي منصور الماتريدي مستعينا بحول الله وفتوته متوكلا عليه راجيا حسن معونته انه بالفضل جدير وعلي ما يشاء قدير وهذا تفصيل أسامي الكتب المشار إليها ليعتمد الواقف علي نقوله المعتمد عليها وهي سوي ما ذكر بيانه في مقدمة شرح كتاب المشار إليها ليعتمد الواقف علي نقوله المعتمد عليها وهي سوي ما ذكر بيانه في مقدمة شرح كتاب العلم فمن كتب الاشاعرة كتاب الأسماء والصفات للإمام أبي منصور وعبد القاهر بن طاهر بن محمد التميمي البغدادي وهو أجمع كتاب رأيته في الفن وكتاب السنة للإمام أبي القاسم هبه الله بن الحسن الطبري اللالكائي والتذكرة القشيرية للإمام أبي نصر عبد الرحيم بن عبد الكرم القشيرى والمدخل الأوسط إلي علم الكلام للإمام أبي بكر محمد بن الحسن بن فورك والكافي في العقد الصافي للإمام الفقيه أبي القاسم عبد الرحمن بن عبد الصمد الاسكاف النيسابوري وعمدة العقائد والفوائد بإثبات الشواهد للإمام يوسف بن ذوناس الفندلائي المالكي ومعتقد أهل السنة والجماعة للإمام ركن الإسلام أبي محمد عبد الله بن يوسف الجويني واعتقاد أهل السنة للإمام زين الإسلام أبي القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيرى @ وتحرير المطالب في شرح عقيدة ابن الحاجب لمحمد بن عبد الرحمن البكر قاضي الجماعة بتونس ولمع الأدلة في قواعد عقائد أهل السنة لإمام الحرمين وشرحه للإمام شرف الدين بن التلمساني وشرح الكبري للشريف أبي عبد الله محمد بن يوسف السنوسي وحاشية العلامة أبي الوفاء لحسن بن مسعود اليوسي عليه ومختصر شرح السنوسي علي الجزائرية لابن تركي وهداية المريد شرح جوهرة التوحيد للبرهان اللقاني والحاشية علي أم البراهين للشهاب أحمد بن محمد الغنيمي والعقيدة للإمام أبي أسحق الشيرازي صاحب التنبيه والعقيدة للإمام عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام وشرح عقيدة المصنف لبعض العلماء لفضلاء وهي عقيدة صغيرة الحجم في نحو ورقة وشارحها الفه بمكة في رابع رجب سنة خمس وعشرين وثمانمائة سماء منار سبل الهدي في مجلد ومشكاة الأنوار وكيمياء السعادة والمقصد الاسني في معاني أسماء الله الحسني والمعارف العقلية ولباب الحكمة الألهية والمنقذ من الضلال والمفصح عن الأحوال والجسام العوام في عام الكلام والأربعين في أصول الدين سبعتهم للمصنف وكتاب أسرار التنزيل للفخر الرازي ومحجة الحق ومنجاة الخلق لأبي الخير أحمد بن اسمعيل الطالقاني القزويني وتبيين كذب المفتري علي الإمام أبي الحسن الاشعري للحافظ ابن عساكر وتأويل المتشابهات لشمس الدين أبن اللبان ومن كتب الماتريديه شرح عقيدة الإمام أبي جعفر الطحاوي لإبي المحاسن محمود بن أحمد بن مسعود القونوي الحنفي وشرح العقائد النسفية لمؤلفه الإمام نجم الدين عمر بن محمد النسفى وللإمام حافظ الدين بن عبد الله بن أحمد النسفي والإمام شهاب الدين أحمد بن أبي المحاسن الطيبي الاسدي الحنفي وللإمام الكستلي والإمام سعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني وحاشية احمد بن موسي الخيالي عليه وكتاب المسايرة للكمال بن الهمام مع شرح تلميذه ابن أبي شريف عليه وشرح الفقه الأكبر للعلامة ملا علي القاري ونظم الفوائد وجمع الفوائد للفاضل عبد الرحيم بن علي الرومي واشارات المرام من عبارات الإمام للعلامة بياض زاده جمع فيه الكتب الخمسة المنسوبة للإمام وشرحها والعمدة للإمام ناصر الحق نور الدين أبي المحامد أحمد بن محمود الصابوني البخاري وهو غير عمدة النسفي وشرح بحر الكلام للبخاري وتلخيص الأدلة للصغار وغير هؤلاء مما سيأتي التصريح بالنقل عنها في مواضع من هذا الكتاب (مقدمة وفيها فصول الفصل الأول في ترجمة أمامي السنة أبي الحسن الاشعري وأبي منصور الماتريدي) فأما أبو الحسن الاشعري فهو الإمام الناصر للسنة إمام المتكلمين علي بن اسمعيل بن أبي بشر اسحق بن سالم ابن اسمعيل بن عبد الله بن موسي بن بلال بن أبي بردة بن أبي موسي الأشعري وأسم أبي موسي عبد الله بن قيس صاحب رسول الله صلي الله عليه وسلم ورضي عنه ترجمة الحافظان أبو القاسم ابن عساكر في كتاب تبيين المفتري علي بن أبي الحسن الأشعري وأبو عبد الله الذهبي في تاريخ الإسلام وقبلهما الحافظ أبو بكر الخطيب في التاريخ ثم التاج السبكي في الطبقات والعماد بن كثير الحافظ في الطبقات أيضا ما بين مطول ومختصر ما حصله ولد سنة ستين وقيل سنة سبعين والأول أشهر أخذ علم الكلام أولا عن شيخه أبي علي محمد بن عبد الوهاب الجبائي شيخ المعتزلة ثم فارقه لمنام رأه ورجع عن الأعتزال وأظهر ذلك أظهارا فصعد منبر البصرة يوم الجمعة ونادي بأعلي صوته من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني أنا فلان بن فلان كنت أقول بخلق القرآن وأن الله لا يري في الدار الآخرة بالأبصار وأن العباد يخلقون أفعالهم وها أنا تائب من الاعتزال معتقد الرد علي المعتزلة ثم شرع في الرد عليهم والتصنيف علي خلافهم ودخل بغداد وأخذ الحديث عن زكريا بن يحيي الساجي أحد أئمة الحديث والفقه وعن أبي خليفة الحجي وسهل بن سرح ومحمد ابن يعقوب المقري وعبد الرحمن بن خلف الضبي البصريين وروي عنهم كثيرا في تفسيره وصنف بعد رجوعه من اعتزاله الموجز وهو ثلاث مجلدات كتاب مفيد في الرد علي الجهمية والمعتزلة ومقالات الاسلاميين وكتاب الابانة وقال الخطيب هو بصري سكن بغداد إلي أن توفي وكان يجلس في أيام الجمعات في حلقة أبي اسحق @ المروزي الفقيه في جامع المنصور وممن أخذ عنه أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن يعقوب بن مجاهد الطائي وأبو الحسن الباهلى وبندار بن الحسن الصوفي وأبو الحسن علي بن محمد بن مهدي الطبري وهؤلاء الأربعة أخص أصحابه فابن مجاهد هو شيخ أبي بكر الباقلانى وهو مالكي كما صرح به عياض في المدارك والباهلى شيخ الأستاذين أبي اسحق الأسفراينى وأبي بكر بن فورك وشيخ الباقلاني أيضا الا انه أخص بابن مجاهد والاستاذان أخص بالباهي ومن الأخذين عن الأشعري الاستاذ أبو سهل الصعلوكي وأبو بكر الجرجاني الاسماعيلي والشيخ أبو بكر القفال وأبو زيد المروزى وأبو عبد الله بن خفيف الشيرازي وزاهر بن أحمد السرخسي والحافظ ابو بكر الجرجاني الاسماعيلي والشيخ أبو بكر الاودفي والشيخ أبو محمد الطبري العراقي وأبو جعفر السلمي النقاش وغيرهم هؤلاء أصحابه وأما الذين جالسوا أصحابه وأصحاب أصحابه وهلم جرافهم كثيرون علي طبقاتهم وأما اجتهاد الشيخ في العبادة والتاله فأمر غريب ذكر بندرا خدمة انه مكث عشرين سنة يصلي الصبح بوضوء العشاء وكان يأكل من غلة قرية وقفها جده بلال بن أبي بردة علي نسله قال وكانت نفقته في كل سنة سبعه عشر درهما كل شهر درهم وشئ يسير قال ابن كثير قال الأستاذ أبو اسحق الاسفرايني كنت في جنب أبي الحسن الباهلي كقطر في البحر وسمعته يقول كنت أنا في جنب أبي الحسن الأشعري كقطرة في البحر وقال القاضي الباقلاني أحسن أحوالي أن أفهم كلام أبي الحسن الأشعري وقال ابن السبكي ومن أراد معرفة قدر الأشعري وأن يمتلئ قلبه من حبه فعليه بكتاب تبيين المفتري للحافظ أبي القاسم بن عساكر وهو من أجل الكتب وأعظمها فائدة واحسنها ويقال لايكون الفقية شافعيا علي الحقيقة حتى يحصل هذا الكتاب وكان مشيختنا يأمرون الطلبة بالنظر فيه قال وقد رغم بعض الناس أن الشيخ كان مالكي المذهب وليس ذلك بصحيح أنما كان شافعيا تفقه علي أبي اسحق المروزى نص علي ذلك الأستاذ أبو بكر بن فورك في طبقات المتكلمين والأستاذ أبو اسحق الاسفرايني فيما نقله الشيخ أبو محمد الجويني في شرح الرسالة والمالكي هو القاضي أبو بكر الباقلاني شيخ الاشاعرة اهقلت والذي قال انه مالكي المذهب جماعة منهم القاضي عياض فذكره في طبقاتهم في كتابه المدارك واعتمد عليه وتبعه علي ذلك غير واحد منهم أبو عبد الله محمد بن موسي بن عماد الكلاعي البورقي وهو من أئمة المالكية فانه صرح في ترجمة الشيخ بأنه كان مالكي المذهب في الفروع وحكي انه سمع الإمام رافع الحمال يقول ذلك هكذا نقله الذهبي قال ابن السبكي وقد وقع لي أن سبب الوهم فيه ان القاضي أبا بكر كان يقال له الأشعري لشده قيامة في نصرة مذهب الشيخ وكان مالكيا علي الصحيح الذي صرح ابن السمعاني في القواطع غيره من النقلة الاثبات ورافع الحمال قرأ علي من قرأ علي القاضي فأظن اليورقي سمع رافعا يقول الأشعري مالكي فتوهمه يعني الشيخ وانما يعني رافع القاضي أبا بكر هذا ما وقع لي ولا أشك فيه واليورقي رجل معتزلي بعيد الدار عن بلاد العراق متأخر عن زمان أصحاب الشيخ وأصحاب أصحابه فبعد عليه تحقيق حاله وقد تقدم كلام الشيخ أبي محمد الجويني عن الأستاذ أبي اسحق وكفي به فانه أعرف من رافع ولا أحد في عصر الأستاذ أخبر منه بحال الشيخ ألا ان يكون الباقلاني اه وهذا الذي ذكره آخره مسلم ولكن توجيهه لكلام رافع مستبعد كما لا يخفي ولم لا يكون الشيخ عارفا بالمذهبين يفتي بهما كما كان ابن دقيق العيد وغيره من جهابذة العلماء ويكون دعوي كل من الفريقين صحيحا فتأمل وقال ابن كثير ذكر والشيخ أبي الحسن الأشعري ثلاثة أحوال أولها حال الاعتزال التي رجع عنها لا محالة الحال الثاني أثبات الصفات العقلية السبعة وهي الحياة واعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام وتأويل الجزئية كالوجه واليدين والقدم والساق ونحو ذلك والحال الثالث أثبات ذلك كله من غير تكييف ولا تشبيه جريا علي منوال السلف وهي طريقته في الأبانة التي صنفها أخرا وشرحها الباقلاني ونقلها ابن عساكر وهي التي مال إليها الباقلاني وإمام الحرمين وغيرهما من أئمة الأصحاب المتقدمين في أواخر أقوالهم والله أعلم واختلفت في وفاته علي @ أقوال فقال الأستاذ ابن فورك والحافظ أبو يعقوب اسحق بن إبراهيم القراب وأبو محمد بن حزم انه مات سنة أربع وعشرين وثلاثمائة وقال غيرهم سنة ثلاثين وقيل سنة نيف وثلاثين وقيل سنة عشرين والأول أشهر قلت وصححه ابن عساكر وأما الإمام أبو منصور الماتريدي فهو محمد بن محمد بن محمود الحنفي المتكلم وما تريد ويقال ما تريت بالمثناة الفوقية بدل الدال في أخر محلة بسمر قند أو قرية بها ويلقب بإمام الهدي وترجمه الإمام المحدث محيي الدين أبو محمد عبد القادر بن محمد بن نصر الله بن سالم بن أبي الوفا القرشي الحنفي في الطبقات المسمي بالجواهر المضيئة والإمام مجيد الدين أبو الندي اسمعيل بن إبراهيم ابن محمد بن علي بن موسي الكناني البلبسي القاهري الحنفي في كتاب الأنساب كل منهما علي الأختصار وكذا يوجد بعض أحواله في انتساب كتب المذهب وحاصل ما ذكروه انه كان اماما جليلا مناضلا عن الدين موطدا لعقائد أهل السنة قطع المعتزلة وذوي البدع في مناظراتهم وخصمهم في محاوراتهم حتى أسكتهم تخرج بالإمام أبي نصر العياضي وكان يقال له إمام الهدي وله مصنفات منها كتاب التوحيد وكتاب المقالات وكتاب رد أوائل الأدلة للكعبي وكتاب بيان وهم المعتزلة وكتاب تأويلات القرآن وهو كتاب لا يوازيه كتاب فيه كتاب بل لا يدانيه شئ من تصنيف من سبقه في ذلك الفن وله غير ذلك وكانت وفاته سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة بعد وفاة أبي الحسن الأشعري بقليل وقبرة بسمر قند كذا وجد بخط الحافظ قطب الدين عبد الكريم بن المنبر الحلبي الحنفي ووجدت في بعض المجاميع بزيادة محمد بعد محمود وبالأنصاري في نسبه فان صح ذلك فلا ريب فيه فأنه ناصر السنة وقامع البدعة ومحيي الشريعة كما أن كنيته تدل علي ذلك أيضا ووجدت في كلام بعض الأجلاء من شيوخ الطريقة أنه كان مهدي هذه الأمة في وقته ومن شيوخه الإمام أبو بكر أحمد بن اسحق بن صالح الجوزجاني صاحب الفرق والتمييز وأما شيخه المذكور أبو نصر العياضي الذي تخرج به هو أحمد بن العباسي بن الحسين بن جبلة بن غالب بن جابر ابن نوفل بن عياض بن يحيي بن قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري الفقيه السمرقندي ذكره الإدريسي في تاريخ سمرقند وقال كان من اهل العلم والجهاد ولم يكن أحد يضاهيه لعلمه وروعه وجلادته وشهامته إلي أن استشهد خلف أربعين رجلا من أصحابه كانوا من أقران أبي منصور الماتريدي وله ولدان فقيهان فاضلان أبو بكر وأبو أحمد ومن مشايخ الماتريدي نصير بن يحيي البلخي ويقال نصر بكرامات سنة ثمان وستين ومائتين ومن مشايخ الماتريدي محمد بن مقاتل الرازي قاضي الري ترجمه الذهبي في الميزان وقال حدث عن وكيع وطبقته وقد تقدم ذكره في الباب السادس من كتاب العلم في قصة دخول حاتم الأصم عليه فأما أبو بكر الجوزجاني وأبو نصر العياضي ونصير بن يحيي فكلهم تفقهوا علي الإمام أبي سليمان موسي بن سليمان الجوزجاني وهو علي الإمامين أبي يوسف ومحمد بن الحسن وتفقه محمد بن مقاتل ونصير بن يحيي أيضا علي الإمامين أبي مطيع الحكم بن عبد الله البلخي وأبي مقاتل حفص بن مسلم السمر قندي وأخذ محمد بن مقاتل أيضا عن محمد بن الحسن أربعتهم عن الإمام أبي حنيفة قال ابن البياضي من علمائنا وليس الماتريدي من أتباع الأشعري لكونه أول من أظهر مذهب أهل السنة كما ظن لأن الماتريدي مفصل لمذهب الإمام أبي حنيفة وأصحابه المظهرين قبل الأشعري مذهب أهل السنة فلا يخلوا زمان من القائمين بنصرة الدين واظهاره كما في التبصرة النسفية وكيف لا وقد سبقه أيضا في ذلك الإمام أبو محمد عبد الله بن سعيد القطان وله قواعد وكتب وأصحاب ومخالفات للحنفية لاتبلغ عشر مسائل كما في سير الظهيرية والإمام أبو العباس أحمد بن إبراهيم القلانسي الرازي وله أيضا قواعد وكتب وأصحاب وألف الإمام ابن فورك كتاب اختلاف الشيخين القلانسي والأشعري كما في التبصرة النسفية اه قلت اما عبد الله بن سعيد القطان فهو أبو محمد المعروف بابن كلاب بالضم والتشديد ويقال فيه عبد الله بن محمد أيضا أحد الأئمة المتكلمين ووفاته بعد الأربعين @ ومائتين فيما يظهر ذكره أبو عاصم العبادي الشافعي في طبقة أبي بكر الصيرفي وابن النجار في تاريخ بغداد وذكر بينه وبين عباد بن سليمان مناظرة وعباد بن سليمان هذا من رؤس المعتزلة وابن كلاب من أئمة السنة كان يقول أن صفات الذات ليست ولا غيرها ثم زاد سائر أهل السنة فذهب كعباد بن سليمان أن كلامه تعالي لا يتصف بالأمر والنهي والخبر في الآ زال لحدوث هذه الأمور وقدم الكلام النفسي وإنما يتصف بذلك فيما لا يزال فألزمهما أئمتنا أن يكون القدر المشترك موجودا بغير واحد من خصوصياته فهذه هي مقاله ابن كلاب التي ألزمه أصحابنا وجود الجنس دون النوع وهو غير معقول وكان عباد ينسبه للكفر لعله لتلك المقالة أولان المعتزلة بأسرهم يقولون للصفاتية أعني مثبتي الصفات لقد كفرت النصارى بثلاث وكفرتم بسبع وهو تشنيع من سفهاء المعتزلة علي الصفاتية ما كفرت الصفاتية ولا أشركت وأنما وحدت وأثبتت صفات قديم واحد بخلاف النصارى فأنهم أثبتوا قدماء فإني يستويان أو يتقاربان وقد ذكره والد الفخر الرازي في أخر كتاب غاية المرام في علم الكلام فقال ومن متكلمى أهل السنة في أيام المأمون عبد الله بن سعيد التميمي الذي ذم المعتزلة في مجلس المأمون وفضحهم بيانه وهو أخو يحيي بن سعيد القطان صاحب الجرح والتعديل اه قال التاج السبكي وكشفت عن يحيي بن سعيد القطان هل له أخ اسمه عبد الله فلم أتحقق إلي الآن شيأ وأن تحققت شيأ ألحقته أن شاء الله قلت الرجل معروف بأبن كلاب واسمه عبد الله وأختلف في أسم أبيه علي قولين محمد أو سعيد وظاهر سياق أئمة النسب أن كلابا أسم جد له أو لقب جد له وإن كان سبق في أول الترجمة خلاف ذلك فأنه مبني علي غير مشهور ويحيي بن سعيد القطان جده فروخ وهو من موالي تميم ولم أر من ذكر له أخا اسمه عبد الله ولم يأت بهذه الغريبة ألا والد الغجر فيحتاج إلي متابعه قوية والله أعلم وأما أبو العباس القلانسي فأنه من طبقة ابن فورك بل من طبقة أصحابه فكيف يصح قوله وقد سبقه أي الأشعري كما في التبصرة النسفية والذي يظهر ان صاحب المقالات إنما هو والده أبو اسحق إبراهيم بن عبد الله القلانسي وهو أيضا في الطبقة الثانية من أصحاب أبي الحسن الأشعري معاصر لابن فورك ولابد من التأمل والنظر في هذا المقام والله أعلم. الفصل الثاني: اذا أطلق أهل السنة والجماعة فالمراد بهم الأشاعرة والماتريدية قال الخيالي في حاشيته علي شرح العقائد الاشاعرة هم أهل السنة والجماعة هذا هو المشهور في ديار خراسان والعراق والشام وأكثر الأقطار وفي ديار ما وراء النهر يطلق ذلك علي الماتريدية أصحاب الإمام أبي منصور بين الطائفتين أختلاف في بعض المسائل كمسئلة التكوين وغيرها اه وقال الكستلي في حاشيته عليه المشهور من أهل السنة في ديار خراسان والعراق والشام وأكثر الاقطار هم الأشاعرة أصحاب أبي الحسن الأشعري أول من خالف أبا علي الجبائي ورجع عن مذهبه إلي السنة أي طريق النبي صلي الله عليه وسلم والجماعة أي طريقه الصحابة رضي الله عنهم وفي ديار ما وراء النهر الماتريدية أصحاب أبي منصور الماتريدي تلميذ أبي نصر العياضي تلميذ أبي بكر الجوزجاني صاحب محمد بن الحسن صاحب الإمام أبي حنيفة وبين الطائفتين اختلاف في بعض الأصول كمسئلة التكوين ومسئلة الاستثناء في الإيمان ومسئلة إيمان المقلد والمحققون من الفريقين لا ينسب أحدهما الآخر إلي البدعة والضلالة أه قال ابن السبكي في شرح عقيدة ابن الحاجب اعلم أن أهل السنة والجماعة كلهم قد اتفقوا علي معتقد واحد فيما يجب ويجوز ويستحيل وان اختلفوا في الطرق والمبادئ الموصلة لذلك أو في لمية ما هنالك وبالجملة فهم بالأستقرار ثلاث طوائف الأول أهل الحديث ومعتمد مباديهم الأدلة السمعية أعني الكتاب والسنة والإجماع الثانية أهل النظر العقلي والصناعة الفكرية وهم الأشعرية والحنفية وشيخ الأشعرية أبو الحسن الأشعري وشيخ الحنفية أبو منصور الماتريدي وهم متفقون في المبادئ العقلية في كل مطالب@ يتوقف السمع عليه وفى المبادى السمعيه فيما يدرك العقل جوازه فقط والعقليه السمعيه فى غيرها واتفقوا فى جميع المطالب الاعتقاديه الا فى مسالة التكوين ومسالة التقليد الثالثه اهل الوجدان والكشف وهم اهل الصوفيه ومباديهم مبادى اهل النظر والحديث فى البدايه والكشف والالهام فى النهايه ا ه وليعلم ان كلا من الامامين ابى الحسن وابى المنصور رضى الله عنهما وجزاهما عن الاسلام خيرالم يبدعا من عندهما رايا ولم يشتقا مذهبا انما هما مقرران لمذاهب السلف مناضلان عما كانت عليه اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحدهما قام بنصرة نصوص مذهب الشافعى وما دلت عليه والثانى قام بنصرة نصوص مذهب ابى حنيفه وما دلت عليه وناظر كلا منهما ذوى البدع والضلالات حتى انقطعو وولوا منهزمين وهذا فى الحقيقه هو اصل الجهاد الحقيقى الذى تقدمت الاشارة اليه فالانتساب اليهما انما هو باعتبار ان كلا منهما عقد على طريق السلف نطاقا وتمسك واقام الحجج والبراهين عليه فصار المقتدى به فى تلك المسائل والدلائل يسمى اشعريا وماتريديا وذكر العز بن عبد السلام ان عقيدة الاشعرى اجمع عليها الشافعيه والمالكيه والحنفيه وفضلاء الحنابله ووافقه على ذلك من اهل عصره شيخ المالكيه فى زمانه ابو عمرو بن الحاجب وشيخ الحنفيه جمال الدين الحصيرى واقره على ذلك التقى السبكى فيما نقله عن ولده التاج وفى كلام عبد الله الميرثى المتقدم بذكره ما نصه اهل السنه من المالكيه والشافعيه واكثر الحنفيه بلسان ابى الحسن الاشعرى يناضلون وبحجته يحتجون ثم قال ولم يكن ابو الحسن اول متكلم بلسان اهل السنه انما جرى على سنن غيره او على نصرة مذهب معروف فزاد المذهب حجه وبيانا ولم يبتدع مقاله اخترعها ولا مذهب انفرد به الا ترى ان مذهب اهل المدينه نسب الى مالك. من كان على مذهب اهل المدينه يقال له مالكى ومالك انما اجرى على سنن من كان قبله وكان كثير الاتباع لهم الا انه زاد المذهب بيانا وسطا عزى اليه كذلك ابو الحسن الاشعرى لا فرق ليس له فى مذهب السلف اكثر من بسطه وشرحه وتواليه فى نصرته ثم عدد خلقا من ائمة المالكيه كانو يناضلون عن مذهب الاشعرى ويبدعون من خالفه ا ه قال التاج المالكيه اخص التاس بالشعرى اذ لا تحفظ مالكا غير اشعرى ويحفظ من غيرهم طوائف جنحوا اما الى اعتزال او الى تشيع وان كان جنح الى هذين من رعاع الفرق وذكر بن عساكر فى التبين ابا العباس الحنفى يعرف يقاضى العسكر ووصفه بانه من ائمة اصحاب الحنفيه ومن المتقدمين فى علم الكلام وحكى عن جملة من كلامه فمن قوله وجدت لابى الحسن الاشعرى كتبا كثيره فى هذا الفن يعنى اصول الدين وهو قريب من مائتى كتاب والموجز الكبير ياتى على عامة ما فى كتبه وقد صنف الاشعرى كتابا كبيرا لتصحيح مذهب المعتزله فانه كان يعتقد مذهبهم ثم بين الله ضلالتهم فبان عما اعتقده من مذهبهم وصنف كتابان قضا لما صنف للمعتزله وقد اخذ عامة اصحاب الشافعى بما استقر عليه مذهب ابى الحسن وصنف اصحاب الشافعى كتبا كثيرة على وفق ما ذهب اليه الاشعرى الا ان بعض اصحابنا من اهل السنة والجماعه خطا ابى الحسن فى بعض المسائل مثل قوله التكوين والمكون واحد ونحوهما فمن وقف على المسائل التى اخطا فيها ابو الحسن وعرف خطاه فلا باس له بالنظر فى كتبه فقد امسك كتبه كثير من اصحابنا من اهل السنه والجماعه ونظروا فيها (ذكر البحث عن تحقيق ذلك) قال التاج السبكى سمعت الشيخ الامام الوالد يقول ما تضمنته عقيدة الطحاوى هو ما يعتقده الاشعرى لا يخالف الا فى ثلاث مسائل ا ه قلت وكانت وفاة الطحاوى بمصر فى سنة احدى وثلاثين وثلاثمائه فهومعاصر لابى الحسن الشاذلى وابى منصور الماتريدى ثم قال التاج السبكى وانا اعلم ان المالكيه كلهم اشاعره لا استثنى احدا والشافعيه غالبهم اشاعره لا استثنى الا من لحق منهم بتجسيم او اعتزال @ ممن لا يعبا الله به والحنفيه اكثرهم اشاعره اعنى يعتقدون عقيدة الاشعرى لا يخرج منهم الا من لحق منهم بالمعتزله والحنابله اكثر من غيرهم وقد تاملت عقيدة ابى جعفر الطحاوى فوجدت الامر على ما قال الشيخ الامام الوالد وعقيدة الطحاوى زعم انها الذى عليه ابو حنيفه وابو يوسف ومحمد ثم تصفحت كتب الحنفيه فوجدت جميع المسائل التى بيننا وبينهم خلاف فيها ثلاث عشرة مساله منها معنوى ستة مسائل والباقى لفظى وتلك الست المعنويه لا تقتضى مخالفتهم لنا ولا مخالفتنا لهم منها تكفيرا ولا تبديعا صرح بذلك الاستاذ ابو المنصور البغدادى وغيره من ائمتناوائمتهم وهو غنى عن التصريح لوضوحه ومن كلام الحافظ الذهبى الاصحاب كلهم مع اختلافهم فى بعض المسائل كلهم اجمعون على ترك تكفير بعضهم بعضا مجمعون بخلاف من عداهم من سائر الطوائف وجميع الفرق فانهم حين اختلفت بهم مستشنعات الاهواء والطرق كفر بعضهم بعضا وراى تبريه ممن خالفه فرضا قال التاج السبكى ثم هذه المسائل الثلاثة عشر لم يثبت جميعها عن الشيخ ولا عن ابى حنيفه رضى الله عنهما ولكن الكلام بتقدير الصحه ولى قصيده نونيه جمعت فيها هذه المسائل وضممت اليها مسائل اختلفت الاشاعره فيها مع تصويب بعضهم بعضا فى اصول العقيده ودعواهم انهم اجمعون على السنه وقد ولع كثير من الناس بحفظ هذه القصيده لا سيما الحنفيه وشرحها من اصحاب الشيخ العلامه نور الدين محمد بن ابى الطيب الشيرازى الشافعى وهو رجل مقيم فى بلاد كبلان ورد علينا دمشق فى سنة سبع وخمسين وسبعمائه واقام يلازم حلقتى نحو عام ونصف ولم ار فيمن جاء من العجم فى هذا الزمان افضل منه ولا ادين وانا اذكر للك قصيدتى فى هذا المكان لتستفيد منها فى مسائل الخلاف وما اشتملت عليه الورد خدك صيغ من انسان ام فى الخدود شقائق النعمان والسيف لحظك سل من اجفان فسطا كمثل مهند وسنان بالله ما خلقت لحاظك باطلا وسدى تعالى الله عن بطلات وكذاك عقلك لم يركب يا اخى عبثا ويودع داخل الجثمانى لكن ليسعد او ليشقى مؤمن او كافر فبنواللورى صنفان كذب ابن فاعله يقول بجهله اله جسم ليس كالجثمانى واعلم بان الحق ما كانت عليه صحابة المبعوث من عدنان قد نزهوا الرحمن عن شبه وقد دانو بما قد جاء فى القران ومضوا على خير وما عقدوا مجالس فى صفات الخالق الديانواتت على اعقابهم علماؤنا غرسوا ثمارا يجتنيها الجانى كالشافعى ومالك وكاحمد وابى حنيفه والرضى سفيان وكمثل اسحق وداود ومن يقفوا طرائقهم من الاعيان واتى ابو الحسن الامام الاشعرى مبينا للحق اى بيان ومناضلا ععليه اولئك الا سلاف بالتحرير والاتقان ما ان يخالف مالكا والشافعى واحمد بن محمد الشيبانى لكن يوافق قولهم ويزيده حسنا وتحقيقا وفضل بيان ومنها والكل معتقدون ان الهنا متوحد فرد قديم دانى حى عليم قادر متكلم عال ولا يعنى علو مكان باق له سمع وابصار يرى جميع ما يجرى من الانسان الى ان قال يا صاح ان عقيدة النعمان والاشعرى حقيقة الايمان @ كلاهما والله صاحب سنة * بهدى نبى الله مقتديان * لاذا يبدع ذا وهذوان* تحسب سواه وهمت فى الحسبان * من قال ان ابا حنيفه مبدع * رايا فذلك قائل الهذيان * او ظن ان الاشعرى مبدع * فلقد اساء وباء بالخسران * كل اما مقتدى ذوسنه * كالسيف مساولا على التعطان * والخلف بينهما قليل امره * سهل بلا بدع ولا كفران * فيما يقل من المسائل عده * ويهون عند تطاعن الاقران * ولقد بؤل خلافها امالى * لفظ كالاستثناء فى الايمان * وكمنعه ان السعيد يقتل او * يشقى ونعمة كافرخوان الاشعرى يقول انا مؤمن ان شاء الاله وابو حنيفه يقول انا مؤمن حقا والاشعرى يقول السعيد من كتب فى بطن امه سعيد والشقى من كتب فى بطن امه شقيا لا يتبدلان وابو حنيفه يقول قد يكون سعيدا ثم ينقلب والعياذ بالله شقيا وبالعكس والاشعرى يقول ليس على الكافر نعمة وكل ما يتقلب فيه استدراج وابو حنيفه يقول عليه نعمة ووافقة من الاشاعره ابو بكر الباقلانى فهو مع الحنفية فى هذه كما لما تريدى معنا فى مسئلة الاستثناء ثم ساق فى قصيدته هذه المسائل التى عزيت الى الاشعرى فيها انكار الرسالة بعد الموت وهى من الكذب عليه وفى كتبه وكتب اصحابه خلاف ذلك ثم ذكر مسئلة الرضا والاراده وقال فاعلم ان المنقول عن ابى حنيفة اتحادهما وعن الاشعرى اقترافهما وقيل ان ابا حنيفة لم يقل بالاتحاد فيهما بل ذلك مكذوب عليه فعلى هذا انقطع النزاع وانما الكلام بتقدير صحة الاتحاد عنده وعند اكثر الاشاعره على ما يعرى الى ابى حنيفة من الافتراق منهم امام الحرمين وغيره اخرهم الشيخ محى الدين النووى وحمه الله تعالى قال هما شئ واحد ولمن انا لا اختار ذلك والحق عندى انهما مقترفان كما هو منصوص الشيخ ابى الحسن ثم ذكر ما نسب الى الاشعرى من عدم صحة ايمان المقلد وقد انكر القشيرى ذلك فى رسالته شكاية اهل السنة وقال انه مكذوب عليه ثم قال وكذالك كسب الاشعرى وانه * صعب ولكن قام بالبرهان * من لم يقل بالكسب مال الى اعتزا* ل اول مقال الجبرذى الطغيان كسب الاشعرى كما هو مقرر فى مكانه انه اضطر اليه من ينكر خلق الافعال وكون العبد مجبرا والاول اعتزال والثانى جبر فكل احديث بت واسطة لكن يعسر التعبير عنها وتمثلوا بها بالفرق بين حركة المرتعش والمختار وقد اضطرب المحققون فى تحرير هذه الواسطة والحنفية يسمونها الاختيار والذى تحرر لنا ان الاختيار والكسب عبارتان عن معبر واحد ولكن الاشعرى اثر لفظ الكسب على لفظ الاختيار لكونه منطوق القران والقوم اثر والفظ الاخيار لما فيه من اشعار قدرة العبد للقاضى ابى بكر مذهب يزيد على مذهب الاشعرى فلعله راى القوم ولامام الحرمين والغزالى مذهب يزيد على المذهبين جميعا ويدنو كل الدنو من الاعتزال وليس هو هو ثم قال وقد عرفناك ان الشيخ الوالد كان يقول ان عقيدة الطحاوى لم تشتمل الاعلى ثلاث ولكا نحن جمعنا الثلاث الاخر من كلام القوم اولها ان الرب تعالى له عندنا ان يعذب الطائعين ويثيب العاصين كل نعمة منه فضل وكل نقمة منه عدل ولا حجر عليه فى ملكه ولا داعى له الى فعله وعندهم يجب تعذيب العاصى وانبة المطيع ويمتنع المعكس ووجوب معرفة الاله الاشعرى * يقول ذاك بشرعه الديان * والعقل ليس بحاكم لكن له الا * دراك لا حكم على الحيوان * وقضوا بان العقل يوجبها وفى * كتب الفروع لصحبنا وجهان * وبان اوصاف الفعال قديمه * ليست بحادثة على الحدثان * وبان مكتوب المصاحف منزل * يمين الكلام لمنزل القران * والبعض انكر ذا فان يصدق فقد * ذهبت من التعداد مسئلتان @ هذى ومسئلة الاراده قبلها * امران قيما قال مكذوبان * وكما انتقى هاذاك عنهم هكذا * عنا انتقى مما يقال اثنان *قالوا وليس بجائر تكليف ما * لا يستطلع فتى من الفتيان * وعليه من اصحابنا شيخ العرا * ق وحجة الاسلام ذو الاتقان (مسئلة) تكليف ما لا يطاق وافقهم من اصحابنا الشيخ ابو حامد الاسفراينى شيخ العراقين وحجة الاسلام الغزالى وابن دقيق العيد قالوا وتمتنع الصغائر من نبيى للا له وعندنا قولان * والمنع مروى عن الاستاذ والقاضى عياض وهو ذو رجحان * وبه اقول وكان مذهب والدى * رفعا لرتبتهم عن النقصان والاشعرى امامنا لكننا فى ذا تخالفه بكل لسان الى ان قال هذا الامام وقبله القاضى يقولان البقا لحقيقة الرحمان وهما كبير الاشعريه وهوقا * لبزائد فى الذات اللا مكان والشيخ والاستاذ منطقان فى عقد وفى اشياء مختلفان وكذاا بن فورك الشهيد وحجة الاسلام خصما الافك والبتهان وابن الخطيب وقوله ان الوجود يزيد وهو الاشعرى الثانى والاختلاف فى الاسم هل هو والمسمى واحد لا اثنان او غيران والاشعريه بينهم خلف اذا عدت مسائلة الانسان بغلت مئين وكلهم ذو سنة اخذت المبعوث من عدنان وكذلك اهل الراى مع اهل الحد يث فى الاعتقاد الحق متفقان ما ان يكفر بعضهم بعضا ولا ازرى عليه وسامه بهوان الا الذين بمعزل عنهم فهم فيه تتخت عنهم الفئتان هذا الصواب فلا تظنن غيره واعقد عليه بخنصر وبنات وهى طويلة اوردت منها القدر المذكور مع البيان الاجمالى واما التفصيل فى المسائل المختلف فيها بين الفريقين فانها بلغت همسين مسئلة وساذكرها فى فصل مختص به وهذه القصيده على وزان قصيدة لابن زفيل رجل من الحنابله وهى ستة الاف بيت ردفيها على الاشعرى وغيره من ائمة السنة وجعلهم جهمية تارة وكفار تارة اخرى وقد رد عليها شيخ الاسلام التقى السبكى فى كتاب سماه السيف الصقيل ونحن نورد منه ما ذكر فى مقدمته فى الجمل النافعة المفيدة وما اظن ولده التاج اراد فى قصيدته المذكورة كذب ابن فاعلة يقول بجهله الله جسم ليس كالجسمان الا الاشارة الى هذا الرجل وان لم يصرح به وهذا اول قصيدة ابن زفيل ان كنت كاذبة الذى حدثتنى فعليك اثم الكاذب الفتان جهم بن صفوان وشيعته الاولى سجدوا سفات الخالق الديان بل عطلوا منه السموات العلى والعرش اخلوه من الرحمان والعبد عندهم فليس بفاعل بل فعله كتحرك الرجفان الى اخر ما قال وهذا نص الشيخ تقى الدين السبكى فى شرحه على هذه القصيدة لا تشتغل من العلوم الا بما ينفع وهو القران والسنة والفقه واوصول الفقه والنحو وباخذها عن شيخ سالم العقيدة ويتجنب علم الكلام والحكمة اليونانية والاجتماع بمن هو فاسد العقيدة او النظر فى كلامة وليس على العقائد اضر من شيئين علم الكلام والخكمة اليونانية وهما فى الحقيقه علم واحد وهو العلم الالهى لكن اليونان طلبوه بمعرفة عقولهم والمتكلمون طلبوه بالعقل والنقل وافترقوا ثلاث فرق احداها غلب عليها جانب العقل @ وهم المعتزلة والثانية غلب عليها جانب النقل وهم الحشوية والثالثة استوى الامر ان عندها وهم الاشعرية وجميع الفرق الثلاثة فى كلامها مخاطرة اما خطأ فى بعضه واما سقوط هيبة والسالم من ذلك كله ما كان عليه الصحابة والتابعون وعموم الناس الباقون على الفطرة السليمة ولهذا كان الشافعى رضى الله عنه ينهى الناس عن الاشتغال بعلم الكلام ويأمر بالاشتغال فى الفقه وهو طريق السلامة ولو بقى الناس على ما كانوا عليه فى زمن الصحابة كان الاولى للعلماء تجنب النظر فى علم الكلام جملة لكن حدثت بدع اوجبت للعلماء النظر فيه لمقاومة المبتدعين ودفع شبههم عن ان تزيغ بها قلوب المهتدين والفرقة الاشعرية هم المتوسطون فى ذلك وهم الغالبون من الشافعية والمالكية والحنفية وفضلاء الحنابلة وسائر الناس واما المعتزلة فكانت لهم دولة فى اوائل المائة الثالثة ساعد هم بعض الخلفاء ثم انخذلوا وكفى الله تعالى شرهم وهاتان الطائفتان الاشعرية والمعتزلة هما المتقاومتان وهما فحولة المتكلمين من اهل الاسلام والاشعرية اعدلهما لانها بنت اصولها على الكتاب والسنة والعقل الصحيح واما الحكمة اليونانية فالناس مكتفون شرها لان اهل الاسلام كلهم يعرفون فسادها ومجانبتها للاسلام واما الحشوية فهى طائفة رذيلة جهال ينتسبون الى اجمد واحمد مبرأ منهم وسبب نسبتهم اليه انه قام فى دفع المعتزلة وثبت فى المحنة رضى الله عنه ونقلت عنه كلمات ما فهمها هؤلاء الجهال فاعتقدوا هذا الاعتقاد السئ وصار المتأخر منهم يتبع المتقدم الا من عصمه الله تعالى ومازالوا من حين نبغوا مستذلين ليس لهم رأس ولا من يناظر وانما فى كل وقت لهم ثورات ويتعلقون ببعض اتباع الدول ويكفى الله تعالى شرهم وما تعلقوا باحد الا وكانت عاقبته الى سوء وافسدوا اعتقاد جماعة شذوذ من الشافعية وغيرهم ولاسيما من بعض المحدثين بزمانه بدمشق ابن عساكر يمتنع من تحديثهم ولا يمكنهم يحضرون بمجلسه وكان ذلك ايام نور الدين الشهيد وكانوا مستذلين غاية الذلة ثم جاء فى اواخر المائة السابعة رجل له فضل ذكاء واطلاع ولم يجد شيخا يهديه وهو على مذهبهم وهو جسور متجرد لتقرير مذهبه ويجد امورا بعيدة فبجسارته يلتزمها فقال بقيام الحوادث بذات الرب سبحانه وتعالى وان الله سبحانه وتعالى مازال فاعلا وان التسلسل ليس بمجال فيما مضى كما هو سيأتى وشق العصا وشوش عقائد المسلمين واغرى بينهم ولم يقتصر على العقائد فى علم الكلام حتى تعدى وقال ان السفر لزيارة قبر النبى صلى الله عليه وسلم معصية وقال ان الطلاق الثلاث لا يقع وان من حلف بطلاق امرأته وحنث لا يقع عليه طلاق واتفق العلماء على حبسه الحبس الطويل فحبسه السلطان ومنعه من الكتابة فى الحبس وان لا يدخل عليه بدواة ومات فى الحبس ثم حدث من اصحابه من يشيع عقائده ويعلم مسائله ويلفى ذلك الى الناس سرا ويكتمه جهرا فعم الضرر بذلك حتى وقفت فى هذا الزمان على قصيدة نحو ستة الاف بيت يذكر فيها عقائده وعقائد غيره ويزعم بجهله ان عقائده عقائد اهل الحديث فوجدت هذه القصيدة تصنيفا فى علم الكلام الذى نهى العلماء من النظر فيه لو كان حقا وفى تقرير للعقائد الباطلة فيه وبرع بها وزيادة على ذلك وهى حمل العوام على تكفير كل من سواه وسوى طائفته فهذه ثلاثة امور هى مجامع ما تضمنته هذه القصيدة والاول من الثلاث حرام لان النهى عن علم الكلام ان كان نهى تنزيه فيما تدعو الحاجة الى الرد على المبتدعة فيه فهو نهى تحريم فيما لا تدعوا الحاجة اليه فكيف فيما هو باطل والثانى من العلماء مختلفون فى التكفير به ولم ينته الى هذا الحد اما مع هذه المبالغة ففى بقاء الخلاف فيه نظر واما الثالث فنحن نعلم بالقطع ان هؤلاء الطوائف الثلاثة الشافعية والمالكية والحنفية وموافقيهم من الحنابلة مسلمون وليسوا بكافرين فالقول بان جميعهم كفار وحمل الناس على ذلك كيف لا يكون كفرا وقد قال صلى الله عليه وسلم اذا قال المسلم لاخيه يا كافر فقد باء بها احدهما ولضرورة اوجبت بان بعض من كفرهم مسلم والحديث @ اقتضى انه يبوء بها احدهما فيكون القائل هو الذى باء بها ثم حكى رد امام الحرمين على السنجرى واطال فى العبارة وقد اقتصرنا على القدر المذكور لانى لست بصدد بيان اعتقادهم والرد على اقوالهم وله محل غير هذا والله اعلم * (الفصل الثالث فى تفصيل ما اجمل آنفا من ذكر المسائل المختلف فيها بين الاشاعرة والماتريدية ليكون المطالع لها على بصيرة) * اعلم انه تقدم النقل عن التقى السبكى ان الاختلاف بين الفريقين فى ثلاث مسائل فيما استنبطه من عقيدة ابى جعفر الطحاوى وزاد ولده التاج ثلاثة اخرى استخرجها من كتاب الماتريدية وزاد غيره سبعة اخرى واورد الفاضل عبد الرحيم بن على الحنفى فى كتابه نظم الفرائد وجمع الفوائد اربعين مسئلة ببراهينها وحجبها واطال الكلام فيها جدا وكذا العلامة ملا على القارئ فى شرح الفقه الاكبر وذكر العلامة ابن البياضى فى كتابه اشارات المرام من عبارات الامام حسن مسئلة ولنقتصر على ايراد عبارته لاختصارها وجمعها لاما تشتت من الاقوال قال رحمه الله تعالى فمن الخلافيات بين جمهور الماتريدية والاشعرية الوجود والوجود عين الذات فى التحقيق واختاره الاشعرى خلافا لهم والاسم اذا اريد به المدلول عين المسمى ولا ينقسم كالصفات الى ما هو عين والى ما هو غيره والى ما ليس هو ولا غيره واختاره كثير منهم ويعرف الصانع حق المعرفة واختاره بعضهم وهو الحق كما فى المنائح للآدمى وصفات الافعال راجعة الى صفة ذاتية هى التكوين اى مبدأ الاخراج من العدم الى الوجود وليس عين المكون واختاره الحرث المحاسبى كما فى معالم السنن لخطابى والبقاء هو الوجود المستمر وليس صفة زائده واختاره الباقلانى والاستاذ وكثير منهم والسمع بلا جارحة صفة غير العلم وكذا البصر واختاره اما الحرمين والرازى وكثير منهم وليس ادراك الشم والذوق واللمس صفة غير العلم فى شأنه تعالى وليس احساس الشئ باحدى الحواس الخمس علما به بل آلته والعقل ليس علنا ببعض الضروريات واختاره كثير منهم ويجب بمجرد العقل فى مدة الاستدلال معرفة وجوده تعالى ووحدته وعلمه وقدرته وكلامه وارادته وحدوث العالم ودلالة المعجرة على صدق الرسول ويجب تصديقه ويحرم الكفر والتكذيب لامر البعثة وبلوغ الدعوة والحسن بمعنى استحقاق المدح والثواب والقبح بمعنى استحقاق الذم والعقاب على التكذيب عنده اجمالا عقليا اى يعلم به حكم الصانع فى مدة الاستدلال فى هذه العشرة كما فى التوضيح وغيره لا لايجاب العقل للحسن والقبح ولا مطلقا كما زعمته المعتزلة اما كيفية الثواب وكونه بالجنة وكيفية العقاب وكونه بالنار فشرعى واختار ذلك الامام القفال الشاشى والصيرفى والحليمى وابو بكر الفارسى والقاضى وابو حامد وكثير من متقدميهم كما فى القواطع للامام ابى المظفر السمعانى الشافعى والكشف الكبير وهو مختار الامام القلانسى كما فى التبصرة البغدادية ولا يجوز نسخ ما يقبل حسنه او قبحه السقوط كوجوب الايمان وحرمة الكفر واختاره المذكورون والقبح والحسن بمعنى الامر والنهى عن الحكمة الامر الناهى والحسن بمعنى كون الفعل بحيث يدرك بالعقل اشتماله على عاقبة حميدة والقبح بمعنى كونه يدرك به عدم اشتماله على ذلك لما يتصور ان يفعله الله تعالى لكنه لحكمته لا يفعل ذلك كما فى التبصرة والتعديل والتسديد وكل ما صدر منه تعالى فهو حسن اجماعا ويستحيل عقلا اتصافه تعالى بالجور وما لا ينبغى فلا ييجوز تعذيب المطيع ولا العفو عن الكفر عقلا لمنافاته للحكمة فيجزم العقل بعدم جوازه كما فى التنبيهات ولا يجوز التكليف بما لا يطاق لعدم القدرة او الشرط واختاره الاستاذ ابو اسحق الاسفرانى كما فى التبصرة وابو حامد الاسفرانى كما فى شرح ابن السبكى لعقيدة ابى منصور وافعاله تعالى معللة بالمصالح والحكم تفضلا على العباد فلا يلزم الاستكمال ولا وجوب الا صلح واختاره صاحب لنقاصد وفقهاؤهم كما فى كاشف الطلوع ولا تؤول المتشابهات ويفوض امرها الى الله تعالى مع التنزيه عن ارادة ظواهرها واختاره مالك والشافعى وابن حنبل والحرث المحاسبى والقطانى والقلانسى كما فى التبصرة البغدادية ولا يسمع الكلام النفسى @ بل الدال عليه واختاره الاستاذ ومن تبعه كما فى التبصرة لابى المغين النسفى والنفسى ماذكره الله عز وجل فى الازل بلا صوت ولا حرف كما فى الارشاد للامام ابى حسن الرستغفنى وهو مذهب السلف كما فى نهاية الاقدام وهو اخبار فى الازل واختاره الاشعرى كما فى المنائج وكثير من الاشاعرة كما فى الصحائف والرؤيا نوع مشاهدة للروح قد يشاهد الشئ بحقيقته وقد يشاهده بمثاله كما فى التأويلات الماتريدية والتيسير واختاره مالك والشافعى والاستاذ والغزالى والدليل النقلى يفيد اليقين عند توارد الادلة على معنى واحد بطرق متعددة وقرائن متضمنة واختاره صاحب الابكار والمقاصد وكثير من المتقدمين والمحبة بمعنى الاستحماد لا مطلق الارادة فلا يتعلق بغير الطاقة واختاره كثير منهم والاستطاعة صالحة للضدين واختاره كثير منهم والاستطاعة صالحة للضدين على البدل واختاره القلانسى وابن شريح البغدادى كما فى التبصرة البغدادية وكثير منهم كما فى شرح المواقفواختيار العبد مؤثر فالقدرتان المؤثرتان فى محلين وهو الكسب لا مقارنة الاختيار بلا تأثير اصلا واختاره الباقلانى كما فى المواقف وهو مذهب السلف كما فى المنطوقة للمحقق المرغوى واختاره الاستاذ ابو اسحق الاسفراينى وامام الحرمين فى قوله الاخير ان اختياره مؤثر فى المراد بمعاونة قدرة الله تعالى ولا تجتمع القدرتان المؤثرتان بالاستقلال ولا يلزم تماثل القدرتين لان المماثلة بالمساواة من وجه يقوى المتماثلان فيه وان لم يكن من كل وجه ولا يزيد ولا ينقص الايمان اى التصديق البالغ حق الجزم واختاره امام الحرمين والرازى والآمدى والنووى كما فى شرح السبكى وغيره وليس مشككا متفاوت الافراد قوة وضعفا فانه فى التصديق بمعنى العلم وهو شرط للتصديق بالكلام النفسى المعتبر فى الايمان كما فى التعديل والمسايرة على ما اختاره الاشعرى فى رواية الباقلانى وكثير منهم كما فى المسايرة وغيره والتفاوت فى العصر الاول بزيادة المؤمن به وبعده بحسب الكيفيات من الاشراف واستدامة الثمرات ويعتمد ايمان النائى عن العمران تقليد للمخبر واختاره مالك والشافعى وابن حنبل والقطانى والمحاسبى والكرابيسى والقلانسى كما فى التبصرة البغدادية ولا استثناء فى الايمان بوجود اعتبار الحال لايمامه الشك ولو باعتبار المآل واختاره الباقلانى وابن مجاهد كما فى التبصرة البغدادية والشقى فى الحال قد يسعد واختاره الباقلانى كما فى شرح السبكى وينعم الكافر فى الدنيا لكونها نعمة فى الحال وتقبل توبة اليأس واختاره كثير منهم كما فى شرح المقاصد والانبياء معصومون عن الصغائر قصدا وعن البكائر قطعا واختاره الاستاذ قال النووى وهو مذهب المحققين من المتكملين والمحدثين والذكورة شرط النبوة واختاره كثير منهم والمجتهد يخطئ ويصيب والحق عند الله واحد واختاره المحاسبى والقطانى والاستاذ ابو اسحق وعبد القاهر البغدادى وكثير منهم كما فى الكشف الكبير وتصح امامة المفضول واختاره الباقلانى وكثير منهم كما فى المواقف وبالموت يحصل الخروج للروح والازهاق لاقطع البقاء فهو وجودى كما فى التبصرة النسفية واختاره القلانسى كما فى التبصرة البغدادية والاعراض لا تعاد واختاره القلانسى وهو احد الروايتين عن الاشعرى كما فى المواقف فهذه خمسون مسئلة خلافية فى التفاريع الكلامية ذهب اليه جمهور الماتريدية وخالفهم فيه جمهور الاشاعرة كل ذلك مأخوذ من كلام الامام ابى حنيفة ومستفادها منه اما من العبارة او الاشارة او الدلالة او الاقتضاء او مفهوم المخالفة فانه يعتبرا كثرها فى الرواية والله اعلم * (الفصل الرابع) * هذه المسائل التى تلقاها الامامان الاشعرى والماتريدى وهى اصول الائمة رحمهم الله تعالى فالاشعرى بنى كتبه على مسائل من مذهب الامامين مالك والشافعى اخذ ذلك بوسائط فايدها وهذبها والماتريدى كذلك اخذها من نصوص الامام ابى حنيفة وهى فى خمسة كتب الفقه الاكبر والرسالة والفقه الابسط وكتاب العلم والمتعلم والوصية نسبت الى الامام واختلف فى ذلك كثيرا فمنهم من ينكر عزوها الى الامام مطلق وانها ليست من عمله ومنهم من ينسبها الى محمد بن يوسف النجارى المكنى بابى حنيفة وهذا قول المعتزلة لما فيها من ابطال نصوصهم الزائغة وادعائهم كون الامام منهم كما فى المناقب الكردرية وهذا @ كذب منهم على الامام فانه رضى الله عنه وصاحباه اول من تكلم فى اصول الدين واتقنها بقواطع البراهين على رأس المائة الاولى ففى التبصرة البغدادية اول متكلمى اهل السنة من الفقهاء ابو حنيفة الف فيه الفقه الاكبر والرسالة فى نصرة اهل السنة وقد ناظر فرقة الخوارج والشيعة والقدرية والدهرية وكانت دعاتهم بالبصرة فسافر اليها نيفا وعشرين مرة وفضهم بالادلة الباهرة وبلغ فى الكلام الى انه كان المشار اليه بين الانام واقتفى به تلامذته الاعلام اه وفى مناقب الكردرى عن خالد بن زيد العمرى انه كان ابو حنيفة وابو يوسف ومحمد وزفر وحماد بن ابى حنيفة قد خصموا بالكلام الناس اى الزموا المخالفين وهو ائمة العلم وعن الامام ابى عبد الله الصميرى ان الامام ابا حنيفة كان متكلم هذه الامة فى زمانه وفقيههم فى الحلال والحرام وقد علم مما تقدم ان هذه الكتب من تأليف الامام نفسه والصحيح ان هذه المسائل المذكورة فى هذه الكتب من امالى الامام التى املاها على اصحابه كحماد وابو يوسف وابى مطيع الحكم ابن عبد الله البلخى وابى مقاتل حفص بن مسلم السمرقندى فمنهم الذين قاموا بجمعها وتلقاها عنهم جماعة من الائمة كاسمعيل بن حماد ومحمد بن مقاتل الرازى ومحمد بن سماعة ونصير بن يحيى البلخى وشداد بن الحكم وغيرهم الى ان وصلت بالاسناد الصحيح الى الامام ابى منصور الماتريدى فمن عزاهن الى الامام صح لكون تلك المسائل من املائه ومن عزاهن الى ابى نطيع البلخى او غيره ممن هو فى طبقته او ممن هو بعدهم صح لكونها من جعه ونظير ذلك المسند المنسوب للامام الشافعى فانه من تخريج ابى عمر ومحمد بن جعفر ابن محمد بن مطر التيسابورى لابى العباس الاصم من اصول الشافعى ونحن نذكر لك من نقل من هذه الكتب واعتمد عليها فمن ذلك فخر الاسلام على محمد البزودى قد ذكر فى اول اصوله جملة من الفقه الاكبر وكتاب العالم والرسالة وذكر بعض مسائل الكتب المذكورة فى كل من شروح الكافى لحسام الدين السغناقى والشامل للقوام الاتقانى والشافى لحلال الدين الكولانى وصان الاصول للقوام السكاكى والبرهان للنجارى والكشف لعلاء الدين النجارى والتقرير لاكمل الدين البابرتى وذكرت الرسالة بتمامها فى اواخر خزانة الاكمل للهمدانى وذكرها الامام الناطفى فى الاجناس وذكر كثير من مسائل كتاب العالم فى المناقب للامام نجم الدين النسفى وللخوارزمى والكشف لابى محمد الحارثى الحافظ وبعضها فى نكاح اهل الكتاب فى المحيط البرهانى وذكر بعض مسائل الفقه الاكبر شيخ الاسلام محمد بن الياس فى فتاويه ةابن الهمام فى المسايرة وذكر بعض مسائل الفقه الابسط الامام ابو المعين النسفى فى الاعتماد شرح العمدة وكشف المنار والناطفى فى الاجناس والقاضى ابو العلاء الصاعدى فى كتاب الاعتقاد وابو شجاع الناصرى فى البرهان الساطع شرح عقائد الطحاوى وابو المحاسن محمود القونوى فى شرحها ايضا وشرحه الفقيه عطاء بن على الجوزجانى شرحا نفسيا وذكر الوصية بتمامها الامام صارم المصرى فى نظم الجمان ومن المتأخرين القاضى تقى الدين التميمى فى الطبقات السنية والقاضى ابو الفضل محمد بن الشحنة الحلبى فى اوائل شرح الهداية وذكر بعض مسائلها ابن الهمام فى المسايرة وشرحها الشيخ اكمل الدين البابرتى فقد ذكر جملا من مسائل الكتب الخمسة منقولا عنها نحو ثلاثين كتابا من كتب الائمة وهذا القدر كاف فى تلقى الامة لها بالقبول والله اعلم* (الفصل الخامس) * قال السبكى فى شرح عقيدة ابن الحاجب اعلم ان لكل علم موضوعا ومبادئ ومسائل اذ بها تنوعت العلوم وتمايزت فى المفهوم ثم من المعلوم ان الناظرين فى هذا الشأن اعنى علم التوحيد والباحثين عنه على قسمين فمنهم من نظر نظرا عاما فى المعلوم من حيث هو معلوم وان كان المقصود او لا بالذات العلم بواجب الوجود ومنهم من نظر نظرا خاصا وذلك فيما يجب لله ويستحيل عليه ويجوز فى افعاله وما يوصل الى ذلك اجمالا وتفصيلا والعلم الحاصل من الاول هو المسمى بعلم الكلام والثانى يسمى بعلم العقائد @ وهذا مندرج تحت الاول باندراج الاخص تحت الاعم ولذلك كانت المطالب التى نحصل من الاول اكثر لشمولها لشئون الواجب واحوال الممكن ولذلك حد هذا العلم بانه الباحث عن احوال الواجب واحوال الممكنات من حيث المبدأ والمعاد وما يعم قصد للتحقيق واما الثانى فلا يحصل منه الا ما عبدنا باعتقاده فقط كما فى هذه العقيدة يعنى عقيدة ابن الحاجب والنسفية واللمع وغيرها ويدل على هذا ما اقتصر عليه من ينكر طريق الكلام كما هو طريق الفقهاء والمحدثين وغيرهم حيث اقتصروا على تحصيل العقائد من غير نظر فى العالم بنظر المتكلم بل اقتصروا على المبادئ السمعية وما قرب من المبادئ العقلية ولذلك يحد هذا العلم بانه العلم بالاحكام الشرعية الاعتقادية عن قاطع عقلى او سمعى او وجدانى فعن قاطع يخرج التقليد وعقلى يدخل المتكلم وسمعى يدخل المحدث ووجدانى يدخل الصوفى وما حد به المحقق سعد الدين الكلام حيث قال الكلام هو العلم بالعقائد الدينية عن ادلتها اليقينية فحد له باعتبار المقصود منه والا فهو مشكل لامكان ورود منع الجميع واذا تقرر هذا فنقول لا يكفى فى معرفة موضوع هذا العلم اعنى علم العقائد ومسائله مباديه معرفة موضوع الكلام ومسائله ومباديه فلابد من التعرض لذلك بخصوصه فموضوع علم العقائد ذات الواجب اذ الناظر فى علم العقائد يبحث عن لواحق الواجب الذاتية اعنى صفاته وافعاله وكل ما يبحث فى علم عن لواحقه الذاتية فهو موضوع لذلك العلم لا ياقل موضوع العلم لا يتبين وجوده فى ذلك العلم بل فى علم اخر ومن المعلوم ان العلم بوجود الصانع يتبين فى هذا العلم فكيف يكون هذا موضوعه لانا نقول نمنع ان موضوع كل علم انما يتبين وجوده فى غيره ولئن سلمنا ذلك فمنع ان صانع العالم يتبين وجوده فى هذا العلم بل وجوده بديهى والمذكور انما هو على جهة التنبيه قال تعالى افى الله شك وبهذا قال جماعة من المحققين كابن البناء فى مراسيمه او انه مبين فى علم اخر وهو علم الكلام الذى هو اوسع واشمل كما نبهنا عليه واما مسائله فكل ما جعل الشرع العلم به ايمانا والجهل به كفرا وابتداعا واما مباديه فالقواطع العقلية والسمعية والادراكات الوجدانية والحسية * (الفصل السادس) * اعلم انه قد اصطلح اهل هذا الفن على الفاظ فيما بينهم فلابد فى ابتداء التعليم من تعلمها ولنذكر هنا مشاهيرها فمنها العالم وهو ما نصب علما على العلم بصانعه مأخوذ من العلم بمعنى العلامة فمن ثم تعددت العوالم فيقال عالم الانسان وعالم الجن وعالم الملائكة وغيرهم كما نبه عليه صاحب الكشاف ولما كان منشأ التسمية فى الجميع العلامة وكانت فى مجموع العوالم اجلى واوضح خص المتكلمون العالم بجملته بما سوى واجب الوجود تغليبا واقتصارا لانه تعالى يعلم به من حيث اسماؤه وصفاته وينقسم العالم ايضا على قسمين كبير وهو الفلك وما حواه من جوهر وعرض وصغير وهو الانسان لانه مخلوق على هيئة العالم الكبير واوجد الله فيه كل ما اوجده فى العالم الكبير ومنها الجوهر وهو ممكن قائم بنفسه هذا عند المتكلمين وينقسم الى قسمين فرد وهو ما لا ينقسم حسا ولا هما ولا عقلا وجسم اقل ما تركب منه الجسم جوهران وقيل الجوهر ماهية اذا وجدت فى الاعيان كانت لا فى موضوع وهو منحصر فى خمسة هيولى وصورة وجسم ونفس وعقل لانه اما ان يكون مجردا اولا والاول الجسم والثانى اما حال او محل الاول الصورة والثانى الهيولى وتسمى الحقيقة فالجوهر ينقسم الى بسيط روحانى كالعقول والنفوس المجردة والى بسيطجسمانى كالعناصروالى مركب فى العقل دون الخارج كناهيات الجوهرية المركبة من الجنس والفصل والى مركب منهما كالمولدات والممكن ما لا يقتضى وجودا ولا عدما لذاته والممكن بالذات ما يقتضى لذاته عدمه والقائم بنفسه هو ما يكون تحيزه بنفسه غير تابع فى تحيزه بنفسه غير تابع فى تحيزه لتحيز شئ اخر وقد يقال القائم بنفسه ما استغنى بذاته عن محل يقوم به ومنها العرض وهو فى مقابلة الجوهر هو الممكن القائم بغيره ومعنى القائم بالغير هو ان يكون تابعا فى تحيزه لتحيز غيره ومن امتنع قيام العرض @ بالعرض عند المتكلم وقد يقال القيام بالغير هو الاختصاص الناعت وهذا التعريف اولى لشموله قيام الصفات الازلية دون الاول اذ هو مختص بالمحدث الجسمانى والعرض ينقسم عند المتكلمين الى احد وعشرين نوعا وعند بعضهم ثلاثة وعشرين او اربعة وعشرين على خلاف فى ذلك يراجع فى محله * (الفصل السابع) * اعلم ان الكتب الموضوعة فى هذا الفن الذى هو علم العقائد على قسمين منهم من يخليها من ذكر الادلة بالكلية كما فعل النسفى وابن الحاجب والصنف فى هذه العقيدة المختصرة المذكورة هنا وكذا فى الاربعين له والعز بن عبد السلام وغيرهم ومنهم من يقتضب الادلة اقتضابا كما فعل امام الحرمين فى اللمع وابن القشيرى فى التذكرة الشرقية والمصنف فى الرسالة القدسية وهى التى بعد هذه المختصرة وغيرهم والاولون ذكروا المعتقدات واهملوها من الادلة ونبهوا على انه لابد من تحصيلها بالقاطع وتركوها قابلة للجميع حتى يمكن تبينها باى طريقة من الطرق الثلاثة التى هى طريقة اهل الحديث وطريقة اهل النظر الشاملة للاشاعرة والماتريدية وطريقة اهل التصوف وهذه العقيدة المختصرة التى قدمها المصنف فى هذا الكتاب واهمل فيها الادلة بالكلية تعريضا بذلك فلنشرحها على الطرق الثلاث بحسب الامكان ولكن فلتعلم ان الوجدان الالهامى حصول العلم به قاصر على واجده فلا يمكن تعليمه ولكن ننبه عليه لمن كان له قلب او القى السمع وهو شهيد ومن اجل ان هذه العقيدة على مذهب اهل السنة والجماعة نقتصر على ما بينهم من المتفق فيه والمختلف ولا نتعرض لخلاف غيرهم اذ هم خارجون عن الجماعة ولان ذكرهم يمنع المقتصر ويشوش على المقتصد وبه تمت المقدمة بما فيها ولنرجع الى المقصود من كلام المصنف ونقول قال الحافظ ابو القاسم بن عساكر فى كتاب التبيين سمعت الشيخ الفقيه الامام سعد بن على بن ابى القاسم ابن ابى هريرة الاسفراينى الصوفى الشافعى بدمشق قال سمعت الامام الاوحد زين القراء جمال الحرم ابا الفتح عامر بن نجا بن عامر السارى بمكة حرسها الله تعالى يقول دخلت المسجد الحرام يوم الاحد فيما بين الظهر والعصر الرابع عشر من شوال سنة خمس واربعين وخمسمائة وكان فى نوع تكسر ودوران رأس بحيث انى لا اقدر ان اقف او اجلس لشدة ما فى فكنت اطلب موضعا استريح فيه ساعة على جنبى فرأيت باب بيت الجماعة للرباط الرامشتى عند باب العروة مفتوحا فقصدته ودخلت فيه ووقعت على جنبى الايمن بحذاء الكعبة المشرفة مفترشا يدى تحت خدى لكيلا يأخذنى النوم فتنقض طهارتى فاذا رجل من اهل البدعة معروف بها جاء ونشر مصلاه على باب ذلك البيت واخرج لويحا من جيبه اظنه كان من الحجرة وعليه كبابة فقبله ووضعه بين يديه وصلى صلاة طويلة مرسلا يديه فيها على عادتهم وكان يسجد على ذلك اللويح فى كل مرة واذا فرغ من صلاته سجد عليه واطال فيه وكان يمعك خده من الجانبين عليه ويتضرع فى الدعاء ثم رفع رأسه وقبله ووضعه على عينيه ثم قبله ثانيا وادخله فى جيبه كما كان قال فلما رأيت ذلك كرهته واستوحشت ذلك وقلت فى نفسى ليت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حيا فيما بيننا ليخرجهم بسوء صنيعهم وما هم عليه من البدعة ومع هذا التفكر كنت اطرد النوم عن نفسى كى لا يأخذنى فتفسد طهارتى فبينما انا كذلك اذ طرأ النعاس وغلبنى فكأنى بين اليقظة والنوم فرأيت عرضة واسعة فيها ناس كثيرون واقفون وفى يد كل واحد منهم كتاب جلد تحلق كلهم على شخص فسألت الناس عن حالهم وعمن فى الحلقة قالوا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وهؤلاء اصحاب المذاهب يريدون ان يقرؤا مذاهبهم واعتقادهم من كتبهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويصحبوها عليه قال نبينا انا انظر الى القوم اذ جاء واحد من اهل الحلقة ةبيده كتاب قيل ان هذا هو الشافعى رضى الله عنه فدخل فى وسط الحلقة وسلم على النبى صلى الله عليه وسلم قال فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى جماله وكماله متلبسا بالثياب البيض المغسولة النظيفة من العمامة والقميص وسائر الثياب على زى اهل التصوف فرد عليه الجواب ورحب به وقرأ الشافعى بين يديه وقرأ من الكتاب مذهبه واعتقاده عليه وبذلك @ جاء شخص اخر قيل هو ابو حنيفة رضى الله عنه وبيده كتاب فسلم وقعد بجنب الشافعى وقرأ مذهبه واعتقاده ثم اتى بعده كل صاحب مذهب الى ان لم يبق الا القليل وكل من يقرأ يقعد بجنب الاخر فلما فرغوا اذا واحد من المبتدعة الملقبة بالرافضة قد جاء وفى يده كراريس غير مجلدة فيها ذكر عقائدهم الباطلة وهو ان يدخل الحلقة يقرؤها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج اليه واحد ممن كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وزجره واخذ الكراريس من يده ورمى بها الى خارج الحلقة وطرده واهانه قال فلما رأيت القوم قد فرغوا وما بقى احد يقرأ عليه شيئا تقدمت قليلا وكان فى يدى كتاب مجلد فناديت وقلت يا رسول الله هذا الكتاب معتقدى ومعتقد اهل السنة لو اذنت لى حتى اقرأه عليك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وايش ذلك قلت يا رسول الله هو قواعد العقائد الذى صنفه الغزالى فاذن لى فى القراءة قال فقعدت وابتدأت (بسم الله الرحمن الرحيم * (كتاب قواعد اللغة * وفيه اربعة فصول) ** (الفصل الاول * فى ترجمة عقيدة اهل السنة فى كلمتى الشهادة التى هى احد مبانى الاسلام فنقول وبالله التوفيق الحمد لله المبدئ المعيد الفعال لما يريد) وذكر انه قرأ الخطبة والعقيدة حتى وصل الى قول الغزالى فى القيدة وانه تعالى بعث النبى الامى محمدا صلى الله عليه وسلم الى كافة العرب والعجم والانس والجن قال فلما بلغت الى هذا رأيت البشاشة والبشر فى وجهه صلى الله عليه وسلم قال فالتفت الى وقال اين الغزالى فاذا بالغزالى كانه واقف على الحلقة بين يديه فقال ها انا ذا يا رسول الله وتقدم وسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد عليه الجواب وناوله يده العزيزة والغزالى يقبل يده ويضع خديه عليها تبركا به وبيده العزيزة المباركة ثم قعد قال فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم اكثر استبشارا بقراءة احد مثل ما كان بقراءتى عليه قواعد العقائد ثم انتبهت من النوم وعلى عينى اثر الدمع مما رأيت من تلك الاحوال والمشاهدات والكرامات فانها كانت نعمة جسيمة من الله تعالى سيما فى اخر الزمان مع كثرة الاهواء فنسأل الله تعالى ان يثبتنا على عقيدة اهل الحق وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم اه قوله فى ترجمة اى بيان عقيدة وهى فعيلة من العقد هو الربط لغة ثم نقل لتصميم القلب على ادراك تصورى او تصديقى والمراد بالعقيدة هنا هو ما يدين الانسان به واعتقد كذا عقد عليه قلبه وضميره واهل السنة تقدم المراد بهم واصل السنة الطريقة والمراد هنا طريقته صلى الله عليه وسلم خاصة وكلمتا الشهادة هى لا اله الا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهى احد مبانى الاسلام اشارة الى حديث بنى الاسلام على خمس فذكر شهادة ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله وقد تقدم الحديث وما فيه مفصلا فى كتاب العلم وانما اقتصر على هاتين الكلمتين لاشتمالهما على جميع مسائل التوحيد كما اشار له السنوسى وغيره وتفصيل ذلك ان معنى لا اله الا الله لا مستغنى عن كل ما سواه ومفتقر اليه كل ما عداه الا الله ومعنى الالوهية استغناء الاله عن كل ما سواه وافتقار كل ما عداه اليه فدخل تحت الاستغناء ثمانية وعشرون عقيدة الوجود والقدم والبقاء والمخالفة للحوادث والقيام بالنفس ووجوب السمع له والبصر والكلام ولوازمها وهى كونه سميعا بصير متكلما وتنزهه عن الغرض فى افعاله واحكامه وعن وجوب شئ عليه فعلا وتركا وعن كون شئ من الممكنات يؤثر بقوة اودعها الله فيه واضدادها فجملتها ثمانية وعشرون عقيدة ودخل تحت الافتقار اثنان وعشرون عقيدة الحياة وعموم القدرة والارادة والعلم ولوازمها وهى كونه حيا وقادرا ومريدا وعالما والوحدانية وحدوث العالم بأسره وان لا تأثير لشئ من الكائنات فى اثر ما بالطبع واضدادها فجملتها اثنان وعشرون عقيدة ودخل تحت قوولنا محمد رسول الله اثنتا عشرة عقيدة وجوب الصدق للرسل والانبياء والامانة والتبليغ واضدادها والايمان بسائر الانبياء والملائكة والكتب السماوية واليوم الاخر وجواز وقوع @ الاعراض البشرية عليهم وعدم وقوعها فقد ظهر لك ان قولنا لا اله الا الله محمد رسول الله يتضمن اثنتين وستين عقيدة منها خمسون عقيدة تحت لا اله الا الله واثنتا عشرة عقيدة تحت محمد رسول الله كذا املاه شيخ مشايخنا الشيخ على الطولونى المحدث من تقرير شيخه سيدى على الجزائرى المغربى الحنفى رحمه الله تعالى قوله وبالله التوفيق قال ابو البقاء هو الهداية الى وفق الشئ وقدره وما يوافقه وقال غيره هو جعل الله فعل عبده موافقا لما يحبه ويرضاه وقوله المبدئ المعيد قال المصنف فى شرح اسماء الله الحسنى معناه الموجد لكن الايجاد اذا لم يكن مسبوقا بمثله سمى ابداء واذا كان مسبوقا بمثله سمى اعادة والله تعالى بدأ خلق الناس ثم هو الذى يحشرهم والاشياء كلها منه بدت واليه تعود وبه بدت وبه تعود اه وقال ابو منصور البغدادى اجمع المسلمون على ان الله عز وجل هو المبدئ المعيد يبدأ الخلق ثم يعيده واختلفوا فى تأويل ذلك فقال الجمهور يبدأ الخلق بايجاده اولا على غير مثال سبق ويعيده بعد افنائه اياه كما كان قبل الفناء ومنهم من قال يبدأ الابدان ويعيدها تارة بعد تارة توكيدا للحجة الفعال لما يريد اى لا يمتنع عليه مراد من افعاله وافعال غيره وقال الفعال معناه يفعل ما يريد على ما يراه لا يعترض عليه احد ولا يغلبه غالب فيدخل اولياءه الجنة لا يمنعه مانع ويدخل اعداءه النار لا ينصرهم منه ناصر ويمهل العصاة على ما يشاء الى ان يجازيهم ويعاجل بعضهم بالعقوبة اذا شاء فهو يفعل ما يريد (ذى العرش) اى خالقه ومالكه والعرش الجسيم المحيط بسائر الاجسام سمى به لارتفاعه وقيل هو الفلك الاعلى والكرسى فلك الكواكب وورد فى الحديث ما السموات السبع والارضون السبع فى جنب الكرسى الا كحلقة ملقاة فى ارض فلاة والكرسى عند العرش كذلك وقال الراغب عرش الله مما لا يعلمه البشر الا بالاسم وقال غيره العرش فى الاصل سرير الملك فعبر به عن ملكوت ربنا لانه ملك الملوك واليه يشير قول البيضاوى وقيل المراد بالعرش الملك (المجيد) يحتمل ان يكون صفة للعرش ومجده علوه وعظمه او صفة لله تعالى اى العظيم فى ذاته وصفاته فانه واجب الوجود قام بالقدرة والحكمة ونقل مكى عن بعض انكار ان يكون المجيد نعتا للعرش لانه من صفات الله وهو ممنوع فان العرش قد وصف بالكريم فى اخر المؤمنين (والبطش الشديد) معطوف على ما قبله والبطش اخذ بعنف وصولة ومعنى شدة بطشه مضاعفة عنفه وهكذا فسر قوله تعالى ان بطش ربك لشديد فقال مضاعف عنفه وقال السمين ويقال هو سرعة الانتقام وعدم التؤدة فى العفو وقوله ان بطش ربك لشديد تنبيه على انه سريع الانتقام كما صرح به فى غير موضع ولم يكفه ان ذكره بلفظ البطش حتى وصفه بالشدة وفى هذه الجمل اشارة الى ان جميع افعال العباد مخلوقة لله تعالى وانه تعالى لا يجب عليه شئ لانها دالة على انه يفعل ما يريد (الهادى) اى المرشد فيقال هداه هداية اذا ارشده (صفوة العبيد) اى خلاصتهم اسم من الاصطفاء وهو الاختيار والعبيد جمع للعبد (الى المنهج) بفتح الميم وسكون النون بالطريق الواضح وكذلك المنهاج والنهج وقد نهج الطريق من حد منع نهوجا وضح واستبان وانهج بالالف مثله (الرشيد) اى المستقيم المصلح (والمسلك السديد) من السداد وهو كل ما يسد به الخلل والمراد هنا الاستقاممة فهو يرجع الى معنى الرشيد (المنعم عليهم) اى على العبيد (بعد شهادة التوحيد) الشهادة قول صادر عن علم حصل بمشاهدة بصر او بصيرة وقد يعبر بها عن الاقرار والبيان والحكم والاعلام والتوحيد مصدر وحد اذا اوقع نسبة الواحد الى موضوعه (بحراسة) اى حفظ وصيانة (عقائدهم) التى عقدوا عليها القلوب والضمائر (عن ظلمات) اى شبهات (التشكيك والترديد) اى ايقاع الشك والتردد فيها وتصميم القلب على ادراك تصورى او تصديقى والتصديقى علم ان كان جزما ومطابقا عن موجب وجهل ان لم يطابقى واعتقاده ان طابق لغير موجب ويسمى تقليدا وظن ان لم يجزم بها وكان راجحا (السائق لهم) بمحض عنايته (الى اتباع) طريقة (رسوله) وحبيبه (المصطفى) @ المختار صلى الله عليه وسلم (واقتفاء) اى اتباع (اثار صحبه) جمع صاحب كركب وراكب وهم الذين تشرفوا بمشاهدة وجهه وتلقى الاحكام عنه (الاكرمين المكرمين) اى المعظمين المبجلين المفضلين (بالتأييد الالهى (والتسديد) اى موافقة الصواب (المتجلى لهم) اى الظاهر لهم ومنه قوله تعالى فلما تجلى ربه اى ظهر امره (فى ذاته) اى نفسه وعينه وهذا اللفظ ليس من كلام العرب انما يستعمله المتكلمون فيقولون ذات الشئ بالمعنى الذى ذكرناه ويستعملونه مفردا لظاهر تارة ومضمر اخرى وينكرونه مقطوعا عن الاضافة ومعرفة ومعرفا بأل فيقولون ذاتك وذات من الذوات فيجرونه مجرى النفس نبه عليه الراغب (وافعاله) الابداعية (بمحاسن اوصافه) جمع وصف هو والنعت مترادفان وبعضهم جعل النعت اخص منه فلا يقال نعت الا فيما هو محقق بخلاف الوصف والظاهر الاول والمحاسن جمع حسن على غير قياس (التى لا يدركها) ادراكا كما ينبغى ويليق (الا من) كان له قلب واع متيقظ لتلقى اسرار تلك المحاسن بالانكشاف ثم (القى السمع) واصغى (وهو شهيد) حاضر القلب وفى هذا السياق رمز صريح الى انه لا يحيط مخلوق حق حقيقة ذات الخالق الا بالحيرة والدهشة واما اتساع المعرفة والادراك فانما يكون فى معرفة اسمائه وصفاته وكل يعطى على قدر مقامه واجتهاده فتفاوت المراتب انما هو فى معرفة الاسماء والصفات فتأمل (المعرف اياهم فى ذاته) تعريفا لا يشوبه شك ولا تردد (انه) جل وعز (واحد) اكثر العلماء ان الواحد والاحد بمعنى واحد وقال الازهرى الفرق بين الواحد والاحد فى صفاته تعالى انه الاحد بنى لنفى ما يذكر معه العدد والواحد اسم لمفتتح العدد وتقول ما انانى منهم واحد وجاءنى منهم واحد والواحد بنى لانقطاع النظير وعوز المثل وقال بعضهم الواحد فى الحقيقة هو الشئ الذى لا جزء له البتة ثم يطلق فى كل موجود حتى انه ما من عدد الا ويصح وصفه به فيقال عشرة واحدة ومائة واحدة وقال الراغب الواحد لفظ مشترك يستعمل فى ستة اوجه الاول ما كان واحدا فى الجنس او فى النوع كقولنا الانسان والفرس واحد فى الجنس وزيد وعمرو واحد فى النوع الثنى ما كان واحدا بالاتصال اما من حيث الخلقة كقولنا شخص واحد واما فى الخلقة كقولنا الشمس واحدة واما فى دعوى الفضيلة كقولنا فلان واحد دهره مثل نسيج وحده الرابع ما كان واحدا لامتناع التجزئ فيه اما لصغره كالهباء واما لصلابته كالالماس الخامس للمبدأ اما لمبدأ الاعداد كقولنا واحد اثنان او لمبدأ الخط كقولنا النقطة الواحدة والواحدة فى كلها عارضة قال واذا وصف الله تعالى به فمعناه انه لا يجرى عليه التجزئ ولا التكثر وقال المصنف فى المقصد الاسنى الواحد هو الذى لا يتجزأ او لا يثنى اما الذى لا يتجزأ فكالجوهر الواحد الذى لا ينقسم فيقال انه واحد بمعنى انه لا جزء له وكذلك النقطة لا جزء لها والله تعالى واحد بمعنى انه يستحيل تقدير الانقسام فى ذاته واما الذى لا يتثنى فهو الذى لا نظير له كالشمس مثلا فانها وان كانت قابلة للانقسام بالفعل بتجزئة فى ذاتها لانها من قبيل الاجسام فهى لا نظير لها الا انه يمكن ان يكون لها نظير فان كان فى الوجود موجود ينفرد ويتوحد بخصوص وجوده تفردا او وحدة (لا شريك له) اى لا يتصور ان يشاركه غيره فيه اصلا فهو الواحد المطلق ازلا وابدا والعبد انما يكون واحدا اذا لم يكن له فى ابناء جنسه نظير فى خصلة من خصال الخير وذلك بالاضافة الى ابناء جنسه وبالاضافة الى الوقت اذ يمكن ان يظهر فى وقت اخر مثله وبالاضافة الى بعض الخصال دون الجميع فلا وحدة على الاطلاق الا لله عز وجل اه وذكر الشيخ ابو منصور البغدادى فى الفرق بين الواحد والاحد اقوالا منها قد تقدم ذكرها آنفا ومنها ما لم يذكر فمن ذلك قال بعض المتكلمين انه واحد فى ذاته احد فى صفاته وقال اخرون انه واحد بلا كيف احد بلا حيث وقال اخرون وصفه بانه الواحد يدل على اوليته وازليته لان الواحد فى الاعداد والاحد فى ذاته اشارة الى توحيده فى صفاته وقال @ اخرون انه واحد بلا شريك فى الصنع لانفراده بالخلق والاختراع ولذلكقال الله تعالى ام جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شئ وهو الواحد القهار احد بنفى الابتداء والانتهاء والتشبيه عنه لقوله تعالى قل هو الله احد الله الصمد لو يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد فلما نفى الشرك من الصنع والاختراع وصف نفسه بانه واحدا ولما نفى عن نفسه الابتداء والانتهاء ونفى التشبيه وصف نفسه بانه احد (رفد لا مثل له) يطلق الفرد فى اوصافه تعالى ويراد به انه يخالف الاشياء كلها فى الازدواج المنبه عليه بقوله ومن كل شئ خلقنا زوجين وقيل هو المستغنى عن كل شئ المنبه عليه بقوله ان الله لغنى عن العالمين واذا قيل انه منفرد بوحدانيته فمعناه انه مستغن عن كل تركيب وازدواج تنبيها على انه بخلاف كل موجود والمثلية عبارة عن المشابهة لغيره فى معنى من المعانى اى معنى كان وهو اعم الالفاظ الموضوعة للمشابهة وسيأتى لذلك مزيد تحقيق * (تنبيه) * قال ابو منصور البغدادى قد اجمعت الامة على اطلاق اسم الفرد على الله تعالى وخالفهم عباد بن سليمان الضميرى من المعتزلة فانه زعم انه لا يجوز تسميته تعالى به وقال انما يصح اطلاق لفظ الفرد على الواحد الذى يجوز ان يكون له زوج لانهم يقولون فى العدد فرد وزوج وقد اجمعت الامة قبل ظهور عباد على اطلاق هذا الاسم عليه فى قولهم يا واحد يا فرد فلا اعتبار بخلاف المبتدع الضال لاهل الاجماع مع صحة معناه فيه لان الفرد هو الذى يتنصف والله سبحانه وتعالى ليس له نصف ولا شئ من الاجزاء والابعاض ويلزم على قوله المتقدم ان لا يسموا الاله واحدا لان الحساب قرنوا الواحد بالاثنين واكثر منه فقالوا واحد واثنان كما قالوا فرد وزوج (صمد لا ضد له) قيل فى الصمد ثلاثة اقوال احدها انه الذى لا يطعم روى ذلك عن الاعمش واستدل بقوله عز وجل وهو يطعم ولا يطعم وفى ذلك ابطال قول من زعم من النصارى ان عيسى عليه السلام اله وقال تعالى فى عيسى وامه عليهما السلام كانا يأكلان الطعام فبين ذلك ان الذى يأكل ويشرب لا يكون الها وفى ذلك دلالة على ان كل محتاج الى شئ فهو غير اله والاله هو الغنى عما سواه والقول الثانى ان الصمد هو الذى لا جوف له قاله السدى ففيه ابطال قول المشبهة من اليهود والهاشمية الذين زعموا ان معبودهم صورة مجوفة وقالوا نصفه الاعلى مخوف ونصفه الاسفل مصمد كما ذهب اليه هشام وسالم فاخبر الله انه صمد له جوف ولا صورة ولا تركيب تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا والقول الثالث ما ذهب اليه اهل اللغة بلا اختلاف ان الصمد السيد الذى انتهى اليه السودد والصمود فى النوائب الذى يصمد ايله فيها ةقيل هو السيد الذى صمد له كل شئ اى قصد قصده وتأويل صمود الاشياء لله تعالى دلالة كل شئ عليه بانه الصانع الاحد القديم الماجد من عرفه قصده بالرغبة اليه والرهبة منه واقتصر المصنف فى المقصد الاسنى من معانيه على الذى يصمد اليه فى الحوائج ويقصد اليه فى الرغائب اذ ينتهى اليه منتهى السودد ثم قال من جعله الله مقصدا لعباده فى مهمات دينهم ودنياهم واجرى على لسانه ويده حوائج خلقه فقد انعم عليه بحظ من معنى الوصف ليكن الصمد المطلق هو الذى يقصد اليه فى جميع الحوائج وهو الله سبحانه وتعالى اه وقال الشيخ الاكبر فى حقائق الاسماء الصمد هو الذى يلجأ ويقصد اليه فى الحوائج والنوائب فصمدية الحق من حيث انه ما من شئ الا عنده خزائنه والخزائن غير متناهية لكن اقسام كلياتها ترجع الى العلوية والسفلية والغيبية والشهادية والثبوتية والوجودية وكلها عند الحق ومفاتيحها بيده يفتحها لمن شاء اذا شاء بما شاء ثم اطال الكلام وقال ولما كانت الكفايات والافتقار موزعة على افراد اشخاص خزائن الوجود فاكل عين من اعيان الموجود حظ من الصمدية فيما لا يظهر الا به ولذلك نهينا ان نصمد فى صلاتنا الى السترة صمدا وهو اشارة الى الغيرة الالهية وانه لا ينبغى للعبد ان يصمد صمدا الا الى الصمد المطلق عز سلطانه اه بقى شئ اشار له ابو منصور البغدادى وهو انه ان كان الصمد بمعنى السيد الذى انتهى اليه. @ السودد فيكون من صفات الذات وان كان بمعنى من يصمد اليه فى النوائب كان من صفاته الفعلية واذا قلنا انه الذى لاجوف له والذى لايطعم كان من صفاته الازلية التى استحقها لنفسه وكان فى الازل صمدا على هذا التاويل (منفرد لاندلة) الانفراد والتفرد والفردية شئ واحد وليس المطاوعة فى الانفراد مرادا هكذا هو فى بعض النسخ وفى بعضها متفرد بالتاء الفوقية وهو الصحيح لان المنفرد بالنون قد منع اطلاقه عليه سبحانه الامام ابو منصور البغدادى قال وقد نطق الكتاب والسنة بانه تعالى واحد وفى معناه المتوحد والمتفرد ولذلك قال اصحابنا ان الاله متفرد بالالهية متوحد بالفردانية اه والند بالكسر هو المثل المساوى وقيل هو اخص من المثل فان الند هو المشارك للشئ فى جوهره وذلك ضرب من المماثلة فان المثل يقال فى اى مشارك كان وكل ند مثل ولبس كل مثل ندا وقيل لايقال الا للمثل المخالف المتساوى وقيل هو بمعنى المثل من غير عموم ولا خصوص وهذا اولى لان المطلوب النهى على ان يجعل الله تعالى مثلا على الاطلاق لانه لايلزم من النهى عن الاخص النهى عن العم وقيل الند هو النظير وقيل الضد قاله ابو عبيدة وهوليس كذلك بدليل قولهم ليس لله بد ولا ضد وقال فى تفسيره انه نفى ما يسد مسده ونفا ما ينافيه فدل ذلك على انهما غيران وقيل الند الاشتراك فى الجوهر والضد هو ان يعقب الشيئان المتنافيان على جنس واحد والله تعالى منزه على ان يكون له جوهر فاذ الاضدله (قديم لا اول له) اشتهر وصف البارى تعالى بالقديم فى عبارات المتكامين ولم يرد فى شئ من القران والاثار الصحيحة وصفة الله تعالى به لكنه قد ورد ذكره فى بعض الادعية واحسبها ماثورة ياقديم الاحسان قاله الراغب قلت قد اجمعت الامة على وصفه تعالى به ورد ذكره فى بعض الاخبار التى ذكرت فيها الاسماء الحسنى ودل عليه من القران عز وجل وما نحن بمسبوقين والخبر الذى ورد فيه ذكره هو ما اخبر به الشيخ المسند الجليل عمر بن احمد بن عقيل اجازه عن الامام الحافظ عبد الله بن سالم البصرى اخبرنا محمد بن علاء الدين اخبرنا على بن يحيى اخبرنا عبد الله بن يوسف اخبرنا محمد بن عبد الرحمن الحافظ اخبرنا عبد الرحيم بن محمد اخبرنا عبد الوهاب بن على بن عبد الكافى اخبرنا ابو محمد عبد الله بن محمد بن ابراهيم البزودى قراءة عليه وانا اسمع بقاسيون اخبرنا ابو الحسن على بن احمد بن عبد الواحد المقدسى اخبرنا ابو القاسم عبد الواحد بن ابى المطر الصيدلانى اجازة اخبرنا ابو سعد اسمعيل بن احمد بن عبد الملك النيسابورى اخبرنا ابو الرجاء خلف بن عمرو بن عبد العزيز الفارسى حدثنا الاستاذ ابو منصور عبد القاهر بن طاهر بن محمد التميمى اخبرنا ابو عمرو ومحمد بن جعفر بن مطر حدثنا عبد الله بن زيدان البجلى بالكوفة حدثنا محمد بن عمرو بن الوليد الكندى حدثنا خالد بن مخلد حدثنا عبد العزيز بن حصين حدثنى ايوب السختيانى وهشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن ابى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال ان لله تسعة وتسعين اسما من احصاها كلها دخل الجنة فساقها وذكر فيها بعد الفتاح القديم الوتر الفاطر الرازق واختلف فى وصفه بانه قديم من قال استحقه لنفسه وبه قال ابو الحسن الاشعرى فعلى هذا هو من صفة الذات ومنهم من قال انه تعالى قديم لمعنى يقوم به وهو قول عبد الله بن سعيد فيكون من اسماء الصفات الازلية القائمة به وشرح هذا القول ان الاشعرى يقول ان القديم معناه المقدم فى وجود ما يكون بعده والتقدم نوعان احدهما تقدم بلا ابتداء كتقدم البارى عز وجل وصفاته القائمه بذاته على على الحوادث كلها وهذا هو المراد من قول المنصف قديم لا اول له والثانى تقدم بغاية كتقدم بعض الحوادث على بعض واجاز وصف القديم على الله تعالى وعلى صفاته الازلية وقال ان القدين قديم لنفسه لا معنى يقوم به فلا ينكر وصف صفاته الازليه بهذا الوصف كما لم ننكر وصفها بالوجود اذ كان موجودا لنفسه وقال عبد الله بن سعيد ابو العباس القلانسى وهما من قدماء الاشاعرة ان القديم قديم بمعنى يقوم به فهم يقولون ان الالهة سبحانه قديم لمعنى قائم به ويقولون ان صفاته قائمة به موجودة ازلية ولا يقال انها قديمة ولا محدثة وزعمت المعتزلة ان الله تعالى لايوصف بانه قديم ولابانه كان عالما فى @ الازل بنفسه وسياتى البحث فى ذلك والرد عليهم ان شاء الله تعالى (ازلى لابداية له) الازل استمرار الوجود فى ازمنة متقدمة غير متناهية فى جانب الماضى والازلى ما ليس بمسبوق بالدعم ويقال ان اصله يزلى منسوب الى قولهم للقديم لم يزل ثم نسب الى هذا فلم يستقم الا بالاختصار فقالو يزلى ثم ابدلت الياء الفا للخفة فقالوا ازلى كما قالوا فى الرمح المنسوب الى زى يزن ازنى والى يثرب نصل اثر بى نقله الصغانى عن بعض اهل العلم والبداية بالكسر الابتداء وهى بالياء لغة الانصار ولغة غيرهم البداءة بالهمز (مستمر الوجود لا اخر له) الوجود صفة نفسية على المشهور لاتوصف بالوجود اى فى الخارج ولا بالعدم اى فى الذهن لانها من جملة الاحوال عند القائل بها وهو زائد على الذات كما ذهب اليه الفخر الرازى والجهود واما على القول بانه عين الذات كما ذهب اليه الاشعرى فجعله صفة للذات نظرا الى انها توصف به فى اللفظ فيقال ذات الله موجودة (ابدى لا نهاية له) الابد استمرار الوجود فى ازمنة 7 مقدرة غير متناهية فى الماضى وعبر عنه الراغب بانه مدة الزمان المعتد الذى يتجزا كما يتجزأ الزمان فهو اخص من الزمان والابدى مالا يكون منعدما والموجود ثلاثة اقسام لارابع لها ازلى ابدى وهو الحق سبحانه ولاازلى ولا ابدى وهو الدنيا وابدى غير ازلى وهو الاخرة عكسه محال اذا ما ثبت قدمه استحال عدمه (قيوم لا انقطاع له) القيوم فيعول قلبث الواو الاولى ياء لاجل الياء قبلها ادعمت الياء الاولى فيها ومعناه الحافظ القائم على كل شئ والمعطى له مابه قوامه وقال ابو عبيد هو الدائم الذى لايزول وقيل هو القائم بامور الخلق ولا يجوز اطلاق هذه اللفظة على غير البارئ تعالى لما فيه من المبالغة كما ذكر ولذلك فى الرحمن وغيره وقال المصنف فى المقصد الاسنى لقيوم هو الذى قوامه بذاته وقيام كل شئ به وليس ذلك الا الله تعالى فان الاشياء تنقسم الى مالا يقوم بنفسه ويفتقر الى محل كالاعراض والاوصاف فيقال فيها انها ليست قائمة بانفسها او الى ما يحتاج الى محل فيقال قائم بنفسه كالجواهر الا ان الجواهر وان استغنى عن محل يقوم به فليس مستغنيا عن امور لابد منها لوجوده وتكون شرطا فى وجوده فلا يكون قائما بنفسه لانه محتاج فى قوامه الى وجود غيره وان لم يحتج مع ذلك الى محل فانه كان موجود يكفى ذاته بذاته ولا قوام له بغيره ولايشترط فى دوام وجوده وجود غيره فهو القائم بنفسه مطلقا فان كان مع ذلك يقوم به كل موجود حتى لايتصور للاشياء وجود ولادوام وجود الاية القيوم لان قوامه بذاته وقوام كل شئ به وليس ذلك الالله سبحانه وتعالى ومدخل العبد فى هذا الوصف بقدر استغنائه عما سواه الله تعالى اه وقال الشيخ الاكبر قدس سره اعلم ان طائفة من ارباب الطريقة منعت من التخلق بالقيومية وقالت انها من خصائص الحق وعند اهل الكشف هذه الصفة احق بالتخلق والاتصاف اشمول سريانها وقيام الحقائق الكونية وظهور الاسماء الالهية بها ولما كانت القيويمة من صفات الحى لذاته ونعوته استصحب القيوم الحى حيث كان وقد ثبتت الحياة لكل شئ من سريان اسم الحى فكان كل شئ حى كذلك كل شئ قائم بسريان القيومية ولولا هذا السريان ما قام اعيان المكان لامر الحق بقوله وقوموا لله قانتين فشرت احكام القيومية واثارها فى الحقائق المعنوية ومراتب الشئون الغيبية وبسائط الارواح النورية وتجليات الاسماء الالهية اولا وفى النفوس والانفاس الانسانية الكمالية الجمعية الاحاطية ثانيا وفى حقائق الحروف الرقية واللفظية والذهنية الدالة على الحقائق المعنوية ثالثا فلولا سريانهم فى حقائق العلوية المعنوية ماخرجت الاعيان الوجودية من مكامن الثبوت ولولا اثارها فى الانفاس ما ظهرت صور الحروف البسيطو ولولا حكم التاليف للحروف المشيرة الدالة ما كان للكلمات الوجودية ظهور اه وقال الامام ابو منصور البغدادى ان اخذنا القيوم من معنى القيام على النفس بارزاقها واجالها والجزاء على اكتسابها كان من اوصافه البشتقة من افعاله ولم يكن من صفاته الازلية وان اخذناه من معنى الدائم كان من الازلية الذاتية لانه يكون بمعنى الباقى وبقاؤه عندنا صفة ازلية وفى صحة هذا الاسم لله تعالى فوائد منها دوام بقائه ودوام مقدوراته وقدرته عليها واثبات @ قيامه على النفوس بما كسبت واثبات جزائه لها على اكتسابها وفى كل منها رد على المخالفين على ما سياتى واطلاق المتكلمين فيه انه القائم بنفسه فانهم يريدون به استغناء عن محل يحله او يقله وقال بعض اصحابنا لا قائم بنفسه فى الحقيقة الا الله سبحانه وتعالى فاتا الجوهرة فانه وان صح وجوده لا فى مكان فلا يصح وجوده بنفسه بل هو مفتقر فى وجوده الى صانعه وهؤلاء يقولون ان المحدثات كلها قائمة بالله تعالى على معنى انه هو الموجد لها لاعلى معنى حلولها فيه والله عز وجل قائم بنفسه لان وجوده واجب لذاته من غير موجد اوجده بل لم يزل موجودا او لايزال باقيا ابدا (دائم لا انصر ام له) اصل الدوام السكون ويعبر به عن البقاء فيقال الدائم هو الباقى ويكون الدوام بالضم بمعنى الدوران ولايجوز وصف الله بالدائم الا بمعنى الباقى فهو من صفاته الازلية الذاتية فاما الدائم بمعنى الساكن والدائر فانما يصح وصفه بذلك على مذهب الكرامية المجسمة والمشبهة الجوار بيتو الهشامية فان هؤلاء وصفوه بالدوران والانتقال تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا والانصرام الانقطاع (لم يزل ولا يزال) هو عبارة عن القدم والبقاء قال الزمخشرى فى الاساس قولهم كان فى الازل قادرا عالما وعلمه ازلى وله الازلية مصنوع لا من كلامهم وكانهم نظروا الى العظام يزل (موصوفا بنعوت الجلال) اشار به الى الصفات السلبية وهى سلب ما يستحيل ويمتنع لقد وسيته سبحانه ومنه ايضا قول المصنف فى عقيدة اخرى له لم يزل ولا يزال مقدسا عن كل نقص وافة لايوصف بصفات المحدثين ولايجوز عليه ما يجوز على المخلوقين (لايقضى عليه بالانقضاء) اى لايحكم عليه به (بتصرم) اى انقطاع (الاباد) جميع ابدوهو الدهر الطويل الذى ليس بمحدد (وانقراض الاجال) جمع اجل وهو المدة او الوقت (بل هو الاول) قبل كل شئ بالوجوب وابتدائه بالاحسان (والاخر) بعد كل شئ برجوع الامر اليه وبفضله بالغفران فللحق الاولية من حيث انه موجد كل شئ وله الاخرية من حيث رجوع الامر كله اليه وظهور مراتب الالهية كلها فيما بين الاولية الاخرية قال المصنف فى المقصد الاسنى اعلم ان الاول يكون اولا بالاضافة الى شئ وان الاخر يكون اخرا بالاضافة الى شئ وهما متناقضان فلا يتصور ان يكون الشئ الواحد من وجه بالاضافة الى شئ واحد اولا واخرا جميعا بل اذا نظرت الى ترتيب الوجود لاحظت سلسلة الموجودات المترتبة فالله تعالى بالاضافة اليها اول اذا الموجودات كلها استفادت الوجود منه واما هو فوجود بذاته ما استفاد الوجود من غيره ومهما نظرت الى ترتيب السلوك ولاحظت مرتبة السائرين اليه فهو اخر ماترتقى اليه درجات العارفين وكل معرفة تحصل قبل معرفته فهى مرقاه الى معرفته والمنزل الاقصى هى معرفة الله تعالى فهو اخر بالاضافة الى السلوك اليه واول بالاضافة الى الوجود فمنه المبدا اولا واليه المرجع والمصير اخرا (والظاهر) بنفسه لنفسه والمظهر لغيره ولكمال ظهوره وجلاله بروزه اورثت شدة ظهوره خفاء فسبحان من احتجب باشراق نوره واختفى عن الابصار والعقول لشده ظهوره (والباطن) عن خلقه فلم يزل باطنا فهو الظاهر بالكفاية والباطن بالعناية وقال المصنف فى المقصد الاسنى هذا الوصفان ايضا من المضافات فان الظاهر يكون ظاهرا من وجه وباطنا من وجه اخر وبالاضافة الى ادراك فان الظهور والبطون انما يكون بالاضافة الى ادراكات والله سبحانه وتعالى باطن ان طلب من ادراك الحواس وخزانة الخيال ظاهران طلب من خزانة العقل بطريق الاستدلال اهم وهذه الاسماء الاربعة مع ما تقدم من كونه واحد فردا صمدا متفردا قديما دائما ازليا قيوما عبارة عن معنى ذاته على الوصف الذى يستحقه بنفسه وفى الاخير خلاف لاختلافهم فى تفسيره ولذا عده بعضهم فى القسم الذى يفيد الخير عن افعاله (الثنريه) وهو تبرئة الله عز وجل عما لا يليق بجلاله وقدسه من كل عيب ونقص ومن كل صفة لا كمال فيها ولا نقصان على قبول والفرق بين العيب والنقص بالعموم والخصوص @ فكل عيب نقص عيبا كفوات الكمال او كمال الكمال وضد العيب السلامة وضد النقص التمام والكمال والمراد تنزيه الله عن هذه الثلاثة فى ذاته وصفاته وافعاله اما الذات فيجب ان يسلب عنها الثلاثة عيب الحدوث والتكثر والجوهرية والعرضية والجسمية والافتقار الى الموجد والموجب وكذا من النقص الذى يعترى الحادثات ومن كل صفة لا كمال فيها ولا نقصان فان اثبات ذلك من الالحاد فى الاسماء وكذلك يجب سلب ذلك عن الصفات والافعال هذا على طريق الاجمال وقد اشتمل سياق المصنف الاتى على جمل من ذلك بالرموز والاشارات واما تنزيه عن عيب الحدوث فى ذاته فقد اشار به انفا بقوله قديم لا اول له ازلى لا بداية له اى لا اول لوجوده ومن كان كذلك لايجوز عليه الحدوث (وانه) تعالى (ليس يحسم) لان الجسم ماله طول وعرض وعمق قاله الراغب وقال غيره هو ما يتالف عن جوهر بن فاكثر وقال بعضهم هو جواهر مجتمعة والله تعالى متعال عن حال الاجسام وافتقارها وقبولها للانقسام فمن وصفه بالجسمية ضل واضل وقد حكى البيهقى عن الحليمى ان قوما ازاعوا عن الحق فوصفوا البارى جل وعز ببعض صفات المحدثين فمنهم من قال انه جسم تعالى الله عن ذلك اه ومنهم من زاد على ذلك فقال انه (مصور) اى حسن الصورة معتدلة لما يقال رجل مصور بهذا المعنى عند اهل اللغة وقد اجمع اهل السنة ان الله تعالى خالق الصور كلها ليس بذى صورة ولا يشبه شيئا وفى ذلك خلاف لفرق من اليهود والمعتزلة والمغيرية وغلاة الروافض والهشامية (ولاجوهر محدود مقدر) والجوهر هو الجزء الذى لا ينقسم وهو اصل الشئ وهو ما يثر كب منه الجسم والمحدود الذى له حد يقف عند وغاية ينتهى اليها والمقدر الذى يدخل تحت التقدير وكل ذلك مما ينزه البارى تعالى عنه (وانه لايمائل) اى لا يشابه (الاجرام) اى الاجساد (لا فى التقدير) والتحديد (ولا فى قبول الانقسام) كما هو شان الاجسام والله منزه عن ذلك (وانه ليس بجوهر ولا تحله الجواهر ولا بعرض ولا تحله الاعراض) لانه لو كان جوهرا او عرضا لجاز عليه ما يجوز على الجواهر والاعراض واذا جاز ذلك لم يصح ان يكون خالقا والله خالق كل شئ فالاشياء كلها مخلوقة غير الله وصفاته وايضا الاعراض صفات الاجسام كاللون والطعم والرائحة والحرارة والبرودة والاجتماع والافتراق والحركة والسكون والاجتصاص بالجهات والتحيز فى المكان والعرض لا يبقى زمانين ولا يقوم بنفسه وانما يقوم بغيره وكل ذلك حادث مخلوق متغير وجميع المخلوقات من العوالم العلوية والسفلية ينقسم الى ذلك والله خالقه جل جلاله (بل لا يمائل موجود اولا يماثله موجود) لانه لو كان كذلك لكان مخلوقا مثل ذلك من حيث انه يماثل لان الموجودات كلها مخلوقة لله تعالى غير الله وصفاته (و) انه (ليس كمثله شئ) والكاف زائدة اى ليس مثله شئ او المراد بالمثل ذاته (ولا هو مثل شئ) وسياتى البحث فيه (و) انه تعالى (لايحده المقدار ولا يحتويه) اى لاتضمه (الاقطار) جمع قطر بالضم اى الاطراف (ولا تحيط به الجهات الست) هو المحيط بكل شئ يعمله وقدرته وسلطانه (ولا تكتنفه الارضون ولا السماوات) يقال اكتنفه القوم كانو منه يمنه ويسره اى انه سبحانه لا مكان له ولا جهة قال الشافعى رحمه الله تعالى والدليل عليه هو انه تعالى كان ولا مكان فخلق المكان وهو على صفة الازلية كما كان قبل خلقه المكان لا يجوز عليه التغيير فى ذاته ولا التبديل فى صفاته وقال امام الحرمين فى لمع الادلة والدليل على تقدسة تغالى عن الاختصاص بجهة والاتصاف بالمتحاذيات وان لاتحده الاقطار ولا تكتنفه الاقدار ويحل عن قبول الحد والمقدار ان كل مختص بجهة شاغل لها وكل متحيز قابل لملاقاه الجواهر ومفارقتها وكل ما يقبل الاجتماع والافتراق لا يخلو عهما ومالايخلو من الافتراق والاجتماع حادث كالجواهر فاذا ثبت تقدس البارى عن التحيز والاختصاص بالجهات فيترتب على ذلك تعاليه عن الاختصاص بمكان وملاقاه اجرام واجسام فقد بان لك تنزيه ذاته سبحانه عن كل مالايليق بجلاله وقد وسيته (وانه) تعالى (مستو على العرش على الوجه الذى قاله) فى كابة العزيز الرحمن على العرش @ استوى (وبالمعنى الذى اراده) بما يليق به سبحانه اعلم به كما جرى عليه السلف فى المتشابه من التنزيه عما لا يليق بجلال الله تعالى مع تفويض علم معناه اليه لا كما قاله بعض من اجازات ان يكون على العرش قاعدا كما يكون الملك على سريره على شئ (بل استواء منزها عن المماسة) والمحاذاه (والاستقرار والتمكن) على شئ (والحلول) فى شئ و(الانتقال) من مكان الى اخر قيام البراهين القطعية باستحالة ذلك فى حقه تعالى فان ذلك كله من صفة استواء الاجسام بالاجسام (لايحمله العرش) كما يقول البعض المجسمة نظرا الى ظاهرة لفظ فوق (بل العرش وحملته) وهم الملائكة الموكلون بحمله (محمولون باطاف قدرته) الباهرة (ومقهورون فى قبضته) القاهرة (وهو) تعالى (فوق العرش وفوق كل شئ الى تخوم الثرى) اى حدود الارض جمع تخم كفلوس وفلس وقال ان الاعرابى وابن السكيت الواحد تخوم والجمع تخم كرسول ورسل (فوقية) تليق بجليل ذاته بحيث (لاتزيده قربا الى العرش والسماء كما لا تزيده بعدا عن الارض والثرى) قال ابو اسحق الشيرازى فلو كان فى جهة فوق لما وصف العبد بالقرب منه اذا سجد بل هو تعالى (رفيع الدرجات) والرفعة العلو يقال هو رفيع القدر اى عالى المنزلة والشرف والدرجات جمع درجة والمراد بها المرتبه المعنوية (عن العرش والسماء كانه رفيع الدرجات عن الارض والثرى) ولم يرد رفيع فى اسمائه تعالى الا مقيدا بمضاف اليه وهو الدرجات وقال ابو منصور البغدادى تفسير الدرجات فيما يليه وهو ذو العرش لان العرش هو الدرجات الرفيعة اذ لجسم اعلى من العرش وليس معنى رفيع الدرجات كونه على درجات مرتفع لانه يستحيل كونه فى مكان لكن معناه انه رفيع العرش اى ان العرش الرفيع له هو خالقه ومالكه فهو بان يكون مالكا خالقه لما دونه اولى اه ولا يخفى ما فيه من التكلف وسياق المصنف يأباه كذلك فتامل (وهو مع ذلك قريب من كل موجود) واطلاق لفظ القريب عليه تعالى دل عليه فى القران قوله عز وجل واذا سالك عبادى عنى فانى قريب ومعناه القرب على معنى العلم منه بعباده وباحوالهم (وهو اقرب الى العبيد من حبل الوريد) عرق بين الحلقوم والعلباوين وهو ينبض ابدا وهو من الاورده التى فيها الحياة ولا يجرى فيها الدم بل هى تجارى النفس بالحركات قاله الفراء كما فى المصباح وهذا معنى قوله تعالى ونحن اقرب اليه من حبل الوريد اى اعلم منه بنفسه وقوله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم واسجد واقترب دليل على ان المراد به قرب المنزلة لاقرب المكان كما زعمت المجسمة انه مماس لعرشه اذا لو كان كذلك لازداد بالسجود منه بعد الاقربا (وهو على كل شئ شهيد) اى شاهد حاضر وحفيظا عالم لايغيب عنه شئ فعلى هذا هو ومن صفاته الازلية التى استحقها لاجل عمله القديم ولم يزل شهيدا (اذلا يماثل قربه قرب الاجسام كمالا تماثل ذاته) الشريفة (ذات الاجسام وانة) تعالى (لايحل فى شئ) لاذاته ولا صفاته اما ذاته فلان الحلول هو الحصول الحيز تبعا والله تعالى منزه عن التحيز ولان الحلول ينافى الوجوب الذاتى لافتقار الحال الى المحل واما صفاته فلات الانتقال من صفات الاجسام والله تعالى منز عن الجسمية كما مر (ولا يحل فيه شئ تعالى) وتقدس (عن ان يحويه مكان) فيشار اليه او تضمنه جهة وانما اختصت السماء برفع الايدى اليها عند الدعاء لانها جعلت قبلة الادعية كما ان الكعبة جعلت قبلة المصلى يستقبلها فى الصلاة ولا يقال ان الله تعالى فى جهة الكعبة (كما تقدس عن ان يحده زمان) لان المحدود محتو على اجزاء الماهية والله تعالى منزه عن ذلك كما تقدم (بل كان) تعالى (قبل ان خلق الزمان والمكان) والعرش والكرسى والسماوات والارضيين (وهو الان على ما عليه) من سلطة الازلية كما (كان) قبل خلقه الزمان والمكان وغيرهما (وانه) تعالى (بائن عن خلقه اصفائه) العلية (ليس فى ذاته سواء جل وعز ولا فى سواء ذاته) الشريفة (وانه) تعالى (مقدس) مره (عن التغير) من حال الى حال (والانتقال) من مكان الى مكان وكذا الاتصال والانفصال فان كلا من ذلك من صفات المخلوقين @ (لاتحله الحوادث) ولا تقوم به لانه لو جاز لك لزم عدم خلوه عن الحادث لا تصافه قبل ذلك الحادث بضده الحادث لزواله وبقابليته هو (ولاتعتريه العوارض) وهى الافات العارضة والا كدار والكثافات والاناس هو سبحانه وتعالى منزله عن ذلك (بل لايزال فى نعوت جلاله) واوصاف كماله (منزهاعن) نقص (الزوال وفى زيادة كماله مستغنيا عن زيادة الاستكمال) اذ كل كمال فانما يفاض منه بدا واليه يعود (وانه) تعالى (فى ذاته معلوم الوجود بالعقول) ان طلب من خزانة العقل بطريق الاستدلال (مرئى الذات بالابصار منه منه) وفضلا (ولطفا بالابرار) فى دار الدنيا (فى دار القرار) عقلا وسمعا وعليه اجمعت العلماء وفى جواز الرؤية فى الدنيا سمعنا اختلاف فاثبته قوم ونفاه اخرون كما سياتى تفصيله (واتمام للنعيم بالنظر الى وجهه الكريم) لقوله تعالى وجوه يومئذ ناضرة الى ربها ناظرة ثم اعلم ان صفات الله تعالى على ثلاثة اقسام نفسية وسلبية ومعان ومن اثبت الاحوال ذاد المعنوية فالصفة النفسية الوجود هى الحال الواجب للذات مادامت الذات غير معللة بعلة فحرج من قوله الحالى المعانى والسلبية ومن قوله غير معللة الاحوال المعنوية كسكون الذات عالمة وقادرة ومريدة مثلا فانها معللة بقيام العلم والقدرة والارادة بالذات واما القسم الثانى وهو خمس صفات القدم والبقاء ومخالفته تعالى للحوادث اى لايماثله شئ منها مطلقا لافى الذات ولا فى الصفات ولا فى الافعال وقيامه تعالى بنفسه اى غير مفتقر الى محل ومخصص والوحدانية وهى سلب التعدد فى الذات وفى الصفات وفى الافعال قد اشار المصنف الى كل ذلك تصريحا نارة وتلميحا اخرى ولما فرغ منها شرع فى بيان صفات المعانى ويقال لها ايضا صفات الذات وصفات الاكرام وصفات الثبوت وتقديم السلبية عليها من باب تقديم التخلية على التحلية وانما سميت صفات المعانى لانها صفات موجودة فى نفسها وكل صفة موجودة فى نفسها تسمى صفة معنى لانها معان زائدة على معنى الذات العلية وعند المتقدمين لافرق بين المعانى والمعنوية قال المصنف رحمه الله (القدرة ) وهى صفة ازلية تؤثر فى الممكن عند تعلقها به ايجادا او اعداما (وانه) تعالى (حى) بحياة هى صفة ازلية له لايجوز عدمها ولازال حيا ابدا وليست حياته عن روح ولا عن لحية ورطوبة ولاعن تركيب ولاسمن نفس ولا عن سبب يوجب حدوثنا اوعيار هذه الصفة الرابعة من صفات المعانى فى تعبير المتاخرين او ردها المصنف فى ضمن صفى القدرة (قادر) بقدرة هى صفة ازلية ولا يزال قادرا ابدا (جبار) قيل معناه الذى جبر الخلق على ما اراده من امره وهو قيل الزجاج وقيل معناه جابر كل كسير وقيل هو القاسم للجبابرة والطغاة والمبيد للظلمة والعتاه وقيل معناه ذو الجبروت وقيل معناه الذى يتعظم ويتعاظم وقال ابن الانبارى هو الذى لا ينال اى هو المتعالى عن ان يدرك بحد وقيل معناه القهار ومنه قوله وما انت عليهم بجبار اى قهار قال ابو منصور البغدادى ان اخذ من معنى الامتناع عن ان ينال بحد او تشبيه فهو اذا من الصفات الذاتية التى استحقها لنفسه وان اخذ من معنى الاجبار الذى هو الاكراه على ما اراده من امر او من معنى جبر الكسر او من معنى القهر والغلبة فهو اذا من اوصافه التى استحقتها لفعله دون ذاته (قاهر) اى غالب على امره يفعل ما يشاء وبحكم ما يريد (لا يعتر به قصور ولا عجز) خلافا للثنوية والمجوس والقدرية (ولا تاخذه سنة ولا نوم) تعالى الله عن ذلك كله فالقهر صفة فعل بمعنى الغلبة فيكون القاهر من اوصافه المشتقة من افعاله ولا يكون من اوصافه الازلية وتاوله بعضهم على معنى القدرة وعلى هذا يكون فى الازل قاهرا كما كان فى الازل قادرا والاول اصوب والمعنى ان الله تعالى هو الذى قهر الجبابرة فى الدنيا بالدمار ويقهر جميع اعدائه فى الاخرة بالبوار وهذه الجمل الثلاثة سوقه لا يضاح الاسماء الاربعة اى من كان متصفا فى الازل بهذه الاوصاف يستحيل عليه طرو القصور والعجز والغفلة ومعارضة الفناء والموت (وانه ذو الملك) هو عالم الشهادة من المحسوسات الطبيعية (والملكوت) وهو عالم الغيب المختص بارواح النفوس وقيل هما مصدران والمعنى @ الله تعالى هو الملك حقيقة وكل مالك سواه فانما يصير مالكا لملوكه بتمليك الله عز وجل ايا من وجه ماذون فيه والله سبحانه وتعالى هو الذى وجد ما اوجد واعدم ما اعدم منها فه بدء كل مملوك واليه يعود (والعزة) اى المنعة (والجبروت) اى العظمة (له السلطان) اى القوة (والقهر) اى الغلبة (والخلق والامر والسماوات) ومافيها (مطويات) اى ملفوفات (يمينية) اى قدرته (والخلائق) اجمعون (مقهورون فى قبضته) وقهره وهو الغالب على كل شئ ولا يغلبه شئ (وانه المتفرد بالخلق والاختراع المتوحد بالايحاء والابداع) اشار بذلك الى وحدانية الافعال وهى تنفى ان يكون فعل او اختراع او ايجاد او ابداع لغيره تعالى من الممكات واما وحدانية الذات التى هى عبارو عن سلب التعدد فى الذات والصفات والافعال ووحدانية الصفات وهى تقى التعدد المتصل والمنفصل فقد اشار بذلك اولا وكل من الخلق والاختراع والايجاد والابداع خص بالمولى عز وجل الا ان الخلق هو الايجاد مطلقا والاختراع هو الايجاد لاعلى مثال سابق فذلك قال (خلق الخلق) بقدرته (و) خلق (اعمالهم) لقوله تعالى والله خلقكم وما تعلمون والخلق هو انشاء الشئ واختراعه واحداثه من العدم الى الوجود وهذا لا يكون الا من الله عز وجل عند اهل الحق وعلى هذا يحمل غالب ما فى القران من هذا اللفظ الا ما شد فيه بمعنى التقدير والتصوير (وقدر ارزاقهم) واقواتهم واعطاهم منها ما قدره لهم (و) قدر (اجالهم) وهى المدد التى ينتهون اليها فالمقدر بهذا المعنى من اوصافه الفعليه دون الازلية (لا يشذ) اى لا يخرج (عن قبضته) القاهرة (مقدور) لكمال قهره (ولا يعذب) اى لا يغيب (عن قدرته) الباهرة (تصاريف الامور) وتدبيراتها (لاتحصى مقدوراته) فان كل ما صح حدوثه وتوهم كونه ولم تستحمل فى العقل وجوده فالله تعالى قادر على ايجاده واحداثه فاذا مقدوراته لا تحصى (ولا تتناهى معلوماته) اى لا تدخل تحت العد والاحصاء لان علمه نحيطا بها جملة وتفصيلا (العلم) وهى الصفى الثانية من صفات المعانى وهو المتعلق بكل واجب وكل مستحيل وكل جائز وهو صفة ازلية لها تعلق بالشئ على وجه الاحاطة به على ماهو عليه دون سبق خفاء (رانه) تعالى (عالم بجميع المعلومات) موجودا كان ذلك المعلوم او معدوما محالا كان او ممكنا قديما كان او حادثا متناهيا كان او غير متناه جزئيا كان او كليا مركبا كان او بسيطا (محيط بما يجرى من تحت تخوم الارضين الى اعلى السماوات) قال تعالى احاط بكل شئ علما اى علمه احاط بالمعلومات كلها فعلى هذا التاويل يكون المحيط من اوصافه الازلية لانه لم يزل عالما بالمعلومات كلها ودليل هذه الاحاطة قوله تعالى (لايعذب عن عمله مثقال ذرة فى الارض ولا فى السماوات) وكذلك قوله عز وجل واحاط بما لديهم بل اطبق المسلمون على انه تعالى (يعلم دبيب) اى حركة (النملة السوداء على الصخرة الصماء فى الليلة الظلماء) وكيف هو خالقها الا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير وايراد هذه الاوصاف تنبها على كمال الدقة والخفاء (ويدرك) بلا اله (حركة الزر) وهو الهباء المنتشر فى ضوء الشمس (فى جو الهواء) انه تعالى (يعلم السر واخفى) من السر وهو مايطرا وجوده فى ضمير صاحبه فيعلمه قبل ان يقع بخاطر صاحبه وقيل اخفى فعل اى واخفى ذلك عن خلقه ثم زاده يضاحا بقوله (ويطلع على هواجز الضمائر) وهى ما تقه فيه (وحركات الخواطر) مما تخطر بها (وخفايات السرائر) مما تكنها فيها (بعلم قديم) موصوف بالقدم (ازلى) غير مسبوق بالعدم بحضورها عنده بلا انتزاع صورة ولا انتقال ولا اتصاف بكيفية (لا بعلم حادث متجدد حاصل فى ذاته بالحلول والانتقال) كما ذهب اليه جهم بن صفوان والرافضة وسياتى تفصيل اقوالهم والرد فى شرح الرسالة القدسية (الارادة) وهى الصفة الثالثة من صفات المعانى ويذكرها المتاخرون مع القدرة لتعلقهما بجميع الممكنات دون الواجبات والمستحيلات الا ان جهة تعلقهما بالمكان مختلفة فالقدرة كما مر صفة ازلية تؤثر فى الممكان عند تعلقها به ايجادا او عدما والارادة صفة ازليه تؤثر فى اختصاص احد طرفى الممكن من وجود او عدم او طول او قصر ونحوها @ بالوقوع بدلا من مقابلة فصار تاثير القدرة هرع تاثير الارادة اذ لايوجد عز وجل من الممكات او يعدهم بقدرته الا ما اراد تعالى وجوده او اعدامه وقال شيخ مشايخنا اعلم ان فى نسبة التاثير للقدرة مسامحة اذ اذ التاثير فى الحقيقة انما هو للذات الموصوفة بالصفات فاساد التاثير للقدرة مجار قال وكان شيخنا الطوخى يمنع اسناد التاثير للقدرة ولو مجازا لما فيه من الابهام (وانه) تعالى (مريد للكائنات) على الحقيقة والارادة شرط فى كون كل فاعل فاعلا وكمالا يكون الفاعل الا قادرا كذلك لا يكون الامر يدا مختار الفعلة خلافا لمن زعم ان وصفة بالارادة مجاز وهو قول النظام والكعبى (مدبر للحادثات) بجليل حكمته (فلا يجرى فى الملك والملكوت) اى العالم السفلى والعلوى (قليل او كثير صغير او كبير) دقيق او جلبل (خير او شر نفع او ضر ايمان او كفر عرفان او نكر) صحة او سقم (فواز وخسران زيادة او نقصان طاعة او عصيان الا بقضائه وقدره) معنى قضائه تعالى عمله ازلا بالاشياء على ماهى عليه ومعنى قدرة ايجاده اياها على ما يطابق العلم (وحكمه ومشيئته) وهى والارادة مثراد فتان اراد تعالى حدوث كل ما علم على الوجه الذى علم حدوثه على الوجه الذى علم حدوثه عليه ولا يكون فى سلطانه الا مايريد كونه ولا ينتفى من ملكه الا ما اراد انتفاهم (فما شاء الله كان ومالم لم يشا لم يكن) ولا يكون وهذه هى الارادة الكونية ولا يختلف متعلقها متى تعلقت بشئ وجب وجود وفى اطلاق القول بارادته المعاصى والكفر على التفصيل اختلاف وظاهر سياق المصنف يدل على جوازه ومنهم من يقول ذلك فى الجملة ويمنع التفصيل ويكتفى بقوله ما شاء الله كان الخ وهذا كقول المسلمين فى الجملة يا خالق الاسسام وارزاق الانعام ولم يقولوا فى التفصيل يا خالق الكلاب والخنازير يراون كان فى الحقيقة هو خالقها كذلك يقول فى الجملة انه مريد لكل ماعلم حدوثه ولايقو فى التفصيل انه مريد الكفر وسائر المعاصى وان كان حدوثها بمشيئته وارادته وهذا تفصيل قدماء الاشاعرة ومنهم من قال بجواز اطلاقه مع قرينة لولاها لم يجزا طلاقها ايهام الخطا وهو قول الاشعرى يقول كل معصية اراد تعالى حدوثها من المعاصى بها كسبلة قبحا منه مذموما وهذا كقولهم ان المؤمن لا يقال له كافر على الاطلاق ولكن يقال يفيد بانه كافر بالجبت والطاغوت (لايخرج عن مشيئته الهته ناظر ولا فلته خاطر بل هو المبدئ المعيد فعال لما يريد) خلافا لمن زعم ان المعاصى كلها كانت من غير مشيئة له وقد يريد كوب الشئ فلا يكون ودليلنا قوله الفعال لما يريد فانه يدل على ان ارادته ليست من فعله لانها لو كانت فعله لوجب ان يكون مريدا لها لانه اخبرنا انما يفعل ما يريد الدليل على شمول ارادته بجميع المرادات قيام الدلالة على انها صفة له ازلية والصفة الازلية تعم جميع ما يتعلق بها من الاشتقاق كالعلم والقدرة واذا صح لنا كونها ازلية وجب ان تكون ارادة لكل مراد على الوجه الذى اراده وما يدل على صحة قولنا فى هذه المسالة انه لو جاز حدوث مالا يريده الله تعالى وجاز ان يريد شيئا فلا يتم مراده كما قالت القدرية لادى ذلك الى ابطال دلالة التمانع على توحيد الصانع وسياتى بيانه ان شاء الله تعالى (لاراد) اى لا دافع ولا مانع ولاصارف (لامره) الذى شاء (ولا معقب لقضائه) وحكمه اى لا متبع له ولا مكر له والمعقب الذى يكر على الشئ ويتبعه لينظر ما فيه من الخلل لينقضه وقيل معناه لا يقضى بعد قضائه قاض وقيل معناه لااحد يتعقبه ويبحث عن فعله (لامهرب لعبد عن معصيته) ومخالفة امره (الا بتوفيقه له ورحمته ولا قوة له على طاعته) واتيان ماموراته (الا بمعصية وارادته) وهذا هو تفسير لا حول ولا قوة الا بالله وفى هذا السياق اشارة الى ان المحبة والارادة شئ واحد وهو مذهب المصنف وعند الماثر يديه فرق بينهم او سياتى بيان ذلك (لو اجتمه الجن والانس والملائكة والشياطين على ان يحركوا فى العالم ذرة او يسكنوها دون ارادته ومشيئته عجزوا عن ذلك) فلا يجرى فى ملكه شئ الا بمشيئته فى اقضيته ومراداته سبحانه جل شانه (وان ارادته صفة ازلية قائمة بذاته) اراد بها مراداته (فى جملة صفاته) كالعلم والقدر نمو السمع والبصر والكلام (لم يزل كذلك موصوفا بها) فى الازل كما لم يزل عالما بعلم @ محيط بجميع المعلومات على التفصيل وكما انه لم يزل قادرا بقدرة شاملة لجميع المقدورات على التفصيل سامعا بسمع رائيا برؤية محيطين بجميع المسموعات والمرئيات على التفصيل (مريدا فى ازله لوجود الاشياء فى اوقاتها التى قدرها فوجدت فى اوقاتها كما اراد فى ازله) وهى الارادة لكونه وقد سبق انها متى تعلقت بشئ وجب وجوده (من غير تقدم) عن وقته (ولا تاخر) عنه (بل وقعت على وفق عمل وارادته) قال شيخ مشايخنا تاثير الارادة عند اهل على وفق العلم فكل ماعلم الله تعالى انه يكون من الممكات او لايكون فذلك مراده عز وجل (من غير تبدل ولا تغير) وفى ذلك خلاف للمعتزلة ياتى ببيان قولهم والرد عليهم (دبر الامور) لما كان التدبير فى صفات البشر هو التفكير فى عواقب الامور ولا يوصف سبحانه وتعالى به فانه لم يزل عالما قبل وقوعها فلذلك اعقبه بقوله (لابترتيب افكار) وتربص زمان) فاذا المراد بالتدبير فى الامور هنا امضاؤها وبه فسر قوله تعالى يدبر الامور هنا امضاؤها وبه فسر قوله تعالى يدبر الامر من السماء الى الارض فيكون المدبر على هذا من اسمائه الازلية فلا مدبر ولا مقدر لما يجرى من السماوات والارض غيره كل حادث فيهن وما بينهن واقع بتقديره وجار على تدبيره فله التدبير والتقدير (فلذلك لم يشغله شان عن شان) وهو الان كما عليه كان ثم اعلم ان للقدرة والارادة تعلقين صلوحى وتنجيزى فالصلوحى قديم وحقيقته صحة الايجاد والاعدام بالقدرة وصحة التخصيص بالارادة بمعنى ان القدرة فى الازل صالحة للايجاد والاعدام على وفق تعلق الادارة الازلية والتنجيزى حادث وحقيقته صدور الممكات عن القدرة والارادة واللارادة تعلق ثالث وهو تنجيزى قديم وحقيقته قصد ايجاد الله تعالى الاشياء فى اوقاتها المعلومة (السمع والبصر) وهما الصفة الرابعة والخامسة من صفات المعانى المتعلقات بجميع الموجودات وحقيقة السمع صفة ازلية قائمة بذاته تعالى تتعلق بالموجودات فتدرك اى الموجودات ادرا كاتاما الاعلى سبيل التخيل والتوهم ولا على طريق تاثير حاسة ولا وصول هواء وحقيقة البصر صفة ازلية قائمة بذاته تعالى تتعلق بالموجودات فتدرك اى الموجودات ادرا على سبيل التخيل ولا على سبيل طريق تاثر حاسة ولا وصول شعاع ومعنى المتعلقات الطالبان بالانكشاف لجميع الموجودات (وانه تعالى سميع بصيؤ يسمع ويرى ولا يعذب) اى لا يغيب (عن سمعه مسموع وان خفى) كوقع ارجل النملة على الاجسام اللينة وكلام النفس فانه تعالى يسمع كلا منها (ولايغيب عن رؤيته مرئى وان دق) كالذرة فى الهواء يسمع النداء ويجيب الدعاء (ولا يدفع سمعه بعد ولا يحجب سمعه بعد ولاية رؤيته ظلام) بل (يرى من غير حدقة) يقلبها (ولا اجفان) يحركها تعالى الله عن ذلك (ويسمع من غير اطمخة) جمع صماخ بالكسر وهو الثقب الذى فى الاذن (ولا اذان) كما انه تعالى (يعلم بغير) دماغ (وقلب ويبطش بغير جارحة ويخلق بغير اله) منزه عن سمات البرايا (اذا لا تشبه صفاته صفات الخلق كما لاتشبه ذات الذات الخلق) اى ليس علمه كعلم مخلوق المختلف فى محلة اهو الدماغ او القلب ولا كسمع مخلوق الذى هو بقوة مودعة فى مقعر الصماخ يتوقف ادراكها كالاصوات على حصول الهواء الموصل لها الى الحاسة وتاثير الحاسة ولا كبصر المخلوق الذى هو قوة مودعة فى العصبتين المجوفتين الخارجتين من الدماغ فلذلك لم تشبه صفاته صفات الخلق كما لم تشبه ذاته ذات الخلق لما ثبت تنزيهه وتقديسه عما لايليق به جل جلاله قال المنجورى فى حواشيه على الصغرى والفحيحى على ام البراهين ان السمع والبصر ليس لهما الا تعلق واحد تنجيزى وهو ينقسم الى قسمين تنجيزى قديم كانكشاف ذات الله تعالى وصفاته الوجودية له فيما لا يزال فحينئذ ليس لها تعلق صلاحى لقولهم ان صفة الانكشاف لا صلاحى لها علما وسمعا وبصرا وادراكا وافهم قوله المتعلقات بجميع الموجودات انهما لا يتعلقان بالمعدومات ولو كانت ممكنة قال شيخ مشايخنا وهذه المسئلة مما @ خولف فيها الشيخ السنوسى اعنى تعلق السمع والبصر بخصوص الموجود وقد سبقه الى ذلك الفخر والامام والشهر ستاتى فى النهاية هو قول الاشعرى وسياتى لذلك تحقيق (الكلام) وهى الصفة السادسة من صفات المعانى وهى صفة ازلية قائمة بذاته تتعلق بما تعلق به العلم وهو كل واجب وكل مستحيل وكا جائز لا تقبل العدم ولا ما فى معناه من السكوت ولا التحديد ولا البعض ولا الكل ولا التقديم ولا التاخير ولا اللحن ولا الاعراب ولا الحرف ولا الصوت ولا سائر انواع التغيرات فقال (وانه تعالى مثلكم) لاختلاف فى ذلك لارباب المذاهب والملل وانما اختلفوا فى معنى كلامه تعالى وحقيقته كما سياتى بيانه (امرناه) مخاطب قائل مخبر (واعد متوعد) اجمعوا على ذلك وعلى ان كلامه امر وينتهى وخبر وخطاب وهذا بحسب المتعلق فان تعلق بتحصيل الفعل فامر او بالكف عنه فننهى وبوقوع النسبة او لا وقوعها فحبر واما النداء والوعد والوعيد فالكل راجع امالى الخبر او الى الطلب وعلى انه لا يوصف بانه ناطق وانما اختلفوا فى مسائل من فروع هذا الباب من طريق العبارة وخالفهم طوائف فى اصول هذا الباب وفروعه ودليل المتكلم والمتحدث على اثبات الكلام له تعالى قوله عز وجل وكلم الله موسى تكليما واما الصوفى يقول الكلام وصفه كمالية اذ مرجع ذلك الانباء عن الشئ وكل الاشياء قابلة للانباء فلابد من حصول تلك الصفة على كمالها وحصولها على الكمال لا يكون الا بحيث لا ترتفع لنقيضها وذلك لا يكون الا فى واجب الوجود فواجب الوجود له تلك الصفة الكمالية اذ هو الذى له الكمال المطلق وهو المطلوب (بكلام ازلى قديم قائم بذاته) لان ثبوت المشتق للشئ يدل على ثبوت ما اخذ الاشتقاق لذلك الشئ (لا يشبه كلام الخلق) اذ كلام الخلق كله عرض وكلام الله تعالى لايوصف بجسم ولا عرض ثم بين وجه عدم شبه الكلام الخلق فقال (فليس بصوت يحدث من بين انسلال هواء او اصطكاك اجرام ولا يحرف يتقطع باطباق شفة او تحرك لسان) فكل ذلك من صفات كلام الخلق قال ابو الحسن الاشعرى الكلام كله ليس من جنس الحروف ولا من جنس الاصوات بل الحروف والاصوات على وجه مخصوص دلالات على الكلام القائم بنفس المتكلم وقال عبد الله بن سعيد وابو العباس القلانسى واصحابهما وهم من قدماء الاشاعرة ان كلام المخلوق حروف واصوات لانه تكون لها مخارج الحروف والاصوات وكلام الله ليس بحروف ولا اصوات لانه غير موصوف بمخارج الحروف والاصوات وهذا القول هو اختيار اكثر اصحاب الحديث قال ابو منصور والبغدادى وبه تقول وقال الامام ابو المعلى مذهب اهل الحق جواز سماع ماليس بحرف ولا صوت اى فهو منزه عن جميع ماتقدم لانه قديم والقديم لا يوصف باوصاف الحوادث وكيفية مجهوله لنا كما لا نحيط بذاته وبجميع حقائق صفاته فليس لاحد ان يخوض فى السكنة بعد معرفة ما يجب لذاته تعالى وصفاته (وان القران والتوراة والانجيل والزبور كتبه المنزلة على رسله) اى الحروف انما هى عبارة عنه والعبارة غير المعبر عنه فلذلك اختلفت باختلاف الالسنة واذا عبرت عن تلك الصفة القائمة بذاته تعالى بالعربية فقران وبالعبرانية فتوراه وبالسريانية فانجيل وزبور والاختلاف فى العبارات دون المسمى فحروف القران حادثة والمعبر عنه بها هو المعنى القائم بذات الله تعالى قديم فالتلاوة والقراءة والكتابة حادثة والمناو والمقروء والكتوب قديم اى مادلت عليه الكتابة والقراءة والتلاوة كما اذا ذكر الله بالسنة متعددة ولغات مختلفة فان الذكر حادث والمذكور هو رب العباد قديم (وان القران) كلام الله تعالى غير مخلوق وانه مسموع بالاذان (مقروء بالالسنة) قالى الخراشى فى شرحه على ام البراهين الفرق بين التلاوة والقراءة ان التلاوة اخص من القران لان التلاوة لا تكون فى كلمة واحدة والقراءة تكون فيها تقول فلان قرا اسمه لا تقول تلا اسمه فالقراءة اسم لجنس هذا الفعل (مكتوب فى المصاحف محفوظ فى القلوب والصدور وانه مع ذلك @ قديم، لا يوصف بالحدوث والخلق (قائم بذات الله تعالى) لا تفاقهم على ذلك وهذا كله حق واجب الايمان به لان القرآن يقال عليه الكلام فيقال على المعنى القائم بذاته عز شانه المعبر عنه بالسان العربى المبين ومعنى الاضافه فى قولنا كلام الله تعالى اضافه الصفه الى الموصوف كعلم الله والقرآن بهذا المعنى قديم قطعا ويقال على الكلام العربى المبين الدال على هذا المعنى القديم ومعنى الاضافه على هذا التقدير هى معنى اضافه الفعل الى الفاعل كخلق الله ورزقه وكلا الا الاطلاقين حقيقه على المختار خلافا لمن زعم انه حقيقه فى احداهما مجاز فى الاخر معنى ان القرآن مسموع بما يدل عليه وهو العباره متلو بالالسنه كذلك محفزظ بالرقوم والخطوط الحسيه والحاصل انه مسموع بما يدل من الحروف المرسومه فى قوى السمع مكتوب بما يدل عليه رقما متلو وبما يدل عليه نماقا محفوظ وبما يدل عليه نخيلا وهكذا كما يقال الله مذكور بالالسنه معناه مذكور بما يدل عليه النفاق الاسانى وسيأتى ذلك بحث فى الرساله القدسيه (لا يقبل الانفصال والافتراء بالانتقال الى القلوب والاوراق) كما لا يقبل العلم ولا فى معناه من السكوت والتجديد ولا البعض ولا الكل ولا التقديم ولا التاخير ولا المن ولا الاعراب ولا سائر التغيرات (وان موسى صلى الله عليه وسلم سمع كلام الله بغير صوت ولا حرف) قال الامام ابو المعالى مذهب اهل الحق جواز سماع ماليس بحرف ولا صوت وقد تقدم ذلك فى التأويلات لابى منصور الماتريدى ان موسى عليه السلام سمع صوتا د الاعلى كلام الله تعالى وخص بكونه كليم الله لانه سميع بغير واسطه الكاب والملك لا انه ليس فيه واسطه الحروف والصوت قلت واليه ذهب ابو اسحق الاسفراينى من الاشاعره وجمهور الاشاعره ذهبو الى ان الكلام القديم سمع لا بواسطه ما يدل عليه وقد نقل عن الاستاذ انه قال اتفقوا على لا يمكن سماع غير الصوت الا ان منهم من اطلق القول بذلك ومنهم من قال لما كان المعنى القائم بالنفس معلوما بواسطه الصوت كان مسموعا فلاختلاف لفظى (كما يرى الابرار) وهم الاخيار من العباد (ذات الله تعالى فى الاخره) رؤيه تليق بذاته تعالى (ومن غير جوهر ولا عرض واذا كانت له هذه الصفات العليه كان حباعا لما قادرا مريدا سميعا بصيرا متكلما بالحياه والقدره والعلم والاراده والسمع والبصر والكلام) الازليات (لا بمجرد الذات) اشار بذلك الى ان صفات المعانى زائده على الذات العليه بأن المعنى الذى يفهم من العلم ابلغ من القدره الذى هو التمكين من الفعل او الترك وكذا باقى صفات المعانى فانها صفات ثابته موجوده فى نفسها قديمه باقيه بالذات العليه وهى كمالات ونقائضها نقائص والله منزه عن النقائص ولا ضرنا تعدد القديم حيث كان صفه للذات وانما الممنوع تعدد ذات قديمه ونحن لا نقول بذلك ثم ان تلك الصفات سبعه كما ساقها المصنف اخرا اجمالا واما فى التفصيل فقد ادرج صفه الحياه عند ذكره صفه القدره بناء على اصوبها القديم فى حدها بان ما كان شرطا فى وجود القدره لا جمعها على ان العلم والقدره والاراده لا يصحح وجود شئ منها فيما ليس يحيى وزعم بعض المعتزله ان الحياه تفيد معنى القدره وان الحى هو قادر روى ذلك عن عباد بن سليمان وذهب ابو عمر المازنى من الكراميه ان الحياه من جمله القادر لان القدره اسم جامع لكل صفخ لا اصح الحياه دونها فلحياه من جملتها فتامل ثم ان صفات المعانى ليست عين بذات ولا غير الذات لانها لو كانت عينها لزم الاتحاد فى المفهوم بلا تفاوت اصلا ولو كانت غيرها لزم الانفكاك بينهما وايضا العينه بالاتحاد يلزم منها ان يكون العلم مثلا سمعا وقدره والكلام بصرا وهذا محبط عظيم ثم ان صفات المعانى تنقسم اربع اقسام قسم لايتعلق بشى اى لا يطلب امر زائد على القيام بعملها وهى الحياه وقسم يتعلق بلممكن فقطوهما القدره والاراده وقسم يتعلق بجمبع الموجودات وهما السمع والبصر وقسم يتعلق بجميع اقسام الحكم العقلى وهما العلم والكلام وان شات قلت صفات المعانى تنقسم ثلاثه اقسام قسم لا يتعلق بنفسه ولا بغيره وهى الحياه وقسم لا يتعلق بنفسه ويتعلق @ بغيره وهما القدره والاراده وقسم يتعلق بنفسه وغيره وهو العلم واللكلام والسمع والبصر وبين متعلق القدره والاراده وبين متعلق السمع والبصر عموم وخصوصا من وجه يجتمعا فى الممكن الموجود وتنفرد القدره بالممكن المعدوم وينفرد السمع والبصر الموجود وبين متعلق السمع والبصر والعلم والكلام عموم وخصوص مطلق يشاركان السمع والبصر فى الموجود الواجب والجائز ويزيدان عليهما بالمستحيل والممكن المعدوم وبين متعلق القدره والاراده والسمع والبصر ومتعلق العلم والكلام عموم وخصوص مطلق فالعلم والكلام يشاركان القدره والاراده فى الممكن ويشاركان السمع والبصر فى الموجود الواجب والجائز ويزيدان على القدره والاراده بالواجب المستحيل ويزيدان على السمع والبصر بالمستحيل والممكن المعدوم ولما فرغ المصنف من التوحيد الذات وما لها من الصفات النفسيه والسلبيه والمعانى شرع فى توحيد الافعال فقال (الافعال وانه تعالى لا موجود سواء وهو حادث) اى ناشئ (بفعله) وقد سبق الفرق بين الاختراع والايجاد والخلق والابداع بان الاختراع خاص بالله تعالى وكذا الايجاد والابداع والخلق واما الفعل فانه يطلع على القديم والحادث الا انه فى حقه تعالى حقيقه لانه هو الذى اخترعه واما فى حق الحادث فمجاذ وانما هو عباره عن مباشرتهم للاشياء وتحريكهم لها واعلم ان وحدانيه الذات تنقى التعدد المتصل بان يكون ذاتا مركبه من جواهر واعراض والتعدد المنفصل بان يكون ذات تماثل ذات الله عز وجل ووحدانيه الصفات تنفى التعدد المتصل بان تكون له قدرتان وارادتان وعلمان فاكثر الى اخرها والتعدد المنفصل بان تكون صفه فى ذات تماثل صفاته الازليه ووجدانيه الافعال تنقى ان يكون فعل او اختراع او ايجاد لغيره تعالى من الممكنات (وفائض) اى سائل (من عدله على احسن الوجوه واكملها واثمالها واعدلها) وابدعها (وانه حكيم فى افعاله) باصابه مراد على حسب قصده (عادل فى اقضيته) على الحقيقه لا يوصف بالجوار والظلم (لا يقاس عدله بعدل العباد) فيه اشاره الى قول بعض الاشاعره ان العدل لا يصح تحديده بجنس ولا نوع مخصوص ولا بوصف خالص له لاسيما على ما يعرفه الناس به وكذا نقيضه ايضا لان العدل هو الحق عدول وا ور ايضا عدل وعدول عن الحق ولهذا قالوا ان الجور ليس بضد العدل لان كل فعل كان منا عدلآ بموافقه امر الله تعالى فقد يجوز ان يكون جوار بموافقه نهيه ومنهم من قال يصح تحديده وللعادل حينئذ معينات احداهما عدوله من صفات النقض والعيب وعلى هذا فهو من صفاته الازليه الواجبه له فى الازله والثانى رجوعه عن ايقاع الجوار وه وفعله فيكون حينئذ من اوصافه الفعليه المشتقه من فعله وفى المقصد الاسنى للمصنف العادل وهو الذى يقصد منه فعل العدل المضاد للجوار والظلم 7 ولمن يعرف العدل من لم يعرف عدل ولا يعرفه عدل ومن لم يعرف فعله فمن اراد ان يفهم هذا الوصف فينبغى ان يحيط علما بافعال الله تعالى من ملكوت السموات الى منتهى الثرى حتى اذا بهره جمال الخضره الربوييه وحيره اعتدالها وانتظامها تعلق بفهمه شئ من معانى عدل اته فى خلقه (اذ العبد تصور منه الظلم) والجوار (بتصرفه فى ملك غيره) او مجاوزه الحد او بوضع الشئ فى غير محله بنقص او زياده (ولا يتصور الظلم) بهذا المعنى (من الله تعالى) تقدس على ذلك (فانه لا يصادف لغيره ملكه) على الحقيقه (متى يكون ترغد فيه ظلما) وتعديا (فكل ما سواه من انس وجن وشيطان وسماء وارض وحيوان وجوهر وعرض ومدرك ومحدوس) بأنوعها واجناسها (حادث) وبالذات والزمان ثم اشار الى حدود الزمان فقال (اخترعه بقدرته بعد العدم بحتراعا) على غير مثال سابق ثم اكد ذلك بقوله (وانشأه انشاء) بعد ان لم يكن شيأ (واعطى كل شئ خلقه) وهو بذلك جواد ورتبه فى موضعه الائق به وهو بذلك عدل (اذ كان من الازلى موجود واحد ولم يكن معه غيره) يشاركه او يماثله فى ذاته وصفاته وافعاله واشار الى ان احداثه تعالى ذلك كان باختياره لا باستكمال كمال زائد على ما كان قبل احداثه (فأحدث) @ وانشأ (بعد عدمه) المحض (واظهار قدرته) الباهره (وتحقيقا لما سبق من ارادته) الازليه بكونه ووجوده (واما حقق من الازله من كلمته) التى لا تبدل وفيها اشاره الى ان تاثير القدره فره تاثير الاراده اذ لا يوجد تعالى شيأ من الممكنات او يعدم بقدرته الا ما اراد تعالى وجوده واعدامه وتاثيره الاراده ع وفق العلم فكل ما علم تعالى انه يكون من الممكنات اولا يكون فذلك مراده (لا لافتقاره اليه) اى الى ذلك الانشاء (وماجته) تعالى الله عن ذلك وهو الغنى المطلق وكل موجود فقير اليه فى وجوده وبقائه وسائر ما يمده به (وانه تعالى متفضل) جواد (بالخلق) وهو الايجاد المطل (والاختراع) وهو الايجاد لاعلى مثال سابق ونعم الايجاد شاء له لكل موجود (والتكليف) وهو الزام ما فيه كلفه ولا طلب ما فيه كلفه خلافا للباقلانى اى هو تعالى منفصل عليهم بحيث جعلهم اهلا لان يخاطبهم بالامر والنهى (عن لا وجوب) وهو عباره عن طلب تفريغ الذمه خلافا للمعتزله فى ايجاب التكليف (ومتطول بالانعام) على العباد (والاصلاح لهم لا عن لزوم) والمتفضل والمتطول بمعنى واحد ولم يردافى اسمائه الحسنى ولكن دل عليه قوله تعالى والله ذو الفضل العظيم وقوله تعالى ذى الطول ومعناه ذو الفضل والبسطه والمقدره فان اخد الطول من الغنى والمقدره فذو الطول من الاسماء الازليه فانه لم يزل غنيا قادرآ وان اخذ من الافضال والانعام على العباد فهو من اوصافه المشتقه من افعاله (فله الفضل) والمنه (والاحسان) والمعروف الدائم (والنعمه والامتنان اذا كان) عز وجل (قادر على ان يصيب على عباده أنواع العذاب) وهى العقوبه المؤلمه جزاء على سوء افعالهم (ويبتليهم) اى يمتحنهم (بضروب الالآم والاوصاب) وهى الاستقامه اللازمه (ولو فعل ذلك لكان منه عدلا) محضا (ولم يكن منه فبيحا ولا ظلما) فهو سبحانه وتعالى العادل الذى لا يعترض عليه فى تدبيره وحكمه وجميع افعاله وافق مراد العبد او لم يوافق وكل ذلك عدلا منه وهو كما ينبغى (وهو عز وجل يثيب ) اى يجازى (عباده المؤمنين على الطاعات) الصادره منهم وهى ما وافقت امره جل جلاله لا ارادته كما زعمته المعتزله (بحكم الكرم) المحضى (والوعد) السابق (لا بحكم الاستحقاق) والاستيجاب (واللزوم اذا لا يجب لاحد عليه فعل ولا يتصور منه ظلم) لانه غير واضح للشئ فى غير موضعه ولا عادل عن طريق الحكمه والعدل فى شئ من افعاله ولا يجوز ان يلحقه نقص فى ملكه ولا فى ارادته فلم يكن موصف بالظلم بحال (ولا يجب لحد عليه حق) لكون كل من سواه من مخترعاته ومخلوقاته ومصنوعاته فانى يكون للمخلوقات حق على الخالق والحق لغه هو الثابت الذى لا يسوغ انكاره وهو الواجب اللازم من قولهم لفلان على حق اى دين واجب لازم (وانه حق فى الطاعات وجب على الخالق بايجابه على ألسنه أنبيائهم عليهم السلام لا بمجرد العقل) لان العقل لا يستقل بادراك كون الفعل او الترك متعلق المؤاخذه الشرعيه (ولكنه بعث الرسل وأظهر صدقهم بالمعجزات الظاهره) وهى الامور الخوارق للعادات المقرونه بالتحديد والموافقه للدعوى السالمه من المعارض على يد من يدعى النبوه وقول امام الحرمين انه لا يمكن نصب دليل على البنوه سوى المعجزه محمول على ما يصلح دليلا على الاطلاق والعموم ويصلح ان يكون حجه على المنكرين (فبلغو امره ونهيه ووعده ووعيده فوجب على الخلق تصديقهم فيما جاؤا به) وهذه المسئله معروفه بالتحسين والتقبيح العقليين قالت الاشاعره لا تحسين ولا تقبيح عقلا اى ان الافعال توصف بالحسن والقبح من حيث نعلق خطاب الشرع بها ودليله السمعى قوله تعالى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا وبه تمسك المحدث ايضا اما الصوفى فيقول الافعال كلها نسبتان نسبه التكوين ونسبه التكليف اما نسبه التكوين فعلمه لان الافعال كلها لله تعالى وبهذه النسبه لا توصف بالحسن او القبح لاستواء الايجاد بل هى حسنه من علم الفاعل وارادته واما نسبه التكليف وهى الطلب فهى مختصه بافعال المكلف ومن المعلوم ان الطلب للشئ فرع العلم به ولا علم بالحقيقه الالله تعالى فلا تكليف ولا طلب الا لله تعالى وايضا فان تعلق الطلب بفعل او ترك غيب @ فلا يعلم الا بالتوفيف السمعى النبوى فاذا الحسن والقبح لا يدرك بمجرد العقل فلا حسن ولا قبح عقلا وهو المطلوب وقالت الحنفيقه ان العقل قد يستقل بادراك الحسن والقبح الذاتيين أو لصفه فيدرك القبح المناسب لثبوت حكم الله تعالى بالمنع من الفعل على وجه ينتهض معه الاتيان به سببا فى العقاب ويدرك الحسن المناسب لثبوت حكمه تعالى فيه بالايجاب والثواب بفعله والعقاب بتركه وهو بعينه قول المعتزله الا ان المعتزله اطلقو القوم بعدم توقف حكم العقل بذلك على ورود الشرع وسيأتى تحقيق ذلك على التفصيل فى شرح الرساله القدسيه وهذا الذى ذكره المصنف اشار به الى النوع الثالث عند المتاخرين وهو معروفه ما يجوز فى حق الله تعالى وهو فعل كل ممكن وتركه ومن فروعه بعثه الانبياء الى العباد وانابه المطيع ومعاقبه العاصى وقد اشار اليهما المصنف وله فروع كثيره وكلهها مما لا يجب شئ منها على الله تعالى ولا يستحيل بل وجودها وعدمآ بالنسبه اليها سواء ولفظ الجائز والممكن مترادفان على معنى واحد وهو ما يصح فى العقل وجوده وعدمه ثم لما كانت المباحث المتعلقه بهذا العلم منقسمه على ثلاثه اقسام قسم يتعلق بالالهيات شرع فى بيات القسم الثانى وهو النبويات وقسم بالسمعيات وقد فرغ من قسم الالهيات شرع فى بيان القسم الثانى وهو النبويات وهى المسائل المبحوث فيها عن النبوه واحوالها والثالث وهو السمعيات وهى المسائل التى لا تلتقى احكامها الا من السمع ولا تؤخذ الا من الوحى فقال (معنى الكلمه الثانيه) من الشهادتين (الشهاده) وهكذا فى سائر النسخ وكان تأنيث الضمير باعتباره ما أضيف اليه (للرسول) هكذا فى سائر النسخ وقد وقع له هكذا فى اول كتاب العلم وسبق التنبيه بان التاج السبكى نقل من طبقاته عن الامام الشافعى رضى الله عنه انه كان يمنع من هذا التعبير وانما يقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لانه اقرب للتعظيم واكثر والشهاده قول صادر عن علم بمشاهدته بصر او بصيره وجمله الصلاه اتى به للتبرك (وانه) تعالى (بعث) اى ارسل ومطاوعه انبعث وكل شئ ينبعث بنفسه فان الفعل يتعدى اليه بنفسه يقال بعثته وما هنا كذلك وكل شئ لا ينبعث بنفسه كلكتابه والهديه فان الفعل يتعدى اليه بالباء يقال بعث به اى وجهه (النبى) وحقيقته انسان خصه الله بسماع وحى ولم يأمر بالتبليغ وحقيقه الرسول انسان بعثه الله الى خلقه ليبلغهم ما اوحا اليه من الاحكام الشرعيه وحقسقه الرساله الامر بتبليغ الوحى وحقيقه البنوه الاختصاص بالوحى قيل النبى اعم لانه يطلق على من اوحى اليه امر بالتبليغ او لم يؤمر والرسول أخص والكليه تدخل على الاخص فكل رسول نبى ولا العكس وانما البعض كالنبى صلى الله عليه وسلم وسائر اخوانه المرسلين من البشر وبعض من كان رسولآ ولم يكن نبيا كجبريل عليه السلام ومنهم من اعتبر ما يزيد به كل واحد منهما فقال بينهما عموم وخصوص من وجه يجتمعان فيمن اوحى عليه وامر بالتبليغ من البشر وتفطرد النبوه فيمن اوحى اليه ولم يؤمر بالتبليغ وتنطرد الرساله بالملائكه (الامى) منسوب الى الام لكونه لم يقرأ ولم يكتب كما تقدم تحقيقه فى كتاب العلم اوالى ام القرى وهى مكه لولادته بعا اوالى ام الكتاب وهو اللوح المحفوظ لانه عمله منه او غير ذلك وقد بسطناه فى شرحنا على القاموس (القرشى) نسبه الى قريش على غير قياس وهو لقب جده النضر ابن كنانه بن جزيمه بن مدركه بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ومن لم يلده فليس بقرشى نقله السهيلى وغيره وسبب تلقيبه بذلك والاختلاف فيه بسطناه فى شرح قاموس (محمدا) وهو اسم مفعول من التحميد وهو مبالغه فى الحد وذلك لانه اذا بلغت خصال المرء النهايه وتكاءلت فيه المحاسن فهو محمد قال المناوى فى شرح الجامع الصغير لكن ذكر بعضى المحققين انه انما هو من صيغ المبالغه باعتبار ما قيل فيه من معنى الكثره بخصوصه لا من جهه اللغه اذ لا يلزم من زيد مفضل على عمر والمبالغه فى تفضيله عليه اذ @ معناه له جهه تفضيل عليه بفرض كونه للتكثير لا يلزم منه المبالغه لانها لا تتجاوز حد الكثره ولحرصهم صيغ المبالغه فى عدد مخصوص وكونه اجل من حد وافضل من حد لايستلزم وضع الاسم للمبالغه لانه ذلك ثانبه له لذاته وان لم يسم به نعم المناسبه قائمه به مع سابق من دلاله البناء عرفا على بلوغ النهايه فى ذلك الوصف وقد الف شيخ شوخنا الشمس محمد بن محمد بن شرف الدين الخليلى رساله خاصه لما يتضمن هذا الاسم الكريم من المعانى والاسرار (صلى الله عليه وسلم) من الصلاه وهىمن الله تعالى الرحمه وتعلق لفظ على بها لتضمن معنى النزول والسلام والتسليم من الافات المنافيه لغايه الكمال وجمع بينهما لكراهه أفراد احداهما اى لفظ لاخطا او مطلقا وقد تقدم البحث فيه فى اول كتاب العلم فى الخطبه (برسالته) وهى السفاره بين الله وبين ذوى الالباب لازاحه عللهم فيما يحتاجونه من مصالح الدارين (الى كافه) قال الازهرى هو مصدر على فاعله كالعافيه والعاقبه ولا يثنى ولا يجمع وفى الصباح وجاء الناس كافه قيل منصوب على الحال نصبا لاوما لايستعمل الا كذلك وعليه قوله تعالى وما ارسلناك الا كافه للناس اى الا للناس جميعا (العرب والعجم والانس والجن) وقال ابو البقاء اضافه كافه الى ما بعدها خطا لانه لا يقع الاحاله وانما قيل للناس لانه ينكف بعضهم الى بعض وبالاضافه تصير اضافه الشئ الى نفسه هذا الى اريد بالكافه الجماعه واذا ذهب به الى انه مصدركما قال الازهرى فلا يلزم منه اضاقه الشئ الى نفسه فتامل والعرب اسم مؤنت ولهذا يوصف بالمؤنت فيقال العرب العرباء والعرب العاربه وهم خلاف العجم سمو بذلك لانهم سكنو بلاد يقال لها العربات والخلاف فى ذلك وفى نسبهم بسطناه فى شرح القاموس والجن بالكسر خلاف الانس سمو بذلك لاستتارهم عن الاعين كما ان الانس من انس اذا ظهرأ او ألف وتفصيل ذلك كله فى شرح القاموس ثم ان المراد بهذا التعبير انه مبعوث الى الثقلين الانس والجن والعرب والعجم دخلون فى الانس وقد يعبر عنهم بالاسود والاحمر وكونه مبعوثا الى الثقلين خاصه اختاره الحليمى والبهقى بل حكى الفخر الرازى والنسق عليه الاجماع ومنهم من زادو الملائكه وانتصر له السبكى مستدلآ بايه ليكون للعالمين نذيرآ وخبر ارسلت الى الخلق كافه ونازع فيما حكى عن الحليمى بان البيهقى نقله عنه وتبرأ منه والحليمى سنيا لكن وافق المعتزله فى تفصيل الملك على البشر فظاهر حاجه بناؤه عليه وبان الاعتماد على تفسيرهما فى حكايه اجماع انفردا بحكايته لا ينهض حجه عند ائمه النقل لان مدارك نقل الاجماع انا تتلاقى من كلام اصحاب المذاهب المطبوعه ومن يلحق به فى سعه دائره الاطلاع والحفظ والاتقان والشهره عند علماء النقل (فنسخ بشر بعثه) الواضحه السهله الغزاء (الشرائع) المتقدمه كلها (الا ما قرره منها) والنسخ فى رفع الحكم الشرعى بخطاب (وفضله على سائر الانبياء) بأنواع من الفضائل لخصوصيه فضله بها فى ذاته بها ارتفع كما لا فوق المراتب الكماليه انساينه كانت او ملكيه قال الله تعالى تلك الرساله فضلنا بعضها على بعض منهم من كل الله ورفع بعضها درجات ذلك البعض هو الحقيقه المحمديه اذا هو اول نور تلقى من حضره الوجوب بل لا متلقى على الحقيه الا هو فكان له صلى الله عليه وسلم حيثيتان حيثيه ابتدائيه وبها حصل الكمال الاختصاصى المتوحد وحيثيه انتهائيه وبها حصل الكمال المتكثر الذى انقسم على الحقائق النبويه وله عليه السلام منه الخط الاوفر الجامع بين كمالاته كلها فمن حيث الكمال الاختصاصى كان رسولا لجميع العالم ومن حيث كماله الجماعى الاشتراكى كان رسول للجن والانس فاعلم من ذلك رساله صلى الله عليه وسلم العامه منه والخاصه وكماله الخصوصى المتحد وكماله العلمى المشترك اوليته واخريته (وجعله سيد البشر) ورئيسهم والفائق عليهم بالفضائل والكمالات والسيد لغه هو الذى يفوق قومه او ما هو من جنسه ونوعه والسيد الرئيس والحكيم والسخى وقد ساد سياده وسوددا وكان صلى الله عليه وسلم فى كل اوصافه موصوفا بلسياده والتفوق وكان يقال له ايضا سيد قريش وسيد العرب وفى شعر الاشعى *ياسيد الناس وديان العرب*ويروى يا ملك الناس واخرج مسلم فى المناقب@ وابوداود فى السنه عن ابى هريره رفعه أنا سيد ولد ادام يوم القيامه واول من ينشق عنه قبرا الحديث واخرج الامام احمد والترميذى فى المناقب وابن ماجه عن ابى سعيد الخدرى رفعه انا سيد ولد ادم يوم القيامه ولا فخر الحديث قال المناوى فى شرحه خصه لانه يوم مجموع له الناس فيظهر سوددا لكل احد عيانا وصف نفسه بالسودد المطلق المقيد للعموم فى المقام الخطابى على ما تقرر فى علم البيان فيفيد تفوقه على جميع ولد ادم حتى اولى العزم من الرسل واحتياجهم اليه كيف لا وهو واسطه كل قبض وتخصيصه ولد ادم ليس للاحتراز فهو افضل حتى من خواص الملائكه كما نقل الامام عليه الاجماع ومرده الاجماع من يعتديه من اهل السنه (ومنع كمال الايمان بشهاده التوحيد وهو قول) المؤمن (لا اله الا الله مالم تقترن به شهاده الرسول) الحق (وقوله محمد رسول الله) صلى الله عليه وسلم فصارت الكلمتان كلمه واحده عبر عنها بكلمه التوحيد والاخلاص (والزم الخلق) كلهم (تصديقه) وتلقيه بالقبول (فى جميع ما اخبره) به (وعنه امور الدنيا والاخره) اى المتعلقات بها بعد ان خصه كما خص اخوانه من الانبياء وارسل الكرام بالصدق والامانه والتبليغ والفطانه فهذه اربع صفات تجب فى حقهم فالصدق هو الاخبار بالحق الثابت فى الامر اى كون ما بلغو به عن الله تعالى موافقا لما عند الله تعالى ايجابا كان او سالبا والامانه كونها لا تصدر عنهم مخالفا اصلا وهى المعبر عنهم بعضهم بالعصمه والتبليغ هو انهم بلغو جميع ما امرو به اعتقاديا كان او عمليا ولم يكتمو منه شيئا والفطانه هى التيقظ لالزم الخصوم وطرق ابطال تحيلهم ودعاويهم الباطله ولما فرغ من ذكر النبويات شرع فى بيات السمعيات فقال (انه لا يتقبل ايمان عبد حتى يؤمن بما اخبر به) صلى الله عليه وسلم (بعد الموت) وفى ضمن ذلك اعتقاد حقيقه الموت وابتلائه به كل ذى روح لانه من مجوزات العقول الذى ورد الشرع بها فواجب اعتقادها وهو كيفيه وجوديه تضاد الحياه فلا يعرى الجسم الحيوانى عنها ولا يجتمعان فيه هذا قول الاشعرى وقيل عدم الحياه عما من شأنه الحياه وهو قول الاسفرينى والاكثر ين وقال بعض الصوفيه ليس الموت بعدم محض ولا فناء صرف وانما هو انقطاع تعلق الروح بالبدن ومفارقه وحيلوله بينهما وتبدل حال بحال وانتقال من دار الى دار ثم شرع المصنف فى بيان ما اخبر به صلى الله عليه وسلم الاحوال التى تعرض بعد الموت فقال (واوله سؤال منكر ونكير) ويتقدم على ذلك وجوب اعتقاد ان ملك الموت يقبض روح كل ذى روح أى يخرجها وياخدها باذن ربه من مقرها اومن يد اعوانه والمراد بجميع ارواح الثقلين والملائكه والبهائم والطير وغيرهم ولو بعوضه بل قيل حتى روح نفسه والارواح اجسام خفيفه متخلله فى البدن تذهب الحياه بذهابها وقيل جسم لطيف مشتبك بالبدان اشتباك الماء بالعود الاخضر وبه جزم النووى وملك الموت اسمه عزرائيل ومعناه عبد الجبار عظيم وهائل المنظر راسه فى السماء العليا رجلاه فى تخوم الارض السفلى ووجه مقابل اللوح المحفوظ والخلق بين عينيه وله اعوان بعدد من يموت يترفق بالمؤمن ويأتيه فى صوره حسنه ومن ذلك ايضا وجوب اعتقادات الاجل بحسب علم الله تعالى واحد لا تعدد فيه وان كان مقتول ميت بسبب انقضاء عمره وعند حضور اجله فى الوقت الذى علم الله فى الازل حصول موته فيه بايجاده تعالى وخلقه من غير منع ومدخليه للقاتل فيه لا مباشرته ولا توليد وانه لم يقتل لجاز انه يموت فى ذلك الوقت وان لايموت من غير قطع بامتداد العمر ولا بالموت بدل القتل ثم يجب اعتقادات السؤال فى القبر حق اى ان حتى الموتى تسئل فى قبورها بعد تمام الدفن وعند انصراف الناس بان يعيد الله الروح الى الميت جميعه وتكمل حواسه فيرد اليهم ما يتوقف عليه فهم الخطاب ويتاتى معه الجواب من الحواس والعلم والعقل حتى يساله الملكان (وهما شخصان) اسوادان ازراقان (مهيبان هائلان) اى فظان عليظان شعورهما الى اقدامهما تبلع الفر بين انيابهما يشقان الارض بهما كلاهما كالرعد القاصف واعينهما كالبرق الخاطف بايديهما مقاطع من حديد (يقعدان العبد فى قبره) اى بعد تمام دفنه هذا فى حق القبور وفى غيره بعد الموت @ (سويا) تاما (ذا روح وجسد) كامل الحوا س وافتى الشمس الرملى بات السؤال على الراس واحده ان انفصل لوجود ادله النطق وافتى الحافظ السيوطى بان الميت اذا نقل لا يسال حتى يدفن قال بعضهم ومثله المصلوب (فيسالانه) او احداهما يتفرقان بالمؤمن وينتهران المنافق والكافر ولو تمزقت اعضاؤه او اكلته السباع فى اجوافها وكذا الغريق والحريق وان ذرى فى الربح (عن التوحيد) أى وحدانيه الله تعالى (والرساله) أى رساله الانبياء عليهم السلام وما بلغوا وقال القرطبى اختلفت الاحاديث فى كيفيه السؤال والجواب وذلك بحسب الاشخاص فمنهم من يسال عن بعضى اعتقاداته ومنهم من يسال عن كلها وهذا السؤال خاص بهذه الامه والمراد بها امه الدعوى فيدخ المؤمنون والمنافقون والكافرون وورد فى حق جماعه انهم لا يسئلون كلمرابط والشهيد بأنواعه والمراد به التخفيف لامطلقا فى سؤال الاطفال الوقف وجزم السيوطى بعدم السؤال لعدم تكليفهم كالملائكه لا الجن ويقولان له كل احد بك انه او بالسرباينه او بالعربيه مطلقا ثلا ثه اقول (من ربك) الذى خلقك وسواك ورزقك (ومادينك) الذى كنت عليه (ومن نبيك) الذى ارسل اليك وامرت باتباعه ونقل السيوطى ان السؤال يقع بالسربانيه وهذه صورته اتره كره اترح سالح حين وهى خمس كلمات تعريها اتره قم يا عبد الله كاره الى ملائكه الله اترح ما كنت تصنع فى دار الدنيا سالح من ربك ومادينك وعقيدتك حين ما هذا الذى مت عليه (وهم فتانا القبر) مثنى فتان مبالغه فى التفتين والامتحان وقد يلحق بهما غيرهما من الصور الهائله فيقال للكل فتاتان اعاذنا الله منهما (وسؤالهم اول فتنه بعد الموت) يحصل فى القبر اى هذا السؤال هو نفسه الفتنه وهى الاختبار والامتحان بالنظر الى الميت او الينا او الى الملائكه لاحاطه عمله بكل شئ (وان يؤمن بعذاب القبر) ومنه ضغطته وهو انضمام اللحد بعضه الى بعض منه الحديث لو سلم احد من ضغطه القبر لسلم منها سعد وفى روايه لقد تضايق على هذا العبد الصالح فبره حتى فرج الله عنه وفى اخرى قد ضمه ذم فرج الله عنه (وانه حق) ثابت لما فى حديث مسلم المرفوع ان هذه الامه تبتلى فى فبورها فاولا ان لا تدافنو الدعوات الله ان يسمعكم من عذاب القبر الذى اسمع منه ثم اقبل صلى الله عليه وسلم بوجهه علينا فقال تعوذوا بالله من عذاب القبر الحديث وفى البخارى عن اسماء بنت ابى بكر قالت قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا فذكر فتنه القبر التى يفتنن بها المرء فلماذ ذكر ذلك ضج المسلمون ضجه ثم قال (و) انه (حكمه) من الله تعالى (وعدل) منه لانه مالك الاعيان حقيقه وللمالك التصرف فى ملكه كيف يشاء الامر امره والحكم حكمه لايسئل عما يفعل (على الجسم والروح) معام كما هو مذهب أهل السنه (على ما يشاء) لمن يكون من اهل العذاب وحكمه الله تعالى فيه اظهار ما كتمه العباد فى الدنيا من كفر او ايمان او طاعه او عصيان ليباهى الله بهم الملائكه او ليفضحوا عندهم ومجمل القول فيه ان عذب القبر هو عذاب البرزخ واضيف الى القبر لانه الغالب والافكل ميت اراد الله تعذيبه ناله ما ارداه قبر او لم يقبر ومحله الروح والبدن جميعا باتفاق وبعد اعاده الروح اليه او الى جزء منه على قول من قال ان المعذب بعض الجسد وهو قسمان دائم وهو عذاب الكفار ومنقطع وهو عذاب العصاه ومما يجب اعتقاده ان نعيم القبر حتى لما ورد فى ذلك من النصوص ولا يختص بمومنى هذه الامه كما انه لا يختص بالمقبور ولا بالمكلفين فيكون لمن زال عقله ايضا وتعتبر الحاله التى زال عقله وهو عليها كفر وايمان ونحوهما ومن نعيمه توسيعه وفتح طاق فيه من الجنه ووضع فنديل فيه وامتلاؤه بالروح والريحان وجعه روضه من رياض الجنه وكل هذا محمول على الحقيقه عند العماء ومما يجب اعتقاده ان البعث حق وهو اعادتهم بعد احيائهم بجميع اجزائهم الاصليه التى من شأنها البقاء من اول العمر الى اخره ندورد بذلك الايات والاثار واكثرها لا يحتمل التاويل لا فرق فى ذلك بين من يحاسب كالمكلف وغيرها كما صححه النووى واختاره والبعث والنشور عباره عن معنى واحد وهو الاخراج من القبور بعد جمع جميع @ الاجزاء الاصليه واعاده الروح اليهاوات اعاده الاجسام عن عدم محض فيوجدها الله تعالى بعد انعدامها بالكليه وقبل عن تفريق محض فيذهب الله العين الاثر جميعا بحيث لا يبقا فى الجسم جوهران فردان على اتصال وعلى القول الاول يكون الجسم الثانى هو الاول المعدوم بعينه لا مثله وفى اعاده العرض القائم بالاجسام تبعا لمحلها مذهبان الاول تعاد بأشخاصها التى كانت فى الدنيا قائمه بالجسم حال الحياه وهو قول الاشعرى والثانى امتناع اعادتها مطلقا لان المعاد انما يعاد بمعنى فيلزم قيام المعنى بالمعنى وهو قول الفلاسفه وبعض المعتزله والكراميه والخوارزمى والاول الراجح وفى جواز اعاده الزمن قولان ومما يجب اعتقاده ان اليوم الاخر حق وهو من يوم الحشر الى مالا يتناهى اوالى ان يدخل اهل الجنه الجنه واهل النار النار ويدخل فى جمله امور الاخره اعتقاد ان اخذ الصحف حق وهى كتب الاعمال التى تكتبها الملائكه ما فعلوه فى الدنيا والرفع للصحف الريح من خزانه تحت العرش وان كل احد يدعى فيعطى صحيفتها اما باليمين وهو المؤمن الطائع اما بالشمال هو الكافر والمؤمن العاصى ملحق بالطائع على المشهور ومن امور اليوم الاخر الميزان وغيره وقد ذكر ذلك فى قوله (وان يؤمن بالميزان) والوزن لغه معرفه كميه بأخرى على وجه مخصوص والحمل على الحقيقه ممكن لكن نمسك عن تعيين جوهره ونصب الموازين بعد الحساب ثم عرف المصنف الميزان فقال (ذى الكفتين والميزان) كفه للمحسنات وهى من نور والاخرى من ظلمه وهى للسيان (وصفته) اى الميزان (فى العظم انه) أى كل كفه منه (مثل طباق السموات والارض) وفى حديث سليمان رضى الله عنه أنه قال توضع الموازين عن يمين العرش والنار عن شماله ويوتى بالميزان فتنصب بين يدى الله تعالى كفه للمحسنات عن يمين العرش مقابله للجنه وكفه للسيات عن يسار العرش مقابله للنار ثم ان المشهور انه ميزان واحد لجميع الامم ولجميع الاعمال فما ورد بصيغه الجمع فى الايات والاثار للتعظيم وقيل يجوز ان يكون للعامل الواحد موازين يوزن بكل منها صنف من عمله (توزن فيه الاعمال) اى اعمال العباد المكلفين فخرج بذلك الملائكه لانه فرغ عن الحساب وعن كتابه الاعمال خصوصا على بان الصحف هى التى توضع فى الميزان كما ياتى وكذا اخرجمنه الاطفال والانبياء عليهم السلام تشريفا لقدرهم وكذا من يدخل من الباب الايمن من هذه الامه كما ورد فى حديث (بقدره الله تعالى) ولطيف حكمته وبديع صنعته والممسك للميزان جبريل عليه السلام (والصنج يومئذ مناقبل الذر والخردل) الصنج بالصاد والسين المهمتين لغتان والنون ساكنه واخرها جيم معربه يقال اتزن منى بالصنجه الراجحه وانكر الجوهرى السين والمثاقبل جمع مثقال والذر ما يرى فى ضوء الشمس والخردل معروف (تحقيقا لتمام) صفه (العدل) بمقتضى الحكمه وهل الموزون الكتب التى اشتملت على اعمال العباده او اعيان الاعمال قولان الاول ذهب اليه جمهور المفسرين والامام ابو المعالى واستقر به ابن عطيه واشار اليه المصنف بقوله (وتطرح صحائف الحسنات) وهى الاعمال الصالحها بعد ان تصور (فى صوره حسنه) نورانيه (فى كفه النور) وهى اليمين المعده للحسنات (فيثقل بها الميزان على قدر درجاتها عند الله تعالى بفضل الله) سبحانه وتعالى (وتطرح صحائف السيات) وهى الاعمال السيئه بعد ان تصور (فى صوره قبيحه) ظلمانيه (فى كفه الظلمه) وهى الشمال المعده للسيئات (فيخفف بها الميزان بعد الله) سيحانه وتعالى ولا يمتنع قلب الحقائق خرقا للعاده وقيل يخلق الله اجساما على عدد تلك الاعمال من غير قلب لها ومن فؤائد الوزن امتحان العباد بالايمان بالغيب فى الدنيا وجعل ذلك علامه لاهل السعاده والشقاوه والعباده مالهم من الجزء على الخير والشر وادامه الحجه عليهم والله الموفق (وان يؤمن بان الصراط حق) ثابت بالكتاب والسنه واجماع الامه (وهو) لغه الطريق الواضح لانه يبلغ المارهو شرعا (جسر ممدود على متن جهنم) يرده الاولون والاخرون ذاهبين الى الجنه لان جهنم بين الموقف والجنه (أحد @ من السيف وادق من الشعر) ومذهب اهل السنه بقاؤه على ظاهره مع تفويض علم حقيقته اليه سبحانه وتعالى خلافا للمعتزله وطوله ثلاثه الالف سنه الف صعود والف هبوط زالف استواء وجبريل فى اوله وميكائيل فى وسطه وفى حافتيه كلاليب معلقه مأموره باخذ من امرت به وفيه سبع قناطر يسئل العبد عن كل واحد من نوع من العبادات ومرو العباد عليه متفاوت فى سرعه النجاه وعدمها وهم فريقان وقد اشار الى ذلك المصنف بقوله (تزل به اقدام الكافرين) والمنافقين (بحكمه الله تعالى فتهوى به فى النار) اما على الدواء والتابيد كهؤلاء الى مده يريدها الله تعالى ثم ينجو كبعض عصاه المؤمنين ممن قضى الله عليه بالعذاب هذا القسم الاول واشار الى القسم الثانى بقوله (وتثبت عليه اقدام المؤمنين) وهم اهل رحجان الاعمال الصالحه والسالمون منهم من السيات ممن خصهم الله بسابقه الحسن (بفضل الله تعالى) وهم الذين يجوزون كعارفه العين وبعدها كلبعرد الخاطف وبعدها كريح العاصف وبعدها كطير وبعدها كالجواد السابق فى الجواز ساعيا ومشيا وحبوا على حسب تفاوت الاعمال ويتسع الصراط ويدق بحسب انتشار النور وضيقه ومن هنا كان دقيقا فى حق قوم وعر يضا فى حق اخرين وهو واحد نفسه (فيساقون الى دار القرار) أى الجنه والحكمه فيه ظهور النجاه من النار وان تصير الجنه اسر لقباوبهم وليتحسر الكافر بفوز المؤمنين بعد اشتراكهم فى العبور ومما يجب اعتقاده ان العرش حق ثابت وهو جسم عظيم نورانى عاوى محيط يجمع الاجسام وهو اول مخلوق لله تعالى فى قوم ومما يجب اعتقاده ان الكرسى حق ثابت وهو جسم عظيم نورانى بين يدى العرش ملتصق به فوق السماء السابعه وهو غير العرش على الصحيح ومما يجب اعتقاده ان القلم حق ثابت وهو عظيم نورانى خلقه الله تعالى وامره بكتب ما كام وما يكون الى يوم القيامه ومما يجب اعتقاده ان اللوح حق ثابت وهو جسم عظيم نورانى كتب فيه القلم باذن الله تعالى ما كان وما هو كائن الى يوم القيامه ومما يجب اعتقاده ان كلا من الكاتبين على العباد اعمالهم فى الدنيا والكتابين فى اللوح المحفوظ ما فى صحف الملائكه الموكلين بالتصرف فى العالم والكتابين من صحف الحفظه كتابا يوضع تحت العرش حق ثابت (وان يؤمن بالحوش المردود) وهو (حوض) نبيا (محمد صلى الله عليه وسلم) الذى يعطاء فى الاخر وهو جسم مخصوص متسع الجوانب ترده هذه الامه وعند مسلم فى حديث انس فى نزول انا اعطيناك الكوثر هو حوض ترد عليه امتى يوم القيامه وعندهم فى حديث ابن مسعود وعقبه بن عامر وجندب وسهل بن سعد انافرطكم على الحوض ومن الحديث ابن عمر امامكم حوض كما بين جربين واذراح وقال الطبرى كما بينكم وبين جرباء واذرح وهو ذكر الحوض فى الصحيح من حديث ابى هريره وابى سعيد وعبد الله بن عمرو وحذيفه وابى زرو جابر بن سمره وحارث بن وهب وثوبان وعائشه وام سمله واسماء وقدر خرجت احاديث الحافظ ابن ناصرالدين الدمشقى فى جزء استوعب فيه ظواهر الاحاديث انه بجانب الجنه كما قاله الحافظا بن الحجر (ويشرب منه المؤمنين) الذين وفو بعهد الله وميثاق وماتو على ذلك لم يغيرو ولم يبدلو وهذا الوصف ان شمل جميع مؤمنى الامم السابقه لمنه خلاف ظواهر الاحاديث انه لايرده الا مؤمنو هذه الامه لان كل امه انما ترد حوض نبيها وتخصيص حوض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بالذكر لوردوه بلاحاديث البالغه مبلغ التواتر بخلاف غيره بوردوه بالاحاد (قبل دخول الجنه وبعده بالصراط) على الصحيح ولكن جهل تقدمه على الصراط او تاخره عنه لا يضر اعتقاده وانما واجب اعتقاده ثبوته (ومن شرب منه شربا لم يظمأ) اى لم يعطش (بعدها) اى بعد تلك الشربه (ابدا عرض ميسره شهر ماؤه أشد بياضا من البن واحلى من العسل حوله اباريق عدد نجوم السماء) ففى الصحيحين من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما رفعه حوضى ميسره شهر زواياه سواء ماؤه أبيض من البن وريحه اطيب من المسك وكيزانه اكثر من نجوم السماء من شرب منه لا يظمأ ابداولهما فى حديث @ انس فيه الابارق كعدد نجوم السماء وفى روايه لمسلم أكثر من عدد نجوم السماء وفى روايه اخرى له عدد النجوم وفيه اوحا الله تعالى الى عيس عليه السلام من صفه نبيا عليه الصلاه السلام له حوض ابعد من مكه الى مطلع الشمس فيه انيه مثل عدد نجوم السماء وله لون كل شراب الجنه وطعم كل ثمار الجنه (فيه ميزابان يصبان من الكوثر) وفى صحيح مسلم من حديث ثوبان يصب فيه ميزابان يمدانه من الجنه احداهما من ذهب والاخر من ورق ويروى ان الصحابه قالو يا رسول الله اين نطالبك يوم الحشر فقال على الصراط فان لم تجدونى فعلى الميزان فان لم تجدونى فعلى الحوض وفى هذا تنبيه على ترتبيب الصراط والميزان والحوض وهى مسئله توقف فيها اكثر من اهل العلم (وان يومن بالحساب) جاء ذكره فى الحديث عمر رفعه اخرجه البيهقى فى البعث وهو توقيف الى عباه قبل الانصراف من الحشر على اعمالهم واول من يحاسب هذه الامه (وتفاوت الناس فيه الى مناقش فى الحساب) ففى الصحيحين عن عائشه رضى الله عنها من نوقشى الحساب عذاب قالت قلت اليس يقول الله تعالى فسوب يحاسب حسابا يسيرا قالت ذلك العرض (الى مسامح فيه) كل ذلك بكيقيه مختلفه فمنه اليسر والعسر والسر والجهر والتوبيخ والفضل والعدل (والى من يدخل الجنه بغير حساب) كالسبعين الفا (وهم المقربون) وافضلهم ابى بكر رضى الله عنهم فلا يحاسب لماروى مرفوعا عن عائشه رضى الله عنها الناس كلهم يحاسبون الا ابا بكر رضى الله عنه وفى الصحيحين فى حديث ابن عباس عرضت على الامم فقبل هذا امتك ومعهم سبعون الفا يدخلون الجنه بغير حساب ولا عذاب ولمسلم من حديث ابى هريره وعمران بن حصين يدخل من امتى الجنه سبعون الفا بغير حساب زاد البيهقى فى البعث من حديث عمرو بن جزام واهطانى مع كل واحد من السبعين الفا سبعين الفا زاد احمد من حديث عبد الرجمن بن ابى بكر بعد هذه الزياده قال عمر فهل استزدته قال قد استزته فاعطانى مع كل رجل سبعبن الفا قال عمر فهل استزته قال فقد استزته فاعطانى هذكذا وفرج بعد الله بن بكر بين يدى الحديث (فيسأل الله تعالى من يشاء من الانبياء عن تبيلغ الرساله ومن شاء من الكفار عن تعذيب المرسلين) ففى البخارى من حديث ابى سعيد رفعه يدعى نوع يوم القيامه فيقول لبيك وسعديك يارب فيقول عل بلغت فيقول نعم فيقول لامته فيقولون ما اتانا من نذير فيقول من يشهد لك فيقول محمد وامته الحديث ولابن ماجه يجى النب يوم القيامه الحديث وفيه فيقال عل بلغه قومك الحديث (ويسال المبتدعه عن السنه) فعند ابن ماجه من حديث عائشه تكلم فى شئ من القدر وسئل عنهه يوم القيامه ومن حديث ابى هريره ما من دا يدعو الى شئ وقف يوم القيامه لزم لدعوه ما دعا اليه وان دعا رجل رجلا (ويسال المسلمين عن الاعمال) قولا كانت او فعلآ او اعتقادا مكسوبه اولا بعد اخذها كتبها خيرا كانت او شرا تفصيلآ لا بالوزن وعند اصحاب السنن الاربعه من حديث ابى هريره اول ما يحاسب به العبد يوم القيامه من عمله صلاته الحديث وسياتى فى الصلاه (وان يؤمن باخراج عصاه الموحدين من النار) هى دار عذاب بجميع طباقها السبع ولا جمر لها سوى بنى ادم والاحجار المتخذه من الهه من دون الله قيل كذا احجار الكبريت لشده اتقادها (بعد الانتقام) ولا يدوم عذابهم مده بقائهم بل يموتون بعد الدخول لحظه ما يعلم الله مقدارها فلا يحيون حتى يخرجوا منها (حتى لايبقا فى جهنم) وهى الطبقه العليا من النار وهى التى فيها العصاه من الموحدين وهذه الطبقه هى التى تخلى واما ما عداها فلا تخلى من اهلها معذبين فيها تخليدا كتخليد اهل الجنه وينتح عن شطير الطبقه العليا فيما قيل الجر جير (موحد) بفضل الله تعالى ففى الصحيحين فى حديث ابى هريره وفى حديث طويل حتى اذا فرغ الله من القضاء بين العباد واراد ان يخرج برحمته من اراد من اهل النار امر الملائكه ان يخرجوا من النار من كان لا يشرك بالله شيئا ممن اراد ان يرحمه ممكن يقول لا اله الا الله الحديث وفى حديث عبد الله بن عمرو وياتى على النار زمان تخفق الرياح ابوابها ليس فيما احد يعنى من الموحدين اهل الطبقه العليا فاذن لم يبق فيها احد غير الكفار @ أتى بالموت فى صورة كبش فيذبح بين الجنة والنار ويعرفه كل أحد من الفريقين كما فى السنن الأربعة (وأن يؤمن بشفاعة الأنبياء) عليهم الصلاة والسلام (ثم العلماء ثم الشهداء) هكذا اخرج ابن ماجه من حديث عثمان بي عفان رضى الله عنه رفعه وفيه يشفع يوم القيامة ثلاثة الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء وقد تقدم فى كتاب العلم واعلم ان الشفاعة لغة الوسيلة والطلب وعرفا سؤال الخير للغير وهنا واجبات ثلاثة يتعين اعتقادها على كل مكلف الأول كونه صلى الله عليه وسلم شافعا والثانى كونه صلى الله عليه وسلم مشفعا اى مقبول الشفاعة والثالث كونه صلى الله عليه وسلم مقدما على غيره من جميع الأنبياء والمرسلين والملائكة فيتعين اعتقاد انه صلى الله عليه وسلم وان كان له شفاعات إلا أن أعظمها شفاعته صلى الله عليه وسلم المختصة به للاراحة من طول الموقف وهى أول المقام المحمود ثانيها فى ادخال قوم الجنة بغير حساب وهى مختصة به صلى الله عليه وسلم كما قاله النووى ثالثها فيمن استحق دخول النار أن لايدخلها وتردد النووى فى اختصاصها به صلى الله عليه وسلم قال السبكى لأنه لم يرد نص صريح بثبوت الاختصاص ولا بنفيه رابعها فى اخراج الموحدين من النار ويشاركه فى هذه الأ نبياء والملائكة والمؤمنون وفصل القاضى عياض فقال ان كانت هذه الشفاعة لإخراج من فى قلبه مثقال ذرة من ايمان اختصت به صلى الله عليه وسلم وإلا شاركه غيره فيها خامسها فى زيادة الدرجات فى الجنة لأهلها وجوز النووى اختصاصها به صلى الله عليه وسلم سادسها فى جماعة من صلحاء أمته ليتجاوز عنهم فى تقصيرهم فى الطاعات سابعها فيمن دخل فى النار من الكفار أن يخفف عنهم العذاب فى أوقات مخصوصة كما فى حق أبى طالب وأبى لهب ثامنها فى أطفال المشركين ان لا يعذبوا ذكره الجلال الأسيوطى واياك واعتقاد امتناع شفاعته صلى الله عليه وسلم فى أهل الكبائر وغيرهم لا قبل دخولهم النار ولا بعده ومما يجب اعتقاده شفاعة غيره صلى الله عليه وسلم من الانبياء والمرسلين والملائكة (ثم سائر المؤمنين) يشفع (كل على حسب جاهه وقدر منزلته) ومقامه (عند الله تعالى) فى أرباب الكبائر كما جاء فى الأخبار الدالة على ذلك (ومن بقى من المؤمنين) فى النار (ولم يكن له شفيع) خاصة (اخرج بفضل الله عز وجل) ففى الصحيحين من حديث أبى سعيد فيقول الله تعالى شفعت الملائكة وشفعت النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا ارحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج قوما لم يعملواخيرا قط الحديث (فلا يخلد فى النار مؤمن بل يخرج منها من كان فى قلبه مثقال ذرة من ايمان) ففى الصحيحين من حديث أبى سعيد يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ثم يقول الله تعالى اخرجوا من كان فى قلبه مثقال حبة من خردل من ايمان وفى رواية من خردل من خير وقد استنبط المصنف من قوله اخرجوا من كان الخ نجاة من أيقن بالإيمان وحال بينه وبين النطق به الموت قال واما من قدر على النطق ولم يفعل حتى مات مع ايقانه بالإيمان بقلبه فيحتمل ان يكون امتناعه منه بمنزلة امتناعه عن الصلاة فلا يخلد فى النار ويحتمل خلافه ورجح غيره فيحتاج إلى تأويل ثم ينبغى ان يعلم انه لايشفع واحد ممن ذكر الا بعد انتهاء مدة المؤاخذة * (تنبيه) * هذه الامور السمعية التى تقدم بيانها يتحد فيها المتكلم والصوفى والمحدث اذمباديها هو النقل اذ النظر انما هو فى وقوعها وأما جوازها فضرورى والعقل لا يهتدى الى وقوع جائز فاضطروا جميعا الى السمع وان كان الصوفى يزيد عليهما بالكشف الا ان الكشف قاصر حكمه عليه فلا يتعدى العلم المستفاد منه االى غيره ولما فرغ المصنف من ذكر السمعيات شرع فى ذكر لواحق المعتقد فقال (وان يعتقد فضل الصحابة رضى الله عنهم ورتبتهم) ودرجاتهم ومنازلهم فيعطى كلا منهم ما يستحقه من التعظيم (و) يعتقد (ان أفضل الناس بعد النبى صلى الله عليه وسلم ابو بكر) الصديق (ثم عمر) بن الخطاب (ثم عثمان) بن عفان (ثم على) بن ابى طالب (رضى الله عنهم) هكذا ترتيب افضليتهم على ترتيب خلافتهم هكذا اجمع عليه اهل السنة اذ المسلمون كانوا لايقدمون احدا فى الامامة تشبها منهم وانما يقدمونه لاعتقادهم انه افضل واصلح للأمة من غيره وفى@ البخارى من حديث ابن عمر قال كنا نخبر بين الناس فى زمن النبى صلى الله عليه وسلم فنخبر ابا بكر ثم عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان ولأبى داود كنا نقول ورسول الله صلى الله عليه وسلم حى افضل امة النبى صلى الله عليه وسلم ابو بكر ثم عمر ثم عثمان زاد الطبرانى ويسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا ينكره (وان يحسن الظن بجميع الصحابة ويثنى عليهم كما اثنى الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم عليهم أجمعين) اما ثناء الله عزوجل عليهم بعمومهم وخصوصهم ففى آى من القرآن وشهدت نصوصه بعدالتهم والرضا عنهم ببيعة الرضوان وكانوا حينئذ اكثر من الف وسبعمائة وعلى المهاجرين والأنصار خاصة بقوله تعالى والسابقون الأولون من المهاجرين والانصار وقوله تعالى للفقراء المهاجرين الآيات وعند الترمذى من حديث عبدالله بن مغقل الله الله فى اصحابى لاتتخذوهم غرضا بعدى وللشيخين من حديث ابى سعيد لاتسبوا اصحابى وللطبرانى من حديث ابن مسعود اذ اذكر اصحابى فامسكوا ومناقب الصحابة وفضائلهم عديدة وحقيق على المتدين ان يستصحب لهم ماكانوا عليه فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فان نقلت هناة فليتدبر العاقل النقل وطريقه فان ضعف رده وان ظهر وكان احادا لم يقدح فيما علم تواترا وشهدت به النصوص (فكل ذلك) اى مما ذكره من قواعد العقائد (ما وردت به الأخبار) من روايات الائمة الكبار (وشهدت به) اى بصحته (الآثار) من السلف الاخيار (فمن اعتقد جميع ذلك) جملة وتفصيلا (موقنا به) معتمدا عليه (كان من اهل الحق) وهو عبارة عن كل ما يحسن اعتقاده فالمعنى كان من الذين حسنت عقائدهم (وعصابة السنة) اى جماعتها والسنة طريقة النبى صلى الله عليه وسلم وطريقة اصحابه (وفارق رهط الضلال) الرهط ما دون العشرة من الرجال وقيل من سبعة الى عشرة وقيل الى اربعين والضلال عن الطريق المستقيم وتضاده الهداية (وخرب البدعة) اى انصارها والبدعة الفعلية المخالفة للسنة والمراد بالحزب الجماعة فيكون بحذف مضاف اى جماعة اهل البدعة والمراد بهم فرق الضلال المبتدعة كالمعتزلة والخوارج والكرامية والروافض بانواعها واقسامها (فنسأل الله) سبحانه وتعالى من فضله (كمال اليقين) فى مراتب الايمان والاحسان (والثبات فى الدين) والمراد فى العقائد المتعلقة بالدين ونسأل ذلك كذلك (لكافة المسلمين) وعامتهم (انه) جل وعز (ارحم الراحمين) يجيب دعوة الداعين (صلى الله على سيدنا) ومولانا وهادينا (محمد وعلى آله وعلى كل عبد مصطفى) هكذا فى بعض النسخ وفى بعضها انتهاء الكلام الى قوله ارحم الراحمين فتكون هذه الجملة من زيادة النساخ وقد جرت العادة فى الختم به تبركا والله اعلم وهذا اخر شرح كتاب قواعد العقائد فرغت من تحريره بعد صلاة الظهر من يوم لليلتين بقيتا من ربيع الاول سنة 1193 بمنزلى بسويقة لالا من مصر اللهم يسر لنا اتمام مابقى قال مؤلفه وكتبه العبد المقصر المذنب ابو الفيض محمد مرتضى الحسينى غفر الله له بمئة وكرمه حامد الله مصليا ومسلما ومستغفرا انتهى بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما الله ناصر كل صابر* (الفصل الثانى) * من الفصول الاربعة (فى) بيان (وجه التدريج) والتمهل (الى الارشاد) والهداية (وترتيب درجات الاعتقاد) بالنسبة الى اهل البداية والتوسط والنهاية (اعلم ان ماذكرناه) آنفا (فى ترجمة العقيدة) المختصرة (ينبغى ان يقدم) ذلك (الى الصبى) وهو الغلام الصغير بتعليمه اياها (فى أول نشأة) اى فى حال صباه (ليحفظه) فى صدره (حفظا) يأمن به عن الاغفال عنه ويتمكن ذلك المحفوظ فى باطنه حتى يكون نقشا على الحجر ولا يطرأ عليه ما يخالفه (ثم لايزال) مستمرا على ذلك حتى (ينكشف له معناه) وسره وحقيقته (فى) حالة (كبره) وهو البلوغ وما بعده (شيئا فشيئا) وهذا هو التدريج والترتيب المشار اليهما (فابتداؤه) فى حقه وحق غيره (الحفظ) بضبط صورها المدركة فى النفس وبتعهدها ورعايتها (ثم الفهم) بالتحقق فى معانيها (ثم الاعتقاد) اى عقد القلب باثباتها فى النفس (والايقان) بها (والتصديق) لما فيها فهذه ثلاثلا مراتب الاولى الفهم اى لمعانيها الحاصلة من ظواهر تلك الألفاظ @ الثانية عقد القلب على ذلك المعنى الذى فهمه الثالثة التصديق بذلك بانه حق بالمعنى الذى اراده الله ورسوله على الوجه الذى قاله وان كان لايقف على حقيقة فالتصديق لايكون الا بعد التصور والايمان انما يكون بعد التفهيم ولا يعتقد صدق قائلها فيها الا اذا فهم معانى الفاظها فلذلك قدم الفهم على الاعتقاد على التصديق (وذلك) القدر (مما يحصل) ويتيسر (فى الصبى) العامى (بغير برهان) ودليل (فمن فضل الله تعالى) وكمال نعمته (على قلب الانسان شرحه) وانفساحه (فى اول نشئه) وظهوره (الى الايمان من غير حاجة الى) اقامة (حجة) على اثباته أ(وبرهان) بايراد الأدلة الذى يقتضى الصدق أبدأ لان التصديق بالامور الجملية ليس بمحال وكل عاقل يعلم انه اريد بهذه الألفاظ معان وان كل اسم فله مسمى اذا نطق به من اراد مخاطبة قوم قصد ذلك المسمى فيمكنه ان يعتقد كونه كاذبا مخبرا عنه على خلاف ما هو عليه ويمكنه ان يعتقد كونه صادقا مخبرا عنه على ما هو عليه فهذا معقول على سبيل الاجمال يمكن ان يفهم من هذه الألفاظ امورا جملية غير مفصلة ويمكنه التصديق بها (وكيف ينكر ذلك وجميع عقائد العوام) من السوقة واهل البادية (مباديها التلقين المجرد) عن الادلة (والتعليم المحض) الخالص من غير ان يشوبه شئ اخر سواه (نعم يكون الاعتقاد المحض الحاصل بمجرد التقليد) للغير (غير خال عن نوع من الضعف) والوهاء (فى الابتداء) اى فى اول الامر لكن (على معنى انه يقبل الازالة بنقيضه لو القى اليه فلابد من تقويته واثباته فى نفس الصبى والعامى حتى يترشح) ذلك فيه (فلا يتزلزل) بالاضطراب (وليس الطريق فى تقويته واثباته) فى نفسهما (ان يعلم) كل منهما (صنعة الجدل والكلام) كما هو المتبادر الى الاذهان اذ الكلام والجدل علم لفظى واكثره احتمال وهمى وهو عمل بالنفس وتخليق الفهم (بل) طريقه اللائق لاحواله ان (يشتغل بقراءة القرآن) وفى نسخة بتلاوة القرآن وهى والقراءة مترادفان ومنهم من فرق بينهما كما تقدم آنفا وهذا الاشتغال اعم من ان يكون حفظا فى الصدر او التكرار فيه (و) معرفة (تفسيره) اى الكشف عن معانى ظواهر الفاظه على قدر مايصل اليه فهمه (و) ان يشتغل فى (قراءة الحديث) المجموع فى كتب معلومة موثوق بها ويمضى فيها بتلقى ذلك عن الشيوخ المعروفين بحملها (و) معرفة (معانيه) الظاهرة للإفهام (و) ان (يشتغل) مع ذلك (بوظائف العبادات) واجلها المحافظة على الفرائض بواجباتها واركانها وسننها ولم يذكر الاشتغال بعلم الفقه لأنه حاصل من القرآن والحديث اذ كتب الحديث المؤلفة غالبها على ترتيب أبواب الفقه وان يشتغل فى أثناء ذلك بمجالسة الأخيار الصالحين من أهل المعارف والاذواق الذين سماهم فى وجوههم من اثر السجود واذ اذكر الله (فلا يزال اعتقاده يزداد رسوخا) وثباتا (بما يقرع سمعه من ادلة القرآن) الباهرة وحججه القاهرة وقرعها للسمع كناية عن وصولها اليه بشدة (وبما يرد عليه من شواهد الاحاديث) الدالة على المقصود (وفوائدها) المستنبطة فيها (وبما يسطع عليه) اى على قلب ويلوح (من انوار العبادات) اى الحاصلة منها (و) من (وظائفها) اللائحة على ظاهره وباطنه فمن كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار اى وجه قلبه (وبما يسرى اليه من ) بركات (مشاهدة الصالحين) من عباد الله (ومجالستهم) وملاحظتهم ومؤانستهم وآدابهم (وسماهم) الظاهر المعمور بالانوار (وهيآتهم) فى حركاتهم وسكناتهم (فى الخضوع لله تعالى) بسكون الجوارح وتلقى الواردات الالهية (والخوف منه) والاستشعار بهيبته (والاستكانة) اى التذلل وشغل اللسان بذكره وحفظ القلب عن حضور ما سواه فيه (فيكون من اول اليقين كالقاء بذر فى) ارض (الصدر وتكون هذه الاسباب) المذكورة بجملتها (كالسقى والتربية له) فشواهد القرآن والحديث بمنزلة الماء لذلك البذر ومنها حياته الاصلية اذ لولاها لذوى وانوار العبادات ومجالسة الاخيار بمنزلة التربية له بحفظه عما يضره (حتى ينمو ذلك البذر) نموا ظاهرا (ويقوى) أصله (ويرتفع) على ساق المتانة (شجيرة طيبة) نافعة (راسخة) قوية (أصلها ثابت) فى@ ارض القلب (وفرعها) الزاكى مرتفع (فى السماء) نجتنى منها ثمرات المعارف والاهتداء (وينبغى ان يحرس) اى يصان (سمعه) فى اثناء ذلك (من) طرق (الجدال) والمخاصمات (والكلام) والمناقضات (غاية الحراسة) على قدر الامكان (فان ما يشوشه الجدل) والكلام (اكثر مما يمهده) ويوطنه (وما يفسده اكثر مما يصلحه) نظرا الى ما يودع فى قلبه شبها للخصوم فربما انها لاتزول وتبقى آثارها فيتعلق قلبه بها فهذا اول فساده له واما ما يترتب عليه بعد ذلك فاكثر من ان يذكر (بل تقويته بالجدل يضاهى) اى يشابه (ضرب الشجرة بالمدقة) بكسر الميم (من الحديد) او بايداع المسامير فيها (رجاء تقويتها فان تكسير اجزائها) بآلات الحديد (ربما تفتتها وتكسرها) وفى نسخة ويفسدها اى يكون سببا لتكسير كلها واعدامها بالمرة (وهو الاغلب) فى الاحوال (والمشاهدة تكفيك فى هذا بيانا) واضحا (وناهيك بالعيان) اى المعاينة (برهانا) جليا لايحتاج الى تقريره ببرهان آخر قال المصنف فى الجام العوام فان قلت ان لم ينصرف قلب العامى عن التفكر لتشوقه الى البحث فما طريقه فاقول طريقه ان يشغل نفسه بالعبادة وقراءة القرآن والذكر وان لم يقدر فيعلم اخر لايناسب هذا الجنس من لغة او نحو او حساب او طب او فقه فان لم يمكنه فبحرفة او صناعة ولو الحراثة او الحياكة فان لم يقدر فبلعب او لهو فان لم يقدر فيحدث نفسه هول القيامة والحشر والنشر والحساب وكل ذلك خير له من الغوص فى هذا البحر البعيد عمقه العظيم خطره وضرره بل لو اشتغل العامى باللهو لابالعبادات البدنية ربما كان اسلم له من ان يخوض فى البحث عن معرفة الله تعالى فان ذلك عاقبته الفسق وهذا عاقبته الشرك فان الله لايغفر ان يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء فان قلت العامى اذا لم تستكن نفسه الى الاعتقادات الدينية الا بدليل فهل يجوز ان يذكر له الدليل فان جوزت ذلك فقد رخصت له فى التفكر والنظر واى فرق بين هذا النظر وغيره وان منعت منه فكيف تمنعه ولا يتم ايمانه الا به فالجواب انى اجوز له ان يسمع الدليل على معرفة الخالق ووحدانيته وعلى صدق الرسول وعلى اليوم الآخر وان لا يمارى فيه الامراء ظاهرا ولا يتفكر فيه الا تفكرا سهلا جليا ولا يمعن فى التفكر ولا يوغل فيه غاية الايغال فى البحث وادلة هذه الامور الاربعة مذكورة فى القرآن وهى قريب من خمسمائة جمعناها فى جواهر القرآن فلا ينبغى ان يزاد عليه فان قبل هذه هى الادلة ولا يمنعون عنها وكل ذلك يدرك بنظر العقل وتأويله فان فتح للعامى فى باب النظر فليفتح مطلقا او يسد مطلقا بطريق النظر وليكلف ليقلد من غير نظر فالجواب ان الادلة تنقسمالى ما يحتاح فيه الى تفكر وتدقيق خارج عن تدقيق العامى وقدرته والى ماهو جلى سابق الى الافهام ببادئ الرأى واقل النظر بل يشترك كافة الناس بسهولة لاخطر فيه وما يفتقر الى التدقيق فليس على قدم وسعة فادلة القرآن مثل الغذاء ينتفع به كل انسان وادلة المتكلمين مثل الدواء ينتفع به آحاد الناس ويستضر به الاكثرون بل ادلة القرآن كالماء ينتفع به الصبى والرجل القوى وسائر الادلة كالاطعمة التى ينتفع بها الاقوياء مرة ويمرضون بها اخرى ولا ينتفع بها الصبيان اصلا ولهذا قلنا ان ادلة القرآن ايضا ينبغى ان يصغى اليها اصغاءه الى كلام جلى ولا يمارى فيه الامراء ظاهرا ولايكلف نفسه تدقيق الفكر وتحقيق النظر وما احدثه المتكلمون من تفسير وسؤال وتوجيه اشكال ثم اشتغاله بحله فهو بدعة وضرره فى حق عموم الخلق ظاهر فهذا الذى ينبغى ان يتوقى والدليل على تضرر الخلق به المشاهدة والتجربة وما ثار من الفتن بين الخلقق منذ نبغ المتكلمون وفشا صناعة الكلام مع سلامة العصر الاول عن مثل ذلك ودليله انهم ما خاضوا في ذلك ولا سلكوا مسلك المتكلمين فى تقسيماتهم وتدقيقاتهم لا لعجز منهم عن ذلك ولو علموا ان ذلك نافع لاطنبوا فيه وخاضوا فى تحرير الادلة خوضا يزيد على خوضهم فى مسائل الفرائض (فقس عقيدة اهل الصلاح) والرشد (والنفى من عوام الناس) وطائعها (بعقيدة المتكلمين والمجادلين) اى علماء الكلام والجدل (فترى اعتقاد العامى) منهم (فى@ الثبات) والرسوخ (كالطود الشامخ) اى الجبل العالى الذى (لا تحركه الدواهى) اى الشدائد (والصواعق) جمع صاعقة (و) ترى (عقيدة المتكلم الحارس اعتقاده بتقسيمات الجدل) وانواعه بالادلة العقلية الجدلية (كخيط مرسل فى الهواء تفيئه) اى تحركه (الريح) وفى نسخة لرياح (مرة هكذا ومرة هكذا) فأمره الى غاية الضعف (الا من سمع منهم دليل الاعتقاد فتلقفه) اى تلقاه وتلقنه (تقليدا كما تلقف نفس الاعتقاد) كذلك (تقليدا ولا فرق فى التقليد بين تعلم الدليل أو تعلم) نفس (المدلول) الذى اقيم عليه ذلك الدليل (فتلقين الدليل شئ والاستقلال ........... ) والبحث فيه (شئ آخر بعيد عنه) وهذا ظاهر (ثم الصبى اذا وقع نشؤه) اى مبدأ حاله (على هذه العقيدة) وتمكنت من قلبه (ان اشتغل بكسب الدنيا) كالتجارة والفلاحة وغيرهما من الصنائع والحرف (لم ينفتح له غيرها) لعدم انتقاله منها الى حالة اخرى منها (ولكنه سلم فى الآخرة) عن المؤاخذة والمعاتبة (باعتقاد الحق) المطابق للواقع اشار لذلك غير واحد من الائمة (اذ لم يكلف الشرع اجلاف العرب) من اهل البوادى (اكثر من التصديق الجازم) القاطع (بظاهر هذه العقيدة) ثم تم (فاما البحث والتفتيش) وامعان النظر واجالة الفكر (وتكلف نظم الادلة) وتنسيق البراهين (فلم يكلفوه اصلا) ومن شاهد احوال الأولين انكشف له الامر قال المصنف فى الاملاء اعلم ان اهل الاعتقاد المجرد عن تحصينه بالعلم وتوثيقه بالادلة ينقسمون من وجه على ثلاث حالات الاولى ان يعتقد احدهم جميع اركان الايمان على ما يكمل عليه فى الغالب لكنه على طريق التقليد الثانية ان لايعتقد الا بعض الاركان مما فيه خلاف اذا انفرد ولم ينضاف اليه فى اعتقاده سواء هل يكون به مؤمنا او مسلما مثل ان يعتقد وجود الواحد فقط او يعتقد انه موجود حى لا غير وأمثال هذه التقريرات ويخلو عن اعتقاد باقى الصفات خلوا كاملا لا يعتقد فيها حقا ولا باطلاالثالثة ان يعتقد الوجود كما قلناه او الوجود والوحدانية والحياة وفى باقى الصفات على مالا يوافق الحق بما هو بدعة او ضلالة وليس بكفر صراح والذى يدل عليه العلم ويستنبط من ظواهر الشرع ان ارباب الحالة الاولى والله اعلم على سبيل نجاة ووصف ايمان واسلام واما اهل الحالة الثانية فالمتقدمون من السلف لم يشتهر عنهم فى صورة هذه المسئلة ما يخرج صاحب هذه العقيدة عن حكم الايمان والاسلام والمتأخرون متخلفون وكثير خاف ان يخرج من اعتققد وجود الله تعالى واظهار الاقرار به ونبيه صلى الله عليه وسلم من الاسلام ولايبعد ان يكون كثير ممن اسلم من الاحلاف والرعيان وضعفاء النساء والاتباع هذا عقده بلا مزيد عليه ولو سئلوا واستكشفوا عن الله عزوجل هل له ارادة او كلام او بقاء او ماشا كل ذلك وهل له صفات معنوية ليست هى هو ولا هى غيره ربما وجدوا يجهلون ذلك ولايعقلون وجه ما يخاطبون به وكيف يخرج من اعتقد وجود الله تعالى ووحدانيته تعالى مع الاقرار بالنبوة من حكم الاسلام والنبى صلى الله عليه وسلم قد رفع القتال والقتل عنهم فاوجب حكم الايمان والاسلام لمن قال لااله الا الله وعقد عليها وهذه الكلمة لاتقتضى اكثر من اعتقاد الوجود والوحدة فى الظاهر وعلى البديهة من غير نظر ثم سمعنا عمن قالها فى صدر الاسلام ولم يعلم بعدها الا فرائض الوضوء والصلاة وهيئات الاعمال البدنية والكف عن اذى المسلم ولم يبلغنا انهم تدارسوا علم الصفات واحوالها ولا هل الله عالم بعلم او عالم بنفسه او هو باق ببقاء او بنفسه واشباه هذه المعارف ولايدفع ظهور هذا الا معاند او جاهل بسيرة السلف وما جرى بينهم ويدل على قوة هذا الجانب فى الشرع ان من استكشف منه على هذه الحالة وتحققت منه وابى ان يذعن الى تعلم مازاد على ماعنده لم يفت احد بقتله ولا باسترقاقه والحكم عليه بالخلود فى النار عسير جدا وخطر عظيم مع ثبوت الشرع بان من قال لا اله الا الله دخل الجنة ........ المقصود منه (وان اراد ان يكون من سالكى طريق الآخرة) وقطع عنه شواغل الدنيا (وساعده) مع ذلك (التوفيق) الالهى (حتى اشتغل بالعمل) بما علمه (ولازم@ التقوى) والخشية (ونهى النفس) الامارة (عن الهوى) عن كل ما تستلذه تميل اليه (واشتغل بالرياضة) الشرعية (والمجاهدة) المعنوية (انفتحت له ابواب) وطرق (من الهداية) ما (تكشف عن حقائق) هذه (العقيدة) وتفصح عن رموزها واسرارها (بنور الهى يقذف فى قلبه بسبب) تلك (المجاهدة تحقيقا لوعده تعالى) السابق (اذ قال) فى كتابه العزيز (والذين جاهدوا فينا) اى اعداءهم لاجلنا (لنهديهم سبلنا) اى الطرق الموصلة الينا (وان الله لمع المحسنين) بالنصر والاعانة والتوفيق وقد تقدم اقسام الجهاد وما يتعلق بهذه الآية فى كتاب العلم (وهو الجوهر النفيس الذى هو غاية ايمان الصديقين والمقربين) اما المقربون فهم ارباب المقام الثالث فى التوحيد وهؤلاء رأوا علامة الحدوثفى المخلوقات لائحة وعاينوا حالات الافتقار الى الله عز وجل واضحة وسمعوا جميعها تدل على التوحيد راشدة ناصحة ثم رأوا الله عزوجل بايمان قلوبهم وشاهدوه بغيب ارواحهم ولاحظوا جلاله جماله بخفى اسرارهم وهم مع ذلك فى درجات القرب على قدر حظ كل واحد منهم فى اليقين وصفاء القلب واما الصديقون فهم اهل المرتبة الرابعة فى التوحيد وهؤلاء رأوا الله عزوجل ثم رأوا الاشياء بعد ذلك فلم يروا فى الدار من غيره ولا اطلعوا فى الوجود على سواه والمريدون فى الغالب لابد لهم ان يحلوا فى المرتبة الثالثة وهى توحيد المقربين ومنها ينتقلون وعليها يعبرون الى المرتبة الرابعة واما المرادون فهم فى الغالب مبتدؤن بمقامهم الاخير وهى المرتبة الرابعة ومتمكنون فيها ومن اهل هذا المقام يكون القطب والاوتاد البدلاء ومن اهل المرتبة الثالثة يكون النقباء ............. والشهداء والصالحون (واليه الاشارة بالسر الذى وقر فى قلب ابى بكر الصديق رضى الله عنه حيث فضل به الخلق) لما تقدم فى كتاب العلم ما سبقكم ابو بكر بكثرة صلاة ولا بكثرة صيام ولكن بسر وقر فى صدره (انكشاف ذلك السر) الذى سبق حضرة الصديق به فى سيرة الناس هو رؤية الله وحده وعدم رؤية الاشياء قبله (بل تلك الاسرار) التى تنشأ لأرباب المقام الثالث (له درجات) متنوعة لأهله فى القرب والبعد (بحسب درجات المجاهدةو) بحسب (درجات الباطن فى النظافة والطهارة) بتفريغه (عمن سوى الله وفى الاستضاءة بنور اليقين) والمعرفة والعقل وفى عمارة السر بمشاهدة المحبوب (وذلك كتفاوت الخلق فى اسرار الطب والفقه وسائر العلوم اذ يختلف ذلك باختلاف الاجتهاد) والرياضات (واختلاف الفطرة) التى فطر عليها (فى الذكاء والفطنة) واتقاد الباطن وانقسام كل منهم فى الحالين كانقسام حفاظ القرآن مثلا فمن حافظ لبعضه ويكون ذلك البعض اكثر او كثيرا منه دون كماله ومن حافظ لجميعه لكنه متلعثم فيه ومن حافظ له ماهر فى تلاوته غير متوقف فيه (فكما لاتنحصر تلك الدرجات فكذلك هذه) وكل على قدر حظه منه بما اتيح له من الازل وبسبب اختلاف تلك الدرجات اختلفت احوالهم والحاصل مما سبق من كلام المصنف ان الصبيان والعوام لا ينبغى ان يلقنوا باكثر مما ذكر فى العقيدة المختصرة فان فيها مقنعا لهم وزجرا عن الوقوع فيما يضرهم وفى معنى العوام كل من لا يوصف بهذه الصفات وهى التجرد لطلب المعرفة والاستعداد لها والخلو عن الميل الى الدنيا والشهوات والتعصبات للمذاهب وطلب المباهاه بالمعارف والتظاهر بذكرها مع العوام كما ستأتى الاشارة اليها فى كلام المصنف فيما بعد فالحق الصريح الذى لا مراء فيه عند اهل البصائر هو مذهب السلف اعنى مذاهب الصحابة والتابعين وقد قال المصنف فى الجام العوام ان حقيقة مذهب السلف وهو الحق عندنا ان عوام الخلق يجب عليهم فى معتقدهم سبعة امور احدها التقديس ثم التصديق ثم الاعتراف بالعجز ثم السكوت ثم الكف ثم الامساك ثم التسليم لاهل المعرفة اما التقديس فاعنى به تنزيه الرب تعالى عن الجسمية وتوابعها واما التصديق فهو الايمان بما قاله صلى الله عليه وسلم وان ما ذكره حق وهو فيما قاله صادق وانه حق على الوجه الذى قاله واراده واما الاعتراف بالعجز فهو ان يقر بان معرفة مراده ليس على قدر طاقته وان@ ذلك ليس من شأنه وحرفته واما السكوت فانه لايسال عن معناه ولا يخوض فيه ويعلم ان سؤاله عنه بدعة وانه فى خوضه فيه مخاطر بدينة وانه يوشك ان يكفر ان خاض فيه من حيث لا يشعر واما الامساك فهو ان لا يتصرف فى تلك الالفاظ الواردة بالتصريف والتبديل بلغة اخرى والزيادة فيه والنقصان منه والجمع والتفريق بل لا ينطق الا بذلك اللفظ وعلى ذلك الوجه من الايراد والاعراب والتصريف والصيغة واما الكف فان يكف باطنه عن البحث عنه والتفكر والتصرف فيه واما التسليم لاهله فان يعتقد ان ذلك وان خفى عليه لعجزه فقد لا يخفى على الرسول صلى الله عليه وسلم او على الانبياء او على الصديقين والاولياء فهذه سبعة وظائف اعتقد كافة السلف وجوبها على كل العوام لا ينبغى ان يظن بالسلف الخلاف فى شئ منها (مسئلة فان قلت تعلم الجدل والكلام) هل هو (مذموم كعلم النجوم) وما يجرى مجراه (او هو مباح) لا يثاب على فعله ولا يعاقب على تركه (او) هو (مندوب اليه) ما الجواب عن ذلك (فاعلم ان للناس فى هذا) المبحث (غلوا) اى تجاوزا عن الحد (واسرافا) اى ابعادا فى المجاوزة عنه (فى اطراف فمن قائل انه بدعة) قبيحة (وحرام) لايحل الاشتغال به (وان العبد ان لقى الله بكل ذنب سوى) وفى نسخة ماخلا (الشرك خير له من ان يلقاه بالكلام) وهو قول الشافعى كما سيأتى سنده (ومن قائل انه واجب) تعلمه (وفرض اما على الكفاية) وهو قول اكثر المتأخرين من المتكلمين (او على الاعيان) وهو ابعد الاقوال فان الله سبحانه وتعالى لم يفرض على كل انسان ان يكون متكلما جدليا والقائلون بوجوبه يقولون (انه افضل الاعمال) اى الاعتقادية (واعلى القربات) الى الله تعالى (فانه تحقيق لعلم التوحيد) الذى هو متضمن على معرفة وحدانية الله تعالى بما يليق بذاته وصفاته (ونضال) اى دفاع (عن دين الله تعالى) برد شبه المخالفين وابطال براهين الزائغين والواجب العينى فى التوحيد ما يخرج المكلف من التقليد الى التحقيق واقله معرفة كل عقيدة بدليل ولو جميلا والكفائى فيه ما يقتدر معه علي تحقيق مسائله واقامة الادلة التفصيلية عليها وازالة الشبه عنها اذ يجب كفاية على اهل كل قطر يشق الوصول منه الى غيره ان يكون فيهم من هو متصف بذلك ولا يخفى ان حصول ذلك متوقف على تعلم علم الكلام (والى التحريم ذهب الائمة) الاربعة ابو حنيفة و(الشافعى ومالك واحمد بن) محمد بن (حنبل وسفيان) الثورى وابو يوسف (وجميع اهل الحديث من السلف) الصالحين (قال ابو عبد الاعلى) هكذا فى النسخ وهو يونس بن عبد الاعلى بن موسى بن ميسرة الصوفى ابو موسى المصرى الفقيه المقرى ولد سنة 170 وسمع الحديث عن ابن عيينة وابن وهب والوليد بن مسلم ومنصور بن عيسى والشافعى واختص به روى عنه مسلم والنسائى وابن ماجه وابو عوانة وابو الطاهر المدينى وخلق (سمعت الشافعى رحمه الله تعالى يقول يوما وقد ناظر حفصا الفرد وكان من متكلمى المعتزلة) قلت حفص هذا يلقب بالفرد تفقه على الامام ابى يوسف وكان من اصحابه ثم مال الى رأى المعتزلة وصار يناضل عنهم حتى صار من متكلميهم وقال الربيع كان الشافعى يقول له حفص المنفرد ولايقول الفرد (لان يلقى الله تعالى العبد بكل خطيئة ماخلا الشرك خير له من ان يلقاه بشئ من الكلام) روى هذا القول عن الامام من وجوه اخرجه ابن ابى حاتم فى كتاب المناقب له قال سمعت الربيع قال اخبرنى من سمع الشافعى يقول لان يلقى الله المرء بكل ذنب ماخلا الشرك بالله خير له من ان يلقاه بشئ من الاهواء رواه غير واحد عن الربيع انه سمع الشافعى يقول وقال ابن خزيمة سمعت الربيع لما كلم الشافعى حفصا الفرد فقال حفص القرآن مخلوق فقال له الشافعى كفرت بالله العظيم ورواه ابن ابى حاتم عن الربيع حدثنى من اثق به وكنت حاضرا فى المجلس فساقه (ولقد سمعت من حفص كلاما ما اقدر ان احكيه) وهو قوله ان القرآن مخلوق (وقال ايضا قد اطلعت من اهل الكلام على شئ ما ظننته قط) اخرجه اللالكائى من رواية عبد الرحمن بن ابى حاتم حدثنا يونس بن عبد الاعلى قال قال لى @ الشافعى تعلم ياابا موسى لقد اطلعت من اصحاب الكلام على شئ ما ظننت ان مسلما يقول ذلك (لان يبتلى العبد بكل ما نهى الله عنه ماعدا الشرك خير له من ان ينظر فى الكلام) اخرجه اللالكائى من رواية ابى نعيم عبد الملك بن محمد الجرجانى يقول سمعت الربيع يقول سمعت الشافعى يقول وناظره رجل من اهل العراق فخرج الى شئ من الكلام فقال هذا من الكلام دعه قال وسمعت الشافعى يقول لان يبتلى الله المرء بكل ذنب نهى الله عنه ماعدا الشرك به خير له من الكلام (وحكى) الحسين ابن على ابو على (الكرابيسى ان الشافعى سئل عن شئ من الكلام فغضب وقال سل عنه هذا يعنى حفصا لفرد واصحابه اخزاهم الله) وكان الكرابيسى من متكلمى اهل السنة استاذا فى علم الكلام كما هو استاذ فى الحديث والفقه وكان الامام احمد يتكلم فيه بسبب مسئلة اللفظ وهوايض كان يتكلم فى احمد لذلك تجنب الناس الاخذ عنه (و) يروى انه (لما مرض الشافعى دخل عليه حفص الفرد وقال من انا قال حفص الفرد لاحفظك الله ولا رعاك حتى تتوب مما انت فيه) اى من القول بخلق القرآن واخرج اللالكائى فى السنة من رواية محمد بن يحيى بن آدم المصرى اخبرنا الربيع قال سمعت ابا شعيب قال حضرت الشافعى وحفص الفرد سأل الشافعى فاحتج عليه بان كلام الله غير مخلوق وكفر حفص المنفرد قال الربيع ولقيته فقال اراد الشافعى قتلى (وقال ايضا لو علم الناس ما فى الكلام من الاهواء لفروا منه فرارهم من الاسد) رواه محمد بن عبدالله بن عبد الحكم قال سمعت الشافعى يقول فساقه الا انه قال فى الاهواء بدل من الاهواء هكذا هو فى نسخة ابن كثير واخرج اللالكائى من رواية عبد الرحمن بن ابى حاتم قال قال الحسن بن عبد العزيز الجروى قال كان الشافعى ينهى النهى الشديد عن الكلام فى الاهواء ويقول احدهم اذا خالفه صاحبه قال كفرت والعلم فيه انما يقال اخطات وقال ابن كثير قال محمد ابن اسماعيل الكرابسى يقول قال الشافعى كل متكلم على الكتاب والسنة فهو الجد وما سواه فهو هذيان (وقال ايضا اذا سمعت الرجل يقول الاسم هو المسمى او غير المسمى فاشهد بانه من اهل الكلام ولا دين له) اخرجه بن عبد البر فى كتاب العلم ولفظه قال يونس بن عبد الاعلى سمعت الشافعى يقول اذا سمعتم الرجل يقول الاسم غير المسمى او الاسم المسمى فاشهدوا عليه انه من اهل الكلام ولادين له قال ابن السبكى وهذا وامثاله مما روى فى ذم الكلام وقد روى ما يعارضه وللحافظ ابن عساكر فى التبيين على امثاله هذه الكلمة كلام لامزيد على حسنه (وقال الزعفرانى) هو الحسن بن محمد ابن الصلاح ابو على البغدادى (قال الشافعى حكمى فى اصحاب الكلام ان يضربوا بالجريد) اى جريد النخل تعزيزا (ويطاف بهم فى العشائر والقبائل ويقال هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة واخذ فى الكلام) وهذا قد رواه ايضا ابو ثور عن الشافعى الا انه فيه واقبل على الكلام مكان واخذ فى الكلام واخرجه الخطيب فى شرف اصحاب الحديث من رواية زكريا بن يحيى البصرى حدثنا محمد بن اسماعيل سمعت ابا ثور والحسين بن على يقولان سمعنا الشافعى يقول فساقه وزاد بعد قوله بالجريد ويحملوا على الابل وقال ابو نعيم بن عدى وغيره قال داود بن سليمان عن الكرابيسى سمع الشافعى يقول حكمى فى اهل الكلام حكم عمر فى ضبيغ واخرج اللالكائى من رواية احمد بن اصرم المعقلى قال قال ابو ثور سمعت الشافعى يقول ماتردى احد بالكلام قد افلح واخرج ايضا من رواية ابن ابى حاتم حدثنا الربيع قال رأيت الشافعى وهو نازل من الدرجة وقوم فى المسجد يتكلمون بشئ من الكلام فصاح فقال اما ان تجاورونا بخير واما ان تقوموا عنا فهذه الآثار وغيرها دالة على ان الشافعى كان شديد النهى عن علم الكلام (وقال احمد بن) محمد بن (حنبل) الشيبانى رحمه الله تعالى (لايفلح صاحب الكلام ابداولاتكاد ترى احدا نظر فى) علم (الكلام الا وفى قلبه غل) وهو تدرع الخيانة والعداوة (وبالغ فيه) اى فى ذمه (حتى هجر الحرث بن اسد بن عبدالله المحاسبى) شيخ الجنيد (مع زهده وورعه) وتقواه وجمعه بين @ علمى الظاهر والباطن (بسبب تصنيفه كتابا فى الرد على المبتدعة) من المعتزلة والرافضة فان الامام احمد كان يشدد النكير على من يتكلم فى علم الكلام خوفا ان يجر ذلك الى ما لا ينبغى ولاشك ان السكوت عنه ما لم تدع اليه الحاجة اولى والكلام فيه عند فقد الحاجة بدعة وكان الحرث قد تكلم فى مسائل من علم الكلام قال ابو القاسم النصر اباذى بلغنى ان الامام احمد هجره بهذا السبب وقال له الامام احمد لما انكر عليه تلك المقالات واجابه الحرث بانه انما ينصر السنة ويرد على البدعة (ويحك ألست تحكى بدعتهم اولا) اى اقوالهم التى احدثوهابدلائلها وبراهينها (ثم ترد عليهم) بعد ذلك بنقض ادلتها (ألست تحمل الناس بتصنيفك) هذا (على مطالعة) اقوال (البدع) والتفكر فى تلك الشبهات (فيدعوهم فعلهم ذلك الى) احداث (الرأى) فى الدين (والبحث) فى مسائل الاعتقاد فكأنه قصد بذلك سد هذا الباب رأسا وكل منهما من رؤساء الائمة وهداه هذه الامة والظن بالحرث انه انما تكلم حيث دعت الحاجة ولكل مقصد والله يرحمهما (وقال احمد ) ايضا (علماء الكلام زنادقة) قال صاحب البارع زنديق وزنادقة وزنادق وزناديق وليس ذلك من كلام العرب فى الاصل وقال الازهرى زندقة الزنديق انه لايؤمن بالآخرة ولا بوحدانية الخالق وقال غيره المشهور ان الزنديق هو الذى لا يتمسك بشريعة ويقول بدوام الدهر وتعبر العرب عن هذا بقولهم ملحد اى طاعن فى الاديان (وقال مالك) بن انس الامام (ارايت ان جاء من هو اجدل منه) اى اكثر جدلا (ايدع دينه) الذى اعتقده (كل يوم لدين جديد يعنى ان اقوال المتجادلين تتقاوم) اى فلا يعتمد على تلك الاقوال لكونها فى معرض الازالة بما هو اقوى واخرج اللالكائى فى السنة من رواية الحسن بن على الحلوانى قال سمعت اسحق بن عيسى يقول قال مالك بن انس كلما جاءنا رجل اجدل من رجل تركنا مانزل به جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم لجدله واخرج من رواية محمد بن حاتم بن بزيع قال سمعت ابن الطباع يقول جاء رجل الى مالك بن انس فسأله عن مسئلة فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا فقال ارايت لو كان كذا قال مالك فليحذر الذين يخالفون عن امره ان تصيبهم فتنة او يصيبهم عذاب اليم قال وقال مالك او كلما جاء رجل اجدل من رجل اخر رد ما انزل جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم واخرج ايضا من رواية القضى عن مالك قال مهما تلاعبت به من شئ فلا تلاعبن بامر دينك (وقال مالك) ايضا (لا تجوز شهادة اهل البدع والاهواء) اذا كانت بدعتهم تحمل على الكفر والخروج من الدين وفى كتاب معين الحكام لابن عبد الرفيع من المالكية وقع فى البسوط من قول عبد الله بن وهب انه لاتجوز شهادة القارئ على القارئ لانهم اشد الناس تحاسدا وتباغضا ولعل هذا الذى رواه ابن وهب هو الذى اقتضاه قول مالك (فقال بعض اصحابه فى تاويله انه اراد باهل الاهواء) والبدع (اهل الكلام على اى مذهب كانوا) اى لما ينشأ منه من التحاسد والتباغض والعصبية والاغراض الفاسدة وهذا الذى ذكره المصنف من السياقين انما دلالتهما على المقصود بطريقق المفهوم كما لا يخفى وقد قال اللالكائى فى كتاب السنة قال مصعب بلغنى عن مالك بن انس انه كان يقول الكلام فى الدين كله اكرهه ولم يزل اهل بلدنا يعنى اهل المدينة ينهون عن الكلام فى الدين ولااحسب الكلام الا فيما كان تحته عمل واما الكلام فى الله فالسكوت عنه (وقال ابو يوسف) يعقوب بن ابراهيم القاضى الانصارى وهو الامام المقدم من اصحاب الامام ابى حنيفة (من طالب العلم بالكلام تزندق) اخرجه اللالكائى فى السنة فقال اخبرنا احمد بن محمد بن ميمون النهر سابسى بها حدثنا ابو بكر احمد بن محمد بن موسى الخطيب اخبرنا ابو جعفر بن ابى الدسيك قال سمعت بشر بن الوليد الكندى يقول سمعت ابا يوسف يقول من طلب المال بالكيمياء افلس ومن طلب الدين بالكلام تزندق واورده الذهبى فى تاريخ والخطيب فى شرف اصحاب الحديث من رواية بشر بن الوليد بزيادة من تتبع غريب الحديث كذب (وقال الحسن) بن يسار ابو سعيد البصرى (لاتجالسوا اهل الاهواء) يعنى اهل البدع (ولاتجادلوهم) اى لاتفتحوا لهم باب المجادلة فى الدين@ (ولا تسمعوا منهم) اى مقالاتهم فكل من ذلك مضر (وقد اتفق اهل الحديث) من السلف الصالحين (على هذا) الذى ذكر من ذم علم الكلام والنهى عن الاشتغال به واجمعوا عليه (ولاينحصر مانقل عنهم من التشديدات) والتهديدات (فيه وقالوا) مستدلين بان (ما سكت عنه الصحابة) رضوان الله عليهم (مع انهم اعرف بالحقائق) اللغوية والشرعية (وافصح بترتيب الالفاظ) بعضها مع بعض (من غيرهم) ممن اتى بعدهم (الا لعلمهم بما يتولد منه من الشر) فمن ذلك ما اخرجه اللالكائى فى السنة من رواية يونس بن عبد الاعلى حدثنا ابن وهب اخبرنا عبدالله بن محمد بن زياد ومالك بن انس عن ابى الزناد عن الاعرج عن ابى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذرونى ما تركتكم فانما اهلك الذين من قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على انبيائهم فما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما امرتكم به فاتوا منه ما استطعتم اخرجه البخارى من رواية مالك ومسلم من رواية سفيان عن ابى الزناد واخرج من رواية ابى العوام عن قتادة ومن الناس من يجادل فى الله بغير علم قال صاحب بدعة يدعو الى بدعته (ولذلك قال النبى صلى الله عليه وسلم هلك المتنطعون هلك المتنطعون ثلاث مرات) هكذا اخرجه مسلم فى القدر من صحيحه قال قال ذلك ثلاثا واخرجه الامام احمد فى القدر ايضا وابو داود فى السنة وليس عندهما ذكره ثلاث مرات كلهم عن ابن مسعود رضى الله عنه رفعه (اى المتعمقون) المتقعرون (فى البحث والاستقصاء يقال تنطع الرجل اذا تنطس فى عمله قال الزمخشرى فى الفائق اراد النهى عن التمادى والتلاحى فى القراآت المختلفة وان مرجعها الى واحد من الحسن والصواب اه وقال النووى فيه كراهة التقعر فى الكلام بالتشدق وتكلف الفصاحة واستعمال وحشى اللغة ودقائق الاعراب فى مخاطبة العوام ونحوهم اه وقال غيره المراد بالحديث الغالبون فى خوضهم فيما لا يعنيهم وقيل المتعنتون فى السؤال من عويص المسائل التى يندر وقوعها وقيل المبالغون فى العبادة بحيث تخرج عن قوانين الشريعة ويسترسل مع الشيطان فى الوسوسة وقال الحافظ ابن حجر قال بعض الائمة التحقيق ان البحث عما لايوجد فيه نص قسمان احدهما ان يبحث فى دخوله فى دلالة النص على اختلاف وجوهها فهذا مطلوب لا مكروه بل ربما كان فرضا على على من تعين عليه الثانى ان يدقق النظر فى وجوه الفروق فيفرق بين المتماثلين بفرق ولا اثر له فى الشرع مع وجود وصف الجمع او بالعكس بأن يجمع بين منتفرقين بوصف طردى مثلا فهذا الذى ذمه السلف وعابه وعليه ينطبق خبر هلك المتنطعون فرأوا ان فيه تضييع الزمان بما لا طائل تحته ومثله الاكثار من التفريغ على مسئلة لا اصل لها فى كتاب ولا سنة ولا اجماع وهى نادرة الوقوع فيصرف فيها زمنا كان يصرفه فى غيرها اولى سيما ان لزم منه اغفال التوسع فى بيان ما يكثر وقوعه واشد منه البحث عن امور معينة ورد الشرع بالايمان بها مع ترك كيفيتها ومنها ما يكون له شاهد فى عالم الحس كالسؤال عن الساعة والروح ومدة هذه الامة الى امثال ذلك مما لا يعرف ذلك الا بالنقل الصرف واكثر ذلك لم يثبت فيه شئ فيجب الايمان به بغير بحث (واحتجوا ايضا بان ذلك لو كان من) جملة (الدين لكان ذلك اهم ما يأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم) اصحابه اذ هو مأمور بتبليغ امور الدين (ويعظم طريقه) الموصل اليه (ويثنى على اربابه) اى حملته وفى نسخة عليه وعلى اربابه (فقد علمهم الاستنجاء) فيما اخرجه مسلم فى صحيحه عن سلمان رضى الله عنه (وندبهم الى علم الفرائض) فيما اخرجه ابن ماجة والحاكم والبيهقى عن ابى هريرة رضى الله عنه تعلموا الفرائض وعلموه الناس فانه نصف العلم وهوينسى وهو اول شئ ينزع من امتى قال الحافظ الذهبى فيه حفص بن عمر بن ابى العطاف واه بمرة وقال ابن حجر الحافظ مداره على حفص وهو متروك وقال البيهقى تفرد به حفص وليس بقوى وفى رواية فانه من الدين واخرج احمد والترمذى والنسائى والحاكم وصحيحه بلفظ تعلموا الفرائض وعلموها الناس فانى امرؤ مقبوض وان العلم سيقبض حتى يختلف اثنان فى الفريضة فلا يجد ان من يفصل بينهما قال الحافظ فى الفتح رواته موثقون الا انه اختلف فيه على عوف@ الاعرابى واخرج الترمذى من حديث انس وافرضهم زيد بن ثابت (واثنى عليهم) حيث قال خير الناس قرنى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم وقال فى افتراق الامم الناجية منهم واحدة فقيل من هم فقال ما انا عليه واصحابى (ونهاهم عن الكلام فى القدر وقال امسكوا) فيما اخرجه الطبرانى فى الكبير عن ابن مسعود وعن ثوبان وابن عدى فى الكامل عن عمر بن الخطاب رفعوه اذ اذكر اصحابى فامسكوا اذ اذكرت النجوم فامسكوا واذ اذكر القدر فامسكوا اى لما فى الخوض فى الثلاثة من المفاسد التى لا تحصى وقدم هذا الحديث فى كتاب العلم واشبعنا الكلام عليه من جهة الصناعة الحديثية قال البغوى القدر سر الله لم يطلع عليه ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا لايجوز الخوض فى البحث عنه من طريق العقل بل يعتقد انه تعالى خلق الخلق فجعلهم فريقين اهل يمين جعلهم للنعيم فضلا واهل شمال خلقهم للجحيم عدلا (وعلى هذا استمر الصحابة) رضى الله عنهم يروى انه سأل رجل عليا كرم الله وجهه عن القدر فقال طريق الظلم لاتسلكه فاعاد فقال بحر عميق لاتلجه فاعاد فقال سر الله قد خفى عليم لا تفتشه (فالزيادة على الاسناذ) بضم الهمزة وآخره ذال معجمة رئيس الصنعة اعجمى اشتهر استعماله فى الشيخ الكامل (طغيان) وتجاوز عن الحد (وظلم) اى وضع فى غير موضعه (وهم) اى الصحابة رضى الله عنهم (الاستاذون) الكاملون (والقدوة) لمتبعيهم (ونحن الاتباع التلامذة) جمع تلميذ بالكسر قيل اعجمى معرب وقيل اصله من التلم وهو شق الارض ووضع البذر فيها لينبت وبالجملة فعلم الكلام والجدل كما افصح عنه المصنف فى املائه على هذا الكتاب انه علم لفظى واكثره احتمال وهمى وهو عمل النفس وتخليق الفهم وليس بشدة المشاهدة والكشف ولاجل هذا كان فيه الثمين والغث وشاع فى حال المناضلة فيه ايراد القطعى وما هو فى حكمه من غلبة الظن وابداء الصحيح والزام مذهب الخصم وسياتى لذلك زيادة ايضاح قريبا ان شاءالله تعالى (واما الفرقة الاخرى) القائلون بوجوب الاشتغال به (احتجوابات المحذور) اى الممنوع (من الكلام) وما يتعلق به (ان كان هو فى لفظ الجوهر والعرض) والهيولى والماهية والتحيز (وهذه الاصطلاحات الغريبة) كالموضوع والمحمول وهذا مركب من الشكل الفلانى والملازمة ممنوعة والصغرى والكبرى والمقدمة والنتيجة (التى لم يعهدها الصحابة) رضوان الله عليهم ولا التابعون لهم باحسان (فالامر قريب) اى سهل (اذ ما من علم الا وقد احدث فيه اصطلاحات لاجل التفهيم) والتعليم (كالحديث والتفسير والفقه) واصول كل من ذلك (فلو عرض عليهم عبارة النقض والكسر والتركيب والتعديد وفساد الوضع) وما اشبه ذلك (لما كانوا يفهمونه) اذ لم يعهدوا ذلك ولا الفوه (فاحداث عبارة للدلالة بها على مقصود صحيح) لاينكر (كاحداث آنية على هيئة جديدة) لم تسبق (لاستعمالها فى مباح) شرعى (وان كان المحذور هو المعنى) المقصود لذاته (فنحن لانعنى به الا معرفة الدليل على حدوث العالم ووحدانية الخالق جل وعز و) معرفة (صفاته كما جاء به الشرع فمن اين تحرم معرفة الله تعالى بالدليل) بل هو مطلوب بهذا الوجه (وان كان المحذور هو التشعب) اى المخاصمة ورفع الاصوات (والتعصب) فى ذلك (والعداوة والبغضاء وما يفضى اليه الكلام) من الزام مذهب الخصم وتكثير الآراء الوهمية فيه (فلذلك محرم) اتفاقا لا نقول بجوازه فى حال من الاحوال بل (يجب الاحتراز منه) والاجتناب عنه (كما ان الكبر والرياء وطلب الرياسة) والتكالب عليها (ايضا مما يفضى اليه علم الحديث والتفسير والفقه وهو محرم ايضا يجب الاحتراز منه ولكن لا يمنع عن العلم) والاشتغال به والسعى فى تحصيله (لاجل ادائه اليه) وكونه مفضيا اليه وقد الم بهذا البحث ابو الوفاء اليوسى فى شرحه على الكبرى تحقيقا لمطلوبه الذى هو ان العلوم كلها وسائل الى المقصود لايقال فيها مذموم ولا محرم ومن جرء بعضها فليحرم جميعها والا فمن اين التخصيص ومن انكر ان يكون بعض ذلك وسيلة فالعيان يكذبه فقال ولما تكاثرت الاهواء والبدع وافترقت الامة على فرق وعظمت على الحق شبه المبطلين انتهض علماء الامة الى مناضلتهم باللسان كمناضلة السلف بالسنان فاحتاجوا الى مقدمات كلية @ وقواعد عقلية واصطلاحات واوضاع يجعلونها على النزاع وينطقون بها مقاصد القوم عند الدفاع فدونوا ذلك وسموه علم الكلام واصول الدين ليكون بازاء اصول الفقه ثم قال فان قيل ان الكلام والمنطق مبتدعان وكل بدعة يجب اجتنابها قلنا لانسلم ان كل بدعة تجتنب اذ منها ما يستحسن ولو سلمناها فغيرهما من العلوم كالحساب والطب والتنجيم وصناعتى الاصول والحديث والادب ونحوها كذلك فان قال السلف كانوا يحسبون ويعالجون ويجتهدون ويحدثون وانما احدث فى هذه الصناعة الالقاب قلنا وكذلك كانوا يفسرون ويستدلون ويعللون ولا معنى للمنطق الا هذا كيف وهو الذى فى الطباع مركوز ولا ينفك عنه عاقل فمن حرمه اما ان يحرمه لكونه ..... حراما بوجه اخر فان اراد الاول قلنا لا نسلم ان مركوزيته توجب حصوله وعدم الفائدة فى تعلمه اذ النفس غافلة حتى تتنبه والمركوز انما هو العقل الفطرى والوجدان حاكم بأن النفس خالية عن العلوم بل وعن الاستعداد حتى تشحذ بالقوانين نعم لاننكر ان يكون ذو فطرة سليمة لايحتاج الى تعلمه كالعربى المستغنى عن تعلم العربية فان زعم هذا المنكر ان فطرته هكذا لايحصل له ان يقبس سائر العقول بعقله ولا ان يسد الباب على غيره اذ وجد انه لا ينهض دليلا على ما اراد وان اراد الثانى قلنا ما وجه حرمته فان قال لكونه بدعة قلنا تقدم جوابه وان كان لشئ اخر فعليه بيانه اه كلام اليوسى اما ادعاؤه ان العلوم كلها نافعة ووسائل الى المقصود فهو على الاطلاق غير متجه كما سياتى بيانه فى سياق المصنف فان فيه مقنعا واما غلوه فى الثناء على المنطق وكونه مركوزا فى الطباع السليمة فعجيب وتقدم ما يتعلق به فى شرح كتاب العلم عند ذكر العلوم المحمودة والمذمومة ما يغنى عن اعادته هنا وانما اوردنا كلامه هنا لمناسبته مع كلام الفرقة الثانية بان علم الكلام غاية ما فيه ذكر الحجة والمطالبة بالدليل والنقض والمنع (وكيف يكون ذكر الحجة والمطالبة والبحث عنها محظورا) اى ممنوعا (وقد قال) الله (تعالى) فى كتابه العزيز (قل هاتوا برهانكم) ان كنتم صادقين فطلب منهم البرهان (وقال عزوجل ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حى عن بينة) فجعل الهلاك الذى هو كناية عن الانهزام والمغلوبية والحياة التى هى كناية عن الظفر بالغلبة مقصورين على البينة (وقال تعالى فلله الحجة البالغة) اى الكافية او المنتهية فى التوكيد والبلاغ وقيل المراد بالحجة هنا الكلام المستقيم (وقال تعالى الم تر الى الذى حاج ابراهيم فى ربه) اى خاصمه فيه بطلب الاحتجاج على ربوبيته جل وعز (الى قوله فبهت الذى كفر) اى الآيات بتمامها والبهت والتحير والدهش والمراد هنا انقطاع الحجة (اذ ذكر احتجاج ابراهيم ) عليه الصلاة والسلام (ومجادلته وافحامه) اى اسكاته (خصمه) وهو النمروذ ملك زمانه وكان يدعى الالهية (فى معرض الثناء عليه) والمدح له واعلم ان لإبراهيم عليه السلام فى الاحتجاج مقامات احدها مع نفسه وهو قوله تعالى فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربى الى اخر الاية وهذه طريقة المتكلمين فانه استدل بافولها وتغيرها على حدوثها ثم استدل بحدوثها على وجود محدثها وثانيها حاله مع ابيه وهو قوله ياابت لم تعبد ما لايسمع ولا يبصر الى اخر الايات وثالثها حاله مع قومه تارة بالقول وتارة بالفعل اما القول فهو قوله ما هذه التماثيل التى انتم لها عاكفون واما الفعل فقوله فجعلهم جذاذا الا كبيرا لهم ورابها حال مع ملك زمانه وهو الذى ذكره المصنف ثم انه عليه السلام لما استدل بحدوثها على وجود محدثها كما اخبر الله تعالى عنه فى قوله ياقوم انى برئ مما تشركون انى وجهت وجهى للذى فطر السموات والارض عظم شأنه بذلك (وقال وتلك حجتنا آتيناها ابراهيم على قومه) نرفع درجات من نشاء فهذه رفعة بعلم الحجة (وقال تعالى) حكاية عن الكفار انهم (قالوا يانوح قد جادلتنا فاكثرت جدالنا) ومعلوم ان مجادلة الرسول مع الكفار لاتكون فى تفاصيل الاحكام الشرعية فلم يبق الالنها كانت فى التوحيد والنبوة (وقال تعالى فى قصة) موسى عليه السلام ومباحثته مع (فرعون) قال (ويارب العالمين الى قوله اولو جئتك بشئ مبين) واعلم ان موسى عليه السلام ما كان يقول فى@ الاستدلال زيادة على دلائل ابراهيم عليه السلام وذلك لانه حكى الله تعالى عنه فى سورة طه ان فرعون قال له ولهرون فمن ربكما ياموسى قال ربنا الذى اعطى كل شئ خلقه ثم هدى وهذا هو الدليل الذى ذكره ابراهيم عليه السلام حيث قال الذى خلقنى فهو يهدين ثم حكى الله تعالى عن موسى فى الشعراء انه قال لفرعون ربكم ورب آبائكم الاولين وهذا هو الذى عول عليه ابراهيم عليه السلام فى قوله ربى الذى يحيى ويميت فلما لم يكتف فرعون بذلك طالبه بدليل اخر قال موسى رب المشرق والمغرب وهذا هو الذى عول عليه ابراهيم عليه السلام فى قوله فان الله يأتى بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب ثم ان موسى عليه السلام لما فرغ من تقرير دلائل التوحيد ذكر بعد دلائل النبوة فقال اولو جئتك بشئ مبين وهذا يدل على انه عليه السلام فرع بيان النبوة على بيان التوحيد والمعرفة فان قيل ابراهيم وموسى عليهما السلام قدما دلائل النفس على دلائل الافلاك فان ابراهيم عليه السلام قال اولا ربى الذى يحيى ويميت ثم قال فان الله يأتى بالشمس من المشرق وموسى عليه السلام قال اولا ربكم ورب آبائكم الاولين ثم قال رب المشرق والمغرب فلم عكس سيدنا سليمان عليه السلام هذا الترتيب فقدم دلائل السموات على دلائل النفس فقال الذى يخرج الخبءفى السموات والارض قلنا ان ابراهيم وموسى عليهما السلام كان مناظرتهما مع من ادعى الهية البشر فان نمروذ وفرعون كل واحد منهما كان يدعى الالهية فلا جرم انهما عليهما السلام ابتدآ بابطال الهية البشر ثم انتقلا الى ابطال الهية الافلاك والكواكب واما سليمان عليه السلام فانه كان مناظرته مع من يدعى الهية الشمس فان الهدهد قال رأيتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله فلا جرم ابتدأ بذكر السموات ثم ذكر الارضيات ثم لما تمم دلائل التوحيد قال بعده لا اله الا هو رب العرش العظيم ثم ان المصنف ذكر البرهان والبينة والحجة وفى معناها السلطان وقد سمى الله الحجة العملية سلطانا قال ابن عباس كل سلطان فى القرآن فهو حجة كقوله تعالى ان عندكم من سلطان بهذا اى ماعندكم من حجة بما قلتم وقوله تعالى ماانزل الله بها من سلطان اى حجة ولا برهانا بل من تلقاء انفسكم وقوله تعالى ام لكم سلطان مبين يعنى حجة واضحة وانما سمى علم الحجة سلطانا لانها توجب تسلط صاحبها واقتداره فله بها سلطان على الجاهلين بل سلطان العلم اعظم من سلطان الجهل ولهذا ينقاد الناس للحجة مالا ينقادون لليد فان الحجة تنقاد لها القلوب ومن لم يكن له اقتدار فى عمله فهو اما لضعف حجته وسلطانه واما لقهر سلطان اليد والسيف له والا فالحجة ناصرة نفسها ظاهرة على الباطل قاهرة له والفرق بين الحجة والبينة هو ان الحجج هى الادلة العلمية التى يعقلها القلب وتسمع بالآذان والحجة هى اسم لما يحتج به من حق وباطل واذا اضيفت الى الله فلا تكون الا حجة حق وقد تكون بمعنى المخاصمة كقوله تعالى لا حجة بيننا وبينكم اى قد ظهر الحق واستبان فلا خصومة بيننا بعد ظهوره ولا مجادلة فان الجدال شريعة موضوعة للتعاون على اظهار الحق فاذا ظهر الحق ولم يبق به خفاء فلا فائدة فى الخصومة والبينة اسم لكل ما يبين الحق من علامة منصوبة او امارة او دليل علمى فالبينات هى الآيات التى اقامها الله دلالة على صدقهم من المعجزات وكان القاء العصا واقلابها حية هو البينة وجرت سنة الله فى خلقه ان الكفار اذا طلبوا آية واقترحوها واجيبوا ولم يؤمنوا وجلوا بعذاب الاستئصال واليه يشير قوله تعالى وما منعنا ان نرسل بالآيات الا ان كذب الاولون بخلاف الحجج فانها لم تزل متتابعة يتلو بعضها بعضا وهى كل يوم فى مزيد وقد اشرنا الى ذلك فى كتاب العلم (وعلى الجملة فالقرآن من اوله الى اخره) توحيد صرف واحكام وقصص وامثال و(محاجة الكفار) مملوء من الحجج والادلة والبراهين فى مسائل التوحيد واثبات الصانع والمعاد وارسال الرسل وحدوث العالم فلا يذكر المتكلمون وغيرهم دليلا صحيحا على ذلك الا وهو فى القرآن بأفصح عبارة واوضح بيان واتم معنى وابعده عن الايراد والاسئلة وقد اعترف بهذا حذاف@ المتكلمين من المتقدمين والمتأخرين (فعمدة ادلة المتكلمين فى التوحيد) اى فى اثبات وحدانية الله تعالى (قوله تعالى لو كان فيهما آلهة الا الله لفسدنا) وسيأتى الكلام على هذه الاية فى شرح الرسالة القدسية (وفى البعث) والحشر (قوله) تعالى (قل يحييها الذى انشأها اول مرة) وسيأتى الكلام عليها ايضا (الى غير ذلك من الادلة) بجميع انواعها والاقيسة الصحيحة وقد تقدم للمصنف فى كتاب العلم ما حاصله ان حاصل ما يشتمل عليه الكلام من الادلة فالقرآن والاخبار مشتملة عليه وما خرج عنها فهو اما مجادلة مذمومة واما مشاغبة بالتعلق بمناقضات الفرق وتطويل بنقل المقالات التى اكثرها توهمات الى اخر ماقال ومر الكلام هناك وذكرنا هناك ايضا كلام الفخر الرازى فى كتابه اقسام اللذات لقد تأملت الكتب الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتها تروى غليلا ورأيت اقرب الطريق طريق القرآن اقرأ فى الاثبات اليه يصعد الكلم الطيب الرحمن على العرش استوى واقرا فى النفى ليس كمثله شئ ومن جرب مثل تجربتى عرف مثل معرفتى اه قال ابن القيم وهذا الذى اشار اليه بحسب ما فتح له من دلالة القرآن بطريق الخبر والا فدلالته البرهانية العقلية التى يشير اليها ويرشد اليها فتكون دليلا سمعيا عقليا امر تميز به القرآن وصار العالم به من الراسخين فى العلم وهو العلم الذى يطمئن اليه القلب وتسكن عنده النفس ويزكو به العقل وتستنير به البصيرة وتقوى به الحجة ولا سبيل لاحد من العالمين الى قطع من حاج به بل من خاصم به فلحت حجته وكسر شبهة خصمه وبه فتحت القلوب واستجابت لله ولرسوله ولكن اهل هذا العلم لاتكاد الاعصار تسمح منهم الا بالواحد بعد الواحد فدلالة القرآن سمعية عقلية قطعية يقينية لاتعترضها الشبهات ولا تتداولها الاحتمالات ولاينصرف القلب عنها بعد فهمها ابدا وقال بعض المتكلمين افنيت عمرى فى الكلام اطلب الدليل واذا انا لا ازداد الا بعدا منه فرجعت الى القرآن أتدبره واتفكر فيه واذا انا بالدليل حقا معى وانا لا اشعر به وقد اشرنا الى بقية هذا الكلام فى كتاب العلم (ولم تزل الرسل) عليهم الصلاة والسلام (يحاجون المنكرين ويجادلونهم) اولهم آدم عليه السلام وقد اظهر الله الحجة على فضله بان اظهر عمله على الملائكة وذلك محض الاستدلال وتقدم محاجة نوح وابراهيم وموسى عليهم السلام ولسيدنا سليمان عليه السلام مقامان احدهما فى اثبات التوحيد والآخر فى اثبات النبوة وقد تقدمت الاشارة الى ذلك وعيسى عليه السلام فانه اول ما تكلم شرح امر التوحيد فقال انى عبدالله وشهادة حاله كانت دالة على صدق مقالته وقد دلت على التوحيد والنبوة وبراءة امه رادا بذلك على اليهود الطاعنين فيها واما نبينا صلى الله عليه وسلم فمحاجته مع الكفار اظهر من ان يحتاج فيه الى مزيد تقرير كالدهرية ومثبتى الشريك على اختلاف الانواع ونافى القدرة والطاعنين فى اصل النبوة وخاصته فى نبوته صلى الله عليه وسلم بجميع انواعه ومنكرى الحشر (قال تعالى) ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة (وجادلهم بالتى هى احسن) وليس المراد منه المجادلة فى فروع الشرائع لأن من انكر نبوته فلا فائدة فى الخوض معه فى تفاريع الاحكام ومن اثبت نبوته فلا يخالفه ولايحتاج الى الجدال فعلمنا ان هذا الجدال المأمور كان فى تقرير مسائل الاصول واذا ثبت هذا فى حقه صلى الله عليه وسلم ثبت فى حق امته واليه اشار بقوله (والصحابة) رضوان الله عليهم (ايضا كانوا يجادلون عند الحاجة) اى لافى كل وقت (وكانت الحاجة اليه قليلة فى زمانهم) وقد اشار لذلك المصنف فى كتاب العلم بقوله ولم يكن شئمنه مألوفا فى العصر الاولولكن لما تغير الان حكمه اذ حدثت البدع الصارفة عن مقتضى القرآن والسنة لفقت لها شبها ورتبت لها كلاما مؤلفا فصار ذلك المحذور بحكم الضرورة مأذونا فيه وقد اشار الى مثل ذلك فى كتابه الاملاء ايضا وكذلك قوله تعالى ولاتجادلوا اهل الكتاب الا بالتى هى احسن والمقصود ان مناظرات القرآن مع الكفار موجودة فيه وكذا مناظراته صلى الله عليه وسلم واصحابه لخصومهم واقامة الحج @ عليهم لاينكر ذلك الا جاهل مفرط فى الجهل (وأول من سن دعوة المبتدعة بالمجادلة الى الحق) امير المؤمنين (على) بن ابى طالب (رضى الله عنه اذ بعث) عبدالله (بن عباس) رضى الله عنهما (الى الخوارج) وهم الحرورية الذين خرجوا على على رضى الله تعالى عنه (يكلمهم فقال ما تنقمون على امامكم) يعنى عليا رضى الله عنه (قالوا قاتل ولم يسب ولم يغنم) اى ان كان قتاله حقا فلم ترك السبى والغنيمة ونهى عن ذلك (قال) ابن عباس فى الجواب (ذلك) مخصوص (فى قتال الكفار) لا المسلمين بعضهم مع بعض (ارأيتم لو سبى عائشة) رضى الله عنها (فى يوم الجمل) وهى وقعة مشهورة مذكورة فى السير (فوقعت عائشة فى سهم احدكم كنتم تستحلون منها ما تستحلون من ملككم وهى امكم فى نص الكتاب) حيث قال وازواجه امهاتهم (فقالوا لا ورجع منهم الى الطاعة) والانقياد (بمجادلته الفان) منهم وهذه القصة اوردها المصنف مختصرة وهى بطولها فى كتاب الحلية لابى نعيم قال حدثنا سليمان بن احمد حدثنا على بن عبد العزيز حدثنا ابو حذيقة موسى بن مسعود النهدى ح وحدثنا سليمان حدثنا اسحق حدثنا عبد الرازق قالا حدثنا عكرمة بن عمار حدثنا ابو زميل الحنفى عن عبدالله بن عباس قال لما اعتزلت الحرورية قلت لعلى ياامير المؤمنين ابرد عن الصلاة لعلى آتى هؤلاء القوم فاكلمهم قال انى اتخوفهم عليك قال قلت كلا ان شاءالله فليست احسن مااقدر عليه من هذه اليمانية ثم دخلت عليهم وهم قائلون فى نحر الظهيرة فدخلت على قوم لم ار قوما قط اشد اجتهادا منهم ايديهم كأنها ثفن الابل ووجوههم معلبة من آثار السجود قال فدخلت فقالوا مرحبا بك ياابن عباس ما جاء بك قال جئت احدثكم عن اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل الوحى وهم اعلم بتأويله فقالق بعضهم لا تحدثوه قال بعض لنحدثنه قال قلت اخبرونى ماتنقمون على ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه واول من آمن به من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا ننقم عليه ثلاثا قلت ما هن قالوا اولاهن انه حكم الرجال فى دين الله وقد قال الله ان الحكم الا الله قال قلت وماذا قالوا قاتل ولم يسب ولم يغنم لئن كانوا كفارا لقد حلت له اموالهم ولئن كانوا مؤمنين لقد حرمت عليه دماؤهم قال قلت وماذا قالوا ومحا نفسه من امير المؤمنين فان لم يكن امير المؤمنين فهو امير الكافرين قال قلت ارايتم قولكم انه حكم الرجال فى دين الله فان قرأت عليكم فى كتاب الله المحكم وحدثتكم عن سنة نبيكم ما تنكرونه اترجعون قالوا نعم قلت اما قولكم انه حكم الرجال فى دين الله فانه يقول ياايها الذين آمنوا لاتقتلوا الصيد وانتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاءالى قوله ذوا عدل منكم وقال فى المرأة وزوجها وان خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من اهله وحكما من اهلها انشدكم الله أفحكم الرجال فى حقن دمائهم وانفسهم وصلاح ذات بينهم أحق ام فى ارنب ثمنها ربع درهم قالوا اللهم فى حقن دمائهم وصلاح ذات بينهم قال اخرجت من هذه قالوا اللهم نعم قال واما قولكم قاتل ولم يسب ولم يغنم اتسبون امكم ام تستحلون منها ما تستحلون من غيرها فقد كفرتم وان زعمتم انها ليست بامكم فققد كفقرتم وخرجتم من الاسلام ان الله تعالى يقول النبى اولى بالمؤمنين من انفسهم وازواجه امهاتهم تترددون بين ضلالتين فاختاروا ايتهما شئتم اخرجت من هذه قالوا اللهم نعم قال واما قولكم محا نفسه من امير المؤمنين فان رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا قريشا يوم الحديبية على ان يكتب بينه وبينهم كتابا فقال اكتب هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا والله لو نعلم انك رسول الله ماصددناك عن البيت ولا قاتلناك ولكن اكتب محمد بن عبدالله فقال والله انى لرسول الله وان كذبتمونى اكتب باعلى محمد بن عبدالله رسول الله كان افضل من على اخرجت من هذه قالوا اللهم نعم فرجع معه عشرون الفا وبقى اربعة الاف فقتلوا اه ثم ان قول المصنف اول من سن الخ ظاهره يخالف مانقله اليوسى فى شرحه على الكبرى ان ممن نظر فى علم الكلام من السلف عمر بن الخطاب وابنه عبدالله بن عمر والحق انه لاخلاف فى العبارتين @ كما يظهر فى بادئ الرأى فان النظر فيه شئ ودعوة المبتدعة بالمجادلة شئ اخر فتأمل (وروى ان الحسن) البصرى رحمه الله (ناظر قدريا ) اى رجلا ممن ينكر القدر (فرجع عن) انكار (القدر و) يروى ايضا انه (ناظر على بن ابى طالب) رضى الله عنه (رجلا من القدرية) فيما روى انه سأله رجل من الشام عن مسيره اليه أكان بقضاء الله وقدره فقال رضى الله عنه والذى فلق الحبة وبرأ النسمة ما قطعنا واديا ولاعلونا تلعسة الا بقضاء وقدر فقال الشامى عندى احتسب عناك ماارى لى من الاجر شيئا فقال على بلى ايها الشيخ قد عظم لكم الامر على مسيركم وانتم سائرون وعلى منصرفكم وانتم منصرفون ولم تكونوا فى شئ من حالاتكم مكرهين ولا اليها مضطرين فقال الشيخ فكيف ذلك والقضاء والقدر ساقانا وعنهما كان مسيرنا فقال على لعلك ظننت قضاء لازما وقدرا حتما لو كان ذلك كذلك لبطل الثواب والعقاب وسقط الوعد والوعيد والامر والنهى من الله تعالى ولما كانت تأتى محمدة من الله لمحسن ولامذمة لمسئ ولما كان المحسن بثواب الاحسان اولى من المسئ والمسئ بعقوبة الذنب اولى من المحسن تلك مقالة عبدة الاوثان وجنود الشيطان وخصماء الرحمن ان الله لم يعص مغلوبا ولم يطع مكرها ولم يرسل الرسل هزلا ولم ينزل القرآن عبثا ولم يخلق السموات والارض وعجائب الامور باطلا فويل للذين كفروا فقال الشيخ ما القضاء والقدر اللذان ما وطئنا موطئا الا بهما فقال على الامر من الله والحكم فنهض الشيخ وهو مسرور هكذا وجدت السياق فى بعض الكتب ولم اطلع على سنده وانما ظن الشيخ ان عليا رضى الله عنه اراد ان الله تعالى اجبرهم على المسير والانصراف بقضاء الله وقدره وقال لم تكونوا فى شئ من حالاتكم مكرهين ولا اليها مضطرين فاستنبه الشيخ وقال كيف ذلك والقضاء والقدر ساقانا يريد انهما ساقانا سوقا لا امتناع عنه فنفى على رضى الله عنه ذلك وانهم ليسوا بمجبورين وقال ظننت قضاء لازما وقدرا حتما اى انما وقع ذلك باختيار منكم ولو كنتم مجبرين لبطل الثواب والعقاب الى اخر كلامه ويروى انه مر بقوم فقال له رجل منهم ياامير المؤمنين ان هذا يزعم انه يصنع شيئا فاقبل على رضى الله عنه على الرجل فقال له هل ملكك الله شيئا فأنت تملكه فقال ملكنى صلاتى وصومى وعتق رقيقى وطلاق امرأتى وحجى وعمرتى وما افترض على فقال له على هذا زعمت انك تملكه أتملكه من دون الله او تملكه مع الله قال له الرجل ما ادرى ما تقول فقال اكلمك بلسان عربى وتقول ما ادرى ماتقول فاعادها على رضى الله عنه فلم يجبه الرجل فقال له على ان زعمت انك تملكه من دون الله فقد جعلت نفسك من دون الله مالكا وان زعمت انك تملكه مع الله فقد جعلت نفسك مع الله شريكا ومالكا الا فالملك لله الواحد القهار (وناظر عبدالله بن مسعود) رضى الله عنه (يزيد بن عميرة) بفتح العين المهملة الزبيدى ويقال الكلبى ويقال الكندى السكسكى الحمصى قال الحافظ فى تهذيب التهذيب روى عن ابى بكر وعمر ومعاذ بن جبل وابن مسعود ومعاوية وعنه ابو ادريس وعطية بن قيس وابو قلابة الجرمى وراشد بن سعد ومعبد الجهنى وشهر بن حوشب ذكره ابو زرعة الدمشقى فى الطبقة العليا التى تلى الصحابة وذكره ابن سميع فيمن ادرك الجاهلية من اصحاب معاذ وقال العجلى شامى تابعى ثقة من كبار التابعين وذكره ابن حبان فى الثقات وقال البخارى قدم الكوفة وسمع ابن مسعود قلت وهو من رجال ابى داود والترمذى والنسائى (فى الايمان فقال عبدالله لو قلت انى مؤمن لقلت انى من اهل الجنة فقال ابن عميرة ياصاحب رسول الله هذه زلة منك) اى سقطة (وهل الايمان الا ان تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث والميزان وتقيم الصلاة والصوم والزكاة والحج ولنا ذنوب لو عملنا انها تغفر لنا لعلمنا اننا من اهل الجنة فمن اجل ذلك نقول انا مؤمنون ولانقول انا من اهل الجنة فقال ابن مسعود صدقت والله انها منى زلة) فرجع رضى الله عنه الى قوله معترفا على نفسه وهذا من انصافه وميله الى الحق الذى جبل عليه (فينبغى ان يقال كان خوضهم فيه قليلا) بحسب @ الحاجة
Shafi 56
(لاكثيرا قصيرا) اى يقصرون فيه (لا طويلا) لاشتغالهم بما هو اهم (و) انه كان ذلك (عند الحاجة) ايه فى دفع معاند او ارشاد ضال (لا بطريق التصنيف) فيه اى تسطيره صنفا صنفا (والتدريس) اى القائه درسا درسا (و) لا (اتخاذه صناعة) يتميز بها عن غيره واليها ينتسب (فيقال اما قلة خوضهم فيه كان لقلة الحاجة) الداعية اليه (ولم تكن البدعة تظهر فى ذلك الزمان) اى الآراء المحدثة انما ظهرت فيما بعد (واما القصر فقد كان الغاية القصوى افحام الخصم) اى اسكاته (واعترافه) بالحق (وانكشاف الحق) له من اول وهلة (فلو طال اشكال الخصم او لجاجه) فى محاورته (لطال لا محالة الزامهم) بدفع كل اشكال اشكال وايضا فانهم كانوا محتاجين الى محاجة اليهود والنصارى فى اثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم والى اثبات الالهية مع الاصنام والى اثبات البعث مع منكريه ثم ما زادوا فى هذه القواعد التى هى امهات العقائد على ادلة القرآن فمن اتبعهم فى ذلك قبلوه ومن لم يقنع قتلوه وعدلوا الى السيف والسنان بعد انشاء ادلة القرآن وما ركبوا ظهر اللجاج فى وضع المقاييس العقلية وترتيب المقدمات واستنباطها وتحرير طرق المجادلة (وما كانوا يقدرون قدر الحاجة بميزان ولا بمكيال بعد الشروع فيه) ولا بقاعدة معلومة وانما هو بحسب الوارد كل ذلك لعلمهم بان ذلك مثار الفتن ومنبع التشويش وان من لا تقنعه ادلة القرآن فلا يقنعه الا السيف والسنان فما بعد بيان الله بيان (اما عدم تصديهم) اى تعرضهم (للتدريس والتصنيف) فيه (فهكذا كان فى الفقه والتفسير والحديث ايضا) لان الكتب المؤلفة فى العلوم محدثة باتفاق كما سبقت الاشارة اليه فى كتاب العلم (فان جاز تصنيف الفقه ووضع الصور النادرة) الغريبة (التى) لم تقع و(لاتتفق الا على) سبيل (الندور) والقلة (اما ادخارا) وحفظا لها (ليوم وقوعها وان كان نادرا او تشحيذا للخاطر) من شحذ الحديدة شحذا من باب نفع والذال المعجمة اذا احددتها وفى بعض النسخ او لتشحيذ الخاطر (او لادخار الحجة ) عنده (حتى لايعجز عنها عند) مسيس (الحاجة على البديهة والارتجال) يقال بدهه بدها اذا بغته وسميت البديهة لانها تبغت وتسبق الارتجال اتيان الكلام من غير روية ولا فكر (كمن يعد السلاح) اى يهيئه (قبل القتال) اى قبل حضوره وملابسته له (ليوم القتال فهذا) الذى قرر (مما يمكن ان يذكر للفريقين) اى فى احتجاج كل منهما على جواز الاشتغال به وعدمه (فان قلت فما المختار فيه) وفى نسخة منه (عندك) اى ما الذى تختاره وتذهب اليه (فاعلم ان الحق فيه ان اطلاق القول بذمه) اى كونه مذموما مطلقا (فى كل حال او بحمده) اى كونه محمودا مطلقا (فى كل حال خطأ بل لابد فيه من تفصيل) يظهر سياقه وجه الحق (فاعلم اولا ان الشئ قد يحرم لذاته كالخمر والميتة واعنى بقولى لذاته ان علة تحريمه وصف فى ذاته وهو الاسكار) فى الخمر (والموت) فى الميتة (وهذا اذا سئلنا عنه اطلقنا القول بانه حرام) نظرا الى هذه العلة (ولايلتفت الى اباحة الميتة عند الاضطرار واباحة تجرع الخمر اذا غص الانسان بلقمة) اى نشبت فى حلقه (ولم يجد ما يسيغها) وينزلها (سوى الخمر) وكان هذا جواب عن سؤال مقدربقول القائل كيف يجوز اطلاق القول فيهما بالحرمة مع انهما قد يباحان فى وقت فاجاب بأن ذلك نادر ولاحكم للنادر (والى مايحرم لغيره) لا لذاته (كالبيع على بيع اخيك فى وقت الخيار) اى الاختيار (والبيع وقت النداء) اى الاذان فكل منهما ورد النهى عنهما فى عدة احاديث (وكأ كل الطين فانه يحرم لما فيه من الضرر) للبدن (وهذا ينقسم الى ما يضر قليلة وكثيرة فيطلق عليه بانه حرام كالسم الذى يقتل قليلة وكثيرة) وهو انواع كثيره مابين حيوانى ونباتى ومعدنى (والى ما يضر@ عند الكثرة) فقط (فيطلق القول عليه بالاباحة كالعسل فان كثيره يضر بالمحرور) المزاج فى البلاد الحارة (وكأكل الطين) فانه كذلك كثيره يضر بالبدن (وكان اطلاق التحريم على الخمر والتحليل على العسل التفاتا) اى نظرا (الى اغلب الاحوال فان تصدى شئ) اى تعرض (تقابلت فيه الاحوال فالاولى والابعد عن الالتباس ان يفصل) فيها فاذا عرفت ذلك (فنعود الى علم الكلام) اذ هو المقصود لذاته من هذا البحث (فنقول فيه منفعة وفيه مضرة فهو باعتبار منفعته فى وقت الانتفاع حلال او مندوب او واجب كما يقتضيه الحال) باعتبار مسيس الحاجة الشديدة واشد منها (وهو باعتبار مضرته فى وقت الاستضرار ومحله حرام) ثم شرع فى ذكر مضرته ومنفعته فقال (اما مضرته فاثارة الشبهات) الملتبسة (وتحريك العقائد) الفاسدة (وازالتها عن الجزم والتصميم) وقد تقدم تشبيهه بخيط مرسل فى الهواء تقيئه الرياح (فلذلك مما يحصل فى الابتداء) اى ابتداء الامر فان قلت لانسلم ازالتها من الجزم فان الدليل عليها مما يقويها ويشدها (و) الجواب ان (رجوعها بالدليل مشكوك فيه) فان المدلول اذا لم يصمم به لعروض شبهة فالدليل عليه بطريق الاولى (وتختلف فيه الاشخاص) بالقوة والضعف (فهذا ضرره فى الاعتقاد الحق) الثابت (وله ضرر اخر فى تأكيد اعتقاد المبتدعة وتثبيتها فى صدورهم بحيث تنبعث دواعيهم) المحركة (ويشتد حرصهم على الاصرار عليه) والوقوف لديه (ولكن هذا الضرر بواسطة التعصب) للمذهب وطلب المباهاه بالمعارف والتظاهر بذكرها مع العوام (الذى يثور وينبعث من الجدل) والمناظرة (ولذلك ترى المبتدع العامى يمكن ان يزول اعتقاده باللطف فى اسرع زمان) لعدم رسوخه فى قلبه (الا اذا كانت نشأته) ونموه (فى بلد يظهر فيه الجدل والتعصب) كبلاد الرافضة مثلا (فانه لو اجتمع عليه الاولون والآخرون) بأنواع الادلة (لم يقدروا على نزع البدعة من صدره) لتمكنها فيه ورسوخها (بل الهوى) النفسانى (والتعصب) المذهبى والمباهاه بالمعارف (وبغض خصوم المجادلين وفرقة المخالفين يستولى على قلبه) استيلاء كليا (ويمنعه من ادراك الحق) الصحيح ومن وصوله الى قلبه (حتى لو) فرض (وقيل له) بعد العجز عن ايصال ذلك الى فهمه (هل تريد ان يكشف الله لك الغطاء) والحجاب عن فهمك (فيعرفك بالعيان) والمشاهدة الحقيقية (ان الحق مع خصمك لكره ذلك) من نفسه (خيفة ان يفرح به خصمه) اذا علم منه رجوعه الى الحق (وهذا هو الداء العظيم) والخطب الجسيم (الذى استطار فى البلاد والعباد) شرره وعم ضرره (وهو نوع فساد اثاره المجادلون بالتعصب) للمذاهب (فهذا ضرره) ومنه تنشأ انواع الضررالمهلكة (واما منفعته فقد يظن ان فائدته كشف الحقائق ومعرفتها على ما هى عليها) وهو مقام الكشف والمشاهدة وعمارة السر بأنوار اليقين وحصول العلم المضارع للضرورى (فليس فى الكلام وفاء بهذا المطلب الشريف) ومن اين للنازل طى المنازل (ولعل التخبيط والتضليل فيه اكثر من الكشف والتعريف) اذ اكثره عمل النفس وتخليق الفهم (وهذا) الكلام (اذا سمعته من محدث) وهو المشتغل بعلم الحديث بسائر فنونه العارف برجاله ومتونه (او حشوى) هو بالتحريك من يتتبع ظواهر الاحاديث قال اليوسى فى حاشية الكبرى نسبة الى الحشاء اى الجانب والطرف سموا بذلك لقول الحسن البصرى وكان اوائلهم يجلسون اليه بين يديه ثم وجد كلامهم ساقطا ردوا هؤلاء الى حشاء الحلقة اى جانبها او بسكون الشين من الحشو لقولهم بذلك فى القرآن حيث زعموا ان فى الكتاب والسنة مالا معنى له اه (ربما خطر ببالك ان @ الناس اعداء ماجهلوا) ومن جهل شيئا عاداه (فاسمع هذا ممن خبر الكلام) وسيره ودخل فيه وخرج والف فيه عدة تآليف (ثم قلاه) اى ابغضه وتركه (بعد حقيقة الخبرة) اى الاختبار الكلى (بعد التغلغل فيه) اى الدخول فى وسطه (الى) ان وصل (منتهى درجة المتكلمين) واقصى رتبتهم (وجاوز ذلك الى التعمق فى علوم اخر تناسب نوع الكلام) من العلوم الفلسفية (وتحقق ان الطريق الى حقائق المعرفة) كما هى عليها (من هذا الوجه مسدود) كما ذكر ذلك فى كتابه المنقذ من الضلال فقال فى اوله ولم ازل فى عنفوان شبابى عندما راهقت البلوغ قبل العشرين الى الآن وقد اناف سنى على الخمسين اقتحم لجة هذا البحر العميق واخوض غمرته خوض الجسور لاخوض الجبان الحذور واتوغل فى كل مضلة واهم على كل مشكلة واقتحم كل ورطة واتفحص عن عقيدة كل فرقة واستكشف اسرار مذهب كل طائفة لا ميز بين محق ومبطل ومستن ومبتدع الى ان قال وقد كان التعطش الى درك حقائق الامور اى من اول امرى غريزة وفطرة من الله تعالى وضعها فى جبلتى لا باختيارى وحيلتى حتى انحلت عنى رابطة التقليد ثم ابتدأت بعلم الكلام فحصلته وعقلته وطالعت كتب المحققين منهم وصنفت فيه ما اردت ان اصنف فصادفته علما وافيا بمقصوده غير واف بمقصودى اه وسيأتى بقية هذه العبارة فيما بعد (ولعمرى لاينفك الكلام عن كشف وتعريف وايضاح لبعض الامور ولكن على) سبيل (الندور) والقلة (وفى امور جلية) ظاهرة (تكاد تفهم قبل التعمق فى صنعة الكلام) بأصل الفطرة والجبلة (بل منفعته شئ واحد وهو حراسة العقيدة التى ترجمناها على العوام وحفظها عن تشويشات المبتدعة بأنواع الجدل) وقال المصنف فى الاملاء اعلم ان المتكلمين من حيث صناعة الكلام فقط لم يفارقوا اعتقاد العوام وانما حرسوها بالجدل عن الانخرام فهم حراس نواحى الشرع من اهل الاختلاس والقطع وقد تقدمت الاشارة الى ذلك ايضا فى كتاب العلم (فان العامى ضعيف يستفزه) ويحركه (جدل المبتدع وان كان فاسدا ومعارضة الفاسد بالفاسد مدفعة والناس متعبدون بهذه العقيدة التى قدمناها اذ ورد الشرع بها لما فيها من صلاح دينهم ودنياهم واجتماع السلف عليها) وقال المصنف فى كتابه المنقذ وانما المقصود منه حفظ عقيدة اهل السنة وحراستها عن تشويش اهل البدع فقد القى الله تعالى الى عباده على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم عقيدة هى الحق على ما فيه صلاح دينهم ودنياهم كما نطق بمقدماته القرآن والاخبار (والعلماء متعبدون بحفظ ذلك على العوام من تلبيسات المبتدعة كما تعبد السلاطين بحفظ اموالهم عن تقحمات) وفى نسخة عن تهجمات (الظلمة والغصاب) جمع غاصب وهو الذى يأخذ المال قهرا وقال المصنف فى المنقذ ولما كان اكثر خوض المتكلمين فى استخراج مناقضات الخصوم ومؤاخذتهم بلوازم مسلماتهم وهذا قليل النفع فى حق من لا يسلم سوى الضروريات شيئا لم يكن الكلام فى حقى كافيا ولا لدائى الذى اشكوه شافيا نعم لما نشأت صنعة الكلام وكثر الخوض فيه وطالت المدة تشوف المتكلمون الى مجاوزة الذب عن الشبهة بالبحث عن حقائق الامور وخاضوا فى البحث عن الجواهر والاعراض واحكامها ولكن لما لم يكن ذلك مقصود علمهم لم يبلغ كلامهم فيه الغاية القصوى فلم يحصل منه بالكلية مايمحو ظلمات الحيرة فى اختلاف الخلق فلا ابعد ان يكون حصل ذلك لغيرى بل لست اشك فى حصول ذلك لطائفة ولكن حصولا مشوبا بالتقليد فى بعض الامور التى ليست من الاوليات والغرض الآن حكاية حالى لا انكارا على من استشفى به فان ادوية الشفاء مختلفة باختلاف الداء فكم من دواء ينتفع به مريض ويستضر به اخر اه (واذا وقعت الاحاطة) وكمال المعرفة (بضرره ومنفعته فينبغى ان يكون الناظر فيه) بعد تلك الاحاطة (كالطبيب الحاذق) الماهر (فى استعمال الدواء الخطر) الذى فيه بعض سميات مثلا (اذ لايضعه الا فى موضعه) الذى يليق بوضعه (وذلك فى وقت الحاجة وعند قدر الحاجة) فانه اذا لم يصادف @ الوقت والقدر كان عين الضرر وهذا لاتبينه الا المهرة فى الفن (وتفصيله ان العوام) من الناس (المشغولين بالحرف) والصناعات وجميع انواع الاكتسابات (يجب ان يتركوا على سلامة عقائدهم) وهى (التى اعتقدوها مهما تلقنوا الاعتقاد الحق الذى ذكرناه) آنفا ويكتفى به معهم على هذا القدر ولا يعلمون المناظرة والجدال (فان تعليمهم الكلام) وصفة الجدال (ضرر محض) خالص (فى حقهم اذ ربما يثير لهم شكا) اى يبعث من الكلام يتعلق بفهمه (ويزلزل عليهم الاعتقاد) الذى تلقنوه (فلا يمكن القيام بعد ذلك بالاصلاح) اى بازالة ذلك الشك العارض فى قلبه لرسوخه فيه وعدم التفاته الى ما يزيله او نظره فيه ولم يفهم كنهه هذا حال ارباب الحرف (واما العامى المعتقد البدعة فينبغى ان يدعى الى) المعتقد (الحق باللطف) واللين فى المجاورة (لا بالتعصب) وسوء القول (وبالكلام اللطيف) السهل اللين (المقنع للنفس المؤثر) بوقعه (فى القلب القريب من سياق ادلة القرآن والحديث) فما بعد بيانهما بيان (الممزوج بالوعظ والتحذير) ولا يمارى الامراء ظاهرا (فان ذلك انفع من الجدل الموضوع) وفى نسخة المصوغ (على شرط المتكلمين) فانه يخبط الذهن ويشوشه (اذ العامى اذا سمع ذلك الاعتقاد اعتقد انه نوع صنعة تعلمها المتكلم يستدرج الناس بها الى اعتقاده) اى يستميلهم اليه على طريق الاستدراج (فان عجز عن الجواب قدر ان المجادلين من مذهبه) ومن طريقته (ايضا يقدرون على دفعه) ورد ما اورده (والجدل مع هذا) اى العامى (ومع الاول) اى معتقد البدعة (حرام) اما مع العامى فلزلزلة اعتقاده واما مع المبتدع فلتعصبه (وكذا مع من وقع له شك) وفى نسخة فى شك (اذ يجب ازالته باللطف والوعظ) لا بالعنف والقهر (والادلة القرآنية المقبولة البعيدة عن تعمق الكلام) بكلام جلى يفهمه ولايكلف نفسه تدقيق الفكر وتحقيق النظر (والاستقصاء بالجدل) فى تفسير وسؤال وتوجيه واشكال ثم الاشتغال بحله (انما ينفع فى موضع واحد وهو ان يفرض عامى اعتقد البدعة بنوع جدل سمعه) وطرق الى اسماعه (فيقابل ذلك الجدل بمثله) ليزيله (فيعود الى اعتقاد الحق) بسهولة (وذلك فيمن ظهر له من الانس بالمجادلة ما يمنعه عن القناعة بالمواعظ والتحذيرات العامية) بعدم ميل قلبه اليها وانما يستأنس بالمجادلة (فقد انتهى هذا الى حال لايشفيه) اى لا يزيل داء اعتقاده (الا دواء الجدل فجاز ان يلقى اليه) بالقدر المحدود (واما فى بلاد تقل فيها البدعة ولا تختلف فيها المذاهب) بل يكونون على مذهب واحد فان غالب التعصبات انما يثور من اختلاف المذاهب (فيقتصر فيها على ترجمة الاعتقاد) المختصر (الذى ذكرناه) آنفا (ولا يتعرض للادلة) اى العقلية او مطلقا (ويتربص) اى ينتظر (وقوع شبهة) عرضت له على جزئى من جزئيات الاعتقاد (فان وقعت ذكر) الادلة (بقدر الحاجة) بشرط ان لا يوغل فيه غاية الايغال وان اقتصر على ادلة القرآن كفى وشفى (وان كانت البدعة شائعة) اى ظاهرة منتشرة (وكان يخاف على الصبيان) والاطفال (ان يخدعوا) بها (فلا بأس ان يعلموا القدر الذى اودعناه كتاب الرسالة القدسية) الآتى ذكرها فى الفصل الثالث من هذا الكتاب (ليكون ذلك سببا لدفع تأثير مجادلات المبتدعة ان وقعت اليهم) اى ان فرض وقوعها فما فى الرسالة القدسية من الادلة القرآنية والعقلية كفاية فى الرد على المخالفين كما سيأتى ذلك (وهو مقدار مختصر) فى اوراق يسيرة (وقد اودعناه هذا الكتاب) فى الفصل الثالث (لاختصاره) وجمعه (فان كان فيه ذكاء) وتوقد ذهن بالاستطلاع على الغوامض (وتنبه بذكائه لموضع سؤال @ ) يرد عليه (او ثارت فى نفسه شبهة) عرضت له (فقد بدت العلة المحذورة) منها (وظهر الداء) بعد كونه (فلا بأس ان يترقى منه الى القدر الذى ذكرناه فى كتاب الاقتصاد فى الاعتقاد وهو قدر خمسين ورقة) وقد يكون ازيد او اقل بحسب الخطوط والساطر وهو كتاب جليل مرد كره فى شرح خطبة الكتاب وشرحه غير واحد من الائمة (وليس فيه خروج عن النظر فى قواعد العقائد الى غير ذلك من مباحثة المتكلمين) بل الادلة المذكورة فيه دائرة بين قرآنية وحديثية وعقلية وليس فيها تعرض للمباحث العويصة (فان اقنعه ذلك) وكفاه (كف عنه) ولم يدعه يخوض فى المطولات (وان لم يشفه ذلك) بل زاد (فقد) عسر علاجه لانه (صارت العلة) فيه (مزمنة) وصار (الداء غالبا) على قلبه (والمرض ساريا) فى جسمه (فليتلطف به الطبيب بقدر امكانه) اذ علم الكلام راجع الى علم معالجة المرضى بالبدع كما قاله المصنف فى الجام العوام (وينتظر قضاء الله تعالى فيه الى ان ينكشف له الحق) بارتفاع المانع (بتنبيه من الله سبحانه) بنفث يلقى فى روعه او الهام او غير ذلك (او يستمر على) ما رسخ فيه من (الشك والشبهة الى ما قدر له) من الازل وفى الجام العوام للمصنف فان قيل اذا فرضنا عاميا مجادلا لجوجا ليس مقلدا ولا يقنعه التقليد ولا ادلة القرآن ولا الاقاويل الجلية المقنعة فماذا يصنع به قلنا هذا مريض مال طبعه من صحة الفطرة الاصلية فينظر فى شمائله فان وجد اللجاج والجدل غالبا عليه وعلى طبعه لم تجادله وطهرنا وجه الارض منه ان كان يجادلنا فى اصل من الايمان وان تفرسنا بالقرائن مخايل الرشد والقبول لو جاوزنا به من الكلام الظاهر الى تدقيق الادلة عالجناه بما قدرنا عليه من ذلك وداويناه بالجدال المسدد والبراهين الجلية وترخيصنا فى هذا المقدار من المداواة لايدل عن فتح الباب فى الكلام مع الكافة فان الادوية تستعمل فى حق المرضى وهم الاقلون وما يعالج به المريض بحكم الضرورة يجب عليه ان يوفى عنه الصحيح والفطرة الصحيحة الاصلية تعد لقبول الايمان دون المجادلة وتحرير حقائق الادلة وليس الضرر فى استعمال الداء مع الاصحاء بأقل من الضرر فى اهمال المداواه مع المرضى فليوضع كل شئ فى محله اه (فالقدر الذى يحويه هذا الكتاب وحده من المصنفات) يريد به كتاب الاقتصاد (هو الذى يرجى نفعه) للسالك فى سبيل الحق (واما الخارج عنه) اى عن ذلك القدر فانه (قسمان احدهما بحث على غير قواعد العقائد) الاسلامية (كالبحث عن الاعتمادات) كقول ابى هاشم ان الموجب لهوى الثقيل هو الاعتماد دون الحركة ذكره فى مسئلة التولد (والاكوان) جمع كون وهو استحالة جوهرته الى ما هو اشرف منه ويقابله الفساد وهو استحالة جوهرته الى ما هو دونه ولهم فى الكون اطلاقات اخر (وعن الادراكات) فى ثبوتها ونفيها ومذهب اهل السنة ان الادراكات كلها من فعل الله سبحانه وانه ليس شئ منها فعلا للانسان ولا كسبا له كما سيأتى بيانه (والخوض ان فى الرؤية هل لها ضد يسمى المنع او العمى وان كان فذلك واحد هو منع عن جميع مالا يرى او ثبت بكل مرئى يمكن رؤيته منع بحسب عدده) هكذا سياق العبارة فى غالب النسخ وفى بعضها او يثبت بكل مرئى وفى بعضها وان كان كل واحد هو منع جميع مالايرى او ثبت لكل مرئى فذلك يمكن رؤيته منع بحسب عدده واعلم ان الممنوع بوجود الصمم والعمى معنيان هما ادراكان للمسموع والمرئى وانهما غير ذاته فان قالت المعتزلة العمى والصمم مانعان له عن ان يكون مدركا قيل ما معنى منعهما عن كونه مدركا هل هو منع عن نفسه او عن معنى سواء ولايجوز ان يكون منعا عن نفسه فوجب ان يكون المنع انما وقع عن معنى سواء وهو ادراك اذ لايجوز ان يكون المنع منعا لا عن شئ وهذا البحث اورده ابو منصور التميمى فى كتاب الاسماء والصفات وسنشير اليه ان شاءالله تعالى (الى غير ذلك من الترهات) اى الاباطيل (المضلة) للفهم (والقسم الثانى زيادة تقرير) وفى بعض النسخ تقدير (لتلك الادلة) العقلية (فى غير تلك القواعد وزيادة اسئلة واجوبة) وشبه تنبعث من الافكار وفى بعض النسخ اسقاط اسئلة (وذلك ايضا استقصاء لايزيد) المستقل به (الاضلالا) عن الطريق @ (وجهلا فى حق من لم يقنعه ذلك القدر) ولم يكتف به (فرب كلام يزيده الاطناب) هو اداء المقصود باكثر من العبارة المتعارفة (والتقرير غموضا) وخفاء (ولوقال قائل البحث عن حكم الادراكات والاعتمادات فيها فائدة) نافعة وهى (تشحيذ الخاطر) وتنبيهها عن الغفلة (والخاطر آلة الدين) اصل الخاطر لما يتحرك فى القلب من رأى او معنى ثم سمى محله باسم ذلك وهو من الصفات الغالبة (كالسيف آلة للجهاد) اى بالخاطر تنكشف اسرار احكام الدين كما ان السيف تتم به امور المجاهدين (فلا بأس بتشحيذه) اى فلاى شئ يمنع من الخوض فى القسم الاول مع كونه مفيدا من وجه فاجاب بقوله (كان) اى هذا القول (كقوله لعب الشطرنج يشحذ الخاطر) ويهيئه لتلقى التدبيرات (فهو من الدين) اى من جملة اموره (وذلك هوس) واختلاط (فان الخاطر يشحذ بسائر علوم الشرع فلا يخاف فيها مضرة) ثم ان الشطرنج معرب واختلف فى اصله فقيل صدرنات يعنى مائة حيلة وقيل صدرنج يعنى مائة تعب وقيل شدرنج اى صار تعبا واختلف فى ضبطه فقيل بالفتح وهو المشهور وقيل بالكسر وهو المختار قال ابن الجواليقى فى كتاب ما يلحن فيه العامة ومما يكسرو العامة تفتحه او تضمه وهو الشطرنج بكسر الشين ققال وانما كسر ليكون نظير الاوزان العربية مثل جردحل اذ ليس فى ابنية العرب فعلل بالفتح حتى يحمل عليه واما اول من وضعه ولاى شئ وضعه واقوال الائمة فى جواز اللعب به او كراهته فقد ذكره الحافظ السخاوى فى عمدة المحتاج مستوفى واشرنا الى بعضها فى شرحنا على القاموس ليس هذا محل ذكرها (فقد عرفت بهذا) الذى تقدم ذكره (القدر المذموم والقدر المحمود من الكلام) بعد تقريره لذلك فى كتاب العلم بنحو مما ذكره هنا (و) عرفت ايضا (الحال الذى يذم فيها والحال التى يحمد فيها و) عرفت (الشخص الذى ينتفع به والذى لا ينتفع به فان قلت مهما اعترفت بالحاجة اليه فى دفع المبتدع) ورد شبهه (والآن فقد ثارت البدع) وهاجت (وعمت البلوى) الناس (وارهقت الحاجة) اى دنت وقرب وقوعها (فلابد ان يصير القيام بهذا العلم) والتصدى له (من فروض الكفايات كالقيام بحراسة الاموال) وحفظها من النهاب (وسائرالحقوق) كذلك (وكالقضاء والولاية وغيرهما) من المناصب العامة والخاصة (ومالم يشتغل العلماء بنشر ذلك) وتعليمه (والتدريس فيه والبحث عنه) والتحقيق فيه (لايدوم ولو ترك) الاشتغال به (لاندرس) بمرة وانمعى اثره ولقائل ان يقول لايحتاج الى نشره وتعليمه بل يكتفى منه فى رد شبه المبتدعة بما ركز فى الجبلة والطباع فاجاب بقوله (وليس فى مجرد الطباع) ولو كانت سليمة (كفاية) تامة (لحل شبه المبتدعة مالم يتعلم) ويدأب فيه لان اكثر هذا العلم امور دقيقة نظرية (فينبغى ان يكون التدريس فيه والبحث عنه ايضا من فروض الكفايات) وهذا (بخلاف زمان الصحابة) رضوان الله تعالى عليهم (فان الحاجة ماكانت ماسة اليه) اما لعدم ظهور البدع فى زمانهم او لاكتفائهم بما اشرق الله من انوار المشاهدة فى صدورهم فكانت الامور الخفية بالنسبة الينا جلية عندهم (فاعلم ان الحق) الذى لا محيد عنه (انه لابد فى كل بلد) من بلاد الاسلام (من قائم بهذا العلم) اى بازائه (مستقل بدفع شبه المبتدعة الذين ثاروا فى تلك البلدة) ونبغوا (وذلك يدوم بالتعليم) ويحفظ بالنشر والافادة (ولكن ليس من الصواب تدريسه على العموم) اى على عامة الناس (كتدريس الفقه والتفسير) ولوازمهما (فان هذا) اى علم الكلام (مثل الدواء) الذى لايحتاج اليه فى كل وقت وينتفع به آحاد الناس ويستضر به الآخرون (والفقه مثل الغذاء) لابد ان الذى لايستغنى عنه مجال فى اقامة ناموس البدن (وضرر الغذاء لا يحذر وضرر الدواء محذر لما ذكرنا فيه من انواع الضرر) التى لاتحصى (فالعالم به ينبغى ان يخصص بتعليم هذا العلم من) وجدت (فيه ثلاث خصال احداها التجرد للعلم) والاستعداد لطلب @ المعرفة (والحرص عليه) بالاكباب على درسه وتعلمه (فان المحترف) اى المشتغل بالحرفة والصناعة (يمنعه الشغل) الذى هو فيه (عن الاستتمام وازالة الشكوك اذا عرضت) لعدم استعداده لذلك (والثانية الذكاء) وهو سرعة الادراك وحدة الفهم وقيل هو سرعة اقتراح النتائج (والفطنة) وهى سرعة هجوم على حقائق معان مماتورده الحواس عليها (والفصاحة) وهى ملكة يقتدربها على التعبير عن المقصود (فان البليد) المتحير فى امره الذى لايوصف بذكاء ولافطنة (لا ينتفع بفهمه) بل هو دائما حيران فى امره (والقدم) وهو البطئ الفهم (لاينتفع بحجاجه) اى بمحاجته (فيخاف عليه من ضرر الكلام ولايرجى فيه نفعه والثالثة ان يكون فى طبعه الصلاح) وهو ضد الفساد ويختصان فى اكثر الاستعمال بالأفعال وقوبل فى القرآن تارة بالفساد واخرى بالسيئة (والديانة) وهى التمسك بامور الدين (والتقوى) وهى تجنب القبيح خوفا من الله تعالى (ولاتكون الشهوات) النفسية (غالبة عليه) وفى معنى الشهوات التعصبات للمذاهب والمباهاه بالمعارف (فان الفاسق بادنى شبهه) اذا عرضت (ينخلع عن) ربقة (الدين فان ذلك يحل عنه الحجز) اى الستر الحاجز (ويرفع الستر بينه وبين الملاذ) الشهوانية (فلا يحرص على ازالة الشبهة) ودفعها (بل يغتنمها ليتخلص من اعباء التكليف) ومشقاته (فيكون ما يفسده مثل هذا المتعلم اكثر مما يصلحه) وقال المصنف فى الجام العوام التحدث فى هذا العلم للعالم انما يكون على اربعة اوجه اما ان يكون مع نفسه او مع من هو مثله فى الاستبصار او مع من هو مستعد للاستبصار بذكائه وفطنته وتجرده لطلب معرفة الله او مع العامى فان كان قاطعا اى لاظانا اى لا حاكم مع نفسه بموجب ظنه حكما جازما فله ان يحدث نفسه به ويحدث من هو مثله فى الاستبصار وهو متجرد لطلب المعرفة مستعد لها خال عن الميل الى الدنيا والشهوات والتعصبات للمذاهب وطلب المباهاة بالمعارف والتظاهر بذكرها مع العوام فمن اتصف بهذه الصفات فلا بأس بالتحدث معه لان الفطن المتعطش الى المعرفة للمعرفة لا لغرض يحيك فى صدره اشكال الظواهر وربما يلقيه فى التأويلات الفاسدة لشدة شرهه عن الفرار عن الظواهر ومقتضاها ومنع العلم اهله ظلم كبثه الى غير اهله واما العامى فلا يحدث به وفى معنى العامى كل من لا يوصف بالصفات المذكورة واما المظنون فيحدث به مع نفسه اضطرارا فان ما ينطوى عليه الذهن من ظن وشك وقطع لاتزال النفس تحدث به ولا قدرة على الخلاص منه ولامنع منه ولاشك فى منع التحدث به مع العوام بل هو اولى بالمنع من المقطوع اما تحدثه به مع من هو فى مثل درجته فى المعرفة او مع المستعد له فيه نظر فيحتمل ان يقال هو جائز اذ لا يزيد على ان يقول اظن كذا وهو صادق ويحتمل المنع لانه قادر على تركه وهو بذكره متصرف بالظن فى صفة الله تعالى او فى مراده من كلامه وفيه خطر واباحته انما تعرف بنص او اجماع او قياس على منصوص ولم يرد شئ من ذلك بل ورد قوله تعالى ولا تقف ما ليس لك به علم اه (واذا عرفت هذه الانقسامات اتضح لك ان هذه الحجة المحمودة فى الكلام انما هو من جنس حجج القرآن) والاخبار الصحيحة (من الكلمات اللطيفة) المختصرة (المؤثرة فى القلوب) بوقعها (المقنعة للنفوس) الكافية لها (من دون التغلغل) والخوض (فى التقسيمات) الغريبة (والتدقيقات) العجيبة (التى لا يفهمها اكثر الناس) ولا يحوم فكرهم حولها (واذا فهموها) بعد جهد (اعتقدوا انها شعوذة) لا حقيقة لها (وصناعة تعلمها للتلبيس) والتخليط (فاذا قابله مثله فى الصنعة قاومه) قال المصنف فى الجام العوام العامى اذا منع من البحث والنظر ولم يعرف الدليل كان جاهلا بالمدلول وقد امر الله كافة عباده بمعرفته بالايمان به والتصديق بوجوده اولا وبتقديسه عن سمات الحوادث ومشابهة غيره ثانيا وبوحدانيته ثالثا وبصفاته من العلم والقدرة ونفوذ المشيئة وغيرها رابعا وهذه الامور ليست ضرورية فهى اذا مطلوبة وكل علم مطلوب ولاسبيل الى اقتناصه وتحصيله الا بالادلة فلابد من النظر فى الادلة والتفطن لوجه دلالتها على المطلوب وكيفية انتاجها له وذلك لايتم الا بمعرفة شروط البراهين وكيفية ترتيب @ المقدمات واستنتاج النتائج ويستجر ذلك بالضرورة شيئا فشيئا الى تمام البحث واستيفاء على الكلام الى اخر النظر فى علم المعقولات وكذلك يجب على العامى ان يصدق الرسول فى كل ماجاء به وصدقه ليس بضرورى بل هو بشر كسائر الخلق فلابد من دليل يميزه عن غيره ممن تحدى بالنبوة كاذبا ولايمكن ذلك الا بالنظر فى معجزاته ومعرفة حقيقة المعجزة وشروطها الى اخر النظر فى النبوات وهو ثلث علم الكلام قلنا الواجب على الخلق الايمان بهذه الامور والايمان عبارة عن تصديق جازم لا تردد فيه ولايشعر صاحبه بجواز وقوع الخطأ فيه وهذا التصديق يحصل على ست مراتب الاولى وهو اقصاها مايحصل بالبرهان المستقصى المستوفى بشروطه المحرر باصوله ومقدماته درجة درجة كلمة كلمة حتى لا يبقى مجال احتمال وممكن التباس وذلك هو الغاية القصوى وربما يتفق فى كل عصر واحد واثنان ممن ينتهى الى تلك الدرجة وقد يخلو العصر عنه ولو كانت النجاة مقصورة على مثل تلك المعارف لقلت النجاة وقل الناجون الثانية ان يحصل بالادلة الرسمية الكلامية المبنية على امور مسلمة مصدق بها لاشتهارها بين اكابر العلماء وشناعة انكارها ونفرة النفوس عن ابداء المزيد فيها وهذا الجنس ايضا يفيد فى بعض الامور وفى حق الناس تصديقا جازما بحيث لا يتغير صاحبه بامكان خلافه اصلا الثالثة ان يحصل التصديق بالادلة الخطابية التى جرت العادة باستعمالها فى المحاورة والمخاطبات الجارية فى العادات وذلك يفيد فى حق الاكثرين تصديقا ببادئ الرأى وسابق الفهم اذا لم يكن الباطن مشحونا بالتعصب وبرسوخ اعتقاد على خلاف مقتضى الدليل ولم يكن المستمع مشغوفا بتكلف المماراة والتشكيك ومنهاجه بتحذلق المجادلين فى العقائد واكثر ادلة القرآن من هذا الجنس من الدليل الظاهر المفيد للتصديق والدليل المستوفى هو الذى يفيد التصديق بعد تمام الاسئلة وجوابها بحيث لا يبقى للسؤال مجال والتصديق يحصل قبل ذلك الرابعة التصديق بوجود السماع ممن حسن فيه الاعتقاد بسبب كثرة ثناء الخلق فان من حسن اعتقاده فى ابيه واستاذه او رجل من الافاضل المشهورين قد يخبر عن شئ فيسبق اليه اعتقاد جازم وتصديق بما اخبر عنه بحيث لايبقى مجال لغيره فى قلبه ومستنده حسن اعتقاده فيه وكذلك اعتقاد الصبيان فى آبائهم ومعلمهم فلا جرم يسمعون الاعتقادات ويصدقونه ويستمرون عليه من غير حاجة الى دليل ومحاجة الخامسة التصديق الذى يسبق اليه عند سماع الشئ مع قرائن الاحوال لايفيد القطع عند المحقق ولكن يلقى فى حق العوام اعتقادا جازما السادسة ان يسمع القول فيناسب طبعه واخلاقه فيبادر الى التصديق بمجرد موافقته لطبعه لا من حسن اعتقاد فى قائله ولا من قرينة تشهد له لكن لمناسبة مافى طبعه وهذه اضعف التصديقات وادنى الدرجات لان ما قبله استند الى دليل ما وان كان ضعيفا من قرينة واحسن اعتقاد فى المخبر اى نوع من ذلك فهى امارات يظنها العامى ادلة فتعمل فى حقه عمل الادلة واذا علم مراتب التصديق وعلم ان مستند ايمان العوام هذه الاسباب فأعلى الدرجات فى حقه ادلة القرآن وما يجرى مجراه مما يحول القلب الى التصديق فلا ينبغى ان يجاوز بالعامى الى ما وراء ادلة القرآن وما فى معناه من الجليات المقنعة المسكنة للقلوب المستجرة لها الى الطمأنينة والتصديق فما وراء ذلك ليس على قدر طاقته اه بالختصار (وعرفت ان) الامام (الشافعى وكافة السلف) رحمهم الله ممن تقدم ذكرهم (انما منعوا من الخوض فيه والتجرد له لما فيه من الضرر الذى نبهنا عليه) اى فان اقوالهم محمولة على نهى المتعصب فى الدين او القاصر عن تحصيل اليقين او القاصد افساد عقائد المسلمين او الخائض فيما لا يفتقر اليه من غوامض المتفلسفين والا فلا يتصور من شريف تلك الحضرات وقوع المنع فيما هو اصل الواجبات واساس المشروعات (ان ما نقل عن ابن عباس رضى الله عنه من مناظرة الخوارج) فى المسائل الاربعة (ومانقل عن على رضى الله عنه من المناظرة فى القدر) مع رجل من الشام (وغيره كان كان من الكلام الجلى) الواضح (الظاهر) الذى لا يحتاج الى فتح باب الجدال (وفى محل الحاجة) وقدر الحاجة (وذلك) لاريب فيه انه (محمود فى كل حال) غير مذموم عند الرجال (نعم قد تختلف @ الاعصار) والازمان (فى كثرة الحاجة) اليه (وقلتها فلا يبعد ان يختلف الحكم لذلك) ولاجل ذلك ما خاض فيه الاولون الا قليلا لعدم حدوث البدع فى زمانهم فلم يحتاجوا الى ابطالها وافحام منتحلها (فهذا حكم العقيدة التى تعبد الخلق بها) وكلفوا بمعرفتها (وحكم طريقة النضال) والمدافعة (عنها وحفظها) فى الصدور (فاما ازالة الشبهة) الخفية عن القلب (وكشف اسرار الحقائق) الالهية (ومعرفة الاشياء على ماهى عليه) باليقين التام (وادراك الاسرار) الباطنة (التى يترجمها) ويبينها (ظاهر الفاظ هذه العقيدة) ومنطوقها (فلا مفتاح له الا المجاهدة) المشار اليها فى قوله عزوجل والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا (و) فى معنى المجاهدة (قمع الشهوات) النفسانية (والاقبال بالكلية على الله تعالى) بحيث لايخطر فى خاطره خاطر لسواه (وملازمة الفكر الصافى عن شوائب المجادلات) والمخاصمات (وهى) اى تلك الحالة الحاصلة من هذه الامور (رحمة من الله عزوجل) ونعمة (تفيض على من يتعرض لنفحاتها) لما ورد تعرضوا لنفحات الله فان الله نفحات (بقدر الرزق) الذى قدر له من الازل (وبحسب قبول المحل) وانفساحه (وطهارة القلب) واتساعه لقبول تلك النفحات الواردات (وذلك البحر) العجاج (الذى لايدرك غوره) ومنتهاه (ولا يبلغ ساحله) اى طرفه (مسئلة) اخرى (فان قلت هذا الكلام) الذى تقدم ذكره (يشير) ظاهره (الى ان العلوم) المحمودة (لها ظواهر واسرار) وان (بعضها جلى) ظاهر لكل الناس (يبدو اولا) ويظهر (وبعضها خفى) المدرك لا (يتضح) الا (بالمجاهدة) والرياضة ومكابدة النفس (والطلب الحثيث) فى كشف سره (والفكر الصافى) عن علائق الكدر (والسر الخالى عن كل شئ) يضاده (من اشغال الدنيا سوى المطلوب) المأمور بها (وهذا يكاد) ان (يكون مخالفا للشرع اذ ليس للشرع ظاهر وباطن وسر وعلن بل الظاهر والسر والعلن واحد) فاجاب بقوله (فاعلم ان انقسام هذه العلومالى خفية وجلية) من الواضحات التى (لا ينكرها ذو بصيرة) قادحة (وانما ينكرها القاصرون فى المعارف) الالهية (الذين تلقنوا فى اول الصبا) من المشايخ (شيئا) لم ينتقلوا منه بل (جمدوا عليه) اى استمروا على ذلك القدر اليسير اذ التعليم فى الصغر كالنقش على الحجر (فلم يكن لهم ترق) وصعود (الى شأ والعلا) اى غايته وأمده (و) لا نصيب الى بلوغ (مقامات العلماء) العارفين (والاولياء) الصالحين فهؤلاء اذا ورد عليهم شئ من افراد تلك المقامات اول وهلة قاموا بالانكار عليه وبالغوا وشددوا وهذه الحالة تسببت لكثير من علماء الظاهر بسبق الانكارعلى علماء الباطن وتبديعهم واخراجهم من جادة الشريعة وهم معذورون لجمودهم على ما لقنوا (وذلك) الذى ذكرناه (ظاهر من ادلة الشرع قال صلى الله عليه وسلم ان للقرآن ظاهرا وباطنا وحدا ومطلعا) قال العراقى اخرجه ابن حبان فى صحيحه من حديث ابن مسعود بنحوه اه واورده ابن الاثير فى نهايته فى موضعين قال فى ح د د حديث فى صفة القرآن له حد اى غاية وحد كل شئ منتهى امره وقال فى ط ل ع وعليه علامة السين المهملة اى ان هذا الحديث من كتاب ابى موسى المدينى لكل حرف حد ولكل حد مطلع اى لكل حد مصعد يصعد اليه من معرفة علمه والمطلع مكان الاطلاع من موضع عال قال ويجوز ان يكون مطلع كمصعدزنة ومعنى وقال المصنف فى اخر كتابه مشكاة الانوار حديث للقرآن ظاهر وباطن وحد ومطلع وربما نقل هذا عن على موقوفا (وقال على رضى الله عنه) فيما اخرجه ابو نعيم فى كتاب الحلية بطوله من طريقين (واشار) بيده (الى صدره) هاءهاء (ان ههنا علوما جمة) اى كثيرة (لو وجدت لها حملة) وقد تقدم بطوله فى كتاب العلم مع شرح معانيه (وقال صلى الله عليه وسلم نحن معاشر الانبياء امرنا ان نكلم الناس على قدر عقولهم) تقدم بيانه فى كتاب العلم @ (وقال صلى الله عليه وسلم ما حدث احد قوما بحديث لم تبلغه عقولهم الا كانت فتنة عليهم) تقدم فى كتاب العلم ونسبة صاحب القوت الى بعض السلف بلفظ ما من عالم يحدث قوما بعلم لم تبلغه عقولهم الا كان فتنة عليهم واورده المصنف فى الجام العوام بلفظ لايفهمونه كان فتنة على بعضهم (وقال الله تعالى) فى كتابه العزيز (وتلك الامثال نضربها للناس وما يعقلها الا العالمون) تقدم ما يتعلق به فى اول كتاب العلم (وقال صلى الله عليه وسلم ان من العلم كهيئة المكنون لايعلمه الا العالمون بالله تعالى الحديث) اى الى اخره وهو فاذا علموه لا ينكر عليهم الا اهل الغرة بالله تعالى (كما اوردناه فى كتاب العلم) ووسعنا الكلام عليه هنالك ويوجد هنا فى بعض النسخ قبل هذا الحديث وقال ابو هريرة حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين فأما احدهما فبثثته واما الآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم وليس ذلك فى نسخة العراقى (وقال صلى الله عليه وسلم لو علمتم) كذا فى النسخ الكثيرة وفى بعضها لو تعلمون وهو نسخة العراقى وهو نص الجماعة المخرجين لهذا الحديث (مااعلم) اى من انتقام الله من اهل الجرائم واهوال القيامة (لضحكتم قليلا) اى كان ضحككم على القلة وقيل معناه لما ضحكتم اصلا وهذا لمناسبة السياق لان لو حرف امتناع لامتناع (ولبكيتم كثيرا) وقدم الضحك لكونه من المسرة وفيه من انواع البديع مقابلة الضحك بالبكاء والقلة بالكثرة ومطابقة كل منهما بالآخر وقال العراقى اخرجاه من حديث عائشة وانس اه قلت واخرجه ايضا الامام احمد والترمذى والنسائى وابن ماجة كلهم عن انس قال خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة ما سمعت قط بمثلها ثم ذكره واخرج الحاكم فى المستدرك من رواية يوسف بن حبان عن مجاهد عن ابى ذر رفعه لو تعلمون ما اعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا ولما ساغ لكم الطعام والشراب وقال على شرطهما ولم يخرجاه وتعقبه الذهبى بانه منقطع ورواه ايضا من طريقة ابن عساكر فى التاريخ بتلك الزيادة واخرج الحاكم ايضا فى كتاب الرقاق والبيهقى فى الشعب عن ابى الدرداء رفعه لو تعلمون مااعلم لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلا ولخرجتم االى الصعدات تجأرون ولا تدرون تنجون او لاتنجون وقال الحاكم صحيح واقره الذهبى وقال الهيثمى رواه الطبرانى من طريق ابنة ابى الدرداء عن ابيها ولم اعرفها وبقية رجاله رجال الصحيح واخرج الحاكم ايضا فى الاهوال عن ابى هريرة رفعه لوتعلمون مااعلم لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلا يظهر النفاق وترفع الامانة وتقبض الرحمة ويتهم الامين ويؤتمن غير الامين اتاخ بكم الشر الجور الفتن كأمثال الليل المظلم وقال صحيح واقره الذهبى (فليت شعرى ان لم يكن ذلك سرا) باطنيا (ومنع من افشائه) واظهاره (لقصور الفهم عن ادراكه) وفى نسخة عن دركه (اولمعنى آخر فلم لم يذكره) مع انه امين على تبليغ ما امر به (ولاشك انهم كانوا يصدقونه لو ذكره لهم) وينكشف ذلك بتسليم اصلين الاول ان النبى صلى الله عليه وسلم افاض الى الخلق ما اوحى اليه وانه ما كتم شيئا من الوحى فلذلك كان رحمة للعالمين فما ترك شيئا مما يقربهم الى رضا الله تعالى الا دلهم عليه وامرهم به ولامما يسخط اله الا حذرهم ونهاهم عنه فى العلم والعمل جميعا الثانى ان اعرف الناس بمعانى كلامه واحراهم بالوقوف على كنة درك اسراره الذين شاهدوا الوحى والتنزيلوصحبوه ولازموه متشمرين لتلقى ما يقوله بالقبول للعمل به اولا والنقل الى من بعدهم ثانيا والتقرب الى الله بسماعه وحفظه ونشره وهم الذين حضهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على السماع والفهم والحفظ والآداء فقال نضر الله امر اسمع مقالتى فوعاها واداها كما سمعها الحديث (وقال ابن عباس رضى الله عنه) فى تفسير (قوله عزوجل الله الذى خلق سبع سموات ومن الارض مثلهن يتنزل الامر بينهن) مانصه (لو ذكرت تفسيره) كما علمته (لرجمتمونى) اى لم تحتمل عقولكم لدركه فتنكرون على ذلك (وفى لفظ اخر لقلتم انه كافروقال صلى الله عليه وسلم مافضلكم ابو بكر بكثرة صلاة ولا صيام ولكن بشئ وقر فى صدره) تقدم فى كتاب العلم (ولاشك فى ان ذلك كان متعلقا بقواعد الدين غير خارج عنها وماكان من قواعد الدين لم يكن خافيا بظواهرها على غيره) @ من الصحابة رضوان الله عليهم (وقال) ابو محمد (سهل) بن عبدالله (التسترى) رحمه الله تعالى (للعالم ثلاثة علوم علم ظاهر يبذله لأهل الظاهر وعلم باطن لا يسعه اظهاره الا لأهله وعلم هو بينه وبين الله تعالى لايظهره لأحد) هكذا اورد صاحب القوت عن سهل الا انه قال وعلم هو سر بين الله وبين العالم هو حقيقة ايمانه لا يظهره لاهل الظاهر ولا لأهل الباطن (وقال بعض العارفين افشاء سر الربوبية كفر) هذا القول اورده صاحب القوت فى الباب الثالث والثلاثين فى آخر اخبار الصفات مانصه وحقيقة علم التوحيد باطن المعرفة وهو سبق المعروف الى من به تعرف بصنعة مخصوصة بحبب مقرب مخصوص ولايسع معرفة ذلك الكافة وافشاء سر الربوبية كفر وقال بعض العارفين من صرح بالتوحيد وافشى الوحدانية فقتله افضل من احياء غيره اه وقد علم من هذا السياق ان المراد ببعض العارفين فى قول المصنف هو ابو طالب المكى صاحب القوت وقد انكر على المصنف هذا القول فى زمنه فاجاب عنه فى كتابه الاملاء مانصه فصل واما معنى افشاء سرالربوبية كفر فيخرج على وجهين احدهما ان يراد به كفر دون كفر سمى بذلك تغليظا لما اتى به المفشى وتعظيما لما ارتكبه ويعترض هذا بان يقال لايصح ان يسمى هذا كفرا لانه ضد الكفر اذ الكافر الذى سمى هذا على معناه ساتر وهذا المفشى للسر ناشر واين النشر من الستر والاظهار من التغطية والاعلان من الكتم واندفاع هذا بين بان يقال ليس الكفر الشرعى تابع الاشتقاق وانما هو حكم لمخالفة الامر وارتكاب النهى فمن رد احسان محسن او جحد نعمة متفضل فيقال له كافر لجهتين احداهما من جهة الاشتقاق ويكون اذ ذاك اسما بناء على وصف والثانية من جهة الشرع اذذاك حكما يوجب عقوبة والشرع قد ورد لشكر المنعم فافهم لاتذهب مع الالفاظ ولاتحجبك التسميات وتفطن لخداعها واحترس من استدراجها فاذا من اظهر ماامر بكتمه كمن كتم ما امر بنشره وفى مخالفة الامر فيهما حكم واحد على هذا الاعتبار ويدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لاتحدثوا الناس بما لم تصله عقولهم وفى ارتكاب النهى عصيان ويسمى فى باب القياس على المذكور كفرانا والوجه الثانى ان يكون معناه كفرا للسامع دون المخبر بخلاف الوجه الاول ويكون هذا مطابقا لحديث لاتحدثوا الناس بما لم تصله عقولهم اتريدون ان يكذب الله ورسوله فيمن حدث احدا بما لم يصل اليه عقله ربما سارع الى التكذيب وهو الاكثر ومن كذب بقدرة الله تعالى او بما اوجد بها فقد كفر ولو لم يقصد الكفر فان اكثر اليهود والنصارى وسائر النحل ماقصدت الكفر ولاتظنه بأنفسها وهم كفار بلا ريب وهذا وجه واضح قريب ولا يلتفت الى مامال اليه بعض من لايعرف وجوه التأويل ولا يعقل كلام اولى الحكم والراسخين فى العلم حتى ظن ان قائل ذلك ام اراد به الكفر الذى هو نقيض الايمان والاسلام يتعلق بمخبره ويلحق قائله وهذا لايخرج الا على مذاهب اهل الاهواء الذين يكفرون بالمعاصى واهل السنة لايرضون بذلك وكيف يقال لمن آمن بالله واليوم الآخر وعبدالله بالقول الذى ينزهه والعمل الذى يقصد به التعبد لوجهه والامر الذى يستزيده ايمانا ومعرفة ثم يكرمه الله على ذلك بفوائد المزيد وينيله ما يشرف من المنح ويريه اعلام الرضا ثم يكفره احد بغير شرع ولا قياس عليه والايمان لايخرج عنه الابنبذه واطراحه وتركه واعتقاد مالايتم الايمان معه ولايحصل بمفارقته وليس فى افشاء الولى شئ مما يناقض الايمان اللهم الا ان يريد بافشائه وقوع الكفر من السامع له فهذا عابث متمرد وليس بولى ومن اراد من خلق الله ان يكفروا بالله فهو لامحالة كافر وعلى هذا يخرج قوله تعالى ولاتسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم ثم انه من سب احدا منهم على معنى ما يجدله من العداوة والبغضاء قيل له اخطأت واثمت من غير تكفير وان كان انما فعل ذلك ليسمع سب الله وسب رسوله فهو كافر بالاجماع اه (وقال بعضهم) اى العارفين ومثله فى القوت ايضا ولكن سياق المصنف فى الاملاء الآتى ذكره صريح فى انه قول سهل التسترى وهو محل تأمل (للربوبية سر لو ظهر لبطلت النبوة وللنبوة سر لو كشف بطل العلم وللعلم سر لو @ ظهر لبطلت الاحكام) وهذا القول ايضا اورده صاحب القوت الا انه قال وللعلماء بالله سر لو اظهره الله تعالى لبطلت الاحكام ثم قال فقوام الايمان واستقامة الشرع بكتم السر به وقع التدبير وعليه انتظم الامر والنهى والله غالب على امره اه (وهذا القائل) من العارفين (ان لم يرد بذلك بطلان النبوة فى حق الضعفاء لقصور فهمهم) عن ادراك المعارف الخفية (فما ذكره ليس بحق بل الصحيح انه لاتناقض وان الكامل من لايطفئ نور معرفته نور ورعه وملاك الورع النبوة) قال المصنف فى الاملاء فان قيل فما معنى قول سهل الذى ينسب اليه للالهية سر الخ وجاء فى الاحياء على اثر هذا القول وقائل هذا ان لم يرد به بطلان النبوة فى حق الضعفاء فما قاله ليس بحق فان الصحيح لايتناقض والكامل من لايطفئ نور معرفته نور ورعه وهذا وان لم يكن من الاسئلة المرسومة فهو متعلق منها بما فرع من الكلام فيه آنفا وناظر اليه اذ ما ادى افشاؤه الى بطلان النبوة والاحكام فهو كفر والجواب ان الذى قاله رحمه الله وان كان مستعجما فى الظاهر فهو قريب المسلك بادى الصحة للمتأمل الذى يعرف مصادر اغراضهم ومسالك اقوالهم وسر الالوهية الذى بمعرفته يستحق النبوة من وصل الى الله باليقين الذى لولاه لم يكن نبيا لايخلو اما ان يكون انكشافه من الله تعالى مما يطلع على القلوب من الانوار التى كانت غالبة عنها بان كانت القلوب ضعيفة طرأ عليها من الدهش والاصطلام والحيرة والتيه ما يبهر العقول ويفقد الاحساس ويقطع عن الدنيا ومافيها وذلك لضعفه ومن انتهى الى هذه الحالة فتبطل النبوة فى حقه ان يعرفها أو يعقل ما جاء من قبلها اذ قد شغله عنها ما هو اعظم لديه منها وربما كان ذلك سبب موته لعجزه عن حمل ما يطرأ عليه كما حكى ان شابا من سالكى طريق الآخرة عرض عليه ابو يزيد ولم يره من قبل فلما نظر اليه الشاب مات لساعته فقيل له فى ذلك فقال كان فى صدره امر لم تنكشف له حقيقته فلما رآنى انكشف له وكان فى مقام الضعفاء من المريدين فلم يطق حمله فمات به واما ان يكون انكشافه من عالم به على جهة الخبر عنه فتبطل النبوة فى حق المخبر حيث نهى عن الافشاء فافشى وامر ان لا يتحدث فلم يفعل فخرج بهذه المعصية عن طاعة النبى صلى الله عليه وسلم فيها فلهذا قيل فى ذلك بطلت النبوة فى حقه باخباره فان قلت فلم لاتكفروه على هذا الوجه اذا بطلت النبوة فى حقه باخباره قلنا لم يبطل فى حقه جميعها وانما بطل فى حقه منها ما خالف الامر الثابت من قبلها ويعد مقوله من الكلم اغلاء وتغليظا لحق الافشاء وقد سبق الكلام عليه فى معنى افشاء سر الربوبية واما سر النبوة الذى اوجب بطلان العلم لمن رزقها او رزق معرفتها على الجملة اذ النبوة لايعرفها بالحقيقة الا نبى فان انكشف ذلك لقلب احد بطل العلم فى حقه باعتبار المحبة له بالامر المتوجه عليه بطلبه والبحث عنه والتفكر فيكون كالنبى اذا سئل عن شئ او وقعت له واقعة لم يحتج الى النظر فيها ولا الى البحث عنها بل ينتظر ماعود من كشف الحقائق باخبار ملك او ضرب مثل يفهم اياه او اطلاع على اللوح المحفوظ او القاء فى روع فيعود ذلك اصلا فى العلم ونسخا له معنى يقيس عليه غيره واما ان يكون كشفه بخبر ممن رزق علم ذلك كان بطلان العلم فى حق المخبر اذا افشاه لغير اهله واهداه لمن لايستحقه كما روى ان عيسى عليه السلام قال لاتعلقوا الدر فى اعناق الخنازير وانما اراد ان لايباح العلم غير اهله وقد جاء لاتمنعوا الحكمة اهلها فتظلموهم ولاتضعوها عند غير اهلها فتظلموها واما سر العلم الذى يوجب كشفه بطلان الاحكام فان كان كشفه من الله تعالى لقلوب ضعيفة بطلت الاحكام فى حقها لما تطلع عليه فى ذلك السر من معرفة مال الاشياء ومواقف الخلق وكشف اسرار العباد وما بطن من المقدور فمن عرف نفسه مثلا انه من اهل الجنة لم يصل ولم يصم ولم يتعب نفسه فى خير وكذلك لو انكشف له انه من اهل النار كمل انهما كه فلا يحتاج الى تعب زائد ولانصب مكايد فلو عرف كل واحد عاقبته وماله بطلت الاحكام الجارية عليه وان كان كشفها من مخبر استروح الضعيف الى ما يسمع من ذلك فيتعطل وينخرم حاله وينحل قيده وبعد هذا فلا يحمل كلام سهل رحمه الله @ الاعلى ما تعذر لاعلى مايوجد ولذلك جعله مقرونا بحرف لو الذال على امتناع لامتناع غيره كما يقال لو كان للانسان جناحان لطار ولو كان للسماء درج لصعد اليها ولو كان البشر ملكا لفقد الشهوة فعلى هذا يخرج كلام سهل رحمه الله فى ظاهر الامر والله اعلم اه (مسئلة) اخرى (فان قلت هذه الآيات) القرآنية (والاخبار) الواردة من طريقق الثقات (تتطرق اليها تأويلات) تصرفها عن ظواهرها (فبين) لنا واوضح (اختلاف كيفية الظاهر والباطن فان الباطن ان كان مناقضا للظاهر ففيه ابطال الشرع وهو قول من قال ان الحقيقة خلاف الشريعة وهو كفر) وضلال (فان الشريعة عبارة عن الظاهر) اى ظاهر الاحكام المتلقاة على لسان الشرع (والحقيقة عبارة عن الباطن) وهو العلم المستفاد من باطن هذه الاحكام (وان كان لا يناقضه ولا يخالفه فهو هو) بعينه (فيزول به الانقسام) اى انقسام العلوم الى خفية وجلية (ولايكون) على هذا (للشرع سر لا يفشى) ويؤمر بالكتمان (بل يكون الخفى والجلى) منه (واحدا) وقد اجاب عن هذا الاشكال بقوله (فاعلم ان هذا السؤال يحرك خطبا عظيما) وامرا جسيما (وينجر الى علوم المكاشفة ويخرج عن مقصود علم المعاملة) الذى نحن بصدده (وهو غرض هذه الكتب فان العقائد التى ذكرناها) فى هذا الكتاب (من اعمال القلوب فقد تعبدنا) والزمنا (بتلقيها بالقبول) والاذعان (والتصديق بعقد القلب عليها) وربطه عليها اشار بذلك الى معناها اللغوى (لا بان يتوصل) بها (الى ان تنكشف لنا حقائقها) كما هى هى (فان ذلك لم يكلف به كافة الناس) والا وقعوا فى حرج عظيم (ولولا انه) اى مجموع ما ذكر من العقائد (من الاعمال لما اوردناه فى هذا الكتاب ولولا انه عمل ظاهر القلب لاباطنه لما اوردناه فى الشطر الاول من الكتاب وانما الكشف الحقيقى) الذى هو معرفة الاشياء على ما هى عليها (هو صفة سر القلب) وباطنه (ولكن اذا انجز الكلام) والبحث (الى تحريك خيال) واثارة شبهة (فى مناقضة الظاهر للباطن) فى بادئ الرأى (فلابد من) ايراد (كلام وجيز) مختصر (فى حله) والكشف عن مظاله (فمن قال ان الحقيقة تخالف الشريعة او) زعم ان (الباطن يناقضه الظاهر فهو الى الكفر) والضلال (اقرب منه الى الايمان) والرشد (بل الاسرار التى تختص بها المقربون) الى الحضرات الالهية (بدركها) ومعرفتها واحاطتها (ولا يشاركهم الاكثرون) من العلماء (فى علمها) اى معرفتها (ويمنعون من افشائها) واظهارها لهم و(اليهم) فانها (ترجع الى خمسة اقسام) بالحصر والاستقصاء وماعداها مما تسبق اليه الاذهان راجع اليها عند التأمل التام (الاول ان يكون الشئ فى نفسه) اى حد ذاته (دقيقا) خفيا لشدة خفائه (تسكل اكثر الافهام) وتمنع (عن دركه) على حقيقته (فيختص بدركه الخواص) من عباد الله الذين اختصهم الله لقربه وجعلهم من اهل الاختصاص وهم المفتوح عليهم باب الواردات الالهية (وعليهم) انهم اذا كشف لهم عن سر ذلك الشئ (ان لايفشوه الى غير اهله) الذى ليس من ارباب ذلك الدرك (فيصير) ذلك الافشاء (فتنة عليهم) ومصيبة لهم (حيث تقصر افهامهم) الجامدة (عن الدرك واخفاء سر الروح وكف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيانه من هذا القسم) اخرج البخارى ومسلم من حديث عبدالله بن مسعود حين سأله اليهود عن الروح قال فامسك النبى صلى الله عليه وسلم فلم يرد عليهم شيئا الحديث وقال ابن عباس قالت اليهود للنبى صلى الله عليه وسلم اخبرنا ما الروح وكيف تعذب الروح التى فى الجسد وانما الروح من امر الله ولم يكن نزل اليه فيه شئ فلم يجبهم فأتاه جبريل عليه السلام بالآية ويسئلونك عن الروح قل الروح من امر ربى وما اوتيتم من العلم الا قليلا (فان @ حقيقته مماتكل الافهام عن دركه وتقصر الاوهام عن تصور كنهه) ولذلك اختلف فيه الاختلاف الكثيرعلي ما تقدم بيانه وتفصيله في أخر كتاب العلم (ولاتظنن أن ذلك لم يكن مكشوفا لرسول الله صلي الله عليه وسلم فان من لم يعرف الروح) الذي به قوام كل ذات (فكأنه لم يعرف نفسه فكيف يعرف ربه) وعليه يخرج قولهم من عرف نفسه فقد عرف ربه (ولا يبعد أن يكون ذلك مكشوفا) ايضا (لبعض الاوليه) العارفين بما ألقي في روعهم بالنفث والالهام بل (العلماء) الراسخين (وان لم يكونوا انبياء ولكنهم يتأدبون باداب الشرع فسيكتون عما سكت عنه) أي من حيث انه صلي الله عليه وسلم أمسك عن الاخبار عن الروح وما هيته باذن الله تعالي ووحيه وهو صلي الله عليه وسلم معدن العلم وينبوع الحكمة لا يسوغ لغيره الخوض فيه والاشارة اليه لاجرم لما تقاضت النفس الانسانية المتطلعة الي الفضول المنشوفة الي المعقول المتحركة بوضعها الي كل ما أمرت بالسكوت فيه والمستورة بحرصها الي كل تحقيق وكل تمويه وأطلقت عنان النظر في مسارح الفكر وخاضت غمرات ما هية الروح تاهت في التيه وتنوعت آراؤها فيه ولم يوجد الاختلاف بين أرباب النقل والعقل في شيء كالاختلاف في ماهية الروح ولو لزمت النفوس حدها معترفة بعجزها كان ذلك أجدر بها وأولي (بل في صفات الله تعالي من الخفايا) أي الاسرارالخفية (ما تقصر أفهام الجماهير) أي كثير من الناس (عن دركه) ومعرفته (ولم يذكر رسول الله صلي الله عليه وسلم منها الا الظراهر للافهام من العلم والقدرة وغيرهما) من الصفات (حتي فهمها الخلق بنوع مناسبة توهموها الي علمهم وقدرتهم اذا كان لهم من الاوصاف ما يسمي علما وقدرة فيتوهمون ذلك بنوع مقايسة ولو ذكر من صفاته) عزوجل (مما ليس للخلق مما يناسبه بعض المناسبة شيء لم يفهموه) ولنفر الناس عن قبوله ولبادروا بالانكاروقالوا هذا عين المحال ووقعوا في التعطيل في حق الكافة الا الاقلين وقد بعث صلي الله عليه وسلم داعيا للخلق الي سعادة الأخرة ورحمة للعالمين فكيف ينطق بما فيه هلاك الاكثرين (بل لذة الجماع اذا ذكرت للصبي) لم يدركها (او العنين) هو الذي لايقدرعلي اتيان النساء أو لا يشتهيهن (لم يفهمها الا بمناسبة لذة المطعوم الذي يدركه) كالسكر أو العسل مثلا (ولا يكون ذلك فهما غل التحقيق) كما ينبغي فان اللذة التي تحصل من استعمال السكر مثلا (والمخالفة بين علم الله وقدرته وعلم الخلق وقدرتهم أكثرمن المخالفة بين لذه الجماع والاكل) وهذا لايستراب فيه وقال المصف في المقصد الاسني فان قلت لوكان لناصبي اوعنين ما السبيل الي معرفته الي معرفته لذة الوقاع وادراك حقيقته قلنا ههنا سبيلان أحداهما ان نصفه لك حتي تعرفه والآخر تصبر حتي تظهر فيك غريزة الشهوة ثم تباشر الوقاع حتي تظهر فيك لذته فتعرفه وهذا السبيل الثاني هو السبيل المحقق المفضي الي حقيقة المعرفة فاما الاول فلا يفضي الا الي توهم الشيء بما لايشبهه اذغايتنا أن نمثل لذه الوقاع عنده بشيء من اللذات التي يدركها العنين كلذه الطعام الحلو مثلا فنقول له اما اعرف أن السكر لذيذ فلا تجد عند تناوله طيبة وتحس في نفسك راحة قال نعم قلنا الجماع أيضا كذلك افتري ان يفهم حقيقة لذة الجماع كما هي حتي ينزل في معرفتها منزلة من ذاق تلك اللذة وادركها هيهات هيهات وانما غاية هذا الوصف ايهام وتشبيه ومشاركة في الاسم لكن يقطع تلك اللذة التشبية بأن يقال ليس كمثله فهو حي لا كالاحياء وقادر لا كالقادرين كما يقال الوقاع لذيذ كالسكر ولكن تلك اللذه لا تشبه هذه البتة ولكن تشاركها في الاسم وكان اذا عرفنا أن الله تعالي حي عالم قدير عالم فلم نعرف أو لا الا بأنفسنا اذ الاصم لايتصور أن يفهم معني قولنا ان الله سميع ولا الآ ... معني قولنا ان الله بصير وكذلك اذا قال القائل كيف يكون الله عالما بالاشياء فنقول له كما تعلم أنت أشياء فلا يمكنه أن يفهم شيأ الا اذا كان فيه ما يناسبه فيعلم أولا ما هو متصف به ثم يعلم غيره بالمناسبة اليه فاذا كان لله تعالي وصف وخاصية ليس فينا ما يناسبه ويشاركه ولو في الاسم لم يتصور فهمه البتة فاعرف @ أحد الانفسه ثم قايس بين صفات الله تعالي وبين صفات نفسه وتتعلي صفات الله وتتقدس عن أن تشبه صفاتنا (وبالجملة فلا يدرك الانسان الا نفسه وصفات نفسه مما هي حاضرة له في الحال) موجودو لديه (أومما كانت له من قبل) فيتذكرها (ثم بالمناسبة اليه يفهم ذلك لغيره) مقايسة (ثم) انه (قديصدق) في نقسه (بان بينهما تفاوتا) وتمييزا (في الشرف والكمال) والعلو (فليس في قوة البشر الا أن يثبت لله تعالي ماهو ثابت لنفسه من الفعل والعلم والقدرة وغيره من الصفات) التي يتوهم فيها الاشتراك (مع التصديق) الجازم (بان ذلك) أي ما ثبت لله تعالي (أكمل وأشرف) واعلي (فيكون معظم تحويمة وتعريجه (علي صفات نفسه) فقط (لاعلي ما اختص الرب تعالي به من الجلال) والعظمة قال الصنف في المقصد الاسني ولا يتبغي أن المشاركة بكل وصف توجب المماثلة أتر الي الضدين يتماثلان وبينهما غاية البعد الذي لا يتصور أن يكون بعد فوقه وهما متشاركان في أوصاف كثيرة اذ السود يشارك البباض في كونه عرضا وفي كونه عرضا وفي كونه مدركا بالبصر وأمورا أخري سواء افتري من قال أن الله تعالي موجود لا في محل وانه سميع بصير عالم مريد سكام حي قادر فاعل وللانسان أيضا كذلك فقد شبه قائل هذا اذلا أقل من اثبات المشاركة في الوجود وهو موهم للمشابهة بل المماثلة عبارة عن المشاركة في النوع والماهية فكون العبد رحيما صبورا شكورا لا يوجب المماثلة ولا لكونه سميعا عالما قادر حيا فاعلا اه (ولذلك قال صلي الله عليه وسلم لا احصي ثناء عليك أنت كما أثنيت علي نفسك) أخرج مسلم من حديث عائشة رضي الله تعالي عنها انها سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول ذلك في سجوده قاله العراقي قالت قال مسلم حدثنا أبوبكر بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة هو جاد ابن اسامة عن عبد الله بن عمر عن محمد بن يحي بن حبان عن الاعرج عن أبي هريرة عن عائشة رضي الله عنها قالت فقدت رسول الله صلي الله عليه وسلم ذات ليلة من الفراش فالتمسته فوقعت يدي علي نطن قدميه وهو في المسجد وهما منصوبتان وهو يقول اللهم اني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا احصي ثناء عليك أنت كما أثنيت علي نفسك وأخرجه الامام أحمد عن أبي أسامة قال الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث الاذكار وفي السند لطيفة وهي رواية صحابي عن صحابي أبو هريرة عن عائشة (وليس المعني اني أعجز عن التعبير عما أدركت بل هو اعترف بالقصور عن ادراك كنه جلاله) وقال المصنف في المفصد الاسني ولم يرد به انه عرف منه مالا يطاوعه لسانه في العبارة عنه بل معناه اني لا أحيط بمحامدك وصفات الهيتك وانما أنت المحيط بها وحدك فاذا لا يحيط مخلوق من ملاحطة حقيقة ذاته الا بالحيرة والدهشة وأما اتساع المعرفة فانما يكون في معرفة أسمائه وصفاته اه (ولذلك قال بعضهم) وهو أبو القاسم الجنيد رحمه الله تعالي كما صرح به المصنف في المقصد الاسني (ما عرف الله بالحقيقة سوي الله عزوجل) قال المصنف بل أقول يستحيل أن يعرف النبي صلي الله عليع وسلم غير النبي وأمامن لانبؤة له أصلا فلا يعرف من النبوة الا اسمها وانها خاصية موجودة لانسان بها يفارق من ليس نبيا ولكن لا يعرف ماهيه تلك الخاصية الا النبي خاصة فأما من ليس بنبي فلا يعرفها البتة ولا يفهمها الا بالتشبيه بصفات نفسه بل أزيد وأقول لا يعرف أحد حقيقة الموت وحقيقة الجنة والنارالا بعد الموت ودخول الجنة والنار قال في موضع آخر منه الخاصية الالهية ليست الا لله تعالي ولا يعرفها الا الله تعالي ولذلك لم يعط أجل خلقه الا أسماء حجبه فقال سبح اسم ربك الاعلي فوالله ما عرف الله غير الله في الدنيا والاحرة وقيل لذي النون وقد أشرف علي الموت ماذا تشتهي قال أن أعرف قبل أن اموت ولو بلحظة اه (وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه) في بغض خطبه علي المنبر (الحمد لله الذي لم يجعل للخلق سبيلا الي معرفته الا بالعجز عن معرفته) ويروي@ عنه أيضا العجز عن درك الادراك ادراك قال المصنف في كتابه المذكور نهاية معرفة العارفين عجزهم عن المعرفة ومعرفتهم بالحقيقة هي انهم لا يعرفونه وانهم لا يمكنهم البتة معرفتة وانه يستحيل أن يعرغ الله المعرفة الحقيقية المحيطة بكنه صفات الربوبية الا الله تعالي فاذا انكشف لهم ذلك انكشافا برهانيا فقد عرفوه أي بلغوا المنتهي الذي يمكن في حق الخلق من معرفته ثم قال وللمعرفة سبيلان أحدهما السبيل الحقيقي وذلك مسدود الا في حق الله تعالي فلا يهتم أحد من الخلق لنيله وادراكه الا ردته سبحات الجلال الي الحيرة ولا يئسرئب أحد لملاحظته الاغطي الدهش طرفه وأما السبيل الثاني وهو معرفة الصفات والاسماء فذلك مفتوح للخلق وفيه تتفاوت مراتبهم فليس من يعلم انه عالم قادر علي الجملة كمن شاهد عجائب آياته في ملكوت السموات والارض وخلق الارواح والاجساد واطلع علي بدائع المملكة وغرائب الصنعة ممعنا في التفاصيل ومستغرقا في دقائق الحكمة ومستوفيا لطائف التدبير ومتصفا بجميع الصفات اللكية المقربة من الله تعالي نائلا تلك الصفات نيل اتصاف بها بينهما من البون البعيد مالا يكاد يحصي وفي تفاصيل ذلك ومقاديره تتفاوت الانبياء والاولياء ولن يصل ذلك الي فهمك الا بمثال ولله المثل الاعلي ولكنك اعلم أن العالم التقي الكامل مثلا مثل الشافعي رضي الله عنه يعرفه المزني تلميذه والبواب يعرف انه عالم بالشرع ومصنف فيه ومرشد خلق الله تعالي اليه علي الجملة والمزني يعرفه لا كمعرفة البواب بل يعرفة بمعرفة محيطة بتفاصيل صفاته ومعلوماته بل العالم الذي يحسن عشرة أنواع من العلوم لا يعرفه بالحقيقة تلميذه الذي لم يحصل الانواعا واحد فضلا عن خادمه الذي لم يحصل شيا من علومه بل الذي حصل علما واحدا فانما عرف علي التحقيق عشره اذا ساواه في ذلك العلم حتي لم يقصر عنه فان قصر عنه فليس يعرف بالحقيقة ما قصر عنه الا بالاسم وايهام الجملة وهو انه يعرف انه يعلم شيا سوي ماعلمه فكذلك فافهم تفاوت الخلق في معرفة الله تعالي فبقدر ما انكشف له من معلومات الله تعالي وعجائب مقدوراته وبدائع آياته في الدنيا والآخرة والملك والملكوت تزداد معرفتهم بالله تعالي وتقرب معرفتهم من معرفته الحقيقة فان قلت فاذا لم يعرفوا حقيقة الذات واستحال معرفتها فهل عرفوا الاسناء والصفات معرفة تامة حقيقية قلنا هيهات ذلك لا يعرفه بالكمال في الحقيقة الا الله تعالي لاننا اذا علمنا ذاتنا عالمة فقد علمنا شيا مهما لاندري حقيقه لكن ندري ان له صفة العلم فان كانت صفة العلم معلومة لنا حقيقة كان علمنا بانه عالم أيضا علما تاما بحقيقة هذه الصفة والافلا ولا يعرف أحد حقيقة علم الله تعالي الا من له مثل عمله وليس ذلك له فلا يعرفه سواه تعالي وانما يعرفه غيره بالتشبيه بعلم نفسه كما أوردناه من مثال التشبيه بالسكر وعلم الله تعالي لايشبه علم الخلق البتة فلا يكون معرفته به معرفة تامة حقيقية أصلا بل ايهامية تشبيهيه (ولنقبض عنان الكلام عن هذا لنمط) فقد خضنا لجة بحر لا ساحل له وأمثال هذه الاسرار لا ينبغي أن تبذل بابداعها في الكتب واذا جاء هذا غرضا غير مقصود فلنكشف عنه (ولنرجع الي الغرض وهو ان أحد الاقسام) المذكورة (ماتكل الافهام عن ادراكه) ومعرفة حقيقته (ومن جملته الروح ومن جملته بعض صفات الله تعالي ولعل الاشارة الي مثله في قوله صلي الله عليه وسلم ان لله سبحانه سبعين حجابا من نور لوكشفها لاحرقت سبحات وجهه كل من أدركه بصره) وهكذا أورده المصتف في كتابه مشكاة الانوار الا انه قال من نور وظلمة والباقي سواء قال وفي بعض الروايات سبعمائة وفي بعضها سبعين الفا اه وفي كتاب الاسماء والصفات لابي منصور التميمي انه صلي الله عليه وسلم وصف ربه عزوجل فقال حجابه النور لوكشفه لاحرقت سبحات وجهه كل شيء أدركته وفي رواية دون الله سبعون ألف من نور وظلمة اه وقال العراقي أخرج أبو الشيخ بن حبان في كتاب العظمة من حديث أبي هريرة بين الله وبين الملائكة الذين حول العرش سبعون حجابا من نور واسناده ضعيف وفيه أيضا من حديث أنس قال قال رسول الله@ صلي الله عليه وسلم لجبريل هل تري ربك قال ان بيني وبينه لسبعين حجابا من نور وفي الكبير للطبراني من حديث سهل بن سعد دون الله تعالي سبعون الف حجابا من نور وظلمة ولمسلم من حديث أبي موسي حجابه النور لو كشفه لاحرقت سبحات وجهه ما انتهي اليه بصره من خلفه ولابن باجه كل شيء أدركه بصره اه قال أبو منصور التميمي في كتابه المذكور كل خبر ذكر فيه الحجاب فانه يرجع معناه الي الخلق لانهم هم المحجوبون عن رؤية الله عزوجل وليس الخالق محجوبا عنهم لانه يراهم ولا يجوز أن يكون مستورا بحجاب لان ا\ما ستره غيره فساتره أكبر منه وليس لله عزوجل حد ولا نهايه فلا يصح أن يكون بغيره مستورا ودليله قوله عزوجل كلا انهم عن ربهم يومئذ لمجحوبون ولم يقل في انه محجوب عنهم ويؤيد ذلك ما رواه ابن ليلي عن علي رضي الله عنه انه مر بقصاب فسمعه يقول في يمينه لا والذي احتجب سبعة اطباق فعلاه بالدرة وقال له يالكع ان الله لايحتجب عن خلقه بشيء ولكنه حجب خلقه عنه فقال له القصاب أولا أكفر عن يميني يا أمير المؤمنين فقال لا انك حلفت بغير الله فأ ما قوله لو كشفها لاحترقت سبحات وجهه فقد تأوله أبو عبيد علي ان المرادبه لوكشف الرحمة عن النار لاحرقت من علي الارض وكذلك قوله دون الله سبعون ألف حجاب من نور وظلمة معناه انها أجمع حجاب لغيره لانه غير محصور في شيء وقيل معناه ان لله عزوجل علامات ودلالات علي وحدانيته لو شاهدها الخلق لقامت مقام العيان في الدلالة عليه غير انه خلق دون تلك الدلائل سبعين ألف حجاب من نور وظلمة ليتوصل الخلق الي معرفته بالادلة النظرية دون المعارف الضرورية اه وفصل الخطاب في هذا المقام ما قاله المصنف في مشكاة الانوار في تفسير هذا الحديث ما نصه ان الله متجلي في ذاته بذاته ويكون الحجاب بالاضافة الي محجوب لامحالة وان المحجوبين من الخلق ثلاثة أقسام منهم من يحجب بمجرد الظلمة ومنهم من يحجب بالنور المحض ومنهم من يحجب بنور مقرون بظلمة واصناف هذه الاقيام كثيرة ويمكنني أن أتكلف حصرها لكني لا أثق بما يلوح من تحديد وحصر اذ لا ادري انه المراد بالحديث أم لا أما الخصر الي سبعمائة أوسبعين ألفا فتلك لا يتقل بها الا القوة النبوية مع ان ظاهر ظني ان هذه الاعداد مذكورة للتكثير لا للحديد وقد تجري العادة بذكر أعداد ولا يراد به الحصر بل التكثير والله أعلم بتحقيق ذلك وذلك خارج عن الوسع وانما الذي يمكنني الان أن أعرفك هذه الاقسام وبعض أصناف كل القسم الاول المحجوبون بمحض الظلمة وهؤلاء صنفان والصتف الثاني منهما ينقسمون أربعة فرق وأصناف الفرق الرابعة لا يحصون وكلهم محجون عن الله الظلمة وهي نفوسهم المظلمة والقسم الثاني طائفة حجبوا بنور مقرون بظلمة وهم ثلاثة أصناف صنف منشأ ظلمتهم من الحس وصنف منشأ ظلمتهم من الخيال وصنف منشأ ظلمتهم عن مقايسات عقلية فاسدة وفي الصنف الاول طوائف ستة لايخلو واحد منهم عن مجاوزة الالتفات الي نفسه والتشوق الي معرفة ربه وفي الصتف الثاني أيضا طوائف وأحسنهم رتبة الجسمة ثم الكرامية وفي الثالث أيضا فرق فهؤلاء كلهم أصناف القسم الثاني الذين حجبوا بنور مقرون بظلمة والقسم الثالث هم المحجوبون بمحض الانوار وهم أربعة أصناف الواصلون منهم الصنف الرابع وهم الذين تجلي لهم ان الرب المطلع موصوف بصفة لاتتناهي في الوحدانية المحضة والكمال البالغ وان نسبة هذا المطلع الي الموجودات الحسية نسبة الشمس في الانوار المحسوسة منه فتوجهوا من الذي يحرك السموات ومن الذي أمر بتحريكها الي الذي فطر السموات وفطر الارض بتحريكها فوصلوا الي موجود منزه عن كل ما أدركه بصر الناظرين وبصيرتهم اذ وجدوه مقدسا منزها ثم انقسموا فنهم من أحرق منه جميع ما أدركه بصره وانمعق وتلاشي ولكن بقي هو ملاحظا للعمال والقدس وملاحظا ذاته في جماله الذي ناله بالوصول الي الحضرة الالهية وانمعقت منه المبصرات دون المبصر وجاوز هؤلاء طائفة منهم خواص الخواص فأحرقتهم سبحات وجهه وغشيهم@ سلطان الجلال وأمحقوا وتلاشوا في ذاته ولم يبق لهم لحاظ الي أنفسهم بفنائهم عن أنفسهم ولم يبق الا الواحد الحق وصار معني قوله تعالي كل شيء هالك الا وجهه لهم ذوقا وحالا فهذه نهاية الواصلين ومنهم من لم يتدرج في الترقي والعزوج عن التفصيل الذي دكرناه ولم يطل عليه العروج فسبقوا في أول وهله الي معرفة القدس وتنزيه الربوبية عن كل ما يجب تنزيهه عنه فغلب عليهم أولا ما غلب علي الآخرين آخرا وهجم عليهم التجلي دفعة فأحرقت سبحات وجهه جميع ما يمكن أن يدركه بصر حسي أو بصيرة عقلية ويشبه أن يكون الاول طريق الخليل والثاني طريق الحبيب صلوات الله وسلامه عليهما والله أعلم بأسرار اقدامهما وأنوار مقامهما فهذه اشارة الي أصناف المحجوبين ولا يبعد أن يبلغ عددهم اذا فصلت المقامات وتتبع حجب السالكين سبعين ألفا واذا افتشت لا تجد واحد منهم خارجا عن الاقسام التي حصرناها فانهم انما يحجبون بصفاتهم اليشرية أو بالحس أو بالخيال أو بمقايسة العقل أو بالنور المحض كما سبق والله أعلم اه (القسم الثاني من الخفايا التي تمتنع الانبياء) عليهم السلام (والصديقون) ومن علي قدمهم من الاولياء العارفين والعلماء الراسخين (عن ذكرها) وبيانها (ما هو مفهوم في نفسه) أي في حد ذاته (لا يكل الفهم عنه) ولا يقصرعن ادراكه (ولكن ذكرها يضربأكثر المسنمعين) بالافتتان في دينه (ولا يضر بالانبياء والصديقين) لرسوخ قدمهم وعدم تزلزلهم في المعرفة الحقيقية وأكثر المستمعين لا يخلوا ما أن يكون جاهلا فذكره له نور يط في الكفر من حيث لا يشعر أو عارفا فعجزه عن تفهمه كعجزه البالغ عن افهم ولده الصبي مصالح بيت وندبيره بل عن تفهمه مصلحته في خرجه الي المكتب بل عجزالصانع عن تفهيم النجار دقائق صناعنه فان النجاروان كان بصيرا في صناعته فهو عاجزعن دقائق الصناعة فالمشغولون بالدنيا وبالعلوم التي ليست من قبيل معرفة الله تعالي عاجزون عن معرفة الامور الالهيه كعجز كافة المعرضين عن الصناعات وعن فهمها (وسر القدر الذي منع أهل العلم من افشائه من هذا القسم) وقد أنكر صلي الله عليه وسلم علي قوم يتكلمون في القدر ويسألون عنه وقال أبهذا أمرتم (فلا يبعد أن يكون ذكربعض الحقائق مضرا بعض الخلق) مفتنالهم في دينهم (كما يضر نور الشمس بابصار الخفافيش) جمع خفاش طائر معروف (وكما تضر رياح الورد بالجعل) بضم الجيم وفتح العين نوع من الخنافس يدحرج العذرة وقد نظمه ابن الوردي لاميته بقول أيها الجاعل قولي عبثا ... * ... أن طيب الورد مؤذ بالجعل (وكيف يبعد هذا وقولنا ان الكفرو الزناو) سائر (المعاصي والشر ور بقضاء الله تعالي وارادته ومشيئته حق في نفسه) أي في حد ذاته (ونقيض الحكمة والرضا بالقبيح والظلم) فنسبوا ذلك الي فعل العبد وتخليقه فرارا ممارأوهموا فيه ووتوهموه وسموا أنفسهم بأهل العدل في التوحيد وهم بعيدون عن العدل (وقد ألحد ابن الراوندي) رجل من مشهوري الملاحدة وله كتاب أيضا في بيان معتقد المعتزله وكلامه محشو بالكفريات يتناشده الناس وراوند التي نسب اليها قرية بقاشان من أعمال أصبهان وأصبهان وأصلها شيعة (وطائفة من المخذولين) الذين علي قدمه في سوء الاعتقاديات (بمثل ذلك) أي بمثل قول المعتزلة فزعم جمهورهم ان المعاصي كلها كانت من غير مشيئة لله فيها وزعم البغداديون منهم ان الله تعالي لم يخلق لاحد شهوة الزنا ولا شهوة شيء من المعاصي كما زعموا انه ما خلق لاحد اردة المعصية وزعم البصريون منهم انه خالق الشهوات للانسان الزنا والمعاصي ولا يجوز أن يخلق ارادة الزنا والمعصية (وكذلك سرا القدر لو أفشي) أي أظهر (أوهم أكثر الخلق عجزا) في قدرة الله تعالي (اذ تقصر افهامهم عن ادراك ما يزيل ذلك الوهم) ويصرفه عنهم بأول وهلة فلذلك جاء الامر بالكتمان في بعض الحقائق دون بعض (ولو قال قائل ان القيامة لو ذكر ميقاتها) المعلوم (وانها تقوم (بعد) مضي (ألف سنة) من الهجرة مثلا (أو أكثر أو أقل لكان ذلك@ مفهوما) أي معلوما في الاذهان (ولكن لم يذكر) ذلك نظرا (لمصلحة العباد وخوفا من) وقوع الناس في (الضرر) والفساد (فلعل المدة اليها بعيدة فيطول الامد) فتقسو قلوبهم (واذا استبطأت النفوس) البشرية (العقاب) وعلمته بعيدا (قل اكثراثها) في أمور الآخرة (ولعلها كانت قريبة في علم الله تعالي ولكن (لو ذكرت) أي ذكر ميقاتها (لعظم الخوف) وامنلأت الصدور من الرهبة (وأعرض الناس عن الاعمال) الخيرية (وخربت الدنيا) وبطل نظامها فلاجل هذه النكتة أخفي أمرها (فهذا المعني لو اتجه وصح فيكون مثالا لهذا القسم) الثاني في أصل ذلك مفهوم لايكل الفهم عنه ولكن ذكره مضر بالاكثرين (القسم الثالث أن يكون الشيء بحيث لو ذكر صريحا) ظاهرا (لفهم) معناه (ولم يكن فيه ضرر) يصيب السامع (ولكن يكني عنه) أي يؤتي بالكناية (علي سبيل الاستعارة والرمز) اي الاشارة والاستعارة ادعاء معني الحقيقة في الشيء للمبالغة في التشبيه مع طرح ذكر المشبه من البين (ليكون وقعه في قلب المستمع أغلب) وأقوي مما ذكر مصرحا (وله مصلحة) ظاهرة (في أن يعظم وقع ذلك الامر في قلبه كما لو قال قائل) لقيت أسدا يعني رجلا شجاعا فلا يخفي ان هذا أوقع في القلب من قوله لقيت رجلا شجاعا وأخصر وكذا قوله (رأيت فلانا يقلد الدرفي أعناق الخناز يرفكني به عن افشاء العلم) ونشره (وبث الحكمة الي غير أهلها فالمستمع قد يسبق الي فهمه) أول وهله (ظاهره) الذي هو تقليد الدر في أعناق الخناز ير حقيقة (والمحقق) الكامل (اذا نظر) ببصيرته (وعلم ان ذلك الانسان لم يكن معه در) وهو الجوهر المعروف (ولا كان في موضهه خنزير) وهو الحيوان المعروف (تفطن لدرك السر الباطن) فوجده أراد بالدر العلم والحكمة وأراد بالخنزير الجهال والبداء وأراد بالتعليق البث والافاده (فيتفاوت الناس بذلك) أي من هنا جاء التفاوت في فهوم الناس (ومن هذا) القسم (قال الشاعر ... رجلان خياط ووأخر حائك ... * ... متقابلات علي السماك الآول) السماك بالكسرنجم نير وينزله القمر وهما سما كان أعزل ورامح وفي بعض النسخ السماك الاعزل ورامح وفي بعضها السماء الاول ... (لازال ينسج ذاك خرفة مدبر ... * ... ويخيط صاحبه ثياب المقبل وفي البيت لف ونشر غير مرتب وبين المقبل والمدبر حسن مقابلة (فانه) أي الشاعر (عبر عن سبب سماوي) هكذا قالوا ومنسوب الي السماء والهمزة تقلب واو عند النسب وفي نسخة سمائي (في الاقبال والادبار برجلين صانعين) الخياط والحائك (وهذا النوع يرجع الي التعبير عن المعني) المراد (بالصور التي تتضمن عين المعني أو مثله) وله نظائر كثيرة (ومثله قوله صلي الله عليه وسلم ان المسجد لينزوي) أيينقبض (من النخامة) وهي بالضم ما يلقيه الانسان من فمه أو أنفه (كما تنزوي الجلدة عن النار) أي عن مماستها قال العراقي هذا لم أر له أصلا في المرفوع وانما هو في قول أبي هريرة رواه ابن أبي شيبة في مصنفه اه قلت ورواه كذلك عبد الرزاق موقوفا علي أبي هريرة وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أيضا أن رسول الله صلي الله عليه وسلم رأي نخامة في المسجد في القبلة فقال ما بال أحدكم مستقبل ربه فينخع امامه أيحب أحدكم أن يستقبل فينخع في وجهه (وأنت تري ان ساحة المسجد لا تنقبض بالنخامة و) الذي يظهر فيه أن (معناه روح المسجد وكونه معظما) في القلوب لكونه محل التقرب الي الله تعالي (ورمي النخامة فية تحقير له فيضاد معني المسحدية مضاد النار لاتصال أجراء الجادة وكذلك قوله صلي الله عليه وسلم) فيما أخرجه الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه رفعه (أما يخشي الذي يرفع رأسه قبل الامام أن يحول الله رأسه رأس حمار) أو يجعل الله صورته صورة حمار@ وأخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه كذلك كلهم في الصلاة وفي رواية ألايخشي أحدكم اذا رفع رأسه أي من السجود فهو نص فيه وعند أبي داود زيادة والامام ساجد وهو دليل علي التخصيص وألحق به الركوع لكونه في معناه وانما نص علي السجود لمزيد مزية فيه اذ المصلي أقرب ما يكون من ربه فيه وهو غاية الخضوع المطلوب كذا في الفتح وعند ابن خزيمة قبل الامام في صلاته وقوله رأسه أي التي خبث بالرفع تعديا رأس حمار وفي رواية ابن حبان رأس ملب (وذلك من حيث الصورة قط لم يكن ولا يكون ولكن من حيث المعني هو كائن اذ رأس الحمار لم يكن بحقيقتةللونه وشكله بل بخاصيته الازمة فية وبلادته) وحمقه (ومن رفع رأسه قبل الامام) في ركوعه أو سجوده (فقد صار رأسه حمار في) جامع هو (معني البلادة والحمق وهو المقصود) من الحديث (دون الشكل الذي هو قالب المعني اذ من غايه الحمق أن يجمع بين الاقتداء) بامام (وبين التقدم) عليه (فانهما متناقضان) وفي حكمه الذي يسبق الامام في حركاته كلها ولكن النص انما أتي فيمن يرفع قلبه وهذا الذي ارتضاه المصنف في تقرير معني الحديث هو صحيح لا غبار عليه وعلم منه انه كبيرة للتوعد عليه بأشنع العقوبات وأبشعها وهو المسخ المعنوي ولكن لا تبطل صلاته عند الشافعية وأبطلها أحمد كالظاهرية ويجوز أن يحمل معني الحديث علي الحقيقة علي ما عليه الا كثر من وقوع المسخ في هذه الامة ولا يلزم من الوعيد الوقوع وقال صاحب الفيض ليس للتقدم علي الامام سبب الاستعجال ودواؤه أن يستحضربانه لا يسلم قيبه ويروي عن جابر بن ماجه (انما يعرف ان هذا السر علي خلاف الظاهر) أي من منطوق اللفظ (اما بدليل عقلي أو شرعي أما العقلي) وهوالذي يكون مستنده من طريق العقل (بأن يكون حمله علي الظاهر غير ممكن كقولي صلي الله عليه وسلم قلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن) أخرجه مسلم من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما (فأقره السلف رحمهم الله تعالي علي ظاهره من غير تفسير) وسيأتي ان الامام أحمد حسم باب التأويل الا لثلاثة ألفاظ أحدها هذا الحديث كما سيأتي قريبا في كلام المصنف (وخالف فيه قوم) من المتأخرين فقالوا لابد من تأويله (اذ لو فتشنا عن صدور المؤمنين لم نجد فيها أصابع فعلم انها ليست عبارة عن جسم هو الا أن يتنحي عن ذلك المكان بل (كناية عن) معني آخر ليس ذلك المعني بجسم أصلا وهي (القدرة التي هي سر الاصابع وروحها الخفي) فيها (و) انما (كني بالاصابع عن القدرة لان ذلك أعظم وقعا) في النفوس (في تفهم تمام الاقتدار) فيقال فلان يلاعب فلان علي أصبعه أو البلدة الفلانية في أصبع الامير فعلي العامي وغير العامي أن يتحقق قطعا ويقينا ان النبي صلي الله عليه وسلم لم يرد بذلك اللفظ جسما وهو عضو مركب من لحم ودم لانه ذلك علي الله تعالي محال وهو عنه مقدس (ومن هذا القبيل في كنايته عن الاقتدار) أي كمال القدرة (بقوله تعالي انما قولنا لشيء اذا أردناه أن نقول له كن فيكون فان ظاهره ممنتع اذ قوله كن ان كان خطابا للشيء قبل وجوده فهو محال اذ المعدوم) الذي لم يوجد بعد (يفهم الخطاب حتي يمتثل) فالامتثال فرع عن فهم الخطاب فهم الخطاب وفهم الخطاب فرع من أهليته له وذلك فرع عن الوجود فما لا يوجد كيف يخاطب (وان كان بعد الوجود فهو مستفن عن التكوين) وهو ايجاد شيء مسبوق بمادة (ولكن لما كانت هذه الكناية أوقع في النفوس في تفهم غاية الاقتدار عدل اليها) أي الكناية فهذا هو الدليل العقلي (وأما المدرك باشرع) دون العقل (فهو أن يكون اجراؤه علي الظاهر ممكنا ولكنه يروي) من طرق صحيحة (انه أريد به غير الظاهر) مثال هذا (كما ورد في تفسير قوله) عزوجل (أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها الآيه) أي الي@ آخر الآية وهو قوله فاحتمل السيل زبد اربيا ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو أمتاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق بالباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الارض (وان معني الماء) النازل من السماء (هو القرآن) الذي أنزله علي رسوله فالتشبيه لما يحصل بكل واحد منهما من الحياة ومصالح العباد في معاشهم ومعادهم (ومعني الاودية هي القلوب وان بعضها احتملت شيأ كثيرا) لا تساعه كواد عظيم يسع ماء كثيرا (وبعضها) احتملت (قليلا) كواد صغير انما يسع ماء قليلا (وبعضها لم يحمل) شيأ كالوادي الذي فيه قيعان وهذا مثل ضربه الله تعالي للقرآن والعلم حين تخالط القلوب بشاشته (والزبد مثل الكفر) والشبهات الباطلة فتطفو علي وجه القلب فالقرآن أو العلم يستخرج ذلك الزبد كما يستخرج السيل من الوادي زبدا يعلو فوق الماء وأخبر سبحانه انه رأبيطفو ويعلو علي الماء (قانه) آي الزبد (وان ظهر وطفا علي رأس الماء) وفي نسخة علي وجه الماء (فانه لا يثبت) في أرض الوادي ولا يستقر كذلك الكفر والشبهات الباطلة اذا أخرجها العلم المستنبط من القرآن ربت فوق القلوب وطفت فلا تستقر فيه بل تجفي وترمي (والهداية التي تنفع الناس تمكث) في القلب وتستقر كما يستقر في الوادي الماء الصافي ويذهب الزبد جفاء ثم ضرب سبحانه لذلك مثلا آخر فقال ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع يعني ان ما يوقد عليه بنو آدم من الذهب والفضة والنحاس والحديد يخرج منه خبثه وهو الزبد الذي تلقيه النار وتخرجه من ذلك الجوهر بسبب مخالطتها فانه يقذف ويلقي فيه ويستقر الجوهر الخالص وحده وضرب سبحانه مثلا لما فيه من الحياة والتبريد والمنفعة ومثلا بالنار لما فيها من الاضاءة والاشراق والاحراق فآيات القرآن تحي القلوب كما تحي الارض بالماء وتحرق خبثها وشيهاتها وشهواتها وسخائها كما تحرق النار ما يلقي فيها وتميز زبدها من زبدا كما تميز الخبث من الذهب والفضه والنحاي ونحوه فهذا بعض ما في هذا المثل العظيم من العبرة والعلم قال الله تعالي وتلك الامثال نضربها للناس وما يعقلها الا العالمون (وفي هذا الفسم تعمق جماعة) من المبتدعة وتحاوزوا عن الحدود (فأولوا ما ورد في) أمور (الآخرة من الميزان والصراط وغيرهما) كورن الاعمال وتطاير الصحف في اليمين والشمال وغير ذلك (وهو) أي التأويل في مثل هذه الامور (بدعة) قبيحة اذ (لم ينقل ذلك بطريق الرواية) عن الثقات وليت شعري ما الذي حملهم علي تأويلها (واجرؤها علي الظاهرغيرمحال فيجب اجراؤه علي الظاهر) ويسد باب التأويلات في مثل ذلك (القسم الرابع ان يدرك الانسان الشيء جملة) أي علي وجه الاجمال (ثم يدركه) بعد (تفصيلا) وذلك (بالتحقق) أي الاثبات بدليل (والذوق) وهو التجربة (بان يصير حالا ملا بساله فيتفاوت العلمان) فالعلم الاول اجمالي والثاني تفصيلي هبه بدليل أو تجربة (ويكون الآول كالقشر) الخارج عن اللب (والثاني كاللباب) المحض الذي يحيط به القشر (ويكون الآول كالظاهروالاخر كالباطن) وكل من التعبيرين صحيحان (وذلك كما يتمثل للانسان في عينه ويتراءي (شخص) أي شبح (اما في الظلمة) الحاجبة من الانكشاف (أعلي البعد) منه في المسافة (فيحصل له) من ذلك التمثيل (نوع علم فاذا رآه بالقرب) منه بان قرب الرائي منه أو المرئي (أو بعد زوال الظلام) المانع له من انكشافه (أدرك تفرقة بينهما) أي بين العلمين (ولا يكون الآخر ضد الآول) لعدم منافاه أحدهما الآخر في أوصافه الخاصة (بل هو استكمال له) أي طلب كما له (فكذلك في العلم والايمان والتصديق) يكون أولا شيأ قليلا ثم يكمل (افقد يصدق الانسان بوجود العشق) وهو الافراط في المحبة (والمرض) وهو خروج البدن عن الاعتدال الخاص (والموت) وهو صفة وجودية خلقت ضد الحياة (قبل وقوعه) أي كل منها (ولكن تحققه به عند الوقوع أكمل من تحققه قبل الوقوع وهي مرتبة حق اليقين (بل للانسان في الشهوة) وهي نزوع النفس لما تريده (والعشق) بل (و) في (سائرالاحوال ثلاثة أحوال) وفي بعض النسخ بل الانسان في الشهوة والعشق @ وسائر الاحوال ثلاثة أحوال (متفاوتة و) ثلاثة (ادرا كان متباينة الآول تصديقه بوجود قبل وقوعه والآخر عند وقوعه والآخر بعد تصرمه) وانقضائه وهذا ظاهر (فان تحققك بالجوع) مثلا (بعد زواله) بالاكل (يخالف التحقق به قبل الزوال) فالادراك الذي يحصل في الآول غير الذي يحصل في الثاني (وكذلك في علوم الدين) منها (ما يصيرذوقا) محققا (فيكمل) بعذان كان ناقصا (فيكون ذلك كالباطن بالاضافة الي ما قبل ذلك) وهو الحاصل عن غير تحقيق وذوق (ففرق بين علم المريض بالصحة) في البدن وهي حالة طبيعية تجري أفعاله معها علي المجري الطبيعي (وبين علم الصحيح بها ففي هذه الاقسام الاربعة) المذكورة (تتفاوت الخلق وليس في شيء منه) أي من مجموع تلك الاقسام (باطن يناقض الظاهر) ولا ظاهر يناقض الباطن (بل يتممه) ويكمله (كما يتمم اللب القشرة والسلام) علي أهل التسليم (القسم الخامس ان يعبر بلسان النقال عن لسان الحال) فلسان المقال هي الجارحة وله نغمة مخصوصة يميزها السمع كما ان له صورة مخصوصة يميزها السمع كما أن له صورة مخصوصة يميزها البصر ولسان الحال) فلسان المقال هي الجارحة وله نغمة مخصوصة يميزها السمع كما ان له صورة مخصوصة يميزها البصر ولسان الحال ما أنبأ عن حال قام به ولولم يكن نطقا (فالقاصر الفهم) الذي فهمه مقصور علي ما تلقفه وجامد عليه (يقف علي الظاهر) ولا يتجاوزه (يعتقده نطاقا بالخقيقة) والنطق في العرف العام الاصوات المقطعة التي يظهرها اللسان وتعيها الآذان ولا يقال الا للانسان ولا يقال لغيره الاعلي سبيل التبع وقال المصنف في كتاب المعارف الالهية النطق معني زائد علي الكلام والقول وذلك لان الجنين يوصف بالنطق لانه ناطق بالقوة ولو لم يكن ناطقا لم يعد الكلام اي لغة كانت وبأي لغة كانت بأي عبارة اتفقت (والبصير بالحقائق) أي المنبصر بمعرفة حقائق الاشياء كما هي (يدرك السر) الذي هو مخفي (فيه وهذا كقول) بعضهم ... امتلأ الحوض وقال وقال قطني ... * ... مهلا رويد قد ملأت بطني ... وكقول (القائل قال الجدار للوتد) ككتف والمشهورعلي الالسنة للمسمار (لم تشقني) من شقه اذا أوقعه في المشقة (قال سل من يدقني فلم يتركني وراء) فعل أمر من رآي يرائي أي انظر (الحجر الذي ورائي فهذا وأمثاله (تعبير عن لسان الحال بلسان المقال ومن هذا قوله تعالي فقال لها وللارض انبا طوعا أو كرها قالتها أتيتا طائعين) الاتيان هو المجيء مطلقا وقيل بسهولة والطوع الانقياد ويضاده الكره وطائعين أي منقادين أي لم يمتنعا عليه مما يريد هما به (فالبليد الذهن (يفتقر في فهمه) لهذه الآية (الي ان يقدر لهما حياة مخلوقة) وفي بعض النسخ بزيادة الارض والسماء بدون لهما (وعقلا وفهما للخطاب ويقدر خطابا من صوت وحرف) بحيث (نسمعه الارض والسماء فتجيب بحرف وصوت وتقول أتينا ظائعين والبصير) العارف (يعلم ان ذلك لسان الحال وانه انباء) أي اخبار (عن كونها مسخرة بالضرورة ومضطرة الي التسخير) والانقياد والتسخير سياقة الشيء الي الغرض المختص به (ومن هذا) أيضا (قوله تعالي وان من شيء الا يسبح بحمده) ولكن لا تفقهون تسبيحهم (فالبليد يفتقر فيه الي ان يقدر للجمادات حياة وعقلا ونطقها بصوت وحرف حتي يقولوا سبحان الله) وبحمده (ليتحقق تسبيحه والبصير يعلم انه ما أر يدبه نطق اللسان) بحرف وصوت (بل) أريد به (كونه مسبحا بوجوده ومقدسا بذاته وشاهد بوحدانية الله تعالي كما يقال) وهو قول أبي العتاهية وأوله واعجبا كيف يعصي الاله ... * ... أم كيف يجحده الجاحد @ (وفي كل شيء له آية) أي علامة دالة (تدل علي انه واحد) لا شريك له (وكما يقال هذه الصنعة المحكمة) المتقنة (تشهد لصاحبها بحسن التدبير) واصابة الفعل (وكمال العلم) وجودة المعرفة (لابمعني انها تقول أشهد بالقول) باللسان الظاهر (ولكن بالذات و) لسان (الحال وكذلك ما من شيء) من الاشياء (الا وهو محتاج في نفسه الي موجود يوجده) أي يخرجه من العدم الي الوجود (وبيتقنه) أي يحكمة (ويديم أوصافه ويردده في أطواره) المختلفة (فهي بحالها تشهد لخالقها بالتقديس) والتنزيه والضمير راجع الي الاشياء وفي بعض النسيخ فهو بحاجته يشهد لخالقه (يدرك شهادتها ذو البصائر) الكاملة (دون الجامدين علي الظواهر) فلا حظ لهم في ادراك تلك الشهادة ولذلك قال تعالي (ولكن لا تفقهون تسبيحهم) يعني ليس في وسعكم ان تعرفوا حقيقة ذلك وأصل الفقه فهم الاشياء الخفية وقيل هو التواصل الي علم غائب بعلم شاهد فهو أخص من مطلق الفهم (أما القاصرون) عن نيل الكمال (فلا يفقهون) ذلك (أصلا وأما المقربون) الي الله تعالي وهم فوق أهل اليمين (والعلماء الراسخون) في علومهم (فلا يفقهون كنهه وكماله) وكنه الشيء حقيقته ونهايته (اذا لكل شيء شهادات شتي) أي علي أنواع كثيرة (علي تقديس الله سبحانه وتسبيحه) وتنزيهه (ويدرك كل واحد) من أهل هذه المراتب (بقدر رزقة) ونصيبه الذي أعطيه (مبصيرته) التي خص بها دون غيره (وتعد تلك الشهادات) أي كل شهادة تفصيلا (لا تليق بعلم المعاملة) بل هو من علم المكاشفة (فهذا الفن أيضا مما يتفاوت أرباب الظواهر وأرباب البصائر في علمه وتظهر به مفارقة الباطن للظاهر) بخلاف الاقسام الاربعة التقدمة (وفي هذا المقام لارباب المقامات اسراف) أي مجاوزة الحدود (واقتصاد) أي الوقوف علي مقام بين مقامين (فمن مسرف) مفرط (في دفع) وفي نسخة رفع (الظواهر انها) حاله (الي تغيير جميع الظواهر أو أكثر) المتعلقة بالآخرة (حتي حملوا قوله تعالي وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم) أي بما كسبت (وقوله تعالي قالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء) أي جعله ناطقا (وكذلك المخاطبات التي تجري من منكر ونكير) حين حلول الانسان في القبر وتلك المخاطبة أول فتنات القبور (و) كذلك (في الميزان) ذي الكتفين ووزن الاعمال (وفي الحساب) وتطاير الصحف في اليمين أو الشمال (ومناظرات أهل الجنة وقولهم أفضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله) وأمثال ذلك (زعموا ان ذلك كله لسان الحال) لا للمقال حقيقة (وغلا الآخرون) منهم (في حسم الباب) أي سد باب التأويل مطلقا وهم من السلف (منهم) الامام (أحمدبن محمد بن حنبل) رحمه الله تعالي (حتي منع نأويل قوله تعالي كن فيكون) وهذا يعني سد باب التأويل علي الاطلاق هو المفهوم من ظاهر مذهبه كما نقله الثقات عنه (وزعموا) أن اتباعه ومقلدوه (ان ذلك خطاب) من الله تعالي (بحرف وصوت يوجد من الله تعالي في كل لحظة بعدد كون كل مكون) وقد ذكر أبو الحسن علي بن سليمان المرداوي الحنبلي في كتابة تحرير الاصول وتهذيب المنقول ان الكلام عند الامام أحمد وجميع أصحابه ليس مشتركا بين العبارة ومدلولها هو الحروف المسموعة فهو حقيقة فيها مجاز في مدلولها ونقل عن بعض العلماء ان مذهب أحمد انه تعالي لم يزل متكلما اذا شاء ومتي شاء وكيف شاء وهو يتكلم به بصوت يسمع وسيأتي البحث فيه في موضعه ونشبع الكلام هناك (حتي سمعت بعض أصحابه) أن الامام أحمد (يقول انه حسم باب التأويل الا لثلاثة ألفاظ) وردت أحدها (قوله صلي الله عليه وسلم الحجر الاسود يمين الله في أرضه) قال العراقي أخرجه الحاكم وصححه من حديث عبد الله بن عمر وبلفظ الحجر يمين الله @ في الارض اه وأخرج الخطيب وابن عساكر عن جابر رفعه الحجر يمين الله في الارض بها عباده قال ابن الجوزي في سنده اسحق بن بشير كذبه ابن شيبة وغيره وقال الدارقطني هو في عدد من يضع وأخرج الديلي عن أنس رفعه الحجر يمين الله فمن مسحه فقد بايع الله وفي سنده علي بن عمر السكري ضعفه البرقاني وأيضا العلاء بن سلمة الرواس قال الذهبي منهم بالوضع ثم ان معني قوله يمين الله أي عو بمنزلة يميته ولما كان كل ملك اذا قدم عليه الوافد قبل يمينه والحاج أول ما يقدم يسن له تقبيله فلذ انزل منزل يمين الكعبة والثاني (قوله صلي الله عليه وسلم قلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن) اخرجه مسلم من حديث عبد الله بن عمرو وقد تقدم الثالث (قوله صلي الله عليه وسلم اني لاجد نفسي الرحمن من جانب اليمين) أخرج أحد من حديث أبي هريرة في حديث قال فيه واجد نفس ربكم من قبل اليمين ورجاله ثقات قاله العراقي (ومال الي حسم الباب أرباب الظواهر والظن) الحسن (بأحمد بن حنبل) رحمه الله تعالي حسبما يقتضي جلالة قدره ورفعته في معرفة العلوم (انه علم أن الاستواء ليس هو الاستقرار علي شيء والنزول ليس هو الانتقال) من مكان الي مكان (ولكنه منع من التأويل حسما للباب ورعاية لصلاح الخلق) كما يشهد لذلك حاله مع الكرابيسي وقوله فيه وكذلك هجره الحرث المحاسبي علي ما سبق الايماء الي شيء من ذلك في كتاب العلم (فانه اذا فتح الباب اتسع الحرف) علي الرافع (وخروج عن حد الضبط وجاوز) مرتبة الاقتصاد اذ حد الاقتصاد لا ينضبط بقاعدة (فلا بأس بهذا الزجر) والمنع وسد الباب (وتشهد له سيرة السلف) الصالحين (فانهم كانوا يقولون أمروها) أي الالفاظ الواردة في الكتاب والسنة (كما جاءت) روي الحسن بن اسماعيل الضراب في مناقب مالك من طريق الوليد بن مسلم قال سألت مالكا والاوزاعي وسفيان وليس عن هذه الاحاديث التي فيها ذكر الرؤية والصورة والنزول فقالوا أوردوها كما جاءت وقال عبد الله بن أحمد في كتاب السنة له في باب ما حجدته الجهمية من كلام الله مع موسي بن عمران عليه السلام سألت أبي هريرة عن قوم يقولون لما كلم الله موسي لم لم يتكلم بصوت قال أبي بلي تكلم بصوت هذه الاحاديث تمرونها كما جاءت اه وهذه المسأله يأتي ذكوها والاختلاف فيها وقال لبن اللبان قد كان السلف الصالح نهوا الناس عن اتباع أرباب البدع وعن الاصغاء الي آرائهم وحسموا مادة الجدال في التعرض بالآذي المتشابهة سد اللذريعة واستغناء عنه بالمحكم وأمروا بالايمان وبامراره كما جاء من غير تعطيل ولا تشبيه (حتي قال مالك) بن أنس امام المدينة رحمة الله تعالي (لما سئل عن) معني (الاستواء) في قوله تعالي ثم استوي علي العرش وفي قوله تعالي الرحمن علي العرش استوي وقد جاء ذكره في ست آيات فقال مالك (اللاستواء معلوم والكيفية مجهولة الايمان به واجب والسؤال عنه بدعة) وهذا القول من مالك جاء بالفاظ مختلفة وأسانيد متنوعة وقد أورده المصنف هكذا في آخر الجام العوام وأورده ابن اللبان في كتابه بلفظ انه مثل كيف استوي فقال كيف غير معقول والاستواء غير مجهول والايمان به واجب والسؤال عنه بدعة وقال الالكائي في كتاب السنة أخبرنا علي بن الربيع المقري مذاكرة حديثنا عبد الله بن أبي داود حدثنا سلمة بن شبيب حدثنا مهدي بن جعفر بن عبد الله قال جاء رجل الي مالك بن أنس فقال له يا أبا عبد الله الرحمن علي العرش استوي كيف استوي قال فما رآيت مالكا وجد من شيء كموجدته من مقالته ةعلاه الرحضاء يعني العرق وأطراف القوم وجعلوا ينتظرون ما يأتي منه فقال فسري عنه فقال الكيف غير معقول والاستواء منه غير مجهول والايمان به واجب والسؤال عنه بدعه فاني أخاف ان تكون ضالا وأمربه فأخرج وأخرجه كذلك أبو الشيخ وأبو نعيم وأبو عثمان الصابوني ونصر المقدسي كلهم من رواية جعفر بن عبد الله رواه الصابوني من وجه آخر من رواية جعفر بن ميمون عن مالك ورواه عثمان بن سعيد بن السكن من رواية جعفر بن عبد الله عن رجل قد سماه عن مالك ورواه ابن ماجه عن علي بن سعيد عن بشار الخفاف أو غيره عن مالك وقال البيهقي أخبرنا أبو عبد الله @ الحافظ أخبرني أحمد بن محمد بن اسماعيل بن مهران ان حدثنا أبو الربيع بن أخي رشدين بن سعد قال سمعت عبد الله بن وهب قال كنا عند مالك بن أنس فدخل رجل فقال يا أبا عبد الله الرحمن علي العرش استوي كيف استواؤه قال فاطرق مالك وأخذته الرحضاء ثم رفع رأسه فقال الرحمن علي العرش استوي كما وصف نقسه ولا يقال له كيف عنه مرفوع وأنت رجل سوء صاحب بدعة أخرجوه قال فاخرج الرجل وقد يروي هذا القول أيضا عن ابن عيينة قال اللالكاني أخبرنا عبد الله بن أحمد النهاوندي أخبرنا أبو بكر بن أحمد بن محمود النهاوندي سنة ست عشرة وثلاثمائة حدثنا أحمد بن محمد بن صدقة حدثنا أحمد بن يحيي بن سعيد القطان عن يحيي بن آدم عن ابن عيينة قال سئل عن قوله الرحمن علي العرش استوي قال الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول ومن الله الرسالة وعلي الرسول البلاغ وعلينا التصديق وقد يروي أيضا لربيعة بن أبي عبد الرحمن شيخ مالك أخرج اللالكاني بسنده المتقدم الي يحيي بن آدم عن ابن عيينة قال سئل ربيعة عن الاستواء فساقه بعينه ورواه أبو الشيخمن رواية عبدالله بن صالح بن مسلم قال سئل ربيعة بمعناها أي فيحتمل أن ابن عيينة أجاب السائل بما أجاب به ربيعة كما أن مالكا كذلك أجاب بما أجاب به ربيعة وان اختلفت ألفاظهم وأول من وفق لهذا الجواب السيدة أم سلمة رضي الله عنها والكل تابعون علي منهجها أخبرنا عمربن أحمد بن عقل اجازة أخبرنا عبد الله بن سالم أخبرنا محمد بن العلاء الحافظ أخبرنا علي بن يحيي أخبرنا يوسف بن عبد الله أخبرنا محمد ابن عبدالرحمن الحافظ أخبرنا أبو الفضل بن أبي الحسن الحافظ أخبرنا عبد الرحيم بن الحسين الحافظ اخبرنا أبو عبدالله محمد بن أحمد بن عبد الحليم بن تميمة أخبرنا ابن عبد الدائم أخبرنا ابراهيم بن البرقي أخبرنا مالك بن أحمد أنا أبو الفتح بن أبي الفواريس الحافظ ثنا اسحق بن محمد ثنا عبدالله بن اسحق المدائني ثنا أبو يحيي الوراق ثنا محمد بن الاشرس الانصاري ثنا أبوالمغيرةعميربن عبد الحميد الحنفي عن قرط بن خالد عن الحسن عن أمه عن أم سلمة رضي الله عنها في قوله عزوجل الرحمن علي العرش استوي قالت الكيف غير معقول والاستواء غيرمجهول والاقرار به ايمان والجحود به كفر وأرويه أعلي من هذا بالسند المتقدم الي محمد بن عبد الرحمن الحافظ قال أخبرني محمد بن مقبل الصير في بحلب أخبرنا الصلاح بن عمر المقدسي أخبرنا أبو الحسن السعدي أخبرنا عمربن محمد بن طبرزد أخبرنا هبة الله بن الحصين أخبرنا أبوطالب بن غيلان أخبرنا ابراهيم بن محمد المزكي أخبرنا أبوا العباس أحمد ابن محمد بن الازهر ثنا محمد بن الاشرس أبوكنانة بصري ثنا أبو المغيرة الحنفي وهو عمير بن عبد المجيد ثنا قرة خالد قلت وهذا هوالصواب يعني عبد المجيد وقرة وفي سياق السند الاول عبد الحميد وقرط كذا وجد بخط قديم وهو ليس بصحيح وفيه والايمان به واجب بدل قولها والاقرار به ايمان والباقي سواء وأبو يحيي الوراق في السند الاول هو الهندي واسمه محمد بن عمر بن كيسة وقد أخرج هذا الحديث من طريقة اللالكاني من رواية عبد الصمد بن علي عنه قال سمعه منه بالكوفة في جبانة سالم عن أبي كنانة محمد بن أشرص الانصاري فساقه ورواه أبو بكر الخلال عن محمد بن أحمد البصري عن أبي يحيي الوراق هو ابن كيسة به ورواه أبو عثمان الصابوني من رواية محمد بن عبيد الحافظ عن أبي يحيي بن كيسة به وقال فيه عن محمد بن الاشرس الوراق أبي كنانة ورواه أبو نعيم الاصبهاني في كتاب المحجة عن ابراهيم بن عبد الله بن اسحق المعدل سمعه منه بنيسابور عن أبي العباس أحمد بن محمد الازهري الحافظ عن محمد بن الاشرس أبي كنانة البصري به وقد تفرد بهذا الحديث أبو كنانة واختلف عليه فيه فرواه أبوعبدالله بن منده الحافظ عن أحمد بن مهران الفارسي ثنا الحسين بن حميد ثنا محمد بن أشرس أبو كنانة ثنا النضر بن خالد فذكره ورواه أيضا في التوحيد عن محمد بن اسحاق البصري عن الحسن بن الربيع الكوفي عن محمد بن أشرس أبي كنانة الكوفي عن أبي المغيرة النضر بن اسماعيل @ الحنفي الكوفي عن قرة بن خالد البصري وقد ذكر هذا الاختلاف أبو اسماعيل الانصاري في اسم أبي المغيرة ثم قال ان الاشبه عنده انه غير النضر بن اسماعيل لان النضر كوفي والحديث بصري السند والله أعلم وقال ابن اللبان في تفسير قول مالك قوله كيف غيرمعقول أي كيف من صفات الحوادث وكل ما كان من صفات الحوادث فاثباته في صفات الله تعالي يتافي ما يتقضيه العقل فيجزم بنفيه عن الله تعالي قوله والاستواء غير مجهول أي انه معلوم المعني عند أهل اللغة والايمان به علي الوجه اللائق به تعالي واجب لانه من الايمان بالله وبكتبه والسؤال عنه بدعة أي حادث لان الصحابة كانوا عالمين بمعناه اللائق بحسب اللغة فلم يحتاجون للسؤال عنه فلما جاء من لم يحط بأوضاع لغتهم ولا له نور كنورهم يهديه لصفات ربه شرع يسأل عن ذلك فكان سؤاله سببا لاشتباهه علي الناس وزيغهم عن المراد اه (وذهبت طائفة الي الاقتصاد ففتحوا باب التأويل في كل ما ينعلق بصفات الله تعالي وتركوا ما يتعلق بالآخرة علي ظواهرها) كما جاءت (ومنعوا) فيه (التأويل وهم الاشعرية) أي فرقة الاشاعرة عامة وقد سبق في ترجمة الاشعري أن هذا قول لابي الحسن الاشعري وان له قولا ثانيا وهو أن تمر أخبار الصفات كما جاءت واليه مال في الابانة وتبعه الباقلاني وامام الحرمين والمصنف (وزاد المعتزلة عليهم) بجميع أصنافهم (حتي أولوا من صفاته تعالي تعلق الرؤية وأولوا قوله سميعا بصيرا) فقال أصحاب أبي هاشم الجباني معني قولنا للحي انه سميع بصير يفيد انه حي يصح أن يسمع المسموع اذا وجد ويصح أن يري المرئي اذا وجد ومتي وجد المسموع أو المرئي ولم تكن بالحي آفق مانعة من ادراكهما وجب أن يكون سامعا للمسموع ورائيا للمرئي من غير حصول معني هو سمع أو بصر فيه وسيأتي البحث في ذلك (وأولوا المعراج وزعموا انه لم يكن بالجسد) بل بالروح (وأولوا عذاب القبرو الميزان والصراط وجملة من أحكام الآخرة) أي المتعلقة بها (ولكن أقر بحشر الاجساد) من القبور (و) كذلك أقروا (الجنة) وانها موجودة (واشتمالها علي) أنواع (المأكولات والشمومات والمنكوخات والملاذ المحسوسة) وكذلك أقروا (بالنار) الا انهم قالوا ليست موجودة الآن وانما توجد يوم الجزاء (واشتمالها علي جسم محسوس يحرق) أجساد الكفار والعصاة (ويمزق الجلود ويذيب الشحوم) ولاقائل بخلق الجنة دون النار فثبوتها ثبوتها وقد أجمع العلماء علي أن التأويل في أكثر أمور الآخرة من غير ضرورة الحاد في الدين (ومن ترقيهم الي هذا الحد زاد الفلاسفة) وهم حكماء اليونان واليهم نسبت الفلسفة (فأولوا كل ما ورد في أمور الآخرة وردوها الي آلام عقلية وروحانية) غيرمحسوسة (ولذات عقلية وأنكروا حشر الاجساد) مطلقا واستبعدوه (وقالوا ببقاء النفوس) المجردة (وانها تكون أما معذبة واما منعة بعذاب ونعيم لايدرك بالحس) وانما يتعقل (وهؤلاء هم المسرفون) المفرطون (وحد الاقتصاد بين هذا الانحلال) عن ربقة الشريعة (وبين جمود الحنابلة) ووقوفهم علي السمع المجرد (دقيق غامض) المدرك خفي (لا يطلع عليه الا الموفقون) من الاوال (الذين يدركون الامور بنور الهي) قذف في بصائرهم (لا بالسماع) المجرد من العقل (ثم اذا انكشفت لهم أسرار الامور) بواسطة ذلك النور واتضحت الاشياء علي ما هي عليها (نظروا الي السمع) المتلقي من الثقات (والالفاظ الواردة) في تلك الاخبار الصحيحة (فما وافق ما شاهدوه بنور اليقين أقروه) واثبتوه (وما خالف) ذلك (أولوه) بما يقتضيه أسلوب اللغة العربية (فأما من يأخذ معرفة هذه الامور من السمع المجرد) عن العقل (فلا يستقر له قدم) فيه (ولايتعين له موقف) يطمئن اليه (والاليق بالمقتصر علي السمع المجرد مقام) سيدنا (أحمد بن حنبل رحمه الله تعالي) وهو طريقة السلف وقد ذكر المصنف في الجام العوام انها تتضمن سبعة أمور التقديس ثم التصديق ثم الاعتراف بالعجز ثم السكوت ثم الكف ئم الامساك ثم التسليم لاهل المعرفة ثم بين ذلك بقوله التقديس فهو تنزيه الرب تعالي عن @ الجسمية وتوابعها وأما التصديق فهو الايمان بما قاله صلي الله عليه وسلم وان ما ذكره حق علي الوجه الذي قاله وأراده واما الاعتراف بالعجز فهو أن يقر بأن معرفة مراده ليس علي قدر طاقته وان ذلك ليس من شأنه وحرفته وأما السكوت فان لايسأل عن معناه ولايخوض فيه ويعلم أن سؤال عته بدعة وأما الامساك فهو أن لا يتصرف في تلك الالفاظ بالتبديل بلغة أخري والزيادة فيه والنقصان منه والجمع والتفريق بل لا ينطق الا بذلك اللفظ وعلي الوجه من الايرادو الاعراب والتصريف والصيغة وأما الكففان يكف باطنه من البحث والتفكر والتصرف فيه وأما التسليم لاهله فان يعتقد ان ذلك ان خفي عليه لعجزه فقد لا يخفي علي الرسل أو علي الصديقين والاولياء فهذه سبعة وظائف لاينبغي أن يظن بالسلف الخلاف في شيء منها ثم قال بعد كلام طويل ولهذا أقول يحرم علي الوعاظ علي رؤس المنابر الجواب عن هذه الاسئلة بالخوض في التأويل والتفصيل بل الواجب عليهم الاقتصارعلي ما ذكره السلف وهو المبالغة في التقديس والتنزيه وتفي التشبيه وانه تعالي منزه عن الجسمية وعوارضها وله المبالغة في هذا بما أراد حتي يقول كل ما يخطر في بالكم وهجس في ضمائركم وتصور في خواطركم فالله تعالي خلقها وهو منزه عنها وعن مشابهتها وانه ليس المراد بالاخبار شيأ من ذلك واما هو حقيقة المراد فلستم من أهل معرفته والسؤال عنه بدعة فاشتغلوا بالتقوي وما أكرمكم الله به فافعلوه وما نهاكم عنه فاجتنبوه وهذا قد نهيتم عنه فلا تسألوا عنه ومهما سمعتم شيأ من ذلك فاسكتوا وقولوا آمنا وصدقنا وما أوتينا من العلم الا قليلا وليس هذا مما أوتينا وقال أيضا في التأويل هو بيان معناه بعد ازالة ظاهره وهذا أما أن يقع من العامي أو من العارف مع العامي أو من العارف مع نفسه بنيه وبين ربه فهذه ثلاثة مواضع الاول تأويلالعامي علي سبيل الاستقلال بنفسه وهو حرام يشبه خوض البحر المغرق لمن لا يحسن السباحة فلا شك في تغريقه وبحر المعرفة أبعد غورا وأكثرمهالك من بحر الماء لان هلاك هذا البحرلا حياة بعده وهلاك بحر الدنيا لايزيل الا الحياة الزائلة وذلك يزيل الحياة الابدية فشتان بين الخطرين الموضع الثاني أن يكون ذلك من العالم مع العامي وهذا أيضا ممنوع ومثاله أن يبحرالسابح الغواص مع نفسه عاجزا عن السباحة مضطرب القلب والبدن وذلك حرام فانه عرضه لخطر الهلاك فانه لا يقوي علي حفظه في لجة البحر ولو أمره بالوقوف بقرب الساحل لا يطيعه ولو أمره بالسكون عند التطام الامواج واقبال التماسيح فاتحة فاها للالتقام اضطرب قلبه وبدنه ولم يكن علي حسب مرادة لقصور طاقته وفي معني العوام الاديب النحوي والمحدث والمفسر والفقيه والمتكلم بل كل عالم سوي المتجردين لعلم السباحة في بحر المعرفة القاصرين أعمارهم عليه الصارفين وجوههم عن الدنيا والشهوات المعرضين عن المال والجاه والخلق وسائر اللذات المخلصين لله تعالي في العلوم والاعمال القائمين بجميع حدود الشريعة وآدابها في القيام بالطاعات وترك المنكرات للمفرغين قلوبهم عن غير الله المستحقرين للدنيا بل للآخرة والفردوس الاعلي في جنب محبة الله تعالي فهؤلاء هم أهل الغوص في بحر المعرفة وهم مع ذلك كله علي خطرعظيم يهلك من العشيرة تسعة الي أن يسعد واحد منهم بالدارالمكنون والسر المخزون أولئك الذين سبقت لهم منا الحسني فهم الفائزون وربك أعلم بما تكن صدورهم وما يعلنون الموضع الثالث تأويل العارف مع نفسه في سر قلبه بينه وبين ربه وهو علي ثلاثة أوجه فات الذي انقدح في سره أنه المراد من لفظ الفوق والاستواء مثلا أما أن يكون مقطوعا به أو مشكوكا فيه أو مظنونت ظنا غالبا فان كان قطيعا فليعتقده وان كان مشكوكل فلينجنبه ولا يحكمن علي مراد الله ورسوله صلي الله عليه وسلم من كلامه باحتمال معارض بمثله من غير ترجيح بل الواجب علي الشاك في المشكوك فيه التوقف وان كان مظنونا فاعلم ان للظن تعليقن أحدهما في المعني الذي انقدح عنده هل هو جائز في حق الله تعالي أم هو محال والثاني أن يعلم قطعا جوازه ولكن يتردد@ هل هو المراد باللفظ أم لا وبينما تفاوت لان كل واحد من الظنين اذا انقدح في النفس وحاك في الصدر فلايدخل تحت الاختبار دفعه علي النفس فلا يمكنه أن لايظن فان للظن أسبابا ضرورية ولا يمكن دفعها ولا يكلف الله نفسا الا وسعها لكن عليه وظيفتان جديدتان أحداهما لايدع نفسه نطمئن اليه جزما من غير شعور بامكان الغلط فيه فلا ينبغي أن يحكم مع نفسه بموجب ظنه حكما جازما والثانية انه ان ذكره لم يطلق القول بان المراد بالاستواء كذا وبالفوق كذا لانه حكم لما لا يعلم وقد قال ولا تقف ماليس لك به علم لكن يقول أنا أفان انه كذا فيكون صدقا في خبره عن نفسه وضنيره ولايكون حكماعلي صفة الله تعالي ولا علي مراده وكلامه بل حكما علي نفسه وبناء علي ضميره ثم أورد في بيان التصرفات الممنوعة الجمع بين المفترقات والتفرق بين المجتمهات فقال ولقد بعد من التوفيق من صنف كتابا في جميع هذه الاخبار خاصة ورسم في كل عضو بابا فقال باب في اثبات الرأس وباب في اثبات اليد وباب في اثبات العين وغيرذلك فان هذه كلمات متفرقة متباعدة اعتمادا علي قرائن مختلفة في فهم السامعين معاني صحيحة فاذا ذكرت مجموعة علي مثال خلق الانسان صار جميع تلك المفترقات في السمع دفعة واحدة قرينة عظيمة في تأكيد الظواهر وايهام التشبيه وصار الاشكال في أن رسول الله صلي الله عليه وسلم لم ينطق بما يوهم خلاف الحق أعظم في النفس وأوقع بل الكاحة الواحدة المفردة يتطرق اليها الاحتمال فاذا اتصل بها ثانية وثالثة ورابعة من جنسها وصار متواليا ضعف بالاضافة الي الجملة ولذلك يحصل بقول مخبرين وثلاثة مالا يحصل بقول الواحد بل يحصل من العلم القطعي بخبر التواتر ما لا يحصل بالاحاد ويحصل من العلم القطعي باجتماع القرائن ما لا يحصل بالآحاد وكل ذلك نتيجة الاجماع اذ يتطرق الاحتمال والضعف فلذلك لا يجوز جمع المفرقات وأما التفريق بين المجتمعات فانه كذلك لا يجوز لان كل حكمه سابقة علي حكمه سابقة علي حكمه أو لا حقة له مؤثرة في تفهيم معناه ومرجحة للاحتمال الضعيف فيه فاذا فرقت وفصلت سقطت دلالتها مثاله قوله تعالي وهو القاهر فرق عباده ولا يسلط علي أن يقول القائل وهو فوق مطلقا لانه اذا ذكر القاهر مع المقهور وهي فوقية الرتبة ولفظ القاهر يدل عليه بل لا يجوز أن يقول وهو القاهر فوق عباده لان ذكر العبودية في وصف من الله فوقه يؤكد احنمال فوقية السيادة اذا يحسن أن يقول السيد فوق عبده والاب فوق ابنه والزوج فوق الزوجة وان كان لا يحسن أن يقول زيد فوق عمر وقبل أن يبين تفاوتهما من السيادة والعبودية أو غلبة القهر ونفوذ الامر بالسلطنة أو بالابوة أو بالزوجة فهذه دقائق يغفل عنها العلماء فضلا عن العوام فكيف يتسلط العوام فيكيف يتسلط الهوام في مثل ذلك علي التصريف بالجمع والتفريق والتأويل والتفسير وأنواع التغيير ولاجل هذه الدقائق بالغ السلف في الجمود والاقتصار علي موارد التوقيف علي الوجه الذي ورد باللفظ الذي ورد والحق ما قالوه والصواب ما رأوه فأهم المواضع بالاحتياط ما هو تصرف في ذات الله تعالي وصفاته وأحق المواضع بالجام اللسان وتقييده عن الجريات بما يعظم فيه الخطر وأي خطر أعظم من الكفر والله أعلم (والآن فكشف الغطاء عن حد الاقتصاد في هذه الامور داخل في علم المكاشفة والقول فيه يطول) اذ هو بحر لا ساحل له وقف لديه الفحول وتحيرت فية العقول (فلا نخوض فيه) اذ الخوض فيه يخرج عن بيان الغرض المهم (و) ذلك (الغرض) المهم هو (بيان موافقة الباطن الظاهر ومخالفته له وقد انكشف) سره (بهذه الاقسام الخمسة) المذكورة بأملتها (واذا رأينا أن نقتصر بكافة العوام) وقد دخل فيهم أكثر العلماء ممن لم يتصف بصفات الخواص التي ذكرت (علي ترجمة) أي بيان (العقيدة التي حررناها) وقد سبقت وهي في أوراق يسيرة (وانهم لا يكلفون غير ذلك) أي مما زاد عليها وذلك (في الدرجة الاولي) ثم نم المقصود (الا اذا كان خوف @ تشويق) أي يكون في بلد يشوش عليه في عقيدته (لشبوع البدعة) الحادثة وانتشارها فيحتاج الي معرفة أدلة تفصيلية عقلية وسمعية (فيرقي في الدرجة الثانية) بالتدريج (الي) النظر في (عقيدة) جامعة مانعة (فيها لوامع) جمع لامعة (من الادلة) العقلية والنقلية وقد سمي امام الحرمين شيخ المصنف كتابه لمع الادلة في قواعد أهل السنة والجماعة نظرا الي هذا (مختصرة) بالنسبة الي المطولات (من غير تعمق) فيها بارسال الرسن في ابحاث خارجة عن أصل المقصد (فلنورد في هذا الكتاب تلك اللوامع) المضيئة أنو ارها الواضحة أسرارها (ولنقتصر فيها) أي في تلك اللوامع (علي ما حررناه لاهل القدس) الشريف حين وفد عليه زائرا ومجاورا وذلك في أيام سياحته وتركه علائق الدنيا وخروجه من بغداد (وسميناه) لاجل ذلك (الرسالة القدسية) اسماد الاعلي مسماه (وهي) كما تري (مودعة في هذا الفصل الثالث من هذا الكتاب) واعلم ان للمصنف عدة رسائل مختصرة أرسلها الي بلدان شتي متضمنه علي صريح الاعتقاد والموعظ والنصائح فمنها رسال أرسلها الي الموصل مسماة بالقدسية أيضا يخاطب فيها بعض المشايخ وهي نحو ثلاثة أوراق ذكر في آخرها ما نصه وأما أقل ما يجب علي النكلفين فهو ما يترجمه قول لا اله الا الله محمد رسول الله ثم اذا صدق الرسول صلي الله عليه وسلم فينبغي أن يصدقه في صفات الله عزوجل وفي اليوم الآخر وكل ذلك مما يشتمل عليه القرآن من غير تأويل أما في الآخرة فالايمان بالجنة والنار والحساب وغيره وأما صفات الله تعالي انه حي قادر عالم متكلم مريد ليس كمثلة شيء وهم السميع البصير وليس عليه بحث عن حقيقة هذه الصفات وان الكلام والعلم وغيرهما قديم أو حادث بل لو كان لا يخطر له هذه السئلة حتي مات مات مؤمنا وليس عليه تعلم الادلة التي حررها المتكلمون بل مهما حصل في قلبه التصديق بالحق بمجرد الايمان من غير دليل وبرهان فهو مؤمن ولم يكلفه رسولالله صلي الله عليه وسلم أكثرمن ذلك وعلي هذا الاعتقاد المجمل استمر الاعراب وعوالم الخلق الا من وقع في بلدة يقرع سمعه فيها هذه المسائل كقدم الكلام وحدته ومعني الاستواء أوالنزول وغيره فان لم يجد لذلك اثرا في قلبه واشتغل بعبادته فلا حرج عليه وان أخذ ذلك بقلبه فأقل الواجبات عليه ما اعتقده السلف فيعتقد في القرآن القدم كما قال السلف القرآن كلام الله غير مخلوق ويعتقدان الاستواء حق والايمان به واجب والسؤال عنه بدعة والكيفية مجهولة ويؤمن بجميع ما جاء به الشرع ايمانا مجملا من غير بحث علي الحقيقة والكيف فان لم يقنعه ذلك وغلب علي قلبه الاشكال والشك فان أمكن ازالة شكله واشكاله بكلام قريب من الافهام وان لم يكن قويا عنده التكلمين ولا مرضيا عندهم فذلك كاف ولا حاجة به الي تحقق الدليل بل الاولي أن يزال شكه من غير ذكرحقيقة الدليل فان الدليل لا يتم الا بذكر الشبهة والجواب عنها ومهما ذكرت الشبهة لم يؤمن أن تتشبث بقلبه ويكل فهمه عن درك جوابها اذ الشيهة قد تكون جلية والجواب دقيقا لا يحتمله فهمه بل عقله فلهذا جر السلف عن البحث والتفتيش في الكلام وانما جروا عنه ضعفاء العوام فأما للمشتغلون بدرك الحقائق فلهم خوض غمرة الاشكالات ومنع العوام من الكلام يجري مجرد منع الصبيان علي شاطيء الدجلة خوف الغرق ورخصة الاقوياء فيه يضاهي الرخصة للماهر في صفة السباحة الا أن هنا موضع غور ومذلة قدم وهو ان كل ضعيف في عقله راض من الله بكمال عقله ويظن بنفسه انه يقدر علي درك الحقائق كلها وانه من جملة الاقوياء فربما يخوضون ويغرقون في بحر الجهالات من حيث لا يشعرون فالصواب للخلق كلهم الا الشاذ النادر التي لا تسمح الاعصار الا بواحد منهم أو اثنين أن يسلكوا مسلك السلف في الايمان المرسل والتصديق المجمل بكل ما لنزل الله تعالي وأخبر به من غير بحث ولا تفتيش والاشتغال بالتقوي ففيه شغل شاغل اذ قال الرسول صلي الله عليه وسلم حيث رأي أصحاب يختصمون بعد ان غضب حتي احمرت ونتاه أبهذا أمرتم تصربون كتاب الله بعضه ببعض انظروا الي ما أمركم الله به @ فافعلوه ومانهاكم عنه فانتهوا فهذا ينبه علي نهج الصواب والحق واستيفاء ذلك قد شرحناه في كتاب قواعد العقائد فليطاب منه انتهي وبهذا تم الفصل الثاني من هذا الكتاب والحمد لله رب العالمين وصلي الله علي سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما * (الفصل الثالث من كتاب قواعد العقائد في) * بيان (لوامع الادلة للعقيدة التي ترجمناها بالقدس) وسميناها بالرسالة القدسية لكون تأليفها كان حين مجاورته به (فنقول) بسم الله الرحمن الرحيم وصلي الله علي سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما الحمد لله الذي تفرد بوجوب وجوده ففاضت الحوادث عن كرمه وجوده والصلاة والسلام علي سيدنا ومولانا محمد أفضل موجوده وأكرم ودوده الصادق في وعوده وعلي آله الآيلين اليه في مراتب شهوده وأصحابه الفائزين لديه بالتمسك في مراقي صعوده أما بعد فهذا شرح الرسالة القدسية للامام حجة الاسلام أبي حامد الغزالي قدس سره حوي من بدائع المسائل الكلامية ما هو كالفرائد اليتمية في العقد الفريد من الجيد رجوت من الله تعالي أن ينفع به كل سالك ومريد وأن يصرف اليه من الراغبين في اصلاح عقائدهم القلوب وأن يرفع لديهم قدره المرغوب وأن يجعله تذكرة لاولي الالباب لا ينسي ولا يهجر وروضة نفع للطلاب لا يترك ولا يضجر وان يكسبنا جميعا به ذكرا جميلا وفي الآخرة ثوابا جزيلا وها أنا أشرف في المقصود بعون الملك المعبود قال المصنف رحمه الله تعالي (بيم الله الرحمن الرحيم) الباء للاستعانة متعلقة بمحذوف تقديره أولف ونحوه وهو يعم جميع أجزاء التأليف فيكون أولي من افتتح ونحوه لايهام قصر التبرك علي الافتتاح فقط كما حققه البرهان اللقاني والله علي الذات الواجب الوجود والرحمن المنعم بجلائل النعم كمية أو كيفية والرحيم المنعم بدقائقها كذلك وقدم الاول لدلالته علي الذات ثم الثاني لاختصاصه به ولانه أبلغ من الثالث فقدم عليه ليكون له كالتتمة والرديف (الحمد لله) سبقت مباحث الحمد مبسوطة في شرح خطبة كتاب العلم فأغنانا عن ايراده ثانيا (الذي ميز عصابة أهل السنة) التمييزمبالغة في الميز وهو عزل الشيء وفصله عن غيره وذلك يكون في المشتيهات كقوله تعالي ليمييزالله الخبيث من الطيب وفي المختلطات نحو قوله ... وامتازوا اليوم أيها المجرمون وتميز الشيء انفصل عن غيره ويستعمل نمييز الاشياء في تفريقها والعصابة بالكسر الجماعة من الناس والسنة الطريق المسلوكة والمراد بها طريقة النبي صلي الله عليه وسلم خاصة والمراد بأهل السنة هم الفرق الاربعة المحدثون والصوفية والاشاعرة والماتريديه علي ما تقدم بيانه في مقدمة الفصل الثاني (بأنوار اليقين) أي فصلهم عن غيرهم بهذه الانوار التي أشرقت في صدورهم ثم التمعت في وجوههم فهم بها عن غيرهم متميزون سيماهم في وجوههم وأما أهل البدع فلا زالوا يعرفون بظلام قلوبهم ووجوههم ولتعرفنهم بسيماهم (وآثر) بالمدأي اختار (رهط الحق) قال ابن السكيت الرهط والعشيرة بمعني وقال الاصمعي في كتاب المصادر الرهط ما فوق العشرة الي الاربعين ونقله ابن فارس أيضا والحق الثابت الذي لا يسوغ انكاره سواء كان قولا أو فعلا أو عقيدة أو دينا أو مذهبا (بالهداية) وهي دلالة بلطف الي ما يوصل (الي) المطلوب وذلك المطلوب هنا أقامة (دعائم الدين) أي أركانه جمع دعامة بالكسر وهي ما يشد به الحائط اذا مال يمنعه السقوط والدين وضع الهي يدعو أصحاب العقول الي قبول ما هو عند الرسول (وجنبهم زيغ الزائغين) الزيغ الميل عن الاستقامة والخروج عن نهج الحق والمراد بالزائغين هم أهل البجع القبيحة الذين أحدثوا في العقائد بمجرد التشهي ما يؤدي الي تشبيه أو تعطيل (وضلال الملحدين) أي غوايتهم والملحد المائل عن الحق والالحاد ضربان الحاد الي الشرك بالله والحاد الي الشرك بالاسباب فالاول ينافي الايمان ويبطله والثاني أن تتأول أوصافة علي مالا يليق به (ووفقهم) التوفيق تفعيل من الوفاق الذي هو المطابقة وعدم المنافرة واختص في العرف بالخير (للاقتداء) اي الاتباع (بيد@ المرسلين) النبي صلي الله عليه وسلم في سائر أقواله وأفعاله وأحواله (وسددهم) وهو من السداد هو الوفق الذي لا يعاب (للتأسي) أي الاقتناء والا سوة الكسر والنم القدوة وقيل التأسي اتباع الغائب (بصحبه الاكرمين أي المشرفين بمشاهدة أنوار وأسراره (ويسرلهم) أي سهل لهم (اقتفاء) أي اتباع (آثارالسلف الصالحين) من التابعين وأتباعهم باحسان وأصل السلف من تقدم من الآباء والجدود وفي العرق الطبقة الثالثة ويطلق علي الثانية أيضا (حتي اعتصموا) أي وثقوا (من مقتضيات) أي مما تقتضيه (العقول) المجردة عن الشرع (بالحبل المتين) أي القوي الذي لا ينقطع بمن تعلق به واستمسك وبهذا المعني جاءت صفة القرآن في الحديث وفيه تلميح الرد علي المعتزلة والفلاسفة فانهم تصرفوا في الالفاظ بمقتضي عقولهم فاولوا بدلوا (و) تمسكوا (من سير الاولين وعقائدهم) علي اختلافها (بالمنهج) وفي بعض النسخ بالنهج وهو الطريق (المبين) الواضح المسلوك أي سبروا في سير الاولين ونحلهم التي انتحلوها فما وافق الكتاب والسنة وآثار السلف أخذوا به وما خالف تركوه (فجمعوا القول بين نتائج العقول) أي ماتنتجة العقول السليمة عن الاهواء والشكوك (وقضايا الشرع المنقول) أي التي قضي بها الشرع ونقل لنا ذلك الثقات والقضية قول يصح أن يقال لقائله صادق أو كاذب فيه وفيه تلميح الي رفع شأن أهل النظرو البحث في العقائد علي مقتضي الكتاب والسنة حيث جمعوا بين العقل والنقل وقد تقدم النقل عن السبكي في خطبة هذا الكتاب ان اليونان طلبوا العلم بمجرد عقولهم والمتكلمون طلبوه بالعقل والنقل معا وافترقوا ثلاث فرق احداها غلب عليها جانب العقل وهم المعتزلة والثانية غلب عليها جانب النقل وهم الحشوية والثالثة غلب الامران عندها وهم الاشعرية وجميع الفرق في كلامها مخاطرة اما خطأ في بعضه وأما سقوط هيبة والسالم عن ذلك كله ما كان عليه الصحابة والتابعون وعموم الناس الباقون علي الفطرة السليمة اه (وتحققوا ان النطق) باللسان (بما تعبدوا به من قول) هده الكلمة الطيبة (لا اله الا الله محمد رسول الله) صلي الله عليه وسلم (ليس له طائل) أي نفع (ولامحصول) يتحصل منه (ان لم تتحقق الاحاطة) أي المعرفة التامة (بما تدور عليه) ارحية (هذه الشهادة من الاقطاب والاصول) وقطب الرحي ما تدور عليه والمراد هنا من الاقطاب والاصول) وقطب الرحي ما تدور عليه والمراد هنا من الاقطاب والاصول الاركان (وعرفوا أن كلمتى الشهادة) المذكورتين (على إيجازها) وإختصارها (تتضمن) سائر العقائد الدبنبة المذكورة فيما بعد إجمالاوتفصيل ذلك ان معني الاوهيه استغناء الاله عن كل سواه وافتقار كل ماعداه اليه فدخل فيه (اثبات ذات الاله واثبات صفاته) كلها السبعة ولوازمها وثبات أفعاله ودخل تحت قوانا محمد رسول الله (اثبات صدق الرسل) عليهم السلام والامانة والتبليغ وأضدادها وجملتها اثنان وستون عقيدة علي ما تقدم تفصيلها في أواخر الفصل الاول (فعلموا ان بناء الايمان علي هذه الاركان وهي أربعة) وهو استعارة بالكنايه لانه شبة الايمان بمعني له دعائم فذكر المشبه وطوي ذكر المشبه به وذكرها ما هو خواص المشبه به وهو البناء ويسمي هذا استعارة ترشيحية ويجوز أن يكون استعارة تمثيلية بان تمثل حالة الايمان مع اركانه بحالة خباء أقيمت علي خمسة أعمدة وقطعها الذي تدور عليه الاركان شهادة أن لا اله الا الله وبقية شعب الايمان كالاوتاد للخباء ويجوز أن يكون استعارة تبعية بان تقدر الاستعارة في البناء والقرينة الايمان شبه ثباته علي هذه الاركان ببناء الحياء علي الاعمدة الاربعة وهذه الاستعارة أعني التبعية تقع أولا في المصادر ومتعلقات معاني الحروف ثم تسري في الافعال والصفات والحروف وفيه تكلف لان البناء اسم عين لامصدر الا أن يراد به الفعل وقد تقدم شيء من ذلك في أول الكتاب (يدور كل ركن) من هذه الاركان الاربعة المذكورة (علي عشرة أصول الركن الاول) من الاركان الاربعة (في معرفة ذات الله) عزوجل (ومداره علي عشرة أصول وهي العلم بوجود الله تعالي وقدمه وبقائه وانه ليس يجوهر) يتحيز (ولا جسم ولا عرض وانه تعال ليس مختصا بجهة) من الجهات الست (ولا مستقرا علي مكان) كالعرش @ ونحوه (وانه مرئي وانه واحد) بذكر كل واحد من هذه العشرة في أصل مستقل وما يتفرع منها من المسائل فهي راجعة اليها (لركن الثاني) في صفاته تعالي (ويشتمل) أيضا (علي عشرة أصول) هي العلم بكونه تعالي (حياءا لما قادرا مريدا) لافعاله (سميعا بصيرا منكلما منزها عن حلول الحوادث وانه قديم الكلام) القائم بالنفس وقديم العلم وقديم الارادة فهذه العشرة هي كونه حيا عالما قادرا مريدا سميعا بصيرا متكلما قديم العلم والارادة والكلام وقوله منزها عن حلول الحوادث غير معدودة في هؤلاء (الركن الثالث في أفعاله تعالي) بالخلق (ومداره علي عشرة أصول وهي ان لإعال العباد مخلوقة لله تعالي) لا خالق سواه وانها وان كانت كذلك لايخرجها عن كونها (مكتسبة للعباد وانها) وان كانت كسبا للعباد فلا تخرج عن أن تكون (مرادة لله تعالي وانه تعالي متفضل بالخلق) والاقتراح ومن الجائزات (ان له تعالي تكليف ما لا يطاق وانه له الام البريء وتعذيبه وانه لا يجب عليه رعاية الاصلح لعباده وانه لا واجب الا بالشرع دون العقل وان بعث الانبياء جائز ليس بمستحيل وان نبوة نبينا محمد صلي الله عليه وسلم ثابته مؤيدة بالمعجزات الباهرة ثم ان هذه الاركان الثلاثة التي تقدم ذكرها في الالهيات والنبوات (الركن الرابع في السمعيات) وهي المتلقاه من السمع بما أخبر به صلي الله عليه وسلم (ومداره علي عشرة أصول وهي اثبات الحشر) والنشر (وسؤال منكر ونكير وعذاب القبر والميزان والصراط وخلق الجنة والنار وأحكام الامام) الحق وفيه ذكر الخلفاء الاربعة وامامة أبي بكر رضي الله عنه بنص أو اختيار (وانه لو تعذر وجود الورع والعلم) فيمن يتصدي للامامة (حكم بانعقادها) فهذه عشرة فصار المجموع أربعين عقيدة هذا علي الاجمال ثم شرع في تفصيل ذلك فقال (فلإما الركن الاول من أركان الايمان في معرفة ذات الله تعالي ومداره علي عشرة أصول الاصل الاول معرفة وجوده تعالي) وعبارة ابن الهمام في المسايرة العلم بوجوده تعالي وهو سهل لان العلم والمعرفة لغة شيء واحد واعلم اولا ان الالهيات وهي الميائل المبحوث فيها عن الاله جل وعز أنواع ثلاثة الاول فيما يجب لله عزوجل الثاني فما يستحيل في حقه تعالي الثالث فيما يجوز في حقه تعالي النوع الاول فيما يجب له تعالي فما يجب له تعالي عشرون صفه وهل صفاته تعالي تنحصر في هذه العشرين أم لا والصحيح انها تابعة لكمالاته وكمالاته لانهاية لها لكن العجز عن معرفة مالم ينصب لنا هليه دليل عقلي ولانقلي لانؤخذ به بفضل الله تعالي ومفهومه ان ما قام عليه الدليل نؤاخذ بتركه وهي هذه العشرون صفة ومعني كما لاته لانهايه لها هل هو باعتبار عملنا أو باعتبار علم الله تعالي اما باعتبار عملنا فظاهر لنقصه وضعفه واما باعتبار علم الله فمعناه علمها علي ما هي عليه من عدم النهاية ويحتمل أن تكون لا نهاية لها باعتبار لغة العرب لان العرب اذا كثر الشيء يحكمون عليه بعدم النهاية وان كان في نفسه متناهيا كما تقول غنم فلان لا حصر لها ويحتمل أن تكون حكم عليها بعدم النهاية مراعاة للنفسية والسلبية لانها لها وأما المعاني والمعنوية فهي متناهية لان كل ما دخل في الوجود فهو متناه فتضم ما يتناهي وهي المعاني والمعنوية الي ما لا يتناهي وهي النفسية والسلبية وتحكم علي الجميع بعدم النهاية واعلم ان هذه الصفات العشرين في الحقيقة أقسام أربعة نفسية وسلبية زمعان ومعنزية وهذا علي القول بثبوت الاحوال والاصح انه لا حال جينئذ تكون الاقسام ثلاثة وعليه درج غالب المتكلمين فالاول من الصفات العشرين النفسية الوجود وهي التي اشار لها المصنف بقوله الاصل الاول معرفة وجوده ولم يمثلوا للنفسية بغير الوجود واتفقوا غلي تقديمه علي غيره من الصفات لكونه كالاصل لها اذ وجوب الواجبات تعالي واستخالة المستحيلات عليه وجواز اجائزات في حقه كالفرع عنه وانما قلنا كالاصل ولم نقل أصلا لان الوجود لوكان أصلا حقيقة للزم حدوث بقية الصفات لان الاصل يتقدم علي الفرع وليس كذلك والوجود صفة نفسية علي المشهور @ لا توصف بالوجود أي في الخارج ولا بالعدم أي في الذهن لانهامن جملة الاحوال عند القائل بها وهي الحال الواجب للذات مادامت الذات غير معللة كالتحيز مثلا للجرم فانه واجب ما دام الجرم وليس ثبوته معالا لعلة وقوله الحال أخرج المعاني والسلبية وقوله غير معللة بعلة أخرج الاحوال المعنوية ككون الذات عالمة وقادرة ومريدة مثلا فانها معللة بقيام العلم والقدرة والارادة بالذات واعلم أن لفظ الوجود مشترك بين الواجب والممكن والفرق بينهما ان الله سبحانه وتعالي واجب الوجود لذاته وما سواء ممكن الوجود فالله تعالي موجود واجب الوجود فلو قال قائل ما الدليل علي وجوده تعالي فأشار المصنف الي الجواب بأن له دليلين نقلي وعقلي فقال (وأولي ما يستضاء به من الانوار بسلك من طريق الاعتبار ما أرشد لله به) الي وجوده (عباده في القرآن) العزيز (فليس بعد بيان الله بيان) أرشدهم فيه بالآيات الدالة علي وجوده تعالي (وقد قال تعالي ألم نجعل الارض مهادا) أي كالمهد للصبي مصدر سمي به ما يمهد ليقوم عليه (والجبال أوتادا) للارض ولولاها لما استقرت (وخلقناكم أزواجا) ذكرا وانثي (وجعلنا نومكم سباتا) قطعا من الاحساس والحركة استراحة للقوي الحيوانية وازاحة لكلالها (وجعلنا الليل لباسا) غطاء يستتر بظلمته من أراد الاختفاء (وجعلنا النهار معاشا) وقت معاش تتقلبون لتحصيل ما تعيشون به أو حياة تبعثون فيها عن نرمكم (وبنينا فوقكم سبعا شدادا ) سبع سموات أقوياء محكمات لا يؤثر فيها مرور الدهر (وجعلنا سراجا وهاجا) أي متلالئا وقادا والمراد الشمس (وانزلنا من المعصرات) هي السحابة المنكائفة أالرياح التي حان لها أن تعصر السحاب أو الرياح ذوات الاعاصير (ماء ثجاجا) أي ملتفة بعضها ببعض ففي كل ذلك تذكير ببعض ما يعاينة الانسان من عجائب صنعه الدالة علي وجوده وكما قدرته (وقال تعالي ان في خلق السموات والارض واختلاف الليل والنهار والفلك) أي السفينة (التي تجري في البحر بما ينفع الناس) والفلك لفظ مفرده كلفظ جمعه وهو جمع تكسير وعند الاخفش مما اشترك فيه لفظ الواحد والجمع كجنب وشلل ورد سيو به هذا بقولهم فلكان في التثنية (وما انزل الله من السماء) أي السحاب (من ماء فأحيا به الارض بعد موتها) أي بعد يبسها وخلوها من النبات (وبث فيها من كل دابة) أي نشر فيها وفرق أنواع الدواب وفيه تلميح الي ايجاد ما لم يكن موجودا (وتصريف الرياح) أي تقليبها من جهة الي أخري تكون شمالا تصير جنوبا ثم دبورا ثم نكباء (والسحاب المسخر) أي المذلل المنقاد (بين السماء والارض لآيات لقوم يعقلون) أي يتدبرون ويفهمون ان هذه الآيات نصبت لماذا وما الغرض منها (وقال تعالي ألم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقا) أي متطابقة بعضها فوق بعض كل منها طبق لما تحته (وجعل القمر فيهن نورا) أي منورا (وجعل الشمس سراجا) يتلألؤ (والله أنبتكم من الارض نباتا) هو مصدر أو حال وهذا من حيث ان بدء الانسان ونسأته من التراب وانه ينمو نموه وان كان له وصف زائد علي النبات (ثم يعيدكم فيها ويخرجكم) أي الي أرض المحشر (اخرجا وقال تعالي أفرأيتم ما تمنون) أي ما تقذفون في الارحام من النطف (أأنتم تخلقونه) تجعلونه بشرا سويا (أم نحن الخالقون الي قوله للمقوين) وهو قوله تعالي (نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين علي أن نبدل أمثالكم وننشئكم فيما لا تعلمون ولقد علمتم النشأة الاولي فلولا تذكرون أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون لو نشاء لجعلناه حطاما فظلتم تفقهون انا لمغرمون بل نحن محرومون أفرأيتم الماء الذي تشربون أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون لونشاء جعلناه أجاجا فلولا تشكرزن أفرأيتم النار التي تورون أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون نحن جعلناها تذكرة ومتاعا للمقوين (فليس يخفيي علي من معه أدني مسكة) بضم الميم العقل يقال ليس له مسكه أي عقل وليس به مسكه أي قوة (اذا تأمل بأدني فكرة مضمون هذه الآيات) الكريمة (وأدار @ نظره علي عجائب خلق الارض والسموات) وما بينهم (وبدائع فطرة الحيوان والنبات) زسائر ما اشتملت عليه الآيات (ان هذا الامر العجيب والترتيب المحكم) الغريب (لا يستغني) كل منها (عن صانع يدبره وفاعل يحكمه ويقدره) وعبارة عن صانع أوجده أي من هذا العدم وحكيم رتبه أي علي قانون أودع فيه من الحكم (بل تكاد فطرة النفوس) وجبلتها (تشهد بكونها مقهورة تحت تسخيره ومصرفة بمقتضي تدبيره) وعلي هذا درجت كل العقلاء الا من لاعبرة بمكابرته وهم بعض الدهرية وانما كفروا بالاشراك بان دعوا مع الله الها آخر كالمجوس بالنسبة الي النار والوثنين بسبب الاصتام والصابئة بسبب الكواكب حيث عبدوها من دون الله تعالي وكفروا أيضا بنسبة بعض الحوادث الي غيره تعالي كهؤلاء أيضا فان المجوس ينسبون الشر الي أهرش والوثنيين ينسبون بعض الآثار الي الاصنام والصابئين ينسبون بعض الآثار الي الكواكب تعالي الله عما يشركون والكل معترفون بأن خلق السموات والارض والالوهية الاصلية لله تعالي (ولذلك) أي لكون الاعتراف بما ذكر ثابتا في فطرهم (قال الله تعالي أفي الله شك فاطر السموات والارض) أي مبتدعها منشئها من غير مثال احتذاء (يدعوكم) أي الي توحيده (وبهذا بعث الانبياء كلهم بدعوة الخلق الي التوحيد) ولم يسمع منهم الا ذلك والمراد من التوحيد هنا عدم التشريك في الالوهية وخواصها كتدبير العالم واستحقاق العبادة وخلق الاجسام بدليل قوله (ليقولوا لا الع الا الله) ويشهدوا بذلك (وما أمروا أن يقولوا لنا اله وللعالم اله فان ذلك مجبول في فطرة عقولهم من بدء نشاتهم وفي عنفوان شبيبتهم) ثابتا مركوزا ثم استبدل علي هذا الاعتراف بدليل آخرمن القرآن فقال (ولذلك قال تعالي ولئن سألتهم من خلق السموات والارض ليقولن الله وقال تعالي فأقم وجهك للدين حنيفا) مائلا عن ضلالتهم (فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم) ولكن أكثر الناس لا يعلمون (فاذا في فطرة الانسان أي ما ركز فيه من قوته علي معرفة التوحيد (وشواهد القرآن) التي تقدمت (ما يغني عن اقامة برهان) والبرهان هو الدليل القاطع فهو أحص من الدليل الواضح وقال الراغب البرهان أكد الادلة وهو ما يقتضي الصدق أبدا لا محالة ودلالة تقتضي الكذب أبدا ودلالة الي الصدق أقرب ودلالة الي الكذب أقرب ودلالة لهما علي السواء واختلفوا في نونه فقيل أصيلة وقيل زائدة وعلي الثاني اشنقاقه من البره وهو البياض سمي الدليل القاطع به لظهوره وسطوعه تخيلا لبياضه واضاءته ولذلك وصنعوه بالساطع ثم لما فرغ المصنف من البراهين النقلية علي اثبات وجوده تعالي شرع في بيان البرهان فقال (ولكنا علي سبيل الاستظهار) أي التقوية (والاقتداء بالعلماء النظار) من المتكلمين نرتب علي ذلك دليلا و(نقول من بديهة العقول) ترتيب اثبات وجود الواجب بمقدمتين احدهما العالم حادث الثانية (ان الحادث لا يستغني في حدوثه عن سبب) أي لا يستغني عن سبب يحدنه أي يرجح وجوده علي عدمه (أما قولنا بأن الحادث لا يستغني في حدوثه عن سبب) وهي المقدمة الثانية (فجلي) أي ضروري ومعلوم ان ما كان جليا ضروريا لا يستدل لاثباته وانما ينبه عليه وقد نبه عليه بقوله (فان كل حادث) وهو ما كان معدوما وما ثم وجد أي الممكن (مختص بوقت يجوز في العقل تقدير تقدمة وتأخره فاختصاصه بوقته دون ما قبلة وما بعده) من الاوقات (يفتقر بالضرورة الي مخصص) لان كلا من تقدمه علي ذلك الوقت وتأخره عنه ووقوعه فيه أمر ممكن فلا بد من مرجح لوقوعه في ذلك الوقت علي تقدمه يأخره لان الترجيح من غير مرجح محال ونقل ابن التلمساني في شرحه لمع الادلة ما نصه وقد يدعي بعض الاصحاب ان افتقار الترجيح الي مرجح ضروري والصحيح انه قريب من الضروري (وأما قولنا العالم حادث) وهي النقدمة الاولي والمراد هو ما سوي الله تعالي من الموجودات جواهر كانت أو عراضا فالجوهر ماله قيام بذاته بمعني انه لا يفتقر الي محل يقوم به والعرض ما يفتقر الي محل يقوم به وقد يعبر بعضهم بدل الجواهر بالاجسام وعليه جري المصنف وهما في اللغة بمعني وان كان @ الجسم أخص من الجوهر اصطلاحا لانه المؤلف من جوهر ين أو أكثر علي الخلاف في أقل ما يتركب منه الجسم علي ما بين في المطولات والجوهر يصدق بغير المؤلف وبالمؤلف اذا تقررذلك فاعلم أن المصنف قد اسادل كغيره لاثبات المقدمة الاولي بحدوث الاجسام المعبر بها عن الجواهر وفي ضمن ذلك حدوث الاعراض فانه اذا اثبت حدوث الاجسام ثبت حدوث الاعراض لا محالة لافتقارها في تحققها الي الاجسام (فبرهانه ان أجسام العالم لا تخلو عن الحركة والسكون) فالحركة هي الخروج من القوة الي الفعل تدريجا ويقال شغل حيز بعد ان كان في حيزآخر وقيل كونان في آنين في مكانين كما ان السكون كونان في آن في مكان واحد والحركة في الكم انتقال الجسم من كمية الي أخري كالنمو والذبول ولا تكون الا للجسم وفي الكيف كتسخين الماء أو تبرده وتسمي حركة استحالة وحركة الاين حركة الجسم من محل الي آخر وتسمي نقله وحركة الوضع هي المستديرة المتنقل بها الجسم من محل لآخر فان المتحرك بالاستدارة انما تبدل نسبة أجزاء مكانه غير خارج عنه والحركة العرضية ما يكون عروضها للجسم بواسطة عروضها للجسم بواسطة عروضها لآخر بالخقيقة كجالس السفينة والحركة الذاتية ما يكون عروضها لذات الجسم نقسه والحركة القسرية ما يكون مبدؤها بسبب ميل مستفاد من خارج كحجر مرمي الي فوق والحركة الارادية ما لا يكون مبدأها بسبب اخر خارج مقارن للشعور والارادة كحركة الحيوان بارادته والحركة الطبيهية ما لا يحصل بسبب أمر خارج وليس بشعور وارادة كحركة الحجر الي اسفل والسكون عدم الحركة عما من شأنه أن يتحرك فعدم الحركة عما من شأنه أن لايتحرك لا يكون سكونا فالموصوف بهذا لا يكون منحركا ولا ساكنا (وهما حادثان ومالا يخلو من الحوادث فهو حادث ففي هذا البرهان ثلاث دعاوي) جمع دعوي وهو قول يطلب به الانسان اثبات حق (الاول ان الاجسام لا تخلو عن الحركة والسكون وهذه) ظاهرة (مدركة بالبديهة والاضطرار فلا تحتاج الي تأمل وافتكار فان من عقل جسما لاساكنا ولا متحركا كان لمتن الجهل راكبا) أي سالكا طريق الجهالة (وعن نهج العقل) أي طريقه (ناكبا) أي معرضا وهذا السياق للمصنف مأخوذ من سياق شيخه امام الحرمين في الرسالة النظامية الدعوي (الثانية قولنا انهما حادثان) وقد استدل عليها المصنف بطريقتين أشار الي الاول منهما بقوله (يدل علي ذلك تعاقبهما) أي كون كل واحد منهما يعقب الآخر أي يخلفه في محله ذهابه (ووجود البعض منهما دون البعض) وانقضاؤهما أي ذهلب كل منهما عند وجود الآخر (وذلك) أي التعاقب والانقضاء (مشاهد في جميع الاحسام ومالم يشاهد) من الاجسام الاساكنا أو متحركا (فما من ساكن الا والعقل قاض بجواز حركته) كالجبال مثلا فالعقل قاض بجواز الحركة فيها بزازلة مثلا وكذا قاض عليها بقلبها ذهبا أو فضة أو نحاسا أة حديدا (وما من متحرك الا والعقل قاض يجواز شكونه فالطاريء منهما حادث بطريانه والسابق حادث لعدمه) أي تجويز ما ذكر من الحركة والقلب بجويز عروض الحوادث علي محلها ومحل الحوادث حادث ثم أشار الي الطريق الثاني في الاستدلال بقوله (لانه) أي السابق من الحركة والسكون (لو ثبت قدمه لاستحال عدمه) وتجويز طريان الضد علي محل هو تجويز العدم علي ضده الذي كان بذلك المحل أولا ضروؤة ان يتمتع عقلا اجتماعهما بمحل فالتجويز المذكور باعتبار النظر الي الضد الطاريء تجويز الطريان وبالنظر ال ضده هو تجويز العدم علي هذا الضد قال لبن أبي شريف في شرح المسايرة والاولي ان تجويز الطريان يستلزم تجويز العدم لا انه هو (علي ما سيأتي بيانه وبرهانه) في الاصل الثالث (في اثبات بقاء الصانع تعالي وتقدس) وان وجوده مقتضي ذاته فلا يختلف عنها الدعوي (الثالثة) وهي (قولنا ما لا يخلو عن الحوادث فهو محدث وبرهانه) انه (لو لم يكن كذلك لكان قبل كل حادث حوادث لا أول لها) مرتبة كما يقول الفلاسفة في دورات الافلاك أي حركاتها اليومية (ولو لم تنقض تلك بجملتها) أي ما لا أول له من الحوادث (لا تنتهي النوبه الي وجود الحادث @ الحاضر في الحال) لان الحركة اليومية المعنية مشروط وجودها بانقضاء ما قبلها وكذلك الحركة التي قبلها مشروطة بمثل ذلك وهلم جرا (وانقضاء ما لا نهايه له) ووقع في نسخ المسايرة ما لا أول له بدل مالا نهاية له (محال) لانك اذا لاحظت الحادث الحاضر ثم انتقلت الي قلبه فلاحظته وهلم جرا علي الترتيب لم تفض الي نهاية ودخول ما لا نهاية له من الحوادث في الوجود محال وان لم يكن عدم افضائك الي نهاية لكان لتلك الحوادث أول وهو خلاف المفروض ثم شرع في الرد علي الفلاسفة القائلين يكون قبل كل حادث حوادث لا أول لها فقال (ولاته لو كان للفلك دوران لا نهاية له لكان لا يخلو عددها عن أن يكون شفعاو وترا جميعا) أي زوجا وفردا (أو لا شفعا ولا وترا ومحال أن يكون شفعا ووترا جميعا أو لا شفعا ولا وترا فان ذلك جمع بين النفي والاثبات) وهما ضدان (اذفي اثبات أحدهما نفي الآخر وفي نفي أحدهما اثبات الآخر ومحال أن يكون شفعا) فقط (لان الشفع يكون وترا بزيادة واحد) أي اذ انهم علي العدد المشفوع آخر صار باعتبار ذلك وترا (فكيف يعوز ما لا نهاية له واحد) وفي نسخة يعوزها واحد (مع انه لا نهاية لاعدادها فحصل من هذا ان العالم لا يخلو من الحوادث فهو اذا حادث) أي حصل مما قرر أولا ان وجود الحادث الحاضر محال لانه لازم للمحال وهو وجود حوادث لا أول لها فلا نتفاء وجود حوادث لا أول لها انتفي ملزومه وهو كون ما لا يخلو من الحوادث قديما فثبت نقيضة وهو ما لا يخلو عن الحوادث حادث (واذا ثبت حدوثه كان افتقاره الي المحدث) أي الموجد (من المدركات بالضرورة) كما قدمه في صدر الاستدلال وذ لك الموجد هو الله سبحانه المقصود بالاسم الذي هو الله فالله اسم للذات الواجب الواجب الوجود الستجمع لجميع صفات الكمال الذي استند اليه ايجاد كل موجود وقال امام الحرمين شيخ المصنف في لمع الادلة حدوث الجواهر بني غلي أصول منها اثبات حدوثها ومنها استحالة تعري الجواهر منها ومنها اثبات استحالة حوادث لا أول لها ومنها ان ما لا يسبق الحوادث حادث ثم بين ذلك في أصول الي أن قال وأما ايضاح استحالة حوادث لا أول لها فالدليل علي ذلك ان دورات الافلاك تتعاقب وتقع كل دورة علي اثر انقضاء التي قبلها فلو انقضي قبل الدورة التي نحن فيها دورات لا نهاية لاعدادها ولا غاية لآحادها لكان ذلك مؤذنا بانتهاء ما لا نهاية لها اذ ما لا يحصره عدد ولا يضبطه حد لا يتقرر في العقول انقضاؤه ولا يتحقق في الاوهام انتهاؤه فلما انقضت الدورات التي قبل الدورة الناخرة دل ذلك علي نهاية اعدادها واذا تناهت الي أول ويطرد هذا الدليل في جملة المتعاقبات كالاولاد والوالدين والبذر والزرع ونحوها فاذا ثبتت هذه المقدمات ترتب عليها استحالة خلو الجواهر من الحوادث المستندة الي أول وما لايخلو عن الحوادث لا يسبقها وما لا يسبق الحوادث حادث علي اضطرار من غير حاجة الي نظر واعتبار أه وقال شارحه شرف الدين بن التلمساني اعلم أن هذه الحجة الزامية لا برهانية فانا لا يمكننا الاحتجاج بها علي صحة مذهبنا ابتداء فانها تطرأ في نعيم الجنان فانه يمكن أن تقنطع منه عشر دورات مثلا ثم تطابق نا بين الجملتين ويطرد الدليل الي آخره ولانا نقول ان عمله تعالي يتعلق بما لا نهايه له وكذلك ارادته وقدرته وقدرته ومتعلقات العلم أكثر من متعلقات القدرة والارادة مع ان متعلقات العلم بعضها أكثر من بعض وكذلك تضعيف الا آحاد والعشرات والمئات والالوف كل مرنبة منها لا تناهي مع تطرق الزيادة والنقصان والاقل والاكثر وأما قوله فاذاثبتت هذه المقدمات الخ فواضح الا انه يرد عليه انه ادعي حدوث العالم وفسر العالم بكل موجود سوي الله تعالي واستدل علي حدوث الجواهر والاعراض ولا تتم دعواه ما لم يبين انحصلر العالم فيها فان الخصم يدعي وجود جواهر عقلية ممكنة في نفسها واجبه بغيرها يسميها عقولا ونفوسا ملكية ويثبتها وسائط ومعدات ولم يقم دليلا علي ابطالها والجواب من وجهين أحدهما أن القائل قائلا أحدهما يقول بالايجاب @ الذاتي الذاتى وندم الاجسام واثبات الوسائط المذكورة وهو الفيلسوف والآخر يقول بحدوث الاجسام ونفي الايجاب الذاتي ونفي الوسائط وهم الموحدون وقد أقام الدليل علي حدوث الاجسام بالاخبار فلزم نفي الايجاب الذاتي والوسائط المذكورة اذ لاقائل بالفصل الثاني أن تلك العقول والنفوس المجردة لا تخلو اما أن تكون متناهية أو غير متناهية فان كانت غير متناهية لزم أن يدخل الوجود من الممكنات مالا نهاية له وقد أبطلناه وفي ضمنه اثبات علل ومعلولات لا تتناهي وهم يأبونه وان كانت متناهية محصورة في عدم لزم افتقار ذلك إلي مخصص والمخصص لا يخلوا ما أن يكون موجبا بالذات أو فاعلا بالاختبار والموجب بالذات لا يخصص مثلا علي مثل ونسبته إلي ما زاد علي ذلك العدد وإلي ما دونه نسبة واحدة وان خصص ذلك بإيجاده واختياره فكل واقع حادث إذ الفاعل المختار لا بد أن يقصد إلي إيجاد فعله والقصد إلي إيجاد الموجود محال فلا بد أن يسبق عدمه وجوده ليصحح القصد إلي إيجاده فيكون حادثا إلي هنا كلام ابن التلمساني ثم قال امام الحرمين إذا ثبتت الحوادث فهي جائزة الوجود إذ يجوز تقدير وجودها ويجوز تقدير استمرار العدم بدلا من الوجود فإذا اختصت بالوجود الممكن افتقرت إلي مخصص ثم يستحيل أن يكون المخصص طبيعة عند مثبتيها لا اختيار لها وهي موجبة آثارها عند ارتفاع الموانع وانقطاع الدوافع فإن كانت الطبيعة قديمة لزم قدم آثارها وقد وضح حدوث العالم وأن كانت حادثة افتقرت إلي محدث ثم الكلام في محدثها كالكلام فيها وينساق هذا الكلام إلي اثبات حوادث لا أول لها وقد تبين بطلان ذلك فوضح أن مخصص العالم صانع مختار موصوف بالاختيار والاقتدار ا ه قال ابن التلمساني هذا الفصل اشتمل علي ثلاثة أمور الاول احتياج العالم إلي محدث ومقتض والثاني تقسيم المقتضي إلي ثلاثة فاعل بالاختيار وموجب الذات ومقتض بالطبع والثالث ابطال العلة والطبيعة ليتعين أنه فاعل مختار أما الاول فاحتج عليه بان وجود العالم في الوقت المعين مع جواز أن يتقدم علي زمن وجوده بأوقات أو يتأخر عنه بساعات يفتقر إلي مخصص لامتناع ترجح الممكن بنفسه لان كل ما ليس له الترجح من نفسه فترجحه من غيره الثاني وهو تقسيم المقتضي إلي ثلاث أمور فلان كل مقتض لا يخلوا ما أن يصحح منه الامتناع من الفعل أولا فإن صح فهو الفاعل المختار وأن لم يصح فلا يخلوا ما أن يتوقف اقتضاؤه علي شرط وانتفاء مانع أولا فإن توقف فهو الطبيعة وان لم يتوقف فهو العلة وأما الثالث وهو ابطال كون المقتضي لتخصيص العالم علة فلان العلة لا تخلو أما أن يكون معها مانع في الازل أولا فإن كان معها مانع في الازل وجب أن يكون قديما وإذا كان قديما استحال عليه العدم فوجب أن لا يوجد مقتضاها وقد وجد هذا خلف وان لم يكن معها مانع في الازل وجب حصول مقتضاها أزلا فيلزم قدم العالم وقد أقمنا الدليل علي حدوثه ا ه وقال شيخ مشايخنا أبو الحسن الطولوني في املائه علي البخاري اعلم أن لفظ الوجود مشترك بين الواجب والممكن والفرق بينهما أن الله سبحانه وتعالي واجب الوجود لذاته وما سواه ممكن الوجود فالله تعالي موجود واجب الوجود فلو قال قائل ما الدليل علي وجوده تعالي يقال حدوث هذا العالم فإنه موجود وله حقائق ثابتة مشاهدة وانه منحصر في جواهر واعراض فلو قال القائل ما الدليل علي حدوثه يقال مشاهدة تغيره فإن كل متغير حادث وتغيره من حركة إلي سكون من سكون إلي حركة مشاهد لكل أحد وملازم الحادث حادث فلو لم يكن له محدث بل حدث بنفسه لزم أن يكون أحد الامرين المتساويين راجحا علي مساويه بلا سبب وهو محال فدل علي أن الذي رجح جانب الوجود بعد العدم وأحدث هذا العالم @ هو الله سبحانه وتعالي ويستحيل أن يكون الحادث وهو الذي ممكن الوجود موجودا ويكون الذي أوجده بعد أن لم يكن شيئا ليس بموجود بل هو موجود واجب الوجود ا ه وقال السبكي في شرح عقيدة ابن الحاجب اعلم أن حكم الجواهر والاعراض كلها الحدوث فإذا العالم كله حادث وعلي هذا اجماع المسلمين بل كل الملل ومن خالف في ذلك فهو كافر لمخالفة الاجماع القطعي وهذا المطلب مما يكفي السمع لعدم توقفه عليه لحصول العلم بوجود الصانع بامكان العالم وامكانه ضروري ثم أقام البرهان علي حدوث الجوهر وأن الجوهر لا يخلو عن عرض والعرض حادث فالجوهر لا يخلو عن الحادث ومالا يخلو عن الحادث لا يسبقه إذ لو سبقه لخلا عنه وما لايسبق الحادث حادث فالجوهر حادث قال وهو أشهر حجج أهل النظر العقلي قال وقد يقال علي وجه أخص وأتم وهو أن كل ما سوي الواجب ممكن وكل ممكن حادث فالعالم حادث أما المقدمة الاولي فظاهرة وأما الثانية فلان الممكن يحتاج في وجوده إلي موجد والموجد لا يمكن أن يوجد حال وجوده وإلا لكان إيجادا للموجد وهو محال فيلزم أن يوجد حال لا وجوده فيكون وجوده مسبوقا بعدمه وذلك حدوثه وهو المطلوب قال وأما أهل الحديث فقد ثبت عن عمران بن حصين رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال كان الله ولا شئ قبله وفي طريق ولا شئ غيره وفي طريق ولا شئ معه وقد ثبت الاجماع بل اجماع الكتب السماوية كلها كما نقله الفخر في شرح عيون الحكمة وجعل العمدة في هذه المسئلة الاجماع قال وأما طريق الصوفي فيقول بما تقدم ثم يقول بلسان التنبيه مشيرا إلي ما يخصه من وجود كل شئ له اعتبار أن اعتبار من حيث صورة ذاته واعتبار من حيث صورة العلم به فالصورة الاولي صورة عينية والثانية صورة عملية واعتبر نفسك فإنك تجد الآثار التي تبدو عنك لها صورتان صورتها العلمية من حيث أنها في ذهنك وصورتها العينية وهو ما بدا عنك مطابقا لعملك فالاشياء أما من حيث صورتها العينية فحادثة قطعا وذلك هو وجودنا الذي يدرك منه وفيه تعيننا وهذا يجده كل مدرك عاقل من نفسه والعالم كله متماثل ولا تفاوت فيه وقد ارتفع النزاع في ذلك قال الله تعالي ما نري في خلق الرحمن من تفاوت وقال أن كل من في السموات والارض إلا آتي الرحمن عبدا وقال عليه السلام اللهم ربي ورب كل شئ أنا شهيد أن العباد كلهم أخوة وأما من حيث صورتها العلمية أعني علم الله بها فذلك غيب عنا والله أعلم بغيبه فهذا ما نبه عليه الصوفي وغايته الرجوع إلي العجز الذي هو كمال الإدراك والتسليم لما في علم الله من حيث علم الله ومن فهم هذا التنبيه فهم المسئلة الصعبة التي أشار إليها الشيخ ابن عطاء الله في أول التنوير ا ه * (تنبيه) * جعل الوجود صفة ظاهر علي القول بأنه زائد علي الذات وهو الذي عليه الفخر والجمهور وأما علي القول بأنه عين الذات مطلقا كما عليه الاشعري فجعله صفة للذات نظرا إلي أنها يوصف بها في اللفظ فيقال ذات الله موجودة وقال السبكي اختلفوا في أن وجود الشئ هل هو عين ذاته أو زائد عليه أو الفرق بين الواجب والممكن ثالثها أن كان واجبا فهو عين ذاته ورابعها لاصحاب الاحوال أنه صفة نفسية في الواجب ليس عينه ولا غيره ومذهب أبي الحسن الاشعري أنه عينه مطلقا ا ه وفي شرح جمع الجوامع والاصح أن وجود الشئ في الخارج واجبا كان وهو الله أو ممكنا وهو الخلق عينه أى ليس زائدا عليه وقال كثير من المتكلمين غيره أى زائد عليه بأن يقوم الوجود بالشئ من حيث هو أى من غير اعتبار الوجود والعدم وان لم يخل منهما ذات وقال الحكماء أنه عينه في الواجب غيره في الممكن فعلي الاصح المعدوم الممكن الوجود ليس في الخارج وانما يتحقق بوجوده فيه وكذا علي القول الآخر عند أكثر القائلين به وذهب كثير من المعتزلة إلي أنه شئ أى حقيقة متقررة * (تنميم) * الموجودات أربعة أقسام موجود لا أول له ولا آخر له وهو مولانا جل وعز وموجود له أول وآخر وهو ما سواه من عالم الدنيا وموجود له أول وليس له آخر وهو عالم الآخرة @ وموجود له آخر وليس له أول وهو عدم العالم المنقطع بوجوده (الاصل الثاني) لما فرغ من ذكر الصفة النفسية التي هي الوجود من جملة الصفات العشرين وهو القسم الاول شرع في ذكر الصفات السلبية فأشار إلي أولها وهو القدم بقوله (العلم بان الباري تعالي قديم لم يزل) وأما بقية صفات السلب التي ذكرها المتأخرون ولا في كتبهم وهي البقاء ومخالفته للحوادث وقيام بنفسه والوحدانية فأنها تؤخذ من سياق المصنف علي طريقة المتقدمين مفرقة علي طريق التلويح والإشارة من غير ترتيب ثم القدم هي صفة سلبية علي الأصح أى ليست بمعني موجود في نفسه كالعلم مثلا وإنما هي عبارة عن سلب العدم السابق علي الوجود وان شئت قلت وهو عبارة عن سلب الاولية للوجود وان شئت قلت هو عبارة عن سلب الافتتاح للوجود والثلاثة بمعني واحد هذا معني القدم في حقه تعالي وفي حق صفاته ويطلق القدم علي معني آخر وهو توالي الازمنة علي الشئ وان كان محدثا ومنه قوله تعالي حتي عاد كالعرجون القديم وهذا المعني محال في حقه سبحانه وتعالي لان وجوده جل وعز لا يتقيد بزمان ولا مكان لحدوث كل منهما فلا يتقيد بواحد منهما إلا ما هو حادث وهل يجوز أن يتلفظ بالقديم في حقه تعالي فمن راعي معناه جوزه ومن راعي كونه لم يرو نصا منع لان الاسماء توقيفية ومنهم من أورده فيه نصا من السنة فعلي هذا يصح وقد أشرنا إلي ذلك في الفصل الاول فراجعه ودل عليه من القرآن قوله تعالي وما نحن بمسبوقين (أزلي) نسبة إلي الازل وهو القديم كما في الصحاح والتهذيب فهو حينئذ بمعني القديم وقيل منسوب إلي لم يزل قاله الزمخشري وتقدم البحث فيه في الفصل الاول (ليس لوجوده أول بل هو الاول قبل كل شئ وقبل كل ميت وحي) أى لم يسبق وجوده عدم يعني ان القدم في حقه تعالي بمعني الازلية التي هي كون وجوده غير مستفتح قال المصنف في الاقتصاد ليس تحت لفظ القديم يعني في حق الله تعالي سوي اثبات موجود ونفي عدم سابق فلا تظنن أن القدم معني زائد علي ذات القديم فيلزمك أن تقول ذلك المعني أيضا قديم بقدم زائد عليه وتسلسل إلي غير نهاية ا ه وقال أبو منصور والتميمي اختلف المتكلمون فيما يجوز اطلاق وصف القديم عليه تعالي وفي معناه علي أربعة مذاهب وكان شيخنا الاشعرى يقول ان معناه المتقدم فى وجود مايكون بعده والتقدم نوعان تقدم بلا ابتداء كنقدمه تعالى وصفاته القائمة بذاته على الحوادث كلها وتقدم بغاية كتقدم بعض الحوادث على بعض وأجاز اطللاق وصف القديم عليه تعالى وعلى صفاته الازلية وقال ان القديم قديم لنفسه لالمعنى يقوم به فلا ننكر وصف صفاته الازلية بهذا الوصف كما لم ننكر وصفها بالوجود اذ كان موجودا لنفسه وقال عبد الله بن سعيد وأبو العباس لقلانسى ان القديم قديم بمعنى يقوم به هؤلاء يقولون انه تعالى قديم لمعنى قائم به ويقولون ان صفاته قائمة به موجودة أزلية ولا يقال انها قديمة ولا محدثة وزعم معمر وأتباعه من المعتزلة الحق ان الله لا يوصف بانه قديم ولا بانه كان عالما فى الازل بنفسه لان من شرط المعلوم عند أن يكون غير العالم ونفسه ليس لغيره وزعم الباقون من القدرية أن القديم هو الاله ونفوا صفاته الازلية وقالوا لو كانت الصفات أزلية لشاركته فى القدم ولوجب أن تكون الهة لان الاشتراك فى القدم يوجب التماثل وقد بينا فى أول الكتاب أن الاشتراك فى القدم لايوجب تماثلا كما أن الاشتراك فى صفة الحدوث لا يوجب تماثلا اه وقال البكى اعلم أن الاشاعرة اختلفوا فى صفة القدم فنقل عن الشيخ انها صفات المعانى وهو قول عبد الله سعيد وقيل من الصفات النفسية واليه رجع الشيخ والحق انها من الصفات السلبية فلا يكون من الصفات النفسية ولا المعنوية اذ السلب داخل فى مفهومه اذ القدم هو عدم سبقية العدم على الوجود وقد تقدم ذلك اه قال المصنف (وبرهانه انه لو كان حادثا ولم يكن قديما لا متقر) أى احتاج (الى محدث) وبيانه انه لو لم يكن قديما لكان حادثا لوجوب انحصار كل موجود فى القدم والحدوث فمهما انتفى أحدهما تعين @ الاخر والحدوث على الله عز وجل مستحيل لانه يستلزم له محدث لما تقدم فى حدوث العالم ان كل حادث لابد له من محدث فينقل الكلام الى ذلك المحدث فان كان قديما فهو المراد بمسمة كلمة الجلالة وان لم يكن قديما كان حادثا (وافتقر محدثه الى محدث ويتسلسل ذلك الى غير نهاية وما تسلسل) لا الى نهاية (لم يتحصل) أى ان تسلسل هكذا لزم عدم حصول حادث منها أصلا لما سبق أن المحال وهو وجود حوادث لا أول لها يستلزم استحالة وجود الحادث الحاضر وأيضا فان التسلسل يؤدى الى فراغ مالا نهاية له وذلك لا يعقل وان كان الامر ينتهى الى عدد متناه فيلزم الدور وهو محال ايضا لانه يلزم عليه تقدم الشئ على نفسه وتأخره عنها فاذا كان الحدوث يؤدى الى الدور أو التسلسل المحالين لزم أن يكون محالا (أو ينتهى الى محدث قديم هو الاول) وهو مسمى كلمة الجلالة (وذلك هو المطلوب الذى سميناه صانع العالم وبارئه ومحدثه ومبدئه) على غير مثال سابق قال ابن الهمام فى المسايرة وتلميذه ابن أبى شريف فى شرحه بل اللزوم هنا بطريق أولى من الطريق الذى ذكر فى استلزام حوادث لا أول لها استحالة وجود الحادث الحاضر لان هذا الترتيب على أى ترتيب معلول على علة فكل مرتبة من مراتبه علة لوجود مايليها غير أن ايجاد كل للاخر الذى يليه بالاختيار كما ينبه عليه قولهم افتقر الى محدث قال الشارح وهذا الاستدراك للتنبيه على أن قولنا على ليس على طريقة الفلاسفة وهو أن العلة توجب المعلول وذلك أى الطريق المذكور فى حوادث لا أول لها لم يفرض فيه غير ترتب تلك الحوادث فى الوجود دون تعرض لكون كل منها علة لوجود مايليه لكن حصول الحوادث ثابت ضرورة بالحس والعقل فيجب أن ينتهى حصولها فى الوجود الى موجد لا أول له ولا يراد بالاسم الذى هو الله الا ذلك وقال امام الحرمين فى الارشاد فان قيل اثبات موجد لا أول له اثبات أوقات متعاقبة لا نهاية لها اذ لا يعقل استمرار وجود الا فى أوقات وذلك يؤدى الى اثبات حوادث لا أول لها وقد تبين بطلانها قلنا هذا زلل ممن ظنه فان الاوقات يعبر بها عن موجودات تقارن موجودا وكل موجود أضيف الى مقارنة موجود فهو وقته المستمر فى العادات التعبير بالاوقات عن حركات الفلك وتعاقب الجديدين فاذا تبين ذلك فى معنى الوقت فليس من شرط وجود الشئ أن يفارقه موجود اخر اذا لم يتعلق أحدهما بالثانى فى قضية عقلية ولو افتقر كل موجود الى وقت وقدرت الاوقات موجودة لافتقرت الى أوقات وذلك يجزالى جهالات لا ينتحلها عاقل فالبارى تعالى قبل حدوث الحوادث منفرد بوجوده وصفاته لا يقارن حادث اه وهذا الذى ذكره امام الحرمين قد زاده وضوحا ابن التلمسانى فى شرح اللمع لامام الحرمين فقال مانصه فان قيل القبول بالقدم يلزم منه وجود أزمنة لانهاية لها اذ لا يعقل استمرار وجود وبقاؤه الا بزمان وأنتم لا تقولون به قلنا الزمان يطلق باعتبارات ثلاث وكلما منتفية بالنسبة الى البارى تعالى الاول الاطلاق العرفى وهو مرور الليالى والايام وذلك تابع لحركات الافلاك وقد أفنا الدليل على حدوث العالم فقد كان الله ولا زمان بهذا الاعتبار وكان الله ولا شئ معه الثانى مااصطلح عليه المتكلمون وهو مقارنة متحدد لمتحدد توقيتا للمجهول بالمعلوم وذلك يختلف بالنسبة الى السامع فنقول ولد النبى صلى الله عليه وسلم عام الفيل فتجعله وقتا لمولده صلى الله عليه وسلم فنوقته بمولده صلى الله عليه وسلم لمن يعلمه ولا يعلم عام الفيل فهو أمر مرضى وذلك لا يتحقق فى الازل أو لا يتجدد فى الازل ويطلق فى اصطلاح الحكماء على أمر حركة الفلك وهو تابع لحركات الافلاك فلا يكون أزليا فبأى معنى فسر الزمان لا يكون أزليا اه ثم هذا الذى ذكره المصنف من الاستدلال على قدم البارى تعالى هو المشهور بين المتكلمين وهو الذى اقتصر عليه الجماهير من المتقدمين وزاد بعضهم فقال ودليل ثان وهو انه تعالى واجب لذاته والواجب لذاته لا يقبل الانتفاء @ بحال فيلزم قدمه وبقاؤه قاله ابن التلمسانى واقتصر على هذا الدليل السبكى فى شرح عقيدة ابن الحاجب وقرره بما نصه صانع العالم واجب الوجود وكل واجب الوجود فوجوده من ذاته وكل ماهو موجود من ذاته فعدمه محال وكل ماعدمه محال لم يمكن عدمه قط وكل مالا يمكن عدمه قط فهو قديم فصانع العالم قديم وبالجملة فالقدم من اللوازم البينة لذ أن الواجب وثبوت مستلزم المستلزم مستلزم لثبوت اللازم اه وهذا كقولهم مساوى المساوى مساو وأما دليل قدمه تعالى عند المدث فيقول قال تعالى لم يلد ولم يولد وقال تعال هو الاول وقال صلى الله عليه وسلم أنت الاول فليس قبلك شئ وأنت الاخر فليس بعدك شئ وأنت الظاهر فليس فوقك شئ وأنت الباطن فليس دونك شئ الحديث أخرجه أبو دواود والترمذى فلو لم يكن قديما لكان حادثا ولو كان حادثا لكان قبله شئ وأما الصوفى فانه يقول كل قضية بديهية فلوازمها البينة بيديهية وهذا لازم بين لثبوت الوجود الذاتى اذ كلما تصور القدم ووجود الواجب لزم جزم العقل بوجوبهما * (تنبيه) * قال شيخ مشايخنا فى املائه اعلم أن القديم أخص من الازلى لان القديم موجود لا ابتداء لوجوده والازلى مالا ابتداء لوجوده وجوديا كان أو عدميا فكل قديم أزلى ولا عكس ويفترقان أيضا من جهة أن القديم يستحيل أن يلحقه تغير أو زوال بخلاف الازلى الذى ليس بقديم كعدم الحوادث المنقطع بوجوده * (تكميل) * قال ابن جامة التقدم خمسة الاول بالعلة كحرجكة الاصبع على الخاتم الثانى بالذات كالواحد على الاثنين والثالث بالشرف كأبى بكر على عمر والرابع بالرتبة كالجنس على النوع والخامس بالمكان كالامام على المأموم (الاصل الثالث العلم بانه تعالى مع كونه أزليا) كونه (أبديا) أى (ليس لوجوده اخر) أى يستحيل أن يلحقه عدم وهذه الصفة هى الصفة الثانية من الصفات السلبية على الاصح المعبر عنها بالبقاء وهو عبارة عن سلب الانقضائية للوجود والثلاثة بمعنى واحد هذا معنى البقاء فى حقه تعالى وحق صفاته ويطلق البقاء بمعنى اخر وهو مقارنة الوجود لزمانين فصاعدا وهذا محال فى حقه تعالى لما عرفت من استحالة تقييد وجوده بالزمان وقال أبو منصور التميمى اختلف أصحابنا فى معنى الباقى وحقيقته فمن قال منهم ان الباقى ما قام به البقاء امتنع من وصف صفات الله تعالى القديمة بذاته بانها باقية وقال انها موجودة أزلية قائمة بالله عز وجل ولا يقال فيها انها باقية ولا فانية هذا قول عبد الله بن سعيد وأبى العباس القلانسى ومن قال ان الباقى ماله بقاء ولم يشرط قيام البقاء به كما ذهب اليه أبو الحسن الاشعرى فانه يقول ان الصفات الازلية القائمة بالله باقية دائمة واختلف أصحابه فى كيفية وصفها بالبقاء فمنهم من قال كل صفة منها باقية لنفسها ونفسها بقاء لها وبقاؤه بقاء لنفسه وهذا اختيار أبى اسحق الاسفراينى ومنهم من قال بقاء البارى بقاء لنفسه ولسائر صفاته الازلية وهذا اختيار أبى بكر محمد بن الحسن بن فورك وبه نقول اه ثم اشار المصنف الى دليله النقلى فقال (فهو الاول) وهو دليل كونه أزليا (والاخر) وهو دليل كونه أبديا (والظاهر والباطن) وهو فى كتابه العزيز وجاء بمثله فى الحديث الذى أخرجه أبو داود والترمذى كما تقدم وهذا هو دليل المحدث أيضا وأما الصوفى فدليله فى الابدية كدليله فى الازلية (لان ماثبت قدمه استحال عدمه) وهذا القول مبنى على المشهور من أن القديم أخص من الازلى كما تقدم بيانه قال شيخ مشايخنا فليست الاعدام أزلية قديمة حتى يرد ما قاله ابن التلمسانى من أن الاعدام الازلية قديمة ولم يستحل عدمها فيما لا يزال لانعدامها بالوجود ويمكن أن يجاب على تسليم الترادف بان ما عبارة عن موجود فلا تدخل الاعدام ثم شرع فى ذكر الدليل العقلى فقال (وبرهانه انه لو انعدم لكان لا يخلو اما أن ينعدم بنفسه) بان يكون انعدامه أثرا لقدرته (أو) ينعدم (بمعدم يضاده) فيمتنع وجوده معه قال ابن أبى شريف وسكت عن المثل والخلاف لانه @ لا يتوهم صلاحيتها لغلبة انعدام المثل والخلاف (و) انعدامه بنفسه باطل (لانه لو جاز أن ينعدم شئ يتصور دوامه بنفسه لجاز أن يوجد شئ بنفسه فكما يحتاج طربان الوجود الى سبب فكذلك يحتاج طربان العدم الى سبوقرره ابن الهمام بوجه اخر فقال لانه لما ثبت انه الموجد الذى استندت اليه كل الموجودات ثبت عدم استناد وجوده الى غيره فيلزم أن يكون وجوده له من نفسه أى اقتضت ذاته المقدسة اقتضاء تاما فاذا ثبت أن وجوده مقضى ذاته المقدسة استحال أن تؤثر ذاته عدمها لان ما بالذات أى ما تقتضيه الذات اقتضاء تاما لا يتخلف عنها اه وقد تختصر العبارة عن ذلك فيقال لانه واجب الوجود لا يقبل الانتفاء بحال فيلزم بقاؤه كما يلزم قدمه واليه أشار ابن التلمسانى ومنهم من قال فى برهان بقائه تعالى انه لو لحقه العدم لزم أن يكون من جملة الممكنات التى يجوز عليها الوجود والعدم وكل ممكن لا يكون وجوده الا حادثا تعالى الله عن ذلك ويلزم الدور أو التسلسل فتبين ان وجوب القدم يستلزم وجوب البقاء وهو المطلوب (وباطل) أيضا (أن ينعدم بمعدم يضاده لان ذلك المعدم) أى الضد المقتضى نفسه اما قديم أو حادث لا يجوز الاول لانه (لو كان قديما لما تصورالوجود معه) أى لزم انتفاء وجود البارى تعالى مع ذلك الضد من الابتداء أصلا لان التضاد يمنع الاجتماع بين الشيئين اللذين اتصفا به (وقد ظهر بالاصلين السابقين) الاول والثانى (وجوده) تعالى بنفسه (وقدمه) أزلا (فكيف كان وجوده فى القدم ومعه ضده) أى هذا محال لما مر من أن التضاد يمنع الاجتماع (فان كان الضد المعدم حادثا كان محالا) أى ولا يجوز الثانى أيضا وهو كون الضد حادثا (اذ ليس الحادث فى مضادته) أى باعتبار مضادته القديم (حتى يقطع) أى بحيث يقطع الحادث (وجوده) أى وجود ضده القديم (بأولى من القديم فى مضادته للحادث حتى يدفع) أى بحيث يدفع القديم (وجوده) أى وجود ضده الحادث (بل) القديم أولى بدفع وجود ضده من الحادث فى قطع وجود ضده القديم ورفعه لان (الدفع اهون من القطع والقديم أقوى من الحادث) وقرر هذا البرهان ابن التلمسانى فى شرح اللمع بأبسط من ذلك فقال عدم الشئ متى كان جائزا قديما يكون معدوما لانتفاء مايوجده او لوجود ما ينفيه وكل ما يتوقف وجوده عليه فهو شرط فى وجوده فلو انعدم لعدم ذلك لم يخل ذلك اما أن يكون حادثا أو قديما ولا جائز أن يكون القديم مشروطا بشرط حادث لما فيه من تقدم المشروط على الشرط وان كان قديما فالقول فى عدمه كالقول فى عدم المشروط ويتسلسل وان فرض عدمه لوجود ما ينفيه فلا يخلو ذلك من المعدم اما أن يعدمه بذاته أو بايثاره واختياره فان أعدمه بذاته فلا يخلو اما أن يعدمه بطريق التضاد فان التضاد مفعول واحد من الجانبين فليس اعدام الطارئ الحاصل لما فاته له بأولى من منع الحاصل الطارئ أولا بطريق التضاد لا جائز أن يعدمه بطريق التضاد فان التضاد مفعول واحد من الجانبين فليس اعدام الطارئ الحاصل لما فاته له بأولى من منع الحاصل الطارئ اولا بطريق التضاد لا جائز ان يعدمه بطريق التضاد فان أعدمه لا بطريق التضاد فلا يخلو اما أن يقوم به اولا فان قام به وهو مقتض لعدمه لزم أن يجامع وجوده عدمه فانه من حيث كونه محلا يستدعى أن يكون حاصلا موجودا ومن حيث كونه أثرا يستدعى أن يكون معدوما وان لم يقم به فنسبته اليه والى غيره نسبة واحدة فليس اعدامه بأولى من اعدامه بغيره وان أعدمه بايثاره واختياره فالمؤثر المختار لابد له من فعل والعدم لاشئ ومن فعل لا شئ لم يفعل شيأ ولان المعدم له ايضا اما أن يكون نفسه او غيره لا جائز أن يعدم نفسه ضرورة وجود الفاعل حال وجود فعله فيجامع وجوده عدمه ولا جائز أن يعدمه غيره لقيام الدليل على وحدانيته وقد قيل ان العقلاء لم يتفقوا على مسئلة نظرية الا هذة المسئلة وهو أن القديم لا يعدم (الاصل الرابع العلم بانه تعالى ليس بجوهر يتحيز) أى يختص بالكون فى الحيز خلافا للنصارى وقوله يتحيز صفة كاشفة لا مخصصة لان من شأن الجوهر الاختصاص بحيزه وحيز الجوهر عند المتكلمين هو الفراغ المتوهم الذى يشغله الجوهر (بل يتعالى ويتقدس عن مناسبة الحيز وبرهانه ان كل جوهر @ متحيز فهو مختص بحيزه ولا يخلو من أن يكون ساكنا فيه) أى فى ذلك الحيز (أو متحركا عنه) لانه لا ينفك عن أحدهما (فلا يخلو عن الحركة والسكون وهما حادثان) لما عرفته فيما سبق فكان لا يخلو عن الحوادث (ومالا يخلو عن الحوادث فهو حادث) والحكم بحدوثه ثابت بما قدمناه فى الاصل الاول من الدليل وقد علم من استحالة كونه تعالى جوهر استحالة لوازم الجوهر عليه تعالى من التحيز ولوازمه كالجهة وسيأتى بيان ذلك فى أصل مستقل (ولو تصور جوهر متحيز قديم لكان يعقل قدم جواهر العالم) وهو باطل (فان سماه مسم جوهرا ولم يرد به المتحيز) أى قال لا كالجواهر فى التحيز ولوازمه من اثبات الجهة والاحاطة ونحوهما (كان مخطئا من حيث اللفظ لا من حيث المعنى) لمثل ما سيأتى فى اطلاق الجسم اذ لم يرد اطلاق لفظ الجوهرعليه تعالى لا لغة ولا شرعا وفى اطلاقه ايهام نقص تعالى لله أن يتطرق اليه نقص فان الجوهر يطلق على الجزء الذى لا يتجزأ وهو احقر الاشياء مقدارا قال النسفى فى شرح العمدة وقالت النصارى وابن كرام يجوز اطلاقه على الله تعالى لانه اسم للقائم بالذات والله تعالى قائم بالذات فيكون جوهرا قلنا الجوهر فى اللغة عبارة عن الاصل وسمى الجزء الذى لا يتجزأ جوهرا لانه أصل المركبات والله تعالى ليس بأصل للمركبات فلم يكن جوهرا ولان الجوهر هو المتحيز الذى لا ينقسم ولا يخلو عن الحركة والسكون فيكون حادثا لما مر ولفظ الجوهر لا ينبئ عن القائم بالذات لغة بل ينبئ عن الاصل وتحديد اللفظ بما لا ينبئ عنه لغة واخراج ما ينبئ عن لغة عن كونه جداله جهل فاحش اه وقال البكى اعلم أن الجوهر على اصطلاح المتكلمين هو المتحيز القائم بنفسه وعلى اصطلاح غيرهم هو الموجود لا فى موضوع والموضوع هو الجسم فهو تعالى ليس بجسم ولا جوهر على الاصطلاح الاول لضرورة افتقار الجوهر الى الحيز ولا على الثانى والا لكان وجوده زائدا على ذاته فيكون ممكنا ضرورة لان المعنى من قولهم الموجود لا فى موضوع أى الذى اذا وجد كان لا فى موضوع وذلك يقتضى الزيادة قطعا وكل من وجوده زائد فهو ممكن كما علم فى محله وأيضا فان ذلك التفسير للجوهر الذى هو أحد أقسام الممكن ضرورة ان الممكن جوهر جوهر وغير جوهر وأما من فسر الجوهر بانه قائم بنفسه كالنصارى فلا نزاع الا فى الاطلاق اذ الاطلاق موقوف على التوقيف ولم يرد فى ذلك توقيف اه (الاصل الخامس العلم بانه تعالى ليس بجسم مؤلف من جواهر) فردة وهى الاجزاء التى لا تتجزأ (اذ الجسم عبارة عن المرلف من تلك الجواهر واذا بطل كونه جوهرا مخصوصا متحيزا) كما بين فى الاصل الذى قبله (بطل كونه جسما) أى ابطال كونه جوهرا يستقل بابطال كونه جسما (لان كل جسم مختص بحيز) هو الفراغ المتوهم الذى يشغله شئ ممتد أو غير ممتد (ومركب من جوهر والجوهر يستحيل خلوه عن) الا كوان مثل (الافتراق والاجتماع والحركة والسكون والهيئة والمقدار) فهذه لاقتضائها الاحتياج وقال البكى لو كان تعالى جسما لكان مركبا ولو كان مركبا لكان مفتقرا ضرورة ان كل مركب متوقف وكل متوقف مفتقر ولو كان مفتقرا لكان ممكنا وقد فرض واجب الوجود هذا خلف وقد يقال لو كان الصانع مركبا فصفات الالوهية كالعلم مثلا لا يخلو اما أن تقوم بكل جزء فيلزم تعداد الاله وهو محال أو وجود المعنى الواحد فى متعدد وهو محال أو بالبعض دون البعض فيلزم الاختصاص بالغير أو بالترجيح من غير مرجح أو بالمجموع بما هو مجموع فيلزم التسلسل لان المجموع ان كانت له جهة واحدة نقل الكلام اليها والا فليس الا الاجزاء المتلاصقة فما تقدم لازم اه وقال النسفى فى شرح العمدة الجسم اسم للمتركب فمن أطلقه وعنى به المتركب كاليهود وغلاة الروافض والمقابلة فهو مخطئ فى الاسم والمعنى لانه ان قام علم واحد وقدرة واحدة وارادة واحدة بجميع الاجزاء فهو محال لامتناع قيام الصفة الواحدة بالمحال المتعددة وان قام بكل جزء من أجزائه علم على حدة وقدرة على حدة وارادة @ على حدة فيكون كل جزء موصوفا بصفات الكمال فيكون كل جزئ الها فيفسد القول به كما فسد بالهين فان لم يكت موصوفا بهذه الصفات فيكون موصوفا باضدادها من سمات الحدوث اذ كل قائم بالذات يجوز قبوله للصفات ومالا يقوم به فانما لا يقوم لقيام الضدية ولو كان موصوفا بصفات النقصان لكان محدثا ولا ناقد دلنا على أن العالم بجميع اجزائه محدث والاجسام من العالم فيكون محدثا والا لم يجب أن يكون قديما أزليا فيمنع أن يكون جسما ضرورة (ولو جاز أن يعتقد أن صانع العالم جسم لجاز أن تعتقد الالهية للشمس والقمر) كمل ضل فيه الصابئة (أو لشئ اخر من أقسام الاجسام) كما ضل فيه الوثنية والسمنية (فان تجاسر متجاسر على تسميته تعالى جسما من غير ارادة التأليف من الجواهر) وقال لا كالاجسام يعنى فى لوازم الجسمية كبعض الكرامية والحنابلة حيث قالوا هو جسم بمعنى موجود أو بمعنى انه قائم بنفسه (كان ذلك غلطا فى الاسم) لا فى المعنى (مع الاصابة فى نفى معنى الجسم) وامتناع اطلاق كل من الجسم والجوهر ظاهر على قول القائلين بالتوقيف وأما على القول بجواز اطلاق المشتق مما ثبت سمعا اتصافه بمعناه وما يشعر بالجلال ولم يوهم نقصا وان لم يرد توقيف كما ذهبت اليه المعتزلة وأبو بكر الباقلانى فخطا أيضا لانه لم يوجد فى السمع ما يسوغ اطلاقه ولان شرطه بعد السمع أن لايوهم نقصا فيكتفون حيث لا سمع بدلالة العقل على اتصافه تعالى بمعنى ذلك اللفظ ومن قال باطلاق الالفاظ التى هى أوصاف دون الاسماء الجارية مجرى الاعلام كالمصنف فى المقصد الاسنى والامام الرازى فالشرط عنده كذلك فيما أجازه دون توقيف واسم الجسم يقتضى النقص من حيث اقتضائية الافتتقار الى اجزائه التى يتركب منها وهو أعظم مقتض للحدوث فمن أطلقه عليه تعالى فهو عاص بل قد كفره الامام ركن الاسلام فيمن أطلق عليه اسم السبب والعلة وهو أظهر فان اطلاقه اياه غير مكره عليه بعد عمله بما فيه من اقتضاء النقص استخفاف بجناب الربوبية وهو كفر اجماعا ولما ثبت انتفاء الجسمية بالمعنى المذكور ثبت انتفاء لوازمها وانتفاء الملزوم يستلزم انتفاء لازمه المساوى ولوازم الجسمية هى الاتصاف بالكيفيات المحسوسة بالحس الظاهر أو الباطن من اللون والرائحة والصورة والعوارض النفسانية من اللذة والالم والفرح والغم ونحوها ولان هذه الامور تابعة للمزاج المستلزم للتركيب المنافى للوجوب الذاتى ولان البعض منها تغيرات وانتقالات وهى على البارئ تعالى محال وما ورد فى الكتاب والسنة من ذكر الرضا والغضب والفرح ونحوها يجب التنزيه عن ظاهره على ما سيأتى بيانه ان شاء الله تعالى (الاصل السادس العلم بانه تعالى ليس بعرض قائم بجسم) وهو وصف كاشف لا مخصص (أو حال فى محل) والمراد بالحلول هنا الاستقرار ومنه حلول الجوهر او الجسم فى الحيز واستدل له من وجهين الاول ما تضمنه قوله (لان العرض بحل فى الجسم) وفى الاقتصاد للمصنف هو مايحتاج الى الجسم أو الجوهر فى تقومه أى فى قيام ذواته وتحققها (وكل جسم فهو حادث ويكون محدثه موجودا قبله فكيف يكون حالا فى الجسم وقد كان موجودا فى الازل وحده وما معه غيره ثم أحدث الاجسام والاعراض بعده) كما ثبت بالادلة السابقة أى فيستحيل وجوده قبله ضرورة استحالة وجود ما يتوقف وجوده على شئ قبل ذلك الشئ والله تعالى قبل كل شئ وموجده وقال النسفى فى شرح العمدة العرض يستحيل بقاؤه لانه لو كان باقيا اما أن يكون البقاء قائما به وهو محال لان العرض لا يقوم بالغرض باتفاق المتكلمين والبقاء عرض لان العرض عبارة عن أمر زائد على الذات ولم يصح وحده ولم يوجد بخلاف اتصال السواد باللونية لانها ليست بزائدة على ذاته بل هى داخلة فى ماهيته أو قائما بغيره فيكون الباقى ذلك الغير لان العرض وما يستحيل بقاؤه لان يكون قديما لان القديم واجب الوجود لذاته لما مر فيكون مستحيل العدم اه وقال السبكى صانع العالم لا يحل فى شئ لانه لو حل فى شئ اما عرضا أو جوهرا أو صورة والجميع محال ضرورة افتقارالحال لما حل فيه ولا شئ من المفتقر بواجب الوجود وكل @ حال فى شئ مفتقر فلاشئ من واجب الوجود بحال فى شئ وهو المطلوب اه والثانى ما تضمنه قوله (ولانه) تعالى (عالم قادر مريد خالق) أى موصوف بالعلم والقدرة والارادة والخلق (كما سيأتى بيانه) فيما بعد (وهذه الاوصاف تستحيل على الاعراض بل لا تعقل) هذه الاوصاف (الا لموجود) وفى بعض النسخ لوجد (قائم بنفسه مستقل بذاته) وأشار لهذا الوجه النسفى فى شرح العمدة فقال ولان العرض يفتقر الى محل يقوم به ومالا قيام له بذاته يستحيل منه الفعل اذ الفعل المحكم المتقن لا يتأتى الا من حى قادر عليم * (تنبيه) * قد علم من هذه الاصول وهى الرابع والخامس والسادس مخالفته تعالى للحوادث وقيامه بنفسه وهما الصفة الثالثة والرابعة من الصفات السلبيو فمخالفته تعالى للحوادث معناه لا يماثله شئ منها مطلقا لا فى الذات ولا فى الصفات ولا فى الافعال وبرهانه انه لو ماصل شيأ منها لكان حادثا مثلها وذلك محال لما عرفت من وجوب قدمه وبقائه لان كل مثلين لابد أن يجب لكل واحد منهما ما وجب للاخر ويستحيل عليه ما استحال عليه ويجوزعليه ما جازعليه وقد وجب للحوادث الحدوث فلو ماثلها مولانا عز وجل لوجب له ما وجب لها من الحدوث واستحالة القدم ولو كان كذلك لافتقر الى محدث ولزم الدور أو التسلسل وبالجملة لو ماثل تعال شيأ فى الحوادث لوجب له القدم لالوهيته والحدوث لغرض مماثلته للحوادث وذلك جمع بين متنافيين ضرورة وأما قيامه تعالى بنفسه فهو عبارة عن سلب افتقاره الى شئ من الاشياء فلا يفقتر الى محل ولا مخصص والمراد بالمحل هنا الذات كما درج عليه الشيخ السنوسى لا الحيز الذى يحل فيه الجسم كما يتوهم وان كان يطلق عليه أيضا والمراد بالمخصص الفاعل فاذا القيام بالنفس هو عبارة عن الغنى المطلق أما برهان غناه عن المحل أى ذات يقوم بها فهو انه لو احتاج الى ذات اخرى يقوم بها لكان صفة لانه لا يحتاج الى الذات الا الصفات والصفة لا تتصف بصفات المعانى وهى القدرة والارادة والعلم الى اخرها ولا بالصفات المعنوية وهى كونه قادرا ومريدا وعالما الى اخرها فلا يكون تعالى صفة لان الواجب له نفيض ماوجب للصفة لانه يجب اتصافه بالمعانى والمعنوية والصفة يستحيل عليها ذلك اذا الصفة لو قبلت صفة أخرى يلزم أن لا تعرى عنها ولزم أن تقبل الاخرى أخرى اذ لا فرق بينهما الى غير غاية وذلك التسلسل وهو محال وبرهان غناه عن المخصص أى الفاعل هو انه لو احتاج اليه لكان حادثا وذلك محال لما تقدم من وجوب قدمه تعالى وبقائه فتبين بهذين الغنى المطلق له جل وعز وهو معنى قيامه بنفسه * (تكميل) * الموجودات بالنسبة الى المحل والمخصص أقسام أربعة قسم غنى عن المحل والمخصص وهو ذاته تعالى غنى عن المحل لكونه ذاتا وعن المخصص لكونه قديما باقيا وقسم غنى عن المخصص وموجود فى المحل وهو صفاته تعالى غنية عن المخصص وهى ذوات الاجرام غنية عن المحل لكونها ذاتا والذات لا تحتاج الى محل ومفتقرة الى المخصص لكونها حادثة والحادث لابد له من محدث وقسم مفتقر الى المحل والمخصص وهى الاعراض مفتقرة الى المحل لكونها اعراضا والعرض لا يقوم بنفسه ومفتقرة الى المخصص لكونها حادثة والحادث لابد له من محدث (وقد تحصل من هذه الاصول) أى من أولها الى هنا (انه) تعالى (موجود) واجب الوجود قديم لا اول له باق لا اخر له (قائم بنفسه) مخالف للحوادث (ليس بجسم ولا جوهر ولا عرض) ولا حال فى شئ ولا يحله شئ (وان العالم كله) وهو ما سوى الله تعالى (جواهر واعراض واجسام) وذكر الجواهر يغنى عن الاجسام لان الاجسام جواهر مؤلفة كما تقدم (فاذا لا يشبه شيأ) من خلقه (ولا يشبهه شئ) من خلقه والمشابهة تتحقق من الطرفين اذ العالم جواهر واعراض والله تعالى خالقها كلها (بل هو الحى القيوم) لما ثبت ان الله سبحانه وتعالى لا يشبه شيأ من خلقه أشار الى ما يقع به التفرقة بينه وبين خلقه بما يتصف به تعالى دون خلقه فمن ذلك انه قيوم لا ينام اذ هو مختص بعدم النوم والسنة دون خلقه فانهم ينامون وانه تعالى حى لا يموت لان صفة الحياة الباقية مختصة به دون خلقه فانهم يموتون ثم قال (ليس كمثله شئ) أى ليس مثله شئ يناسبه ويزاوجه @ والمراد من مثله ذاته المقدسة كما فى قولهم مثلك لا يفعل كذا على قصد المبالغة فى نفسه بطريق الكناية فانه اذا نفى عمن يناسبه ويسد مسده كان نفيه أولى وقيل مثل صفته أى ليس كصفته صفة والمخالفة بينه وبين سائر الذوات لذاته المخصوصة تعالى لا لأمر زائد هذا مذهب الاشعر وأول هذه الاية تنزيه واخرها اثبات قصدرها برد على المجسمة وعجزها يرد على المعط له النافيين لجميع الصفات وبدأ بالتنزيه ليستفاد منه نفى التشبيه له تعالى مطلقا حتى فى السمع والبصر اللذين ذكرا بعد وقال أبو منصور التميمى اعترض بعض المشبهة على هذه الاية بأن قال ان هذه تقتضى اثبات مثل ونفى مثل عن ذلك المثل وهذا جهل منهم بكلام العرب فى مخاطباتها مع انتقاضه فى نفسه اما جهلهم بكلام العرب فلان العرب تزيد المثل تارة فى الكلام وتزيد الكاف أخرى مع الاستغناء عنها وذلك كقول القائل لصاحبه أعرفك كالهين العاجز أى اعرفك هينا عاجزا وقال الشاعر*وقبلى كمثل جذوع النخيل *يغشاهم سيل منهم أراد انهم كجذوع النخل فزاد المثل صلة فى الكلام وقال الاخر* فصيروا كمثل عصف مأكول* أراد مثل عصف فزاد الكاف وقد تزيد العرب الكاف على الكاف كقول الشاعر* وصاليات ككماتوثقى* أراد كما توثقنى فزاد عليه كافا فكذلك قوله ليس كمثله شئ الكاف فيه زائدة والمراد ليس مثله شئ ومعناه ليس شئ مثله وأما وجه مناقضة السؤال فى نفسه فمن حيث ان السائل زعم ان له مثلا لا نظير له واذا لم يكن للمثل نظير بطل أن يكون مثلا له لان مثل الشئ يقتضى أن يكون المضاف اليه بالتماثل مثلا له وذلك متناقض واذا تناقض السؤال فى نفسه لم يستحق جوابا (وانى يشبه) أى كيف يشبه (المخلوق خالقه والمقدور قدره والمصور مصوره والاجسام والاعراض كلها) أى ما سواء تعالى (من خلقه وصنعه) وابداعه (فاستحال القضاء عليها بمماثلته ومشابهته) اعلم ان أهل ملة الاسلام قد أطلقوا جميعا القول بأن صانع العالم لا يشبه شيأ من العالم وانه ليس له شبه ولا مثل ولا ضد وانه سبحانه موجود بلا تشبيه ولا تعطيل ثم اختلفوا بعد ذلك فيما بينهم فمنهم من اعتقد فى التفصيل ما يوافق اعتقاده فى الجملة ولم ينقض أصول التوحيد على نفسه بشئ من فروعه وهم المحققون من أهل السنة والجماعة أصاحب الحديث وأهل الرأى الذين تمسكوا بأصول الدين فى التوحيد والنبؤات ولم يخلطوا مذاهبهم بشئ من البدع والضلالان المعروفة بالقدر والارجاء والتجسيم والتشبيه والرفض ونحو ذلك وعلى ذلك أئمة الدين جميعهم فى الفقه والحديث والاجتهاد فى الفتيا والاحكام كمالك والشافعى وأبى حنيفة والاوزاعى والثورى وفقهاء المدينة وجميع أئمة الحرمين وأهل الظاهر وكل من يعتبر خلافه فى الفقه وبه قال أئمة الصفاتية المثبتة من المتكلمين كعبد الله بن سعيد القطان والحرث بن أسد المحاسبى وعبز العزيز المكى والحسين بن الفضل الجبلى وأبى العباس القلانسى وأبى الحسن الاشعرى ومن تبعهم من الموحدين الخارجين عن التشبيه والتعطيل واليه ذهب ايضا ائمة اهل التصوف كأبى سليمان الدارانى وأحمد بن أبى الحوارمى وسرى السقطى وابراهيم بن ادهم والفضيل ابن عياض والجنيد ورويم والنووى والحراز والخواص ومن جرى مجراهم دون من انتسب اليهم وهم بريئون منهم من الحاولية وغيرهم وعلى ذلك درج من سلف من أئمة المسلمين فى الحديث كالزهرى وشعبة وقتادة وابن عيينة وعبد الرحمن بن مهدى ويحيى بن سعيد ويحيى بن معين وعلى بن المدائنى وأحمد ابن حنبل واسحق نراهويه ويحيى بن يحيى التميمى وجميع الحفاظ لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين نقل قولهم فى الجرح والتعديل والتمييز بين الصحيح والسقيم من الاخبار والاثار وكذلك الائمة الذين أخذت عنهم اللغة والنحو والقرأن واعراب القرأن كلهم كانوا على طريقة التوحيد من غير تشبيه ولا تعطيل كعيسى بن عمر الثقفى وأبى عمرو بن العلاء والخليل بن أحمد والاصمعى وأبى زيد الانصارى وعثمان المازنى وأحمد بن يحيى ثعلب وأبى شمر وابن السكيت وعلى بن حمزة الكسائى وابراهيم الحربى @ والمبرد والقراء السبعة قبلهم وكل من يصح اليوم الاحتجاج بقوله فى اللغة والنحو والقراان من أئمة الدين فانهم كلهم منتسبون الى ما انتسب اليه اهل السنة والجماعة فى التوحيد واثبات صفات المدح لمعبودهم ونفى التشبيه عنه ومنهم من أجرى على معبوده اوصافا تؤذيه الى القول بالتشبيه تنزيه منه فى الظاهر كالمشبهة والمجسمة والحلولية على اختلاف مذاهبهم فى ذلك على اختلاف مذاهبهم فى ذلك فأما الخارجون عن ملة الاسلام ففريقان أحدهما دهريه ينكرون الصانع ويكلمون فى نفى التشبيه عنه وانا ولا يكلمون فى اثباته والفريق التانى مقرون بالصانع ولكنهم مختلفون فمنهم من بقول باثبات صانعين هما النور والظلمة ومنهم من ينسب الافعال والحوادث الى الطبائع الاربعة ومنهم من يقر بصانع واحد قديم وهؤلاء مختلفون فيه فمنهم من يقول انه لا شيأ من العالم ويفرط فى نفى الصفات عنه حتى يدخل فى باب التعطيل وهم أكثر الفلاسفة وفيهم المفرط فى اثبات الصفات والجوارح له تعالى حتى يدخل فى باب التشبيه بينه وبين خلقه كاليهود الذين زعموا ان معبودهم على صورة الانسان فى الاعضاء والجوارح والحد والنهاية تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ومعهم على هذا القول جماعة من المنتسبين الى الاسلام مع تنزيههم من القول بالتشبيه فى الظاهر خوفا من اظهار العامة على عوار مذاهبهم وهؤلاء فرق منهم اصحاب هشام ابن الحكم الرافضى والجواربية اصحاب داود الجوارلى والحلولية اصحابى ابى حلمان الدمشقى والبيانية اصحاب بيان بن سمعان التميمى والتناسخية اصحاب عبد الله بن منصور بن عبدالله بن جعفر والمغيرية اصحاب المغيرة بن سعيد وغير هؤلاء ولهم مقالات يقشعر منها البدن قد ذكرها اصحاب الملل والنحل وفيما اشرنا اليه كفاية (الاصل السابع العلم بان الله تعالى منزه الذات عن الاختصاص بالجهات) أى ليست ذاته المقدسة فى جهة من الجهات الست ولا فى مكان من الامكنة (فان الجهة) وهى منتهى الاشارة ومقصد المتحرك بحركته من حيث حصوله فهى من ذوات الاوضاع المادية ومرجعها الى نفس الامكنة او حدودها واطرافها وهى تنقسم بحسب المشير الى ستة واشار الى فى قوله (اما فوق واما اسفل) وهو التحت (واما يمين او شمال او قدم او خلف) وقد تنحصر فى قسمين باعتبار وسط كرة العالم ومحويها فما فما كان الى نقطة مركز العالم ووسطه فهو سفل وما كان الى محيط ومحويه فهو جهة علو وهذا لا يكاد يختلف ومن ثم أدعى فيهما انها جهتان على الحقيقة حقيقة وطبعا كما قرر فى محله (وهذه الجهات هو الذى خلقها واحدثها بواسطة خلق الانسان) اى حادثة باحداث الانسان ونحوه مما يمشى على رجلين (اذ خلق له طرفين احدهما يعتمد على الارض ويسمى رجلا والاخر يقابله ويسمى رأسا فحدث اسم الفوق لما يلى جهة الرأس) أى معنى الفوق ما حاذى رأسه من جهة السماء (واسم الاسفل لما يلى جهة الارض) مما يحاذى رجله (حتى ان النملة التى تدب منكسة تحت السقف تنقلب جهة الفوق فى حقها تحتا) لانه المحاذى لظهرها (وان كان فى حقنا فوقا) أى معنى الفوق فيما يمشى على اربع او على بطنه بالنسبة اليهما ما يحاذى ظهره من فوقه فهى كلها اضافية (وخلق للانسان اليدين واحداهما اقوى من الاخرى فى الغالب فحدث اسم اليمين للاقوى) أى اليمين ما يحاذى اقوى يديه غالبا (والشمال لما يقابله) وانما قيده بالغالب فان فى الناس من يساره اقوى من اليمين ولكن نادر (وتسمى الجهة التى تلى اليمين يمينا والاخرى شمالا وخلق له جانبين يبصر من احدهما ويتحرك اليه فحدث له اسم القدام) ويسمى الامام ايضا وهو ما يحاذى جهة الصدر (للجهة التى) يبصر منها و(يتقدم اليها بالحركة واسم الخلف) وكذلك الوراء (لما يقابلها فالجهات) على ماذكر (حادثة بحدوث الانسان) فقبل خلق العالم لم يكن فوق ولا تحت اذ لم يكن ثم حيوان فلم يكن ثم رأس ولا رجل ولا ظهر وهى مع ذلك اعتبارية لا حقيقية تتبدل (ولو لم يخلق الانسان بهذه الخلقة) المعروفة وكذا كل حادث (بل خلق مستديرا كالكرة لم يكن لهذه الجهات وجود البتة) اى لم توجد واحدة من هذه اذ لا رأس ولا رجل ولا يمين ولا شمال ولا ظهر ولا @ وجه (فكيف كان) تعالى (فى الازل مختصا بجهة والجهة حادثة) وهو تعالى كان موجودا فى الازل ولم يكن شئ من الموجودات لان كل موجود سواء حادث (او كيف صار بجهة بعد ان لم يكن له ابا فان خلق الانسان تحته ويتعالى عن ان يكون فوق اذ تعالى ان يكون له رأس والفوق عبارة عما يلى جهة الرأس او خلق العالم تحته فتعالى ان يكون له رجل والتحت عبارة عما يلى جهة الجل وكل ذلك مميا يستحيل فى العقل) فهذا طريق الاستدلال قال ابو منصور التميمى واما احالة كونه فى جهة فان ذلك كاحالة كونه فى مكان لان ذلك يوجب حدوث كون ومحاذاة مخصوصة فيه وذلك دليل على حدوث ماحل فيه فلذلك احلنا اطلاق اسم الجهة على الله تعالى اه وقد نبه المصنف على طريق ثان فى الاستدلال بقوله (ولان المعقول من كونه مختصا بجهة انه مختص بحيز) هو كذا أى معنى من الاحيازوقد فسره بقوله (اختصاص الجواره او مختص بالجوهر اختصاص العرض وقد ظهر استحالة كونه جوهرا او عرضا) او جسما اذ الحيز مختص بالجوهر والجسم وقد مر تنزيهه سبحانه وتعالى عنهما واما العرض فلا اختصاص له بالحيز الا بواسطة كونه حالا فى الجوهر فهو تابع لاختصاص الجوهر ولما ظهر بطلان الجوهرية والجسمية (فاستحال كونه مختصا بالجهة) وقال النسفى فى شرح العمدة الصور والجهات مختلفة واجتماعها عليه تعالى مستحيل لتنافيها فى انفسها وليس البعض اولى من البعض لاستواء الكل فى افادة المدح والنقص وعدم دلالة المحدثات عليه فلو اختص بشئ منها لكان تخصيص مخصص وهذا من امارات المحدث اه وقال السبكى صانع العالم لا يكون فى جهة لانه لو كان فى جهة لكان فى مكان ضرورة انها المكان او المستلزمة له ولو كان فى مكان لكان متحيزا ولو كان متحيزا لكان مفتقرا الى حيزه ومكانه فلا يكون واجب الوجود وثبت انه واجب الوجود وهذا خلف وايضا فلو كان فى جهة فاما فى كل الجهات وهو محال وشنيع واما فى البعض فيلزم الاختصاص المستلزم للافتقار الى المخصص المنافى للوجوب اه (وان اريد بالجهة غير هذين المعنيين) مما ليس فيه حلول حيز ولا جسمية (كان غلطا فى الاسم مع المساعدة على المعنى) ولكن ينظر فيه ايرجع ذلك المعنى الى تنزيهه سبحانه عما لا يليق بجلاله فيخطأ من اراد فى مجرد التعبير عنه بالجهة لايهامه بما لا يليق ولعدم وروده فى اللغة او يرجع الى غيره فيرد قوله صونا عن الضلالة ثم نبه المصنف على طريق ثالث فى الاستدلال بقوله (ولانه لو كان فوق العالم) كما يقوله بعض المجسمة (لكان محاذيا له) اى مقابلا (وكل محاذ لجسم فاما ان يكون مثله او اصغر منه) كما يقوله هشام بن الحكم الرافضى (او اكبر) منه (وكل ذلك) مستحيل فى حقه تعالى اذ هو (تقدير يحوج الى مقدر ويتعالى عنه الخالق الواحد المدبر) جل سبحانه وقال المصنف فى الجام العوام اعلم ان الفوق اسم مشترك يطلق لمعنيين احدهما نسبة جسم الى جسم بان يكون احدهما اعلى والاخر اسفل يعنى ان الاعلى من جانب راس الاسفل وقد لا بهذا المعنى فيقال الخليفة فوق السلطان والسلطان فوق الوزير والاول يستدعى جسما حتى ينسب الى جسم والثانى لا يستدعيه فليعتقد المؤمن الاول عير مراد وانه على الله تعالى محال فانه من لوازم الاجسام او لوازم اعراض الاجسام فان قيل فما بال الايدى ترفع الى السماء وهى جهة العلو فاشار المصنف الى الجواب بقوله (فاما رفع الايدى عند السؤال) والدعاء (الى جهة السماء فهو لانها قبلة الدعاء) كما ان البيت قبلة الصلاة يستقبل بالصدر والوجه والمعبود بالصلاة والمقصود بالدعاء منزه عن الحلول بالبيت والسماء وقد اشار النسفى ايضا فقال ورفع الايدى والوجوه عند الدعاء تعبد محض كالتوجه الى الكعبة فى الصلاة فالسماء قبلة الدعاء كالبيت قبلة الصلاة (وفيه ايضا اشارة الى ماهو وصف للمدعو من الجلال) والعظمة (والكبرياء تنبيها بقصد جهة العلو على صفة المجد والعلا فانه تعالى فوق كل موجود بالقهر والاستيلاء) ويدل لذلك قوله تعالى وهو القاهر فوق عباده لان ذكر العبودية فى وصف من الله فوقه يؤكد احتمال فوقية القهر والاستيلاء وقد ذكر المصنف فى الاقتصاد سر الاشارة @ بالدعاء الى السماء على وجه فيه طول فراجعه فان قيل نفيه عن الجهات الست اخبار عن عدمه اذ لا عدم اشد تحقيقا من نفى المذكور عن الجهات الست وهذا سؤال سمعه محمود بن سبكتين من الكرامية والقاه على ابن فورك قلت النفى عن الجهات الست لا يكون ذلك اخبارا عن عدم مالو كان لكان فى جهة من النافى لانفى ما يستحيل ان يكون فى جهة منه واما قول المعتزلة القائمان بالذات يكون واحد منهما بجهة صاحبه لا محالة فالجواب عنه هذا على الاطلاق ام بشريطة ان يكون كل واحد منهما محدودا متناهيا الاول ممنوع والثانى مسلم ولكن البارى تعالى يستحيل ان يكون محددوا متنافيا (تنبيه) هذا المعتقد لا يخالف فيه بالتحقيق سنى لا محدث ولا فقيه ولا غيره ولا يجئ قط فى الشرع على لسان نبى التصريح بلفظ الجهة فالجهة بحسب التفسير المتقدم منفية معنى ولفظا وكيف لا والحق يقول ليس كمثله شء ولو كان فى جهة بذلك الاعتبار لكان له امثال فضلا عن مثل واحد ومانقله القاضى عياض من ان المحدثين والفقهاء على الجهة ليس المعنى ماقام القاطع بخلافه ولم ينقل عن احد منهم انه تعالى فى جهة كذا تعالى الله عن ذلم لكن لما ثبت سمعا قرانا الرحمن على العرش استوى وهو القاهر فوق عباده يخافون ربهم من فوقهم وسنة وحيث قال صلى الله عليه وسلم للسوداء اين الله فاشارت نحو السماء فقال اعتقها فانها مؤمنة الى غير ذلك من الظواهر وكان اصلهم ثبوت المعتقدات من السمع فاعتقدوا ان هناك صفة تسمى بالاستواء على العرش لا تشبه استواء المخلوقين وصفة اخرى تسمى بفوق اى فوق عباده اى العرش ومن دونه الله اعلم بذلك الاستواء واعلم بتلك الفوقية بهذا صرح الامام احمد بن حنبل على مانقل عنه المقدسى فى رسالة الاعتقاد واعلم ان المنظور اليهم انما هم الائمة القدوة والعلماء الجلة ولا عبرة بالمقلدة الواقفة على ظاهر المنقول الذين لم يفرقوا بين المحكم من والمتشابه وسيأتى تمام البحث فيه فى الاصل الذى يليه واما الصوفى فيقول محال ان يكون البارى فى جهة اذ تلك الجهة اما ان تكون غيره او لا فان لم تكن غيره فلا جهة وان كانت غيره فاما قديمة او حادثة والجميع باطل قال صلى الله عليه وسلم كان الله ولا شئ معه* (تكميل) * ذكر الامام قاضى القضاة ناصر الدين ابن المنير الاسكندرى المالكى فى كتابه المنتقى فى شرف المصطفى لما تكلم على الجهة وقرر نفيها قال ولهذا اشار مالك رحمه الله تعالى فى قوله صلى الله عليه وسلم رفع الى العرش ويونس عليه السلام هبط الى قاموس البحر ونسبتهما مع ذلك من حيث الجهة الى الحق جل جلاله نسبة واحدة ولو كان الفضل بالمكان لكان عليه السلام اقرب فى الرفيق الاعلى فهو افضل من السفلى فالفضل بالمكانة لا بالمكان هكذا نقله السبكى فى رسالة الرد على ابن زفيل (الاصل الثامن العلم بانه تعالى مستو على عرشه بالمعنى الذى اراد الله تعالى بالاستواء) هذا الاصل معقود لبيان انه تعالى غير مستقر على مكان كما قدمه صريحا فى ترجمة اصول الركن الاول ونبه عليه هنا بالجواب عن تمسك القائلين بالجهة والمكان فان الكرامية يثبتون جهة العلو من غير استقرار على العرش والحشوية وهم المجسمون مصرحون بالاستقرار على العرش وتمسكوا بظواهر منها قوله تعالى الرحمن على العرش استوى وحديث الصحيحين ينزل ربنا كل ليلة الحديث واجيب عنه بجواب اجمالى هو كالمقدمة للاجوبة التفصيلية وهو ان الشرع انما ثبت بالعقل فان ثبوته يتوقف على دلالة المعجزة على صدق المبلغ وانما تثبت هذه الدلالة بالعقل فلو اتى الشرع بما يكذبه العقل وهو شاهده لبطل الشرع والعقل اذا تقرر هذا فنقول كل لفظ يرد فى الشرع مما يستند الى الذات المقدسة بان يطلق اسما او صفة لها وهو مخالف للعقل ويسمى المتشابه لا يخلو اما ان يتواتر أو ينقل احادا والاحاد ان كان نصا @ لا يحتمل التأويل قطعنا بافتراءنا قله او سهوه او غلطة وان كان ظاهرا فظاهره غير مراد وان كان متواترا فلا يتصور ان يكون نصا لا يختمل التأويل بل لابد وان يكون ظاهر او حينئذ نقول الاحتمال الذى ينفيه العقل ليس مرادا منه ثم ان بقى بعد انتفائه احتمال واحد تعين انه المراد بحكم الحال وان بقى احتمالان فصاعدا فلا يخلو اما ان يدل قاطع على واحد منهما اولا فان جل حمل عليه وان لم يدل قاطع على التعيين فهل يعين بالنظر والاجتهاد دفعا للخبط عن العقائد او لا خشية الالحاد فى الاسماء والصفات الاول مذهب الخلف والثانى مذهب السلف وستأتى امثلة التزيل عليهما واما الاجوبة التفصيلية فقد اجيب عن اية الاستواء بانا نؤمن بانه تعالى استوى على العرش مع الحكم بانه ليس كاستواء الاجسام على الاجسام من التمكن والمماسة والمحاذاة لها القيام البراهين القطعية باستحالة ذلك فى حقه تعالى بل نؤمن بان الاستواء ثابت له تعالى بمعنى يليق به تعالى (وهو الذى لا ينافى وصف الكبرياء ولا تتطرق اليه سمات الحدوث والفناء وهو الذى اريد بالاستواء الى السماء حيث قال فى القرأن ثم استوى الى السماء وهى دخان) وقال ايضا ثم استوى الى السماء فسواهن سبع سموات وفى طه عبد الرحمن على العرش استوى وفى الاعراف ويونس والرعد والسجدة والحديد ثم استوى على العرش وفى الفرقات ثم استوى على العرش الرحمن (وليس ذلك الا بطريق القهر والاستيلاء) أى قهره على العرش واستيلاؤه وهذا جرى عليه بعض الخلف واقتصر عليه المصنف هنا وهذا يعنى كون المراد انه الاستيلاء فعند الماتريدية أمر جائز الارادة أى يجوز ان يكون مراد الاية ولا يتعين كونه المراد خلافا لما دل عليه كلام المصنف من تعيينه اذ لا دليل على ارادته عينا فالواجب عينا ما ذكر من الايمان به مع نفى التشيبه واذا خيف على العامة لقصور افهامهم عدم فهم الاستواء اذا لم يكن بمعنى الاستيلاء الا بالاتصال ونحوه من لوازم الجسمية وان لا يقفوا تلك اللوازم فلا بأس بصرف فهمهم الى الاستيلاء صيانة لهم من المحذور فانه قد ثبت اطلاقه وارادته لغة (كما قال الشاعر) وهو البعيث كما قاله ابن عباد أو الاخطل كما قاله الجوهرى فى بشر بن مروان (قد استوى بشر على العراق * من غير سيف ودم مهراق) كذا نسبه الصاحب اسمعيل بن عباد فى كتابه نهج السبيل ثم قال فان قيل غهو مسئول على كل شئ فما وجه اختصاصه العرش بالذكر قيل كما هو رب كل شئ وقال رب العرش العظيم فان قيل فما معنى قولنا عرش الله ان لم يكن عليه قيل كما تقول بيت الله وان لم يكن فيه والعرش فى السماء تطوف به الملائكة كما ان الكعبة فى الارض تطوف بها الناس الى هنا كلام الصاحب وهو وان كان يميل الى رأى الاعتزال غير انه وافق أهل السنة فيما قاله هنا ومثل ذلك أيضا قول الشاعر فلما علونا واستوينا عليهم*جعلناهم مرعى لنسر وطائروقال الجاحظ فى كتاب التوحيد له مانصه قد زعم أصحاب التفسير عن عبد الله بن عباس وهو صاحب التأويل والناس عليه عيال ان قوله استوى استولى وهذا القول قد رده ابن تميية الحافظ فى كتاب العرش وقال ان الجاحظ رجل سوء معتزلى لا يوثق بنقله قال التقى السبكى وكتاب العرش من أقبح كتبه ولما وقف عليه الشيخ أبو حيان مازال يلعنه حتى مات بعد ان كان يعظمه قال فيه استوى فى سبع ايات بغير لام ولو كانت بمعنى استولى لجاءت فى موضع وهذا الذى قاله ليس بلازم فالمجاز قد يطرد وحسنه ان لفظ استوى أعذب وأخصر وليس هو من الاطراد الذى يجعله بعض الاصوليين من علامة الحقيقة فان ذلك الاطراد فى جميع موارد الاستعمال والذى حصل هنا اطراد استعمالها فى ايات فأين أحدهما من الاخر ثم ان استوى وزنه افتعل فالسين فيه اصلية واستولى وزنه استفعل فالسين فيه زائدة ومعناه من الولاية فهما مادتان متغايرتان فى اللفظ والمعنى والاستيلاء قد يكون بحق وقد يكون بباطل والاستواء لا يكون الا بحق والاستواء صفة للمستوى فى نفسه بالكمال والاعتدال والاستيلاء صفة متعدية الى غيره فلا يصح ان يقال استولى @ حتى يقال على كذا ويصح ان يقال استوى ويتم الكلام فلو قال استولى ولم يحصل المقصود ومراد المتكلم الذى يفسر الاستواء بالاستيلاء التنبيه على صرف اللفظ عن الظاهر الموهم للتشبيه واللفظ قد يستعمل مجازا فى معنى لفظ اخر ويلاحظ معه معنى اخر فى لفظ المجاز لو عبر عنه باللفظ الحقيقى لاختل المعنى وقد يريد المتكلم ان الاستواء من صفات الافعال كالاستواء المتمحض من كل وجه ويكون السبب فى لفظ الاستواء عذوبتها واختصارها دون ما ذكرناه ولكن ماذكرناه احسن وامكن مع مراعاة معنى الاستواء وانظر قول الشاعر * قد استوى بشر على العرائى * لو أتى بالاستيلاء لم تكن له هذه الطلاوة والحسن والمراد بالاستواء كمال الملك وهو مراد القائلين بالاستيلاء ولفظ الاستيلاء قاصر عن تأدية هذا المعنى فالاستواء فى اللغة له معنيان أحدهما الاستيلاء بحق وكمال فيفيد ثلاثة معان ولفظ الاستيلاء لا يفيد الا معنى واحدا فاذا قال المتكلم فى تفسير الاستواء الاستيلاء مراده المعانى الثلاثة وهو أمر يمكن فى حقه سبحانه وتعالى فالمقدم على هذا التأويل لم يرتكب محذورا ولا وصف الله تعالى بما لا يجوز عليه والمفوض المنزه لا يجزم على التفسير بذلك الاحتمال ان يكون المراد خلافة وقصورافهامنا عن وصف الحق سبحانه وتعالى مع تنزيهه عن صفات الاجسام لا يعقل منه فى اللغة غير ذلك والله تعالى منزه عنها ومن أطلق القعود وقال انه لم يرد صفات الاجسام قال شيأ لم تشهد له به اللغة فيكون باطلا وهو كالمقر بالتجسيم المنكر له فيؤاخذ باقراره ولا يفيده انكاره واعلم ان الله تعالى كامل الملك ازلا وأبدا والعرش وماتحته حادث فأتى قوله تعالى ثم استوى على العرش لحدوث العرش لا لحدوث الاستواء اه وقال البخارى فى صحيحه فى كتاب التوحيد باب وكان عرشه على الماء وهو رب العرش العظيم قال الحافظ ابن حجر فى شرحه ذكر قطعتين من ايتين وتلطف فى ذكر الثانية عقيب الاولى لرد من توهم من قوله فى الحديث كان الله ولم يكن شئ قبله وكان عرشه على الماء ان العرش لم يزل مع الله تعالى وهو مذهب باطل وكذا قول من زعم من الفلاسفة ان العرش هو الخالق الصانع فأردف بقوله رب العرش العظيم اشارة الى ان العرش مربوب وكل مربوب مخلوق وختم الباب بالحديث الذى فيه فاذا انا بموسى اخذ بقائمة من قوائم العرش فان فى اثبات القوائم للعرش دلالة على انه جسم مركب له ابعاض واجزاء والجسم المؤلف محدث مخلوق وقال البيهقى فى الاسماء والصفات اتفقت اقاويل اهل التفسير على ان العرش هو السرير وانه جسم خلقه الله تعالى وأمر الملائكة بحمله وتعبدهم بتعظيمه والطواف به كما خلق فى الارض بيتا وامر بنى ادم بالطواف به واستقباله فى الصلاة وفى الايات والاحاديث والاثار دلالة على ما ذهبوا اليه ثم قال البخارى وقال ابو العالية استوى الى السماء ارتفع وقال مجاهد استوى علا على العرش قل ابن بطال اختلفوافى الاستواء هنا فقالت المعتزلة معناه الاستيلاء بالقهر والغلبة وقالت المجسمة معناه الاستقرار وقال بعض أهل السنة معناه ارتفع وبعضهم معناه علا وبعضهم معناه الملك والقدرة وقيل معنى الاستواء التمام والفراغ من فعل الشئ وخص لفظ العرش لكونه أعظم الاشياء وقيل ان على بمعنى الى فالمراد على هذا انتهى الى العرش أى فيما يتعلق بالعرش لانه خلق الخلق شيأ بعد شئ قال ابن بطال اما قول المعتزلة ففاسد لانه لم يزل قاهرا غالبا مستوليا وقوله ثم استوى يقتضى افتتاح هذا الوصف بعد ان لم يكن ولازم تأويلهم انه كان مغاليا فيه فاستولى عليه بقهر من غالبه وهذا منتف عن الله تعالى وقول المجسمة ايضا فاسد لان الاستقرار من صفات الاجستم ويلزم منه الحلول والتناهى وهو محال فى حق الله تعالى ولائق بالمخلوقات قال واما تفسيره بعلا فهو صحيح وهو المذهب الحق وقول اهل السنة لانه تعالى وصف نفسه بالعلى وهى صفة من صفات الذات واما من فسره بارتفع ففيه نظر لانه لم يصف به نفسه قال واختلف اهل السنة هل الاستواء صفة ذات أو صفة فعل فمن قال معناه علا قال هى صفة ذات ومن قال غير ذلك قال هى صفة فعل وان الله فعل فعلا سماه استوى @ على عرشه لان ذلك قائم بذاته لاستحالة قيام الحوادث به ملخصا قال الحافظ وقد الزمه من فسره بالاسيتلاء بمثل ما الزم هو به من انه صار قاهر بعد ان لم يكن فيلزم انه صار عاليا بعد ان لم يكن والانفصال عن ذلك للفريقين بالتمسك بقوله تعالى وكان الله عليما حكيما فان اهل العلم بالتفسير قالوا معناه لم يزل كذلك وبقى من معانى استوى ما نقل عن ثعلب استوى الوجه اتصل واستوى القمر امتلا واستوى فلان وفلان تماثلا واستوى الى المكان اقبل واستوى القائم قاعدا والنائم قاعدا ويمكن رد بعض هذه المعانى الى بعض وكذا ما تقدم عن ابطال وقد نقل ابو اسمعيل الهروى فى الفاروق بسنده الى داود بن على بن خلف قال كما عند ابى عهبدالله بن الاعرابى يعنى محمد بن زياد للغوى فقال له رجل الرحمن على العرش استوى فقال هو على العرش كما اخبر قال يا ابا عبدالله انما معناه استولى فقال اسكت لا يقال استولى على الشئ الا ان يكون له مضاد ونقل البغوى فى تفسيره عن ابن عباس واكثر المفسرين ان معناه ارتفع وبنحوه قال ابو عبيده والقرائ وغيرهما واضطر اهل الحق الى هذا التاويل كما اضطر اهل الباطل الى تاويل قوله تعالى وهو معكم اين ما كنتم اذا حل ذلك بالاتفاق على الاحاطه والعلم قال ابون نصر القشيرى فى التذكرة الشرقية فان قيل اليس الله يقول الرحمن على العرش استوى فيجب الاخذ بظاهرة قلنا الله يقول ايضا وهو معكم اين ما كنتم ويقول تعالى الا انه بكل شئ محيط فينبغى ايضا ان تاخذ بظاهر هذه الايات حتى يكون على العرش وعندنا ومعنا ومحيطا بالعالم محد قابه بالذات فى حالة واحدة والواحد يستحيل ان يكون بذاته فى حالة بكل مكان قالو قوله تعالى وهو معكم يعنى بالعلم وبكل شئ محيط احاطة العلم قلنا وقوله تعالى على العرش استوى قهر وحفظ وابقى وكذا حمل قوله صلى الله عليه وسلم قلب المؤمن بين اصبعين من اصابع الرحمن رواه مسلم فى صحيحه وفيه انضا ان قلوب بنى ادم كلها بين اصبعين من اصابع الرحمن يقلبها كقلب واحد يصرفه كما يشاء على القدرة والقهر مجاز بعلاقة ان اليد فى الشاهد محل لظهور سلطان القدرة والقهر فحسن اطلاق اليد وارادة القدرة والقهر قصدا للمبالغه اذا المجاز ابلغ وكذا حمل قوله صلى الله عليه وسلم الحجر الاسوديمين الله فى ارضه اخرجه ابو عبيد القاسم بن سلام بلفظه وروى ابن ماجه نحوا من معناه من حديث ابى هريره رفعه بلفظ من فاوض الحجر الاسود فانما يفاوض يد الرحمن على التشريف والاكرام والمعنى انه وضع فى الارض للتقبيل والاستسلام تشريفا له كما شرفت اليمين واكرمت بوضعها للتقبيل دون اليسار فى العادة فاستعير لفظ لايمين للحجر لذلك اولان من قبله او استلمه فقد فعل ما يقتضى الاقبال عليه والرضا عنه وهما لازمان عادة لتقبيل اليمين والحاصل ان لفظ اليمين استعير للحجر اللمعننين اولا حدهما ثم اضيف اضافة تشريف واكرام لانه لو ترك على ظاهره للزم منه المحال فكذا الاستواء لو ترك على الاستقرار والتمكن لزم منه المحال ويتامل بعض الايات والاخبار دون بعض على حكم التمنى والتشهى ليس فى الشرط والمقصود من هذه المعارضه انه يعرف ان الخصم يضطر الى التاويل فلتسكن التاويلات على وفق الاصول فان قيل هذا يشعر بكونه مغلوبا مقهورا قبل الاستواء قيل انما يشعر بما قلتم ان لو كان للعرش وجود قبل الخلق وكان قديما والعرش مخلوق وكل ما خلقه حصل مسخرا تحت خلقه فلولا خلقه ايا لما حدث ولولا ابقاؤه ايا لما بقى ونص على العرش لانه اعظم المخلوقات قيمانه الينا واذا نص على الاعظم فقد اندرج تحته ما دونه قال ابن القشيرى ولو اشعر ما قلنا توهم غلبته لا شعر قوله وهو القاهر فوق عبادة بذلك ايضا حتى يقال كان مقهورا قبل خلق العباد هيهات اذا لم يكن للعباد وجود قبل خلقه اياهم بل لو كان الامر على ما توهمه الجهله من انه استواء بالذات لا شعر ذلك بالتغيير واعوجاج سابق على وقت الاستواء فان البارى تعالى كان موجودا قبل العرش ومن انصف علم ان قول من يقول العرش بالرب استوى امثل من قول من يقول الرب بالعرش استوى فالرب اذا موصوف بالعلو وفوقيه الرتبه والعظمة منزه عن الكون فى المكان @ وعن المحاذاة ثم قال وقد نبغت نابغة من الرعاع لولا استزلالهم للعوام بما يقرب من افهامهم ويتصور فى اوهامهم لاجللت هذا المكتوب عن تلطيخه بذكرهم يقولون نحن نأخذ بالظاهر ونجرى الايات الموهمة تشبيها والاخبار المقتضبة حدا وعضوا على الظاهر ولا يجوز ان نطرق التأويل الى شئ من ذلك ويتمسكون بقول الله تعالى وما يعلم تأويله الا الله وهؤلاء والذى ارواحنا بيده اضر على الاسلام من اليهود والنصارى والمجوس وعبدة الاوثان لان ضلالات الكفار ظاهرة يتجنبها المسلمون وهؤلاء أتوا الدين والعوام من طريق يغتر به المستضعفون فأوحوا الى اوليائهم بهذه البدع واحلوا فى قلوبهم وصف المعبود سبحانه بالاعضاء والجوارح والركوب والنزول والاتكاء والاستلقاء والاستواء بالذات والتردد فى الجهات فمن أصغى الى ظاهرهم يبادر بوهمه الى تخيل المحسوسات فاعتقد الفضائح فسال به السيل وهو لا يدرى اه ثم ذكر المصنف المحال الذى يلزم من تفسير الاستواء بالاستقرار والتمكن فقال هو (كون المتمكن جسما مماسا للعرش اما مثله او اكبر منه او اصغر وذلك محال وما يؤدى الى المحال محال) وتحقيقه انه تعالى لو استقر على مكان أو حاذى مكانا لم يخل من ان يكون مثل المكان او اكبر منه او اصغر منه فان كان مثل المكان فهو اذا متشكل باشكال المكان حتى اذا كان المكان مربعا كان هو مربعا او كان مثلثا وذلك محال وان كان اكبر من المكان فبعضه على المكان ويشعر بذلك بانه متجزئ وله كل ينطوى على بعض وكان بحيث ينتسب اليه المكان بانه ربعه او خمسه وان كان أصغر من ذلك المكان بقدر لم يتميز عن ذلك المكان الا بتحديد وتتطرق اليه المساحة والتقدير وكل ما يؤدى الى جواز التقدير على البارى تعالى فتجوزه فى حقه كفر من معتقده وكل من جاز عليه الكون بذاته على محل لم يتميز عن ذلك المحل الا بكون وقبح وصف البارى بالكون ومتى جاز عليه موازاة مكان او مماسته جاز عليه مباينته ومن جاز عليه المباينة والمماسة لم يكن الا حادثا وهل علمنا حدوث العالم الا بجواز المماسة والمباينة على اجزائه وقصارى الجهلة قولهم كيف يتصورموجود لا فى محل وهذه الكلمة تصدر عن بدع وغوائل لا يعرف غورها وقعرها الا كل غواص على بحار الحقائق وهيهات طلب الكيفية حيث يستحيل محال والذى يدحض شبههم أن يقال لهم قبل ان يخلق العالم او المكان هل كان موجودا ام لا فمن ضرورة العقل ان يقول بلى فيلزمه لو صح قوله لا يعلم موجودا الا فى مكان احد امرين اما ان يقول المكان والعرش والعالم قديم واما ان يقول الرب تعالى محدث وهذا مأل الجهلة والحثوية ليس القديم بالمحدث والمحدث بالقديم ونعوذ بالله من الحيرة فى الدين قال ابن الهمام فى المسايرة على نحو ماذكرنا فى الاستواء يجرى كل ما ورد فى الكتاب والسنة مما ظاهره الجسمية فى الشاهد كالاصبع والقدم واليد والعين فيجب الايمان به مصحوبا بالتنزيه فان كلا منها صفة له تعالى لا بمعنى الجارحة بل على وجه يليق به وهو سبحانه وتعالى اعلم به وقد يوؤل كل من ذلك لاجل صرف فهم العامة عن الجسمية وهو ممكن ان يراد ولا يجزم بارادته خصوصا على رأى اصحابنا يعنى الماتريديه انها من المتشابهات وحكم المتشابه انقطاع رجاء معرفة المراد منه فى هذه الدار والا لكان قد علم اه قال تلميذه ابن أبى شريف وهذا بناء على القول بالوقف فى الاية على قوله الا الله وهو قول الجمهور واعلم ان كلام امام الحرمين فى الارشاد يميل الى طريق التأويل ولكنه فى الرسالة النظامية اختار طريق التفويض حيث قال والذى نرتضيه رأيا وندين الله به عقدا اتباع السلف فانهم درجوا على ترك التعرض لمعانيها وكأنه رجع الى اختيار التفويض لتأخر الرسالة ومال الشيخ عز الدين بن عبد السلام الى التأويل فقال فى فتاويه طريقة التأويل بشرطها أقربها الى الحق ويعنى بشرطها ان يكون على مقتضى لسان العرب وتوسط ابن دقيق العبد فقال نقبل التأويل بشرطها أقربها الى الحق ويعنى بشرطها أن يكون على مقتضى لسان العرب ونتوقف فيه اذا كان بعيد او جرى شيخنا المصنف يعنى ابن الهمام على التوسط بين أن تدعو الحاجة اليه لخلل فى فهم العوام وبين أن لا تدعو الحاجة @ الى ذلك اه وقال والد امام الحرمين فى كفاية المعتقد أما ما ورد من ظاهر الكتاب والسنة ما يوهم بظاهرها تشبيها فاللسلف فيه طريقان احداهما الاعراض فيها عن الخوض فيها وتفويض عملها الى الله تعالى وهذه طريقة ابن عباس وعامة الصحابة واليها ذهب كثير من السلف وذلك مذهب من يقف على قوله ومايعلم تأويله الا الله ولا يستبعد ان يكون لله تعالى سر فى كتابه والصحيح ان الحروف المقطعة من هذا القبيل ويعلم بالدليل يقينا ان ركنا من اركان العقيدة ليس تحت ذلك السر لان الله تعالى لا يؤخر البيان المفتقر اليه عن وقت الحاجة ولا يكتم كتمانا والطريقة الثانية الكلام فيها وفى تفسيرها بأن يردها عن صفات الذات الى صفات الفعل فيخمل النزول على قرب الرحمة واليد على النعمة والاستواء على القهر والقدرة وقد قال صلى الله عليه وسلم كلتا يديه يمين ومن تأمل هذا اللفظ انتفى عن قلبه ريبة التشبيه وقد قال تعالى الرحمن على العرش استوى وقال ما يكون من نجوى ثلاثة الا هو رابعهم ولا خمسة الا هو سادسهم فكيف يكون على العرش ساعة كونه سادسهم الا ان يرد ذلك الى معنى الادراك والاحاطة لا الى معنى المكان والاستقرار والجهة والتحديد اه وقول والد امام الحرمين وذلك مذهب من يقف على قوله الخ ومثله ما مرعن ابن ابى شريف قدرده القشيرى فى التذكرة الشرقية حيث قال واما قول الله عز وجل وما يعلم تأويله الا الله انما يريد به وقت قيام الساعة فأن المشركين سألوا النبى صلى الله عليه وسلم عن الساعة أيان مرساها ومتى وقوعها فالمتشابه اشارة الى علم الغيب فليس يعلم عواقب الامور الا الله عز وجل ولهذا قال هل ينظرون الا تأويله يوم يأتى تأويله اى هل ينظرون الا قيام الساعة وكيف يسوغ القائل ان يقول فى كتاب الله تعالى مالا سبيل لمخلوق الى معرفته ولا يعلم تأويله الا الله اليس هذا من اعظم المدح فى النبؤات وان النبى صلى الله عليه وسلم ما عرف تأويل ما ورد فى صفات الله تعالى ودعا الخلق الى علم مالا يعلم أليس الله اذ يقول بلسان عربى مبين فاذا على زعمهم يجب ان يقولوا كذب حيث قال بلسان عربى مبين اذ لم يكن معلوما عندهم والا فأين هذا البيان واذا كان بلغة العرب فكيف يدعى انه مما لاتعلمه العرب لما كان ذلك الشئ عربيا فما قول فى مقال ماله الا تكذيب الرب سبحانه ثم كان النبى صلى الله عليه وسلم يدعو الناس الى عبادة الله تعالى فلو كان فى كلامى وفيما يلقيه الى امته شئ لا يعلم تأويله الا الله تعالى لكان للقوم أن يقولوا بين لنا اولا من تدعونا اليه وما الذى تقول فان الايمان بما لا يعلم أصله غير متأن ونسبة النبى صلى الله عليه وسلم الى انه دعا الى رب موصوف بصفات لا تعقل امر عظيم لا يتخيله مسلم فان الجهل بالصفات يؤدى الى الجهل بالموصوف والغرض أن يستبين من معه مسكة من العقل ان قول من يقول استواؤه صفة ذاتية لا يعقل معناها واليد صفة ذاتية لا يعقل معناها والقدم صفة ذاتية لا يعقل معناها تمويه ضمنه تكييف وتشبيه ودعاء الى الجهل وقد وضح الحق لذى عينين وليت شعرى هذا الذى ينكر التأويل يطرد هذا للانكار فى كل شئ وفى كل اية أم يقنع بترك التأويل فى صفات الله تعالى فان امتنع من التأويل اصلا فقد ابطل الشريعة والعلوم اذ مامن اية وخبر الا ويحتاج الى تأويل وتصرف فى الكلام لان ثم أشياء لابد من تأويلها لا خلاف بين العقلاء فيه الا الملحدة الذين قصدهم التعطيل للشرائع والاعتقاد لهذا يؤدى الى ابطال ماهو عليه من التمسك بالشرع وان قال يجوز التأويل على الجملة الا فيما يتعلق بالله وبصفاته يجب التغاضى عنه وهذا لا يرضى به مسلم وسر الامر ان هؤلاء الذين يمتنعون عن التأويل معتقدون حقيقة التشبيه غير انهم يدلسون ويقولون لاه يد لا كالايدى وقدم لا كالاقدام واستواء بالذات لا كما نعقل فيما بيننا فليقل المحقق هذا كلام لابد له من استبيان قولكم نجرى الامرعلى الظاهر ولا يعقل معناه تناقض ان اجريت على الظاهر فظاهر السياق فى قوله تعالى يوم يكشف عن ساق هو العضو المشتمل على الجلد واللحم والعظم والعصب والمخ فان أخذت بهذا الظاهر والتزمت بالاقرا بهذه الاعضاء فهو الكفروان لم @ يمكنك الاخذ بها فأين الاخذ بالظاعر ألست قد تركت الظاهر وعلمت تقدس الرب تعالى بما يوهم الظاهر فكيف يكون أخذا بالظاهر وان بطل الخصم هذة الظواهر لا معنى لها أصلا فهو حكم بانها ملغاة وما كان فى ابلاغها الينا فائدة وهى هدر وهذا محال وفى لغة العرب ماشئت من التجوز والتوسع فى الخطاب وكانوا يعرفون موارد الكلام ويفهمون المقاصد فمن تجافى عن التأويل فذلك لقلة فهمه بالعربية ومن احاط بطرق من العربية هان عليه مدرك الحقائق وقد قيل وما يعلم تأويله الا الله والراسخون فى العلم فكأنه قال والراسخون فى العلم أيضا يعلمونه ويقولون امنا به فان الايمان بالشئ انما يتصوربعد العلم اما مالا يعلم فالايمان به غير متأن ولهذا قال ابن عباش انا من الراسخين فى العلم اه قلت وهذا الذى ذهب اليه هو مختار شيخ جده ابن فورك واليه ذهب العز بن عبد السلام فى رسائله منها رسالته التى ارسلها جوابا للملك الاشرف موسى وهى بطولها فى طبقات ابن السبكى وهو بظاهره مخالف لمذهب السلف القائلين بامرارها على ظواهرها وقد مرت فى آخر الفصل الثانى شروط للتأويل راجع النظر اليها لتعلم انه كيف يجوز ولمن يجوز ومتى يجوز ولنذكر نص امام الحرمين فى الرسالة النظامية فى هذه المسئلة وهى آخر مؤلفاته على مازعم ابن ابى شريف قال الحافظ ابن حجر فى فتح البارى قال امام الحرمين فى الرسالة النظامية اختلفت مسالك العلماء فى هذه الظواهر فرأى بعضهم تأويلها والتزم ذلك فى آى الكتاب ومايصح من السنن وذهب أئمة السلف الى الانكفاف عن التأويل واحراء الظواهر على مواردها وتفويض معانيها الى الله عز وجل والذى نرتضيه رأيا وندين الله به عقيدة اتباع سلف الامة للدليل القاطع ان اجماع الامة حجة فلو كان تأويل هذه الظواهر حتما فلا شك أن يكون اهتمامهم به فوق اهتمامهم بفروع الشريعة واذا واذا انصرم عصر الصحابة والتابعين على الاضراب عن التأويل كان ذلك هو الوجه المتبع اه قال الحافظ وقد تقدم النقل عن اهل العصر الثالث وهم فقهاء الامصار كالثورى والاوزاعى ومالك والليث ومن عاصرهم وكذا من أخذ عنه من الائمة فكيف لا يوثق بما اتفق عليه القرون الثلاثة وهم خير القرون بشهادة صاحب الشريعة اه قلت والى هذا مال المصنف فى الجام العوام فقد عقد فى الكف عن التأويل والخوض فيه بابا وذكر فيه ثلاثة أمثلة مثال فى الفوقية ومثال فى الاستواء ومثال فى النزول وقال فى أول كتابه المذكور ان الحق الصريح الذى لا مراء فيه هو مذهب السلف أعنى مذهب الصحابة والتابعين وهو الحق عندنا ان كل من بلغه حديث من هذه الاخبار من عوام الخلق يجب عليه سبعة أمور التقديس والتصديق والاعتراف بالعجز والسكون والكف والامساك والتسليم لاهل المعرفة وقد تقدم شئ من ذلك فى الفصل الثانى فراجعه وقال الحافظ ابن حجر وقسم بعضهم اقوال الناس فى هذا الباب الى ستة أقوال قولان لمن يجريها على ظاهرها أحدهما من يعتقد انها من جنس صفات المخلوقين وهم المشبهة وتتفرع من قولهم عدة اراء والثانى من ينفى عنها شبه صفة المخلوقين لان ذات الله لا تشبه الذوات فصفاته لا تشبه الصفات فان صفات كل موصوف تناسب ذاته وتلائم حقيقته وقولان لما يثبت كونها صفة ولكن لا يجريها على ظاهرا أحدهما يقول لا نؤول شيأ منها بل نقول الله اعلم بمراده والاخر يؤول فيقول مثلا معنى الاستواء الاستيلاء واليد القدرة ونحو ذلك وقولان لمن لا يجزم بانها صفة أحدهما يجوز أن يكون صفة وظاهرها غير مراد ويجوز أن لا تكون صفة والاخر يقول لا يخاض فى شئ من هذا بل يجب الايمان به لانه من المتشابه الذى لا يدرك معناه اه وقال البكى فى شرح الحاجبية اختلف اهل السنة فى اتصاف البارى تعالى بهذه الصفات التى ظاهرها محال على ثلاثة اقوال الاول قول السلف انها هى صفات زائدة على السبع الله اعلم بحقائقها وهى أحد قولى الاشعرى وهو قول مالك واليه يشير الامام احمد بقوله الايات المتشابهات خزائن مقفلة حلها تلاوتها الثانى كلها مجازات يدل بها على تلك الصفات الثمانية عقلا وسمعا وهذا قول الحذاق من الاشاعرة الثالث الوقف وهو اختيار صاحب المواقف والمقترح ثم أهل @ التأويل اختلفوا على طريقين الاول طريق الاقدمين كابن فورك يحملها على مجازاتها الراجعة الى الصفات الثابتة عقلا الثانى طريق المتأخرين وهى التى كانت مركوزة فى قلوب السلف قبل دخول العجمة برد هذه المتشابهات الى التمثيل الذى يقصد به تصور المعانى العقلية بابرازها فى الصور الحسية قصدا الى كمال البيان اه الخ وقال الحافظ ابن حجر لاهل الكلام فى هذه الصفات كالعين والوجه واليد ثلاثة أقوال احدها انها صفات ذات أثبتها السمع ولا يهتدى اليها العقل والثانى ان العين كناية عن صفة البصر واليد كناية عن صفة القدرة والوجه كنايةعن صفة الوجود والثالث امرارها على ما جاءت به مفوضا معناها الى الله تعالى وقال الشيخ شهاب الدين السهروردى فى كتاب العقيدة له أخبر الله فى كتابه وثبت عن رسوله صلى الله عليه وسلم فى الاستواء والنزول والنفس واليد والعين فلا يتصرف فيهما بتشبيه ولا تعطيل اذ لولا اخبار الله ورسوله ما تجاسر عقل أن يحوم حول ذلك الحى قال الطيبى هذا هو المذهب المعتمد وبه يقول السلف الصالح وقال غيره لم ينقل النبى صلى الله عليه وسلم ولا عن احد من أصحابه من طريق صحيح التصريح بوجوب تأويل شئ من ذلك ولا المنع من ذكره ومن المحال أن يامر الله تنبيه بتبليغ ما انزل اليه من ربه وينزل عليه اليوم اكملت لكم دينكم ثم يترك هذا الباب فلا يميز ما يجوز نسبته اليه مما لا يجوز مع حضه على التبليغ عنه حتى نقلوا عنه اقواله وافعاله واحواله وصفاته وما فعل بحضرته فدل على انهم اتفقوا على الايمان بها على الوجه الذى اراده الله منها ووجب تنزيهه عن مشابهة المخلوقات بقوله تعالى ليس كمثله شئ فمن أوجب خلاف ذلك بعدهم فقد خالف سبيلهم وبالله التوفيق اه * (تكميل) * قول من قال طريقة السلف اسلم وطريقة الخلف احكم نقل الحافظ ابن حجر عن بعضهم انه ليس بمستقيم لانه ظن ان طريقة السلف بمجرد الايمان بالفاظ القرأن والحديث من غير فقه فى ذلك وان طريقة الخلف هى استخراج معانى النصوص المصروفة عن حقائقها بأنواع المجازات فجمع هذا القائل بين الجهل بطريقة السلف والدعوى فى طريقة الخلف وليس الامر كما ظن بل السلف فى غاية المعرفة بما يليق بالله تعالى وفى غاية التعظيم له والخضوع لامره ولتسليم لمراده وليس من سلك طريقة الخلف واثقا بأن الذى يتأوله هو المراد ولا يمكنه القطع بصحة تأويله اه قلت وقد اشار الى ذلك المصنف فى الجام العوام بما لا مزيد على تحريره (الاصل التاسع العلم بأن الله تعالى مع كونه منزها عن الصورة والمقدار) المفهوم من قوله لا يشبه شيأ ولا يشبهه شيأ (مقدسا عن الجهات والاقطار) وعن الامكنة والازمنة والتحديد وغير ذلك (مرئى للمؤمنين بالاعين والابصار فى الدار الاخرة بعد دخولهم دار القرار) نظم المصنف هذا الاصل فى سلك اصول الركن المعقود لمعرفة الزاد نظرا الى ان نفى الجهة يوهم انه مقتض للانتفاء فاقتضى المقام دفع هذا التوهم ببيان جواز الرؤية عقلا ووقوعها سمعا فهو كالتتمة للكلام فى نفى الجهة والمكان قال ابن أبى شريف الكلام فى الرؤية فى ثلاث مقامات الاول فى تحقيق معناها تحريرا لمحل النزاع بيننا وبين المعتزلة فنقول اذا نظرنا الى الشمس مثلا فرأيناها ثم أغمضنا العين فانا نعلم الشمس عند التغميض علما جاليا لكن فى الحالة الاولى امر زائد وكذا اذا عملنا شيأ علما تاما جاليا ثم رأيناه فانا ندرك بالبديهة تفرقة بين الحالتين وهذا الادراك الممل على الزياة فنسميه الرؤية قلت يشير الى ان المعنى من الرؤية ما نجده من التفرقة من ادراك الشمس حالة تقليب الحدقة وصرف البصر اليه ومن ادراكا لها حالة انصراف البصر او تغميضه عنها فالادراك الاول هو المسمى بالرؤية والثانى هو المسمى بالعين ثم قال ولا تتعلق فى الدنيا الا بمقابلة لما هو فى جهة ومكان فهل يصح ان تقع بدون المقابلة والجهة والمكان ليصبح تعلقه بذات الله تعالى مع التنزيه عن الجهة والمكان المقام الثانى فى جوازها عقلا والثالث فى وقوعها سمعا اما المقام الثانى فقال الامدى اجمع الائمة من اصحابنا على ان رؤية الله تعالى فى الدنيا والاخرة جائزة عقلا واختلفوا فى جوازها سمعا فى الدنيا فأثبته قوم ونفاه @ اخرون وهل يجوز ان يرى فى المنام فقيل لا وقيل نعم والحق انه لا مانع من هذه الرؤية وان لم تكن رؤية حقيقية ولا خلاف عندنا انه تعالى يرى ذات المقدسة والمعتزلة حكموا بامتناع رؤيته عقلا لدى الحواس واختلفوا فى رؤيته لذاته واما المقام الثالث فقد أطبق اهل السنة على وقوع الرؤية فى الآخرة واختلفوا فى وقوعها فى الدنيا ومقصود المصنف فى هذا المقام الاستدلال على وقوعها فى الآخرة فقدم الاستدلال عليه بالنقل ثم بالعقل ثم استدل بالنقل ايضا على الجواز على انه يلزم من ثبوت الوقوع فى الآخرة بدليله ثبوت الجواز ثم استدل بالعقل على الجواز فقال (لقوله تعالى يومئذ) أى يوم القيامة (ناضرة) اى ذات نضرة وهى تهلل الوجه وبهاؤه (الى ربها ناظرة) اى مستغرقة فى مطالعة جماله بحيث تغفل عما سواه فتقديم المعمول على هذا للحصر ادعاء ويصح كونه لمجرد الاهتمام ورعاية الفاصلة دون الحصر ويكون المعنى مكرمة بالنظر الى ربها قال البكى وتقرير هذا الدليل عند الائمة ان النظر الموصل بالى ام بمعنى الرؤية او هو ملزوم بالرؤية بشهادة النقل عن ائمة اللغة اما حقيقة او مجاز عن الرؤية لكونه عبارة عن تقليب الحدقة نحو المرئى طلبا لرؤيته وقد تعذرت هنا الحقيقة لامتناع المقابلة والجهة فتعينت الرؤية لكونها اقرب المجازات الى الحقيقة ثم اشتهر هذا المجاز بحيث التحق بالاستعمال الحقيقى كما يشهد به العرف اه وقال النسفى النظر المضاف الى الوجه المقيد بكلمة الى لا يكون الى نظر العين وبهذا بطل قول من قال من المعتزلة ان معنى الاية نعمة ربها منتظره لان الى واحد الالاء كذا فى تهذيب الازهرى اذ النظر اذا اريد به الانتظار فانه لا يعلق بالوجه ولا يتعدى بالى كما فى قوله تعالى فناظرة بما يرجع المرسلون أى منتظرة ولان حمل النظر على الانتظار المفضى للنعم فى دار القرار سمج لما قيل الانتظار موت احمر اه من الدلائل على جواز الرؤية من الكتاب قوله تعالى كلا انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون خص الكفار بالحجاب تحقيرا لهم واهانة فلو لم تكن من المؤمنون بخلافهم لعم التحقير وبطل التخصيص وقال النسفى تخصيص الحجاب للكفار دليل على عدمه للابرار اه وقال الربيع سمعت الشافعى يقول فى هذة الاية علمنا بذلك ان قوما غير محجوبين ينظرون اليه لا يضامون فى رؤيته مما دل على الرؤية من الكتاب ايضا قوله تعالى للذيت احسن الحسنى وزيادة فقد ورد من طرق صحيحة مرفوعة الى النبى صلى الله عليه وسلم انه سئل عن الزيادة فقال النظر الى الله تعالى واما فى السنة فلما اخرجه الشيخان من حديث أبى هريرة رضى الله عنه رفعه هل تضارون فى الشمس ليس دونها سحاب قالوا لا يا رسول الله قال فانكم ترونه كذلك فى بعض الروايات هل تضامون وفى بعضها فانكم ترون ربكم كذلك والمقصود به تشبيه الرؤية بالرؤية لا تشبيه المرئى بالمرئى واخرج القشيرى فى رسالته حديثا طويلا من رواية جابر بن عبد الله رضى الله عنه وفيه فيكشف لهم الحجاب فينظرون الله تعالى فيتمتعون بنور الرحمن سبحانه حتى لا يبصر بعضهم بعضا وأحاديث الرؤية متواترة معنى فقد وردت بطرق كثيرة عن جمع كثير من الصحابة ثم انهم بعد الجواز اختلفوا هل الوقوع مخصوص بالاخرة وهو قول جماعة واحدة قولى الاشعرى وظاهر قول مالك واليه اشار بقوله (ولا يرى فى الدنيا تصديقا لقوله عز وجل لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار) وهو اللطيف الخبير قال النسفى فى شرح العمدة وتبعه القونوى
Shafi 112
فى اكثر سياقه فى شرح عقيدة الطحاوى ولا نعلق للمعتزلة بهذه الاية لان الابصار صيغة جمع وهى تفيد العموم فسلبه يفيد سلب العموم وذلك لا يفيد عموم السلب فان قوله لا تدركه الابصار نقيض لقوله تدركه الابصار وقولنا تدركه الابصار نقيض لمن يدركه كل احد باعتبار الاستغراق الحاصل من الالف واللام ولما كان نقيض الموجبة الكلية السالبة الجزئية كان معنى الاية لا يدركه جميع الابصار ونحن نقول بموجبه فانه لا يراه الجميع فان الكافرين لا يرونه بل يراه المؤمنون ولان المنفى هو الادراك دون الرؤية وهما غير ان فكان نفى الادراك لا يدل @ على نفى الرؤية وهذا لان الادراك هو الوقوف على جوانب المرئى وحدوده وما يستحيل عليه الادراك من الرؤية نازلا منزلة الاحاطة من العلم ونفى الاحاطة التى هى نقيض الوقوف على الجوانب والحدود لا يقتضى نفى العلم به وكذا هنا ثم مورد الاية وهو وجه التمدح يوجب ثبوت الرؤية اذ نفى ادراك مايستحيل رؤيته لاتمدح فيه اذ كل مالا برى لا يدرك كالمعدومات وانما التمدح بنفى الادراك مع تحقق الرؤية اذ انتفاؤه مع ثبوتها دليل ارتفاع نقيضه التناهى والحدود عن الذات فكانت الأية حجة لنا عليهم ولو امعنوا النظر فى الاية وعرفوا مواقع الحجاج لاغتنموا التقصى عن عهدة الاية اه *رجع للاول ومنهم من قال وقوع الرؤية غير مخصوصة بالاخرة بل تقع فى الدنيا وهو قول الكثير من السلف والخلف من أهل الحديث والتصوف والنظر واذا قلنا بانه غير مخصوص بالاخرة فهل هو مخصوص بالانبياء أو غير مخصوص بل يجوز للولى قولان للاشعرى وعلى انه مخصوص بالانبياء فهل هو خاص بنبينا صلى الله عليه وسلم أو عير خاص وبالجملة فقد اتفق الكل على وقوعها فى الاخرة لجميع المؤمنين وأما فى الدنيا فاختلف فيه صلى الله عليه وسلم على ثلاثة أقوال الاول انه رأى ربه وهو قول أكثر السلف وجماعة الصوفية قال النووى وهو الصحيح الثانى انه لم ير وهو قول أكثر الاشاعرة ويعض السلف الثالث الوقف وهو اختيار القاضى عياض وبالجملة فاختلاف الصحابة فى هذة المسئلة دليل على اعتقادهم جوازها ثم هل يجوز ذلك لاولياء امته على سبيل الكرامة وطريق التبعية فى ذلك قولان للاشعرى وأكثر أهل التصوف خصوصا المتأخرين على أن ذلك يجوز كرامة وكرامة أولياء الله تعالى معجزة له صلى الله عليه وسلم هذا حال اليقظة وأما فى النوم فاتفق الاكثر على جوازه ووقوعه ثم هذا المعتقد أما جوازه فيصح التمسك فيه بالسمع والعقل وأما الوقوع فليس الا بالسمع اذا العقل لا يهتدى وقد أورد المصنف على جوازه دليلا من الكتاب وأوردنا معه دلائل من أخر الكتاب ثم أورد دليلا ثانيا فقال (ولقوله تعالى فى خطاب موسى عليه السلام) حكاية عنه اذا قال رب أرنى أنظر اليك قال (لن ترانى) ولكن انظر الى الجبل فان استقر مكانه فسوف ترانى ووجه الاستدلال من وجهين أحدهما انه لولم تجز الرؤية لما طلبها موسى عليه السلام واللازم باطل بالاجماع وتواتر الاخبار بيان اللزوم أن موسى عليه السلام عالم بما يجوز على الله تعالى وما يستحيل عليه والا يلزم الجهل وهو محال على الانبياء واذا كان عالما بما لايجوز والرؤية ممالايجوز على ذلك التقدير يكون طلبه للرؤية عبثا وذلك على الانبياء محال واليه أشاؤ المصنف بقوله (وليت شعرى كيف عرف المعتزلى) القائل بعدم جواز الرؤية (من صفات رب الارباب ماجهله موسى عليه السلام) مع انه نبى كريم من أولى العزم من الرسل أرأيت المعتزلى أعرف بالله تعالى منه مع أن المقصود من بعثة الانبياء عليهم الصلاة والسلام الدعوة الى العقائد الدينية الحقة والاعمال الصالحة (وكيف سأل موسى عليه السلام الرؤية مع كونها محالا ولعل الجهل بذوى البدع) المضلة (والاهواء) المختلفة (من الجهلة) يمعانى كلام الله تعالى (الاغبياء) البلداء (أولى من الجهل بالانبياء صلوات الله عليهم) وسلامه وحاصل هذا الاستدلال ان سؤال موسى عليه السلام اياها دليل على انه كان يعتقد انه كان جائز الرؤية والوجه الثانى انه تعالى علق الرؤية بشرط متصور الكون وهو استقرار الجبل فدل على انه جائز الوجود اذ تعليق الفعل بما هو جائز الوجود يدل على جوازه كما أن التعليق بما هو ممتنع الوجود أو متحقق الوجود يدل على امتناعه أو تحققه والدليل على أن استقرار الجبل ممكن الثبوت قوله تعالى فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا أخبر انه جعله دكا لاانه اندك بنفسه وماأوجده الله تعالى كان جائزا أن لا يوجد لولم يوجده الله تعالى اذ الله تعالى مختار فيما يفعل فاذا جعل الجبل دكا باختياره وكان جائزا أن لا يفعل دل على جواز وجوده قاله النسفة وفى الأية وجوه أخر دالة على جوازها منها انه تعالى ما أيسه وما عاتبه عليه ولو@ كان ذلك جعلا منه بالله تعالى خارجا عن الحكمة لعاتبه كما عاتب نوحا عليه السلام بقوله انى أعظك أن تكون من الجاهلين حيث سأل انجاء ابنه من الغرق بل هذا أولى بالعتاب لان هذا لو كان جهلا منه بربه لبلغ مرتبة الكفر وذلك لم يبلغ هذه الرتبة فان قالوا مراده أرنى ايه من اياتك قلنا لو كان المراد كذلك لقال أنظر اليها ولقال لن ترى اياتى ومنها قوله لن ترانى فانه يقتضى نفى الوجود لا الجواز اذ لو كان ممتنع الرؤية لكان الجواب أن يقول لست بمرئى أولا تصح رؤيتى ولمالم يقل ذلك دل على انه مرئى اذ الموضع موضع الحاجة الى البيان ألا ترى أن من فى كمه حجر فظنه انسان طعاما وقال له أعطنيه لاكله كان الجواب الصحيح انه لا يؤكل أما اذا كان طعاما صح أن يقول المجيب انك لن تأكله ويجوز على الانبياء الريب فى أمر يتعلق بالغيب فيحمل على أن مااعتقد جائز ولكن ظن أن ما اعتقد جوازه تأخر فيرجع النفى فى الجواب الى السؤال وقد سألها فى الدنيا فينصرف النفى اليها اذ الجواب يكون على قضية السؤال فتأمل وأما الاستدلال عقلا فأشار المصنف الى ذلك بقوله (وأما وجه اجراء اية الرؤية) وهى قوله تعالى الى ربها ناظرة (على الظاهر) فقد العقل على جوازه وذلك (انه غير مؤد الى المحال) فوجب أن لا يعدل عن الظاهر اذ العدول انما يجوز عند عدم امكانه لامع امكانه ثم علل قوله غير مؤد الى المحال بقوله (فان الرؤية نوع كشف وعلم) للمدرك بالمرئى يخلق الله هذا النوع عند مقابلة الحاسة للمرئى بحسب ما جرت به العادة الالهية (الا انه أتم وأوضح من العلم) أى ان مسمى الرؤية هو الادراك المشتمل على الزيادة على الادراك الذى هو على جلى كما قدما أول هذا الاصل اذ هو العلم الذى لا ينقص منه قدر من الادراك (فاذا جاز تعلق العلم به) من غير أن ينقص منه قدر من الادراك (وليس فى جهة) أى من غير مقابلة بين الباصرة والمرئى فى جهة مع تلك المقابلة مسافة خاصة بين الحاسة والمرئى الكائن فى تلك الجهة ومن غير احاطة بمجموع المرئى (جاز تعلق الرؤية به وليس بجهة) وقولى من غير مقابلة الخ فيه دفع لقول المعتزلة والحكماء القائلين بان من شرائط الرؤية مقابلة المرئى للباصرة فى جهة من الجهات وقولى مع تلك المقابلة مسافة خاصة رد على قولهم ان من شرائط الرؤية عدم غاية البعد بحيث ينقطع ادراك الباصرة وعدم غاية القرب فان المبصراذا التصق بسطح البصر بطل ادراكه بالكلية ولذلك لا يرى باطن الاجفان وقولى من غير احاطة بمجموع المرئى اشارة الى نفى كون الرؤية تستلزم الاحاطة بالمرئى لتكون ممتنعة فى حقه تعالى لانه لا يحاط به قال تعالى ولا يحيطون به علما والحاصل انه يجوز عقلا أن يخلق القدر المذكور من العلم فى الحى على وفق مشيئته تعالى من غير مقابلة لجهة أخرى وقولى بمجموع المرئى فيه تنبيه على انه اذا اثبت أن المجموع المتركب من أجزاء متناهية برى دون احاطة فالذات المنزهة عن التركيب والتناهى والحدود والجهة أولى بان تنفلت رؤيتها عن الاحاطة والدليل على جواز أن يخلق الله قدرا من العلم من غير مقابلة بحاسة البصر أصلا ماورد فى الصحيحين من حديث أنس رفعه أتموا صفوفكم فانى ارأكم من وراء ظهرى وعند البخارى وحده عن أنس أقيموا صفوفكم وتراسوا وعند النسائى استووا استووا استووا فوالذى بيدء انى أراكم من خلفى كما أراكم من بين يدى والدليل على قولنا من غير احاطة رؤيتنا السماء فانا نراها ولا نحيط بها وقد ظهر مما تقدم أن المصنف استدل لجواز الرؤية من غير جهة صريحا ومن غير احاطة ضمنا بوقوع أمور ثلاثة الأول والثالث منها لجوزاها من غير مقابلة لجهة ومن غير مسافة خاصة والثانى لجوزاها من غير احاطة وقد أشرنا الى الأول والثانى وأشار الى الثالث بقوله (وكما يجوز أن يرى الله تعالى الخلق) أى كون ذلك القدر من العلم المسمى بالرؤية مشبها فى كونه دون مقابلة رؤية الله تعالى ايانا فانه تعالى يرى خلقه (وليس فى مقابلتهم) فى جهة باتفاق منا ومن المعتزلة (جاز أن يراه الخلق من غير مقابلة) فالرؤية نسبة خاصة بين طرفى راء ومرئى @ فان فرض ان تلك النسبة تقتضى عقلا كوم أحدهما فى جهة اقتضت كون طرفها الأخر كذلك فى جهة لاشتراكهما فى التعلق فاذا ثبت بوفاق الخصمين عدم لزوم ذلك فى أحد طرفيها لزم فى الطرف الاخر مثله فكان الثابت عقلا نقيض مافرض فثبت انتفاء ما فرض وان فرض اللزوم فى أحد الطرفين وعدمه فهو تحكم محض ويقال فى الاستدلال على جواز الرؤية أيضا (كما جاز أن يعلم) البارى سبحانه (من غير كيفية وصورة) لما قلنا ان الرؤية نوع علم خاص يخلقه الله تعالى فى الحى غير مشروط بمقابلة ولا غيرها مما ذكر لا يقال ان الرؤية فى الشاهد لا تنفك عن حصول المقابلة فى الجهة والمسافة بين الرائى والمرئى وحصول احاطة الرائى ببعض المرئيات وحصول ادراك صورة المرئى فليكن فى الغالب كذلك وان ذلك فى حقه باطل تنزه البارئ تعالى عن ذلك فانتفت الرؤية فى حقه لانتفاء لازمها لانا نقول حصول المسافة والمقابلة والاحاطة والصورة فى الرؤية فى الشاهد لاتفاق كمون بعض المرئيات كذلك أى تتصف بالمقابلة على المسافة المخصوصة بالاحاطة به وبالصورة لكونه جسما لا لكون الامور المذكورة معلولا عقليا لهذا النوع من العلم المسمى رؤية مع انتفاء العلوم المذكورة على ما بين بالاستدلال السابق والمعلول لا يثبت مع انتفاء علته والا لم يكن علة له فتأمل وقال النسفى فى شرح العمدة زعمت المعتزلة والزيدية والفلاسفة والخوارج ان فى العقل دلالة استحالة رؤيته لانه لابد لها من مقابلة بين الرائى والمرئى وذالا يصح الا فى المتحيز ومسافة مقدرة بين الرائى والمرئى بحيث لا يكون قربا مفرطا واتصال شعاع عين الرائى بالمرئى وكل ذلك مستحيل على الله تعالى وأكدوا هذا المعقول بقوله تعالى لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار فقد تمدح بانتفاء الرؤية عن ذاته اذ الادراك بالبصر هو الرؤية كما تمدح بأسمائه الحسنى فى سياق الاية وسباقها وكل ما كام عدمه مدحا كان وجوده نقصا وهو على البارى لا يجوز فى الدارين والدليل على انه تمدح به وروده بين المدحين اذ ادراج غير المدح بين المدائح مما تمجه الاسماع وتنفر عنه الطباع وأكثر المعتزلة على انه تعالى يرى ذاته ويرى العالم ثم أورد الجواب عن الاية بما تقدم بيانه قريبا ثم قال وما قالوا من اشتراط المقابلة وثبوت المسافة واتصال الشعاع وتحقق الجهة باطل فان الله تعالى يرانا من غير مقابلة ولا اتصال شعاع ولاثبوت مسافة بيننا وبينه ولا جهة ومن أنكر ذلك منهم فهو محجوج بقوله تعالى ألم يعلم بان الله يرى وهو السميع البصير والعلل والشرائط لا تتبدل بالشاهد والغائب وقد تبدلت فعلم انها من أوصاف الوجود دون القرائن اللازمة للرؤية فلا يشترط تعديها وهذا لان الرؤية تحقق الشئ بالبصر كما هو فان كان فى الجهة يرى فى الجهة وان كان لا فيها يرى لا فيها كالعلم فان كل شئ يعلم كما هو فان كان فى الجهة يعلم فى الجهة وان كان لافى الجهة يعلم لافى الجهة وبهذا تبين ان العلة المطلقة للرؤية الوجود لانها تتعلق بالجسم والجواهر والعرض فلا نفرق بين السواد والبياض والاجتماع والافتراق بحاسة البصر فعلم ان العرض مرئى وكذا غيره لانا نرى الطويل والعريض وذلك ليس بجواهر متألفة قى صفة مخصوصة والحكم المشترك يقتضى علة مشتركة لان تعليل الاحكام المتساوية بالعلل المختلفة ممتنع والمشترك بين هذه الاشياء اما الوجود أو الحدوث والحدوث لا يصلح للعلية لانه عبارة عن وجود حاصل بعد عدم سابق والعدم لا يصلح ان يكون علة ولا شطر العلة فلم يبق الا الوجود والله تعالى موجود فوجب القول بصحة رؤيته
Shafi 115
ومالا يرى من الموجودات فلعدم اجراء الله تعالى العادة فى رؤيتنا لا لاستحالة والوجود على مجوزة للروية لاموجبة للرؤية ولا يلزم من كون الشئ جائز الرؤية ان نراه مالم يخلق الله فينا رؤيته الا نرى ان الهرة ترى الفارة بالليل ونحن لا نراها وكذا المصروع يبصر الجن ولا يراه الحاضرون وكذا النبى صلى الله عليه وسلم كان يرى جبريل ومن عنده من الصحابة لا يرونه فان قيل هنا مشترك اخر وهو ان يكون ممكن الوجود لذلك قلنا الامكان لا يصلح علة للرؤية لان الامكان عدم فلا يصلح للعلية ولان الامكان قائم فى @ المعدومات ولا يصلح رؤيتها قال الفخر الرازى هذا التعليل ضعيف لانه يقال الجوهر والعرض مخلوقات فصحة المخلوقية حكم مشترك بينهما فلابد من علة مشتركة بينهما ولا مشترك الا الحدوث والوجود والحدوث ساقط من حيز الاعتبار لما ذكرتم فيبقى الوجود والله تعالى موجود 7 موجب صحة كونه مخلوقا وكما أن هذا باطل فكذا ما ذكرتموه ثم قال مذهبنا فى هذة المسئلة ما اختار الشيخ الامام أبو منصور الماتريدى رحمه الله انا نتمسك بالدلائل السمعية ونتمسك بالدلائل العقلية فى دفع شبهتهم وقولهم لو كان مرئيا لكام شبيها بالمرئيات باطل لان الرؤية تتعلق بالمتضادات كالسواد والبياض والحركة والسكون ولا مشابهة بينهما والله أعلم وقال البكى فى شرح الحاجبية أما الدليل العقلى على جواز الرؤية فتقريره انه تعالى البارى موجود وكل موجود يصح ان يرى فالبارى يصح ان يرى أما الصغرى فضروبة وأما الكبرى فلانا نرى الجواهر والاعراض قطعا والرؤية مشتركة بينهما وكل مشترك يجب تعليله بما هو مشترك بين تللك الاشياء ولا مشترك بين الجواهر والاعراض عملا بالاستقراء الا أحد أمور ثلاثة وهو الوجود والحدوث والامكان لا جائز ان يكون الحدوث أو الامكان اذ هما عدميان والعلة يجب ان تكون وجودية فيتعين ان يكون الوجود والموجود مشترك بالاشتراك المعنوى بين الموجودات كما برهن عليه فى محله فكل موجود يصح ان يرى عملا بالوجود المشترك وهو المطلوب وفيه تظهر جميع مقدماته ثم قال ولكن هنا اعتراض قوى وهو ان يقال وجود الصانع هو الوجود المجرد الذى هو عين ذاته وذلك لم يقع به اشتراك وانما وقع الاشتراك فى الوجود العارض المثول على وجوده ووجود الممكان
Shafi 116
بالتشكيك والشئ المقول بالتشكيك لا يلزم اتحاد معروضاته فى جميع أحكامه وما يقال ان علة صحة الرؤية هو متعلقها ومتعلقها هو الوجود المطلق أى كون الشئ ذا هوية ما لا حصوصية الوجودات والهويات ذالهوية المطلقة المقولة بازاء الهويات ليس الا من الاعتبارات وان مقوليتها عليها بالعرض لا بالذات وما يقال بالعرض لا يلزم اتحاد معروضاته فى أحكامه ولا يخفى على ذى فطنة ان المدرك انما هو خصوصية الوجودات لا الهوية المشتركة ثم الدليل منقوض بالملموسات فانا نلمس الجواهر والاعراض واللمس محال ان يتعلق به قال الشيخ سعد الدين وهو قوى وقال الامدى اختلف الاصحاب فمنهم من عم وقال البارى يدرك بالادركات الخمس للدليل المذكور لكن لا بنحو المعتاد بها بل كما يرى وهو قول الشيخ ومنهم من قال ان سائر الادراكات لا تعم كل موجود فان ادراك السمع خاص بالمسموعات وادراك اللمس خاص بالملموسات والبارى ليس بصوت ولا الصوت صفة له ولا كيفية ملموسة ولا هى صفة له وكذا يقال فى سائر المدركات الخمس ماعدا البصر وعلى القول بان هذة الادراكات تتعلق به على قول الشيخ فليس المراد خصوصيتها وانما هو ان نطلق الادراك من غير كيفية على مقتضى هذا الدليل أيضا جوز الشيخ تعلق الرؤية بصفاته جل وعلا وهذا لا يقتضى الوقوع اذا العقل لا مجال له فيه ولا يقتضى وقوعها وغاية الدليل ان سلم الجواز ولاجل ضعف هذا الدليل اختار المتأخرون دليل السمع ثم ساق تقريره والاستدلال به من وجهين حسبما بيناه انفا ثم قال وما تعترض به الخصوم فجهالة لا تسمع وأكثرها لا يصدر عن مسلم معترف بحق الانبياء وأما المحدث فحاله فى هذة المسئلة لا يزيد على حال الاشعرى الا بتصحيح الاحاديث الدالة على هذا المعتقد على ما يليق بجلاله تعالى ولاعبرة بالمشبهة اذ دخولهم فى أهل السنة والجماعة محل نظر اذ ليسوا منهم وأما الصوفى فيقول بجميع ما تقدم ويزيد باشارته الوجدية فيقول العبودية نسبة العبد الى ربه والربوبية نسبة الرب الى العبد ومن المعلوم عقلا ان معقول كل واحد من النسبتين متوقفة على الاخرى تعقلا ووجودا @ فادراك العبودية يكون معه ادراك الربوبية لا محالة وادراك العبودية على مراتب تخيل وهمى وعلم يقينى وذوق كشفى وشهود حسى وهذا كله خاص بالمتوجهين فالاولى لاهل الفرق من المريدين والثانية لاهل الجمع من السالكين والثالثة لاهل جمع الجمع من الواصلين والرابعة لاهل وحدة الجمع والوجود من المقربين وقد سئل سهل رحمه الله عن المشاهدة فقال العبودية وقال أيضا أربعون سنة أخاطب الحق والناس يظنون انى أخاطبهم وقد نبه المعلم الاعظم صلى الله عليه وسلم بقوله انكم سترون ربكم وقال تعالى سبحان الذى أسرى بعده فخص مواطن المشاهدة والرؤية بذكر اسم العبد والرب تنبيها على ما أشرنا اليه فاعرف ذلك وتحقق بعبوديتك فان الخير فيها ومنها فافهم اه وقال ابن فورك فى المدخل الاوسط اعلم ان رؤية الله تعلى جائزة من جهة النظر واجبة من جهة خبر الصادق فدلالة جوازه من جهة النظر ان الوصف له بانه راء من صفات نفسه كما ان وصفه بانه عالم من صفات نفسه واستحال ان يعلم غيره من لا يعلم نفسه كذلك يستحيل ان يرى نفسه كما ان شرط من يقدر يستحيل ان يقدر على نفسه ولان كل وصف لايوجب حدثه ولا حدث معنى فيه ولا قلبه عن حقيقته فجائز عليه والرؤية لا توجب حدث المرئى لانا نرى ماحدث أمس فلا يكون بالرؤية حادثا ولا حدث معنى فيه لانا نرى اللون لا يصح ان يحدث فيه معنى ولا قلبه عن حقيقته لانا نرى المختلفات فلا بنقلب أحدها عن حقيقته الى حقيقة غيره واللمس والشم والذوق يقتضى حدوث معنى فيه فلذلك لم يجز عليه اه وقد أوسع الكلام فى هذا المعتقد ابن التلمسانى فى شرح لمع الادلة ونحن نورد لك من تقريره ما تعلق به المقصود فى هذا المحل قال اعلم ان المراد بالرؤية والابصار حالة زائدة على العلم وعلى تأثير الحدقة بالمرئى وهل الادراك المقتصى لهذه الحالة خارج عن جنس العلم أو من جنسه اختلف الاشعريون فيه ونقل عن الاشعرى قولان مع الاتفاق على موافقته للعلم فى انه يقتضى كشفا ويتعلق بالشئ على ماهو عليه الا انه لا يتعلق الا بالموجود المعين والعلم يتعلق بالموجود والمعدوم والمعين والمطلق وزعمت المعتزلة ان الرؤية مشروطة بشروط منها كون المرئى مختصا بجهة مقابلا للرائى أو فى حكم المقابل كرؤية الانسان نفسه بالشعاع المنعكس ومنه انبعاث الاشعة من الحدقة واتصالها بالمرئى 7 وتشبيهها به ومنها انتفاء البعد المفرط والقرب المفرط ومنها زوال الحجب الكثيفة وصفاء الهواء لذلك يرى الجالس حول النار فى الليل وان بعد ولا يرى من فى ظله وان قرب ولما كان البارى سبحانه ليس فى جهة زعموا انه يستحيل رؤيته وساعدهم الفلاسفة على استحالة جواز رؤية واجب الوجود وان اختلفت مناهجهم فانهم يزعمون الن الرؤية ترجع الى انطباع صورة فى الحدقة والصورة مركبة ولا ينطبع الا فى مركب فلا جل ذلك قالوا لا يرى البارئ ولا يرى وأما الحثوية والكرامية وان ساعدوا على جواز رؤية الله تعالى فانما حكموا بجواز رؤيته لاعتقادهم انه فى جهة أما نحن فنقضى بجواز رؤيته مع نفى اختصاصه بالجهات فهم مخالفون لنا فى المعنى وان وافقوا فى اللفظ ثم قال وقول امام الحرمين والدليل على جواز رؤيته عقلا فاشارة منه الى انه يمكن ان يستدل على جواز الرؤية سمعا وذلك لان المطالب الالهية منقسمة الى مالا يدرك الا بالعقل وهو كل ما يتوقف صدق الرسول عليه فان مستند صحة الادلة السمعية كلها قول الرسول المدلول على صدقه فلو أثبتنا ما يتوقف اثبات المعجزة عليه بالسمع وهى لا تثبت الا بثبوته لدار ومنها ما لايمكن اثباته الا بالسمع وهو وقوع الجائزات الغيبية كالحشر والنشر والحساب والخلود فى احدى الدارين ووقوع الرؤية للمؤمنين فى الدار الاخرة من هذا القسم فلا حرم ان الامام قال ونستدل على وجوب الرؤية وانها ستكون وعدا من الله صدقا وعنى بوجوب الرؤية ههنا تحتم الوقوع للخبر والوعد الصدق وأما مالا يكون أصلا للمعجزة ولا يرجع الى وقوع جائز فيصح @ الاستدلال عليه بالعقل والسمع ان وجد او جواز الرؤية من هذا القسم فلاجل ذلك تمسك الاصحاب فيه بالمعقول والمنقول فما تمسكوا به عقلا ان قالوا حاصل الادراك علم مخصوص يخلقه الله تعالى فى العين وكما صح خلقه فى القلب صح خلقه فى العين وضعف هذا المسلك بانا نجد من أنفسنا فرقا ضروريا بين حالة تغميض أجفاننا عن الشئ مع العلم به وبين فتحها وتعلقها بالمرئى وذلك يدل على ان الادراك معنى زائد على العلم مغاير له وان درجته فى الكشف والظهور فوق درجة الشعور بالشئ حال غيبته وادراكه بعوارضه أو بادراك ماهيته وللمحتج بهذه الطريقة ان يقول ان الفرق يرجع الى كثرة العلم بالمتعلقات فان الرؤية تتعلق بالهيأت الاجتماعية التى لا يحيط بها الذهن والوصف مع الغيبة وهذه الحجة مفرعة على ان الرؤية من جنس العلوم المسلك الثانى ان ادراك الرؤية من الصفات التى تتعلق بالشئ ولا تؤثر كالعلم والخبر واذا كانت لا تؤثر فى متعلقها فلا مانع من تعلقها بالقديم والحادث وضعف هذا المسلك بان حاصله راجع الى ابطال مانع واحد من صحة الرؤية وهو التأثير ولا يلزم من نفى مانع واحد ثبوت الشئ مالم يحقق مصححه وانتفاء جميع موانعه المسلك الثالث ماتمسك به الامام وعليه اعتماد أكثر الاشعرية وهو ان البارى تعالى موجود وكل موجود يصح ان يرى فالبارى يصح ان يرى أما ان البارى موجود فقد سبق الدليل عليه وأما ان كل موجود يصح ان يرى فلان الرؤية تفاقمت فى الشاهد بالمختلفات بدليل رؤية الجواهر والاعراض وهى مختلفة فلا تخلو صحة الرؤية اما ان يكون لما به الافتراق أو لما به الاشتراك فان كانت لما به الافتراق لزم تعليل الاحكام المتساوية فى النوع بعلل مختلفة وتعليل الواحد بالنوع بالعلل المختلفة محال فتعين ان يكون لما به الاشتراك وما به الاشتراك هو الوجود أو الحدوث والحدوث لايصح ان يكون علة لصحة الرؤية فانها حكم ثبوتى والحدوث عبارة عن وجود حاضر وعدم سابق والسابق لا يكون علة للحاضر والعدم لا يجوز ان يكون جزأ من المقتضى واذا سقط الحدوث عن درجة الاعتبار لم يبق الا الوجود ومعقول ان الوجود لا يختلف شاهدا وغائبا والبارى تعالى موجود فصح ان يرى وقد أورد الفخر الرازى على هذا المسلك اعتراضات عديدة وأكد ورودها بقوله وانى غير قادر على الجواب عنها ونحن نلخصها ونجيب عنها بحسب الامكان ان شاء الله تعالى الاول لا نسلم ان صحة الرؤية أمر ثبوتى والذى يحقق ان صحة الرؤية أمر عدمى ان الصحة معقول عدمى فتكون صحة الرؤية أمرا عدميا انما قلنا ان الصحة أمر عدمى لا صحة وجود العالم سابقة على وجوده فلو كانت الصحة أمرا ثبوتيا لاستدعت محلا ثانيا لاستحالة قيام الامر الثبوتى بالنفى المحض ولو كان محلها ثابتا للزم قدم الهيولى على ماتزعم الفلاسفة أو شبيه المعدوم كما صار اليه بعض المعتزلة فالصحة اذا ليست حكما ثبوتيا واذا كانت الصحة ليست حكما ثبوتيا لزم ان لا يكون صحة الرؤية أمرا ثبوتيا لانها من افراد الصحة الثانى سلمنا ان الصحة أمر ثبوتى لكن لا نسلم صحة التعليل أصلا ورأسا كيف والشيخ أبو الحسن ممن ينفى الاحوال من المتكلمين لا يقول بالتعليل العقلى فانه لا واسطة عندة بين الوجود والعدم والعدم لا يعلل والوجوب اما واجب لذاته وهو مستغن بوجوبه عن المقتضى أو ممكن والممكان كلها تستند الى الله تعالى خلقا واختراعا فلا علة عنده ولا معقول فى العقل الثالث سلمنا صحة أصل التعليل فلم قلتم ان صحة الؤية من الاحكام المعللة فان صحة كون الشئ معلوما حكم وهو غير معلل الرابع سلمنا صحة تعليل الرؤية لكن لا نسلم ان صحة الرؤية حكم مشترك فان صحة كون السواد مرئيا مخالفة لرؤية الجوهر ولو كانتا متساويتين لصح ان تقوم احداهما مقام الاخرى ولو قامت احداهما مقام الاخرى لصح ان يرى السواد جوهرا والجوهر سوادا الخامس سلمنا ان صحة الرؤية حكم عام مشترك لكن لا نسلم امتناع تعليل الاحكام المتساوية لعلل مختلفة فان اللونية قدرمشترك ووجودها معلل بخصوصيات الالوان وهى مختلفة السادس سلمنا ان الحكم المشترك لابد له من علة مختلفة لكن لا نسلم ان الوجود مقول على الواجب والممكن بالاشتراك المعنوى وانما هو مقول بالاشتراك اللفظى أو بالتشكيك لانه لو كان @ مقولا بالتواطؤ لكان جنسا للواجب لذاته والممكن لذاته ولو كان جنسا لهما لاستدعى الواجب لذاته فصلا ويلزم منه تركيب ماهية واجب الوجود كيف والشيخ أبو الحسن ممن يوافق على انه معقول الاشتراك السابع سلمنا انه حكم عام وان الحكم العام يستدعى علة مشتركة لكن لا نسلم انه لا مشترك بين الجواهر والاعراض سوى الحدوث والوجود والاعتماد فى نفى الاشتراك فيما سواهما على الاستقراء لا يصح فانه عدم على لا علم بالعدم الثامن حرم الحصر بالامكان وبالمركب من الجواهر والاعراض ويحقق ذلك انا لم نر قط جوهرا عريا عن الاعراض ولا عرضا عريا عن الجوهر فما المانع ان يكون المصحح للرؤية كونه جوهرا على الحالة المخصوصة التاسع سلمنا انه لا مشترك سوى الوجود والحدوث لكن لا نسلم سقوط الحدوث عن درجة الاعتبار قولكم ان معقوله يرجع الى عدم سابق ووجود حاضر والعدم لا يكون علة للامر الثابت قلنا لا نسلم ان جزء الحدوث هو العدم السابق بل الحدوث عبارة عن الوجود المسبوق بالعدم والوجود بصفة كونه مسبوقا كيفية حاصلة بثبوته لانها صفة للوجود والصفة العدومية يمتنع قيامها بالامر الوجودى العاشر سلمنا ان الوجود علة مشتركة لكن لم قلتم انه علم بالنسبة الى القديم فان العلة انما توجب أثرها اذا وجدت فى محلها بشرطها فان الحكم كما يعتبر فى ثبوته وجود مصححه يعتبر فيه وجود شرطه وانتفاء مانعه وحينئذ لا يلزم من وجود المصحح صحة رؤيته فان الحياة مصححة لكثير من الاحكام فى الشاهد كالالم واللذة والجهل واضداد السمع والبصر والكلام والبارى تعالى حى وجميع ذلك ممتنع عليه الحادى عشر سلمنا وجود المصحح بشرطه لكن لم قلته ان يكون مصححا فى حقنا ولا يلزم من كون الشئ مصححا ان يكون مصححا بالنسبة الى كل واحد فان صحة كون الجواهر مخلوقة معللة بامكانها ولا يصح نسبة خالقيتها الينا وكذلك كثير من الاعراض بالاتفاق الثانى عشر ماذكرتموه منقوض ببقية الادراكات من الشم والذوق واللمس فان جميع ذلك أحكام مشتركة ويستدعى مصححا مشتركا ولامشترك سوى الوجود بغير ماذكرتم فيلزم كون البارى تعال مذوقا مشموا ملموسا وذلك يفضى الى السفسطة والكفر الثالث عشر ما أورده البهشمية قالوا لو كان علة صحة الرؤية الوجود والوجود يشترك فى سائر الموجودات للزم ان لا يدرك اختلاف المختلفات لكن يدرك ذلك عند الرؤية فدل على ان الؤية تتعلق بألاخص ويتبعه العلم بالوجود الاعم وحينئذ لا يلزم من صحة رؤية بعض الممكان لتعلق الرؤية بأخصها تعلقها بكل أخص وهو كقول الاشعرى ان بعض المحدثات مكسوب للعباد وبعضها غير مكسوب لتعلق الكسب بالاخص والخصوصيات مختلفة قال الفخر الرازى بعد قوله وأنا غير قادر على الجواب عنها كما تقدم فمن أجاب عنها أمكنه ان يتمسك بهذه الطريقة قال ابن التلمسانى والجواب عنها بحسب الامكان مع التنبيه على أوقعها قوله لا نسلم أن صحة الرؤية أمر ثبوتى قلنا الدليل عليه أن الصحة نقيض لا صحة المحمول على الممتنع فالصحة أمر ثبوتى لاستحالة تقابل سلبين قوله صحة وجود العالم سابقة على وجوده الخ قلنا لا نسلم تقدم الامكان وما المانع أن يكون امكان وجود الماهية متقدما عليها بالذات وان كانا معافى الوجود كتقدم سائر أجزاء الماهيات عليها فان امكان الممكن من صفات نفسه الذاتية وسائر الصفات الذاتية متقدمة على ماهى ذاتية له وان كانا معا فى الوجود كما أن المعنوية والكونية سابقة على وجود السواد وان كانا لايوجد ان متجردين عن السوادية قوله فى السؤال الثانى لا نسلم صحة التعليل أصلا ورأسا وانه مبنى على اثبات الاحوال والواسطة قلنا الحق أن هذا الدليل لا يتم الا على اثبات الاحوال والواسطة والدليل على اثباتها أن السواد والبياض يشتركان فى المعنوية والكونية ويفترقان بالسوادية والبياضية ومابه الاشتراك غير مابه الافتراق فهذه الوجوه وكل وجه تقع به المماثلة أو المخالفة بين سائر الانواع لا يخلو اما أن تكون موجودة أو معدومة أولا موجودة ولا معدومة أو موجودة معدومة معا والاخير باطل بالقطع والاول باطل والا لكان للشئ الواحد وجودان فيتعين الثالث @ وهو ان صفات لا موجودة ولا معدومة وهى المعبر عنها بالثابت والحال ولا يقال فالاحوال أيضا مشتركة فى الحالية ومفترقة بالعموم والخصوص ومابه الاشتراك غير مابه الافتراق وقد زعمتم ان مابه الاشتراك والافتراق أحوال فيلزم اثبات الاحوال للاحوال ثم يعود التقسيم فى تلك الاحوال الثانية والثالثة ويلزم التسلسل لانا نقول انما يلزم التسلسل ان لو كان تمايز الاحوال بصفات نفسية كتمايز الانواع لكنا نقول ان الاحوال انما تتمايز بالاضافات لانها لو تمايزت بأنفسها لزم اثبات الحال للحال وتكون ذواتا فتمتاز حالة التمييز عن غيرها باضافتها الى ذات الجوهر وتمتاز العالمية باضافتها الى ذات العلم وكذلك القادرية باضافتها الى ذات القدرة وعلى هذا التقدير لا يلزم التسلسل قوله فى السؤال الثالث سلمنا صحة تعليل بعض الاحكام فلم قلتم ان صحة الرؤية من الاحكام المعللة وانها تتوقف على مصحح قلنا الدليل على توقفها انها لو لم تتوقف لصح رؤية المعدوم والموجود كما صح أن يعلما ولما تخصص محلها ولم يعم دل على افتقارها الى المصحح قوله فى السؤال الرابع لانسلم أن صحة الرؤية حكم عام مشترك بل الصحة تختلف بحسب ما يضاف اليه قلنا لا نعنى بكون الحكم عاما بالنسبة الى شيئين فصاعدا الا أن المعقول من كل واحد منهما من ذلك كالمعقول من الاخر بحيث لو سبق أيهما كان الى الذهن لم يدرك العقل تفرقه بينه وبين الاخر كالعلم من حيث هو علم بالاشياء المختلفة ولو اقتضى اختلاف المتعلق اختلاف نوع المتعلق لما عقل عموم بين شيئين البتة كذلك صحة الرؤية لا تختلف بكون المرئى جوهرا ولا عرضا ومن الدليل على انها مشتركة صحة انقسامها الى رؤيه كذا ورؤيه كذا ومورد التقسيم لابد أن يكون مشتركا قوله فى السؤال الخامس لا نسلم امتناع تعليل الاحكام المتساوية بعلل مختلفة قلنا لان الاحكام العقلية كالعالمية والقادرية لا تتميز باعتبار ذاتها اذ لا حقيقة لها من نحو ذاتها وانما تتميز باعتبار المعانى الموجبة لها فلو عللنا العالمية بغير العلم لكان ذلك قلبا لجنسها وقلب الاجناس محال لا يقال لا يمتنع اشتراك المختلفات فى لازم واحد وذلك يوجب تعليل الواحد بالنوع بالعلل المختلفة كما تقدم من أن الحصة من اللونية الموجودة معللة بخصوصيات الالوان لانا نقول لا نمنع اشتراك المختلفات فى لازم واحد كما مثلتم وانما نمنع كون الاخص علة للحصة النوعية ولان الفصل قد يكون صفة كالباقى والصفة تفتقر فى وجودها الى وجود ذلك الاعم فكيف يكون علة فى وجوده قوله فى السؤال السادس لا نسلم أن الوجود مشترك بمعنى انه مقول بالتواطؤ فلما الدليل عليه انا نعلم بالضرورة انقسام الوجود الى واجب لذاته وممكن لذاته ومورد التقسيم لابد أن يكون مشتركا ومن زعم انه مقول بالاشتراك وان وجود كل شئ حقيقته والحقائق مختلفة فيكون مختلفا لا يصح لان وجود البارى معلوم لنا وماهيته غير معلومة لنا والمعلوم غير ماليس بمعلوم وأما من زعم انه بالتشكيك على الممكن والواجب وانه لواجب الوجود أولى وأولى فنقول كون الوجود لواجب الوجود أوليا وأولو يالا بخلو اما أن يتوقف معقول الوجود على هذا القيد أولا فان توقف وجوده عليه لزم التركيب فى وجود واجب الوجود وهو محال وان لم يتوقف على تلك الزيادة لزم التواطئ قوله لو كان متواطئا لكان جنسا قلنا لا نسلم لانه لو كان جنسا لتوقف فهم ماهية ما يقال عليه على فهمه لان الجنس ذاتى ولما أمكننا أن نعقل ماهية الجة واللار وان نطلب الدليل على انهما هل هما موجودتان معدتان أم لا علم أن وجودهما غير ماهيتمهما قوله فى السؤال السابع لم قلتم انه لا مشترك الا الوجود والحدوث ليلزم من ابطال التعليل بالحدوث التعليل بالوجود قلنا اذا تقرر أن الرؤية تعلقت بالمختلفات فنقول مابه الاشتراك من هذه المختلفات لا يخلو اما أن يكون نفيا أو اثباتا والنفى لا يصلح أن يكون مصححا للرؤية والا لصحت رؤية المعدوم ولامتنعت رؤية الموجود والاثبات اما أن يتقيد بالوجد أولا فان لم يتقيد كان حالا ويلزم أن لا يرى الموجود وان تقيد بالوجود فلا يخلو اما أن يتقيد بكونه صفة أو موصوفا لا جائز أن يتقيد @ بكونه صفة والا لما رؤى الموصوف ولا بكونه موصوفا والا لما رؤيت الصفة فتعين أن يكون موجودا معالقاثم لا يخلو اما أن يكون وجود المرئى أو غيره لا جائز أن يكون غيره لوجوب اختصاص العلم بمحل فتعين أن يكون انما رؤى لوجوده قوله فى السؤال الثامن وهو خرم الحصر بالامكان فانه أيضا مشترك وبالمركب والجوهر والعرض فنقول ماذكرناه من التقسيم جائز فان الامكان لا يخلوا ما أن يكون عدما أو ثبوتا لا يتقيد بالوجود أو يتقيد بالوجود فان كان عدما أو ثبوتا لا يتقيد بالوجود لزم ان لا يرى الموجود وان تقيدا بالوجود لزم التركيب فيها لزم نقض العلة العقلية وتخلف الحكم عن العلة وهو محال بيان اللزوم انه لو كان المجموه علة للثبوت لكان عدم كل واحدة من ذلك المجموع علة لعدم تلك العلية فان المجموع يكفى فى عدمه بعض اجزائه فان انعدمت بعدم أحد جزأيها ثم انعدم بعد ذلك الجزء الاخر فلا يخلو اما أن يوجب عدم ذلك الجزئ الثانى عدم العلية أولا فان لم يوجب عدمها لزم أن لا يكون عدم أحد الجزأين علة لعدم المركب وقد فرضناه علة هذا خلف واذا وجب عدمه كان تحصيلا للحاص وانه محال وبهذا يندفع ما ذكره من احتمال التعليل بالمركب من الجوهر والعرض ويبطل التعليل بموجودين بوجه اخر وهو أن العلة يقتضى خكمها لنفسها وجهة الاقتضاء وصف لها ويمتنع حصول الصفة الواحدة بموجودين قوله فى السؤال التاسع لا نسلم سقوط الحدوث عن درجة الاعتبار وان الحدوث هو الوجود المقيد بمسبوقية العدم والمسبوقية أمر يقارب الوجود وان ذلك كيفية وصفه للموجود قلنا الحدوث صفة اعتبارية لا حقيقية لانها لو كانت صفة حقيقية ثبوتية لامتنع القول بقدمها ولو كانت حادثة وحدوثها صفة ثابتة قائمة بها لزم قيام المعنى بالمعنى والتسلسل فتعين أن الحدوث لا يعقل الا بشركة من العدم والعدم لا يصح أن يكون علة ولا جزأ من العلة قوله فى السؤال العاشر انه كما يعتبر فى ثبوت الحكم ثبوت العلة ولابد أن تكون موجودة بشرطها وانتفاء مانعها فلم قلتم ان الامر ههنا كذلك بالنسبة الى القديم قلنا العلة يقتضى حكمها لنفسها أينما وجدت وما يقتضى لنفسه وذاته لا يتأخر مقتضاء عن تحقق ذاته فلو توقف اقتضاؤه على شرط وانتفاء مانع لكان ذلك الشرط والانتفاء جزأ من علة اقتضائه ويعود المحذور من تركيب العلة لا يقال فالعلم بقتضى كون محله عالما وهو مشروط بالحياة لان مقول الحياة شرط فى وجود العلم فى اقتضائه قوله فى السؤال الحادى عشر لم قلتم انه اذا كان مصححا فى الحكم يلزم أن يكون مصححا بالنسبة الى كل أحد حتى يلزم أن يصحح رؤيته لنا قلنا حكم العلة العقلية يجب طرده وقد حققنا انه مصحح بالنسبة أيضا فيما تعلقت به رؤيتنا وانه مشترك وقوله ان صحة خلق الجواهر معللة بامكانها ولا يصح بالنسبة الينا قلنا لا نسلم ثبوت حكم الخالقية لنا فى صورة ما ليلزم من تعين علتها أن يطرد فى صحة خلق الجواهر لنا فان قبل فيلزم منكم ذلك فى الكسب الذى أثبتموه فانكم وان نفيتم عن العبد الخالقية لم تنفوا عنه الكسب قلنا لانسلم ان تعلق أكسابنا ببعض الافعال كان بمعنى يوجد بالنسبة الى حدوث الجواهر ولا يتم النقض مالم تعينوا مشتركا وهو علة الكسب لنا وتحققوه فيما سلم امتناع تحقق الكسب فيه قوله فى السؤال الثانى عشر ماذكرتموه ينتقض ببقية الادراكات كالشم والذوق واللمس فان دليلكم مطرد فيه ولا يصح تعلقها به تعالى قلنا من مقدمات دليلنا ان الابصار تتعلق بالمختلفات بالجواهر والاعراض بالضرورة وهذة قضية مدركة بالحس ولا نسلم تعلق بقية الادراكات بالمختلفات فان كل ادراك منها يتعلق بنوع من الاعراض فلم يطرد الدليل وأجاب بعض الاصحاب بان هذه لا تنفك عن اتصالات جسمانية فيمتنع تعلقها به تعالى بخلاف الرؤية ولقائل أن يقول على هذا ان صح اثبات الرؤية بدون اشتراط بنية مخصوصة وانبعاث أشعة واتصالها بالمرئى وان المرئى فى غير جهة من الرائى وان جميع ذلك شروط @ فى العادة لا فى العقل فما المانع من تعلق هذة الادراكات بدون الاتصالات وان تلك الاتصالات شرط فى العادة لا فى العقل قوله فى السؤال الثالث عشر لو كان المصحح هو الوجود لم ندرك اختلاف الاشياء قلنا اذا شاهدنا وجود شئ أدركنا ذلك منه شيئا لادراك وجوده كما قالت البهشمية ان الرؤية تتعلق بأخص وصف الشئ ويتبعها العلم بوجوده مع حكمهم بان الحال لا يوصف بانها معلومة وان لم تكن معلومة فكيف يقضى بانها مدركة بالحس فان قالوا ما صرنا اليه أدخل فى العقول فان العلم بالاخص يستلزم العلم بالاعم والوجود أعم وما صرتم اليه غير لازم فى العقل وهو ان ادراك الاعم وهو الوجود يتبعه ادراك الاخص قلنا العلم بالاخص انما يستلزم العلم بالاعم الذاتى أما الاعم العارض فغير مستلزم له والوجود عندكم عارض على الماهيات فاتكم أثبتموها فى العدم عربه عن الوجود ثم زعمتم أن الوجود يعرض لها من الفاعل المختار فاذا لم يلزم من ادراك ماهية ما وتميزها على أصولكم ادراك كونها موجودة اما نحن فنعتقد أن وجود الماهية لا يفارقها بل متى ثبتا ثبتا معا ومتى انتفيا انتفيا معا واذا كان كذلك فلا مانع انه متى أدرك أحدهما ادرك الاخر ونحن لا ندعى ذلك لزوما عقليا بل بمجرد العادة وأقدح هذة الاسئلة منع أصل التعليل والنقض ببقية الادراكات فمن ثم اعتمد بعض الاصخاب فى الجواز على السمع وأنا أقول ان هذه الطريقة مبنية على مغالطة وهى انهم بنوا الامر فيها على أن الرؤية لابد لها من مصحح والمصحح هو مالا يثبت الشئ الا مع ثبوته كالحياة بالنسبة الى العلم والعلم بالنسبة الى الارادة ولا يلزم من وجود مصحح وجود ماهو مصحح له فاذا المصحح من قبيل الشروط لا من قبيل العلل وقد اعتمدوا فى تعيين الوجود على الزام العلل من امتناع التعليل بالعدم ووجوب تعليل المشترك بعلة مشتركة ووجوب الاطراد ومنع التركيب والشروط ليست كذلك فان الشئ الواحد يصح أن يكون مشروطا بأشياء ويصح أن يكون شرطا فى أشياء والشرط لا يؤثر فى المشروط فيصح أن يكون وجودا وعدما ثم قرر احتجاج أبى الحسن على جواز الرؤية بالسمع بقول الكليم عليه السلام بما تقدم ذكره وزاد قالوا انما سأل لقومه لا لنفسه لانه عالم بامتناعه عليه قلنا لو كان كذلك لكان ذلك تأخير اللبيان عن وقت الحاجة وانه لا يجوز ألا ترى انهم لما قالوا له اجعل لنا الها كما لهم ألهة عجل الجواب فقال انكم قوم تجهلون قالو سأل خلق علم ضرورى لما علمه بالنظر قلنا العلوم بعد حصولها كلها ضرورية فلا معنى لطلب تحصيل الحاصل ثم قرر هذا الدليل من وجه ثان ونسبه للفخر بانه علق رؤيته على استقرار الجبل على ما سبق بيانه وزاد ولا يرد عليه انه لا يلزم من كونه ممكنا فى نفس الامر أن يكون ممكنا مع تقدير التجلى فان الممكن فى نفسه قد يمتنع لغيره كيف وسياق الاية يدل على خلاف ماذكره فان المفهوم منه التنبيه على غاية البعد وهو كقوله حتى يلج الجمل فى سم الخياط ثم قال وأقرب من هذا كله ان الله تعالى أخبر أن الرؤية ستكون للمؤمنين فى الدار الاخرة وقولها حق ووعده صدق ولا يقع الا جائزا قكل ما يدل من السمع على انه سيقع يدل على جوازه صم قال وزعموا فى جواب موسى الكليم عليه السلام لن ترانى ان لن تقتضى النفى على التأيدد قلنا لن لا تدل الا على مجرد النفى فى الاستقبال ولا اشعار لها بالتأييد بدليل قوله تعالى فى عدم تمنى اليهود الموت ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيدهم وهو يتمنونه فى النار ولو سلم اشعارها بالتأييد فهو بحسب ما سأله الكليم وهو انما يسأل رؤية فى الدنيا فلا ينفى ذلك وقوع الرؤية فى الاخرة* (فصل) * قال النسفى فى شرح العمدة زعمت طائفة من مثبتى الرؤية باستحالة رؤيته تعالى فى المنام لان مايرى فى المنام خيال ومثال والله يتعالى عن ذلك ولان النوم حدث فلا يليق حالة الحدث بهذه الكرامة وجوزها بعض أصحابنا بلا كيفية وجهة ومقابلة وخيال ومثال كما عرفنا فى اليقظة تمسكا بما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم رأيت ربى فى المنام البارحة وتشبثا بالمحكى عن السلف فانه روى @ عن أبى يزيد انه قال رأيت ربى فى المنام فقلت كيف الطريق اليك فقال اترك نفسك وتعال ورأى أحمد بن خضرويه ربه فى المنام فقال يا أحمد كل الناس يطلبون منى الا أبا يزيد فانه يطالبنى وروى عن أحمد الزيات وأبى الفوارس شاه بن شجاع الكرمانى ومحمد بن على الترمذى والعلامة شمس الائمة الكردرى رحمهم الله انهم رأوه وقد حكى لى متعلم زاهد كان يختلف الى ببخارى انه رأه وقد رأيت فيها شاب متعبدا لا يختلط بالناس وكان يرى فى الليالى فسألت عن حاله فقالوا انه رأى ربه ولان ما جاز رؤيته فى ذات لا يختلف بين النوم واليقظة وذلك لان الرائى فى النوم هو الروح لا العين وذلك نوع مشاهدة يحصل فى النوم واذا جاز هذا فى اليقظة لقوله عليه الصلاة والسلام أعبد الله كأنك تراه فلان يجوز فى النوم والروح فى حالة النوم أصفى أولى والرائى فى النوم الروح وهو لا يوصف بالحدث قولهم ما يرى فى النوم خيال ومثال لا نسلم بانه منحصر فى ذلك وهذا الكلام منكم نظير قول المعتزلة ان ما يرى فى الشاهد جسم أو عرض أو جوهر والبارى منزه عن ذلك فلا يرى فكل ما أجبنا لهم ثم فهو جواب لكم * (فصل) * قال النسفى العدوم ليس بمرئى كما انه ليس بشئ وهاتان مسئلتان أما الاولى فقد جرت المناظرة فيها بين الامام الزاهد نور الدين الصابونى والشيخ رشيد الدين فقال الامام الطريق فيه النقل والعقل أما النقل فقد أفتى أئمة سمرقند وبخارى على انه غير مرئى وقد ذكر الامام الزاهد الصفار فى اخر كتاب التلخيص على أن المعدوم مستحيل الرؤية كذا المفسرون ذكروا فى التفاسير أن المعدوم لا يصلح أن يكون مرئى الله تعالى وكذا قول السلف من الاشعرية والماتريدية ان الوجود علة جواز الرؤية ناطق بهذا اذ العلة العقلية شرطها أن تكون مطردة معكسة وأما العقل فلان الشعر الاسود بياضه معدوم فى الحال لا يخلو اما أن يراه فى هذا الشعر أو فى شعر اخرأولا فى محل فان رأه فى هذا الشعر فقد راه أسود وأبيض فى حالة واحدة وهو محال وان راه لا فى محل فهو محال والمحال ليس بمرئى اجماعا وكذا فى الشخص الحى ان رأى موته فيه فقد راه حيا وميتا فى زمان واحد وان راه فى شخص اخر فيكون الموت صفة ذلك الشخص وان لافى محل فكما مر قال الشيخ فان كانت موجودة فى الازل على هذه الهيأت وكان الله رائيا لها فى الازل كما هو راء لها فى الحال قال الامام هذا قول بقدم العالم لانك صرحت بانها موجودة فى الازل وان قيدت بقولك فى علم الله وفيه تناقض لان المحدث لايكون موجودا فى الازل فانها لو كانت موجودة فى الازل لكان ايجاد البارى اياها ايجاد الموجود ولان المحدثات لو كانت موجودة فى علم الله تعالى لكان الله تعالى رائيا للموجود لا للمعدوم وهذا بمعزل عن الخلاف والخلاف انما وقع فى رؤية المعدوم قال الشيخ الرؤية صفة الله تعالى وهى كاملة غير قاصرة كسائر صفاته ولو لم يكن المعدون مرئيا له لتطرق القصور فى صفته وهو منزه عنه قال الامام نعمن لا قصور فى صفته لكن الواحد 7 تحت صفاته مالا يستحيل اضافته اليه لا مالا تسحتحيل فالقدرة صفة الله تعالى ثم ما يستحسل أن يكون مقدور الا يستقيم اضافة القدرة اليه كذات الله تعالى وصفاته والمستحيلات كالولد والصاحبة والجمع بين الضدين فكذا هنا رؤية كاملة ولكن المعدوم لما لم يصلح أن يكون مرئيا لا تستقيم اضافة رؤيته اليه قال الشيخ لما كان البارى قديما بصفاته كانت رؤيته قديمة فلو لم تكن المحدثات مرئية له فى الازل والخلق صفة قديمة له والمخلوق لم يكن فى الازل وحين أوجده صار مخلوقا له بعد ان لم يكن مخلوقا له فى حال العدم ولم يقع التغير فى صفة الخلق هكذا هنا المحدثات حين كانت معدومة لم تكن مرئية له لاستحالة رؤيته وحين وجدت صارت مرئية له ولا يقع التغير فى صنعته واعلم انا لانقول انه تعالى راء للعالم فى الازل ولا كنا نقول انه رأى فى الازل لانا لو قلنا بانه راء للعالم فى الازل لاقتضى وجود العالم فى الازل وهو محال وحين وجد العالم نقول بأنه خالق للعالم وهذا التغير وقع فى المضاف اليه لا فى المضاف قال الشيخ اذا جاز أن يكون العالم معلوما له فى الازل وان @ لم يكن موجودا فلم لا يجوز أن يكون مرئيا له فى الازل وان لم يكن موجودا قال الامام قياس الرؤية على العلم لا يستقيم لان العلم يتعلق بالمعدوم والموجود وأما الرؤية فلا تتعلق الا بالموجود فلما ال البحث الى هذا رجع الشيخ وقال ان المعدوم ليس بمرئى وهذة الاسئلة والاجوبة كانت بالفارسية فنقلتها بالعربية قلت وقد نقلت هذا السياق من الكتاب من نسخة سقيمة فليتأمل الناظر فيه ثم قال وأما المسئلة الثالثة فنقول ان المعدوم اذا كان ممتنع الوجود فقد اتفقوا على انه نفى محض وليس بشئ ولا بذات واما المعدوم الذى يجوز وجوده ويجوز عدمه فقال أصحابنا انه قبل الوجود نفى محض وليس بشئ ولا بذات وقول قول أبى الحسن البصرى من المعتزلة وقال جمهور المعتزلة انها ماهيات وحقائق وذوات حالتى وجودها وعدمها والحاصل انه لايمكن تقرر الماهيات منفكة عن صفة الوجود عندنا لان الماهيات لو كانت متقررة حال عدمها لكانت موجودة حال عدمها فيلزم كونها موجودة حال كونها معدومة وهو محال وهذا لان الماهيات لو كانت متحققة فى الخارج حال عرائها عن الوجود لكانت متشاركة فى كونها متحققة خارج الذهن أمرا مشتركا زائدا على خصوصياتها ولا معنى للوجود الا هذا التحقق فيلزم ان يكون حال عرائها عن الوجود كانت موصوفة بالوجود واحتجوا بأن المعدومات متميزة فى أنفسها وكل ما يتميز بعضه عن البعض فهى حقائق متعينة فى أنفسها ولا معنى لقولنا المعدوم شئ الا هذا وهذا لانا نعلم ان غدا تطلع الشمس من مشرقها لا من مغربها وهو ان الطلوعين معدومان فى الحال ونحن نعلم الأن امتياز كل واحد منهما عن الأخر وهذا يدل على وقوع الامتياز فى المعدومات والدليل على ان كل متميز ثابت متحقق لان المتميز هو الموصوف بصفة لاجلها امتاز عن الأخر ومالم تكن حقيقته متقررة امتنع كونها موصوفة وبالصفة الموجبة للامتياز والجواب ان ماذكرتم منقوض بالممتنعات فانا نقول شرك الاله محال والجمع بين الوجود والعدم ممتنع وحصول الجسم الواحد فى ان واحد فى مكانين محال وتميز بين كل واحد منهما مع ان هذه الممتنعات نفى محض وليست ذوات ولا حقائق وماهيات بالاتفاق ولان الوجود والثبوت مترادفان عند العقلاء فلو كانت ثابتة فى الازل لكانت موجودة فيه وهو محال وقوله تعالى ان زلزلة الساعة شئ عظيم عند وجودها وتمسكهم بقوله تعالى انما قولنا لشئ اذا أردناه أن نقول له كن فيكون وقوله ولا تقولن لشئ انى فاعل ذلك غدا الا أن يشاء الله حيث سمى ما سيكون أو سيفعله غدا شيئأ ليس بشئ لان هذا من قبيل اطلاق اسم الشئ باسم ما يؤل اليه على ان هذا يقتضى اطلاق الشئ على المعدوم ولا يقتضى كون المعدوم ذاتا وماهية وحقيقة وعرضا وحركة وأنتم قائلون بذلك كله وكأن ماذكرتم من النقوض مختلا والله اعلم (الاصل العاشر العلم بأن الله عز وجل واحد) ان قلت لما أخر المصنف لتوحيد مع انه المقصود الاهم الذى دعا اليه الانبياء عليهم الصلاة والسلام قلت لما كان التوحيد وهو اعتقاد الوحدانية فى الذات والصفات والافعال وكان ماتقدم من الوجود والقدم وسنر
Shafi 124
ما عقد عليه الاصول السابقة أوصاف للبارى سبحانه كل منها مت متعلقات التوحيد اقتضى ذلك تقديمها ليعلم ماتوحدت به ذاته تعالى من سائر الذوات من الازلية والابدية والتعالى عن الجسمية والجوهرية والعرضية فان قلت فلم لم يقدم التوحيد على الكلام فى الاستواء والرؤية قلت لان الكلام فى ذلك تتمة للكلام على نفى الجسمية ونحوها واعلم ان الوحدة تكلف بمعنى انتفاء قبول الانقسام وبمعنى انتفاء الشبيه والبارى تعالى واحد بكل من المعنيين أيضا أما الاول فلتعاليه عن الوصف بالكمية والتركب من الاجزاء والحد والمقدار وأما الثانى فحاصله انتفاء المشابه له تعالى بسائر الوجوه حتى يستحيل أن يوجد واجبات فأكثر وهذه الاستحالة هى التى اعتمد عليها هذا الاصل لاثباتها بالدليل وقوله (لا شريك له) الشريك فعيل من الشركة وهو كون الشئ بحيث يتحد مع غيره فى شئ موضوعا كان أو محمولا صفة أو موصوفا متعلقا أو اثرا ثم أكده بقوله (فرد) أى منفرد بصفات الجلال وصفات الاكرام (لا تدله) أى لا شبيه له ثم ان الوحدانية هى الصفة الخامسة من الصفات السلبية كما أشرنا اليه @ أولا وهى عبارة عن سلب التعدد فى الذات والصفات والافعال فوحدانية الذات تنفى التعدد المتصل بأن يكون ذاتا مركبة من جواهر واعراض والتعدد المنفصل بأن تكون ذات تماثل ذاته ووحدانية الصفات تنفى التعدد المتصل بأن تكون له قدرتان وارادتان وعلمان فأكثر الى أخرها والتعدد المنفصل بأن تكون صفة فى ذات تماثل صفاته الازلية ووحدانية الافعال تنفى أن يكون فعل أو اختراع أو ايجاد لغيره تعالى من الممكان واليه اشار بقوله (انفرد بالخلق والابداع واستبد) أى استقل (بالايجاد والاختراع) وقد تقدم ان الاختراه خاص بالله عز وجل والفعل يطلق على القديم والحادث الا أنه فى حق الله تعالى حقيقة لانه هو الذى اخترعه وأما فى حق الحادث فمجاز وانما هو عبارة عن مباشرتهم للاشياء وتحريكهم لها والايجاد والخلق أيضا خاصات بالله تعالى (لا مثل له يشابهه ويساويه) المثل هو ما يسد مسد الشئ وقد يقال للذى يشاركه فى الصفات النفسية وقد يقال هو الذى يشارك الشئ فيما يجب ويجوز ويستحيل (ولا ضدله) فى ملكه (فينازعه ويناويه) أى يعارضه والمناواة والمنازعة يكونان على سبيل المعاندة والمعاندة هى كون 7 الشئ بحيث يستلزم كل منهما نقيض لازم الاخر وقد يقال انه يفهم منه سياق المصنف ان الوحدانية عبارة عن مجموع أمورثلاثة نفى الكثرة فى ذاته ونفى النظير فى ذاته وصفاته وانفراده بالخلق والاختراع وفى عبارة بعض المتأخرين الوحدانية عدم الاثنينية فى الذات العلية والصفات والافعال وان شئت قلت هو نفى الكمية المتصلة والمنفصلة ونفى الشريك فى الافعال عموما فجعل الافعال مندرجة تحت العدم وجعل نفى الشريك فى الافعال عموما معطوفا على نفى الكمية المتصلة والمنفصلة فاقتضى انه ليس منهما فليتأمل واذا جعلنا الوحدانية مجموع تلك الامور لا أن كل واحد منهما تتحقق به الوحدانية فيقال ان اشتمال الوحدانية على تلك الثلاثة لا يصح أن يكون من اشتمال الكل على أجزائه ولا الكلى على جزئياته أما الاول فهو مناف لقول بعض المتأخرين بأن الوحدانية عدم الاثنينية فجعلها شيئا واحدا وهو العدم المضاف الى تلك الامور فتلك الامور ليست بأجزاء لها وأما الثانى فظاهر لعدم وجود ضابط تقسيم الكلى الى جزئياته من صدق اسم المقسم على كل من الاقسام فلا يصح هنا أن يقال نفى الكثرة عن الذات وحدانية الخ أشار لذلك الشهاب الغنيمى فى حاشية أم البراهين * (فصل) * قال السنوسى فى شرح الكبرى ما حاصله ان عقود التوحيد على ثلاثة أقسام الاول مالا يثبت الا بالدليل العقلى وهو كل مايتوقف ثبوت المعجزة عليه كوجوده تعالى وقدمه وبقائه وعمله وقدرته واراداته وحياته اذ لو استدل بالسمع على هذه العقود لزم الدور الثانى مالا يثبت الا بالسمع وهو كل ما يرجع الى وقوع جائز كالبعث وسؤال الملكين والصراط والميزان والثواب والعقاب ورؤيته سبحانه وغير ذلك لان غاية ما يدرك العقل من هذه الامور جوازها أما وقوعها فلا طريق له الا السمع الثالث ما يثبت بالامرين بحيث يستقل كل منهما بالدلالة وهو ما ليس بوقوع جائز لا يتوقع ثبوت المعجزة عليه كالسمع والبصر والكلام وكجواز الامور التى اخبر الشرع بوقوعها وكحدوث العالم وقد اختلف فى معرفة الوحدانية واختلف فى صحة الاستناد فيها الى السمع وحده فقيل نعم وقيل لا والاول رأى امام الحرمين والفخر الرازى والثانى رأى بعض المحققين واليه مال شرف الدين ابن التلمسانى وهو الذى اخترت فى هذة العقيدة اه قال الغنيمى فأنت ترى الشيخ قد مال الى عدم صحة الاستناد الى السمع وحده فى معرفة الوحدانية ليكن ينبغى ان يتيقظ ان هذا الخلاف هل هو جا فى وحدة الذات وفى وحدة الصفات وفى وحدة الافعال أو هو خاص ببعضها يحتاج الى تأمل وقال الجلال الدوانى اعلم أن التوحيد أما بحصر وجوب الوجود أو بحصر الخالقية أو بحصر المعبودية قال ولقد مرت الاشارة الى دليلة فى نفى المثل وقد يستدل عليه بأنه لو تعدد @ الواجب لكان مجموعهما ممكنا لاحتياجه الى كل واحد منهما فلابد له من علة فاعلية مستقلة وتلك العلقة لاتكون نفس المجموع ولا أحدهما ولا غيرهما أما الاول فلاستحالة كون الشئ فاعلا لنفسه وأما الثانى والثالث فلامتناع كون الواجب معلولا لغيره فتأمل والثانى اشير اليه فى الاية وقد قيل انه دليل اقناعى لجواز أن يتفقا فلا يلزم الفساد والثالث وهو حصر المعبودية وهو أن لا يشرك بعبادة ربه أحدا فقد دل عليه الدلائل السمعية وانعقد عليه اجماع الانبياء عليهم السلام وكلهم دعوا المكلفين أولا الى هذا التوحيد ونهوهم عن الاشراك بالله فى العبادة قال الله تعالى أتعبدون ما تنحتوت والله خلقكم وما تعلمون اه وبه تعلم تفصيل ما أجمل فى كلام الشيخ السنوسى انفا فى اعتماده على ما مال اليه ابن التلمسانى * (فصل) * وقعت لهم عبارات فى تفسير التوحيد ففى شرح الكبرى للسنوسى نقلا عن ابن التلمسانى التوحيد اعتقاد الوحدة لله تعالى والاقرار بها وفى شرح الوسطى حقيقة التوحيد اعتقاد عدم الشركة فى الالوهية وخواصها وفى بعض حواشى شرح العقائد النسفية مثل ذلك زاد وأراد بالالوهية وجوب الوجود والقدم الذى أوتى بمعنى عدم المسبوقية بالغير وبخواصها مثل تدبير العالم وخلق الاجسام واستحقاق العبادة والقدم الزمانى والقيام بنفسه وقال بعض المحققين حقيقته اثبات ذات غير مشبهة للذوات ولا معطلة عن الصفات فليس كذاته ذات ولا كصفته صفة وقال ذوالنون حقيقة التوحيد أن تعلم ان قدرة الله تعالى فى الاشياء بلا علاج وصنعه بلا مزاج وعلة كل شئ صنعه ولا علة لصنعه وقال بعضهم من ترك أربعا كمل توحيده وهى كيف ومتى وأين وكم فالأول سؤال عن الكينية وجوابه ليس كمثله شئ والثانى سؤال عن الزمان وجوابه ليس يتقيد بزمان والثالث سؤال عن المكان وجوابه ليس يتقيد بمكان والرابع سؤال عن العدد وجوابه هو الوحد الاحد ثم شرع المصنف فى الاستدلال على الوحدانية فقال (وبرهانه قوله تعالى لو كان فيهما الهة الا الله لفسدتا) وهل هذا البرهان اقناعى أو قطعى يأتى الخلاف فيه (وبيانه) أى البرهان وهو الاية أى بيان وجه دلالتهما (انه لو كانا اثنين) أى لو فرض وجود اثنين كل منهما متصف بصفات الالوهية التى منها الارادة وتمام القدرة (وأراد أحدهما أمرا فالثانى ان كان مضطرا الى مساعدته كان هذا الثانى مقصورا) قد قصرت قدرته (مقهورا عاجزا ولم يكن الها قادرا وان كان قادرا على مخالفته ومدافعته كان الثانى قويا قاهرا وكان الاول ضعيفا قاصرا ولم يكن الها قادرا) وفى بعض النسخ قاهرا ويسمى هذا البرهان عند القوم برهان التمانع وبقال له أيضا برهان التطارد وقد اختلفت عبارات القوم فى تقرير هذا البرهان بعبارات مختلفة فقال شيخ مشايخنا فى املائه على البخارى مانصه انه قد قام البرهان القاطع على وجوب عموم قدرته وارادته لجميع الممكان فلو قدر موجود له من القدرة على ايجاد ممكن ما مثل ماله تعالى لزم عند تعلق تينك القدرتين أن لا يوجد شئ من العالم بهما لما يلزم عليه من تحصيل الحاصل أو كون الاثر الواحد أثرين لان المسئلة مفروضة فيما لا ينقسم كالجوهر الفرد فلابد من عجزهما ان لم يوجد بهما ومن عجز أحدهما ان وجد بأحدهما دون الاخر ويلزم من عجز أحدهما عجز الاخر لانه مثله واذا لزم عجزهما فى هذا المكان لزم عجزهما فى سائر الممكنات اذ لا فرق وذلك يستلزم استحالة وجود الحوادث وهو محال لانه خلاف الحس والعيان واذا استبان وجوب عجزهما مع الاتفاق فمع الاختلاف أبين واليه الاشارة بالاية وقال ابن القشيرى فى التذكرة الشرقية الدليل على وحدانيته تعالى انه لو كان للعالم صانعات فصاعدا لم يخل اما أن يكونا قادرين فلو كانا قادرين على الكمال لجاز فى العقول تمانعهما بان يرد أحدهما بقاء الجسم فى حالة معينة ويريد الاخر فناءه فى تلك الحالة فاذا قدرا على تنفيذ ارادتيهما أدى ذلك الى المحال وهو أن يكون الجسم الواحد موجودا معدوما فى حالة واحدة وما أدى الى المحال فهو محال وان كانا عاجزين أو كان أحدهما عاجزا فالعاجز لا يصلح للالهية لان بينا ان الصانع قديم وعجز قديم محال لان العجز لا يكون الا عن فعل يعجز عنه ومالم يتصور الفعل لم يتصور @ العجز وتقديرالفعل فى الازل محال وان لم يكونا قادرين على الكمال فلنفرض الدليل فى أن يريد الاخر ضده ويذكر الدليل بأسره اه وقال امام الحرمين فى لمع الادلة الدليل على وحدانية الاله انا لو قدرنا الهين وفرضنا عرضين فان جوزنا ارداة أحدهما لاحد الضدين وارادة الثانى للثانى استحال نفوذ ارادتيهما واستحال أن لا تنفذ ارادتاهما جميعا لامتناع وجود الضدين والخلو منهما وان نفذت ارادة أحدهما كان الثانى مغلوبا مستمكرها وان لم يجز اختلافهما فى الارادة كان محالا اذ وجود أحدهما ووجود صفاته يستحيل أن يمنع الثانى من أن يريد ما يصح ارادته عند تقدير الانفراد والعاجز منحط عن رتبة الالهية وذلك مضمون الاية والمعنى لتناقضت أحكامهما من تقدير قادرين على الكمال وقال شارحه ابن التلمسانى ما نصه الوحدة عبارة عن سلب الكمية والكثرة والبارى تعالى واحد فى ذاته لا انقسام له وواحد فى صفاته لا نظير له وواحد فى الهيته وملكه وتدبيره لا شريك له ولا رب سواه ولا خالق غيره والغرض من هذا الفصل اقامة الدليل على استحالة موجودين يوصف كل واحد منهما بالالهية والاله هو العام القدرة العام الارادة العام العلم وسائر الصفات الذى ماشاء كان وما لم يشأ لم يكن فلو فرضنا الهين بهذا النعت وقدرنا فعلين متقابلين لا يمكن الجمع بينهما ولا الخلو عنهما كفرض جسم أراد أحدهما تحريكه والاخر تسكينه أو أراد أحدهما احياءه وأرادا الاخر اماتنه فلا يخلو اما أن ينفذ مرادهما معا أولا أو مراد أحدهما دون الاخر ولا مزيد فى العقل على هذه القسمة فان نفذ مرادهما لزم أن يكون الجسم ساكنا متحركا حيا ميتا فى حالة واحدة وذلك محال لانه جمع بين الضدين وان لم ينفذ مرادهما لزم الخلو عن المتقابلين ويلزم قصورهما معا ونقصهما لعدم نفوذ ارادتهما وان نفذ مراد أحدهما دون الاخر كان النافذ الارادة هو الاله الحق والثانى عاجز ناقص منحط عن رتبة الالهية ثم قال وهذه الدلالة هى التى أرشد اليها الكتاب العزيز بقوله لو كان فيهما الهة الا الله لفسدتا اه وقال النسفى فى شرح العمدة تقرير دلالة التمانع التى عول عليها جمهور المتكلمين هو انه ان فرض الهان قادران متماثلان فى صفات الالوهية يؤدى الى اجتماع الضدين أو عجز القادرين التماثلين أو عجز أحدهما والكل محال وما يؤدى الى المحال مخال وهذا لانا ان فرضنا الهين قادرين على جميع المقدورات فان أراد أحدهما أن يخلق فى شخص حياة والاخر أراد أن بخلق فيه موتا فان حصل مرادهما لزم الجمع بين الضدين وان تعطلت ارادتهما لم يحصل فى المحل لا هذا ولا ذاك ثبت عجز كل واحد عنهما لتعطل اردته وامتناع ما يريد اثباته بمنع صاحبه اياه اذ لولا ارادة صاحبه ضد مراده لحصل مراده ونفذت مشيئته وان نفذت ارادة أحدهما دون الاخر كان الذى تعطلت ارادته عاجزا والعاجز مستحيل أن يكون الها لان العجز من مراتب الحدوث وقال البكى فى شرح الحاجبية عدة الاشاعرة فى اثبات الواحدية من جهة العلق الدليل الموسوم بدلالة التمانع وحاصله أن يقال صانع العالم واحد بمعنى انه لا ثانى له فيلزم نفى الكم المنفصل عنه اما الواحد بالمعنى الاول فقد تقدم وأما الثانى فلان لو كان صانع العالم أكثر من واحد لزم أن لا يوجد شئ من العالم والتالى باطل بالضرورة فالمقدم مثله اما الملازمة فلانه على ذلك التقدير لو أراد أحد الالهة وجود شئ من العالم فاما أن يريد الاخر وجوده أم لا وعلى ذلك فاما أن يريد العدم أم لا يريد لا عدما ولا وجودا والتالى باطل بأقسامه فالمقدم مثله اما الملازمة فلضرورة الحصر وأما بطلان التالى فالقسم الاول وهو أن يريد الاخر الوجود فهو محال لما يؤدى اليه من اجتماع مؤثرين على أثر واحد ومقدور واحد بين قادرين ان نفذت ارادتهما والعجز والترجيح من غير مرجح ان نفذتارارادة أحدهما والعجز ومخالفة الواقع أو وقوع الممكن بنفسه ان لم تنفذ ارادة واحد منهما وأما القسم الثانى وهو أن يريد الاخر عدمه فهو محال أيضا لما يؤدى اليه @ من اجتماع النقيضين ان نفذتا معا أو ارتفاعهما ان لم تنفذا مع العجز والترجيح من غير مرجح ان نذت ارادة أحدهما وأما القسم الثالث وهو أن لا يريد الاخر وجودا ولا عدما فعدم اراداته لا يخلو اما أن يكون لاجل ارادة الاخر وهو محال لما يلزم من العجز وترجح أحد المثلين أولا لاجلها فارادته للوجود أو للعدم ممكنة الوقوع على ذلك التقدير وكل ممكن لا يلزم من فرض وقوعه محال فيفرض وقوع ارادته لاحدهما لكن ارادته محال على ذلك التقدير فيكون محالا وما استلزم المحال فهو محال فالاله الزائد على الاله الواحد محال وهو المطلوب اه قلت وهذا السياق الذى أورده فيه خلط برهان التمانع مع برهان التوارد والاية محمولة على كل منهما ولكن لم يشر الى برهان التوارد أحد الا الكستلى فى شرح العقائد النسفية ونص تحريره انه لو وجد الهان يلزم أن لا يوجد شئ من الممكان وبطلان التالى ظاهر اما الملازمة فلانه لو وجد ممكن فاما أن لا يستند اليهما معا فلا يكون واحد منهما الها أو الى كل منهما فيلزم مقدور بين قادرين أو الى أحدهما فيلزم الترجح بلا مرجح اذ صلاحته المبدئية مشتركة بين الممكان فاحتياج بعضها فى وجودها الى أحدهما دون الاخر ترجح بلا مرجح فان قلت هو محتاج الى مطلق المبدا وتأثير أحدهما بمجرد اختياره دون الاخر قلت حاجة خصوصية المعلول الى خصوصية العلة ضرورية وهذا البرهان يتمسك به فى شمول قدرته تعالى وفى كون أفعال العباد مخلوقة لله تعالى اه وقد ذكر الشيخ ابو اسحق الشيرازى فى عقيدته وابو الخير القزوينى فى مجمعه الحق والامام نورالدين الصابونىفى عمدته وابن فورك فى المدخل الاوسط بنحو مما تقدم من السياقات بأدنى مخالفة فى التعبير ولم أتقيد بايراد تلك النصوص اذ كان مالها الى ما سقت من عبارات المذكورين أولا* (فصل) * قال السعد فى شرح القاصد ان أريد بالفساد فى الاية عدم التكون فتقريره أن يقال لو تعدد الاله لم تتكون السماء والارض لان تكونهما اما بمجموع القدرتين أو بكل منهما أو بأحدهما والكل باطل أما الاول فلان من شأن الاله كمال القدرة وأما الثانى فلامتناع توارد العلتين المستقلتين وأما الثالث فلانه يلزم ترجح بلا مرجح وان أريد به الخروج عما هو عليه من النظام فتقريره انه لو تعدد الاله لكان بينهما التمانع والتغالب وتميز صنع كل منهما عن صنع الاخر بحكم اللزوم العادى فلم يحصل بين أجزاء العالم هذا الالتئام الذى باعتباره صار الكل بمنزلة شخص واحد ويختل الانتظام الذى بع بقاء الانواع وترتيب الاثار اه وقد اقتصر الخيالى فى حاشيته على العقائد على الجملة الاولى منها الى قوله بلا مرجح وقال ويرد عليه ان الترديد على تقدير التمانع الفرضى فحينئذ يرد منع اللازمة لان وجودهما لا يستلزم وقوع ذلك التقدير عقلا وأما على الاطلاق فحينئذ يمكن اختيار الاول وكمال القدرة فى نفسها لا ينافى تعلقها بحسب الارادة على وجه يكون للقدرة الاخرى مدخل كما فى أفعال العباد عند الاستاذ وكذا يمكن اختيار الثاث بان يريد أحدهما الوجود بقدرة الاخر أو يفوض بارادته تكوين الامور الى الاخر فلا استحالة فيه اه* (فصل) * قد أوسع الكلام فى أدلة التوحيد فيما رأيت الامام أبو منصور التميمى فى الاسماء والصفات فأورد فيه خمسة أدلة وشرط فى برهان التمانع شروطا لم أر من تعرض لها من المتكلمين ونحن نورد لك كلامه بتمامه ليكون تبصرة للناظر يستفيد منه ولغرابة هذا الكتاب ربما لايوجد فى أكثر البلاد فنقول قال فى بيان أدلة الموحدين على توحيد الصانع ومما يدل على ذلك انه اذا ثبت لنا حدوث العالم وثبت انه لابد له من محدث لاستحالة وجود فعل بلا فاعل كاستحالة وجود ضرب بلا ضارب ووجود نسخ وكتابة بلا ناسخ وكاتب كان اثبات محدث واحد لجميع الحوادث صحيحا وكانت الاعداد مازاد عليه متعارضة فلو جاز أن يكون للعالم صانعان لجاز أن يكون له ثلاثة صانعين ولجاز أربعة وأكثر منها لاالى نهاية ولا يلزمنا على هذا الدليل اذا أوجبنا صانعا واحدا ان نجيز أكثر منه @ لان الواحد أوجبه الدليل بوجود الصنع وظهور الحوادث والزيادة على الواحد لا يوجبها دليل لان الصنع لا يقتضى أكثر من صانع واحد ودليل اخر هو انه لو جاز أن يكون للعقلاء والجمادات وسائر الحوادث صانعات أو أكثر من صانع واحد لم يصل الواحد من العقلاء الى معرفة صانعه بعينه ليعبده بعينه ويشكره على انعامه عليه ولم يكن صانعه قادرا على تعريفه اياه وانه هو الذى صنعه دون غيره لان غيره قد يصنع مثل صنعه وفى هذا تعجيز الصانع عن تعريف مصنوعه العاقل ما يدل عليه والعاجز لا يكون الها صانعا ودليل ثالث لو كان للاجسام صانعان أو أكثر لم يخل أن يكون كل جزء من العالم فعلهما جميعا أو يكون بعض العالم فعل أحدهما وبعضه فعل الاخ ويستحيل حدوث كل واحد من فاعلين محدثين له لانه باختراع الشئ الا مع قدرة الاخر استحال صلاحهما مجموعتين لاختراعه لان ما يصلح للاختراع مع مالا يصلح للاختراع لا يقع بهما الاختراع لان ما استحال فى الاحاد لم يتغير بالاجتماع وما وجب فى الاحاد لم يتغير بالاجتماع وليس كالحجر يحمله الجماعة ولا يحمله كل واحد منهما ولا كجواز الكذب على الاحاد وانتفائه عن أهل التواتر لان هذا من باب الجواز فى الاحاد وما كان فى الاحاد على طرفى جواز جاز أن يتغير حكمه فى الاجتماه وما لزم فى الاحاد طريقة واحدة لم يتغير بالاجتماع والكثرة وان كان كل واحد من الصانعين فاعلا لبعض العالم دون بعض لم يخل من أن يكون فعل كل واحد منهما من جنس فعل الاخر أو خلافه فان اختلف فعلا هما مثل أن يكون أحدهما فاعلا للاجسام والاخر فاعلا للاعراض لم يجز اختصاص قدرة أحدهما بالاجسام دون الاعراض الا بمخصص يخصصها بها وهذا يقتضى حدوث قدرتهما والقدرة المحدثة لا تحدث فى ذات الاله القديم لان القديم لايجوز أن يكون محلا للحوادث وان كان فعل كل واحد منهما من جنس فعل الاخر وقدر كل واحد منهما على مثل قدر الاخر من الاجسام والاعراض لم يخل من أن يكون مقدور كل واحد منهما مقدور الاخر أو غيره وان كان من جنسه فان كان مقدورات كل واخد منهما هى بعينها مقدورات الاخر وهما مع ذلك يجوز أن يتفقا فى ارادة ايقاع مقدور واحد لوجب حدوثه منهما ويستحيل وقوع حدث من محدثين كما يستحيل وقوع حركة واحدة من متحركين فان كان مقدورات كل واحد منهما غير مقدورات الاخر مع كونهما من جنسها فهو محال لان كل شيئين من جنس واحد متماثلان يصح على كل واحد منهما مايصح على الاخر وهذا يقتضى اذا كان مقدر أحدهما بقدرته أن تتعلق قدرة الاخر أيضا به وان تتعلق قدرته بمقدور الاخر لانه ليس من جنس مقدوره المتعلق بقدرته واذا وجب هذا وال الامر الى اشتراكهما فى المقدورات كلها أدى الى ما أفسدناه من حدوث مقدورا واحد بقدرتين وليس ذلك كما نجيز وقوع كسب المكتسب بقدرته وحدوثه بقدرة الاله سبحانه لانا لم نقل انها مكتسبة بقدرتين بل قلنا ان حدوثه كان بقدرة واحدة وهى قدرة الاله واكتسابه بقدرة واحدة وهى قدرة المكتسب له وكان يصح حدوثه بقدرة اله غيره مكتسب لمكتسبه فبان الفرق بينهما ودليل رابع وهو انه لو كان للعالم صانعان وكان كل واحد منهما قادرا على احداث كل ما يحدثه الاخر فلا يخلو اذا أحدث أحدهما جسما أو عرضا أن يكون الاخر قادرا على احداثه كما قدر عليه قبل حدوث ذلك الحادث أو لا يكون قادرا عليه فان قدر عليه قدر على احداث ماهو موجود حادث وهذا محال وان خرج عن كونه قادرا عليه فصاحبه هو الذى منعه من ايجاد مقدوره وأخرجه عن القدرة عليه وهذا يوجب أن يكون ممنوعا والممنوع العاجز لا يكون الها صانعا ولا يلزم على هذا وجود المقدور الواحد لان الواحد لا يكون ممنوع نفسه وقد يكون ممنوع غيره كما لا يصح أن يريد خلاف مراد نفسه ويجوز أن يريد خلاف مراد غيره والتمانع انما يصح مع الاختلاف فى المراد ودليل خامس وهو انه لابد للصانع من أن يكون @ حيا قادرا عالما مريدا مختارا ومن نازع فى هذه الصفات للصانع بيننا الكلام معه عليها فاذا ثبت وصف الصانع بما ذكرناه قلنا لو كان للعالم صانعان وجب أن يكون كل واحد منهما حيا قادرا عالما مريدا مختارا والمختار ان يجوز اختلافهما فى الاختيار لان كل واحد منهما غير مجبر على موافقة الاخر فى اختياره فاذا صح هذا فلو أراد أحدهما خلاف مراد الاخر فى شئ لم يخل من أن يتم مرادهما أو لا يتم مرادهما أو يتم مراد أحدهما ولا يتم مراد الاخر ومحال تمام مراديهما لتضادهما وان لم يتم مرادهما فهما عاجزان وان تم مراد أحدهما ولم يتم مراد الاخر فان الذى لم يتم مراده عاجز ولا يكون العاجز الها ولا قديما وهذه الدلالة معروفة عند الموحدين بدلالة التمانع ولها شروط منها تفسير معنى التمانع وهو تفاعل من المنع وذلك أن يقصد كل واحد منهما أن يمنع صاحبه والشرط الثانى هو العلم بأن التمانع بين القادرين انما يقع فى مخالفة أحدهما صاحبه فى المراد بان يريد ما يكرهه صاحبه فيكون حينئذ من لم يتم مراده منهما ممنوعا عن ايقاع مراده وزعم بعض القدرية أن التمانع يقع فى الفعلين المقدورين لقادرين بان يفعل أحدهما مقدوره فى محل يمتنع به القادر الاخر عن ايقاع مقدوره فيه ويلزمهم على هذا الاصل أن يكون البارى سبحانه ممنوعا من فعل الكون فى محل قدرة غيره عندهم فيه حركة وهذا فاسد فما يؤدى اليه مثله والشرط الثالث أن الحيين القادرين المتصرفين بارادتين لا يستحيل منهما أن يريد أحدهما ما يكرهه الاخر لان الذى ينفى ارادة أحدهما ليس هو النافى لارادة الاخر لان الشيئين لا يتضادان فى محلين ولولا جواز اختلاف المريدين فى المراد لما صح التمانع بينهما والشرط الرابع ان التمانع بين القادرين لا يصح الا بعد أن يكون محل فعلهما واحدا فلولا ذلك لصح من أحدهما أن يوقع فى محل فعلا ويوقع الاخر خلافه فى محل اخر لان المتضادان لا يتضادان فى محلين كالسواد والبياض فى محلين والشرط الخامس العلم بان ارادة أحدهما يجب أن تكون بحيث لا يصح وجود ارادة الاخر منه اذ لو كان محل ارادتهما واحدا لوجب أن يصيرا معا مريدين بارادة واحدة ولما يختلفا حينئذ فى المراد لوجوب كون كل واحد مريدا لما يريده الاخر بارادته والشرط السادس العلم بان ارادة كل واحد منهما يجب أن تكون غير مراده لانه لو كانت الارادة من المراد لكان كلما أراد أحدهما شيأ حصل مراده فى حال كونه مريدا ولم يصر ممنوعا عن مراده بحال والشرط السابع العلم بان المتمانعين يجب أن يكون ارادة كل واحد منهما قبل مراده لان ارادته لو حصلت مع مراده لما صح منعه عن مراده لان الحى لا يكون ممنوعا من فعل ما قد وجد ولا يقع التمانع بين المتمانعين فى المراد ممنوعا عن اتمام مراده عاجزا عنه والعاجز لا يجوز أن يكون قديما والدليل على استحالة وجود قديم عاجز ان الفاعل القديم القادر قد وجب حصوله بدلالة الحوادث عليه فلو صح كون قديم عاجز معه وقد صح من أصلنا أن القادر يكون قادرا بقدرة والعاجز يكون عاجزا بعحز لوجب أن يكون اختصاص أحدهما بالقدرة والاخر بالعجز بعد استوائهما فى الوجود والقدم والحياة والقيام بالنفس وسائر الاوصاف التى استحقها لانفسها بمخصص خصهما أو خص أحدهما باحدى الصفتين وذلك يقتضى قيام معنى حادث بأحدهما وأن يكون محدث الحوادث محدثا عير قديم فهذا وجه بيان دلالة التمانع على التوحيد اه سياق الشيخ أبى المنصور التميمى وقال الشيخ نورالدين الصابونى البخارى فان قيل اذا علم أحدهما أن الاخر يريد الحياة فى جسم يوافقه فى ذلك ولا يخالفه بارادة الموت فيه خصوصا على أصلكم أن الارادة تلازم العلم قلنا هذه الموافقة بينهما لا يخلو اما أن تقع ضرورة أو اختياراان قلت ضرورة كان كل واحد منهما مضطرا الى موافقة صاحبه فيكونان عاجزين وان قلت اختيارا يمكن تقدير الاختلاف بينهما فيتوجه التقسيم وأما أن الارادة تلازم العلم فعندنا الارادة تلازم الفعل دون العلم بدليل ان ذات الله تعالى وصفاته معلوم له وليست بمراد له وكذا المعدوم الذى ليس بموجود @ تعلم اذا وجد كيف يوجد معلوم له وليس بمراد له اه قال النسفى فى شرح العمدة فان قيل هذه الاقسام انما تتفرع على وقوع المخالفة فى الالهين فلم لا يجوز فرض الهين متوافقين فى الارادة بحيث يمتنع وقوع المخالفة بينهما على انا نفرضهما حكميين عالمين بجميع المعلومات فلا يختلفان سلمنا انه يصح وقوع الموافقة بينهما لكن المحالات التى التزمتموها انما تلزم من وقوع المخالفة لا من صحة المخالفة فما لم تثبتوا ان هذه المخالفة تدخل فى الوجود ولا محالة لا يتم دليلكم قلت الموافقة بينهما ان كانت عن ضرورة فقد ثبت عجزهما واضطرارهما الى الموافقة وان كانت عن اختيار فيمكن تقدير الخلاف بينهما فيتوجه التقسيم ولانه لو انفرد هذا لصحت منه ارادة الحياة ولو انفرد ذلك لصحت منه ارادة الموت فعند اجتماعهما تنفى الصحتان لان كل واحد من الصحتين أزلى والازلى يمتنع زواله وقوله هذه المحالات انما تلزم من وقوع المخالفة لا من صحة المخالفة قلنا هنا مقدمة يقينية وهى ان كل ما كان ممكنا لا يلزم من فرض وقوعه محال ولو كانت المخالفة ممكنة لا يلزم من فرض وقوعها محال لكن المحال قد لزم من فرض وقوعها وعند هذا نقول لو فرضنا الهين لكانت المخالفة بينهما اما ان كانت ممكنة أو لم تكن والقسمان باطلان فبطل القول بوجود الهين واذا لم يتصور اثبات الصانعين للعالم كان الصانع واحدا ضرورة اه* (فصل) * رجع الى تحقيق سياق المصنف وبيان لهذه الحجة هل هى قطعية تفيد القطع أو اقناعية تفيد الاقناع للمسترشد وان لم يفد افاما للجاحد وصريح كلام السعد فى شرح العقائد النسفية انها اقناعية وفى اخره ما ينافيه كما سيأتى بيانه قال الكمال بن الهمام فى المسايرة وتلميذه ابن أبى شريف فى شرحه وقد جمعت بين عبارتهما بما حاصله وهذا الذى ذكره حجة الاسلام ابتداء لتقرير برهان التوحيد لا للزوم الفساد المذكور فى الاية وليس بيانا للاية وانما بيانها بيان لزوم الفساد على تقدير التعدد ولك أن تقول بل ماذكره الحجة بيان للاية وتقرير لدلالتها ببرهان التوحيد المعروف ببرهان التمانع بنائ على مافى الاية من الاشارة اليه وانما يكون ابتداء التقرير بالنظر الى عبارة الاية فان معناها لزوم الفساد بتقدير التعدد وتحقيق هذا المحل أن الكلام فى اثبات التوحيد اما أن يكون الملى أو مع غيره والملى هنا هو الذى اعتقد حقية ملة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فاما الملى فيلزمه القطع بوقوع فساد هذا النظام على تقدير تعدد الالهة اذ هو قاطع بان الله تعالى أخبر بوقوعه مع التعدد وما أخبر بوقوعه فهو واقع لا محالة لاستحالة الخلف فى خبره تعالى وأما غير الملى فيلزمه ذلك أيضا جبرا أى من جهة الجبر أى القهر له أو علما بتوجيه العادة والعلوم العادية يحصل بها القطع داخلة فى مسمى العلم المأخوذ فيه عدم احتمال النقيض ومثال العلوم العادية التى يحصل بها القطع كالعلم حال الغيبة عن جبل عهدناه حجر ابانه حجر الان لم ينقلب ذهبا مثلا ولدخول العلم العادى فى مسمى العلم أجيب عن اراد خروجه عن تعريف العلم بانه صفة توجب لمحلها تمييزا لا يحتمل متعلقه نقيض ذلك التميز فانه قد أورد على تعريفهم العلم بذلك انه غير منعكس لانه يخرج عنه العلوم العادية لاحتمالها النقيض لجواز خرق العادة مع ان العلم العادى داخل فى مسمى العلم ومعدود من أقسامه وتحريرالجواب ان احتمال النقيض فى العلم العادى بمعنى انه لو فرض العقل خلافه لم يكن ذلك فرض محال لان تلك الامور العادية ممكنة فى ذواتها والممكن لا يستلزم فى شئ من طرفيه محالا وذلك الاحتمال لهذا المعنى لا يوجب عدم الجزم المطابق للواقع بأن الواقع الان خلاف ذلك الممكن فرضه لان احتمال المنافى لهذا الجزم هو أن يكون متعلق التمييز محتملا لان يحكم فيه المميز بنقيضه فى الحال كما فى الظن أو فى المأل كما فى الجهل المركب والتقليد ومنشؤه ضعف ذلك التمييز اما لعدم الجزم أو المطابقة أو لعدم استناده الى موجب وهذا الاحتمال هو المراد فى التعريف لا الاحتمال بالمعنى الاول فاثبتوا فى العلم العادى ثبوت الجزم والمطابقة للواقع والموجب وأعنى بالموجب @ العادة القاضية التى لم يوجد قط خر مها وهى أحد أقسام الموجب فى قولهم فى تعريف العلم انه حكم الذهن الجازم المطابق للواقع لموجب اذ الموجب الذى يستند اليه الجزم اما حس أو عقل أو عادة وما ثبت فيه الجزم والمطابقة والموجب هو معنى العلم القطعى بأن الواقع كذا فيحصل الفساد على تقدير عدد الالهة لان العادة المستمرة التى لم يعهد قط اختلالها فى ملكين مقتدرين فى مدينة واحدة عدم الاقامة على موافقة كل الاخر فى كل جليل وحقير من الامور بل تأبى نفس كل منهما دوام الموافقة وطلب الانفراد بالمملكة والقهر للاخر فكيف بالالهين والحال ان الاله يوصف بأقصى غايات الكبر فكيف لا تطلب نفسه الانفراد بالملك والعلو على الاخر كما أخبر الله سبحانه بقوله ولعلا بعضهم على بعض هذا أمر اذا تؤمل لا يكاد لنفس يخطر نقيضه أصلا فضلا عن اخطار فرض النقيض مع الجزم بأن الواقع هو الطرف الاخر وعلى هذا التقدير هو علم قطعى لا تردد فيه بوجه من الوجوه وانما غلط من قال ان الاية حجة اقناعية من قبل انه اذا خطر بباله النقيض أعنى دوام اتفاقهما لم يجده مستحيلا فى العقل وينسى ماذكرناه من انه لم يؤخذ فى مفهوم العلم القطعى استحالة النقيض بل المأخوذ فيه مجرد الجزم الكائن عن موجب بأن الطرف الاخرالمقابل للنقيض هو الواقع وان كان نقيضه لم يستحل وقوعه وبهذا يظهر ان الاية حجة برهانية تحقيقية لا اقناعية قال ابن أبى شريف وقد صدر من الشيخ عبد اللطيف الكرمانى وهو من معاصرى السعد تشنيع بليغ على قول السعد فى شرحه على العقائد ان الاية حجة اقناعية والملازمة عادية أى لاعقلية والمعتبر فى البرهان الملازمة العقلية واستند هذا المعاصر فى تشنيعه الى أن صاحب التبصرة كفر أبا هاشم بقدحه فى دلالة الاية وما تقدم فى كلام شيخنا ابن الهمام يفيد منع كون الملازمة العادية غير معتبرة فى البرهان ووجهه ان المقصود من البرهان حصول العلم بالمدلول والملازمة العادية تحصله اه قلت وقال الخيالى فى حاشيته على السعد والتحقيق فى هذا المقام انه ان حمل الاية على نفى التعدد للصانع مطلقا فهى حجة اقناعية لكن الظاهر من الاية نفى تعدد الصانع المؤثر فى السماء والارض اذ ليس المراد التمكن فيهما فالحق حينئذ ان الملازمة قطعية اذ التوارد باطل فتأثيرهما اما على سبيل الاجماع أو التوزيع فيلزم انعدام الكل أو البعض عند عدم كون أحدهما صانعا لانه جزء علة أو علة تامة فيفسد العالم أى لا يوجد هذا المحسوس كلا ولا بعضا ويمكن أن توجه الملازمة بحيث تكون قطعية على الاطلاق وهو أن يقال لو تعدد الواجب لم يكن العالم ممكنا فضلا عن الوجود والا لأمكن التمانع المستلزم للمحال لان امكان التمانع لازم لمجموع الامرين من التعدد وامكان شئ من الاشياء فاذا فرض التعدد يلزم أن لا يمكن شئ من الاشياء حتى لا يمكن التمانع المستلزم للمحال اه * رجع لعبارة ابن أبى شريف قال واعلم ان العلامة المحقق الزاهد علاء الدين محمد بن محمد بن محمد البخارى الحنفى تلميذ المولى سعد الدين قد أجاب عن الاعتراض والتكفير بما رأيت أن أسوقه بلفظه لاشتماله على فوائد قال رحمه الله الافاضه فى الجواب على وجه يرشد الى الصواب تتوقف على ما أورده الامام حجة الاسلام رضى الله عنه بما حاصله ان الادلة على وجود الصانع وتوحيده تجرى مجرى الادوية التى يعالج بها مرضى القلب والطبيب ان لم يكن حاذقا مستعملا للادوية على قدر قوة الطبيعة وضعفها كان افساده أكثر من اصلاحه كذلك الارشاد بالادلة الى الهداية اذا لم يكن على قدر ادراك العقول كان الافساد للعقائد بالادلة أكثر من اصلاحها وحينئذ يجب أن لا يكون الارشاد لكل أحد على وتيرة واحدة فالمؤمن المصدق سماعا أو تقليدا لا ينبغى أن تحرك عقيدته بتحرير الادلة فان النبى صلى الله عليه وسلم لم يطالب العرب فى مخاطبته اياهم بأكثر من التصديق ولم يفرق بين أن يكون ذلك ايمان عقد تقليدى أو يقين برهانى والجافى الغليظ الضعيف العقل الجامد على التقليد المصر على الباطل لا ينفع معه الحجة والبرهان وانما ينفع معه السيف والسنان والشاكون الذين فيهم نوع ذكاء ولا تصل عقولهم الى فهم البرهان العقلى المفيد للقطع واليقين ينبغى أن يتكلف فى معالجتهم بما أمكن من @ الكلام المقنع المقبول عندهم لا بالدلالة اليقينية البرهانية لقصور عقولهم عن ادراكها لان الاهتداء بنور العقل المجرد عن الامور العادية لا يخص الله تعالى به الا الاحاد من عباده والغالب على الخلق القصور والجهل فهم لقصورهم لا يدركون براهين العقول كما لا تدرك نور الشمس أبصار الخفافيش بل تضرهم الادلهة القطعية البرهانية كما تضر رياح الورد بالجهل وأما الفطن الذى لا يقنعه الكلام الخطابى فتجب المحاجة معه بالدليل القطعى البرهانى اذا تمهد هذا فنقول لا يخفى أن التكليف بالتصديق بوجود الصانع وبتوحيده يشمل الكافة من العامة والخاصة وان النبى صلى الله عليه وسلم مأمور بالدعوة للناس أجمعين وبالمحاجة مع المشركين الذين عامتهم عن ادراك الادلة القطعية البرهانية قاصرون ولا يجدى معهم الا الادلة الخطابية على الامور العادية والمقبولة التى ألفوها وحسبوا انها قطعية وان القرأن العظيم مشتمل على الادلة العقلية القطعية البرهانية التى لا يعقلها الا العالمون وقليل ماهم بطريق الاشارة مابينه الامام الرازى فى عدة ايات القرأن وعلى الادلة الخطابية النافعة مع العامة لوصول عقولهم الى ادراكها بطريق العبارة تكميلا للحجة على الخاصة والعامة على ما يشير لذلك قوله ولا رطب ولا يابس الا فى كتاب مبين وقد اشتمل عليهما واشارة قوله تعالى لو كان فيهما الهة الاية اما الدليل الخطابى المدلول عليه بطريق العبارة فهو لزوم فساد السموات والارض لخروجهما عن النظام المحسوس عند تعدد الالهة ولا يخفى ان لزوم فسادهما انما يكون على تقدير لزوم الاختلاف ومن البين ان الاختلاف ليس بلازم قطعا لا مكان الاتفاق فلزوم الفساد لزوم عادى وقد أشار اليه الامام الرازى حيث قال أجرى الله تعالى الممكن مجرى الواقع بناء على الظاهر ولا يخفى على ذوى العقول السليمة ان مالا يكون فى نفس الامر لازما وقطعيا لا يصير بجعل الجاعل وتسميته اياه برهانا زعما ان تسميته قطعيا وبرهانا صلابة فى الدين ونصرة للاسلام والمسلمين هيهات هيهات فان ذلك مدرجة لطعن الطاعنين ونصرة الدين لا تحتاج الى ادعاء ماليس بقطعى قطعيا لاشتمال القرأن على الادلة القطعية التى لا يعقلها الا العالمون بطريق الاشارة النافعة للخاصة وعلى الادلة الخطابية النافعة للعامة بطريق العبارة وأما البرهان القطعى المدلول عليه بطريق الاشارة فهو برهان التمانع القطعى باجماع المتكلمين المستلزم لكون مقدور بين قادين ولعجزهما أو عجز أحدهما على مابين فى علم الكلام وكلاهما محالان لان عقلا كما بين فيه أيضا لا التمانع الذى تدل عليه الاية بطريق العبارة بل التمانع قد يكون برهانيا وقد يكون خطابيا ولا ينبغى أن يتوهم ان كل تمانع عند المتكلمين برهان وقطعية لزوم الفساد المدلول عليه بالاشارة تنافى خطابية لزوم الفساد المدلول عليه بالعبارة لان الفساد المدلول عليه بالاشارة هو كون مقدور بين قادرين وعجز الالهين المفروضين أو عجز أحدهما والفساد المدلول عليه بالعبارة هو خروج السموات والارض عن النظام المحسوس فأين أحدهما من الاخر وحينئذ لا ينبغى أن يتوهم انه يلزم من انتفاء جواز الاتفاق على تقدير الفساد المدلول عليه بطريق الاشارة بناء على انه يستلزم امتناع تعدد الالهة عقلا فيلزم منه انتفاء جواز الاتفاق لانه فرع امكان التعدد 7 انتفاء جواز الاتفاق على طريق الفساد المدلول عليه بطريق العبارة لعدم استلزامه امتناع التعدد عقلا وانما يستلزمه عادة والاستلزام العادى لا ينافى عدم الاستلزام العقلى فليتامل ثم ذكر بقية الجواب وضمنه التعجب من تكفير صاحب التبصرة لمن قال ان دلالة الاية ظنية ونحو ذلك قال ابن أبى شريف ولا يخفى بعد معرفة ما قررناه من كلام شيخنا وجه رد قول هذا المجيب انت الاية دليل خطابى أى ظنى ثم قال واعلم أنه قد وقع للسعد أواخر شرح العقائد ما ينافى بظاهره كلامه فى أوائله ويوافق كلام شيخنا فانه قال فى الكلام على المعجزة ما نصه وعند ظهور المعجزة يحصل الجزم بصدقه بطريق جرى العادى بأن الله تعالى يخلق العلم بالصدق عقيب ظهور المعجزة الى اخر كلامه وهو مبسوط واضح والله ولى الهداية والتوفيق* (فصل) * قد تقدم أنفا ان هذا المطلب مما يصح فيه التمسك بالسمع وأدلته من السمع كثيرة منها @ الاية التى سبقت ومنها قوله تعالى وقال الله لا تتخذوا الهين اثنين انما هو اله واحد وقوله تعالى قل هو الله أحد ولاعتناء الحق به أكده خبرا بقوله والهكم اله واحد وشهادة بقوله يقول شهد الله أنه لا اله الا هو وقسما عليه بقوله والصفات صفا الى قوله ان الهكم لواحد وتكررت أى التهليل فى القرأن فى ست وثلاثين موضعا منه وهى متمسك المحدث ويزيد بأن الانبياء والرسل عليهم السلام انما بعثوا من أجل التوحيد ويستدل على ذلك بأحاديث وأما الصوفى فيقول بما تقدم ويزيد اشارة بأن الكمال المطلق واحد اذ لو كان متعددا لما كان مطلقا بل كان مقيدا ولو بنفى ما يدخل تحت العدد معه عنه والاله لا يكون الا كاملا بالكمال المطلق والكمال المطلق لا يتعدد فالاله لا يتعدد ويقول أيضا الاله لو كان متعددا لكان العدد ذاتيا له اذ لو لم يكن ذاتيا لكان لغيره ولو كان لغيره لاحتاج فى تعدده الى الغير ولاشئ من المحتاج باله وباطل أن يكون التعدد ذاتيا له والا كان موقوفا على مايتعدد معه من ذاته وما يتعدد معه غيره فيكون موقوفا على غيره من ذاته وكل ماهو موقوف على غيره من ذاته فهو ناقص لذاته وأيضا كمال كل موجود فى العالم بحصول حقيقة نوعه على التمام كالانسان مثلا وحقيقة كل نوع على التمام واحدة وانما التعدد فى الاشخاص ثم كل شخص وجوده بحصول شخصه وشخصه واحد فاذا لكل شئ وحدة بشخصه دائما أو وقتا ماهو بها اما نوعا أو شخصا وكل مازاد على وحدته التى هو بها واحد فهو وحدة لغيره فاذا جميع الموجودات كلها وحدات وهى كلها اثر للالع فالاله واحد ومن هنا قيل وفى كل شئ له اية تدل على انه واحد فقد ثبت ان صانع العالم واحد واذا كان واحدا فهو لا مثل له يماثله فى حقيقة ذاته ولا فى حقائق صفاته لا من عير الممكان والا لما كان واحدا ولا واجب الوجود لما يلزم من التركيب على ذلك التقدير ولا من الممكان والا لكان ممكنا ضرورة ان يماثل الممكن ممكن لان المثلين هما المشتركات فى صفات وذلك كله محال وهو أحد المطالب الاعتقادية وهو متحصل ما تقدم فى الصفات التنزيهية فاعرف ذلك والله أعلم * (تنبيه) * ثبت مما تقدم ان الاله هو الذى لا يمانعه شئ وان نسبة الاشياء اليه على السوية وبهذا يبطل قول المجوس وكل من أثبت مؤثرا غير الله من علة أوطبع أوملك أوانس أوجن اذ دلالة التمانع تجرى فى الجميع ولذلك لم يتوقف علماء ماوراء النهر فى تكفير المعتزلة حيث جعلوا التأثير للانسان ولم يتوقف علماء ماوراء النهر فى تكفير من اعتقد تأثير النجوم أوطبيعة أوملك أوغير ذلك والله أعلم * (تكميل) * قال فى مقاصد الرحمة صفات الله تعالى على أربعة أقسام اما سلوية محضة أواضافة محضة أو حقيقة عارية عن الاضافة 7 فمثال السلوب كونه لبس بجوهر ولا عرض ولا جسم ولا متحيزونحو ذلك ومثال الاضافة كونه أولا واخرا وظاهرا وباطنا ومثال الحقيقة العارية من الاضافة الوجود والحياة ومثال الحقيقة التى تلزمها الاضافة العلم والقدرة والارادة ثم هذة الصفات السلبية قد عدها الشيخ السنوسى وغيره خمسة القدم والبقاء ومخالفته تعالى للحوادث وقيامه بنفسه والوحدانية وحقيقة السلب نفى أمر لا يليق بالبارى تعالى وهذا هو الصحيح المعقول المنقول وقال بعضهم السلبية منسوبة الى السلب على معنى ان السلب داخل فى مفهوهما من غير أن يكون هناك اداة سلب ويشهدل له قول السنوسى يعنى ان مدلول كل واحد منها عدم أمر لا يليق بمولانا تعالى وهذا هو المفهوم من كلام السعد وغيره وفى حاشية سيدى عبد القادر بن خدة الراشدى مانصه قوله سلبية أى مدلول كل واحدة سلبت أمرا لا يليق بالبارى تعالى ولم يقل سالة لان السالب أعم من السلبى فكل سلبى سالب وليس كل سالب سلبا فبعض السالب سلبى كالمسلوب وبعض السالب ليس بسلبى كالمعانى مثلا والفرق بينهما ان السلبى هو الامر الذى يدل على سلب ما ينافيه مطابقة كالقدم مثلا فانه يدل على نفى العدم السابق الذى هو معنى الحدوث مطابقة فكذا سائر المسلوبات وان دل على سلب منا فيه بالالتزام فهو السالب وليس كلفظ القدرة يدل على صفة يتأتى بها ايجاد @ كل ممكن واعدامه بالمطابقة ويدل على سلب العجز عنه بالالتزام الحاصل هو الذى يفسر بالسلب اه قال الشهاب الغنيمى بعد ان نقل هذة العبارة ولم أر هذا التفصيل والتفرقة بين السلبى والسالب على هذا الوجه الا فى كلام هذا الامام قلت وهو غريب ولا يخلو عن تكلف والاحسن ماتقدم تفسيره فى كلام السنوسى وغيره اذ لا محيد عنه وهذا ماوقع الاختيار عليه فى شرح المباحث المتعلقة بالركن الاول ثم شرع المصنف رحمه الله تعالى فى بيان الركن الثانى فقال * (الركن الثانى) * أى من الاركان الاربعة (العلم بصفات الله تعالى) اعلم أن صفات الله تعالى منها ما هو جار على الذات بحيث يحمل عليها كالحى والقادر والعالم والمريد والمتكلم والسميع والبصير وغير ذلك وبعضهم يسميها أحكاما ومنها ماهو ليس بجار ولا محمول على الذات بل هو قائم به قيام الاختصاص كالحياة والعلم والقدرة والارادة والكلام وغير ذلك واختلفت الاشاعرة فى اثبات الحال فمن نفاها منهم وهم الاكثر فمعنى القادر مثلا عندهم هو الذات من حيث قيام القدرة به فهو اسم للذات باعتبار المعنى القائم بها فليس عند هؤلاء الا الذات والقدرة القائمة به فتارة يعبر عن الذات بما لا يشعر بالصفة كما يعبر بأسماء الذات كالله وتارة يعبرعن تلك المعانى بما يشعر بها فقط لا بالذات كما يقال القدرة مثلا معبرا عن الصفة الخاصة وتارة يعبر بما يشعر بهما معا وان المدلول من ذلك هو الذات باعتبار قيام المعنى به وهذا المتبادر من التعبير ونقل عن الشيخ ان المدلول من قولنا القادر والعالم مثلا هو نفس الصفة التى هى القدرة والعلم من حيث قيامهما بالذات وعلى هذا جرى فى أسماء الصفات حيث قال لاهى عين المسمى ولا هى غيره وأما من أثبت الحال فيقول ان هتاك ثلاثة أمور الذات والمعنى القائم به والحال وهو كون الذات قادرة والاولان موجودان والحال ثابتة وليس بموجودة ولا معدومة وبالجملة فمن نفى الاحوال ينظر فى الصفات الجارية على الذات وفى الصفات القائمة فى تعلقها ومن أثبت ينظر فى ذلك ويزيد بالنظر فى اثبات الحال وفى تعبير المتأخرين بعد ذكر الصفات السلبية ذكر صفات المعانى وهى سبعة القدرة والارادة والعلم والحياة والسمع والبصر والكلام ويقال لها أيضا صفات الذات وصفات الاكرام وصفات الثبوت وتقديم صفات السلب عليها من تقديم التخلية على التخلية كما فى تقديم النفى على الاثبات فى لااله الا الله وتقديم المعانى على المعنوية لتوقفها عليها اشتقاقا وتحققا اذ العالم مثلا المأخوذ من كونه عالما مشتق من العلم وثبوته للذات فرع ثبوته لها وقيامه بها وبعضهم قدم المعنوية للاتفاق عليها ولانها دلائل على صفات المعانى وانما سميت فى الاصطلاح صفات المعانى لانها صفات موجودة فى نفسها سواء كانت حادثة كبياض الجرم مثلا وسواده أو قديمة كعلمه تعالى وقدرته فكل صفة موجودة فى نفسها تسمى صفة معنى لانها معان زائدة على معنى الذات العلية وهذا فى اصطلاح المتأخرين وأما المتقدمون كالمصنف وغيره فلا فرق عندهم بين المعانى والمعنوية ويطلقون ثفات المعانى عليهما معا لا مايسميه غيرهم صفات معنوية هو عندهم عبارة عن قيام المعانى بالذات فمعنى كونه عالما قيام العلم بالذات وان كانت الصفة غير موجودة فى نفسها فان كانت واجبة للذات مادامت علتها قائمة بالذات سميت صفة معنوية أو حالا معنوية ومثالها كون الذات عالمة أو قادرة مثلا
Shafi 135
(ومداره على عشرة أصول الاصل الاول العلم بان الله صانع العالم قادر) أى ذو قدرة وهى عبارة عن المعنى الذى به يوجد الشئ مقدرا بتقدير الارادة والعلم واقعا على وفقهما فالقادر هو الذى ان شاء فعل وان لم يشأ لم يفعل وليس من شرطه ان يشاء لا محالة فان الله تعالى قادر على اقامة القيامة الان فانه لو شاء أقامها وان كان لا يقيمها فانه لم يشاءها ولا يشاؤها لما جرى فى سابق عمله من تقدير أجلها ووقتها وذلك لا يقدح فى القدرة والقادر@ المطلق هو الذى يخترع كل موجود اختراعا ينفرد به ويستغنى فيه عن معاونة غيره هو الله سبحانه وتعالى قال المصنف فى القصد الاسنى (وانه تعالى فى قوله) الكريم فى كتابه العزيز (وهو على كل شئ قدير صادق) قال أبو منصور التميمى قد وردت السنة بذكر القادر والمقتدر فى أسماء الله تعالى وجاء القران بهذين الاسمين وبالقدير أيضا والقدير أبلغ من القادر والمقتدر أبلغ من القادر وللقادر معنيان يكون بمعنى القدير من القدرة على كل شئ وذلك صفة لله عز وجل وحده من دون غيره وانما يوصف القادر منا بالقدرةعلى بعض المقدورات دون بعض الوجه الثانى ان يكون بمعنى المقدور ويقال قدر بالتخفيف وقدر بالتشديد وجائز فى كلام العرب ان يقال قدر واقتدر بمعنى واحد مثل جذب واجتذب ثم أقام المصنف الدليل على ذلك فقال (لان العالم محكم فى صنعته احكاما عجيبا مرتب فى خلقته) ترتيبا غريبا (ومن رأى ثوبا من ديباج) قال صاحب المصباح هو ثوب سداء ولحمته ابريسم ويقال هو معرب (حسن النسج والتأليف متناسب التطريز والتطريف) يقال طرز الثوب تطريزا اذا جعل له طرازا وهو العلم فى الثوب والتطريف بمعناه يقال ثوب مطرف اذا كان من خزله أعلام وقد طرفه وأطرفه بمعنى (ثم توهم) أى ظن (صدور نسجه) وتأليفه (عن ميت لا استطاعة له أو عن انسان لا قدرة له) قال الراغب الاستطاعة وجود مايصير به الفعل ممكنا وعند المحققين اسم للمعانى التى يتمكن المرء بها مما يريده من احداث فعل والاستطاعة أخص من القدرة (كان منخلعا عن غريزة العقل) كانه عدمها (ومنخرطا فى سلك أهل الغباوة والجهل) فىة كتاب محجة الحق لابى الخير القزوينى مانصه أما الاصل الاول فى معرفة كون البارى تعالى عالما قادرا والدليل عليه صدور الافعال المحكمة المتقنة عنه مثل خلق السموات والارض وغيرها من الصنائع والبدائع فى عجائب التركيب والترتيب ويدل ذلك قطعا على كون صانعها عالما بها قادرا عليها فان من يرى خطا منظوما أو ديباجا منسوجا وبجوز صدوره من جاهل به عاجز عنه يكون عن حيز العقل والقدرة معا فى أصل واحد قال البكى فى شرح الحاجبية اعلم ان القادر عند أهل السنة هو المتمكن من الفعل والترك بحسب الداعى الذى هو الارادة وان شئت تقول هو الذى ان شاء فعل وان شاء لم يفعل وتقول هو الفاعل على مقتضى العلم والارادة وأهل النظر العقلى من أهل السنة يقولون ان كل ماتتوقف دلالة السمع عليه لايكفى فيه السمع فأقوى دليل لهم على انه تعالى قادر بذلك التفسير ان يقال قد ثبت حدوث العالم كما مر فصانعه لو لم يكن قادرا للزم تخلف المعلوم عن علته وهو محال أما الملازمة فلان صانع العالم قديم فلو لم يكن على ذلك التقدير قادرا فكان موجبا بالذات لزم التخلف المذكور وأيضا لو كان موجبا لزم من ارتفاع العالم ارتفاعه لان ارتفاع الملزوم من لوازم ارتفاع اللازم لكن ارتفاع الواجب محال
Shafi 136
* (فصل) * والمحدث يقول قال الله تعالى قل هو القادر وهو على كل شئ قدير وأما الصوفى فيقول كيف لايكون قادرا وهو قد أقدر العباد على طاعته وجعل ذلك صفة كمال فيهم وهو أولى بالكمال بل هو منفرد به فلا قادر فى التحقيق الا هو اذ لا فاعل الا هو وأيضا فانا اذا نظرنا فى أنفسنا واستقرينا من أحوالنا وجدناما يبدو فى ذواتنا من الافعال على قسمين منهما مايكون مصحوبا باعتبارنا كزيادة مقدار أجسامنا طولا وعرضا وما كان من هذا القبيل فهو يقف عند امر خاص ولا يمرالى غير نهاية فنسبة وقوفه عند ذلك الحد كنسبة وقوفنا فى المتحرك فيه ووقوفنا فيما يتحرك فيه فعل اختيارى ووقوف أجسامنا عند حدها فعل اختيارى وكل اختيارى لايكون عن موجب ولا عن طبع ومالا يكون عن موجب ولا عن طبع فهو عن قادر فالفاعل لذواتنيا قادر ولا يكون ذلك الفاعل الا الله اذ ماسواه مثلنا والكلام فيه كالكلام فينا (الاصل الثانى العلم بانه تعالى عالم بجميع الموجودات) وعلمه محيط بجميع المعلومات على التفصيل @ (فلا يعزب) أى لا يغيب (عن عمله) الازلى الواجب (مثقال ذرة فى الارض ولا فى السماء صادق فى قوله) جل وعلا (وهو بكل شئ عليم) ظاهره وباطنه دقيقه وجليله أوله واخره عاقبته وخاتمته وهذا من حيث الكشف على أتم ما يمكن فيه بحيث لا يتصورمشاهدة وكشف أظهر منه ولايكون مستفادا من المعلومات بل تكون المعلومات مستفادة منه (ومرشد الى صدقه بقوله تعالى الا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) قال المصنف من يعلم دقائق المصالح وغوامضها ومادق منها ومالطف ثم يسلك فى ايصالها الى المستصلح على سبيل الرفق دون العنف فاذا اجتمع الرفق فى الفعل واللطف والادراك تم معنى اللطف ولا يتصور وكمال ذلك فى العلم والفاعل الا لله تعالى فأما احاطته بالدقائق والخفايا فلا يمكن تفصيل ذلك بل الخفى عنده كالجلى من غير فرق وأما رفقه فى الافعال ولطفه فيها فلا يدخل أيضا تحت الحصر اذ لا يعرف اللطف فى فعله الا من عرف تفاصيل أفعاله وعرف دقائق اللطف فيها وبقدر اتساع المعرفة فيها تتسع بمعنى اسم اللطيف وأما الخبير فهو الذى لا تعزب عنه الاخبار الباطنة فلا يجرى فى الملك والملكوت شئ ولاتتحرك ذرة ولاتسكن ولاتضطرب نفس ولاتطمئن الا ويكون عنده خبرها وهو بمعنى العليم الا ان العلم اذا أضيف الى الخفايا الباطنة سمى خبرة وسمى صاحبها خبيرا (أرشدك على الاستدلال بالخلق) الذى هو الايجاد على وفق التقدير (على العلم) الذى هو الاحاطة بكل شئ على ماهو علمه دون سبق خفاء محصول الاشياء عنده بلا انتزاع صورة ولا انفعال ولا انصاف بكيفية (لانك لا تستريب) أى لا تشك (فى دلالة الخلق اللطيف) والايجاد المنيف (والصنع المزين) بالترتيب الغريب (واوفى الشئ الحقير اللطيف على علم الصانع) جل وعلا (بكيفية الترتيب والترصيف) ولما كان برهانه عين برهان الاصل الاول ذكرهما أبو الخير القزوينى فى محجة الحق وغيره من الائمة فى أصل واحد كما أشرنا اليه (فما ذكره الله سبحانه هو المنتهى فى الهداية و) عليه المعول فى (التعريف) قال المصنف فى المقصد الاسنى للعبد حظ من وصف العلم ولكن يفارق علمه علم الله عز وجل فى خواص ثلاث احداها المعلومات فى كثرتها فان معلومات العبد وان اتسعت فهى محصورة فى قلبه فانى تناسب مالا نهاية له والثانية ان كشفت أو ان المفتح فلا يبلغ الغاية التى لا ممكن وراءها بل كالبصر الظاهر وفرق بين مايتضح وقت الاسفار وبين مايتضح أول صحوة النهار والثالثة أن علم الله تعالى بالاشياء غير مستفاد من الاشياء بل الاشياء مستفادة منه وعلم العبد بالاشياء تابع الاشياء وحاصل بها وشرف العبد من سبب العلم من حيث انه من صفات الله تعالى ولكن اعلم الاشرف مامعلومه اشرف وأشرف المعلومات هو الله تعالى فلذلك كانت معرفته أفضل المعارف بل معرفة سائر الاشياء انما تشرف لانها معرفة لافعال الله تعالى أو معرفة للطريق الذى يقرب العبد من الله تعالى فلا نظر اذا الا فى الله تعالى اه وأما المحدث فيستدل بقوله تعالى قل اللهم فاطر السموات والارض عالم الغيب والشهادة وبحديث الاستخارة وفيه فانك تعلم ولا أعلم وأما الصوفى فيقول العلم حقيقته من كانت الاشياء حاضرة لديه وليس تكون الاشياء حاضرة لديه الا من أفادها الشيئية ولا مفيد الاشياء شيئية الا الله تعالى فلا عالم الا الله تعالى اذ هو المفيد لكل حقيقة عين تلك الجقيقة حتى المحال ان كانت له حقيقة عقلية أو وهمية فهو المفيد لها وهو المجلى لها فى الاذهان وبالضرورة من أجلى الحقائق لعبده فكيف لا تكون منجلية له بل لم تنجل مطلقا وهو الذى تندرج جميع المدركات تحت ادراكه وجميع الموجودات تحت فعله حتى لا يشد عن عمله مدرك ولا عن فعله مفعول وذلك هو الله تعالى فهو الحى الكامل المطلق وكل حى سواه فحياته بقدر ادراكه وفعلع وكل ذلك محصور فى قلة ثم أشار المصنف الى برهانه فقال (فان من ثبت عمله وقدرته ثبت بالضرورة حياته) أى ان الدليل عليه مادلنا على كون البارئ تعالى عالما قادرا ومن شرط العالم القادر@ ان يكون حيا وأيضا دلنا على ان العالم فعله ويستحيل صدور الفعل عن الميت والجماد اذ (لو تصور قادر عالم فاعل مدبر) للكائنات (دون ان يكون حيا لجاز ان يشك فى حياة الحيوانات عند ترددها فى الحركات والسكات بل فى حياة أرباب الحرف والصناعات) اذ لا يتصور قيام هذه الاوصاف المذكورة من القدرة والعلم والعقل والتدبير بغير حى (وذلك) أى تصور قيامها بغير حى جحود وعناد بل (انغماس فى غمرة الجهالات) أعاذنا الله منها * (تنبيه) * ظاهر سياق المصنف يشعر ان تأخير صفة الحى بعد ذكر القادر والعالم لتوقفهما فقط على هذه وان الحياة شرط فى كل منهما ولزم ان يكون المشروط مفتقرا الى الشرط ويتأخر عنه فى العقل وهل الحياة شرط فى كل منها ابتداء أو بعضها شرط فى بعض فتكون الحياة شرطا فى بعض ابتداء وفى بعض بالواسطة يحتاج الى تأمل فيه قال الشيخ السنوسى فى شرح صغرى الصغرى بعد قوله فى المتن ويجب له تعالى الحياة لاستحالة وجود الصفات السابقة بدونها مانصه مراده بالصفات السابقة القدرة وماذكر بعدها الى الكلام فان كل واحدة من هذة الصفات يستحيل وجودها بغير الحى ولهذا أخر ذكر الحياة الى هذا الموضع وهو من باب تأخير المدلول عن الدليل والا فهى من جهة انها شرط فى تلك الصفات مقدمة بالذات عليها لتوقف وجود المشروط على وجود شرطه الا ان التوقف هنا توقف معية لا توقف تقدم اذ صفات البارى تعالى كلها ازلية يستحيل تقدم بعضها بالوجود اه وقوله وما ذكر بعدها الى الكلام وهو القدرة والارادة والعلم والسمع والبصر والكلام مترتبة على الحياة قال الغنيمى وظاهره ان ذلك الترتيب من غيرواسطة بعض لبعض كان يقال مثلا ان الارادة مترتبة على العلم والعلم مترتب على الحياة ونحو ذلك وربما يرد على القول السابق فيلزم ان يكون المشروط مفتقرا الى الشرط ان الافتقار مناف للوجوب اذ الواجب مستغن على الاطلاق وذلك ينافى الافتقار والجواب ان المراد بالافتقار الملازمة وعدم انفكاك أحد الموجودين عن الاخر ولم يكن الافتقاربهذا المعنى ينافى الوجوب واليه الاشارة فى قول السنوسى الا ان التوقف هنا توقف معية فتأمل وكون ان الحياة شرط فى تلك الصفات المذكورة قد ذكره شيخ الاسلام فى حاشيته على شرح جمع الجوامع حيث قال وظاهر انها أى الحياة فشرط لغير العلم ايضا من الصفات المذكورة فاذا عرفت ذلك ظهر لك ان المصنف لو أخر هذه الصفة عقيب الصفات المذكورة لكان أوجه وأما ترتب واما ترتب تعلق القدرة على تعلق الارادة على تعلق العلم فسيأتى ذلك فى سياق عبارة ابن الهمام وتلميذه ان شاء الله تعالى (الاصل الرابع العلم بكونه تعالا مريدا لافعاله فلا موجود الاوهو مستند الى مشيئته وصادر عن ارادته) اعلم ان المريد لم يرد به السمع على هذة الصفة وانما ورد بصيغة الفعل ولكن اطلاق مريد مما ثبت بالاجماع وبالجملة فالمريد أو الذى يريد أو أراد هو الذى يخصص فعله بحالة دون حالة لصفة قائمة به اقتضت ذلك وتلك الصفة هى الارادة وهى كما قال السنوسى صفة ازلية تؤثر فى اختصاص أحد طرفى الممكن من وجود وعدم أو طول أو قصر ونحوها بالوقوع بدلا عن مقابله اه وقال النسفى فى شرح العمدة حدها عند المتكلمين معنى يوجب تخصيص المعقولات بوجه دون وجه وقيل صفة تنفى عمن قامت به الجبر والاضطرار وفائدتها على هذا الحد ان يكون الموصوف بها مختارا فيما فعله غير مضطر اليه ثم صانع العالم أوجده باختياه اذ من لااختيار له فى فعله فهو مضطر والمضطر عاجز فيكون حادثا ولا اختيار بدون الارادة فكان مريدا اه وفى المقدمات للسنوسى هى صفة يتأتى بها تخصيص كل ممكن ببعض مايجوز عليه وقال فى شرح الصغرى صفة يتأتى بها تخصيص كل ممكن بالجائز المخصوص بدلا عن مقابله وقال فى شرح الوسطى صفة يتأتى بها ترجيح وقوع أحد طرفى الممكن وان شئت قلت هى القصد لوقوع أحد طرفى الممكن وقال فى شرح الكبرى هى قصد للفاعل الى فعل ذلك الجائز وان شئت قلت اختياره له اه وقال أبو المنصور التميمى الارادة والمشيئة عندنا @ بمعنى القصد والاختيار وزعمت الكرامية ان المشيئة الازلية صفة واحدة يتناول ماشاء الله عز وجل بها من حدث يحدث وارادة الله غيرها وارادته حادثة فى ذاته قبل حدوث مراداته على عدد مراداته وقلنا مشيئته ارادته وهى متعلقة بحدوث جميع الحوادث على حسب تعلق عمله بها فى معنى انه أراد حدوث كل ماعلم منها على ماعلم من حدوثه عليه اه (فهو المبدئ المعيد والفعال لما يريد) قد تقدم تفسير هذه الالفاظ فى أول هذا الكتاب ثم أشار الى برهانها فقال (فكيف لا يكون مريدا وكل فعل صدرمنه أمكن ان يصدر منه ضده) أى كل صادر عنه تعالى من الممكنات فى وقت من الاوقات كان من الممكن صدور ضده فيه أى ضد ذلك الصادر بعينه فى وقت اخر (قبله) أى قبل ذلك الوقت الذى صدر فيه (أو بعده والقدرة تناسب الضدين والوقتين مناسبة واحدة فلابد من ارادة صارفة للقدرة الى أحد المقدورين) أى فتخصيصه بصدوره فى ذلك الوقت دون ذلك الممكن الاخر ودون ماقبل ذلك الوقت وما بعده لابد من كونه يصرف القدرة المناسبة للضدين والوقتين على السواء عن ايجاد ذلك الممكن فى غير ذلك الوقت أوايجاد غيره بدله فى ذلك الوقت الى تخصيص ذلك الممكن دون غيره بذلك الوقت المخصوص ولا نعنى بالارادة الا ذلك المعنى المخصص وهو صفة حقيقية قائمة بذاته توجب تخصيص المقدور دون غيره بخصوص وقت ايجاده دون ماقبله وما بعده من الاوقات هكذا عبر به ابن الهمام فى المسايرة وقال السعد فى شرحه على العقائد وهما أى الارادة والمشيئة عبارتان عن صفة فى الحى توجب تخصيص أحد المقدورين فى احد الاوقات بالوقوع مع استواء نسبة القدرة الى الكل وكون تعلق العلم تابعا للوقوع اه قال ابن قاسم فى نسخته على هامشها تحت قوله المقدورين مانصه وهما الوجود والعدم وعبارة شيخ الاسلام فى حاشيته على السعد عند قوله أحد المقدورين أى من الفعل والترك بمعنى انهما صفة واحدة تتعلق بالفعل تارة وبالترك أخرى ومثله فى حاشية الكمال بن أبى شريف وفى ظاهر سياقهم نوع تخالف لايخفى قال الغنيمى ويحتمل ان يكون مراد السعد بقوله أحد المقدورين مايصح اتصافه بالوجود لاما يشمل الترك فانه ليس بمقدور مثلا السواد مع البياض مقدوران فالارادة تخصص السواد وهو أحد المقدورين بوقوعه فى هذا المحل المخصوص فى هذا الوقت دون ماقبله ومابعده ثم قال وينبغى ان لاتفهم مما هو مصرح به فى كلامهم من قولهم ان نسبة القدرة الى الضدين أو الاضداد متساوية بخلاف الارادة ان المراد بالضدين ما يشمل العدم والوجود فان الوجود كما هو مصرح به عند أئمة الاصول لا ضدله ولامثل له وقد استدلوا على ذلك بأدلة ساطعة فلا عليك بمكن نقل خلاف ذلك بمجرد نقل عبارات الائمة مع عدم فهمها على وجهها ثم واياك أن تفهم أيضا من قولهم ان نسبة القدرة الى الضدين على السواء أن المراد خصوص الضدين بل المراد ان نسبتها الى جميع الممكنات على السواء لا فرق فى ذلك بين الضدين كالسواد والبياض والمتخالفين والمتماثلين وانما فرض الكلام من فرض فى الضدين فى مقام الاستدلال فان بينهما غاية الخلاف فاذا ثبت أن نسبة القدرة اليهما على السواء ثبت نسبتها الى بقية الممكنات بالطريق الاولى اه وقال الكستلى فى شرح النسفية اعلم أن للقدرة عند المحققين بالمقدور تعلقين تعلق معنوى لا يترتب عليه وجود المقدور بل يمكن القادر من ايجاده وتركه وهذا التعلق لازم للقدرة قديم بقدمها ونسبته الى الضدين على السواء وتعلق اخر يترتب عليه وجود المقدور أو عدمه عند القائلين بان العدم مقدور وهو المعبر عنه بالتأثير أو التكوين والايجاد ونحو ذلك والاظهر انه حادث عند حدوث المقدور وفى كلامهم مايشعر بأنه قديم لكنه متعلق بوجود المقدور لافى الازل بل بوقت وجوده فيما لا يزال اه وبما أوردنا@ لك من نقول ظهر لك ماساقه المصنف فى هذا البرهان ثم قال (ولو أغنى العلم عن الإرادة فى تخصيص المعلوم حتى يقال انما يوجد فى الوقت إلذى سبق العلم بوجودة لجاز ان يغنى عن القدرة حتى يقال وجد بغير قدرة لأنه سبق العلم بوجودة) وهذه الجملة أوردها امام الحرمين فى سياق الرد على الكعبى من المعتزلة ونصه وزعم الكعبى ان كون الاله عالما بوقوع الحوادث فى اوقاتها على خصائص صفاتها يغنى عن تعلق الارادة بها وهذا باطلا لو اغنى كونه عالما عن كونه مريدا لاغنى كونه عالما عن كونه قادرا وقد ايقنا على افتقار افعال المحدثين على اراداتهم وقد اختلفت عباراتهم فى برهان الارادة ففى التذكرة الشرقية لابن القشيرى ما نصه لان فعله مرتب مختص باوقات واوصاف وترتيب الفعل دال على كون فاعله مريدا له قاصدا اليه وفى المدخل الأوسط لابن فورك ظهور فعله دليل على قدرته لان الفعل لا يظهر ممن لا قدرة له كما لا يظهر ممن به عجز أو موت وكونه محكما متقنا دليل على علمه لأنه على احكامه واتقانه لا يتاتى ممن لا علم له وكونه متقنا دليل على ارادة فاعله اذ لايصح ظهوره من غير ذى علم كذلك لايصح ظهوره من غير ذى قصد اليه لولاه لم يكن وقوعه على وجه أولى من وقوعه على وجه اخر وقال أبو قاسم الاسكاف فى الكافى وهو مريدا لان قدرته تساوى بالاضافه اليها جميع المقدورات وليس يقع منها إلا البعض على وجوه خاصة فلابد من اراده تخصص بالوجود ما تخصص على الوجه الذى تخصص وقال والد امام الحرمين فى كفاية المعتقد والدليل على أرادته تعالى وانه مريدا ان تخصيص حدوث المحدث بزمان دون زمان فى مكان دون مكان على صفة دون صفة لا يصير معقولا الا بإرادة مريد وقال أبو القاسم القشيرى فى كتاب الاعتقاد الدليل على ان أفعاله مرتبة ترتيب الأفعال واختصاصها ببعض المجوزات يوجب ان يكون فاعلها قاصدا الى ترتيبه وقال أبو الخير القزوينى فى معجمه الحق والدليل على كونه تعالى مريدا ان اختصاص الفعل شاهد يدل على كون فاعله مريدا ونحن نرى افعال البارى تعالى مخصوصة بأوقاتها وموصوفة بصفات مخصوصة جاز فى العقل وقوعها على اختلافها فتدل على ان فاعلها مريدا لها وقال شيخ مشايخنا فى املائه والدليل على أرادته تعالى انه لو لم يكن مريدا لكان كارها لان الارادة هى القصد الى تخصيص الجائز ببعض ما يجوز عليه وقد تقرر ان ارادة الله تعالى عامة التعلق بجميع الممكنات فيستحيل وقوع شئ منها بدون اراده منه تعالى لوقوع ذلك الشئ وقال البكر فى شرح الحاجبية قد ثبت ان صانع العالم فاعل بالاختيار وكل فاعل بالاختيار مريدا فصانع العالم مريدا أما الصغرى فلما مر من حدوث العالم الدال على انه قادر مختار وهو الذى إذا شاء فعل واذا لم يشاء لم يفعل واما الكبرى فلان تخصيص الحوادث بحالة دين حالة هو الارادة او تعلقها والتخصيص حاصل فالإرادة ثابتة وهو المطلوب اه ونقل الغنيمى عن السنوسى فى شرح النظم الارادة صفة يترجح بها وقوع احد طرفى الممكن على مقابلة وبرهان وجوبها له تعالى ان الحوادث قد اختصت من كل نوع من أنواع ستة وهى الوجود والعدم والمقادير والصفات والأزمنة والأمكنة والجهات بأحد أمرين جائزين متساويين فى قبول كل ذات حادثة لهما واختصاص احد الأمرين المتساويين بدلا عن مقابلة بغير مرجح مستحيل واذا وجب الافتقار الى المرجح فلا يصح ان يكون الرجح ذات الممكن لأنه يلزم عليه اجتماع أمرين متساويين وهما الاستواء بالذات والرجحان بالذات وذلك مستحيل لا يعقل وأيضا لو ترجح المكن من ذاته الوجود بدلا عن العدم لوجب استمرار عدمه فلا يوجد أبدا لان المرجح الذاتي يستحيل زواله وكلا القسمين باطل فتعين ان يكون المرجح لاختصاص كل ممكن بأخذ الطرفين الجائزين عليه خارجا عن ذاته والسر التام يقضى لأمر حج لاختصاص الممكن بأحد الجائزات علية بدلا عن مقابلة الاراده وهى قصد الفاعل الى وقوع ذلك الجائز دون مقابله اه المراد منه @ (فصل) واما المحدث فيقول قد ثبت سمعا ان الله تعالى أراد الأشياء ويريدها وقد خاطبنا بذلك من جهة معهود اللسان العربي والمعهود فى اللسان العربى ان الذى يريد الشئ هو الذى يخصصه على الحقيقة ومن يخصص الشئ على الحقيقة فهو مريد وصانع العالم مريد على الحقيقة وأما الصوفى فيقول لابد من تخصيص على الحقيقة والمخصص على الحقيقة هو الذى لا يدافع تخصيصة الا العالم على الحقيقة ولا عالم على الحقيقة الا الله تعالى (تنبيه) هذه الاصول الاربعه التى ذ كرها المصنف ولاء وذكر فى كل صفة من الصفات وقد ضم اليها ابن الهمام فى مسايرته الثامن والتاسع وهما فى بيان قدم العلم والارادة واورد الكل فى فصل واحد وقال حاصل سته ومنها العلم بانه تعالى قادر عالم حى مريد ثم قرر ماتضمنه الاصلان الاولان بما اورده هنا ممزوجا بشرح تلميذه ابن ابى شريف قال لما ثبت وحدانيته فى الالوهيه ثبت اسناد كل الحوادث اليه تعالى والالوهيه الاتصاف بالصفات التى لأجلها استحق ان يكون معبودا وهى صفاته التى نوحد بها سبحانه فلا شريك له فى شئ منها وتسمى خواص الالوهيه ومنها الإيجاد من العدم وتدبير العالم والغنى المطلق عن الموجوب والموجود فى الذات وفى كل من الصفات فثبت افتقار الحوادث فى وجودها اليه فكل حادث من السموات وحركاتها بكواكبها الثابته وحركات كواكبها السيارة على النظام الذى لا اختلاف فيه والارضين وما فيها وما عليها من نبات وحيوان وجماد ومابينهما من السحاب المسخر ونحو ذلك كل مستند فى وجوده الى البارى سبحانه وهو مشاهد لنا منها كمال الاحسان فى ايجادها من اتقان صنعها وترتيب خلقها وما هديت اليه الحيوانات من مصالحها وما اعطيته من الآلات على مقتضى الحكمه البالغة البارعة التى يطلع على طرف منها علم التشريح ومنافع خلقة الإنسان واعضائة ويستلزم ذلك قدرته اى ثبوت صفة القدرة له وعلمه بما يفعله ويوجده والعلم بهذا الاستلزام فيهما ضرورى ولكن ينبه عليه بان من رأى خطا حسنا يتضمن ألفاظا عذبه رشيقه تدل على معانى دقيقة علم بالضرورة ان كاتبه المنشئ له عالم بتأليف الكلام والكتابه قادر عليهما وينضم اى هذا اى الى ثبوت العلم له تعالى انه هو الموجد لأفعال المخلوقات فيلزمه اى يلزم ما ذكر من المنضم والمنضم اليه علمه بكل جزئى خلافا للفلاسفه فى قولهم انه تعالى يعلم الكليات وانه انما يعلم الجزئيات على وجه كلى لاعلى الوجه الجزئى وهو باطل اذ كيف يوجد ما لا يعلم وقد ارشد الى هذا الطريق قوله تعالى "الا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير"هذا ما تضمنه الاصل الثالث فقد قرره بقوله والعلم والقدرة اى الاتصاف بهما بلا اتصاف بحياة محال وليس معنى الحياة فى حقة تعالى ما يقوله الطبيعى من قوة الحس ولا قوة التغذية ولا القوة التابعة للاعتدال النوعى التى يفيض عنها سائر القوى الحيوانية ولا ما يقوله الحكماء وأبو الحسن البصري من المعتزلة من ان معنى حياته تعالى كونه يصح ان يعلم ويقدر بل هى صفه حقيقية قائمه بالذات تقتضى صحة العلم والقدرة والإرادة ثم قرر ما تضمنه الاصل الرابع بما قد ذكرن فى أثناء الكلام المصنف قريبا وأما ما تضمنه الاصل الثامن والتاسع فسياتى بيانه فى موضعه ان شاء الله تعالى (الأصل الخامس انه تعالى سميع بصير) بلا جارحة وحدقة ولا اذن كما انه تعالى عليم بلا دماغ ولا قلب فليس سمعه كسمع المخلوق الذى هو قوة موضوعه فى مقعر الصماخ يتوقف ادراكها للأصوات على حصول الهواء الموصل الى الحاسة وتأسر الحاسة ولا كبصر المخلوق الذى هو قوة مودعة فى العصبتين المجوفتين الخارجتين من الدماغ بل المراد بالسمع صفه وجوديه قائمه بالذات شانها ادراك كل مسموع وان خفى والمراد بالبصر صفة وجوديه قائمة بالذات شانها ادراك كل مبصر وان لطف وقد أشار المصنف الى ذلك فقال على طريق اللف والنشر غير مرتب (لايعزب) اى لا يغيب (عن رؤيته هواجس الضمير وخفايا الوهم) والهاجس ما يخطر بالبال والوهم بمعناه (والتفكير) اى ما خفى عنه وهو مصدر فكره مشددا @ اذا أوردة فى فكر وقال المصنف فى المقصد الابنى البصير هو الذى يشاهد ويرى حتى لايعزب عنه ما تحت الثرى مع التنزية عن ان يكون بحدقة واجفان والتقديس عن ان يرجع الى انطباع الصور والألوان فى ذاته كما ينطبع فى حدقة الإنسان فان ذلك من التغير والتأثر والمقتضى المحدثان واذا نزه عن ذلك كان البصر فى حقة عبارة عن الصفة التى ينكشف بها كمال نعوت المبصران وذلك أوضح وأجلى مما تفهمه من ادراك البصر القاصر على ظواهر المرئيات (ولا يشذ) اى لا ينفرد ولا يبعد (عن سمعه) مسموع وان خفى فسيسمع السر والنجوى بل ما هو ارق من ذلك وأخفى يسمع (صوت دبيب) اى حركة أرجل (النملة) الصغيرة المسماة بالذرة ثم وصفها وقال (السوداء) لأنها اذا كانت كذلك كانت اشد فى الخفاء (فى الليلة الظلماء) الشديدة السواد (على الصخرة الصماء) الملساء اصمنحتوا ذات منزه سمعه من ان يتطرق اليه الحدثان ومهما نزهت السميع عن تغير يعتريه عند حدوث المسموعات وقدسته عن ان يسمع بأذان او الة علمت ان السمع فى حقه عبارة عن صفة ينكشف بها أكمل صفات المسموعات ومن لم يدقق نظرة فية وقع بالضرورة فى محض التشبيه فخذ منه حذرك ودقق فيه نظرك قال المصنف فى المقصد الابنى ثم اعلم ان ثبوت صفتى السمع والبصر بالسمع فقد ورد صفه تعالى بهما فيما لا يكاد يحصى من الكتاب والسنه وهو مما علم ضرورة من دينه صلى الله علية وسلم فلا حاجه بنا الى الاستدلال عليه كسائر ضروريات الدين ومع ذلك فقد استدل علية المصنف وقال (وكيف لا يكون سميعا بصيرا والسمع والبصر صفتا الكمال) وقد اتصف بهما مخلوق (وليس بنقص) فهو تعالى احق بالاتصاف بهما من المخلوق وقد أشار الى ذلك بقوله (فكيف يكون المخلوق اكمل من الخالق والمصنوع اسنى) اى ارفع (واتم من الصانع وكيف تعتدل القسمه مهما وقع النقص فى جهته والكمال فى خلقه وصنعته) هذا لا يتصوره عقل وفى هذا الاستدلال الذى ذكره المصنف اختلفت عباراتهم ولكن المآل الى ما ذكره قال أبو القاسم القشيرى فى كتابه الاعتقاد والدليل عليه أنهما صفتا مدح فى ثبوتهما نفى نقص لا ينتفى ذلك النقص الا بهما والاله سبحانه وتعالى مستحق لأوصاف الكمال وقال ابن فورك فى المدخل الأوسط الدليل عليه تعالى موجود حى لا تليق به الآفات التى تضاد السمع والبصر وكل حى ليس به افه تضاد السمع والبصر والكلام واصدادها وامتداد هذه الصفات نقائص والرب يتقدس عن سمات النقص وقال ابن القشيرى فى التذكرة الشرقية اذ لو لم يتصف بهما لاتصف بضدهما وقد وجدنا الحى فيما بيننا يجوز ان يكون سميعا بصيرا ولم نجد لقول السمع والبصر عله الا كونه حيا فعلمنا ان كل حى قابل للسمع والبصر والبارى تعالى حى فهو اذا قابل للسمع والبصر فلو لم يتصف بهما لاتصف بضدهما لان كل ذات قبلت معنى ولذلك المعنى ضد استحال خلوه عن ذلك المعنى وعن ضده وفيه احتراز عن الحركه والسكون وبيان مراعاة العال دون اعتبار مجرد الشاهد فى محكم الغائب وقال شيخ مشايخنا فى املائه لو لم يكن سميعا بصيرا لكان أصم أعمى وذلك نقص والنقص عليه تعالى محال لاحتياجه لمن يكمله وذلك يستلزم حدوثه وقال البكى فى شرح الحاجبية اما قوله سميعا بصيرا فقد اتفق عليه أهل السنة اما الاشعرى فيقول قد ثبت ان البارى تعالى عالم مريد حى وكل حى سميع او قابل لذلك والواجب لا يتصف بالقبول بل كل ما يجوز له فهو واجب له وايضا فانهما صفتا كمال والخلو عنهما نقص او قصور فى الكمال وأيضا قد أجمعت عليه الكتب السماوية وخصوصا القران وهذا دليل المحدث واما الصوفى فيقول حديث التقرب بالنوافل بين لكل من هو الى عبوديته واصل ان السميع البصير هو الله فقط أشار المصنف رحمه الله تعالى الى ان عدم السمع والبصر نقص فى المعبود وأيده بقوله (او كيف تستقيم حجة) سيدنا (إبراهيم) الخليل (صلى الله عليه) وعلى @ نبينا (وسلم على ابيه) ازر كما هو نص القران او هو تارخ كما هو قول النسابه وازر عمه واستعمال الأب على العم شائع فى الاستعمال (اذ كان) اى ازر (يعبد الأصنام) والتماثيل (جهلا) منه (وغبا) عن طريق الرشد (فقال له) ابراهيم عليه السلام كما حكى عنه فى الكتاب العزيز (يابت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغنى عنك شيئا) فافاد انهذه صفات لا يليق بالمعبود ان يسلبها (ولو انقلب ذلك عليه فى معبوده) بحيث سلبت عنه تلك الصفات (لاضحت حجته) التى احتج بها على خصمه (ودلالته) التى استدل بها فى تحقيق مقصوده (ساقطه) فى حد ذاتها ولم تكن ملزمه له اصلا واذا (لم يصدق قوله تعالى) فى قصته (وتلك حجتنا اتيناها ابراهيم على قومه) ترفع درجات من تشاء الاية والفرق بين الحجه والبينه قد تقدم فى أول الكتاب ثم أشار بالرد على من زعم ان اثبات صفتى السمع والبصر يستدعى حدقة واذانا فقال (وكما عقل كونه) عز وجل (فاعلا) مختارا (بلا جارحه) من الجوارح (وعالما بلا قلب او دماغ) وإنما ذكرهما جميعا لما ان علم المخلوق قد اختلف فى محله اهو الدماغ او القلب فجمع بين القولين (فليعقل كونه) تعالى (بصيرا بلا حدقة) وهى محركة التى فيها انسان العين ويجمع على احداق (وسميعا بلا اذان) بضمتين وجمعه اذان (اذ لا فرق بينهما) اذا تأملت حق التأمل (الاصل السادس) فى بيان احد صفات المعانى التى هى الكلام فقال (انه سبحانه وتعالى متكلم بكلام) اعلم ان مسألة الكلام ذات تشعب كثير وبحث المبتدعه منتشر شهير حتى قيل انما سمى فن أصول الدين بعلم الكلام لاجله فلا كبير جدوى فى تطوير مباحثه وقال بعض المحققين الحق ان التطويل فى مسألة الكلام بل وفى جميع صفاته بعد ما يستبين الحق فى ذلك قليل الجدوى لان كنه ذاته وصفاته محجوب عن العقل وعلى تقدير التوصل الى شئ من معرفة الذات فهو ذوق لا يمكن التعبير عنه ولذلك لا اذكر فى هذا المبحث الا ما يقتضيه المقام من التكلم على عبارة المصنف رحمه الله تعالى فما قال وكفى خيرا مما كثر والهى فاقول اعلم ان البحث فى هذا المقام يرجع الى امرين الأول انه تعالى متكلم والثانى انه تعالى متكلم بكلام نفسى قائم بذاته وفى اثناء ذلك بيان صحبة اطلاق الكلام عليه لغة وان اطلاقه عليه هل يكون مجازا او حقيقة وقد أشار المصنف الى كل ذلك بقوله انه سبحانه وتعالى متكلم بكلام (وهو وصف قائم بذاته) اما قيامه بذاته فلانه تعالى وصف نفسه بالكلام فى قوله تعالى "قلنا اهبطوا منها جميعا " وقوله "وقلنا يا ادم" ومواضع أخرى كثيره والمتكلم الموصوف بالكلام لغة من قام الكلام بنفسه لا من أوجد الحروف فى غيره (ليس بصوت ولا بحروف) اما الصوت فهو كيفيه قائمه بالهواء تحمله الى الصماخ وقال الراغب الهواء المنضغط عن قرع جسمين وذلك ضربات مجرد عن انتفاء شئ كالصوت ومنتقش بصورة والمنتقش ضربان ضرورى كما يكون من الحيوان والجماد واختيارى كما من الانسان وذلك ضربا نضرب باليد كصوت العود وضرب بالفم وما بالفم ضربان نطق وغيره كصوت النائى والنطق اما مفرد من الكلام او مركب واما الحروف فهى كيفيه عارضة للصوت ولذا قيل لو قدم الحرف على الصوت فى التعبير كان أولى لان الصوت بمنزلة العام والحرف بمنزلة الخاص وليلزم من نفى الخاص نفى العام اذ قد يوجد صوت بدون حرف ولا ينعكس فكان تأثيره أتم فى الفائده ولكن قد وجه بعض المحققين فقال قدمه على الحروف لكونه معروض له متقدما عليه بالطبع فتأمل (بل لا يشبه كلامه كلام غيره) لأنه صفه من صفات الربوبية ولا مشابه بين صفات البارى وصفات الادميين فان صفات الآدميين زائدة على ذواتهم لتكثر وحدتهم فتقوم أنفسهم بتلك الصفات وتتعين حدودهم ورسومهم بها وصفة البارى تعالى لاتحد ذاته ولا ترسم فليست اذا شئ زائد على البارى تعالى (كما لا يشبه وجوده وجود غيره) ومن ظن ان صفاته تشبه صفات غيره فقد أشرك لان الخالق لا يشبه المخلوق ثم اعلم ان الكلام عند أهل الحق يقال على المعنيين يقال على النظم المركب من @ الاصوات والحروف وهو الكلام اللسانى وعلى المعنى القائم بالنفس وهو المسمى بالكلام النفسانى وهذا الاطلاق بالاشتراك اللفظى والحقيقة والمجاز والمختار عند الاشاعرة الاول اى انه مشترك بين الالفاظ المسموعة وبين الكلام النفسى وذلك لانه قد استعمل لغة وعف فيهما والاصل فى الاطلاق الحقيقة فيكون مشتركا اما استعماله فى العبارة فكثيرا كقوله تعالى "وهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه" فاجر من يسمع كلام الله ثم ابلغ مامنه ويقال سمعت كلام فلان وفصاحته يعنى الفاظه الفصيحة واما استعماله فى المعنى وهو مدلول العبارة فكقوله سبحانه "ويقولون فى انفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول واسروا قولهم او اجهروا به" وقول عمر رضى الله عنه يوم السقيفه زورت فى نفسى قولا والقول يقال على ما يقال علية الكلام اما يترادف او يتباين الخاص والعام وقيل حقيقة فى اللسانى مجاز فى النفسانى وقيل بالعكس واليه اشار المصنف بقوله (والكلام بالحقيقة كلام النفس وانما الاصوات قطعت حروفا للدلالات كما يدل عليها تاره بالحركات والاشارات) وهذا منه تصريح ان الكلام النفسى هو الحقيقة وان المعنى القائم بالنفس هو الكلام حقيقة والحروف والاصوات دلالات عليه ومعرفات له وانه حقيقة واحدة هى الامر والنهى والخبر والاستخبار وانها صفات لها أنواع عبر عنها بالعربية كان عربيا او بالسريانية كان سريانيا وكذلك فى سائر اللغات وانه لايتعبض ولا يتجزأ هذا قول الاشاعرة ثم اختلفو فقال امام الحرمين وغيره الكلام المطلق حقيقه هو ما فى النفس شاهدا وغائبا واطلاق الكلام على الحروف والاصوات مجاز واليه مال المصنف كما ترى وقال الجمهور منهم يطلق على كلا منهما بالاشتراك اللفظى واليه اشرنا أولا بقولنا والمختار ثم أنهم استدلو على ثبوت الكلام النفسى بان قالو لاشك فى وجود معنى قائم بنا نجده من أنفسنا عند التعبير او الإشارة والكتابة كما يجده الطالب مع الاستدعاء لحصول المطلوب وتطلبه إياه وليس ذلك هو الارادة لوجوده بدونها فيمن امر عبده معتذرا للسلطان من عدم امتثاله عند توعده فان السيد يأمره ولا يريد وليس هو العلم لانه قد يخبر عن غير معلومه ولا غير ذلك من المعانى النفسانيه لنفى لوازمها عنه فثبت ان هناك امرا قائما بأنفسنا هو المسمى بالكلام والاقرب فى تعريفه انه نسبه بين مفردين قائمه بالمتكلم وقيل هو حديث النفس عن معلومها حصولا واستدعاء ويعنى بالنسبه بين المفردين اى بين المعنيين المفردين ... تعلق احدهما بالاخر واضافته اليه على جهة الإسناد الافادى اى بحيث اذا عبر عن تلك النسبة بلفظ يطابقها ويؤدى معناها كان ذلك اللفظ اسنادا افاديا وقال النفسى فى الاعتماد صانع العلم متكلم بكلام واحد ازلى وهو صفة قائمه بذاته وليست من جنس الحروف والاصوات غير متحيز مناف السكوت والافه وهو به أمرناه مخبر قلت ودليل الاشاعرة والمناريدية فى اثبات صفت الكلام واحد فقالوا لو لم يكن صانع العالم متكلما للزم النقص وهو محال اما اللازمة فان صانع العالم حى وكل حى فهو اما متكلم او مؤف والافه نقص فتعين ان يكون متكلما وهو المطلوب واما دليل السمع فقوله عز وجل "وكلم الله موسى تكليما" الا ان عند الاشاعرة كلامه تعالى مسموع لما ان كل موجود كما يجوز ان يرى يجوز ان يسمع عنه وعند ابن فورك المسموع عند قراءة القارئ شيان صوت القارئ وكلام الله تعالى وعند الشيخ ابى منصور والمانريدى كلامه غير مسموع لاستحالة سماع ما ليس بصوت اذ السماع فى الشاهد ى يتعلق بالصوت ويدور معه وجودا وعدما وذكر فى التاويلات ان موسى عليه السلام سمع صوتا الأعلى كلام الله تعالى وخص بانه كليم الله لأنه سمع من غير وساطه الكتاب والملك لأنه ليس فيه وساطة الحروف والصوت اه وقد يستدل المحدث أيضا على اثبات صفة الكلام له تعالى بما تقدم واما الصوفى فيقول الكلام صفه كمالية اذ مر جميع ذلك الى الأنباء فلابد من حصول تلك الصفة على كمالها وحصولها على الكمال لا يكون الا بحيث لا موقع لنقيضها وذلك لا يكون فى واجب الوجود فاواجب الوجود له تلك الصفه الكمالية وهو الذى له الكمال المطلق وهو المطلوب ثم استشعر المصنف كلام @ المخالفين لمعتقد الاشاعرة وهم الحنابلة والمعتزلة فإنهم أنكروا الكلام النفسي وقالوا ليس الكلام مشتركا بين العبارة ومدلولها بل الكلام هو الحروف المسموعة فهو حقيقة فيها مجاز في مدلولها فقال رادا عليهم متعجبا منهم بقوله (وكيف التبس هذا) أى كيف خفي أمره (على طائفة من الاغبياء) جمع غبى وهو الفدم الذى لا يدرى شيأ وأصل الغباوة الغفلة والجهل وتركيبها يؤذن بالخفاء ومنه قوله الشاعر
Shafi 145
وإذا خفيت على الغبى فعاذر * أن لا ترانى مقلة عمياء (ولم يلتبس) ذلك (علي جهلة الشعراء) جمع جاهل والمراد به الاخطل كما وقع التصريح بذلك في أكثر كتب الاشاعرة والماتريدية وأوله لا يعجبنك من أمير خطبة * حتي يكون مع الكلام أصيلا (إن الكلام لفي الفؤاد وانما * جعل اللسان علي الفؤاد دليلا) وقد أنكره العلاء المرداوى من الحنابلة في شرح تحرير الاصول وقال هو موضوع علي الاخطل وليس متوفى نسخ ديوانه وإنما هو لابن صمصام ولفظه ان البيان اه وقد استرسل بعض علمائنا من الذين له تقدم ووجاهة وهو علي بن علي بن محمد بن الغزى الحنفى فقال في شرح عقيدة لامام أبي جعفر الطحاوى ما نصه وامامن قال انه معنى واحد واستدل بقول الاخطل المذكور فاستدلال فاسدولوا استدل مستدل بحديث في الصحيحين لقالوا هذا خبر واحد ويكون ممااتفق العلماء على تصديقه وتلقيه بالقبول والعمل به فكيف وهذا البيت قد قيل انه مصنوع منسوب الى الاخطل وليس هو في ديوانه وقيل انما قال ان البيان لفي الفؤاد وهذا أقرب الى الصحة وعلي تقدير صحته عنه فلا يجوز الاستدلال به فان النصارى قد ضلوا في معنى الكلام وزعموا ان عيسى عليه السلام نفس كلمة الله واتحد اللاهوت بالناسوت أى شئ من الاله بشئ من الناس فيستدل بقول نصرانى قد ضل فى معنى الكلام عن معنى الكلام ويترك ما يعلم من معني الكلام في لغة العرب وأيضا فمعناه غير صحيح إذلازمه ان الاخرس يسمى متكلما لقيام الكلام بقلبه وان لم ينطق به ولم يسمع وهذا معنى عجيب وهو ان هذا القول له شبه قوى بقول النصارى القائلين باللاهوت والناسوت ا ه الخ ولما تأملته حق التأمل وجدته كلاما مخالفا لاصول مذهب امامه وهو فى الحقيقة كالرد علي أئمة السنة كأنه تكلم بلسان المخالفين وجازف وتجاوز عن الحدود حتى شبه قول أهل السنة بقول النصارى فليتنبه لذلك ثم تحامل المصنف عليهم بقوله (ومن لم يعظه عقله) أى الكامل (ولانهاه نهاء) بالضم جمع نهية وهي العقل لكونه ينهي عن القبيح ومن ذلك قوله تعالى ان في ذلك لآيات لأولى النهى وبين نهاه ونهاء جناس تام مع الاشتقاق (عن أن يقول لسانى) الذى أنطق به (حادث ولكن) العرض القائم به وهو (ما يحدث فيه) أى ينشأ فيه (بقدرتي الحادثة) هو (قديم) قائم بالذات ولم يفهم ان الاجسام التي لها أول اذا جعلت علي كيفية مخصوصة صارت قديمة (فاقطع عن عقله) أى عن رجوعه الى عقله والتدبر فى الحق الصريح وفى بعض النسخ عن فهمه (طمعك) أى رجاءك في رجوعه الى ما تقرره بل (وكف) أى امنع (عن خطابه) ومذاكرته (لسانك) فقد رسخ فى ذهنه ما تخيله فلا ينفك عنه اذ صار له ذلك كالطبع والجبلة فازالة ذلك عسر جدا ثم لما كان من مذهب المخالفين القول بقدوم الحروف والاصوات وانها قائمة بذات الحق سبحانه أشار بالرد عليهم بقوله (ومن لم يفهم أن القديم عبارة عماليس قبل كل شئ) والمحدث مالم يكن فكان (وان الباء) الموحدة (قبل) حرف (السين) المهملة (في قولك بسم الله) الرحمن الرحيم ونحوه من الالفاظ المنتظمة الحروف يحس فيها بعدم الحرف الثاني من الكلمة قبل تمام التلفظ بالاول (فلا يكون السين المتأخر عن الباء قديما) لكونه مسبوقا بالباء وهذا مكابرة للحس وخروج عن مقتضيات العقول المحيلة (فنزه عن الالتفات اليه قلبك) أى ابعده عنه ولا تخالط به فان شيطانه المريد لا يسمع التفنيد وبمعاشرته يكثر اللجاج والمراء ويترتب عليهما فساد النظام @ وضياع الوقت فيما لا يجدى الى المرام وهذا حال أغبيائهم فانهم لا يفهمون معنى القديم ولا يميزون بينه وبين الحادث ولا يتحاشون من رفض بداهة العقول والمتغافلون منهم لم يرضوا بركوب متن الجهل واللجاج فقالوا الحروف قديمة بالنوع ورجعوا كرامية عند التحقيق (فلله سبحانه) وتعالى (سر) عظيم (في ابعاد بعض العباد) عن منصة لتقريب والارشاد (ومن يضلل الله) إياه (فماله من هاد) يرشده الى سلوك سبيل السداد ثم لما كان من قول المخالفين كيف يعقل كلام ليس بحرف ولاصوت أجاب عنه رادا عليهم بقوله (ومن استبعد أن يسمع موسى عليه السلام) وعلي نبينا (فى الدنيا كلاما ليس بصوت) ولا حرف (فليستنكر أن يرى فى الآخرة موجودا) متكلما حيا (ليس بجسم) أى ليس بذى جسم ملموس ومحسوس غير متحيز (ولا) بذى (لون) ولا قابل للحوادث والمقصود نفى الكيفية على كل حال وكذلك اذا استبعدوا كيف سمع جبريل عليه السلام والمؤمنون غدا كيف يسمعون فالجواب سمع كلاما ليس بحرف ولاصوت من متكلم حتى ليس له لسان وشفة وهذه الجملة من كلام المصنف قد ردها الطوخى من الحنابلة فقال هو تكلف وخروج عن الظاهر بل عن القاطع من غير ضرورة وما ذكره معارض بأن المعانى لا تقوم شاهدا الابالاجسام فان أجازوا معنى قام بالذات القديمة وليست جسما فليجيزوا خروج صوت من الذات القديمة وليست جسما اذ كلا الامرين خلاف للشاهد ومن أحال كلا مالفظيا من غير جسم فليحل ذاتا مرئية غير جسم ولا فوق اه من شرح التحرير للمرداوى وهذا الذي ذكره المصنف من ان الكلام النفسى مما يسمع هو قول الاشعري قاسه على رؤية ماليس بلون ولا جسم قياسا ألزم به من خالفه من أهل السنة لاتفاقهم على جواز الرؤية ووقوعها فى الآخرة ثم قال (وإن عقل أن يرى ما ليس بلون) محسوس (ولا جسم) متحيز (ولا قدر) معلوم (ولا كمية) متصلة أو منفصلة (وهوالى الآن لم ير غيره فليعقل فى حاسة السمع ما عقله فى حاسة البصر) أى فليعقل سماع ماليس بصوت وهو لايكون إلابطريق خرق العادة كما نبه عليه الباقلانى وفى لباب الحكمة الالهية للمصنف كلام الله تعالى ليس سوى افاضة مكنونات علمه على من يريد اكرامه كما قال تعالي ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه شرفه الله بعزه وقربه بقدسه وأجلسه على بساط انسه وشافهه بأجل صفاته وكلمه بعلم ذاته كما شاء كلمه وكما أراد سمع لا يندرج كلامه تحت الكيفية ولا يحتاج الى سؤال العلمية ولا يوصف بالماهية والكمية بل كلامه كعلمه وعلمه كارادته وارادته كصفته وصفته كذاته وذاته أجل من التنزيه والتكبر وصفاته أجلى من التفسير والتفصيل خالق كل شئ وهو على كل شئ قدير قلت وقد تقدم ان الماتريدى استحال سماع ما ليس بصوت ووافقه الاستاذ الاسفراينى واختاره ابن الهمام وقال وهو الاوجه عندى لان المخصوص باسم السمع من العلم ما يكون ادراك صوت وادراك ماليس صوتا قد يخص باسم الرؤية وقد يكون له الاسم الاعم أعنى العلم مطلقا عن التقييد بمتعلق قال ابن أبى شريف ولمن انتصر للاشعرى أن يقول بل المخصوص باسم السمع من العلم ما يكون ادراكا بالقوة المودعة في مقعر الصماخ وقد يخلق لها ادراك ما ليس بصوت خرقا للعادة فيسمى سمعا ولامانع من ذلك بل فى كلام الماتريدى فى كتاب التوحيد له مايشهد لذك علي ما نقله عن صاحب التبصرة وهو جواز سماع ماليس بصوت والخلاف إنما هو فى الواقع للسيد موسى عليه السلام فانكر الماتريدى سماعه الكلام النفسى وقال انما سمع صوتا دالا على كلام الله تعالى كما تقدم فتأمل ثم قال (وان عقل أن يكون علم واحد هو علم بجميع الموجودات فليعقل صفة واحدة للذات هو كلام بجميع ما دل عليه بالعبارات) من أمر ونهى واخبار وقد جاز فى الشاهد أن يكون الشئ الواحد أمرا ونهيا وخبرا واستخبارا فكذلك يجوز فى الغائب ولم يكن مستحيلا وهذه العبارات مخلوقة لأنها أصوات وهى أعراض سميت تلك العبارات كلام الله لدلالتها عليه وتأديه بها والاختلاف فى العبارات المؤدية لا الكلام وقال ابن التلمسانى كل آمر وناه يجد فى نفسه اقتضاء وطلبا يعبر عنه بالعبارات المختلفة @ والكتابة والاشارة وما فى النفس لايختلف لاختلاف الدلالات فكذلك المخبر يجد فى نفسه حديثا يعبر عنه بالالفاظ المختلفة وهذا الوجدان ضرورى لانزاع فيه ثم قال ومن أنكر كلام النفس فقد أنكر أخص وصف الانسانية فان الآدمى يشاركه البهائم فى ادراك المحسوسات والوجدانيات ويختص الآدمى عنها بالقدرة على استحضار العلوم فى الذهن وتركيبها وترتيبها ترتيبا يتوصل به الى ادارك الغائبات وكل ذلك يعتمد الكلام النفسى اه ثم قال (وان عقل كون السموات السبع) والعرش والكرسى (والارض وكون الجنة والنار مكتوبة فى ورقة صغيرة ومحفوظة فى تعداد ذرة من القلب و) عقل (ان ذلك مرئى فى مقدار عدسة من الحدقة) التى فيها إنسان العين (من غير أن تحل ذات السموات والارض) والعرش والكرسى (والجنة والنار فى الحدقة والورقة فليعقل كون الكلام مقروأ بالالسنة) الظاهرة (محفوظا فى القلوب) الباطنة (مكتوبا فى المصاحف بالاحبار المتنوعة من غير حلول ذات الكلام فيها) أى فى تلك المصاحف قطعا (إذ لوحلت بكتاب ذات الكلام) فرضا وتقديرا (لحل ذات الله تعالى بكتابة اسمه فى الورق ولحلت ذات النار بكتابة اسمها فى الاوراق ولاحترقت) ولكان من نطق بالنار احترق فمه والجنة والنار مكتوبتان فى المصاحف ثم أحد لايتخيل انهما مدرجتان فيها بالذات وكذا النبى صلى الله عليه وسلم مكتوب فى التوراة والانجيل لاعلى معنى انه حل فيهما ولكن فيهما دلالة عليه وهو المكتوب صلى الله عليه وسلم بتلك الكتابة وقدأوضحه المصنف فى الجام العوام بوجه آخر فقال اعلم ان لكل شئ فى الوجود أربع مراتب وجود فى الاعيان ووجود فى الاذهان ووجود فى اللسان ووجود فى البياض المكتوب عليه كالنار مثلا فان لها وجودا فى التنور ووجودا فى الخيال والذهن وأعنى بهذا الوجود العلم بصورة النار وحقيقتها ولها وجود فى اللسان وهى كلمة دالة عليها أعنى لفظ النار ولها وجود فى البياض المكتوب عليه بالرقوم والاحراق صفة خاصة للنار والمحرق من هذه الجملة هى التى فى التنور دون التى فى الاذهان وفى اللسان وعلى البياض إذلو كان المحرق هو الذى فى البياض أواللسان لاحترق ثم قال وكذلك القدم وصف كلام الله تعالى ومايطلق عليه القرآن له وجود على أربع مراتب أولاها وهى الاصل وجود قائم بذات الله تعالى والثانية وجود العلم فى أذهاننا عند التعلم قبل أن ننطق بلساننا ثم وجوده فى لساننا بتقطع أصواتنا ثم وجوده فى الأوراق بالكتابة فاذا سئلنا عما فى أذهاننا من علم القرآن قبل النطق به قلنا علمنا صفتنا وهى مخلوقة لكن المعلوم به قديم فاذا سئلنا عن صوتنا وحركة لساننا قلنا ذلك صفة لساننا ولساننا حادث وصفته توجد بعده وماهو بعد الحادث حادث بالضرورة ولكن منطوقنا ومذكورنا ومقروءنا ومتلونا بهذه الاصوات الحادثة قديم ثم قال فهذه أربع درجات فى الوجود تشكل على العوام ولايمكنهم ادراك تفاصيلها ثم قال فكماان ما يرى فى المرآة يسمى إنسانا بالحقيقة لكن على معنى انه صورة محكية له فكذا مافى اللسان من الكلمة يسمى باسمه بمعنى انه دلالة على مافى الذهن ومهما فهم اشتراك لفظ القرآن وكل شئ بين هذه الامور الاربعة فاذا ورد فى الخبر ان القرآن فى قلب العبد وانه فى المصحف وانه فى لسان القارئ وانه صفة فى ذات الله تعالى صدق بالجميع مع الاحاطة بحقيقة المراد اه المقصود منه وذكر ابن التلمسانى في شرح لمع الادلة عند قول الماتن فصل كلام الله مقروء بالسنة القراء محفوظ فى صدور الحفظة مكتوب فى المصاحف على الحقيقة والقراءة أصوات القارئين ونغماتهم وكلام الله تعالى هو المعلوم والمفهوم فيها الخ قال فى الايضاح ان القراءة غير المقروء والحفظ غير المحفوظ والكتابة غير المكتوب وان المفهوم من هذه المصادر غير المفهوم من أسماء المعقولات وذهبت الحشوية الى أن القراءة التى هى حروف وأصوات وهى فعل العبد وكسبه وهى أعراض لاتبقى باتفاق من زعم ان الاعراض لاتبقى هى عين كلام الله تعالى وهى قديمة وقالوا ان الحروف المكتوبة فى المصاحف التى ينسب حصولها للكاتبين قديمة وبالغوا فقالوا لوأخذت زفر من حديد وقطع من نحاس أوشئ من الكأس وجعلت حروفا تقرأ كمالو جعلت صورة صارت تلك الاجسام @ قديمة اه وقال أبو نصر القشيرى والعجب كل العجب من تجاهل أقوام فى المصير الى ان كلام الله تعالى اذا كتب على الآجر أوشئ من الاصباغ ينقلب عين الآجر والصبغ قديما فاذا صار الجهل الى هذا القدر والحكم بان المحدث يصير قديما والقديم يفارق ذات البارى تعالى ويحل فى المحدثات فالاولى السكوت ثم قال ابن التلمسانى ومما يدانى هذا المذهب فى جحد الضرورات ان الجبائى من المعتزلة لمالم يعتقد كلاما سوى الحروف والاصوات ونفي كلام النفس وكان مايقرؤه العبد فعله يثاب عليه وينفرد باختراعه عنده وكذلك ما يكتبه فى المصحف وقد أجمع المسلمون على ان لله كلاما مسموعا عند التلاوة وكلاما مكتوبا فى المصاحف تحير فى ذلك فقال اذاقرأ القارئ القرآن قارن خروج كل حرف يفعله العبد حرف يخلقه الله تعالى معه يسمع وهذا افتراء على الحس وخروج عن المعقول فان المحل الواحد لايقوم به مثلان ثم قال اذاتراسل جماعة فى القراءة صحب كلام جميعهم كلام واحد لله تعالى وهو حروف مخلوقة فى لهواتهم وكيف يتصور وجود حرف واحد فى محال متعددة ثم قال اذاسكت بعضهم عدم كلام الله تعالى بالنسبة الى الساكت وبقى بالنسبة الى القارئ وكيف يتصور فى الشئ الواحد ان يكون موجودا معدوما فى آن واحد وقال اذا كتبت الحروف فى المصاحف كان مع كل حرف حرف يخلقه الله تعالى هو كلام ولايرى ونقل هذه المذاهب كاف فى ردها ومن يضلل الله فماله من هاد * (تنبيه) * قال ابن الهمام فى المسايرة وبعد اتفاق أهل السنة أى من الفريقين على انه تعالى متكلم أى بكلام نفسى هو صفة له قائمة به لم يزل متكلما به اختلفوا فى أنه تعالى هل هو مكلم لم يزل مكلما فعن الاشعرى نعم هو تعالى كذلك وعن بعض متكلمى الحنفية لاقال وهو عندى حسن فان معنى المكلمية لايراد به هنا نفس الخطاب الذى يتضمنه الامر والذى يتضمنه النهى كاقتلوا المشركين لاتقربوا الزنا لان معنى الطلب يتضمنه أى يتناول ذلك الخطاب وهو قسمان الطلب الذى يتضمنه الامر والخطاب الذي يتضمنه النهى فلايختلف فى ان ذلك الخطاب ليس تكليما بل هو تكلم إذهو أى ذلك الخطاب داخل فى الكلام القديم الذى به البارى تعالى متكلم والايراد بمعنى المكلمية لسماع لمعنى اخلع نعليك مثلا ولمعنى وما تلك بيمينك يا موسى وحاصل هذا عروض اضافة خاصة للكلام القديم باسماعه لمخصوص بلاواسطة كما قال الاشعرى وبلاواسطة معتادة كما قاله الماتريدى ولاشك فى انقضاء هذه الاضافة بانقضاء الاسماع فان أريد به غير هذين الامرين فليبين حتى ينظر فيه والله أعلم قال ابن أبى شريف والتحقيق ان الذى يثبته الاشعرى المكلمية بمعنى آخر غير الامرين المذكورين وهو مبنى على أصل له خالفه فيه غيره وبيان ذلك ان المتكلمية والمكلمية مأخوذان من الكلام لكن باعتبارين مختلفين عند الاشعرى فالمتكلمية مأخوذة من الكلام باعتبار قيام الكلام بذات البارى تعالى وكونه صفة له وهذا محل وفاق وأما المكلمية فمأخوذة عند الاشعرى من الكلام القائم بذات الله تعالى لكن باعتبار تعلقه أزلا بالمكلف بناء على ما ذهب إليه هو واتباعه من تعلق الخطاب أزلا بالمعدوم الذى سيوجد وشدد سائر الطوائف النكير عليهم فى ذلك فالاشعرى قائل بالمكلمية بمعنى تعلق الخطاب فى الازل بالمعدوم والمنكرون لهذا الاصل ينفونها بهذا المعنى ويفسرونها بالاسماع المذكور فقد ظهر أن المكلمية عند الاشعرى بمعنى سوى الامرين المذكورين وبالله التوفيق فان قيل اعتراضا على الاشعرى التعلق ينقطع بخروج المكلف عن أهلية التكليف بموت ونحوه ولو كان قديما لما انقطع قلنا المنقطع التعلق التنجيزى وهو حادث أما الازلى فلا ينقطع ولا يتغير لماقلنا فى الكلام على الاخبار القائم بالذات من أن التغير فى اللفظ الدال عليه لافيه نفسه وان التغير فى المعلوم لافى العلم فانه يؤخذ من ذلك ان التغير فى متعلق الكلام وتعلقه التنجيزى لافى التعليق المعنوى الازلى اه * استطراد * خلف كلام ابن الهمام السابق وهو قوله وهذا عروض اضافة خاصة للكلام القديم باسماعه لمخصوص بلاواسطة ولا شك فى انقضاء هذه الاضافة بانقضاء الاسماع وهو أن الشيخ السنوسى قال في شرح الكبرى ما حاصله ان من المحال أن يطرأ علي كلامه @ سكوت وقد استدل على ذلك ثم قال وماورد فى الحديث ممايخالف ذلك الذى قررناه فمؤول وذكر حديثا وتكلم على تأويله ثم قال ولهذا تعرف ان ليس معنى كلم الله موسى تكليما انه ابتدأ الكلام له بعد ان كان ساكتا ولاانه بعدما كلمه انقطع كلامه وسكت تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا وانما المعنى انه تعالى أزال بفضله المانع عن موسى عليه السلام وخلق له سمعا وقواه حتى أدرك به كلامه القديم ثم منعه بعد ورده الى ما كان قبل سماع كلامه اه فانظره مع الكلام السابق هل بينهما مخالفة أو موافقة * (مهمة) * قال الحافظ ابن حجر فى فتح البارى قال البيهقى الكلام ماينطق به المتكلم وهو مستقر فى نفسه كما جاء فى حديث عمر فى السقيفة كنت زورت فى نفسى مقالة وفى رواية كلاما قال فسماه كلاما قبل التكلم به قال فإن كان المتكلم ذا مخارج سمع كلامه ذا حروف وأصوات وان كان غير ذى مخارج فهو بخلاف ذلك والبارى عز وجل ليس بذى مخارج فلايكون كلامه بحروف وأصوات ثم ذكر حديث جابر عن عبدالله بن أنس وقال اختلف الحفاظ فى الاحتجاج بروايات ابن عقيل لسوء حفظه ولم يثبت لفظ الصوت فى حديث صحيح عن النبى صلى الله عليه وسلم غير حديثه فان كان ثابتا فانه يرجع الى غيره كما فى حديث ابن مسعود يعنى الذى يليه وفى حديث أبى هريرة يعنى الذى بعده ان الملائكة يسمعون عند حضور الوحى صوتا فيحتمل ان يكون الصوت للسماء أوللملك الآتى بالوحى أولاجنحة الملائكة واذا احتمل ذلك لم يكن نصا فى المسئلة وأشار فى موضع آخران الراوى أراد فينادى نداء فعبر عنه بصوت اه قال الحافظ وهذا حاصل كلام من نفي الصوت من الائمة ويلزم منه ان الله تعالى لم يسمع أحدا من ملائكته ولارسله كلامه بل آلهمهم اياه وحاصل الاحتجاج للنفى الرجوع الى القياس على أصوات المخلوقين لانها التى عهد انها ذات مخارج ولايخفى مافيه اذالصوت قد يكون من غير مخارج كما ان الرؤية قد تكون من غير اتصال أشعة كماسبق سلمنا لكن يمنع القياس المذكور وصفة الخالق لاتقاس على صفة المخلوق واذا ثبت ذكر الصوت بهذه الاحاديث الصحيحة وجب الايمان به ثم اماالتفويض واما التأويل وبالله التوفيق اه ولقد أجاد رحمه الله تعالى وانصف واتبع الحق الذى لامحيد عنه ويفهم من هذ ان من قال بالصوت نظرا للاحاديث الواردة فيه لاينسب الى الجهل والتبديع والعناد كمافعله السعد وغيره فتأمل ذلك * (الأصل السابع) * فى بيان قدم الكلام النفسى فقال (اعلم ان الكلام القائم بذاته) المختص بنفسه أزلى (قديم) لاابتداء لوجوده فلا يجوز ان يكون متكلما بكلام فى غيره إذ المتكلم انما كان متكلما لقيام الكلام به لالكونه فعلا له لانا متكلمون والبارى تعالى خالق لكلامنا وليس هو المتكلم بكلامنا ولو جاز ان يقال بانه تعالى متكلم بكلام فى الغير لجاز ان يقال انه متحرك بحركة تخلق فى الغير وهو محال ولولا اختصاص كلامه به لكان محدثا واذا ثبت ان كلامه مختص به ليس مفارقا له ثبت انه قديم (وكذا) نعتقد فى (جميع صفاته) فانها قائمة به ومختصة به لاانفكاك لها عنه وهى قديمة على معنى انه ليس لوجودها ابتداء ثم اعلم ان القرآن يقال على ما يقال عليه الكلام فيقال على المعنى القائم بذاته جل وعز المعبر عنه باللسان العربى المبين ومعنى الاضافة فى قولنا كلام الله اضافة الصفة الى الموصوف كلعم الله والقرآن بهذا المعنى قديم قطعا ويقال على الكلام العربى المبين الدال على هذا المعنى القديم ومعنى الاضافة على هذا التقدير هو معنى اضافة الفعل الى الفاعل كخلق الله ورزقه وكلا الا طلاقين حقيقة على المختار خلافا لمن رغم انه حقيقة فى أحدهما مجاز فى الآخر ثم استدل المصنف على قدم الكلام بامتناع قيام الحوادث بذاته تعالي فقال (اذ يستحيل ان يكون) البارى تعالى (محلا للحوادث دخلا تحت التغير) وما كان محلا للحوادث يعتريه التغير والمراد بالحوادث التى امتنع البارى تعالى ان تحل هى به ماله وجود حقيقى مسبوق بالعدم لاالمتجدد من الصفات الاضافية التى لاوجود لها ككونه تعالى قبل العالم وبعده ومعه أو السلبية ككونه مثلا غير رازق لزيد الميت ولا ما يتبع تعلق صفاته كالخالق والرازق فان هذا كله ليس @ محل النزاع وبالجملة ففرق بين الحادث والمتجدد فيجوزاتصافه بالمتجدد اذالصفات المتجددة محض اعتبار واضافة فلم يلزم من ذلك محال وبهذا يعلم محل النزاع (بل يجب للصفات) المقدسة (من نعوت القدم مايجب للذات فلاتعتريه التغيرات ولاتحله الحادثات) ولايتصف بقبولها ولايقال انها اغيار له لان حقيقة الغيرين مايجوز مفارقة أحدهما لصاحبه بزمان أومكان ولايجوزان تفارق صفات البارى تعالى ذاته فاطلاق لفظ الغيرية بعيد (بل لم يزل) جل وعز (فى قدمه موصوفا بمحامد الصفات) أى بالصفات المحمودة (ولايزال) تعالى (فى أبده كذلك) موصوفا بها (منزها عن تغير الحالات) وذهبت المعتزلة والنجارية والزيدية والامامية والخوارج الى ان كلام الله حادث وامتنع طائفة من هؤلاء من اطلاق القول بكونه مخلوقا وسموه حادثا وأطلق المتأخرون من المعتزلة كونه مخلوقا ونحن نقول لوكان كلام الله حادثا لم يخل من أمور ثلاثة اماان يقوم بذات البارى أوبجسم من الاجسام أولابمحل وباطل قيامه به فان الحوادث يستحيل قيامها بذات الباري تعالي (لأن ما كان محل الحوادث لا يخلو عنها) أى عن الحوادث (وما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث) لانه لاتقوم الحوادث الابحادث ولوقام بجسم لكان المتكلم ذلك الجسم ويبطل وجود الكلام لافى محل لانه عرض من الاعراض ويستحيل قيام الاعراض بأنفسها اذلو جاز لك فى ضرب منها لجاز فى سائرها (وانما ثبت نعت الحدث للاجسام من حيث تعرضها للتغير) وقبولها له وحلوله فيها (وتقلب الاوصاف فكيف يكون خالقها) أى تلك الاجسام (مشاركالها) أى تلك الاجسام (فى) أوصافها اللازمة لها (قبول التغير) وتقلب الوصف (وينبغى على هذا) الذى ذكر آنفا من الاستدلال (ان كلامه قديم قائم بذاته وانما الحادث هى الاصوات الدالة عليه) ولتعلم ان القرآن بالمعنى الازلى لايدخل تحت الزمان ولابوصف بماض ولامستقبل ولاحال ضرورة ان الازلى مناف للزمان لان الزمان من لواحق الحادث ولاشئ من الحوادث بأزلى وامابمعنى الفعل الدال على ذلك أوبعض ماهو متعلق ذلك فنعم فنحو قوله تعالى وقال موسى وعصى فرعون فالداخل تحت الزمان من ذلك هوالدال لاالمدلول القديم والمتعلق به اسم مفعول والتعلق التنجيزى لاالمتعلق اسم فاعل الذى هوصفة واحدة لاتعداد فيها ولاالتعلق الصلاحى ونحو قوله تعالى وهوالعلى العظيم فالدال وحده حادث وأماالمدلول الذى هوالصفة والمتعلق الذى هوالذات المسند اليه والصفة التى هى المسند والنسبة التى هى الوقوع والتعلق بجميع ذلك قديم ونحو قوله تعالى اناأرسلنا نوحا الله الذى يرسل الرياح فالدال حادث والمدلول الذى هوالصفة قديمة والمتعلق بعضه قديم وهوالذات المسند اليه والحاصل ان المتعلق قديكون كله قديما وقديكون كله حادثا وقديكون بعضه وبعضه فاعلم ذلك ودليل آخر على قدم الكلام هو انه لو كان كلامه تعالى مخلوقا لكان قبل ان يخلق لنفسه الكلام بضد الكلام موصوفا وهوباطل أوكان ذلك الضد قديما والقديم لايعدم فيجب فى سياق ذلك ان لايكون البارى تعالى قط متكلما وهو كفر فقدثبت أن كلام البارى تعالى قديم وأورد ابن الهمام فى المسايرة مااستدل به المصنف على طريق التنزل فقال لولم يمتنع قيام الحوادث به وقام بذاته معنى فترددنا فى قدمه معه وحدوثه فيه ولامعنى لاحدهما وجب اثبات قدم ذلك المعنى لان الانسب بالقديم من حيث هو قديم قدم صفاته إذالقديم بالقدم أنسب من الحادث بالقديم لاتحادهما فى وصف القدم ولان الاصل من صفات القديم من حيث هوقديم عدم الحدوث فكيف لا يجب اثبات قدم المعنى القائم بذاته اذا بطل قيام الحوادث به بادلته المبينة فى محالها فقدوجد المقتضى لثبوت قدم المعنى القائم بذاته تعالى مع انه لامانع من قدم كلامه النفسى واذا ثبت وجود المقتضى وانتفاء المانع ثبت المدعى وقدأشار المصنف الى انتفاء المانع بقوله (وكماعقل قيام طلب العلم وارادته بذات الوالد للولد قبل ان يخلق ولده حتى اذا) فرض انه (خلق ولده وعقل) الاشياء (وخلق الله سبحانه وتعالى له علما بما قام فى قلب أبيه من) ذلك (الطلب صار) ذلك الولد (مأمورا بذلك الطلب الذى قام بذات أبيه ودام وجوده الى وقت معرفة ابنه) @ فان قيل القائم بذات الاب العزم على الطلب وتخيله لانفس الطلب لان وجود الطلب بدون من يطلب منه شئ محال قلنا المحال طلب تنجيزى لامعنوى قائم بذات من هو عالم بوجود المطلوب منه وأهليته وكلامنا فيه والعلم بهما كاف فى اندفاع الاستحالة (فليعقل قيام الطلب الذى دل عليه قوله عز وجل اخلع نعليك بذات الله) تعالى أزلا (ومصير موسى عليه السلام مخاطبا به) أى بذلك الطلب (بعدوجوده) أى بعدوجود السيد موسى (اذ خلقت له معرفة بذلك) الطلب (وسمع لذلك الكلام القديم) وسمع يتعدى باللام تارة كما جرى عليه المصنف ومثله سمع الله لمن حمده وبلالام أخرى ومنه قد سمع الله قول التى تجادلك وهذاقول الاشعرى وأنكر الماتريدى سماعه الكلام النفسى وعنده انه سمع صوتا دالاعلى كلام الله تعالى وقد تقدم الاختلاف فيه وفى التذكرة الشرقية لابى نصر بن القشيرى فان قيل فهل تسمون كلام الله تعالى فى الازل أمرا ونهيا فلنا بلى هو أمر بشرط وجود المأمور به ونهى بشرط وجود المنهى فان قبل فكيف يؤمر من هو معدوم وكيف قال لموسى عليه السلام اخلع نعليك وهوبعد فى كتم العدم قلنا انما هوأمر بشرط الوجود أى اذا كنت وعقلت فافعل كذا فالمأمور يدخل فى الوجود بعدأن لايكون موجودا فالمتجدد عائد اليه لاالى كلام البارى سبحانه وهذا كماان الله سبحانه كان عالما بان العالم سيكون والآن فهو عالم بان العالم كائن ثم علمه لم يتغير ولم يتجدد بل تجدد المعلوم ثم من يعتقد ان كلام الله تعالى غير قديم ليس يجوز عليه البقاء فاذا أمر العبد بفعل فالفعل المأمور به غير موجود فى حالة الامر فاذا وجدنا فالامر غير موجود لانه عدم فكيف يستبعدون هنا القول بأمر والمأمور معدوم وهم يصرحون بأمر والمأمور به معدوم وقدأجمع المسلمون على ان موسى عليه السلام مخاطب الآن بقوله عز وجل اخلع نعليك وهوالآن غير مكلف فقد بان مااستبعدوا فلا طائل تحته وقدقال تعالى ونادوا يامالك ليقض علينا ربك وبعد أهل النار لم يدخلوا والمعنى سينادون ولوأخبرنا بهذا بعددخول أهل النار النار فالخبر انهم قد نادوا فكذلك لوأخبرنا عن حال موسى عليه السلام قبل وجوده فالخبر سيقول لموسي اخلع نعليك وبعد موسى فالخبر قلنا لموسى اخلع نعليك فهذاالاختلاف لايعود الى نفس كلام الله عز وجل فتفهم اه وفى شرح العمدة للنسفى فان قيل لو كان كلامه قديما لكان آمرا ناهيا فى الازل وهو سفه سواء كان عبارة عن الحروف والاصوات أوعن المعنى القائم بالنفس وهذا لانه ما كان فى الازل مأمور ولامنهى والامر والنهى بدون حضور المأمور والمنهى سفه فان الواحد منا لوجلس فى بيته وحده ويقول يا زيد قم ويا بكر اجلس لكان سفها فكيف يصح ان يقول فى الازل اخلع نعليك أوخذ الكتاب بقوة وموسى ويحيى معدومان قلنا نعم لوكان الامر ليجب وقت الامر فأماالامر ليجب وقت وجود المامور والنهى ليجب عليه الانتهاء عند وجوده فهذا حكمه ألا ترى ان المنزل على النبى صلى الله عليه وسلم كان أمرا ونهيا لمن كان موجودا ولمن يوجد الى يوم القيامة وكل من وجد وبلغ وعقل وجب عليه الاقدام على المأمور به والانتهاء عن المنهى عنه بذلك الامر والنهى ولم يكن ممتنعا كذا هنا فان قيل أخبر الله تعالى عن أمور ماضية كقوله وجاء اخوة يوسف اناأرسلنا نوحا الى قومه انا أنزلناه فى ليلة القدر وهذا انما يصح ان لوكان المخبر عنه سابقا على الخبر فلوكان هذا الخبر موجودا فى الازل لكان الازلى مسبوقا بغيره وهومحال ولولم يكن المخبر عنه سابقا على الخبر لكان كاذبا فلنا اخبار الله تعالى لايتعلق بزمان لانه أزلى والمخبر عنه متعلق بالزمان والتغير على المخبر عنه لاعلى الاخبار الازلى اه (الاصل الثامن ان علمه) تعالى (قديم) أزلى لاابتداء لوجوده (فلم يزل) ولايزال (عالما بذاته) المقدسة (وصفاته) المشرفة (ومايحدثه) ويوجده (من مخلوقاته) الكائنة فى علمه وهذا ضرورى أيضا فانه تعالى لايتصف بحادث لانه لوجاز اتصافه بالحوادث لجاز النقصان عليه والنقصان عليه باطل ومحال اجماعا بيان اللزوم ان ذلك الحادث ان كان من صفات الكمال كان الخلوعنه مع جواز الاتصاف به نقصا وقدخلا عنه قبل حدوثه وان لم يكن @ من صفات الكمال امتنع اتصاف الواجب به لان كل مايتصف به الواجب يكون كمالا وأيضا لواتصف بالحادث لكان قابلا له ولوكان قابلا له لماخلا عنه أوعن ضده والالزم الترجيح من غير مرجح وضد الحادث حادث وما لايخلو عنه الحادث حادث لما مر وأيضا لواتصف بالحادث لكان محلا للانفصال وكل منفصل مفتقر الى ماانفصل عنه وكل مفتقر ليس بواجب الوجود وقدفرض واجتبا هذا خلف (ومهما حدثت المخلوقات) فى أزمنة مختلفة (لم يحدث له علم بها بل حصلت مكشوفة له بالعلم الازلى) والازلى لاابتداء لوجوده كما انه تعالى كان عالما فى الازل بانه سيخلق العالم ثم لما خلقه فيما يزال كان عالما بانه خلقه والتجدد على المعلوم لاعلى العلم و(اذ) قد علمت ذلك فاعلم أن المحوج لتجدد العلم بتجدد المعلوم هو ذهاب العلم بالغفلة عنه وعز وبه ف (لو) فرض عدم الغروب بان (خلق لنا علم بقدوم زيد عند طلوع الشمس) مثلا (ودام ذلك العلم تقديرا) ولم يعزب بل استمر بعينه (حتى طلعت الشمس لكان قدوم زيد عند طلوع الشمس معلوما لنا بذلك العلم) أى بعين ذلك العلم (من غير تجدد علم آخر) وعلم الله تعالى بالاشياء قديم فاستحال لقدمه عزوبه لانه عدمه وماثبت قدمه استحال عدمه (فهكذا ينبغي أن يفهم قدم علم الله تعالى) وهو ظاهر بأدني تأمل والله أعلم (الاصل التاسع أن ارادته) جل وعز لجميع الكائنات (قديمة) قائمة بالذات (وهى) أى الارادة (فى القدم) أى أزلا (تعلقت باحداث الحوادث فى أوقاتها اللائقة بها على وفق سبق العلم الازلى) بمعنى ان كل كائن فى الوجود من خير وشر وطاعة ومعصية بارادته وان كل ما تتعلق به ارادته يكون لامحالة وهو معنى ماشاء الله كان ومالم يشأ لم يكن ثم ان التعلق هو كون الصفة بحيث يكون لها منسوب يرتبط بها ارتباط المتضايفين وهو على قسمين صلاحى ان لم يكن المنسوب لها موجودا فى الخارج وتنجيزى ان كان موجودا وهل التعلق صفة اعتبارية لاوجود له فى الخارج اذهو يرجع الى معقول الاضافة واختاره المتأخرون أووجودية اذ التعلق مرجعه الى الصفات النفسية للمعانى واختاره ابن الحاجب تبعالغيره (اذلو كانت) الارادة (حادثة) لكان بضدها موصوفا وضدها نقص والنقص لايجوز فى وصفه تعالى وأيضا لوكانت حادثة (لصار) البارى تعالى (محلا للحوادث) وقابلا لها ولوكان محلا للحوادث لماخلا عنها ومالايخلو عن الحادث حادث لمامر ومن هنا بطل قول الكرامية ان ارادته تعالى حادثة قائمة بذاته وهوظاهر والعلم متعلق أزلا بذلك التخصيص الذى أوجبته الارادة أى تخصيص المقدور بخصوص وقت ايجاده كماان الارادة فى الازل متعلقة بتخصيص الحوادث بأوقاتها ولايتغير العلم ولاالارادة بوجود المعلوم والمراد ومن هنا بطل قول جهم بن صفوان وهشام بن الحكم من ان علمه تعالى بان هذا قد وجد وذاك قد عدم حادث * دليل آخر على قدم الارادة أن يقال (لوحدثت فى غير ذاته) تعالى (لم يكن) هوتعالى (مريدا بها) بل الذى قامت به وهوباطل (كما لاتكون أنت متحركا بحركة ليست فى ذاتك) وهوظاهر (وكيفما قدرت فيفتقر حدوثها) أى تلك الارادة (الى ارادة أخرى) ثانية (وكذلك الارادة الاخرى تفتقر الى) ارادة (أخرى) ثالثة (ويتسلسل الامر) أى هذا الافتقار (الى غير نهاية ولوجاز أن تحدث ارادة) أى بعض الارادات (بغير ارادة) تخصصها بخصوص وقت ايجادها (لجاز أن يحدث العالم بغير ارادة) فلايمكن حدوث بعضها بلاارادة مع أن المقتضى لثبوت صفة الارادة ذلك الخصوص وهوملازم للحدوث لاينفك عنه لمامر من انه لابد لكل حادث من مخصص له بخصوص وقت ايجاده والفرض أن تلك الارادة حادثة بزعم الخصم فلابد لهامن ارادة تخصصها فيلزم التسلسل المحال فتأمل (الاصل العاشر) اعلم أن المتكلمين على قسمين منهم من يثبت الاحوال ومنهم من ينفيها فمن يثبت الاحوال كالقاضى والامام والمصنف فعبارته أن يقول (ان الله تعالى عالم بعلم حى بحياة قادر بقدرة مريد بارادة ومتكلم بكلام وسميع بسمع وبصير ببصر) أى بصفة تسمي بصرا وإنما يعبر بهذا فى @ البصر خاصا دفعا لسبق الوهم الى العين من اطلاق البصر ولذا صرح غير واحد منهم من أن المعنى بالسمع والبصر نفس الادراك لاالحاسة فيثبتون ذاتا موجودة وصفات موجودة وهى نفس العلم والقدرة والارادة وأحوالا ثابتة للذات باعتبار قيام هذه الصفات بها وهومعقول الاتصاف ويعبرون عن تلك الحال بالعالمية والقادرية ولايصفون هذه الحالة بالوجود بل بمحض الثبوت وهومعنى قول المصنف (وله هذه الاوصاف من هذه الصفات القديمة) ومن ينفى الاحوال فعبارته أن يقول عالم وله علم قادر وله قدرة وكذلك بقية الصفات ونفس كونه عالما بنفس انصافه بالعلم وليس فى المعقول موجود ولاثابت من خارج سوى نفس الذات والصفات وينفى الاحوال فان عبر عن الموصوف قال ذات وان عبر عن المعنى قال علم وقدرة وان عبر عن الذات باعتبار المعنى قال عالم قادر فالمعقول اثنان والعبارات ثلاث ونفث المعتزلة والشيعة الصفات الزائدة على الذات وأسندت ثمرات هذه الصفات الى الذات ونفوا أيضا نفس المعانى وقالوا ان البارى تعالى حى عالم قادر لنفسه فأثبتوا المشتق بدون المشتق منه وبعضهم يقول بنفسه وامتنع بعضهم من اطلاق لنفسه أوبنفسه لمافيه من إيهام التعليل المنافى للوجوب ويلزمهم أن يكون ذاته علما وقدرة وحياة لثبوت خصائص هذه الصفات لها وثبوت الاخص يستلزم ثبوت الاعم فيلزم أن يكون ذاته علما وقدرة وحياة وهذه الصفات أيضا لاتقوم بنفسها والذات قائمة بنفسها فيلزم أن تكون قائمة بنفسها لاقائمة بنفسها وهو جمع بين النقيضين ثم شرع المصنف فى الرد على المعتزلة فقال (وقول القائل عالم بلا علم كقوله غني بلامال) أى انما أثبتنا الصفات زائدة على مفهوم الذات لانه تعالى أطلق على نفسه هذه الاسماء فى كتابه على لسان نبيه خطابا لمن هومن أهل اللغة والمفهوم فى اللغة من عليم ذات لهاعلم ومن قدير ذات لهاقدرة وكذا سائر الاوصاف المشتقة تدل على ذات ووصف ثابت لتلك الذات بل يستحيل عند أهل اللغة عليم بلاعلم لاستحالة علم بلامعلوم أولاستحالة عليم بلامعلوم واليه أشار المصنف بقوله (وعالم بلاعلم وعالم بلامعلوم فان العلم والمعلوم والعالم متلازمة كالقتل والمقتول والقاتل وكمالا يتصور قاتل بلاقتل ولاقتيل ولايتصورقتيل بلاقاتل ولاقتل فكذلك لايتصور عالم بلاعلم ولا) يتصور أيضا (علم بلامعلوم ولا) أيضا (معلوم بلاعالم بل هذه الثلاثة متلازمة فى العقل لاينفك بعض منها عن البعض فمن جوز انفكاك العالم عن العلم فليجوز انفكاكه عن المعلوم وانفكاك العلم عن العالم اذلافرق بين هذه الاوصاف) أى لايجوز صرفه عن معناه لغة الالقاطع عقلى يوجب نفى معناه لغة ولم يوجد فى ايجاب نفى المعنى اللغوى مايصلح شبهة فضلا عن وجود دليل واعلم أنا معشر أهل السنة وان أثبتنا الصفات زائدة على مفهوم الذات فلانقول انها غير الذات كما لانقول انها عين الذات لان الغيرين هما المفهومان اللذان ينفك أحدهما عن الآخر فى الوجود بحيث يتصور وجود أحدهما مع عدم الآخر وكل من الذات المقدسة وصفاتها لايتصور انفكاك أحدهما عن الآخر * (تنبيه) * قد تباعدت المعتزلة فى نفى صفات البارى على أن الواحد منا عالم بعلم وقادر بقدرة وحى بحياة الى آخرها ولاينبغى للبارى أن يشارك صفات المخلوقين وقد ألزمهم الاشعرية قياس الغائب على الشاهد ويعنون بالشاهد ماعلم وبالغائب ماجهل وقد يعنون بالشاهد أحكام الحوادث وبالغائب أحكام البارى جل وعز والجمع بين الغائب والشاهد لايصح الابجامع وحيث جمع الحشوية بين الشاهد والغائب بغير جامع أداهم ذلك الى التشبيه حيث قالوا ماعهدنا موجودا ولاعقلناه الافى جهة والباى موجود فيكون فى جهة وحيث قالوا ماوجدنا متكلما الابحرف وصوت والبارى تعالى متكلما بحرف وصوت فجمعوا بين الشاهد والغائب بغير جامع فشبهوا وكذلك الفلاسفة لماقاسوا مالم يشاهدوه على ماشاهدوه بغير جامع عطلوا وقالوا مارأينا زرعا الامن بذر ولابذرا الامن زرع فأداهم ذلك الى تعطيل الصنع عن الصانع واذا كان لابد من جامع @ والجوامع أربعة الجمع بالحقيقة كقولك حقيقة الانسان الحيوان الناطق وهذا حيوان ناطق فيكون انسانا الثانى الجمع بالعلة كقولك التحرك يسدعى حركة وهذا متحرك فقد قامت به حركة الثالث الجمع بالدليل كقولك وجود الحادث يدل على وجود المحدث والعالم حادث فيدل على وجود المحدث له الرابع الجمع بالشرط كفولك وجود العلم مشروط بالحياة وهذا عالم فيكون حيا ووجه حصر الجوامع فى هذه الاربعة ان كل جامع بين متفق عليه ومختلف فيه لايخلو اما أن يذكر فى جمعه أمرا واحدا أو أكثر فان ذكر فى جمعه أمرا واحدا فهو الجمع بالحقيقة وان كان أكثر فلايخلوا ما أن يكون بينهما ارتباط أولا فان لم يكن بينهما ارتباط فلا دلالة لاحدهما على الآخر وان كان بينهما ارتباط فاما أن يكون من الطرفين أو من أحدهما فان كان من الطرفين بحيث يلزم من ثبوت أحدهما ثبوت الآخر ومن نفيه نفيه فهو الجمع بالعلة وان كان من أحدهما فان كان من طرف الثبوت فهو الدليل والمدلول فانه يلزم من وجود الصنع وجود الصانع ولايلزم من عدم الصنع عدم الصانع فالدليل اذا لايلزم عكسه وان كان اللازم من طرق النفى فهو الشرط والمشروط فان انتفاء الحياة يدل على انتقاء العلم ولايلزم من ثبوت الحياة ثبوت العلم فاذا تقرر هذا فقد جمع الاشعرية فى مسئلة الصفات بالطرق الاربعة فقالوا فى الجمع بالحقيقة لامعنى للعلم الامن له العلم أوذو العلم والبارى تعالى عالم فله علم وطردوا ذلك فى سائر الصفات وقالوا فى الجمع بالعلة العالمية فى الشاهد معللة بوجود العلم وقد سلمتم ثبوت العالمية للبارى فيلزم اتصافه بالعلم لما بين العلة والمعلول من التلازم ولوضح وجود المعلول بدون علة لجاز وجود العلة بدون معلولها وقد أجمعنا على أن ذلك محال وقالوا فى الجمع بالدليل ان الاحكام والاتقان فى الشاهد يدل على ثبوت العلم للفاعل وقد وجد فى أفعال البارى فدل على ثبوت العلم لله تعالى وقالوا فى الجمع بالشرط كل فاعل بالاختيار فله علم بما يقصد الى ايقاعه والبارى تعالى فاعل بالاختيار فله علم قالت المعتزلة شرط الجمع بين الشاهد والغائب مساواة الحكمين والعلم الذى تدعونه بمالانهاية له واذا اختلفا فى الحقيقة لم يصح قياس أحدهما على الآخر وأجاب الاشعرية بأن الجمع بينهما من جهة عامة وهى العلمية والعالمية قالوا ولو منع ذلك من اعتبار أحدهما بالآخر لمنع الجمع بينهما فى الشرط وقد أثبتم أن البارى تعالى حى لانه عالم قياسا على الشاهد قالوا اذا عللنا هذه الصفات فى الشاهد لجوازها والجائز مفتقر فى وجوده الى مقتض وصفات البارى تعالى واجبة والواجب يستغنى بنفسه عن المقتضى ولهذا لما كان وجود الجواهر والاعراض من الممكنات افتقرت الى المؤثر ولما كان وجوده تعالى واجبا استغنى عن المؤثر وأجاب الاشعرية يانا لاتعنى بالتعليل التأثير والاقادة ليلزم ماذكرتم وانما نعنى به ترتب أحد الامرين على الآخر وتلازمهما نفيا واثباتا فيستدل بثبوت أحدهما على ثبوت الآخر ونفيه على نفيه واذا صح منكم اثبات الشروط باللزوم على أحد الطرفين فلان يلزم الجمع باللزوم من الطرفين بطريق الاولى والله أعلم * استطراد * ذكر النسفى فى الاعتماد ان المماثلة عند الفلاسفة والباطنية تثبت بالاشتراك فى مجرد التسيمة فلايوصف البارى عندهم بكونه حيا عالما قادرا سميعا بصيرا على الحقيقة لاتصاف الخلق بها وهو باطل لانها لوثبتت به لتماثلت المتضادات اذ السواد والبياض مشتركات فى اللونية والعرضية والحدوث وعند المعتزلة تثبت المماثلة بالاشتراك فى أخص الاوصاف اذ لامماثلة بين السواد والبياض مع اشتراكهما فى اللونية والعرضية والحدوث لاانها أوصاف عامة فلما جاء الاشتراك فى السوداين ثبتت المماثلة لانه أخص الاوصاف وهذا لان المماثلة انما تقع بما تقع به المخالفة والسواد يخالف البياض لكونه سوادا لالكونه لونا وعرضا وحدثا دل انه انما يماثل السواد لكونه سوادا فلو كان البارى متصفا بالعلم لثبت التماثل اذ العلم يماثل العلم لكونه علما لالكونه كذا @ فكذا هذا وهو فاسد لان المحدث يخالف القديم بصفة الحدوث وينبغى أن تثبت المماثلة بين كل مشتركين فى صفة الحدوث فتكون المتضادات كلها متماثلة لاشتراكها فى صفة الحدوث ولان القدرة على حمل من تساوى القدرة التى يحمل بها غيره مائة من فى أخص أوصافها ولاتماثلها وعندنا هى تثبت بالاشتراك فى جميع الاوصاف حتى لو اختلفا فى وصف لاتثبت المماثلة لان المثلين اللذين يسد أحدهما مسد الآخر وينوب منابه ان كان من جميع الوجوه كانا مثلين من جميع الوجوه وان كان من بعض الوجوه فهما متماثلان من ذلك الوجه ولكن اذا استويا من ذلك الوجه اذلو كان بينهما تفاوت فى ذلك الوجه لما ناب أحدهما مناب صاحبه ولاسد مسده فالحاصل انه يجوز أن يكون الشئ مماثلا للشئ من وجه مخالفا من وجه فان أحدا من أهل اللغة لايمتنع من القول بأن زيدا مثل عمرو فى الفقه اذا كان يساويه فيه ويسد مسده وان كانت بينهما مخالفة بوجوه كثيرة ولو اشتركا فى الفقه والكلام ولكن لاينوب أحدهما مناب صاحبه ولايسد مسده يمتنع من أن يقول انه مثل له فى كذا تحقيقه ان المماثلة جنس يشتمل على أنواعه وهى المشابهة والمضاهاة والمشاكلة والمساواة واطلاق اسم الجنس على كل نوع من أنواعه جائز فان الآدمى يقال له حيوان وكذا الفرس وغيره ثم قد يختص شيآن بثبوت المساواة بينهما وهى الاشتراك فى القدر مع عدم المشاكلة والمضاهاة والمشابهة وكذا كل نوع من سائر أنواعه وعندم عدم الانواع اخر تثبت المخالفة من ذلك الوجه ومع ذلك لايمتنع أهل اللغة من اطلاق لفظ المماثلة لثبوت ماتبث من هذه الانواع مع أن علمنا عرض محدث جائز الوجود ومستحيل البقاء غير شامل على المعلومات أجمع وهو ضرورى أو استدلالى وعلمه تعالى أزلى واجب الوجود شامل على المعلومات أجمع ليس بغرض ولامستحيل البقاء ولاضرورى ولااستدلالى وكذا حياتنا وقدرتنا وسائر الصفات فاذا لامماثلة بين علمه تعالى وعلم الخلق وكذا فى سائر الصفات ولان القول بعالم لاعلم له وقادر لاقدرة له كالقول بمتحرك لاحركة له وأسود لاسواد وو تناقض ظاهر فان قيل هذه الصفات لو كانت ثابتة لكانت باقية ولو كانت باقية فاما أن تكون باقية بلا بقاء أوببقاء فقيه قيام الصفة بالصفة وقد أنكرتم علينا مسئلة بقاء الاعراض وادعيتم استحالته وان كانت باقية بلا بقاء فلم لايجوز ان تكون الذات قادرا بلا قدرة عالما بلا علم قلنا صفة من هذه الصفات باقية ببقاء هو نفس تلك الصفة فيكون عمله علم الذات بقاء لنفسه فتكون الذات بالعلم عالما والعلم بنفسه باقيا وكذلك بقاء الله تعالى بقاء له وبقاء لنفسه أيضا فيكون الله تعالى به باقيا وهو بنفسه أيضا باق ولايقال ان البقاء اذا جعل بقاء للذات يستحيل أن يكون بقاء لنفسه لانه يؤدى الى القول بحصول الباقيين ببقاء واحد وهو محال كحصول أسودين بسواد واحد لانا نقول بان حصول باقيين ببقاء واحد انما يستحيل اذا لم يكن أحد الباقيين بقاء لنفسه ثم يقوم بالباقى الآخر كان كل منهما باقيا ولم يستحل ذلك فان قيل لو كانت له هذه الصفات لكانت أزلية اذ القول بحدوث الصفات للقديم محال ولكانت أغيارا للذات والقول بوجود الاغيار فى الازل مناف للتوحيد قلنا الصفات ليست بأغيار للذات لان أحد الغيرين هما اللذان يمكن وجود أحدهما بدون الآخر فلم يوجد للمغايرة ضرورة وهذا لان ذات الله تعالى لاتتصور بدون عمله وكذا عمله لايتصور بدون ذاته لما ان ذاته أزلى وكذا صفاته والعدم على الازلى محال وهذا كالواحد الذى من العشرة لايكون عين العشرة ولاغير العشرة لاستحالة بقاء الواحد الذى من العشرة بدون العشرة أو بقائها بدونه اذ هو منها فعدمها عدمه ووجودها وجوده واعترضوا على حد الغيرين بأن التغاير بين الجواهر والاعراض ثابت ولايتصور وجود أحدهما مع عدم الآخر لاستحالة خلو الجواهر من الاعراض واستحالة وجود الاعراض بدون الجواهر والجواب ان كل جوهر معين لايستحيل وجوده مع عدم عرض معين بل العرض بعدم لاستحالة بقائه ويبقى الجوهر وكان كل جوهر فى نفسه غير كل عرض لوجوده الجزء @ وما قالوا لو كانت لله صفات لكانت قديمات والقول بالقدماء محال لان القديم هو الله تعالى والقول بالقدماء قول قول بالآلهة لانا نقول بلى اذا كان قديم من القدماء قائما بذاته موصوفا بصفات الالوهية ونحن لانقول به بل نقول ان الله تعالى قديم بصفاته والقديم القائم بالذات واحد وله صفات الكمال وكل صفة قائمة بذات الله تعالى وهى قديمة بمعنى ان ليس لوجودها ابتداء فيكون وصفا قديما والله أعلم * (تكميل) * به يحسن ختم الباب اعلم أن المعانى والصفات الكمالية تارة تؤخذ من حيث اضافتها الى الحق وتارة من حيث اضافتها للمخلوق ومن المعلوم ان الشئ يتغاير بتغاير المضاف اليه لكن تغاير الاضافة ليس بتغاير حقيقى الا أنه كماثبت أن لامشاركة على الحقيقة بين الممكن والواجب فلابد أن تكون المغايرة على الحقيقة ويكون ماثبت للواجب من ذلك غير ثابت للممكن على الحقيقة وليس بالتحقيق المشاركة الافى الاسماء وليس ثم اتحاد لابالنوع ولابالجنس والالزم تركيب الواجب أواتحاد الملزمات مع تناهى اللوازم وذلك محال فاذا علم الله وقدرته وارادته وسمعه وبصره وحياته وكلامه وكذا جميع صفاته لاتشترك مع صفات الخلق الافى الاسماء فقط ولامشاركة فى الحقيقة لامن حيث الشخص ولامن حيث النوع ولامن حيث الجنس ثم ان هذه الاسماء المشتركة التى أطلقت تارة على ماللحق من الصفات وتارة على ماللمحادثات من ذلك قد تتردد النظر هل ذلك الاطلاق بالاشتراك المعنوى أواللفظى أوالتشابه أعنى الحقيقة والمجاز ثم اشتهر ذلك حتى تنوسيت العلاقة وعلى الثالث فهل الاصل الحقيقى فيها للمعنى القديم أو المعنى الحادث أما المتكلمون وخصوصا القائلون بالاحوال فقد ذهبوا الى الاشتراك المعنوى ولذالك تراهم يعترضون على من حد العلم مثلا بحد لايجمع القديم والحادث كما فى الارشاد ومسئلة وقوع الاشتراك فى أصول ابن الحاجب توضح لك ذلك ولكن ذلك عندهم انما هو فى غير صفات المعانى التى أثبتها السمع وانما الكلام الآن فى معنى الوجود على القول بزيادته والحياة والعلم والقدرة والارادة والسمع والبصر والكلام وما أشبه ذلك فهذه الالفاظ اذا أطلقت على القديم والحادث فهى عندهم مشتركة بالاشتراك المعنوى وليس أحد المعنيين أصلا للآخر بل كل منهما أصل واستعمال اللفظ حقيقة على طريقة استعمال المتواطئ فى آحاد مصدوقاته ولكن دعوى الاشتراك المعنوى قد بان بماذكرناه بطلانه فلم يتبق الا الاشتراك اللفظى وهو احتمال راجح كما قرر فى الاصول فاطلاق لفظ العلم وكذا غيرهمن بقية الصفات على المعنى القديم حقيقة وحيث أطلقت على المعانى الحادثة انما هو بالشبه لكن يحصل الاعتبار فهذا أصل عظيم يشرف بك على كيفية استعمال الالفاظ فى المعانى القديمة والحادثة حتى لايقف بك الوهم مع المعانى الحادثة عندما تسمع استعمال اللفظ فى معنى قديم وقد اشتهر عندك استعماله فى الحادثة حتى تعتقد فى الواجب مالا يليق بجلاله أويثبت له لازم ذهنى لذلك المعنى الحادث أصلا وذلك المعنى اللازم الثابت فى القديم فرعا فيكون اطلاق اللفظ فى الحادث حقيقة وفى ذلك الفرع اللازم مجازا وهذا وان كان صحيحا فى الجملة لكن فيه عكس الحقائق بل اذا سمعته وقد ثبت عندك تنزيه الواجب عن النقائص والحوادث ولابد ان يثبت عندك اذهو أصل دينك وعرفت ان ذلك اللفظ حيث أطلق على المعنى الالهى واستعمل فيه فقد استعمل فى معناه الاصلى فخذ ذلك المعنى مجردا عن جميع اللواحق المادية والاحوال الخلقية بحيث يكون ذلك المعنى الهيا فان ظفرت بعبارة محصلة يمكنك الافصاح بها عن ذلك المعنى المجرد الالهى فذلك والا فسلم الامر للعالم به واعتقد ان ذلك المعنى الذى لايمكنك التعبير عنه هو الاصل للموضوع له ذلك اللفظ فاعرف ذلك والله أعلم ... * (الركن الثالث) * (العلم بأفعال الله تعالى ومداره على عشرة أصول) اعلم أن الصفات ضربات صفات الذات وصفات الفعل والفرق بينهما ان كل ماوصف الله به تعالى ولايجوز أن يوصف به وبضده فهو من صفات الذات كالقدرة والعلم والعزة والعظمة وكل مايجوز أن يوصف به وبضده فهو من صفات الفعل كالرأفة والرحمة والسخط @ والغضب والفرق بين الصفة والاسم ان الصفة عبارة عن مجرد العلم والقدرة بدون الذات والاسم عبارة عن الذات وقد اختلف فيها فقال الاشعرى صفات الذات كالحياة والقدرة والسمع والبصر والكلام والارادة قديمة قائمة بذاته وصفات الفعل حادثة غير قائمة بذاته وفرقوا بين صفات الذات وصفات الفعل بجواز السلب وعدمه الا أنه لايستلزم سلبه نقيضه ووافقه الماتريدى الافى صفات الافعال فانها عنده قديمة قائمة بالذات وعليه تتفرع مسئلة التكوين والخلف بينهما لفظى كما سبق فى الخطبة فلنقدم قبل الخوض فى هذا الركن فى تحقيق هذه المسئلة فانها من أعظم المسائل المختلف فيها وان كان المصنف لايرى ذلك ولنورد سياق ابن الهمام فى مسايرته ممزوجا بشرحه لابن أبى شريف على وجه الاختصار ثم نورد كلام امامنا الاعظم فى الفقه الاكبر بالاجمال ثم نشرحه ونذكر مايتعلق به تفصيلا قال ابن الهمام مانصه والاشارة فى صفات الافعال التى تدل عليها نحو قوله تعالى الخالق البارئ المصور ونحو الرازق والمحبى والمميت والمراد بها صفات تدل على تأثير ولها أسماء غير اسم القدرة باعتبار أسماء اشارتها والكل يجمعها اسم التكوين أى رجوع الكل الى صفة واحدة هى التكوين وهو ماعليه المحققون من الحنفية خلافا لماجرى عليه بعض علماء ماوراء النهر منهم من ان كل صفة حقيقة أزلية فان فى هذا تكثيرا للقدماء جدا فادعى المتأخرون منهم من عهد الامام أبى منصور الماتريدى انها أى تلك الصفات الراجعة الى صفة التكوين صفات زائدة على الصفات المتقدمة أى المعقود لها الاصول السابقة وليس فى كلام أبى حنيفة وأصحابه المتقدمين تصريح بذلك سوى ماأخذه المتأخرون من قول الامام كان تعالى خالقا قبل أن يخلق ورازقا قبل أن يرزق وذكر واله وجوها فى الاستدلال منها وهو عمدتهم فى اثبات هذا المدعى ان المبارى تعالى مكون الاشياء أى موجدها ومنشئها اجماعا وهو أى كونه تعالى مكون الاشياء بدون صفة التكوين التى المكونات آثاره يحصل عن تعلقها بها محال ضرورة استحالة وجود الاثر بدون الصفة التى بها الاثر ولابد أن تكون صفة التكوين أزلية لامتناع قيام الحوادث بذاته تعالى والاشاعرة يقولون ليست صفة التكوين على تفاصيلها سوى صفة القدرة باعتبار تعلقها بتعلق خاص فالتخليق هو القدرة باعتبار تعلقها بالمخلوق والترزيق صفة القدرة باعتبار تعلقها بايصال الرزق وماذكروه فى معناه لاينفى هذا ولايوجب كونها صفات أخرى لاترجع الى القدرة المتعلقة ولايلزم فى دليل لهم ذلك بل فى كلام أبى حنيفة نفسه مايفيد ان ذلك على مافهم الاشاعرة من هذه الصفات على مانقله عنه الطحاوى فى عقيدته مانصه وكما كان تعالى لصفاته أزليا كذلك لايزال عليها أبديا ليس منذ خلق الخلق استفاد اسم الخالق ولاباحداثه البرية استفاد اسم البارى له معنى الربوبية ولامربوب ومعنى الخالق ولامخلوق وكما انه يحيى الموتى استحق هذا الاسم قبل احيائهم استحق اسم الخالق قبل انشائهم ذلك بأنه على كل شئ قدير اه فقوله ذلك بانه على كل شئ قدير تعليل وبيان لاستحقاق اسم الخالق قبل المخلوق فأفادات معنى الخالق قبل الخلق استحقاق اسمه بسبب قيام قدرته فاسم الخالق ولامخلوق فى الازل لمن له قدرة الخلق فى الازل وهذا مايقوله الاشاعرة والله الموفق قال ابن أبى شريف اطلاق الخالق بمعنى القادر على الخلق مجاز من قبيل اطلاق مابالقوة على مابالفعل وكذا الرازق ونحوه وأما فى قول أبى حنيفة كان خالقا قبل أن يخلق ورارقا قبل أن يرزق فمن قبيل اطلاق المشتق قبل وجود المعنى المشتق منه كماهو مقرر فى مبادئ أصول الفقه ووقع فى البحر المزر كثى اطلاق الخالق والرزق ونحوهما حادثة وفيه بحث لان قوله وان قلنا الخ ممنوع عند الاشعرية القائلين بحدوث صفات الافعال انما يلائم كلام الماتريدية القائلين بقدمها فان قيل لو كان مجاز الصح نفيه وقولنا ليس خالقا فى الازل أمر مستهجن قلنا استهجانه والكف عن اطلاقه ليس من جهة اللغة بل هو من جهة الشرع أدبا وكلا منافى الاطلاق لغة ولايخفى انه لايقال انه تعالى اوجد @ المخلوق فى الازل حقيقة لانه يؤدى الى قدم المخلوق وهو باطل هذا آخر كلامه ولنورد ماوعدناه من سياق عبارة الامام الاعظم فى الفقه الاكبر من املاء أبى مطيع البلخى مانصه فالفعلية التخليق والانشاء والابداع والصنع وغير ذلك والله تعالى لم يزل خالقا بتخليقه والتخليق صفة فى الازل وفاعلا بفعله والفعل صفة فى الازل فكان الله خالقا قبل أن يخلق ورازقا قبل أن يرزق وفعله صفته فى الازل والفاعل هو الله وفعل الله غير مخلوق والمفعول مخلوق اه اعلم ان الصفات الفعلية هى التى تنشئ الافعال كالتخليق أى التكوين المخصوص بايجاد الاشياء على تقدير واستواء وبابداعها من غير أصل ولااحتذاء فبالمعنى الاول قوله تعالى انا كل شئ خلقناه بقدر وبالمعنى الثانى قوله خلق السموات والارض وايثاره على الخلق لاظهريته فى ذلك وشيوع استعمال الخلق بمعنى المخلوق والانشاء أى التكوين المخصوص بايجاد الشئ وترتيبه وعليه قوله تعالى هو الذى انشأكم والابداع اى التكوين المخصوص بايجاد الشئ بغير آلة ولامادة ولازمان ولامكان وعليه قوله تعالى بديع السموات والارض أى مبدعهما والصنع أى التكوين المخصوص بايجاد الشئ على الاجادة والاتقان وعليه قوله تعالى صنع الله الذى أتقن كل شئ وغير ذلك من الاحياء والاماتة والترزيق والتصوير والاعاجة ونحوها مما ورد فى النصوص وفيه اشارات * الاولى ان صفة الفعل حقيقة وليست عبارة عن تعلق القدرة والارادة واليه أشار بقوله فيما بعد والفعل صفة فى الازل * الثانية ان صفات الافعال من التخليق والانشاء والابداع وغير ذلك راجعة الى صفة أزلية قائمة بالذات هى الفعل والتكوين العام بمعنى مبدا الافاضة التى هى اخراج المعدوم من العدم الى الوجود لاصفات متعددة كماذهب اليه البعض ولاعين الافاضة كما ظن واليه أشار فيما بعد بقوله والفعل صفته فى الازل فان عدم كون الاخراج صفة أزلية حقيقة من مسلمات العقول ولذا قال الامام الماتريدى اذا أطلق الوصف له تعالى بما يوصف به من الفعل والعلم ونحوه يلزم الوصف به فى الازل فيوصف بمعنى قائم بذاته قبل وجود الخلق كمافى البرهان الساطع وقال الرستغفنى فى الارشاد طريق التكوين وطريق الصفات والافعال الواقعة بالصفات تتراخى عن الصفات كالقدرة والكلام وفى التعديل لصدر الشريعة صفات الافعال ليست نفس الافعال بل منشؤها فالصفات قديمة والافعال حادثة وهو مختار عبد الله بن سعيد القطان فى الرحمة والكرم والرضا فبعض مشايخنا كصاحب التبصرة والتلخيص والارشاد وان تسامحوافى تعريف التكوين باخراج المعدوم من العدم الى الوجود كما هود أبهم من عدم الالتفات الى جوانب التعريفات فقد نبهوا على المراد فى المقام من مبدا الاخراج المذكور بيان القيام بذاته تعالى كسائر صفاته سيما الكلام * الثالة الرد على المعتزلة النافين لمغايرة التخليق للمخلوق ومتمسكين بأن التخليق لو كان غير المخلوق فان كان قديما لزم قديم العالم وان كان حادثا افتقر الى خلق آخر وتسلسل * الرابعة الرد على من أرجع الصفات الفعلية الى الاعتبارية كالاشاعرة الذاهبين الة أن التكوين وسائر صفات الافعال ليست صفات حقيقية بل هو اعتبارى يحصل فى العقل من نسبة الفاعل الى المفعول وليس مغايرا للمفعول فى الخارج فالتكوين بمعنى المكون متمسكين بان مبدا الاخراج من العدم الى الوجود ليس غير القدرة المتعلقة بأحد طرفى الفعل والترك المقترنة بارادته فان القدرة صفة تؤثر على وفق الارادة أى انما تؤثر فى الفعل ويجب صدور الاثر عند انضمام الارادة وما بالنظر الى نفسها وعدم اقترانها بالارادة المرجحة لاحد طرفى الفعل والترك فلا يكون الا جائز التاثير فلهذا لايلزم وجود جميع المقدورات وأشار الامام الى الجواب عما تمسك به الخالفون بوجهين * الاول ماأشار اليه بقوله والله تعالى لم يزل خالقا أى متصفا بمدلول هذا الاسم المتعلق على وجه التأثير بتخليقه أى بسبب قيام التخليق الذى هو مبدؤه بذاته تعالى فى الازل لان الوصف بذلك المشتق يدل على قيام مايلزم لمبدئه من الامور الثابتة بالاتفاق وهو غير القدرة فان التخليق يتوقف على القدرة والقدرة غير متوقفة على التخليق فيتغايران واليه أشار @ بقوله والتخليق أى مبدا الايجاد فى الخارج صفة فى الازل اى صفة مستقلة مغايرة للقدرة كما هو المتبادر فاشار الى أنه لو لميكن متصفا به فى الازل لمعنى قائم بذاته تعالى قبل وجود الخلق كما دل الوصف به واتصف بوجود المخلوق صارت الصفة حادثة له بالمخلوق فكان القول بتعريه عنها فى الازل وحدوثهابحدوث المخلوق قولا بقيام النقص والحاجة الى مايتحقق بذلك والقديم يتعالى عن ذلك وفيه اشارات * الاولى ان ذلك المبدا المدلول هو المعنى الذى نجده فى الفاعل وبه يمتاز عن غيره ويرتبط المفعول ويؤثر فى ايجاده بالفعل فى الوقت المراد واليه أشار بقوله والتخليق صفة فى الازل بل هذا المعنى الموجب أيضا لاصلاحية التأثير الراجعة الى القدرة كما ظن لان تعلقها على وجه صحة التأثير فى الايجاد والترك دون التأثير بالفعل * الثانية ان ذلك المدلول بالمشتقات يرجع الى مطلق الفعل المعبر عنه بالتكوين واليه أشار بقوله وفاعلا أى متصفا بفعله أى بسبب قيام الفعل بمعنى مبدا الايجاد بذاته كما دل عليه قوله وتعالى فعال لما يريد فان اطلاق الفعل على نفس الصفة شائع بينهم فالفعل حقيقة عرفية فيما به الفعل كما ان التكوين حقيقة فيما به التكون وقد بينه بقوله والفعل صفة فى الازل فأشار الى اختلاف أسمائه باختلاف التعلقات فمن حيث التعلق بحصول المخلوقات تخليق وبحصول الارزاق ترزيق الى غير ذلك من الصفات واختاره جمهور الماتريدية لدلالة المشتقات فيهما على أصل الفعل العام للمتعلقات دون سائر الصفات * الثالثة الجواب بمنع ارجاعه الى تعلق القدرة المقارنة للارادة اذ لاتعلق بالفعل فى الازل وقد وصف به فيه وغير القدرة لان تعلقها بصحة التأثير والترك دون التأثير بالايجاد البتة فى الوقت المراد وانما عبر عنه بالتكوين أخذا من قوله تعالى انما أمره اذا أراد شيأ أن يقول له كن فيكون واليه أشار بقوله وفاعلا بفعله والفعل صفة فى الازل وبيانه انه تعالى وصف ذاته بأنه فعال لما يريد وعبر عن تكوينه الاشياء بأن يقول له كن وهو مجاز عن سرعة الايجاد عند الجمهور منادال على ايجاده تعالى الاشياء وتكوينه عند تعلق ارادته بلا تراخ ولاتعذر وليس بمعنى تعلق القدرة المقارنة بالارادة لانه علق على الارادة أى تعلقها المدلول بقوله تعالى لما يريد وقوله اذا أراد شيأ فدل على انه غيره لان المعلق غير المعلق عليه بالضرورة ودل على الوجود والتأثير فى الاول ورتب عليه الوجود المدلول عليه بقوله فيكون فى الثانى فدل على انه غير تعلق القدرة لان تعلقها بصحة وجود المقدور دون الوجود ودل الوصف بالمشتق على قيام أمر حقيقى بالموصوف فثبت قيام أمر لازم لمبدئه وكونه صفة له أزلية والامر يرجع لمتعلق القدرة المقارنة بالارادة اذ لاتعلق بالفعل فى الازل ولانه ابطال لدلالة تلك المشتقات بالكلية وفى المعارف شرح الصحائف فان قامت لم لايكفى القدرة والارادة فى وجود الاشياء فما الحاجة الى صفة اخرى قلت لاخفاء ان القدرة والارادة بدون التأثير لايكفيان فى وجود الاثر والتأثير بصفة التكوين واعترض الفخر الرازى بأن صفة القدرة مؤثرة على سبيل الجواز أى جاز أن تتعلق بالتأثير وجاز أن لاتتعلق وصفة التخليق ان كانت مؤثرة على سبيل الوجوب على معنى انه متى خلق الله تعالى وجب وجود المخلوق والايلزم العجز وأما تعلقها باختياره وهو المراد بالحصول فعلى سبيل الجواز لانه متى شاء خلق ومتى شاء لم يخلق والقدرة بعكس ذلك اذ تأثيرها على سبيل الجواز وحصولها لله تعالى على سبيل الوجوب فلخلق جهتان جهة الايجاب وجهة الجواز ولايلزم من ايجابه كون الله تعالى موجبا لما علمت ولان جهة جوازه غير جهة جوازها فظهر لك ان ارجاع التكوين الى تعلق القدرة والارادة تحكم وتناقض والثانى ماأشار اليه بقوله فكان الله خالقا قبل أن يخلق ورازقا قبل أن يرزق أى فخلق المخلوقات ورزقها فى الوقت الذى تعلق به تلك الصفة وليست هى القدرة لانه كان قادرا على خلق الشموس والاقمار فى هذا العالم لكنه ماخلقها @ فالقدرة حاصلة دون التخليق فهما متغايران واليه أشار بقوله وفعله أى مبدؤه صفة أى القائمة به تعالى فى الازل أى ان صفة الفعل لو لم تكن مستقلة بل راجعة الى تعلق القدرة والارادة وعين المكون فى التحقق لزم اخلاء المشتق عن الدلالة على ثبوت المبدا والخلو عن صفة كمال ثم قال والفاعل أى المكون للموجودات هو الله الواجب المتعال المتصف بصفات الكمال فو لم يكن الفعل والتكوين صفة حقيقية له لزم خلوه عن صفة كمال واخلاء المشتق الدال عليه واستغناء الحوادث المحال فالمراد بالفاعل من شأنه أن يوجد الشئ البتة فى وقت أراد أن يوجده فيه دون من صدر منه الفعل لعدم استقامة الحصر عليه لان الالكاسب أيضا يوصف بالفاعل على الحقيقة عند أهل السنة ثم أشار الى مغايرته للمكون بقوله وفعل الله أى مبدا فعله المدلول بالمشتقات غير مخلوق لما يلزمه ماذكر من المحاولات دون نفس الفعل والتأثير لانه ليس متعلق الخلق والايجاد فى الخارج فلايقيد نفيه بل لايصح نفيه أيضا اشارة الى أن التكوين القائم به تعالى ليس نفس التأثير والاخراج من العدم الى الوجود بل مبدا التأثير فى ذلك وليس نفس المكون فى التحقق والتعقل والى ان صفة التخليق غير المخلوق لانا نقول وجه هذا المخلوق لان الله تعالى خلقه فيعلل وجوده بتخليقه اياه فلو كان التخليق غير المخلوق لكان قولنا وجد لان الله تعالى خلقه جاريا مجرى قولنا وجد ذلك المخلوق انفسه وذلك باطل كما فى شرح الصحائف والى ان ايجاده المكونات بتكوينه ليس على الايجاب بالذات لقدرته على الترك كمامر ففى التعديل أن المراد بايجاده الشئ البتة انه لايتردد فى ان الفاعل يفعل مع قدرته على الترك متميز عن القدرة اذهى لاتوجب الجزم تميزا لايلزم منه الايجاب بالذات لتوسط الفعل الاختيارى وهو الايجاد وقت كذا واليه أشار بقوله والمفعول مخلوق أى محدث مسبوق بالعدم فهو مغاير لفعله وتكوينه فى التعقل والتحقق وصادر عنه تعالى بالاختيار كما هو المتبادر من الخلق واذا احطت بجميع ماذكرناه وتأملت حق التأمل عرفت اندفاع وجوه من الاشكالات الواردة على القائلين بقدم صفة التكوين من ذلك ماقيل نقول لهم ان عنيتم مؤثرية المقدور فهى صفة نسبية والنسبية لاتوجد الا مع المنتسبين فيلزم من حدوث المكون حدوث التكوين وان عنيتم به صفة مؤثرة فى صحة وجود الاثر فهى عين القدرة وان عنيتم به أمرا ثالثا فبينوه الثانى ماقيل انه لايعقل من التكوين الا الاحداث واخراج المعدوم من العدم الى الوجود كما فسره القائلون بالتكوين الازلى ولاخفاء فى انه اضافة يعتبرها العقل من نسبة المؤثر الى الاثر فلايكون موجودا عينيا ثابتا فى الازل وانه لوكان أزليا لزم أزلية المكونات ضرورة امتناع التأثير بالفعل بدون الاثر وانهم أطبقوا على اثبات أزليته ومغايرته للقدرة وكونه غير المكون وسكتوا عماهو أصل الباب أعنى مغايرته للقدرة من حيث تعلقها باحد طرفى الفعل والترك واقترانها بارادته واغتر بذلك شيخنا ابن الهمام فقال فى مسايرته ماقال مماتقدم ذكره آنفا فى أول الكلام مع ان تعليله بقول أبى جعفر الطحاوى فى عقيدته من قوله ذلك بانه على كل شئ قدير وانه بيان لتمام قدرته فيرجع صفة التكوين الى القدرة مفهوم وهو لايعارض المنطوق المعلوم كماأشار اليه ملاعلى فى شرح الفقه الاكبر وسبقه الامام أبو شجاع الناصرى الثالث ماقيل ان الاستدلال بالآية لايطابق المرام لانه حينئذ يعود الى صفة الكلام ويثبت صفة أخرى وان دلالة الاشتقاق فى الصفات الحقيقية كالعلم والقدرة ولانسلم ان التأثير والاستيجاد كذلك بل هو معنى من اضافة المؤثر الى الاثر فلايكون الا فيما لايزال ولايفتقر الاالى صفة القدرة والارادة الرابع ماقبل ان القدرة لاتأثير لها فى كون المقدور فى نفسه ممكن الوجود لان الامكان للممكن بالذات ومايكون بالذات لايكون بالغير بل القدرة صفة مؤثرة فى وجود المقدور والتكوين هو تعلق القدرة بالمقدور حال ارادة ايجاده الخامس ماقيل ان التمدح بذلك كالتمدح بقوله تعالى يسبح له مافى السموات والارض وقوله وهو الذى فى السماء اله وفى الارض اله @ أى معبود ولاشك أن ذلك الفعل انما يكون فيما لايزال لافى الازل والاخبار عن الشئ فى الازل لايقتضى ثبوته فيه كذلك الارض والسماء نعم هو فى الازل بحيث يحصل له هذه التعلقات والاضافات فيما لايزال لماله من صفات الكمال وان التقص انماهو فيما يصح اتصافه به فى الازل ولانعلم أن التكوين والايجاد بالفعل كذلك نعم هو فى الازل قادو عليه الساجس ماقيل انما ثبت بالدليل ان مبدأ التأثير بالنسبة الى مقدور الواجب نفس القدرة والارادة بالنسبة الى صفات ذاته الممتازة بذاتها عن سائر الدوات فلا يكون التكوين صفة أخرى السابع ماقيل ان أريد بمبدا الاشتقاق المعنى المصدرى فمسلم أن ثبوت المشتق للشئ لايتصور بدون المبدا لكنه ليس بحقيقى وان أريد به الصفة الحقيقية فممنوع وكون المعنى المصدرى مستلزما لذلك انما هو فى الشاهد وليس الامر كذلك فى الغائب وانه منقوض بمثل الواجب والموجود وان أريد الثبوت بمعنى الانصاف به فغير مفيد وقد عرفت أن القول بانه تعلق القدرة على وفق الارادة بوجود المقدور لوقت وجوده اذا نسب الى القدرة يسمى ايجابا له واذا نسب الى القادر يسمى الخلق والتكوين ونحو ذلك فهو أمر اعتبارى يحصل فى العقل من نسبة الفاعل الى المفعول وليس أمرا محققا مغايرا للمفعول فى الخارج ليس تحقيقا فى المقام بل غايته تصحيح للقول بنسبة التكوين للمكون وتقريب له الى الافهام كذا صرح به شارح التعديل فى شرحه ولله أعلم (الاصل الاول العلم بان) الله تعالى لاخالق سواه وان (كل حادث فى العالم) جوهر او عرض على اختلاف أنواعه كحركة الشعرة وان دقت ودخل فيها كل قدرة لكل حيوان عاقل أو غيره وكل فعل اضطرارى كحركة المرتعش وحركة العروق الضوارب بالبدن أو اختيارى كافعال الحيوانات المقصودة لهم (فعله وخلقه واختراعه) وابداعه وانشاؤه (لاخالق له سواه ولامحدث له الا اياه خلق الخلق وصنعهم) بضم الصاد المهملة وسكون النون وفتح العين معطوف على ماقبله أى وخلق صنعهم وفى نسخة وصنعتهم وفيه الاشارة الى الحديث الذى أخرجه الحاكم والبيهقى من حديث حذيفة رضى الله عنه رفعه ان الله صانع كل صانع وصنعته أوانه بفتح الصاد والنون على انه فعل ماض معطوف على خلق وهو أيضا صحيح ولكن الاولى أوفق والخلق والصنع والانشاء والابداع والاختراع والفعل قيل مترادفات والحق انها متغايرات وقد سبقت الاشارة اليه (وأوجد قدرتهم وحركتهم) والمراد بها ماء يعم الحركة الاتية وغيرها (فجميع أفعال عبيده) اذا (مخخلوقة له ومتعلقة بقدرته) وهذا مااتفق عليه السلف قبل ظهور البدع وقال المعتزلة المحدثون مخترعون أفعالهم بقدرهم وخالقوها والله تعالى غير موصوف بالاقتدار على أفعال العباد وقد ألزمهم المصنف بدلائل نقلية وعقلية وقدم النقلية لشرفها واليها أشار بقوله (تصديقا له) أى للمطلوب السابق الذى هو الخالق الله ولاخالق سواه وان الحوادث كلها بقدرته (فى قوله تعالى) ذلكم الله ربكم لااله الا هو (خالق كل شئ) ووجه الدلالة أن الآية خرجت مخرج المد فلايصح أن يكون المخلوق بعض الاشياء اذلو كان المخلوق بعض الاشياء كما يزعم الخصم لما كانت مدحا اذعندهكثير من الحيوانات يخلق البعض فلايكون ثم اختصاص فلامدح فيتعين الجميع واذا تعين الجميع بطل أن يكون خلق لغير الله تعالى وذلك هو المطلوب ومثل ذلك قوله تعالى أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شئ وهو الواحد القهار ووجه الدلالة كما قبلها مع مافيها من زيادة الانكار من مطايقتها على عين دعو المخالف اذ هو يقول يخلق كخلقه على تقدير أن العبد يخلق أفعاله ولو عنيا فى قول المنصف هذه الآية لم يبعد ومثل ذلك أيضا قوله تعالى أفمن يخلق كمن لايخلق تمدح بالخلق فلو شاركه غيره فى الخلق لماتم التمدح وقال على وجه الانكار من خالق غير الله وقال فى الثناء على نفسه الاله الخلق وامر وقال تعالى خلق كل شئ فقدره تقديرت فهذه الآيات كلها شاهدة لمااستدل به المصنف على تحقيق المطلوب (وفى قوله) تعالى (والله خلقكم وماتعلمون) حكاية عن قول ابراهيم عليه السلام لهم @ حين كانوا ينحتون الاحجار بأيديهم ثم يعبدونها ووجه الدلالة فيها اما على أن مامصدرية أى موصولا حرفيا لايحتاج الى عائد فيستغنى عن تقدير الضمير المحذوف فلو جعلت موصولا اسميا فظاهر للتصريح بان العمل وهو الفعل مخلوق والمعنى والله خلقكم وخلق عملكم واليه ذهب سببويه واعترضت المعتزلة بان معنى الآية انكار السيد ابراهيم عليهم عبادة مخلوق ينحتونه بأيديهم والحال أن الله تعالى خلقهم وخلق ذلك المنحوت والمصدرية تنافى هذا الانكار اذلاطباق بين انكار عبادة ماينحتون وبين خلق عملهم وحاصل الجواب المعارضة ببيان حصول الطباق مع المصدرية اذالمعنى عليها أتعبدون منحوتا تصيرونه بعملكم صنما والحال أن الله خلقكم وخلق عملكم الذى بصير به المنحوت صنما فقد ظهر الطباق وكذا على أن تكون ماموصولة والتقدير أى معمولكم فان نزاع الخصم انماهو فى الآثار التى هى الحركات والسكنات والمعمولات لافى التأثير المتعلق بها اذهو نسبة اعتبارية وقال السعد فى شرح العقائد قوله تعالى والله خلقكم وماتعملون أى عملكم على أن مامصدرية لئلا يحتاج الى حذف الضمير أومعمولكم على أن ماموصولة ويشمل الافعال لانا اذا قلنا أفعال لعباد مخلوقة لله تعالى أو للعبد لم نرد بالفعل المعنى المصدرى الذى هو الايجاد والايقاع بل الحاصل بالمصدر الذى هو متعلق الايجاد والايقاع أعنى مايشاهد من الحركات والسكنات مثلا وللذهول عن هذه النكتة قد يتوهم أن الاستدلال بالآية موقوف على كون مامصدرية اه وقال ابن الهمام أولفظ ماموصول اسمى يحتاج الى عائد ويكون التقدير وخلق الذى تعلمونه فحذف العائد المنصوب بالفعل والموصول الاسمى من أدوات العموم فيشمل مافى الآية نفس الاحجار المنحوتة والافعال وأعنى بالفعل هنا الحاصل بالمصدر وأهل العربية يقولون للمصدرالمفعول المطلق لانه هو الفعل بالحقيقة لانه الذى يوجده الفاعل ويفعله وهو بناء على ارادة الحاصل بالمصدر لان الامر الاعتبارى لاوجود له فلايتعلق به الخلق فوجب اجراء الآية على عمومها للاحجار المنحوتة والافعال قال ابن أبى شريف والتحقيق أن عملهم بمعنى الاثر الحاصل بالمصدر هو معمولهم ومعنى الموصولة وصلتها كذلك فمآل الفعل فيهما واحد لان التقدير فى الموصولة وخلق العمل الذى تعملونه أو الشئ الذى تعملونه ودعوى عموم الآية للاعيان ممنوعة لان الاعيان ليست معمولة للعباد بمعنى ايجادهم ذواتها انماهى معمول فيها النحت والتصوير وغيرهما من الاعمال واطلاق قول القائل عملت الحجر صنما مجاز والمعنى الحقيقى هو انه حوله بالنحت والتصوير الى صورة الصنم فلاينافى شكول كاللاعيانبناء على انها موصول اسمى الاعلى القول باستعمال اللفظ فى حيقته ومجازه اه وبهذا وبما تقدم للسعد تعلم ماوقع فى بعض الحواشى من أن المعتزلة أعربوا مامن قوله تعالى وماتعملون مصولة توصلا الى غرضهم من وقوعها على الاصنام المعبودة وليست من عملهم فيتوصولن الى خروج أعمالهم من خلق الله تعالى والحق انها مصدرية فلذلك كان الجهل باللسان العربى أصلا من أصول الكفر اذلولا هو من هذا الموضع لقامت الحجة علينا لهم قبحهم الله تعالى اه ذهول عن النكتة التى بينها السعد وألم عليها ابن أبى شريف ثم تأمل فى قوله فلذلك كان الجهل باللسان العربى الخ وفى مرجع الضمير فى قوله اذلولا هوفى الموضع لقامت الحجة علينا لهم فان الظاهر انه ذهول ثان كما يعلم من حواشى شرح العقائد على ان مالو كانت موصولة كما يقول به المعتزلة لم يكن فى ذلك حجة علينا فان المعمول التى هى الاعبان ليست محل النزاع بيننا وبينهم كخشب السرير بالنسبة الى النجار وحيث كان كذلك فلاحجة لهم علينا بهذه الآية اذ ليس فيها مايصرح بالحصر على أن بعضهم قال ان ذلك الجسم بدون عمل العباد لايكون معمولا والله تعالى أثبت الخلق للمعمول فدل أن العمل الذى صار به الجسم المخلوق معمولا كان مخلوقا حتى جعل المعمول مخلوقا له اه ولايخلو عن تأمل قال الغنيمى فى حواشى أم البراهين ولاحجة لنا عليهم بها أيضا بناء على أن مامصدرية اذ هى كماتحتمل المصدرية تحتمل أن تكون موصولة @ فى اللسان العربى كما ذهبت اليه الاخفش فى الآية ونحوها من كل فعل متعد اتصلت به ما والدليل اذا طرقه الاحتمال سقط به الاستدلال وخصوصا فى مسائل الدين فان المطلوب فيها غالبا اليقين اه فدعوى أن القول بكونها موصولة جهل باللسان العربى فتأمله ثم قال المصنف (وفى قوله) تعالى (وأسروا قولكم أواجهروا به انه عليم بذات الصدور) اى بالضمائر قبل أن يعبر عنها سرا أوجهرا (ألا يعلم من خلق) ألايعلم السر والجهر من أوجد الاشياء حسبما قدرته حكمته (وهو اللطيف الخبير) المتوصل عمله الى ماظهر من خلقه ومابطن ووجه الدلالة فيها انه (أمر العباد بالتحرز فى أقوالهم وأسرارهم واضمارهم) بفتح الهمزة جمع ضمير كشريف واشراف وانما اختاره على الضمائر ليكون مع ماقبله نسقا واحدا (لعلمه بموارد أفعالهم) كلها (واستدل على العلم بالخلق) فى قوله ألايعلم من خلق فظهر انها خرجت مخرج التمدح والثناء ومن السنة الصحيحة مايصح أن يكون دليلا على هذا المطلب فى الصحيحين حديث الايمان الطويل وفيه وان تؤمن بالقدر خيره وشره حلوه ومره وفى صحيح مسلم ولاتقل فى شئ أصابك لو كان كذا فان لوتفتح باب الشيطان ولكن قد قدر الله وماشاء فعل وفى حديث جابر ان القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف شاء وأشار الى السبابة والوسطى يحركها وهذا هو متمسك المحدث وأما الصوفى يقول اذا قيل بماعرفت الله فيقول بنقض العزائم ويقول كيف يكون لغير الله فعل وهو معه بعموم التكوين ومايبدو فيه من التحريك والتسكين وهو معكم أينما كنتم أى تكون كونكم الشامل لذواتكم وأعراضكم وأفعالكم من حركاتكم وسكناتكم قل ان صلاتىونسكى ومحياى ومماتى لله رب العالمين لاشريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين وأما الدليل العقلى فهو انه لو كان فعل العبد العبد واقعا بقدرته لكان عالما به ضرورة انه مختار والاختيار فرع العلم والتالى باطل لما يجده كل عاقل من عدم علمه حالة قطعه لمافة معينة بالاجزاء والاحيان والحركات التى بين المبدا والمنتهى وكذا الاناة التى يتألف منها وكذا حالة نطقه بالحروف يجد كل عاقل من نفسه عدم العلم بالاعضاء التى هى آلتها والمحال التى فيها مواقعها وعدم العلم بهيآتها وأوضاعها وكل ذلك ظاهر وأيضا فلو كان فعل العبد بقدرته لزم اجتماع مؤثرين على أثر واحد وهو محال لما يلزم عليه من اجتماع النقيضين وهو الاستغناء وعدم الاستغناء أما الملازمة فلان فعل العبد ممكن وكل ممكن واقع بقدرة الله تعالى ضرورة ان الامكان هو المحوج للسبب المعين لان غير المعين لاتحقق له والامكان معقول واحد فى جميع الممكنات فيلزم افتقار جميع الممكنات الى ذلك السبب المعين والالزم الترجيح ولاجائز أن يكون ذلك السبب ممكنا والالزم التسلسل فيكون واجب الوجود هو صانع العالم فيكون جميع الممكنات واقعة بقدرته فلو كان فعل العبد واقعا بقدرته لزم المحال المذكور وهو المطلوب وأيضا لو جاز أن يكون فعل العبد واقعا بقدرته لجاز أن يكون الجواهر وسائر الاعراض بقدرته والتالى باطل بالاتفاق فالمقدم مثله اما الملازمة فلان المحوج لفعل العبد الى سببه هو الامكان والحدوث وكل منهما حقيقة واحدة فى جميع الممكنات واستدل المصنف على اثبات هذا المطلب من العقلية بدليل آخر فقال (وكيف لايكون) البارى تعالى (خالقا لفعل العبد) وموحدا له (وقدرته) تعالى (تامة) صالحة لخلق كل حادث (لاقصور فيها) ولالها عن شئ منه لان المقتضى للقادرية هو الذات لوجوب استناد صفاته تعالى الى ذاته والمصحح للمقدورية هو الاسكان لان الوجوب والامتناع الذاتيين يحيلان المقدورية ونسبة الذات الى جميع الكائنات فى اقتضاء القادرية على السواء فاذا ثبتت قدرته على بعضها ثبتت قدرته على كلها والالزم التحكم واليه أشار المصنف بقوله (وهى متعلقة بحركة أبدان العباد والحركات متماثلة وتعلق القدرة بها لذاتها فما الذى يقصر تعلقها عن بعض الحركات دون البعض مع تماثلها) فوجب اضافة الحوادث كلها اليه سبحانه بالخلق قال ابن أبى شريف وهذا الاستدلال مبنى على ماذهب اليه أهل الحق من ان المعدوم ليس @ بشئ وانما هو نفى محض لاامتياز فيه أصلا ولاتخصيص قطعا فلايتصور اختلاف فى نسبة الذات الى المعدومات بوجه من الوجوه خلافا للمعتزلة ومن ان المعدوم لامادة له ولاصورة خلافا للحكماء والالم يمتنع اختصاص بعض الممكنات دون بعض بمقدوريته تعالى كمايقوله الخصم اذالمعتزلى يقول جاز أن يكون خصوصية بعض المعدومات الثابتة المتميزة مانعا من تعلق القدرة والحكيم يقول جاز أن تستبد المادة بحدوث ممكن دون آخر وعلى هذين التقديرين لاتكون نسبة الذات الى جميع الممكنات على السواء ولما كان هذا الاستدلال لايخلو عن ضعف لابتناء دليله على أمر مختلف فيه يمنعه الخصم قواه بدليل آخر وقر به الى الافهام فى أفعال غير العقلاء وحاصل ماأشار اليه هو ان العبد لو كان خالقا لفعله لكان محيطا بتفاصيله وهو لايحيط بمعظم تفاصيل فعله ولايتصور القصد الى ايجاد الفعل مع الجهل به فقال (أو كيف يكون الحيوان مستبدا) أى مستقلا (بالاختراع) والابداع من غير مثال سابق (ويصدر من العنكبوت) الحيوان المعروف (والنحل) هو ذباب العسل (وسائر الحيوانات) أى مماعداهما (من لطائف الصناعات) وغرائب الاشكال (مايتحير فيه عقول ذوى الالباب) فمن نسج العنكبوت الذى يصل الى حد لايتبين شئ من الخطوط الواهية التى تركب منها ومن بناء النحل الشمع على شكل المسدس الذى لاخلاء فى بيوته ولاخلل فيها ثم القاء العسل به اولا فاولا الى أن تمتلئ البيوت ثم تختم بالشمع على وجه يعمها فى غابة من اللطف (فكيف انفردت هى باختراعها) على هذا الشكل الغريب (دون رب الارباب جل جلاله وهى غير عالمة بتفصيل مايصدر منها) وعنها (من الاكتساب هيهات هيهات ذلت المخلوقات وتفرد بالملك والملكوت) أى العالم السفلى والعلوى (جبار الارض والسموات) وفى بعض النسخ جبار السموات فدل ذلك على ان ذلك الصنع الغريب والفعل الواقع على غاية من الاتقان وحسن الترتيب واقع منه سبحانه وصادر عنه دون تلك الحيوانات التى لاعقول لها ولاعلم بتفاصيل مايصدر عنها وقد فرض الشيخ أبوالحسن الاشعرى الدليل عليهم فى أفعال الساهى والغافل فانها عندهم محض فعله مع سهوه وغفلته ولوجاز وقوع الفعل من الجاهل بتفاصيله لبطلت دلالة الافعال على علم الفاعل فان قالوا هذا الدليل له يدل على امتناع الفعل من العبد وغايته لوسلم لكم أن يدل على انه ليس فاعلاله وأنتم تدعون الامتناع فلوقدر ان صادقا أنبأ شخصا بتفاصيل فعله للزم على موجب قولكم أن يصح كونه خالقا له قلنا الغرض من هذا الدليل ابطال ماصرتم اليه من ان الواقع من العبد محض فعله وأنتم لاتقولون به واذا حاولنا الدليل على امتناع احداث العبد لفعل مااستدللنا بعموم قدرة الله تعالى وارادته وعمله فان نسبتها الى جميع الممكنات نسبة واحدة فان الفعل الممكن انما افتقر الى القادر من حيث امكانه وحدوثه فلو تخصصت صفاته تعالى ببعض الممكنات للزم اتصافه بنقيض تلك الصفات من الجهل والعجز وذلك نقص والنقص مستحيل عليه ولاقتضى تخصيصها مخصصا وتعلق المخصص بذات واجب الوجود وصفاته وذلك محال واذا ثبت عموم صفاته فلو أراد الله تعالى ايجاد حادث وأراد العبد خلافه ونفذ مراد العبد دون مراد الله تعالى لزم المحال المفروض فى اثبات الهين والله أعلم (الاصل الثانى ان انفراد الله سبحانه باختراع حركات العباد) جمع العبد والمراد به هنا كل حادث وقع فى محل قدرته فعل اختيارى من انس أوجن أوملك (لايخرجها عن كونها مقدورة للعباد على سبيل الاكتساب بل الله تعالى خالق القدرة والمقدور) أى من قامت به القدرة لايجاده (جميعا وخلق الاختيار والمختار) هو من قام به وصف الاختيار (فأما القدرة فوصف للعبد وخلق للرب سبحانه وليس بكسب له وأماالحركة فخلق للرب تعالى ووصف للعبد وكسب له) أى كما انها وصف للعبد ومخلوقة للرب تعالى لها أيضا نسبة الى قدرة العبد كسبا بمعنى انها مكسوبة له (فانها) أى تلك الحركة (خلقت مقدورة بقدرة هى وصفه) كذا فى النسخ وفى بعضها هى صفة وفى أخرى وهى صفة بزيادة الواو (وكانت الحركة نسبة) وفى بعض النسخ فكانت وفى أخرى @ فكانت للحركة (نسبة الى صفة أخرى تسمى قدرة فتسمى) وفى بعض النسخ فيسمى (باعتبار تلك النسبة كسبا) اعلم أن هذا الاصل معقود على بيان كسب العبد وقد ضرب به المثل حتى قالوا أدق من كسب الاشعرى وقد قال بعض من عاب الكلام كما نقله ابن القيم وغيره محالات الكلام ثلاثة طفرة النظام وأحوال أبى هاشم وكسب الاشعرى أى يقول قدرة ولاأثر لها وذلك عين العجز وان كان هذا الكلام وأمثاله من سوء التعبير حيث عد معتقد أهل السنة والجماعة مع محالات المعتزلة ومذهب أهل الحق لاجبر ولااعتزال كما يشير اليه المصنف وقد اضطرب المحققون فى تحرير الواسطة التى عسر التعبير عنها والحنفية يسمونها الاختيار والصحيح ان الاختيار والكسب عبارتان عن معبر واحد ولكن الاشعرى آثر لفظ الكسب لكونه منطوق القرآن والماتريدى آثر لفظ الاختيار لمافيه من اشعار قدرة العبد كماتقدم والفرق بين الكسب والخلق ان الكسب أمر لايستقل به الكاسب والخلق أمر يستقل به الخالق وقيل ماوقع بآلة فهو كسب وماوقع لابآلة فهو خلق ثم ماأوجده الله سبحانه من غير اقتران قدرة العبد وارادته يكون صفة له ولايكون فعلاله وماأوجده مقارنا لايجاد قدرته واختياره فيوصف بكونه صفة وفعلا وكسبا فالجبرية أنكروا أن يكون للعبد قدرة البتة والمثبتون لهذا المعنى الذى سموه قدرة مختلف فيه فقال الاشعرى انها تتعلق ولاتؤثر فان الفعل واقع عنده بمحض قدرة الله تاعلى ولايتصور وقوع مقدور بين قادرين فآلت التفرقة عنده بين الحركتين الى أن احداهما واقعة على وفق قصده واختياره والاخرى غير واقعة كذلك والى اعتقاد تيسير بعض الافعال عادة فسمى أحد القسمين مقدورا فهو متعلق التكليف والثانى غير مقدور والتكليف بمثله يكون من تكليف المحال وهو يقول بجوازه وتردد النقل عنه فى وقوعه والى هذا القول مال أهل الحديث والصوفية ويقولون ان للعبد قدرة تتعلق بالفعل يخلقها الله عند خلق الفعل من غيرتأثير لها فيه وانما التأثير للبارى جل وعز ويعرف هذا بالجبر المتوسط واختاره امام الحرمين فى الارشاد ومنهم من قال انها تؤثر واختلفوا فى جهة التأثير فزعم القاضى أبو بكر الباقلانى انها تؤثر فى أخص وصف الفعل فان الحركة من حيث كونها تنقسم الى صلاة وغصب وسرقة وغير ذلك وهذه الوجوه منسوبة الى العبد كسبا وأصل الفعل منسوب الى الله تعالى ايجادا وابداعا واختاره الشهر ستانى والى ذلك ذهب أبواسحق الاسفراينى الاأنه ينفى الاحوال ويقول ان أخص وصف الشئ وجه واعتبار فى الفعل ولامام الحرمين مذهب يزيد على المذهبين جميعا ويدنو كل الدنو من الاعتزال وليس هوهوفانه قال فى الرسالة النظامية وهى آخر مؤلفاته ان القدرة الحادثة تؤثر فى أصل ايجاد الفعل كماقاله المعتزلة الاأنه قال ان العبد انمايوقع مايوقعه على اقدار قدرها الله تعالى وقال ان هذا المذهب هو الجامع لمحاسن المذاهب فان القدرة اذا لم تؤثر من وجه ألبتة لم يحسن التكليف ولاتخصيص فعل بثواب ولاعقاب كماذهب اليه المعتزلة وفى اثبات ذلك مايدل لهذا وحيث قال ان العبد لايوقع الاماقدره الله الخ لم يلزمه مالزم المعتزلة من مخالفة الاجماع وهو ان ماشاء الله كان ومالم يشأ لم يكن وقد مال الى هذا المصنف وقال الامام أبومنصور الماتريدى أصل الفعل بقدرة الله تعالى والاتصاف بكونه طاعة أومعصية بقدرة العبد وهو مذهب جمهور مشايخ الماتريدية ففى التوضيح ان مشايخنا ينفون عن العبد قدرة الايجاد والتكوين فلاخالق ولامكون الا الله تعالى لكن يقولون لان للعبد قدرة ماعلى وجه لايلزم منه وجود أمر حقيقى لم يكن بل انما تختلف بقدرته النسب والاضافات فقط كتعيين أحد المتساويين وترجيحه وفى التلويح انه اختيار الباقلانى ثم ان المصنف لاحظ ان ماذهب اليه شيخه فى الرسالة النظامية وصار اليه فى آخرعمره لاينجيه من الجبر فان العبد اذا كان لايوقع الاماخصصه الله له وقدر ايقاعه فعند ذلك لايتأتى منه الفعل بدون ذلك واذا أراد الله ذلك فلايتأتى منه الترك البتة فالجبر لازم له فأشار الى الرد بقوله (وكيف يكون جبرا محضا وهو) أى العبد العاقل (يدرك التفرقة) الضرورية بطريق الوجدان (بين الحركة المقدورة) له وهى الاختيارية @ وبين (الرعدة الضرورية) التى تصدر بدون اختيار كحركة اليد من المرتعش وهذا من باب الاستدلال بالسبب على السبب قال ابن التلمسانى والحق ان الانسان كمايجد من نفسه تأتيا لبعض الافعال زائدا على سلامة البنية يجد من نفسه انه لايستقل بدون اعانة الله تعالى كماقال تعالى اياك نعبد واياك نستعين وفى صحيحة الحق لابى الخير القزوينى العاقل يفرق بين الحركة الاضطرارية والاختيارية فلايخلو ماأن ترجع التفرقة الى نفس الحركة أوالى غيرها محال أن ترجع التفرقة الى نفسها لانا نفرض الكلام فيمااذا كانت الحركات فى صوب واحد فتعين أن يكون مرجعهما معنى زائدا ثم ذلك المعنى لايخلو اماأن يكون سلامة البنية أوغيرها محال أن يكون سلامة البنية لان العاقل يفرق بين أن يحرك يده وبين ان يحرك يد غيره فتعين أن يكون معنى زائدا عليها ثم ذلك المعنى لايخلو اماأن يكون ارادة أوقدرة محال أن يكون ارادة لان حركة النائم مكتسبة وليست مرادة له فتعين أن ترجع التفرقة الى القدرة والى حدها اه وقرره ابن التلمسانى بوجه آخر فقال التفرقة لاترجع الى ذات الحركة فانها من حيث انهاتفريغ واشغال لاتختلف ولاالى ذات المتحرك فانهافى حال دخوله بنفسه وحال سجنه لاتختلف وكذلك تحريك الغير ليده السليمة فتعين أن ترجع التفرقة الى أمر زائد وذلك الزائد يمنع رده الى السلامة ونفى الآفة فانه مدرك بالحس والعدم لايحس وندرك بالضرورة وان لذلك المعنى نسبة الى الحركة وليست مقارنة للحركة كمقارنة كون اليد للحركة اه والحاصل ان ماذهب اليه أهل الحق لايلزم الجبر المحض كمازعم الخصم اذكانت الحركة المذكورة متعلق قدرة العبد داخلة فى اختياره وهذا التعلق هو المسمى عندهم بالكسب ومعنى الجبر المحض ان لاتأثير لقدرة العبد أصلا فى ايجاد الافعال ولماثبت من مذهب أهل السنة ان الله تعالى خلق للعبد قدرة على الافعال والقدرة ليس خاصيتها من بين الصفات الاايجاد المقدور لانهاصفة تؤثر على وفق الارادة ويستحيل اجتماع مؤثرين مستقلين على اثر واحد والنصوص التى تقدمت من القرآن عامة تشمل أفعال العباد فيكونون مستقلين بايجاد أفعالهم بقدرهم الحادثة بخلق الله تعالى اياها باختياره تعالى كماهو مذهب المعتزلة أوبطريق الايجاب بالذات كماهو مذهب الفلاسفة والاكان جبرا محضا فأشار المصنف الى الرد عليهم بقوله (أوكيف يكون) الفعل (خلقا للعبد) اختيارا أوايجابا (وهو) أى العبد (لايحيط علما بتفاصيل أجزاء الحركات المكتسبة واعدادها) ومع كونه منبع النقصان وغير ذلك وماذكروا من استحالة اجتماع مؤثرين على اثر واحد فالجواب عنه ان دخول مقدور تحت قدرتين احداهما قدرة الاختراع والاخرى قدرة الاكتساب جائز وانما المحال اجتماع مؤثرين مستقلين على اثر واحد (واذا بطل الطرفان) اثبات الاضطرار واثبات الاختيار (لم يبق الا الاقتصاد) وهى الحالة الوسطى (فى الاعتقاد) لاجبر محض ولااعتزال وفى شرح الصحائف وقال قوم من العلماء ان المؤثر مجموع قدرة الله وقدرة العبد وهذا المذهب وسط بين الجبر والقدر وهوأقرب الى الحق اه واليه أشار الامامفى الفقه الاكبر وجميع أفعال العباد من الحركة والسكون كسبهم على الحقيقة والله خالقها أى بتأثير اختيارهم فى الاتصاف فانه الكسب على الحقيقة دون مجرد مقارنة الاختيار والمدخلية فى الايجاد فان الخلق أمر اضافى يجب أن يقع به المقدور فى محل القدرة ولايصبح انفراد القادر بايقاع المقدور بذلك الامر فالكسب لايوجب وجوب المقدور بل يوجب من حيث هوكسب اتصاف الفاعل بذلك المقدور واختلاف الاضافات مبنى على الكسب لاعلى الخلق كمافى التوضيح وفى التلويح ان المحققين من أهل السنة على نفى الجبر والقدر واثبات أمر بين الامرين وهوان المؤثر فى فعل العبد أى أصله ووصفه مجموع خلق الله تعالى واختيار العبد لاالاول فقط ليكون جبرا ولا الثانى فقط ليكون قدرا وكان القول بتأثير القدرتين قدرة الله فى الايجاد وقدرة العبد فى الكسب والاتصاف كمادل مجموع الكلام قولا متوسطا جامعا مقتضى جميع الادلة وأشار له المصنف بقوله (وهو انها مقدورة بقدرة الله تعالى اختراعا) وخلقا (وبقدرة العبد على وجه آخر من التعلق يعبر عنها @ بالاكتساب) عملا بظاهرالآية لها ماكسبت وعليها مااكتسبت (وليس من ضرورة تعلق القدرة بالمقدور أن يكون بالاختراع) الذى هو خاصيتهاأى التأثير (فقط اذقدرة الله تعالى فى الازل قدكانت متعلقة بالعالم ولم يكن الاختراع حاصلا بها) أى ولم يحصل الاختراع بها اذذاك (وهى عند الاختراع متعلقة به) أى بالعالم (نوعا آخر من التعلق) فبطل ان القدرة من حيث تعلقها مختصة بايجاد المقدور واليه أشار بقوله (فبه) أى بماتقدم ذكره (يظهر ان تعلق القدرة ليس مخصوصا بحصل المقدور بها) وهذا التعلق هو المسمى بالكسب وأورد عليه ابن الهمام فقال ولقائل أن يقول قولكم ان قدرة العبد تتعلق بالحركة لاعلى وجه التأثير فيها وان التعلق لاعلى وجه التأثير هوالكسب مجرد الفاظ لم يحصلوا لها معنى ونحن مانلهم من الكسب الامعنى التحصيل وتحصيل الفعل المعدوم ليس الاادخاله فى الوجود وهوايجاده وقولكم ان القدرة الحادثة تتعلق بلاتأثير كتعلق القدرة القديمة فى الازل ممنوع وتحقيق المقام أن نقول معنى ذلك التعلق الازلى للقدرة القديمة نسبة المعلوم الوقوع من مقدوراتها اليها بأنهاستؤثر فى ايجاد ذلك المعلوم عند وقت وجوده وذلك ان القدرة انما تؤثر على وفق الارادة وتعلق الارادة بوقوع الشئ هو تخصيص ذلك الوقوع بوقته دون ماقبله ومابعده من الاوقات والقدرة الحادثة يستحيل فيهاذلك لانها مقارنة للفعل عندكم فلم يكن تعلقها بالفعل الاعلى ماذكرتم اما التأثير كماهو الظاهر أوتبينوا لتعلقها بالفعل معنى محصلا ينظر فيه ليقبل أويرد ولوسلم ماذكرتم من ان قدرة العبد تتعلق بالفعل بلاتأثير فيه فالمقتضى لوجوب تخصيص تلك النصوص باخراج أفعال العباد الاختيارية منهاهو لزوم الجبر المحض المستلزم لبطلان الامر والنهى ولزومه مبنى على أن لاأثر فى الفعل لقدرة المكلف بالامر والنهى ولايدفه هذا اللزوم تعلق بلاتأثير فيه لبناء اللزوم على نفى اثر القدرة الحادثة وأجاب عنه تلميذه ابن أبى شريف بقوله ولك أن تقول ان الكسب لايفهم منه الامعنى التحصيل معه بحسب ماوضع له لغة وكلامنا هنا فى المعنى المسمى بالكسب بوضع اصطلاحى وذلك لاينافى كوننا لانفهم بحسب اللغة من معنى الكسب الاالتحصيل ثم لك أن تقول قولكم ان لزوم الجبر يقتضى تخصيص تلك النصوص العامة باخراج أفعال العباد منهاممنوع فان لزوم الجبر يندفع بتخصيص النصوص باخراج فعل واحد قلبى لاباخراج كل فعل من أفعال العباد البدنية والقلبية ثم قال واعلم ان الاشعرية لاينفون عن القدرة الحادثة الاالتأثير بالفعل لابالقوة لان القدرة الحادثة عندهم صفة شأنها التأثير والايجاد لكن تخلف أثرها فى أفعال العباد لمانع هوتعلق قدرة الله تعالى بايجادها كمافى شرح المقاصد وغيره وقدنقل فى شرح العقائد تعريفها بانها صفة يخلقها الله تعالى فى العبد عند قصده اكتساب الفعل مع سلامة الاسباب والآلات ونقل فيه أيضا انها عند جمهور أهل السنة شرط لوجود الفعل يعنى انها شرط عادى يتوقف الفعل على تعلقها به توقف المشروط على الشرط لاتوقف المتأثر على المؤثر وبهذا يظهر ان مناط التكليف بعد خلق الاختيار للعبد هوقصده الفعل وتعليقه قدرته به بأن يقصده قصدا مصمما طاعة أومعصية وان لم تؤثر قدرته وجود الفعل لمانع هوتعلق قدرة الله التى لايقاومها شئ بايجاد ذلك الفعل فان قبل ان القدرة عندكم مقارنة للفعل لاقبله فكيف يتصور تعليق العبد اياها بالفعل قبل وجودها قلنا لما اطردت العادة الالهية بخلق الاختيار المترتب عليه صحة قصد الفعل سواء كان ذلك كفاللنفس أوغير كف كان وجودها مع المباشر متحقق الوقوع بحسب المراد العادة فصح تعليقها بالفعل المباشر بأن يقصد قصدا مصمما لتحقق وجودها مع الشروع فيه اذا تقررلك ذلك ظهر ان تعليق قدرة العبد التى تعلقها شرط هو الكسب الذى هو مناط الثواب والعقاب وبه يتضح فهم كسب الاشعرى وبالله التوفيق * (تنبيه) * قال العلامة أبوسالم العياشى فى رحلته فى ترجمة شيخه الامام العارف ملا ابراهيم الكورانى وتعديد مقروآته عليه حين مجاورته بالمدينة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام مانصه وقرأت عليه رسالة كتبها برسمى @ فى المسئلة التى ألف فيها شيخنا صفى الدين القشاشى وبالغ فى ايضاحها وتعددت تآليفه فيها وهى مسئلة كسب العبد ونسبة فعل العبد اليه والى قدرة الرب فقد انتصر الشيخ فى ذلك للقولة المنسوبة لامام الحرمين وتأولها على مالا ينافى مذاهب أهل الحق وتشهد له بصائر أهل الكشف وتعضده شواهد الآيات ومعانى الاخبار الصحيحة ومافعل رضى الله عنه من تأويلها وتبين معناها على حسب ماظهر وان كان فيه غموض على أفهام كثير من الناس أولى ممافعله كثير من المشايخ ببطلانها والتشنيع على الامام وعلى من نسبها اليه وأنكروا وجودها فى كتبه وذلك قصور منهم فانها قولة صحت عن الامام فى رسالته النظامية التى هى من آخر مؤلفاته ولذلك لم يتردد المتقدمون بنسبتها اليه لاحاطتهم بأخبار الامام ومطالعتهم لكتبه ولمالم تشتهر هذه المسئلة لتأخرها كاشتهار الارشاد وغيره لم تبلغ الى بعض المتأخرين فانكر وجود القولة المشهورة فى شئ من كتب الامام وظن انها مفتعلة عليه أوصدرت منه فى مجلس المناظرة على وجه المعارضة أوارخاء العنان لى غير ذلك ممالايعد مذهبا لقائله وقدبالغ شيخنا فى ايضاحها والاستشهاد فى رسائله الثلاث وكذلك تلميذه السابق ذكره بالغ فى بيانها وكشفها ومع ذلك لم تخل عن غموض ولم تتضح كل الوضوح ولاغر واذهى من معضلات المسائل التى حارت فيها أفكار المتقدمين ولم تحصل على طائل فى تحقيق معناها آراء المتأخرين فقصارى أمرهم فيها اعتقاد انفراد الرب تعالى بالخلق والاختراع واعتقادات للعبد فى أفعاله الاختيارية كسبابه صح نسبة الافعال اليه وبه ثبت التكليف وعليه ترتب الثواب والعقاب وهذا معتقد جميع أهل السنة وهو الحق الذى لامحيص عنه ولكنه اذا ضويقوا فى تحقيق معنى هذا الاكتساب وتبيينه تباينت آراؤهم بين مائل الى مايقرب من الجبر ومائل الى مايقرب من القدر وأهل السنة لايقولون بواحد منهما فقدقال السعد فى شرح العقائد بعد ماذكر كلاما فى معنى الكسب مانصه وهذا القدر من المعنى ضرورى اذلم نقدر على أزيد من ذلك فى تلخيص العبارة المفصحة عن تحقيق كون فعل العبد بخلق الله تعالى وايجاده مع ماللعبد فيه من القدرة والاختيار فاذا علم أن فحول أهل السنة قدعجزوا عن تحقيق معناه مع تظاهرهم وتظافر معتقداتهم على نفى الجبر والاستقلال فلاينبغى المبادرة الى التشنيع والانكار على من أحدث قولا فى المسئلة بفهم آتاه الله تعالى اياه أوانتصر الى قول من الاقوال المقولة فيها لاهل السنة بدلائل بينها الحق له وبصيرة انارتها الهداية الالهية مادام لم ينقض بصحة أحد القولين المتفق على بطلانهما عند أهل الحق وهما الجبر والاستقلال لان ذلك هو المعيار الصادق فمادام العبد يعتقد فى المسئلة معتقدا ليس بجبر ولااستقلال فهو على الجادة وان عجز عن تحقيقه اذ لانكلف بادراك الكنه فى كثير من المسائل الاعتقادية وانما المكلف به فيها هو اعتقاد الثبوت والوجود فقط وهذه المسئلة أعنى مسئلة الكسب ليست من المسائل التى يستحيل فيها ادراك الكنه حتى نحكم بتضليل من ادعى ادراك كنهه وحقيقته بل لغموضه وخفائه لم نكلف بمعرفة حقيقته بل باعتقاد ثبوته ووجوده وان للعبد كسبابه نيط التكليف يوجد بوجوده مع استكمال الشرائط وينتفى بانتفائه لان من لم يعتقد ذلك وقع لامحالة فى أحد أمرين محالين وغاية مانقول فى الكسب هو صفة من صفات العبد يحس كل احد بوجودها فيه وثبوتها فى محله فيها يفرق بين أفعاله الاختيارية والضرورية ولكنه لايدرى حقيقتها ولايحقق قبل التحقيق نسبة أفعاله اليها مع اعتقاد انفراد الله تعالى بخلق العبد وخلق أفعاله غير مفتقر الى معنى واعتقاد أن لكسب العبد دخلا فى وجود أفعاله على وجه لايضايق فيه القدرة الالهية ولايزاحمها ولايعينها ولكن عجزنا عن ادراك ذلك على وجهه ومن آتاه الله فهما وعلما ونورا فأدرك حقيقة ذلك كما يدرك العارفون بالله حقائق أشياء كثيرة من عالم الغيب والشهادة قدعجز عن ادراكها أكثر الخلق فلاينبغى الاسراع الى الانكار عليه ولاالتشنيع عليه اذلم يدع محالا فالاولى التسليم له سيما ان كان @ من ائمة الهدى ورؤساء السنة كامام الحرمين أوممن ظهرت ديانته فى علوم الشرع مشاركته ولم يزم ببراعته ولم ينبذ بسوء اعتقاد كشيخنا الغوث صفى الدين القشاشى وان كان لابد من التعقب والنقد والنظر فى كلام من هذه صفته فلينظر بعين الانصاف وسداد الرأى الى كلامه فان فهمه الناظر حق الفهم بسيره بالمعيار المتقدم من عرضه على آراء أهل الضلابة فان وافق أحد الجانبين الباطلين كل الموافقة حتى صار هوهو فهو جدير بأن يلغى ويترك وتوكل سريرة قائلة الى الله تعالى لاحتمال أن عبارته لم توف بمافى ضميره لعلمنا بانه من أهل السنة وان لم يوافق أحد الجانبين المحكوم ببطلانهما الا انه على خلاف ماكنا نعتقده نحن ونتوهمه ونفهمه من كلام الغير فلاينبغى أن نحكم ببطلانه لاجل مخالفته لكلام الغير من الائمة لان الحق فى المسئلة ليس منحصرا فى شئ بعينه يدركه كل أحد فيحتمل ان هذا القائل قدعثر على الحق أوعلى جانب منه اذ ليس فيه أمارة الباطل ودليله وأما ان كان الناظر فى كلام أحد من الائمة المتقدم ذكرهم لم يفهمه كل الفهم ولم يحط علما بمقاصده والتبست عليه المذاهب فى تحقيق مقالته وهذا وهذا وصف غالب من ابتلى بالاعتراض على المشايخ فما أجدر هذا بان يمسك عن الخوض فى ذلك لان الحكم على الشئ بالصحة والفساد فرع تصوره وهذا لم يتصور شيأ من معتقد هذا الامام حتى يحكم برده أوامضائه فليحررهذا المسكين معتقد نفسه على مذهب أهل السنة والحق وليجتهد قدر طاقته فى تنزيهه من مذاهب أهل الباطل وفى موافقة أهل الحق قدر وسعه وليترك ماوراء ذلك لاهله فان خاض فيه فقد عرض نفسه لمالاقبل له به وقد ابتلى أقوام من المترسمة من أهل عصرنا بالتشنيع على شيخنا صفى الدين وتبديعه وتضليله وقالوا انه يقول بتأثير القدرة الحادثة وخالف الشيخ السنوسى وغيره من المشايخ ورد عليهم فاذا طولبوا بتحقيق ماردوه عليه عجزوا فاذا قيل لهم مامعنى التأثير الذى نسبة للقدرة الحادثة ومامعنى التأثير الذى نفيتموه أنتم مع تسميتكم لها قدرة لم يأتوا من الجواب الابجعجعة ليس لها طحين وهمهمة ليس معها تبيين مع ان الشيخ رضى الله عنه مصرح بعدم تسميته وصف العبد قدرة الاعلى وجه مجاز اذلايعقل من معنى القدرة اذا أطلقت الاوصف له تأثير فان سمينا وصف العبد الذى له نسبة فى وجود الفعل جعلها الله له قدرة مجازا فلنسم تلك النسبة التى جعلها الله فى وجود الفعل أيضا تأثيرا مجازا وان قلنا لاتأثير لقدرته نعنى حقيقة فلنقل لاقدرة له أيضا حقيقة وانماهى قدرة واحدة قديمة الهية ذات نسبتين نسبة وجودها وقيامها بذات المولى جل جلاله أزلا وأبدا فتنسب اليها الافعال حقيقة على جهة الخلق والاختراع والاستقلال بها على وفق الارادة القديمة ونسبة ظهورها فى محل العبد وتجليها فيه كماهو شأن سائر الصفات فى تجليها اذ قدرة العبد من قدرة سيده وحوله بحوله وقوته بقوته كماأفصح بذلك لاحول ولاقوة الابالله الذى هو كنز من كنوز الجنة فتنسب اليها الافعال بهذا المعنى على جهة الكسب والاضافة وينسب الىذلك الكسب تأثير يناسب على وجه المجاز لكونه محلا لظهور الاثر فان المجاز عند العرب اذا تجوز فى حقيقة من الحقائق تجوز فيها مع عوارضها المشخصة التى لاتثبت الحقيقة ولاتوجد الابها فاذا تجوز فى اطلاق السبع على المنية تجوز فى الحقيقة السبعية مع عوارضها وصفاتها التى تكمل السبعية الابها مثل الاظفار والجراءة العظيمة والاغتيال بالقهر وجعلت تلك الاوصاف كلها مجازا للمنية كما كانت للسبع حقيقة والا لما صح التجوز فلوقيل مثلا المنية سبع لاناب لها ولاظفر ولاجراءة ولااغتيال لقبح ذلك كل القبح عند كل ذى ذوق سليم فكذلك يقال فى الكسب الذى هو وصف العبد مع القدرة فان سمينا وصف العبد قدرة لكونه له نسبة جعلية فى وجود الفعل كما ان القدرة نسبة ذاتية فى ذلك فلنجعل لذلك الكسب الذى سميناه قدرة تأثيرا مجازيا يناسبه والابطل تسميته قدرة كمابطل تسمية المنية سبعامن غير اثبات أوصاف السبع لها ولاجل هذا مع تنزيه اوصاف الحق تعالى أن ينسب شئ منها الى العبد تحاشى الاقدمون من @ اهل السنة والسلف الصالح عن تسمية وصف العبد قدرة فلاتكاد تسمع فى مؤلفاتهم الا الكسب حتى تجاسر على اطلاق القدرة المتأخرون ورأوا ان لافرق بينه وبين القدرة ولم يتجاسروا على اطلاق التأثير على نسبته الى الفاعل تباعدا عن قول القدرية بخلق العبد أفعاله فقالوا قدرة لاتأثير لها فأثبتوا للعبد قدرة فرارا من قول الجبرية وقالوا لاتأثير لها فرارا من قول القدرية ولعمرى انها لعبارة حسنة فى بادئ الرأى متوسطة بين قولى الافراط والتفريط وانها اذا حكت على معيار التحقيق وطولب صاحبها كل المطالبة أدت الى شئ لايدرك له صاحبه معنى ولايجد له مفهوما ثم قال ولقد تكلمت مع بعض من زعم انه ألف فى الرد عليه فقل لى انى حرت فى كلام هذا الرجل فبينما أنا أقول هو قدرى محض لما يظهر من كلامه اذرجع رأيى فيه الى انه جبرى محض فلاأدرى من أى الجهتين هو وقد حرت فى أمره قلت شهدت له ورب الكعبة بالسنية وأنت لاتشعر لان أقوى دليل على كون معتقد العبد موافقا للسنة فى هذه المسئلة كونه ليس مع أحد الجانبين ودليل كونه فى غاية التوسط الذى هو غاية التحقيق كذلك كلما اعتبرته مع أحد الطرفين ظننته أقرب اليه من الآخر كقطب الرحى ومركزها فعلامة توسطه انك كلما اعتبرته مع قطر من أقطارها ظننته أقرب اليه من الآخر وهكذا كلام هذا العارف اذا سمعت قوله لقدرة العبد تأثير قلت هذا قريب من مذهب القدرية واذا سمعت قوله انما هى قدرة واحدة ولاقدرة للعبد أصلا انما يظهر من أثر قدرة الحق فى محله قلت هذا قريب من مذهب الجبرية وهذا لعمرى غاية التحقيق لمن علمه اه وقد أطال فيه جدا واقتصرت منه على قدر الحاجة وان كان كله حسنا * (تكميل) * فى بيان ابطال التولد قال ابن التلمسانى فى شرح لمع الادلة ولما زعمت المعتزلة أن العبد خالق لفعله ومستقل به وكان من حكم القدرة الحادثة أن لاتؤثر مباشرة الافى محلها وقدنسبت الى العبد أفعال خارجة عن محل قدرته كالحرق والخرق والقطع وغير ذلك وترتب عليه المدح والذم والثواب والعقاب قالوا هو مقدور للعبد بواسطة القدرة على سببه وسموه متولدا كحركة الخاتم عند تحريك الاصبع فالسبب والمسبب مقدور معا للعبد عندهم الاان أحدهما مباشر والآخر بالتوسط ثم عدد المتولدات أربعة أنواع المتفق عليه منها الوهى المولد للآلام والنظر المولد للعلم والتقريب على وجه مخصوص كتقريب الشمع من النار واختلفوا فى الرابع وهوالموجب لهوى الثقيل هل هوالاعتماد أوالحركة فزعم أبوهاشم ان الموجب هو الاعتماد وزعم الجبائى ان الموجب هوالحركة وهذا المذهب هوعين مذهب أرباب الطبائع فان السبب عندهم يوجب أثره الا أن يمنعه مانع والمعتزلة تزعم أن السبب المولد يقتضى أثره الا أن يمنع منه مانع ولم يعطوه حكم العلة العقلية فانه لايصح تأخر مقتضاها عنها واذا ثبت أن الله خالق كل شئ بطل التولد فانهم انما أثبتوه من آثار القدرة الحادثة اما قادرية القديم سبحانه فنسبتها الى جميع مايحصل بها نسبة واحدة فانه تعالى لايفعل الاخارج ذاته ونقل فى الشامل الاتفاق من المعتزلة على أن التولد عندهم فعل فاعل السبب ونوقش فى دعوى الاجماع فهم مع قول النظام ان من المولدات مايضاف الى الله تعالى لاعلى انها فعله ولكنه خلق سببها وهى تقتضى لذاتها أثرها ونقل عن حفص الفرد منهم أن مايقع مباينا بمحل القدرة على قدر اختيار المتسبب فهو فعل لفاعل السبب كالقطع والعضد ومالا يقف على قدر اختياره كالهوى عند الدفع للحجر فليس من فعله واختلفوا فى وقت تعلق القدرة بالمولد فذهب أكثرهم الى انه لايزال مقدورا الى حين وقوع سببه فيجب حينئذ به وينقطع أثر القدرة عنه ومنهم من قال انما ينقطع أثر القدرة اذا وقع وأماوجود سببه فلايمنع كونه مقدورا واتفق جمهورهم على أن الالوان والطعوم لاتقع مولدة وذهب ثمامة الى ان الحوادث التى حكموا بانها مولدة حادثة ولافاعل لها ألبتة وهذا يقدح فى دلالة وجود وجود الصانع واتفقوا على أن المولدات كلها خارجة عن محل القدرة الاالنظر فانه يولد العلم بالذات ومما تمسك به أهل السنة فى @ ابطال التولد ان قالوا هذه الافعال لمحكوم عليها بانها متولدة لاتخلوا ماأن تكون مقدورة لفاعل السبب أوغير مقدورة له والقسمان باطلان فالقول بالتولد باطل لما الحصر فضرورى وأماابطال انها مقدورة لفاعل السبب فلان الاثر عندهم واجب عند وجود سببه فلو كان مقدور اللزم وقوع أثر بين مؤثرين وانه محال وأماان كان غير مقدور له فاما أن يكون لها فاعل غيره أولا الاول تسليم المسئلة والثانى يقدح فى دلالة احتياج الصنع الى الصانع وبالله التوفيق (الاصل الثالث ان فعل العبد وان كان كسبا للعبد) باعتبار نسبته اليه (فلايخرج عن كونه مرادا لله سبحانه) اتفق أهل السنة والجماعة على أن صانع العالم جل وعلامريد لجميع الكائنات من خير وشر وايمان وكفر ضرورة انه جل وعلا فاعل للكل فيكون مريدا للكل ضرورة انه فاعل بالاختيار وأيضا فهو عالم بمالايقع فلا يريده لان الارادة صفة توجب تخصيص الحادث بحالة حالة حدوثه عند تعلق القدرة فماعلم انه لايقع محال أن يقع وان كانت احالته بالغير وكل ماهو محال أن يقع ولو بالغير لاتتعلق به ارادته اذ لوتعلقت ارادته به على ذلك التقدير لكان متمنيا تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا وقد زاد المصنف لذلك ايضاحا فقال (فلايجرى فى الملك) أى العالم السفلى (والملكوت) أى العالم العلوى (طرفة عين ولافلتة خاطر ولالفتة ناظر) وبين الفلتة واللفتة جناس القلب (الابقضاء الله وقدره) والقضاء عند الاشاعرة يرجع الى الارادة والقدر الى الخلق كمافى شرح المواقف وعند الماتريدية هما غير الارادة فالقضاء بمعنى الخلق والقدر بمعنى التقدير خلافا للاشاعرة وغير العلم خلافا للفلاسفة كما سيأتى (وبارادته ومشيئته) عطف تفسير للارادة فارادته تعالى متعلقة بكل كائن غير متعلقة بماليس بكائن ثم بين تلك الحوادث التى تقع مرادة لله تعالى فقال (ومنه) تعالى (الشر والخير) هكذا فى النسخ بتقديم الشر على الخير وفى بعضها بتقديم الخير وهو الاوفق لما بعده من الفقر (والنفع والضر) والحلو والمر (والاسلام والكفر والعرفان والنكر والفوز والخسر والغواية والرشد والطاعة والعصيان والشرك والايمان) وكل مماذكر ضد لصاحبه (لاراد لقضائه) الذى قضاه وأراده (ولامعقب لحكمه) الذى أمضاه ودبره (يضل من يشاء) أن يضل لاستحبابه الضلال وصرف اختياره اليه (ويهدى من يشاء) أى يهديه لصرف اختياره الى الهداية وتسمية بعض الكائنات شرا بالنسبة الى تعلق وضرره لنا لابالنسبة الى صدوره عنه فخلق الشر ليس قبيحا اذ لاقبيح منه تعالى (لايسئل عمايفعل) فى خلقه (وهم يسئلون) عن أعمالهم مقهورون تحت قبضة قدرته هذا مذهب أهل الحق وذهبت المعتزلة الى أن الامر أنف وقضوا بأن للخير فاعلا وللشر فاعلا وقد قال ابن عمر انهم مجوس هذه الامة لذلك وقد صاروا الى أن كل مطلوب فعله من واجب أومندوب فهو مراد الله تعالى وقع أولم يقع وكل منهى عنه نهى تحريم أوتنزيه فهو مكروه وماليس كذلك من أفعال العباد لايوصف بأنه مراد الله تعالى ولامكروه وقدتعلقوا فى تمسكهم بقوله تعالى وماالله يريد ظلما للعباد وماالله يريد ظلما للعالمين قالوا ارادته ظلمهم لانفسهم ثم عقابهم عليه ظلم فهو منزه عنه سبحانه وتمسكوا أيضا بقوله تعالى ان الله لايأمر بالفحشاء وقوله تعالى ولايرضى لعباده الكفر وقوله تعالى والله لايحب الفساد قالوا والفساد كائن والمحبة تلازم الارادة بل ليست غيرها فالفساد ليس بمراد وتمسكوا أيضا بقوله تعالى وماخلقت الجن والانس الاليعبدون على انه أراد من الكل العبادة والطاعة لاالمعصية وهذا بناء منهم على أن الامر والنهى يرجعان الى الارادة وعدم مغايرة أحدهما للآخر وقالوا ارادة القبيح قبيحة والامر بغير المراد والمرضى والمحبوب سفه وهو محال على الله تعالى وسيأتى الجواب عن كل ذلك ولنافى الاستدلال على أن ارادته تعالى متعلقة بكل كائن غير متعلقة بماليس بكائن من جهة النقل ومن جهة العقل ثم شرع فى الاحتجاج بالنقل وقرره بالاجماع ونصوص الكتاب فأشار الى الاول بقوله (ويدل عليه من النقل قول الامة قاطبة) سلفها وخلفها @ واجماعهم على كلمة لايجحدها معتز الى الاسلام قبل ظهور الاعتزال وبدعهم وهوقولهم (ماشاء) الله (كان ومالم يشأ لم يكن) وهى تلزمها ثلاث قضايا باعتبار العكس نقيضا وتساويا والمعتزلى يقول ماشئت كان وماشاء الله لم يكن وهذه الكلمة دالة فى عموم ارادته لسائر الكائنات (وقول الله عز وجل ان لويشاء الله لهدى الناس جميعا) أى لكنه شاء هداية بعض واضلال بعض كمادل عليه قوله وماتشاؤن الاأن يشاء الله وهم قد شاؤا المعاصى وفاقا فكانت بمشيئة الله تعالى بهذا النص النافى لان يشاؤا شيأ الاأن يشاء الله سبحانه وفيه دليل على انه لادخل لمشيئة العبد الافى الكسب وانما الايجاد بمشيئة الله وتقديره وكذلك قوله تعالى ولوشاء لهداكم أجمعين (وقوله تعالى ولوشاء ربك لجعل الناس أمة واحدة) وفيها دليل ظاهر على ان الامرغير الارادة وانه تعالى لم يرد الايمان من كل أحد وان ماأراد يجب وقوعه كمافى تفسير البيضاوى وقوله تعالى فمن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للاسلام ومن يرد ان يضله يجعل صدره ضيقا حرجا وفيه تصريح بتعلق ارادته بالهداية والاضلال وقوله تعالى ولوشاء ربك لآمن من فى الارض كلهم جميعا وفيه دليل على كمال قدرته ونفوذ مشيئته انه لوشاء لآمن من فى الارض كلهم فلايبقى فيها الامؤمن موحد ولكنه شاء ان يؤمن به من علم منه اختيار الايمان به وشاء ان لايؤمن به من علم انه يختار الكفر ولايؤمن به كمافى التيسير وقوله تعالى ولواننا نزلنا اليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شئ قبلا ماكانوا ليؤمنوا الاان يشاء الله وفيه دليل على ان الآية وان عظمت فانها لاتضطر الى الايمان ومن علم الله منه اختيار الايمان شاء له ذلك ومن علم منه اختيار الكفر والاصرار عليه شاء له ذلك كمافى التأويلات الماتريدية وقوله تعالى يضل من يشاء ويهدى من يشاء وهودليل ظاهر على ان الهداية والاضلال بخلق الله تعالى وقوله تعالى ومايكون لنا ان نعود فيها الاان يشاء الله ربنا وفيه دليل على ان الكفر بمشيئة لله تعالى كمافى تفسير البيضاوى فقد خاف شعيب ان يكون سبق منه زلة أوتقصير يقع منه الاختيار لذلك فيشاء الله ذلك وان كانوا معصومين لكنهم خافوا ذلك وكان خوفهم أكثر من خوف غيرهم كمافى التيسير والتأويلات الماتريدية وفيه أيضا دليل على ان الكفر ليس بمحبته ولارضاه كمافى الارشاد وقوله تعالى فانا قدفتنا قومك من بعدك أى عاملناهم معاملة المختبر ليظهر منهم بفعلنا ماكان فى عملنا وتقديرنا انهم يفعلونه وقوله تعالى فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة وقوله تعالى وربك يخلق مايشاء ويختار ماكان لهم الخيرة وقوله تعالى ولاينفعكم نصحى ان أردت ان أنصح لكم ان كان الله يريدان يغويكم وهو دليل على ان ارادة الله تعالى يصح تعلقها بالاغواء وان خلاف مراده محال كمافى تفسير البيضاوى وقوله تعالى كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء وفيه دليل على ان الاعمال بخلق الله تعالى وقضائه وقدره واليه أشير بصرف السوء عنه وان هم يوسف ليس بهم عزم بل هم خطرة ولامنع فيما يخطر بالقلب وهو قول الحسن فهذه الآيات مجموع ماتمسك به الاصحاب وفى شرح المقاصد وللمعتزلة فى تلك الآيات تأويلات فاسدة وتعسفات باردة يتعجب منهاالناظر ويتحقق انهم محجوبون وبوصفها محقوقون ولظهور الحق فى هذه المسئلة يكادعامتهم به يعترفون ويجرى على ألسنتهم ان مالم يشأ الله لايكون ثم العمدة القصوى لهم فى الجواب عن أكثر الآيات حمل المشيئة على مشيئة القسر والالجاء وحين سئلوا عن معناها تحيروا فقال العلامة معناها خلق الايمان والهداية فيهم بلااختيار منهم ورد بان المؤمن حينئذ يكون هو الله لاالعبد على مازعمتم من الزامنا لماقلنا بان الخالق هو الله تعالى مع قدرتنا واختيارنا وكسبنا فكيف بدون ذلك فقال الجبائى معناها خلق العلم الضرورى بصحة الايمان واقامة الدلائل المثبتة لذلك العلم الضرورى ورد بان هذا لايكون ايمانا والكلام فيه على ان فى بعض الآيات دلالة على انهم لورأوا كل آية ودليل لايؤمنون ألبته فقال ابنه أبوهاشم معناها ان يخلق لهم العلم بانهم لولم يؤمنوا لعذبوا عذابا شديدا وهذا أيضا فاسد لان كثيرا من الكفار كانوا يعلمون ذلك ولايؤمنون على @ ان قوله تعالى ولوشئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن حق القول منى لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين يشهد بفساد تأويلاتهم لدلالته على انه انمالم يهد الكل لسبق الحكم بملء جهنم ولاخفاء فى ان الايمان والهداية بطريق الجبر لايخرجهم عن استحقاق جهنم عندهم وبالله التوفيق ثم أشار المصنف الى الثانى وهو دليل العقل بقوله (ويدل عليه) أى على ماادعيناه من تعلق الارادة بكل كائن (من جهة العقل) هو (ان المعاصى والجرائم ان كان الله يكرهها ولايريدها وانماهى جارية) وواقعة (على وفق ارادة العدو) الاكبر (ابليس لعنه الله مع انه عدو لله تعالى) بنص الكتاب والسنة (والجارى على وفق ارادة العدو) المذكور كمالايخفى (أكثر من الجارى على وفق ارادته) عز وجل من الطاعات الجارية على مراده عز وجل لزم رد ملك الجبار الى رتبة خسيسة (فليت شعرى كيف يستجيز المسلم) العاقل أى كيف يرى جائزا (ان يرد ملك الجبار) تعالى شأنه (ذى الجلال والاكرام) والعظمة والانعام (الى رتبة لوردت اليها) أى الى تلك الرتبة (رياسة زعيم) اى كفيل (ضيعة) اى قرية (لاستنكف) ذلك الزعيم (منها) وفى بعض النسخ عنها وذلك (اذ لوكان يستمر) أى يدوم مطرودا (لعدو) ذلك (الزعيم فى) محل ملكيته وولايته أى تلك (القرية) وقوع مراد عدوه (أكثر ممايستقيم له) أى الزعيم (لاستنكف من زعاكته) أى رياسته وكفالته بأمور أهل تلك القرية (وتبرأ عن ولايته) لها (والمعصية) كمالايخفى (هى الغالبة على الخلق) والطاعات هى الاقل (وكل ذلك جا عند المبتدعة) أى المعتزلة ومن تبعهم من أهل الاهواء (على خلاف ارادة الحق) تعالى (وهذا غاية الضعف والعجز تعالى رب الارباب عن قول الظالمين علوا كبيرا) وحاصل هذا الجواب ان العقول قدقضت بان قصور الارادة وعدم نفوذ المشيئة من أصدق الآيات الدالة على سمات النقص والاتصاف بالقصور والعجز ومن ترسم للملك ثم كان لاينفذ مراده فى أهل مملكته عد ضعيف المنة مضياعا للفرصة فان كان ذلك يرزى بمن ترسم للملك فكيف يجوز فى صفة ملك الملوك ورب الارباب هكذا سياق امام الحرمين فى اللمع ويعنى من سياقه ان أكثر افعال العباد واقعة على مايدعو اليه الشيطان ويريده والطاعات التى يدعو اليها الله تعالى ويريدها هى الاقل فاذا كان الاكثر واقعا على خلاف مرادا لله تعالى اقتضى ذلك نقصا فى الملك وقصورا وعجزا وهذا هو المحتج به على الوحدانية وقد نقضه المعتزلة اذ قالوا ان الله تعالى يريد الايمان والطاعة ولايقع مراده والعبيد يريدون الكفر والعصيان ويقع مرادهم (ثم مهما ظهر) لك واتضح (أفعال العباد) باسرها ادقها وجلها (مخلوقة لله تعالى) ومخترعة له وان نسب بعضها الى العباد بطريق الكسب بالدلائل الواضحة السابقة (صح انها مرادة له) تعالى والكل منه وأماالجواب عماأورده متمسكالهم عن الآيات السابق ذكرها فقولهم ظلم العباد كائن منهم بلاشك فهوليس مرادا له بدليل قوله تعالى وماالله يريد ظلما للعباد والجواب عنه انه تعالى نفى ارادته ظلم العباد وهو لايستلزم نفى ارادته ظلم العباد أنفسهم فليس المنفى فى الآية ارادة ظلم بعضهم بعضا فانه كائن ومراد وأما عن تمسكهم بقوله تعالى ولايرضى لعباده الكفر وقوله والله لايحب الفساد فهو انه لاتلازم بين الرضا والمحبة وبين الارادة كماادعوه اذقد يريد الواحد منا مايكره تعاطيه لبشاعة طعمه أومرارته وأيضا فالرضا ترك الاعتراض على الشئ لاارادة وقوعه والمحبة ارادة خاصة وهى مالايتبعها تبعة ومؤاخذة والارادة أعم فهى منفكة عنها فيما اذاتعلقت بماتتبعه ومؤاخذة وقرره ابن التلمسانى على تسليم ان رضاه ارادته وتخصيص لفظ عباده بالمؤمنين بالمخلصين لعبادته وجعل الاضافة فيه للتشريف وأجيب عن قولهم ان ارادة الظلم من العبد ثم عقابه عليه ظلم بالمنع مسندا بان الظلم هو التصرف فى ملك الغير من غير رضا من المالك أما فى ملك نفسه فلا وأجيب عن استدلالهم بقوله تعالى وماخلقت الجن والانس الاليعبدون بمنع دلالة لام الغرض على كون مابعدها مرادا بل معنى الآية لنأمرهم بالعبادة ولئن سلم فلانسلم عموم الآية للقطع بخروج من مات على الصبا والجنون والعام اذا @ دخله التخصيص صار عند المعتزلة مجملا فى بقية افراده فلايصلح دليلا عندهم فليخرج من مات على الكفر كمايدل عليه قوله تعالى ولقد ذرأنا لجنهم كثيرا من الجن والانس والتحقيق ان الحصر فى الآية اضافى والمقصود به انه خلقهم لعبادته لاليعود اليه منهم نفع كمادل عليه قوله تعالى ماأريد منهم من رزق وماأريد ان يطمعون وليس حصرا حقيقيا كمافهموه فتأمل وربما احتجوا بقوله تعالى سيقول الذين اشركوا الوشاء الله مااشركنا ولاآباؤنا الى قوله كذلك كذب الذين من قبلهم ووجه تمسكهم من الآية ان الله تعالى رد على الكفار قولهم لوشاء الله ماأشركنا ولاآباؤنا يعنى فقط وبخهم الله تعالى على هذا القول ولو كان حقا لماوبخهم عليه والجواب انمارد الله تعالى قولهم لانهم قالوه استهزاء بماطرق اسماعهم من حملة الشريعة من تفويض الامور كلها لله تعالى ولم يقولوه عن عقد جازم والدليل قوله تعالى فى آخر الآية ان تتبعون الا الظن وان أنتم الاتخرصون فثبت انهم قالوه ظنا وخرصا لاعن عقد جازم ومما يتمسكون به قوله تعالى وماأصابك من سيئة فمن نفسك نسب الحسن الى الله تعالى والسيئ الى فعل العبد والاشعرية تنسب الجميع الى الله تعالى وهو خلاف نص الآية والجواب ان هذه الآية غير مشعرة بمحل النزاع فان الآية التى أشعرت بها هى خلق الله تعالى النفع والضر وليس من المكتسبات بل الكل من عند الله كمادل عليه سياق الآية وسببها ان كفار قريش كانوا اذا رأوا خصبا قالوا هذا من عند الله واذار أواجدابا قالوا هذا بشؤم دعوة محمد فرد الله عليهم وقال قل كل من عند الله فمالهؤلاء القوم لايكادون يفقهون حديثا ونظيره قوله فى قوم موسى عليه السلام وان تصبهم سيئة يطيروا بموسى وم معه الاانما طائرهم عند الله ولكن أكثرهم لايعلمون ومعنى قوله ماأصابك من حسنة فمن الله أى بمحض فضل الله وماأصابك من سيئة فمن نفسك أى بسبب جريمة اقترفتها جزاء وأماالجواب عن تمسكهم بقوله تعالى ولايرضى لعباده الكفر وان الله لايأمر بالفحشاء فقد أشار اليه المصنف فى صورة سؤال وجواب يفهم منه المقصود قال (فان قيل كيف ينهى) الله (عمايريد ويامر بمالايريد) أى كيف يأمر أحد عبده بشئ ويريد منه خلافه فهو صريح بانه أمر الكفار بالايمان وأراد الكفر (قلنا الامر غير الارادة) وان لاتلازم بينهما كما لاتلازم بين الرضا والمحبة وبين الارادة وهو قدبنوا مذهبهم على ان الامر والنهى يرجعان الى الارادة والحق مغايرة أحدهما عن الآخر وان الله تعالى قدأمر العصاة والكفار بالايمان ولم يرد ايمانهم ومثار الغلط ان الارادة تطلق على الرضا والسخط وكل مأمور به فهو رضا الله تعالى بمعنى انه يثنى على فاعله ويمدحه ويثببه ويريد به الزلفى والقربى وضده بخلاف ذلك ومعنى كراهيته له انه لايثنى على فاعله بل يذمه ويريد عقابه وهذا معنى قوله تعالى ولايرضى لعباده الكفر وليس معناه ان الله تعالى لم يقدره عليهم ثم هم فى هذا السؤال مقابلون بالعلم فاذا قالوا كيف أمر الله الكافر بالايمان ويريد منه الكفر قلنا كيف أمره بالايمان ويعلم منه الكفر فانه لايذعن أبدا الدهر فكيف يستمر لهم كلامهم مع تسليم العلم وقد ضرب المصنف على اثبات هذا المدعى مثلا ليقربه الى الاذهان فقال (ولذلك اذاضرب السيد عبده) ضربا مبرحا (فعاتبه السلطان عليه) أى على ضربه له وبكته وهدده بالقتل لمجاوزته الحد فى ضرب العبد (فاعتذر) سيد العبد أى أقام لنفسه عذرا (بتمرد عبده عليه) أى انما ضربته لانه لم يمتثل أمرى (فكذبه السلطان) ولم يصدقه (فأراد) السيد فى هذه الحالة (اظهار حجته بان يأمر عبده) المذكور (بفعل) شئ ونهاية أمانيه ومراده ان (يخالفه بين يديه) ولايمتثل العبد ذلك ليقرر عذره (فقال له أسرج هذه الدابة) أى ضع عليها السرج (بمشهد من السلطان) أى بمحضر منه (فهو يأمره بمالايريد امتثاله ولولم يكن آمرا لماكان عذره عند السلطان ممهدا ولوكان مريدا لامتثاله لكان مريدا لهلاك نفسه وهو محال) فقد تحقق انفكاك الامر عن الارادة وبطل قولهم يستحيل ان يأمر أحد عبده بشئ ويريد خلافه فالمعاصى واقعة بارادته ومشيئته لابأمره ورضاه ومحبته لماقررنا قلت وأصحابنا معاشر الماتريدية لم يرتضوا بهذا الاستدلال المشهور @ بين المتكلمين الذى أورده المصنف من ان المعتذر من ضره بعصيانه قديأمر ولايريد منه الفعل وكذا الملجئ الى الامر قديأمر ولايريد الفعل المامور بل يريد خلافه ولايعد سفها وأوردوا عليه المنع من ان الموجود فيه مجرد صيغة الامر من غير تحقيق حقيقة وقدروى محمد بن الحسن عن الامام مانصه والامر أمران أمر الكينونة اذا أمر شيأ كان وأمر الوحى وهو ليس فى ارادته وليس ارادته فى أمره أى فأشار الى منع استلزامه للارادة ومنع ان الامر بخلاف مايريده يعدسفها وانما يكون كذلك لوكان فائدة الامر منحصرا فى الايقاع المأمور به وهو ممنوع وتصديق ذلك قول ابراهيم لابنه انى أرى فى المنام انى اذبحك فانظر ماذا ترى الى قوله من الصابرين ولم يقل ستجدنى صابرا من غير ان شاء الله تعالى ولو استلزم الامر الارادة لما كان للاستثناء موقع فان بئر ابراهيم بذبح ابنه يستلزم الامر بالصبر عليه لابنه فلو كان الذبح مستلزما لارادته من ابراهيم كان الصبر من ابنه مرادا أيضا بدلالة الامر فلايبقى لتعلقه بالمشيئة والارادة وجه فكان ذلك أمره تعالى ولم يكن من ارادته تعالى ذبحه وقد بينه أبومنصور الماتريدى فى التأويلات وهذا أحسن ممااستدل به المصنف وغيره فى كتبهم فتأمل ذلك بانصاف وفى الارشاد لامام الحرمين من حقق من أئمتنا لم يكع7 عن تهويل المعتزلة وقال المحبة بمعنى الارادة وكذلك الرضا فالرب تعالى يحب الكفر ويرضاه كفرا معاقبا عليه اه ونقل بمعناه عن أبى حسن الاشعرى لتقارب الارادة والمحبة والرضا فى المعنى لغة فان من أراد شيأ أوشاءه فقدرضيه وأحبه قال ابن الهمام وهذا الذى يفهم من سياق امام الحرمين خلاف كلمة أكثر أهل السنة لتصريحهم بان الكفر مرادله وانه لايحبه ولايرضاه وان المشيئة والارادة غير المحبة والرضا وان الرضا ترك الاعتراض والمحبة ارادة خاصة وبعض أهل السنة مشى على ان كلامنهما ارادة خاصة وفسر الرضا بانه الارادة مع ترك الاعتراض قال وهذا المنقول عن امام الحرمين والاشعرى لايلزمهم به ضرر فى الاعتقاد اذكان مناط العقاب هو مخالفة النهى وان كان متعلقه محبوبا لكنه خلاف النصوص التى سمعت فى كتاب الله عز وجل من قوله ولايرضى لعباده الكفر وقوله فان تولوا فان الله لايحب الكافرين ومثله متعلق بمبدأ الاشتقاق وهوهنا الكفر فيكون المعنى لايحب كفرهم ثم نقل الفرق بين المشيئة والارادة عند أبى حنيفة فقال ونقل عن أبى حنيفة رحمه الله مايدل على جعل الارادة عنده من جنس الرضا والمحبة لامن جنس المشيئة لدخول معنى الطلب عنده فى مفهوم الارادة دون مفهوم المشيئة روى عنه ان من قال لامرأته شئت طلاقك ونواه بهذا اللفظ طلقت ولوقال أردته أوأحببته أورضيته ونواه فى كل من الصور الثلاث لايقع وبناه على ادخال معنى الطلب والميل فى مفهوم الارادة والرضا والمحبة كل منهما محبوب قال وهذا أيضا خلاف ماعليه الاكثر قلت وتعقب عليه الملاعلى فى شرح الفقه الاكبر فقال وماذكره ابن الهمام فى المسايرة من انه نقل عن أبى حنيفة الخ فمحمول على تفرقة هذه الصفات فى العباد فليس كماقال انه مخالف ماعليه أكثر أهل السنة وهذا نص الامام رضى الله عنه فى الوصية والاحكام ثلاثة فريضة وفضيلة ومعصية فالفريضة بأمر الله ومشيئته ومحبته ورضائه وقضائه وقدره وعمله وحكمه وتوفيقه وكتابته فى اللوح المحفوظ والفضيلة ليست بأمر الله تعالى ولكن بمشيئته ومحبته وقضائه ورضائه وقدره وعمله وحكمه وتوفيقه وكتابته فى اللوح المحفوظ والمعصية ليست بأمر الله تعالى ولكن بمشيئته لابمحبته وقضائه لابرضاه وبتقديره لابتوفيقه وخذلانه وعلمه وكتابته فى اللوح المحفوظ فتقدير الخير والشر كله من الله تعالى اه * (تنبيه) * قال ابن الهمام فى المسايرة مع شرحه فان قيل حاصل ماذكرتم ان المعاصى واقعة بقضاء الله تعالى وقد تقرر انه يجب الرضا بالقضاء اتفاقا فيجب حينئذ الرضا بالمعاصى وهوباطل اجماعا قلنا الملازمة بين وجوب الرضا بالقضاء وبينوجوب الرضا بالمعاصى ممنوعة فلايستلزم الرضا بالقضاء الرضا بها بل يجب الرضا بالقضاء لاالمقضى اذا كان منهيا عنه لان القضاء صفة له تعالى والمقضى متعلقها الذى منع منه سبحانه ثم وجد على خلاف رضاه تعالى من غير تأثير للقضاء فى ايجاده ولاسلب مكلف قدرة الامتناع @ عنه بل وجد على مجرد وجه المطابقة للقضاء قال شارحه وهوجواب مشهور وقدأورد عليه انه لامعنى للرضا بصفة من صفات الله تعالى انما الرضا بمقتضى تلك الصفة وهو المقضى فحينئذ فاللائق ان يجاب بان الرضا بالكفر لامن حيث ذاته بل من حيث هو مقضى وقدأوضحه السيد فى شرح المواقف فقال ان للكفر نسبة الى الله تعالى باعتبار فاعليته له وايجاده اياه ونسبة أخرى الى العبد باعتبار محليته له واتصافه له وانكاره باعتبار النسبة الثانية دون الاولى والرضا به باعتبار النسبة الاولى دون الثانية والفرق بينهما ظاهر فانه ليس يلزم من وجود الرضا بشئ باعتبار صدوره عن فاعله وجوب الرضا به باعتبار وقوعه صفة لشئ آخر اذ لوصح ذلك لوجب الرضا بموت الانبياء من حيث وقوعه صفة لهم وانه باطل اجماعا وبالله التوفيق * استطراد * قول المعتزلة ارادة القبيح قبيحة هوبالنسبة الينا أما بالنسبة اليه سبحانه فليست كذلك فانها قدتكون مقرونة بحكمة تقتضى ذلك مع انه مالك الامور على الاطلاق يفعل مايشاء ويحكم مايريد وحكى ان القاضى عبد الجبار الهمدانى أحد شيوخ المعتزلة دخل على الصاحب بن عباد وعنده الاستاذ أبواسحق الاسفراينى أحد أئمة أهل السنة فلما رأى الاستاذ قال سبحان من تنزه عن الفحشاء فقال الاستاذ فورا سبحان من لايقع فى ملكه الامايشاء فقال القاضى أيشاء ربنا أن يعصى قال الاستاذ أيعصى ربنا قهرا فقال القاضى أرأيت ان منعنى الهدى وقضى على بالردى أحسن الى أم أسى فقال الاستاذ ان منعك ماهولك فقد أساه وان منعك ماهوله فيختص برحمته من يشاء فبهت القاضى وعلى هذا قول أحد الزنادقة أياعلماء الدين ذمى دينكم ... * ... تحير دلوه بأوضح حجة ... اذا ماقضى ربى بكفرى بزعمكم ... * ... ولم يرضه منه فماوجه حيلتى
وقدقيل ان قائل هذا الكلام هوآ من البقتى المقتول على الزندقة فى زمن شيخ الاسلام تقى الدين بن دقيق العيد وأول من أجاب عنه الامام علاء الدين الباجى وخلاصته ان الواجب الرضا بالتقدير لابالمقدور وكل تقدير يرضى به لسكونه من قبل الحق ثم المقدور ينقسم الى مايجب الرضا به كالايمان والى مايحرم الرضا به ويكون الرضا به كفرا كالكفر والى غير ذلك قال ابن السبكى فى الطبقات وقدأخذ أهل العصر هذا الجواب فنظموه على طبقاتهم فى النظم والكل مشتركون فى جواب واحد فمن ذلك جواب الشيخ تقى الدين ابن تيمية والشمس ابن اللبان والنجم أحمد بن محمد الطوسى والعلاء القونوى وفى الكل تطويل لايليق ايراده بهذا الموضع وقدأوردها ابن السبكى بتمامها فراجع الطبقات ومن جملة ذلك جواب العلامة محمد بن أسعد تلميذ القاضى البيضاوى أورده ابن الهمام فى المسايرة وفيه بيتان ... فمعنى قضاء الله بالكفر عمله ... * ... بعلم قديم سر مافى الجبلة واظهاره من بعد ذاك مطابقا ... * ... لادراكه بالقدرة الازلية
Shafi 176
وحاصله ان معنى قضائه تعالى علمه الاشياء أزلا بعمله القديم ومعنى قدره اظهاره أى ايجاده تعالى بقدرته الازلية ماتعلق علمه بوجوده على الوجه المطابق لتعلق العلم بوجوده والله أعلم * (غريبة) * قال الامام الرازى فى تفسير قوله تعالى فمن شاء اتخذ الى ربه سبيلا ن هذه الآية من جملة الآيات التى تلاطمت فيها أمواج القدر والجبر فالقدرى يتمسك بالآية ويقول انه صريح مذهبى ونظيره فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر والجبرى يقول متى ضمت هذه الآية الى الآية التى بعدها خرج منه صريح مذهب الجبر وذلك لان قوله تعالى فمن شاء اتخذ الى ربه سبيلا يقتضى أن تكون مشيئة العبد متى كانت خالصة مستلزمة للفعل وقوله بعد ذلك وماتشاؤن الاأن يشاء الله يقتضى كون مشيئة الله مستلزمة لمشيئة العبد ومستلزم المستلزم مستلزم فاذا مشيئة الله تعالى مستلزمة لفعل العبد وذلك هو الجبر وان الفعل قديتخلف عن المشيئة بنسخ العزائم وتغيير المقاصد فليس فى التعليق بمشيئة العبد دلالة على استلزام التفويض اليه والله أعلم (نادرة) قال الامام الرازى فى سورة الانعام سمعت الشيخ الامام الوالد عمر بن الحسين رحمه الله تعالى قال @ سمعت الشيخ أبا القاسم بن ناصر الانصارى يقول نظر أهل السنة الى تعظيم الله فى جانب القدرة ونفاذ المشيئة ونظر المعتزلة الى تعظيم الله تعالى فى جانب العدل والبراءة عن فعل مالاينبغى فاذا تأملت علمت ان أحدا لم يصف الله الابالاجلال والتعظيم والتقديس والتنزيه لكن منهم من أخطأ ومنهم من أصاب ورجاء الكل متعلق بهذه الكلمة وهى قوله تعالى وربك الغنى ذو الرحمة والله أعلم * (فصل) * لاخلاف بين أهل السنة والجماعة فى اطلاق ان الكائنات كلها بارادة الله تعالى على جهة العموم والاجمال وأما على التفصيل فنقل عن ابن كلاب انه قال لايجوز أن يقال المعصية بارادة الله تعالى دفعا لايهام أن يكون مأمورا بها على ماسبق لبعض أوهام العوام كماتوهمته فرق الاعتدال ومنهم من يرى جواز ذلك بتقييد يزيل هذا الايهام فيقول البارى مريد للمعصية وقوعا من مكتسبها ناه عنها معاقب على فعلها قال شارح الحاجبية والحق ان ههنا مقامين الاول تحقيق مافى نفس الامر الثانى التفسير بمايدل عليه أما الاول فقد أعطت الادلة العقلية والسمعية والوجدية انه جل وعلا مريد لجميع الكائنات على التفصيل وتفصيل التفصيل من غير استثناء ولاتقييد بارادة واحدة من غير تقديم ولاتاخير ولاكثرة وانما الاختلاف والكثرة فى التعلقات فقط وأماالثانى فالعمدة فيه انماهو الواردات السمعية اذذاك عمل لسانى والاعمال قدانقسمت من جهة الاحكام الشرعية الى مايجوز ومالايجوز والعمل اللسانى من ذلك فماكان منه على مقتضى الادب فحسن اطلاقه ومالافلا والآداب انما تعرف ممن قال أدبنى ربى فأحسن أدبى صلى الله عليه وسلم واذاتقرر ذلك فقدثبت فى الشرع مايدل على ان الادب عدم التصريح بماتعلق به النهى أوكان غيرملائم الطباع بنسبته اليه جل وعلا وان كان كل ذلك فى نفس الامر ليس الامنه قال تعالى حاكيا عن خليله عليه السلام الذى خلقنى فهو يهدين والذى هويطعمنى ويسقين واذا مرضت فهويشفين وقال جل وعلا حاكيا عن الخضر عليه السلام أماالسفينة فكانت لمساكين يعملون فى البحر فأردت أن أعيبها ثم قال وأماالجدار فكان لغلامين يتيمين فى المدينة وكان تحته كنزلهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وقال تعالى ماأصابك من حسنة فمن الله وماأصابك من سيئة فمن نفسك بعد قوله كل من عند الله وفى صحيح مسلم فى حديث التوجه الطويل الخير فى يديك والشر ليس اليك بك واليك الى غير ذلك * (فصل) * وهذا المطلب أدلته من الكتاب والسنة لاتحصى وقد مر بعضها وهى متمسك المحدث وأما الصوفى فيقول لاارادة لغيره اذالارادة تتوسط بين صفتين احداهما تتعلق بايجاد الفعل وهى القدرة والاخرى تتعلق بكشفه على ماهو عليه فى نفسه وهى العلم وقدتقدم انهما لله تعالى وبالجملة فالتأثير لله والتخصيص الارادى لله والكشف العلمى لله والعبد قابل لمايبدو عليه فمايبدو فيه متى شاءه عادة فهو كسبه ومالا فليس بكسبه والكل فعل الله تعالى * (الاصل الرابع) * فى خصوصيات التكوين التى منها التفضل والانعام فى الدراين بالتوفيق للاصلح فى الدنيا والدين والتوفيق للطاعات واثابة عليها والعدل بالخذلان وعدم التوفيق لذلك لسوء الاختيار بالمعاقبة على المعاصى اعلم (ان الله تعالى متفضل) أى محسن (بالخلق) وهوالايجاد مطلقا (والاختراع) لاعلى مثال سابق ونعمة الايجاد شاملة لكل موجود (وهو) تعالى (متطول) الطول هو الفضل والزيادة والمعنى متفضل (بتكليف العباد) أى جعلهم أهلا لأن يخاطبهم بالامر والنهى فماأنعم به فهو فضل منه وعاقب عليه فهوعدل (ولم يكن الخلق والتكليف واجبا عليه) سبحانه حاصله ان جميع الكائنات كيفا كانت على العموم كوجود العالم أوعلى الخصوص كوجود الانسان ووجود مابه مايكون كماله من العقل وتيسير المطالب والصحة وسلامة القوى وبعث الرسل والثواب والعقاب كل ذلك لايجب عليه شئ منه لابالوجوب الشرعى ولا العقلى ولاالعادى ولاغير ذلك فجميع الكائنات بالنسبة اليه على السوية وانما المخصص لاحد الجانبين @ مشيئته وارادته المتعلقة بالشئ تعلق التخصيص على نحو ماتعلق به العلم فجميع مافعل ممافيه لطف بعبده بمحض فضل وكرم واحسان منه اليه ومافيه من تعذيب وابتلاء فمحض عدل منه اليه ولوشاء لعكس (وقالت المعتزلة) البغداديون منهم والبصريون (وجب عليه) سبحانه (ذلك رعاية لمصلحة العباد) اعلم انهم اتفقوا على أصل الوجوب على الله تعالى ثم اختلفوا فزعم البغداديون انه يجب على الله تعالى رعاية الاصلح لعباده قى دينهم ودنياهم فلايجوز فى حكمه تبقية وجه من وجوه الصلاح فى العاجل والآجل الاويفعله فقالوا بناء على هذا الاصل ان ابتداء الخلق واجب ومن علم من خلقه انه يكلفه فيجب عليه كمال عقله وازاحة علله وخلق الالطاف له ثم قالوا ان كل ماينال العبد من الامور المضرة والآلام فهو الاصلح له وانما ارتكب معصية فهو الذى اختار لنفسه الفساد ويجب على الله معاقبته ان لم يتب ولم تكن من الصغائر قالوا وهوالاصلح فى حق الفاسق وقدورد الوعيد به وعدم وقوعه خلف وهؤلاء أخذوا مذاهبهم من الفلاسفة وهو ان الله تعالى جواد وان الواقع فى الوجود هوأقصى الامكان ولولم يقع ذلك لم يكن جوادا وقدالتزمت المعتزلة ان الله تعالى لايكون له اختيار فى ترك فعل ألبتة لوجوب ابتداء الخلق ووجوب اختصاصه بالوقت المعين ووجوب فعل الاصلح ووجوب الثواب والعقاب ولما استبعد البصريون منهم ذلك قالوا لايجب أصل الخلق لكن متى أراد الله تعالى تكليف عبد فيجب عليه اكمال عقله وازاحة علله ومايترتب على فعله من الثواب والعقاب ونقل امام الحرمين فى الارشاد اجماع الفئتين البغدادية والبصرية منهم على ان الرب سبحانه اذاخلق عبده وأكمل عقله لايتركه هملابل يجب عليه أن يقدره ويمكنه من نيل المراشد ثم قال امام الحرمين ونقل أصحاب المقالات عن هؤلاء مطلقا يعنى المعتزلة انه يجب على الله تعالى فعل الاصلح فى الدين وانماالاختلاف فى فعل الاصلح فى الدنيا وهذا النقل فيه تجوز وظاهره يوهم زللا فقد يتوهم المتوهم انه يجب عند البصرين الابتداء باكمال العقل لاجل التكليف وليس ذلك مذهبا لدى مذهبهم فالذى ينتحله البصريون انه تعالى متفضل باكمال العقل ابتداء ولايجب عليه اثبات أسباب التكليف واذا تأملت ذلك ظهر لك ان فى سياق المصنف نوع مخالفة الاأن يريد من المعتزلة فرقة خاصة ثم أشار المصنف بالرد عليهم بأنه لووجب شئ فاما بالايجاب الشرعى (وهو محال اذهو الموجب) بكسر الجيم (و) هو (الآمر الناهى وكيف يتهدف لايجاب أويتعرض للزوم وخطاب) فان هذا شأن المكلفين أى لووجب شئ لاقتضى الحال موجبا ورتبة الموجب فوق رتبة الموجب عليه ولايخفى بطلانه (و) يقال لهم (المراد بالواجب أحد أمرين امابالفعل الذى فى تركه ضررا ماآجل) أى فى الآخرة عرف بالشرع (كما يقال يجب على العبد أن يطيع الله) سبحانه (أو) ضرر (عاجل) أوفى الدنيا وان عرف بالفعل (كمايقال يجب على العطشان أن يشرب حتى لايموت) ومعنى الوجوب هنا ترجح الفعل على الترك لما يتعلق من الضرر بالترك (واما) بالايجاب العقلى (أن يراد به الذى يؤدى عدمه الى) محال وهو أن يصير العلم جهلا) ونحن نجزم ان عدم ذلك لايلزم منه محال لذاته ولايضره (فان أراد الخصم) وهو المعتزلى بقوله (بأن) ابتداء (الخلق) مثلا (واجب على الله) سبحانه (المعنى الاول) وهو ان فى تركه ضررا آجلا أوعاجلا (فقد عرضه) تعالى (للضرار) أى المضارة كذافى سائر النسخ وفى نسخ المسايرة للضرر أى ولحوق الضرر محال فى حقه تعالى والقول به كفر وفاقا (وان أراد به المعنى الثانى) وهو ان عدمه محال (فهو مسلم) حيث نظر ان ابتداء الخلق والتكليف قدتعلق العلم بوقوعه (اذبعد سبق العلم) بوقوع شئ (لابد من وجود) ذلك الشئ (المعلوم) وقوعه (وان أراد) الخصم (به معنى ثالثا) أى بكون ابتداء الخلق واجبا (فهو غير مفهوم) ولايجب عليه شئ بالايجاب العادى أيضا لمايلزم من تحتم فعله عليه فلايكون مختارا والعادة فعله فلم تبق شبهة الاأنه باعتبار الحسن والقبح العقليين وهوباطل كماسيأتى فثبت انه لايجب على @ الله شئ بوجه من الوجوه ولما كانت المعتزلة يذهبون الى المعنى الثانى وهوالذى عدمه يؤدى الى محال لكن بمعنى آخر استطرد ابن الهمام خلف كلام المصنف فقال واعلم انهم يريدون بالواجب مايثبت بتركه نقص فى نظر العقل بسبب ترك مقتضى قيام الداعى الى ذلك الفعل وهوهنا كمال القدرة والغنى المطلق مع انتفاء الصادق عن ذلك الفعل فترك المراعاة المذكورة مع ذلك بخل يجب تنزيهه تعالى عنه فيجب مااقتضاه قيام الداعى أى لايمكن أن يقع غيره لتعاليه سبحانه عمالايليق وهذا الذى يريدونه هو المعنى الثانى الذى ذكره المصنف وظاهر تسليمه له انهم قصدوا المعلوم يجب وقوعه فهوصحيح ومراد المصنف تسليم اطلاق لفظ الوجوب فقط لامع موضوعه فانه عين مذهب الاعتزال وانما مراده ان ابتداء الخلق واجب الوقوع لتعلق العلم بوقوعه وان ابتداء التكليف كذلك لان عدم وقوعه يؤدى الى محال هوانقلاب العلم جهلا وهذا غير ملاق لمقصود المعتزلة وان لم يكن مراده ذلك لزم أن يسلم ان كل أصلح للعبد يجب وقوعه له لان كل ماعلم وقوعه للعبد فهو الاصلح له عندهم لزعمهم المبالغة فى التنزيه (وقوله يجب لمصلحة عباده) أى وجوب رعاية الاصلح (كلام فاسد) من أصله (فانه اذالم يتضرر) سبحانه وتعالى (بترك مصلحة العباد لم يكن للوجوب فى حقه) تعالى (معنى ثم مصلحة العباد) انماهى (فى أن يخلقهم فى الجنة) أى لو كانت الحكمة مقرونة بطلب المنفعة كمايزعمون لكان ابتداء الخلق فى الجنة وفيه أعظم المنافع بل فيه المنفعة التى ليس فى ضمنها ضرر أولى (فاما أن يخلقهم فى دار البلايا) أى دار الدنيا مع ماضمنها ضرر وخوف (ويعرضهم للخطايا) والمعاصى (ثم يهدفهم) أى يجعلهم هدفا (لخطر العقاب) بارتكاب الخطايا (وهو العرض) على الله تعالى (والحساب فمافى ذلك غبطة) يغتبط بها (عند ذوى الالباب) وفى بعض النسخ لاولى الالباب قال ابن الهمام عقيب هذا الكلام وأنت قدعلمت ان معنى هذا الوجوب عندهم كونه لابد من وقوعه وفرض عدمه فرض محال لاستلزامه المحال على زعمهم وهواتصافه بالبخل مبنيا على التخيير فى فعل ذلك الامر الواجب وتركه وليس هذا كذلك لان حاصل كلامهم فيه سلب قدرته عن ترك ماهو الاصلح لانتقاء قدرته من الاتصاف بمالايليق به فالسبيل فى دفعهم انما منع كل واقع هوالاصلح لمن وقع له ومنع لزوم مالايليق به أى البخل الذى زعموه فتأمل وقداستدل اما الحرمين على ابطال الايجاب العقلى بأنه غير معقول بالنسبة اليه فانه لايعقل الاأن يكون باذله ملزما ولايتحقق ذلك بالنسبة الى الله تعالى وبان مايوجبونه على الله تعالى من اثابة العبد على الطاعات والطاعات الصادرة منه شكر النعمة السابقة ومن أدى ماوجب عليه لم يستحق عوضا فلاتحقق لوجوبه وكذلك يلزمهم أيضا اذا أوجبوا على البارى تعالى أصل الخلق واكمال العقل وازاحة العلل واذا كان واجبا على الله فكيف يجب الشكر على العبد وسيأتى ايضاحه * (الاصل الخامس) * (ان يجوز على الله) سبحانه عقلا (أن يكلف الخلق بما لايطيقونه) والدليل عليه ان الخلق خلقه والملك ملكه وللفاعل المالك أن يتحكم فى ملكه لحق مشيئته فيماليس عليه حجر (خلافا للمعتزلة) كلهم ولبعض الاشاعرة والماتريدية كلهم كماسيأتى بيان ذلك ثم استدل المصنف عليه فقال (ولو لم يجزذلك) أى تكليف العبد بما لايطيقه (لاستحال سؤال دفعه) قياسا على سؤال الرؤية من موسى عليه السلام (وقدسألوا ذلك فقالوا ربنا ولاتحملنا مالاطاقة لنا به) وانما يستعاذ عما وقع فى الجملة (و) دليل آخر على ذلك نقول (لان الله تعالى أخبر نبيه صلى الله عليه وسلم با أباجهل) عمرو بن هشام القرشى لايصدقه (ثم أمره بأن يصدقه فى جميع أقواله) وثم هنا للترتيب الذكرى لان كون أمر أبى جهل بالتصديق بعد الاخبار بعدم ايمانه لايظهر له مستند فضلا عن كونه متراخيا عن الاخبار وفى كلام الآمدى وغيره أبو لهب بدل أبى جهل (وكان من جملة أقواله انه لايصدقه فكيف يصدقه فى أنه لايصدقه وهل هذا الامجال @ وجوده) وفى محجة الحق لابى الخير القزوينى فان الله تعالى كلف أبالهب الايمان بالقرآن ومن جملة ماأنزل فى القرآن انه لايؤمن فى قوله تعالى سيصلى نارا ذات لهب فكأنه كلفه الايمان بانه لايؤمن وأيضا فان فائدة التكليف بيان أمارة الثواب والعقاب ولااستحالة فى جعل امتناع مالايطاق أمارة العقاب اه وأيضا فتحصيل الايمان مع العلم بعدمه أمر يجمع الوجود والعدك لاستحالة وجود الايقان مع العلم ضرورة أن العلم يقتضى المطابقة كمافى المطالب العلية وقال ابن التلمسانى وأقرب مايدل على جوازه أن الله تعالى كلف الكفار بالايمان بالاجماع وقدعلم من بعضهم عدم الايمان وأخبر بذلك ومع ذلك فيمتنع وقوع الايمان منهم اذلو وقع للزم انقلاب العلم جهلا ولزم الخلف واجتماع الضدين ولافرق بين المستحيل لنفسه والمستحيل لغيره اه وفى النوادر للامام أبى الحسن الاشعرى تكليف مالايطاق جائز وان الله لوأمر عبده بالجمع بين الضدين لم يكن سفها ولامستحيلا وفى الارشاد لامام الحرمين فان قيل ماجوزتموه عقلا من تكليف المحال هل اتفق وقوعه شرعا قلنا عند شيخنا ذلك واقع شرعا فان الرب تعالى أمر أبا لهب بان يصدق ويؤمن به فى جميع مايخبر عنه وقدأخبر عنه بانه لايؤمن فقدأمره أن يصدقه بأن لايصدقه وذلك جمع بين النقيضين ومثله فى المطالب العلية للرازى فهذه أدلة الاشاعرة والمسئلة مختلف فيها فالذى رواه الحافظ أبومحمد الحارثى فى الكشف والظهير المرغنانى وحافظ الدين الكردرى وأبو عبد الله الصميرى كلهم فى المناقب من رواية يوسف بن خالد السمتى أن الامام أبا حنيفة رضى الله عنه قال والله لايكلف العباد مالايطيقون ولاأراد منهم مالايعلمون وفى عقيدة الامام أبى جعفر الطحاوى ولم يكلفهم الله الامايطيقون ولايطيقون الاماكلفهم به فهذه النصوص صريحة فى عدم جواز تكليف مالايطاق وعليه جمهور المعتزلة واختاره الامام أبو اسحق الاسفراينى كمافى التبصرة وغيرها وأبوحامد الاسفراينى كمافى شرح السبكى لعقيدة أبى منصور وقد تقدم فى أول الكتاب قول ابن السبكى قالوا وليس بجائز تكليف ما ... * ... لايستطاع فتى من الفتيان وعليه من أصحابنا شيخ العرا ... * ... ق وحجة الاسلام ذوالاتقان ثم قال مسئلة تكليف مالا يطاق وافقهم من أصحابنا الشيخ أبوحامد الاسفراينى شيخ العراقيين وحجة الاسلام الغزالى وابن دقيق العيد اه قلت وأبوالقاسم القشيرى كمارأيته فى رسالته اعتقاد السنة من تأليفه وذكر ابن السبكى حجة الاسلام الغزالى من الموافقين محل تأمل فانك ترى انه على ظاهر كلام الاشاعرة ولم يخالفهم ولعله فى كتاب آخر غير هذه العقيدة ولنا من النقل قوله تعالى لايكلف الله نفسا الاوسعها أى طاقتها ووجه الدلالة انه لوجاز التكليف به لجاز كذب هذا الخبر وهو محال فالملزوم مثله كما فى التلويح ومن العقل أن تكليف العاجز بالفعل سفه فى الشاهد كتكليف الاعمى النظر فكذا فى الغائب ولان فائدة التكليف الاداء كماهو مذهب المعتزلة أوالابتلاء كماهو مذهبنا وهذا لايتصور فيمالايطاق أماالاداء فظاهر وأما الابتلاء فكأنه اذا كان بحال لايتصور وجوده لايتحقق معنى الابتلاء وهو انما يتحقق فى أمر لوأتى به يثاب عليه ولو امتنع بعاقب عليه وذا فيما يتصور وجوده لافيما يمتنع وجوده وقوله تعالى ربنا ولاتحملنا مالاطاقة لنابه استعاذة عن تحميل مالايطاق نحو أن يلقى عليه جدارا أوجبلا لايطيقه تعذيبا فيموت به ولايجوز أن يكلفه تحمل جبل بحيث لوفعل يثاب عليه ولوامتنع يعاقب عليه لانه يكون سفها وقوله تعالى أنبؤنى بأسماء هؤلاء ان كنتم صادقين مع عدم علمهم بذلك ليس بتكليف بالانباء بل هو خطاب تعجيز وهو عبارة عن توجيه صيغة الامر بمايظهر عجز المخاطب وهوليس بأمر حقيقة عند المحققين وهذا كامر الله تعالى المصورين باحياء الصور يوم القيامة فانه ليس بتكليف بل هو نوع تعذيب لهم وهذا لانه يكون فى دار الآخرة وهى ليست بدار تكليف بل هى دار جزاء والكلام فى تكليف مالايطاق وقولهم كلف أبا جهل بالايمان وعلم انه لايؤمن وخلاف ماهو معلوم الله @ تعالى محال فكان تكليف مالايطاق اذلو قدر على الايمان لقدر على تغيير علمه وهو محال قلنا المحال ملايمكن تقدير وجوده فى العقل والجائز مايمكن تقدير وجوده فى العقل وعلم الله تعالى بعدم الشئ الممكن فى ذاته لايجعله ممتنعا لذاته ولايمنعه عن أن يكون مقدور قادر لانه انما يقدر وجود الشئ وعدمه بالنظر الى ذاته لابالنظر الى علمه ألاترى انا نقول العالم جائز الوجود مع علمنا بان اله تعالى علم وجوده أوممتنع الوجود لعلمه تعالى انه لايوجد لم يكن لماهو جائز الوجود تحقق وبطل تقسيم العقلاء بالواجب والجائز والممتنع وقد قالوا لانزاع فى الممتنع لغيره وانما النزاع فى الممتنع لذاته كذا فى شرح العمدة للنسفى وقال القونوى فى شرح عقيدة الطحاوى وقد نقل عن أبى الحسن الاشعرى انه جائز عقلا ثم تردد أصحابه انه هل ورد الشرع به فمن قال بوروده احتج بأمر أبى لهب بالايمان فانه تعالى أخبرانه لايؤمن وانه سيصلى النار ثم كان مأمورا بالايمان بجميع ماأخبر الله تعالى ومن جملته أن يؤمن وهذا تكليف بالجمع بين الضدين وكذا أخبر انه سيصلى النار وعلم به ولوآمن لما كان ممن يصلى النار وكان الامر بالايمان أمرا بالجهل والكذب وذلك محال فكان ذلك أمرا بمايستلزم المحال والجواب ان كان الامر بالايقان وبتصديق الله تعالى فى خبره انه لايؤمن أمرا بالجمع بين الضدين فلانسلم بانه مأمور بذلك وانه عين النزاع ثم نقول خلاف معلوم الله تعالى وخلاف خبره وان كان مستحيل الوقوع بالنسبة الى العلم والخبر كالجمع بين الضدين ولكنه ممكن مقدور فى نفسه ولامنافاة بين القولين لان معنى قولنا انه ممكن مقدور فى نفسه ان القدرة صالحة له ولاتتقاصر عنه القدرة حسب قصور القدرة عن الجمع بين الضدين ثم ماعلم الله تعالى وأخبرانه لايقع لايقع قطعا كاجتماع الضدين غير أن اجتماع الضدين لم يقع لاستحالته فى نفسه لالتعلق العلم والخبر بعدم وقوعه خلاف ماعلم أوأخبر لم يقع أيضا لالاستحالته فى نفسه بل لتعلق العلم والخبر بعدم وقوع ثم انه تعالى لايعاقب أحدا على ماعلم منه دون وقوعه منه فعلا وكسبا وقد وقع فى علم الله تعالى أن أبالهب مستوجب النار بكفره فكان التكليف فى حقه فتنة والتزاما بالحجة وفى حق المطيعين رأفة ورحمة ونعمة اه وفى أمالى الامام أبى حنيفة والله لايعاقبهم بمالم يعلموا ولايسالهم عمالم يعلموا ولارضى لهم بالخوض فيماليس لهم به علم والله يعلم بمافيه وفى الفقه الاكبر يعلم من يكفر فى حال كفره كافرا واذا أخر بعد ذلك 7 علمه علمه مؤمنا فى حال أيمانه وأمنه اه وفيه اشارة الى أن التكليف لايتعلق الابما هو مقدور الوقوع فى زمان وجوده وتحصيله بمعنى ترتب العقاب على تركه فان العقاب لايليق فى الحكمة الاعلى مايتمكن العبد من العلم به وتحصيله والقدرة عليه فلايكلف العباد مالايطيقون ولايطلب دفعه على الحقيقة وسؤال دفعه بمعنى طلب الاعفاء عمايشق أوعن العقوبة واليه أشار بقوله ولارضى لهم بالخوض فيماليس لهم به علم والى منع وقوع التكليف بمعنى ترتيب العقاب على الترك بما لايمكن ولايعلم ايقاعه كجمع النقيضين فلاتكليف به فى تكليف أبى لهب بالايمان لانه قبل الاخبار بعدم ايمانه مكلف بالايمان الاجمالى فلايلزم جمع النقيضين أصلا وكذا بعد الاخبار بعدم ايمانه اذ غاية مانزل فى حقه سيصلى نارا ذات لهب وهو لاينفى ايمانه لجواز أن يحمله على تعذيب المؤمن لنفسه ولوسلم فهو كاخباره نوحا بقوله لن يؤمن من قومك الامن قدآمن وحينما علم ذلك وحقت كلمة العذاب امتنع التكليف العدم الفائدة كمافى مرصاد الافهام للبيضاوى واختاره العضد فى شرح المختصر والى ان علم الله بعدم الايمان لايمنع صرف قدرة العبد واختياره اليه ويتعلق الامر به بمعنى صرف القدرة والاختيار اليه لامكانه فى نفسه وصحة تعلق قدرته بالقصد اليه كمافى التوضيح فلايستلزم الامر بتحصيله مع العلم بعدمه الامر بجمع الوجود والعدم وقال الملاعلى فى شرح الفقه الاكبر الاستطاعة صفة يخلقها الله تعالى عند اكتساب الفعل بعد سلامة الاسباب والآلات وقد يراد به سلامة الاسباب @ والآلات والجوارح وصحة التكليف تعتمد هذه الاستطاعة التى هى سلامة الاسباب والآلات لابمعنى الاول مع أن القدرة صالحة للضدين عند أبى حنيفة حتى أن القدرة المصروفة الى الكفر هى بعينها القدرة التى تصرف الى الايمان لااختلاف الا فى التعلق وهو لايوجب الاختلاف فى نفس القدرة فالكافر قادر على الايمان المكلف به الاانه صرف قدرته الى الكفر وضيع باختياره صرفها الى الايمان فاستحق الذم والعقاب من هذا الباب وأما مايمتنع بالغير بناء على ان الله تعالى علم خلافه أوأراد خلافه كايمان الكافر وطاعة العاصى فلانزاع فى وقوع التكليف به لكونه مقدور المكلف بالنظر الى نفسه فليس التكليف به تكليفا بماليس فى وسع البشر نظرا الى ذاته ومن قال انه تكليف بماليس فى وسع البشر فقد نظر الى ماعرض له من تعلق عمله تعالى وارادته بخلافه وبالجملة لولم يكلف العبد به لم يكن تارك المأمور عاصيا فلذا عد مثل مثل ايمان الكافر وطاعة الفاسق من قبيل المحال بناء على تعلق علمه وارادته بخلافه وهو عندنا من قبيل مايطاق بناء على صحة تعلق القدرة الحادثة فى نفسه والالم يوجد 7 عقبيه وهذا نزاع لفظى عند أرباب التحقيق والله ولى التوفيق اه * (تنبيه) * وعلى القول بتجويز تكليف مالايطاق كماهو مذهب المصنف يسقط ايراد من أورد عليهم من المعتزلة انه اذا كان لايقع فى الوجود الا مراده وقد أمر العبد بمالم يرد وقوعه فقد كلفه بمالايقدر على فعله وتكليفه بذلك ثم عقابه على عدم فعله فى التحقيق ليس الاارادة تعذيبه ابتداء بلامخالفة وهذا أيضا فى نظر العقل غير لائق فيجب تنزيه الله تعالى عن ذلك ومحصل الجواب أن هذا غير وارد من أصله لانهم قديجوزون عقلا ماستبعدتموه قال ابن الهمام وعلى القول بانه وان جاز عقلا فهو غير واقع وهو الراجح من القولين لهم فالتحقيق أن عقابه انما هو على مخالفته مختارا غير مجبور فان تعلق الارادة بمعصيته لم يوجبها منه ولم يسلب اختياره فيها ولم يجبره على فعلها بل لاأثر للارادة فى شئ منه فكما انه كلف من علم منه عدم الامتثال فوقع منه ماعلمه كسائر الكفرة فلم يبطل ذلك معنى التكليف ولم ننسب اليه ظلما بذلك اتفاقا لعدم تأثير العلم فى ايجاد ذلك الكفر المعلوم وفى سلب اختيار المكلف فى اتيانه بذلك وان كان لايوجد الامعلومه فكذا التكليف بما تعلقت به الارادة بخلافه اذا كانت الارادة لاأثر لها فى الايجاد كالعلم والتأثير فى الايجاد خاصية القدرة دون العلم والارادة الا انها انما تؤثر على وفق الارادة والعلم الالهى متعلق بأن ستكون كذلك ثم يوجد مايوجد باختيار المكلف على طبق تلك الارادة متأثرا عن قدرة الله تعالى والله أعلم * (فصل) * قد أورد المصنف فى اثبات هذا الاصل دليلين عقليين الاول استحالة سؤال الدفع والثانى بيان حال أبى جهل وقد تقدم الجواب عنهما وقرر ابن الهمام فى نقضهما على طبق ماذكرنا فلنورد سياقه لمافيه من الاشارات مالم يتقدم ذكرها تكثيرا للفائدة قال فى نقض الدليل الاول لايخفى انه ليس دالا فى محل النزاع وهو التكليف اذ عند القائلين بامتناعه يجوز أن يحمله جبلا فيموت اظهارالعجزه اما عند المعتزلة فبناء على جواز أنواع الايلام للعبد بقصد العوض وجوبا وأما عند الحنفية فتفضلا بحكم وعده الصادق بالجزاء على المصاب ولايجوز أن يحمل جبلا بحيث اذالم يفعل يعاقب قال تعالى لايكلف الله نفسا الاوسعها وعن هذا النص ذهب المحققون ممن جوزه عقلا من الاشاعرة الى امتناعه سمعا وان جاز عقلا وايراد الحنفية لهذا النص لابطال الدليل الثنى فانه لوصح بجميع مقدماته لزم وقوعه وهو خلاف صريح النص لاعلى الاستدلال به على عدم جوازه منه تعالى لان ذلك بحث عقلى مبنى على أن العقل يستقل بادراك صفة الكمال وضدها فهذا نقض اجمالى اذلم يرد على مقدمة مبينة ويوضح ذلك أن المستحيل ثلاثة أنواع مستحيل لذاته وهو المحال عقلا كجمع النقيضين والضدين ومستحيل عادة لاعقلا كالطيران من الانسان والتكليف بحمل الجبل ومستحيل لتعلق العلم الازلى بعدم وقوعه أواخبار الله تعالى بعدم وقوعه كايمان من علم الله تعالى انه لايؤمن أومن أخبر الله تعالى @ بانه لايؤمن والمراد بمالايطاق هو المستحيل لذاته أوفى العادة اما المستحيل باعتبار سبق العلم الازلى بعدم وقوعه لعدم امتثاله مختارا فهو ممايدخل تحت قدرة العبد عادة بلاخلاف فى وقوعه كتكليف أبى جهل واضرابه بالايمان مع العلم بعدم ايمانه والاخبار به لانه لاأثر للعلم فى سلب قدرة المكلف ولافى جبره على المخالفة اه * استطراد * خلف عبارة ابن الهمام قال الملاعلى فى شرح الفقه الاكبر مراتب ماليس فى وسع البشر اتيانه ثلاث أقصاها أن يمتنع بنفس مفهومه كجمع الضدين وقلب الحقائق واعدام القديم وهذا لايدخل تحت القدرة القديمة فضلا عن الحادثة وأوسطها أن لاتتعلق بها القدرة الحادثة أصلا كخلق الاجسام أوعادة كحمل الجبل والصعود الى السماء وأدناها أن يمتنع لتعلق علمه سبحانه أوارادته بعدم وقوعه وفى جواز التكليف بالمرتبة الاولى تردد ولانزاع فى عدم الوقوع وجواز الثانية مختلف فيه ولاخلاف فى عدم الوقوع ووقوع الثالثة متفق عليه فضلا عن جوازها اه وزاده وضوحا صاحب اشارات المرام فقال وتحرير محل النزاع أن مالايطاق عندهم اماأن يكون ممتنعا لذاته أولغيره بان يكون ممكنا لنفسه لكن لايجوز وقوعه عن المكلف لانتفاء شرطه أولايجوز وقوعه عنه لوجود مانع عنه من علم الله تعالى انه لايقع أواخباره بذلك ولانزاع فى وقوع التكليف بالقسم الاخير لتكليف العصاة والكفار لكنه ليس تكليفا بمالايطاق عندنا لان العبد قادر على القصد وصرف الاختيار اليه والاخبار بالشئ تابع للعلم التابع للمعلوم فى الماهية وأماالقسمان الاولان فجمهورهم على عدم وقوع التكليف بهما والآيات ناطقة به ويجوز عند بعضهم وقال بعضهم بجواز التكليف بالقسم الثانى دون الاول وبعضهم بوقوعه بمايرجع الى القسم الاول كماذكره الآمدى وغيره فلااجماع على عدم التكليف به كماقيل ولاينحصر الجواز عندهم على الثانى بل صرح البيضاوى فى مرصاد الافهام بانه انما النزاع فى الممتنع لذاته وليس منسوبا الى الاشعرى لقوله بعدم تأثير قدرة العبد والله أعلم (الاصل السادس أن لله عزوجل ايلام الخلق) بأنواع الآلام (وتعذيبهم من غير جرم) منهم (سابق) على الايلام (ومن غير ثواب) لاحق له فى الدنيا ولافى الآخرة ومعنى كون ذلك له انه جائز عقلا لايقبح منه تعالى (خلافا للمعتزلة) حيث لم يجوزوا ذلك الابعوض لاحق أوجرم سابق قالوا والا لكان ظلما غير لائق بالحكمة وهو محال فى حقه تعالى فلايكون مقدورا له ولذلك أوجبوا على الله تعالى أن يقتص لبعض الحيوانات من بعض وقد أشار المصنف الى الجواب بقوله (لانه) أى الرب تعالى (متصرف فى ملكه) بكسر الميم أى مطلقا (ولايتصور أن يعد وتصرفه ملكه) فليس لاحد من خلقه عليه حجر لان الخلق ملكه وقولهم والا لكان ظلما فالجواب أن الملازمة ممنوعة واليه أشار المصنف بقوله (والظلم هو عبارة عن التصرف فى ملك الغير) أوفى غير الملك (وهو محال على الله تعالى فانه لايصادف لغيره ملكا) ولايخرج عن ملكه شئ (حتى يكون تصرفه فيه ظلما) ومن معانى الظلم أيضا مجاوزة الحد ووضع الشئ بغير محله بنقص أوزيادة أوعدول عن زمنه ومجاوزة الحق الذى يجرى مجرى نقطة الدائرة وكل ذلك محال على الله تعالى (واذا بطل) استدلالهم قلنا (يدل على) ماقلنا من (جواز ذلك) ألايلام من غير عوض ولاجرم (وجوده) أى وقوعه وذلك الواقع مايشاهد من أنواع البلاء بالحيوان من الذبح والعقر والحراثة وجرالاثقال وتحميلها اياه واليه أشار المصنف بقوله (فان ذبح البهائم) وهى المأكولة التى لم تتوحش وعقر الصيد ومافى معناه (ايلام لها وماصب عليها من أنواع العذاب من جهة الآدميين) من حمل الاثقال عليها وتعابها بجرها و(لم يتقدمها جريمة) تقتضى ذلك (فان قيل) من طرف المعتزلة (ان الله تعالى يحشرها) يوم القيامة (ويجازيها على قدر ماقاسته من الآلام) اما فى الموقف كماقال بعضهم أوفى الجنة بان تدخل الجنة فى صورة حسنة بحيث يلتذ برؤيتها على تلك الصورة أهل الجنة فتنال نعيم الجنة فى مقابلة مالها من الآلام أوانها تكون فى جنة تخصها أى @ تنال نعيمها على حسب مذاهبهم المختلفة فى ذلك قالوا (ويجب ذلك على الله سبحانه) وتعالى (فنقول) فى الجواب ذلك الذى ذكرتم من جزائها بتفصيله لايوجبه العقل ولاشيأ منه وان جوزه ولم يردبه سمع يصلح مستندا للجزم بوجوب وقوعه فى الآخرة فلايجوز الجزم به و(من زعم انه يجب على الله) تعالى (احياء كل نملة وطئت) تحت الارجل (وكل بقة) أى بعوضة (عركت) بالايادى وفى معناها البرغوث والناموس ونحوهما كالقمل وغيره (حتى يثبتها على آلامها) ويجازيها (فقد خرج عن الشرع والعقل اذ يقال وصف الثواب والحشر لكونه واجبا عليه) كمازعموا (ان كان المراد به انه يتضرر بتركه فهو محال) وهذا هو الوجوب العقلى (وان أريدبه غيره فقدسبق) قريبا (انه غير مفهوم فاذا خرج عن المعانى المذكورة للواجب) وفى محجة الحق لابى الخير القزوينى وجوزوا ايلام البرى من الله تعالى كالبهائم والاطفال من غير عوض خلافا للمعتزلة فانهم قالوا لايجوز ايلام البرى من الله تعالى كالبهائم والاطفال من غير تعويض فى دار الآخرة أولاعتبار غيره وهذا لايصح ان ايلام البرى غير مستحيل ولايقضى الى استحالة فيكون جائزا والله تعالى قادر على التفضل بمثل العوض فأى حاجة الى سبق ايلام وهذا كمن أراد ان يعطى انسانا شيأ فيؤدبه ثم يعطيه فهذا لايجوز عندهم اه وفى التذكرة الشرقية لابن القشيرى ولوقبح منه ايلام البرى من غير تعويض وتعريض لاسنى المنازل لقبح ان يبيح ذبح الحيوانات وتسخيرها وان لايؤلم الحيوانات ويميتها ومن صار الى ان البهائم والحشرات تستحق على الله تعالى غدا جنانا ونعيما فقد أصيب فى عقله اه وأما مارواه أحمد باسناد صحيح يقتص للخلق بعضهم من بعض حتى للجماء من القرناء وحتى للذرة من الذرة وهو فى صحيح مسلم بلفظ لتؤدن الحقوق الى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء فالمراد بالاقتصاص المذكور ان يدخل الله تعالى عليها من الآلام فى الموقف بقدر مايعلمه قصاصا أويقتص حقيقة وذلك لايمنعه العقل عندنا لكن لانوجبه أى لانقول بوجوب وقوعه منه تعالى كما يقوله المعتزلة وهذا أولى من القول بانه خبر آحاد غير مفيد للقطع والقطع هو المعتبر فى العقائد فتأمل وفى شرح اللمع لابن التلمسانى وممايعظم وقعه على القائلين بالتحسين والتقبيح وموجبى الاصلح والصالح على الله تعالى ايلامه للبهائم والاطفال فكيف حسن منه تعالى ذلك مع حكمهم بقبحه فصارت البكرية وهم أصحاب أبى بكر بن عبد الواحد الى انها لاتتألم وهو جحد للضرورة وصارت الثنوية ان ذلك لايصدر الامن فاعل الشر فصار جماعة من غلاة الروافض وغيرهم الى التزام التناسخ وقالوا انما حسن ذلك من حيث استحقته بجرائم سابقة اقترفتها فى غير هذه القوالب فنقلت الى هذه القوالب عقوبة لها ومن أصولهم انها مدركة عالمة بماهى فيه من العقوبة على الزلات وأماجمهور المعتزلة فحكموا بانه انما يحسن من الله تعالى امابطريق العتاب بجريمة سابقة أو بالتزام التعويض فقيل لهم اذا كان البارى قادرا على ايصال مثل ذلك العوض بدون الايلام فكيف يحسن منه الايلام فقالوا لان مايكون عوضا يزيد على مايقع به النقل ابتداء فهو أصلح لهم قالوا ثم العوض المستحق بالطاعة يزيد على المستحق بالايلام وجميع ذلك يقتضى نسبة الله تعالى الى العجز عن ان يوجد مثل العوض ابتداء* (فصل) * وحاصل مافى المسايرة وشرحه ان الحنفية لمااستحالوا عليه تعالى تكليف مالايطاق فهم لتعذيب المحسن الذى استغرق عمره فى طاعة مولاه أشد منعا لتعذيب المحسن المذكور وهم فى ذلك مخالفون للاشاعرة القائلين بان له تعالى تعذيب الطائع واثابة العاصى ولايكون ظلما كمامر ثم منعهم ذلك ليس بمعنى انه يجب عليه تعالى تركه كماتقول المعتزلة بل بمعنى انه يتعالى عن ذلك لانه غير لائق بحكمته فهو من باب التنزيهات هذا فى التجويز عليه تعالى عقلا وعدمه أما الوقوع فمقطوع بعدمه غير انه عند الاشاعرة للوعد بخلافه وعند الحنفية والمعتزلة لذلك الوعد ولقبح خلافه ثم نقل عن أبى البركات النسفى صاحب العمدة ان تخليد المؤمنين فى النار والكافرين فى الجنة يجوز عقلا عند الاشاعرة الا ان السمع ورد بخلافه فيمتنع @ وقوعه لدليل السمع وعندنا معشر الحنفية لايجوز قال ابن الهمام وقول الاشعرية أحب الى ولكن اذا أرسد بالمؤمنين الفسقة لجواز ان يعذب الفاسق على الذنب الذى أصر عليه الى ان مات أبدا كالكفر على ماذهب اليه المعتزلة من تأبيد عذابه اذلامانع من ذلك عقلا لولاالنصوص الواردة بتفضيله تعالى بخلافه اذلامانع من ذلك عقلا ولان تخليد الكافرين فى الجنة لوقدر وقوعه لكان من باب العفو وهو جائز فى نظر العقل الا ان صاحب العمدة لمااختار ان العفو عن الكفر لايجوز عقلا وفاقا للمعتزلة وخلافا للاشعرى فى قوله ان امتناعه بدليل السمع لابالعقل كان كامتناع تخليد الكافر فى الجنة لازم مذهبه لان عدم جواز العفو عن الكفر بان يعاقب عليه أبدا يلزمه عدم جواز دخول الكافرين الجنة عقلا ونحن لانقول بامتناع العفو عن الكفر عقلا بل سمعا كالاشعرى وظنهم انه مناف للحكمة لعدم المناسبة غلط وقولهم تعذيب الكفار واقع لامحالة بالاتفاق فيكون وقوعه على وجه الحكمة فعدم التعذيب على خلافها قلنا مناسبة الشئ الواحد للضدين ثابت فى الشاهد حيث ثبت فى العقل مناسبة قتل الملك لعدوه اذظفر به تشفيا لماعنده من الحنق عليه وعفوه عنه اظهار العدم الالتفات اليه تحقيرالشأنه وقدمنا انه يستحيل عليه تعالى الاتصاف بحقيقة الحنق ليتشفى بالعقاب فالباعث على العقاب فى الشاهد منتف فى حقه تعالى ثم قال هذا الذى ذكرنا يرجع الى أمر الآخرة أما فى الدنيا فلانزاع بين المعتزلة وغيرهم فى وقوع الايلام فيها كماهو مشاهد بل النزاع فى ايجاب العوض باعتباره والحنفية لايوجبونه على الله تعالى وفاقا للاشاعرة وخلافا للمعتزلة والحنفية كالاشاعرة يعتقدون فى وقوع الايلام فى الدنيا حكمة لله سبحانه فقد ترك على وجه القطع كتكفير الخطايا ورفع الدرجات وقدتظن كتطهير النفس من أخلاق لاتليق بالعبدية لقبح آثارها من حسد وكبر وبطر وقسوة وغيرها فانها تقتضى التعدى بايذاء ابناء النوع فسبب على المتعدى الالم الحسى فى بدنه والمعنوى بقبض الرزق وشدة الفقر ليتضرع لموره فى رفع تلك الاخلاق فيتحقق بوصف العبودية لعز الربوبية ويكون الايلام فى الدنيا أيضا ابتلاء أحد المتغايرين بالآخرين كان المبتلى به مكلفا فيترتب فى حقه أحكام كظلم انسان مثله أوظلم بهيمة قال مشايخ الحنفية خصومة البهيمة أشد من خصومة المسلم يوم القايمة كخصومة الذمى وقدلاتدرك الحكمة فى الايلام كمافى ايلام البهائم والاطفال الذين لاتمييز لهم بالامراض ونحوها فنحكم بحسنه قطعا اذلاقبيح بالنسبة اليه تعالى وفاقا ونعتقد فيه قطعا حكمة لله تعالى قصرت عقولنا عن دركها فيجب التسليم له فيما يفعله ويجب اعتقاد الحقيقة فى فعله اذهو تصرف فيما يملك ويجب ترك الاعتراض له الحكم وله الامر لايسئل عمايفعل وهو يسئلون والله أعلم
Shafi 185
* (الاصل السابع) * (انه تعالى يفعل بعباده مايشاء) فلوأدخل جميعم الجنة من غيرطاعة سابقة منهم كان له ذلك ولوأورد الكل منهم النار من غيرزلة منهم كان له ذلك لانه تصرف مالك الاعيان فى ملكه وليس عليه استحقاق ان أثاب فبفضله يثيب وان عذب فلحق ملكه يعذب (فلايجب عليه رعاية الاصلح لعباده كماذكرناه) فى الاصل الرابع وتقدم الكلام عليه هنالك (من انه لايجب عليه سبحانه شئ) لانقلا ولاعقلا ولاعادة (بل لايعقل فى حقه الوجوب) مطلقا (فانه) تعالى (لايسئل عمايفعل) بحكم ربوبيته وملكه لكل شئ الملك الحقيقى (وهم يسئلون) بحكم العبودية والمملوكية لاقتضائها ان العبد المملوك لااستقرل له بتصرف ولايمكنه ان يلزم مولاه ويوجب عليه شيأ وقال جمهور المعتزلة ماهو الاصلح للعبد يجب على الله تعالى ان يفعل بالعبد ويعطيه ولوأخر ولم يعطه مع انه لم يتضرر به لواعطى والعبد ينتفع به لكان بخيلا وقال بشر بن المعتمر رئيس معتزلة بغداد ومن تابعه لايجب على الله تعالى رعاية الاصلح فى حق العبد ولكن يجب عليه ان يفعل ماهو المصلحة ولايجوزان يعمل ماهو المفسد وعندهم ليس بمقدوره تعالى لطف لوفعل بالكفار لآمنوا ولو كان فى مقدوره ولم يفعل ولم يعطهم لكان بخيلا @ ظالما وغاية مايقدر عليه ممابه صلاح الخلق واجب عليه وفعل لكل عبد مؤمن أوكافر غاية ماهو فى مقدوره من مصلحة وكمافعل النبى صلى الله عليه وسلم ماهو فى مقدوره من المصلحة فعل بأبى جهل مثله وليس له على النبى صلى الله عليه وسلم انعام ليس ذلك على أبى جهل ولوكان ذلك لكان ظالما فيما فعل جائزا بل فعل غاية مافى مقدوره من مصلحة أبى جهل وليس له أنيفعل بأحد ماهو المفسدة له ألبتة هكذا نقله النسفى فى العمدة عنهم وقال ابن التلمسانى فى شرح اللمع اختلف البغداديون منهم والبصريون مع اتفاقهم على أصل الوجوب على الله تعالى فزعم البغداديون انه يجب على الله تعالى رعاية الاصلح لعباده فى دينهم ودنياهم فلايجوز فى حكمه تبقية وجه من وجوه الصلاح فى العاجل والآجل الاويفعله فقالوا بناء على هذا الاصل ان ابتداء الخلق واجب ومن علم من خلقه انه يكلفه فيجب عليه اكمال عقله وازاحة علله وخلق الالطاف له ثم قالوا ان كل ماينال العبد من الامور المضرة والآلام فهو الاصلح له واذا ارتكب معصية فهو الذى اختار لنفسه الفساد وتجب على الله معاقبته ان لم يتب ولم تكن من الصغائر قالوا وهو الاصلح فى حق الفاسد وقدورد الوعيد به وعدم وقوعه خلف وهؤلاء أخذوا مذاهبهم من الفلاسفة وهو ان الله تعالى جواد وان الواقع فى الوجود هو أقصى الامكان ولولم يقع ذلك لم يكن جوادا وقدألزمت المعتزلة ان الله تعالى لايكون له اختيار فى ترك فعل ألبتة ابتداء الخلق ووجوب اختصاصه بالوقت المعين ووجوب فعل الاصلح ووجوب الثواب والعقاب ولما استبعد البصريون منهم ذلك قالوا لايجب أصل الخلق لكن متى أراد الله اعالى تكليف عبد فيجيب عليه اكمال عقله وازاحة علله ومايترتب على فعله من الثواب والعقاب وهومبنى على مسئلة التحسين والتقبيح وهوباطل كماسيأتى والمبنى على الباطل باطل ومن مشهور دفع المعتزلة بابطال مازعموه مناظرة شيخ السنة أبى الحسن الاشعرى مع أبى على الجبائى رأس أهل الاعتزال فى أواخر الثلاثمائة أوردها صاحب المواقف وغيره والرازى فى تفسيره وهى مذكورة فى أول شرح العقائد النسفية وقدأشار اليهما المصنف حكاية بالمعنى بقوله (وليت شعرى) أى علمى (ما) ذا (يجيب المعتزلى فى) اثبات (قوله ان الاصلح واجب عليه) تعاىلأى رعايته (على مسئلة نفرضها) أى نقدرها (عليهم وهو أن يفرض مناظرة فى الآخرة بين صبى) أى صغير (مات مسلما) وانما قيده بذلك بناء على ان الاطفال الكفار لايدخلون النار (وبين بالغ) وهو الذى بلغ أشده فصار مكلفا (مات مسلما) أى طائعا (فان اله تعالى يزيد فى درجات البالغ) ويرفعه (ويفضله على الصبى) المذكور (لانه تعب بالايمان و) الاجتهاد فى (الطاعات فى البلوغ) الذى هو من التكليف (ويجب عليه) تعالى (ذلك) أى اثابة المطيع (عند المعتزلى) على حسب أصولهم فى رعاية الاصلح (فلوقال الصبى) المذكور (يارب لم رفعت منزلته على) وزدته فى الدرجات (فيقول) اله تعالى (لانه بلغ) سن التكليف وتوجه اليه الامر والنهى (واجتهد فى الطاعات) وأقلع عن المنهيات (فيقول الصبى) اذذاك رب (أنت أمتنى فى سنى الصبا) وأوان الطفولية (فكان يجب) عليك (أن تديم حياتى حتى أبلغ فاجتهد) فى الطاعة فأنال منزلة رفيعة مثله (فقد عدلت) أى جرت (عن العدل فى التفضيل عليه بطول العمر دونى فلم فضلته) على (فيقول الله) تبارك و(تعالى) لذلك الصبى (لانى علمت انك لوبلغت) ين التكليف (لاشركت) بى (أوعصيت) أمرى (فكان الاصلح لك الموت فى) سن (الصبا هذا عذر المعتزلى عن الله عز وجل وعند هذا ينادى الكفار من دركات لظى) وهم اسم طبقة من طبقات جهنم واستعمال الدركات فبها كاستعمال الدرجات فى الجنة (ويقولون) جميعا (الهنا أماعلمت اننا اذا بلغنا أشركنا) أوعصينا (فهلا أمتنا فى) سن (الصبا فانا قدرضينا بمادون منزلة الصبى المسلم فبماذا يجاب عن ذلك) السؤال (وهل يجب عند هذاالا القطع) والجزم (بأن الامور الالهية) بمافيها من خفايا الحكم والاسرار (تتعالى) وتترفع (بحكم الجلال) وهو احتجاب الحق عنابعزته (عن أن توزن بميزان الاعتزال) المائل عن سمت الاعتدال @ * (تنبيه) * هذه المسئلة المفروضة أوردها ابن الهمام فى المسايرة وجعلها مناظرة بين الاشعرى والجبائى قال وكان يتلمذ له على مذهبه فتاب وصار اماما فى السنة فقال الاشعرى للجبائى أرأيت لوأن صبيا مات الخ وفيه ان قوله فيقول الله عزوجل لانه بلغ واجتهد هو جواب الجبائى وعند هذا ينادى الكفار الخ هو رد الاشعرى على الجبائى وفى آخره فانقطع الجبائى وتاب الاشعرى عن الاعتزال وأخذ فى نقض قواعد المعتزلة وهوأظهر ممافى المواقف وأول شرح العقائد انه ناظره فى ثلاثة اخوة مات أحدهم مطيعا والآخر عاصيا والثالث صغيرا وألزمه فى قول العاصى يارب لم لم تمتنى صغيرا لئلاأعصى لك أمرا فلاأدخل النار لمايتخيل ان لهم رفع الالزام به بان اماتته للصغير فى صغره للعلم بانه لوبلغ كفر وأضل غيره فأماته لمصلحة الغير سيما اذا كان الغير كثير الظهور رجحانه وليس فى ابقاء العاصى ذلك كماتصدى أبوالحسن لرفع الالزام به عن شيخه الجبائى بعد أربعة أدوار أوأكثر لكنه تحكم كمافى التفسير الكبير ويلزمهم منع النفع عمن لاجناية له لاصلاح غيره وهوظلم عندهم فان مذهبهم وجوب الاصلح بالنسبة الى الشخص لابالنسبة الى الكل من حيث الكل كماذهب اليه الفلاسفة فى نظام العالم كمافى شرح العضدية وانه لومنعه لذلك فكيف لم يمت قبل البلوغ فرعون وزاردشت وغيرهما من المضلين لاصلاح كثير من العالمين كمافى التبصرة وشرح المقاصد فلاوجه لماقيل ان للجبائى ان يقول الاصلح واجب على الله اذا لم يوجب تركه حفظ أصلح آخر موجبه بالنسبة الى شخص آخر فلعله كان اماتة الاخ الكافر موجبه لكفر أبويه وأخيه لكمال الجزع على موته فكان الاصلح لهم حياته فلما حفظ هذا الاصلح وجب فوت الاصلح له لعله كان فى نسله صلحاء كان الاصلح لهم ايجادهم فلرعاية الكثيرين فات الاصلح واذا تأملت ماذكرت ظهرلك ان المصنف أعرض عن هذه المناظرة وقابها فى صورة أخرى مفروضة لانطباق مقصوده عليها ويقرب من هذا سياق ابن التلمسانى فى شرح اللمع حيث قال وقد ألزمهم الاصحاب فيمن أماته الله صغيرا وفيه حرمانه مايترتب على التكليف من الثواب الجزيل فان قالوا علم الله منه انه لوبلغ وكلفه لماآمن قلنا فيلزمكم أن يميت الله تعالى سائر الكفار دون البلوغ لعلمه انهم لايؤمنون فهوأصلح لهم من بقائهم وتخليدهم فى النار اه وسياق النسيفى فى الاعتماد ثم يقال لهم صبى عاش حتى بلغ وأسلم وختم بالاسلام وصبى مات فى صغره وصبى بلغ وكفر وارتد بعد الاسلام فلم أبقى الصبى الاول فان قالوا لانه أصلح له فانه ينال باسلامه وماأتى به من الطاعات الاجر العظيم قيل لم لم يبق الثانى فان قالوا لان ذلك أصلح له لانه تعالى علم انه لوبلغ لكفر واستحق الخلود فى النار فكانت اماتته صغيرا أصلح له قيل لهم لم لم يمت الثالث ولاانفصال لهم عن هذه ألبتة فتأمل * (فصل) * ومن أجوبة الماتريدية فى الرد عليهم من النقل والعقل أماالاولى فقوله تعالى ولوشاء ربك لآمن من فى الارض كلهم جميعا ولولم يكن فى مقدوره مالوفعل بهم لآمنوا لم تكن لهذه الآية فائدة ادعاء قدرة ومشيئة ليستاله كفعل المتكلف الذى يتحلى بماليس فيه وقوله تعالى تلك الرسل فضلناه بعضهم على بعض ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض ففى الآيتين دليل على بطلان القول بالاصلح اذعندهم كل مايفعله تعالى عليه أن يفعق كذلك فى الحكمة وكل من فعل ماعليه فعله فانه لايوصف بالفضل والافضال فمقتضى مذهبهم لايكون من الله تعالى تفضيل لبعض الرسل وهوخلاف النص وبالسنة وهو قوله صلى الله عليه وسلم ولوأراد الله تعالى بالنملة صلاحا ماأنبت لهاجناحا والحديث صحيح من رواية على رضى الله عنه وبالوجود فان الله تعالى فعل بالكافر مالاصلاح له فيه بل له فيه مفسدة حيث أبقاه الى وقت بلوغه وركب فيه العقل مع علمه بأنه لايؤمن بل يكفر ولاشك أن اماتته فى صغره وعدم تمييزه أصلح له اذعلم انه يكفر عند بلوغه واعتدال عقله وكذا من عاش مدة على الاسلام ثم ارتد بع ذلك فان بقاءه مع علمه بانه يرتد ليس بمصلحة له وقد فعل ذلك ولو كان تعالى قبض روحه @ قبل ارتداده بساعة لكان أصلح له وكذا ابقاء الكافرين وايلامهم ليزدادوا اثما وبالاجماع فان المسلمين وأهل الاديان كلهم يطلبون المعونه من الله تعالى عاى الطاعات والعصمة عن السيآت وكشف مابهم من البليات وقد نطق النص بذلك ثم الحال لايخلو ان كان ماسألوا من المعونة والعصمة آتاهم الله تعالى أولم يؤتهم فان كان آتاهم فسؤالهم سفه وكفران للنعم اذ السؤال لما كان عند العقلاء لمالم يكن موجودا فيسئل كان الاشتغال بالسؤال الحاقا لهذه النعمة الموجودة بالمعدوم وجل تعالى أن يأمر فى كتبه المنزلة على الانبياء أن يشتغلوا بما هو سفه وكفران للنعمة وان لم يؤتهم فلايخلو اما أن يجوزله أن لا يؤتيهم أولايجوز فان كان لايجوزله أن لايؤتيهم بل يجب عليه على وجه كان بمنعه ظالما وكان السؤال فى الحقيقة كأنهم قالوا اللهم لاتظلمنا بمنع حقنا المستحق عليك ولاتجر علينا ومن ظن أن الانبياء والاولياء اشتغلوا بمثل هذا الدعاء فقد كفر من ساعته وان كان يجوز أن لايؤتيهم ذلك فقد بطل مذهبهم وبالمعقول فقيه تسفيه الله تعالى فى طلب شكر ماأدى اذا لشكر يكون على الافضال دون قضاء الحق وتناهى قدرة الله تعالى حيث لايقدر على أن يفعل بأحد أصلح ممافعل ولم يسبق فى مقدوره ولافى خزائن رحمته أنفع لهم مما أعطاهم وابطال منة الله تعالى على عباده بالهدايه حيث فعل مافعل على طريق قضاء حق واجب عليه ولاسنة فى هذا فيكون الله تعالى بقوله والله ذو الفضل العظيم وبقوله بل الله يمن عليكم ان هداكم للايمان متصلفا اذلافضل ولاسنة فى قضاء مستحق عليه وبالله التوفيق (فان قيل مهما قدر) سبحانه وتعالى (على رعايه الاصلح للعباد ثم سلط عليهم أسباب العذاب) ومنعهم الاصلح (كان قبيحا لايليق بالحكمة) تعالى الله عن ذلك (قلنا القبيح) لغة (مالايوافق الغرض) وهو الغاية التى يتحرى ادراكها (حتى انه قد يكون الشىء قبيحا عند شخص) لامر ما (حسنا عند غيره اذا وافق غرض أحدهما دون الآخر) فانما يتم قبح الشئ وحسنه بموافقة الاغراض (حتى) انه قد (يستقبح قتل الشخص أولياؤه) بنصب اللام من قتل على انه مفعول وأولياؤه فاعل مؤخر والضمير عائذ على الشخص (ويستحسنه أعداؤه) فبتفاوت الاغراض اختلف الاستقباح والاستحسان (فان أريد بالقبيح) الذى ترتب من عدم رعاية الاصلح (مالا يوافق غرض البارى سبحانه) وتعالى (فهو محال اذلاغرض له) تعالى (فلا يتصور منه قبيح) بهذا المعنى وهذا (كمالايتصور منه ظلم اذ) هو المالك المطلق والخلق خلقه والملك ملكه ومعنى الظلم مجاوزة الحدود والتصرف فى غير الملك و(لايتصور منه التصرف فى ملك الغير) لانه فى الحقيقة لاغير فيكون له ملك (وان أريد بالقبيح مالايوافق غرض الغير فلم قلتم ان ذلك عليه) تعالى (محال وهل هذا الامجرد تشه تشتهية النفس يشهد بحلافه ماقد فرضناه من مخاصمة أهل النار) فى مسئلة الصبى والبالغ وفى الاعتماد للنسفى وليس منع الاصلح بخلالان منع ماكان منعه حكمة وهو حق المانع لاحق غيره قبله بل يكون عدلا ثم الجود انما يتحقق بالافضال لابقضاء الحق المستحق وعندهم لاافضال بل كل ذلك قضاء حق واجب عليه للغير فلايتصور عندهم تحقيق الجود وعندنا بمايعطى جواد متفضل وبما يمنع كماهو حقه عادل اه ولما كان من مذهب الاعتزال ان ترك رعاية الاصلح بخل يجب تنزيهه تعالى عنه وكان من الجواب لهم انه ليس يلزم فى ثمام البكرم ونفى البخل بالنسبة للسيد بلوغ أقصى الغايات الممكنة فى الاحسان الى كل عبد بل هو سبحانه الحكيم يفعل ماهو مقتضى حكمته الباهرة من الاعطاء لمن يشاء والمنع لمن يشاء دون ايجاب يسلب الاختيار والمشيئة كماقال تعالى ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء تعرض المصنف لذكر الحكيم بقوله (ثم الحكيم) فى أسمائه تعالى (معناه العالم) قاله ابن الاعرابى زاد غيره (بحقائق الاشياء ) كماهى هى ولايعلم كنه حقائق الاشياء غيره فهو الحكيم المطلق ويطلق أيضا (على القادر على احكام فعلها) باحسان العمل واتقان الصنع (على وفق ارادته) فالمعنى الاول يرجع الى العلم والثانى @ الى القدرة ولذا قالوا الحكيم ذوالحكمة وهى عبارة عن كمال العم واحسان العمل واتقان الصنع وقال ابن التلمسانى الحكيم هو الذى يفعل على وفق ارادته وعمله ويرجع معناه الى صفة العلم والقدرة وفى الاسماء والصفات لعبد القاهر البغدادى الحكيم هو العالم بالمستور الخفى على غيره فهو من الاوصاف الثابتة له فى الازل لانه فى الازل كان عالما بجميع المعلومات على التفصيل وقيل هوالمحكم لافعاله على اتقانها أوهو الممتنع عن الفساد فهو اذا من الاوصاف التى استحقها بفعله ولايكون حينئذ من أوصافه الازلية وعلى المعنى الآخر من أوصافه المشتقة من أفعاله وقداختلف فى معنى الحكيم فقال أصحابنا الحكيم فى فعله من أصاب مراده على حسب قصده وعند المعتزلة من كان فى فعله منفعة له أولغيره اه (وهذا من أين يوجب رعاية الاصلح) والصالح للعباد ومن أصول المعتزلة حمل الغائب على الشاهد وقد رد عليهم المصنف ذلك بقوله (وانما الحكيم منا) أى اذا أطلق الحكيم على أحدنا أريد به ذو الحكمة وهى اصابة الحق بالعلم والعمل فهو (يراعى الاصلح) والصالح (نظرا لنفسه ليستفيد به فى الدنيا ثناء) جميلا (وفى الآخرة ثوابا) جزيلا (أويدفع به) أى بمراعاة الاصلح (عن نفسه) مضرة عاجلة أوآجلة (رأفة) لها (ورحمة) عليها (وكل ذلك على الله سبحانه وتعالى محال) وقدأظهروا فساد قول المعتزلة من أن الحكمة ماكان موضوعا لطلب منفعة أولدفع مضرة بوجوه كثيرة ليس هذا محل ذكرها وبالله التوفيق (الاصل الثامن أن معرفة الله سبحانه) بتوحيده واتصافه بصفات الكمال وطاعة أوامره (واجبة) على كل مكلف اتفاقا ولكن وجوبها عند أهل الحق (بايجاب الله تعالى وشرعه) بواسطة رسله الكرام (لابالعقل) أى ممايجب الايمان به أن العقل لايستقل بادراك المؤاخذة الشرعية المتعلقة بالفعل والترك فلاتحسين ولاتقبيح بالعقل وهذا الاصل هو الملقب بالتحسين والتقبيح العقليين وعليه يترتب ماذكره المصنف قبل هذا فى الاصليين من مسئلة التكليف وايلام البهائم ولذا قيل ان تقديم هذا البحث عليهما كان أحسن وقدلاحظ ذلك ابن الهمام فى المسايرة فأورد الكل فى أصل واحد وحاصل الكلام فيه أن أهل السنة والجماعة من الاشاعرة اتفقوا على أن الافعال توصف بالحسن والقبح لكن لالذواتها ولالاوصافها ولالااعتبارات تلحقها وانما توصف من حيث تعلق خطاب الشرع بها فان تعلق بها نهى فهى قبيحة فاذا القبيح مانهى الشارع عنه وان لم يتعلق بها نهى فهى حسنة فاذا الحسن مالم ينه الله عنه فالحسن راجع الى كون الفعل لم يتعلق به نهى والقبيح راجع الى كون الفعل تعلق به نهى فنفس الفعل أوجب له هذا الحكم من الحسن والقبح الذى هو محل النزاع (خلافا للمعتزلة) جمهورهم وللماتريدية على ماسيأتى بيان أقوالهم فى ذلك والدليل عليه من النقل والعقل ولما كان الدليل النقلى الذى هو قوله تعالى وماكنا معذبين حتى نبعث يحتمل العذاب الدنيوى ويحتمل العذاب الاخروى أعرض عنه وتمسك بدليل العقل فقال (لان العقل) اذا كان موجبا (ان أوجب الطاعة) لله تعالى (فلايخلو فاما أن يوجبها لغير فائدة) عاجلة أو آجلة (وهو محال فان العقل لايوجب العبث) وهو مالافائدة فيه (واما أن يوجبها) أى الطاعة (لفائدة وغرض وذلك لايخلو اما أن يرجع) ذلك الغرض (الى المعبود) جل وعز (وذلك محال فانه) تعالى (يتقدس) ويتنزه (عن الاغراض والفوائد) اذ الغرض هو الحامل للفاعل على تحصيل كمال عنده أوبه أودفع نقص كذلك وكل ذلك يستحيل على البارى جل وعز (بل الكفر والايمان والطاعة والعصيان فى حقه تعالى سيان) أى متساويان (واما أن يرجع الى غرض العبد وهو محال) أيضا (لانه) لايخلوا ماأن يكون فى الحال أوفى المآل ومن المعلوم البين انه (لاغرض له فى الحال بل يتعب به) ويقع فى تكليف ومشقة (وينصرف عن الشهوات) النفسية (بسببه و) أيضا له غرض فى المآل لانه (ليس فى امآل) أى فى الآخرة (الا الثواب والعقاب) على الطاعة والعصيان (ومن أين يعلم) للعبد بالبناء للمفعول @ واللام مفتوحة (ان الله) تعالى (يثيب) أى يجازى (على المعرفة والطاعة ولايعاقب عليه) أى على كل منهما ولاطريق الى العلم بذلك (مع أن الطاعة والمعصية فى حقه يتساويان اذليس له الى أحدهما ميل) يعرف به (ولابه) أى بالعبد (لاحدهما اختصاص وانماعرف تمييز ذلك) من بعضه) (بالشرع) على لسان الرسل فثبت بذلك أن الموجب هو الشرع لاالعقل ومنهم من أخذ هذه المسئلة بالمقايسة بين الشاهج والغائب وقد رد عليه المصنف بقوله (ولقد زل) أى وقع فى الزلل (من أخذ هذا من المقايسة بين الخالق والمخلوق حيث يفرق المخلوق) ويميز (بين الشكر والكفران) والشكر هوتصور النعمة واظهارها والكفران نسيان النعمة وسترها (لماله من الارتياح) والانبساط (والاهتزاز) والاهتشاش (والتلذذ بأحدهما دون الآخر) وغاية مايقال فيه انه يرجع الى ملاءمة الطبع وليس هذا محل النزاع وقال أبو الخير القزوينى من شرط الموجب أن يكون حيا عالما ملكا قادرا على الثواب والعقاب والعقل عرض يستحيل أن يتصف بصفة ماوأيضا فان العقل لوصلح للايجاب بشئ لصلح ايجاب جميع الواجبات وأيضا نحن نرى فعلين متماثلين وأحدهما حسن والآخر قبيح كالوطء نكاحا والوطء سفاحا وكالقتل ابتداء والقتل احتذاء فدل على أن الحسن والقبح باثبات الشرع فقط اه وأوسع الكلام فى ابطال هذه المسئلة ابن التلمسانى فى شرح اللمع فقال اعلم ان الحسن والقبيح يطلقان باعتبارات ثلاثة الاول الحسن هو الملائم للغرض والقبيح هو المخالف للغرض والملاءمة ترجع الى ميل النفس والطبع وهما بهذا الاعتبار يرجعان الى أمر عرفى مختلف باختلاف الاشخاص والاحوال وتفسير الحسن والقبح بهذا الاعتبار لانزاع فيه الثانى الحسن كل صفة كمال كالعلم بنوعه والقبح ضده كالجهل بنوعه وهذا عقلى لانزاع فيه أيضا الثالث الحسن ماينال فاعله الثناء من الله تعالى والثواب أواللوم والعقاب على تركه فى الدنيا والآخرة والقبيح ضده وهذا محل النزاع فالاشعرية تقول ان ذلك يرجع الى وقوع جائز غيبى ووقوع الجائزات الغيبية لايهتدى اليه الابانباء الصادق عادة والمعتزلة والخوارج والكرامية تقول ان البارى تعالى حكيم وان الحكيم لايفعل ولايأمر ولاينهى الاعلى وفق الحكمة والبارى لاينتفع ولايتضرر فتعين حصر الصلاح فيما يرجع الى جلب نفع للعبيد أودفع ضرر عنهم قالوا واذا كان مضمون الفعل مصلحة خالصة أوراجحة فالحكيم لابد أن يرجح فعله على تركه وان كان مضمونه مفسدة خالصة أوراجحة فالحكيم لابد أن يرجح تركه على فعله وان استوت جهة المصلحة والمفسدة فيه فموجب ذلك التخيير فاذا وقفنا بعقولنا على شئ من ذلك امابضرورة أونظر حكمنا به وان وفقت العقول عن ادراك شئ من ذلك تلقيناه من الشارع فالشرع مخبر عن حال المحل كالحكيم الذى يخبر عن هذا العقار انه بارد أوحار لاانه يثبت حكما فى المحل وعلى هذا الاصل يعسر عليهم القول بالقبح ثم قسموا الافعال الى ثلاثة أقسام منها مايدرك حسنه وقبحه بالضرورة كحسن الصدق النافع وقبح الكذب الضار ومنها مايدرك حسنه وقبحه بالنظر كحسن الصدق الضار وقبح الكذب النافع ومنها مالايستقل العقل بادراك حسن فيه ولاقبح حتى يرد الشرع فيه كحسن صوم آخر يوم من شهر رمضان وقبح صوم أول يوم من شوال وقدتمسك الاصحاب فى الرد عليهم بالمناقضة العرفية والمذهبية والعقلية فاما العرفية فقالوا ادعيتم ادراك حسن بعض الافعال وقبحها بضرورة العقل وحكم الضرورى أن لاتختلف فيه العقلاء عادة وعرفا ونحن نخالفكم ولايمكنكم حمل ذلك على العناد فان العادة تحيل مثل ذلك من الجاء الفقير مع توالى العصور ومر الدهور قالوا انا لم نخالفكم فى شئ البتة فانا نحسن جميع ماتحسنونه ونقبح جميع ماتقبحونه وانما الخلاف فى المدرك فنحن نقول انه من العقل وأنتم تقولون انه من الشرع ولايبعد الاختلاف فى المدرك بعد الاتفاق على أصل الحكم كاختلافكم مع الكعبى فى ان خبر التواتر يفيد العلم ضرورة أونظرا وأجاب الاصحاب بوجهين أحدهما انالم نتفق قط فى صورة @ الا فى اللفظ والحسن منا ومنكم مقول بالاشتراك اللفظى فنحن نقول انه يرجع الى تعلق الخطاب والقول ولايكتسب المقول من القول صفة كمالايكتسب المعلوم من العلم صفة وأنتم تزعمون انه صفة فى المحل نفسه أوتابعة له فى الحدوث عند الجمهور منكم ونحن ننفى القسمين معا الثانى انالانسلم الكلية فانه يحسن عندنا من الله تعالى ايلام البرايا من غير جرم سابق ولاالتزام عوض لاحق وأنتم لاتقضون بحسنه من الله تعالى الابأحد الامرين فلم نتفق فى كل صورة وأماالمناقضة المذهبية فقالوا ادعيتم أن لايلام قبيح وانه يحسن للنفع الراجح وادعيتم أن الكذب قبيح وأنه لايحسن فى النفع الراجح ومن صور ذلك أن يكون فيه نجاة نبى فقال أبوهاشم التزم التسوية بين الصورتين واحكم ان الكذب يحسن فى مثل هذه الصورة فقيل له اذاقلت ان من جنس الكذب مايوصف بالحسن ومن أصلك ان كل حسن يصح من الله فعله والمتكلم على أصلك من فعل الكلام لامن قام به فجوز أن يخلق الله تعالى كذبا نافعا ويتصف به فتبلد ولم يجد جوابا وأما المناقضة العقلية وهو ان القتل ابتداء كالقتل بناء فانهما مستويان فى الصورة والصفة بدليل أن الغافل فى المستند فيهما وقدقضيتم بقبحه ابتداء وبحسنة بناء وحكم المثلين أن لايفترقا فى صفات التفس ولامايلازم النفس وللمعتزلة شبه الاولى قالوا ان العقلاء مجمعون على تحسين الصدق النافع وتقبيح الكذب الضار والظلم الذى لاينتفع به الظالم وتحسين شكر المنعم وانقاد الهلكى والفرقى قالوا وقد اعترف بذلك من ينفى الشرائع من البراهمة فدل على انه من موجبات العقول قلنا ذلك يرجع الى الملاءمة والمنافرة ونحن نسلمه وحل النزاع غير ذلك وهو انه اذا فعل شيأ من ذلك يثاب عليه فى الآخرة أويعاقب على تركه ومجرد العقل لايهتدى لذلك وأما قولكم ان البراهمة حسنت بعقولها قلنا جهلوا كجهلكم كماانهم قبحوا ايلام البهائم مطلقا وانتم تحسنونه بجناية سابقة أو التزام عوض لاحق الشيهة الثانية قالوا من له غرض يناله ان صدق أوكذب فانه يختار الصدق على الكذب ماذاك الا لحسنه عقلا قلنا موجبه اعتقاد الشرائع قالوا نفرضه فيمن لم يعتقد ذلك قلنا لاعتقاده موجب مذهبكم قالوا نفرضه فيمن نشأ فى جزيرة ولم يتصل به شرع ولاخالط غيره من أرباب المذاهب قلنا اذا بالغتم فى الفرض الى هذه الصورة فحينئذ يمنع ترجيحه للصدق والشبهة الثالثة قالوا لوحسن من الله كل شئ لحسن منه خلق المعجزة على يد الكاذب لان الدلالة العقلية تدل لنفسها فلووجدت غير دالة لانقلب الدليل شبهة والعلم جهلا وقلب الاجناس محال ومن صار الى أن دلالتها عادية جوز صدورها على يد الكاذب قال والجواز للعقل لايمنع القطع بالدلالة بناء على استمرار العادة كماانا نقطع بان كل انسان نشاهده مخلوق من أبوين وان جوزنا خلقه من غير تردد فى أطوار الخلقة وذلك الجواز لايمنعنا من الجزم الشبهة الرابعة قالوا لولم يكن الكذب قبيحا لعينه لجاز أن يخلق الله تعالى كذبا ويتصف به قلنا هذا لازم أصلكم فانكم تزعمون أن المتكلم من فعل الكلام ونحن نقول المتكلم من قام به الكلام وكلام الله تعالى أزلى متصف بالصدق ويستحيل وصفه بالكذب لمافيه من النقص اه وقال شارح الحاجبية لوحسن الفعل أوقبح لذاته لمااختلف لان مابالذات لايختلف لكنه قد اختلف كالقتل ظلما وحدا والضرب تعذيبا وتأديبا وأيضا لوحسن الفعل أوقبح لغير الطلب لم يكن تعلق الطلب لنفسه لتوقفه على أمر زائد على ذلك التقدير وهو الحسن والقبح والتالى باطل لمايلزم عليه من نخلف الصفات النفسية فالمقدم مثله اه * (فصل) * وحاصل مافى المسايرة وشرحه مانصه لانزاع فى استقلال العقل بادراك الحسن والقبح بمعنى صفة الكمال والنقص كالعلم والجهل والعدل والظلم ورد شرع أم لا وكذا بمعنى ملاءمة الغرض وعدمها كقتل زيد بالنسبة الى أعدائه وأوليائه وفاقا منا ومن المعتزلة وانما النزاع باستقلاله بدركه فى حكم الله تعالى @ فقالت المعتزلة نعم يجزم العقل بثبوت حكم الله تعالى فى الفعل بالمنع على وجه ينتهض سببا للعقاب اذا أدرك قبحه وبثبوت حمه تعالى فيه بالايجاب له والثواب بفعله والعقاب بتركه اذا أدرك حسنه على وجه يستلزم تركه قبحا كشكر المنعم بناء منهم على أن للفعل فى نفسه حسنا وقبحا ذاتيين أى تقتضيهما ذات الفعل كما ذهب اليه قدماؤهم أولاجل صفة فيه حقيقة توجبهاله كماذهب اليه الجبائية وبانه قديستقل بدركهما العقل فيعلم حكم الله تعالى باعتبارهما فيه وقدلايستقل فلايحكم فيه بشئ حتى يرد الشرع وقالت الاشاعرة قاطبة ليس للعقل نفسه حسن وقبح ذاتيان ولالصفة توجبهما وانما وردالشرع باطلاقه وقبحه وروده بحظره واذا ورد بذلك حسناه اوقبحناه بهذا المعنى فحاله بعدورود الشرع بالنسبة الى الوصفين كحاله قبل وروده فلايجب قبل البعثة شئ لاأيمان ولاغيره ولايحرم كفر وقالت الحنفية قاطبة بثبوت الحسن والقبح للعقل على الوجه الذى قالته المعتزلة ثم اتفقوا على نفى مابنته المعتزلة على اثبات الحسن والقبح للفعل من القول بوجوب الاصلح ووجوب الرزق والثواب على الطاعة والعوض فى ايلام الاطفال والبهائم والعقاب بالمعاصى ان مات بلاتوبة بناء على منع كون مقابلاتها خلاف الحكمة بل قالوا ماورد به السمع من وعد الرزق والثواب على الطاعة وألم المؤمن والطفل حتى الشوكة يشاكها محض فضل وتطول منه لابد من وجوده لوعده ومالم يرد به سمع كتعويض البهائم على آلامها نحكم بوقوعه وان جوزناه عقلا ولااعلم أحدا منهم جوز عقلا تكليف مالايطاق فهم فى هذا مخالفون للاشعرية ومع القول بالحسن والقبح العقليين اختلفوا هل يترتب على العلم بثبوت أحدهما أن يعلم حكم الله فى ذلك الفعل تكليفى فقال الاستاذ أبومنصور الماتريدى وعامة مشايخ سمرقند نعم يعلم على هذا الوجه وجوب الايمان بالله وتعظيمه وحرمة نسبة ماهو شنيع اليه تعالى كالكذب والسفه ووجوب تصديق النبى وهو معنى شكر المنعم وروى الحاكم الشهيد فى المنتقى عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى انه قال لاعذر لاحد فى الجهل بخالقه لمايرى من خلق السموات والارض وخلق نفسه وسائر مخلوقاته وعنه أيضا لولم يبعث الله رسولا لوجب على الخلق معرفته بعقولهم ونقل هؤلاء مذهب المعتزلة على خلاف المهيع الاول قالوا العقل عندهم اذا أدرك الحسن والقبيح يوجب بنفسه على الله وعلى العباد مقتضاهما وعندنا معشر الحنفية الموجب لمقتضى الحسن والقبح هو الله تعالى يوجبه على عباده ولايجب عليه شئ باتفاق أهل السنة والعقل عندنا آلة يعرف به ذلك الحكم بواسطة أن يطلعه الله على الحسن والقبح الكائنين فى الفعل واذالم يوجب العقل ذلك لم يبق دليل على الحكم للافعال من ذلك وغيره الاالسمع وقدقام دليل السمع على عدم تعلق الحكم بالعباد قبل البعثة قال تعالى وماكنا معذبين حتى نبعث رسولا وجه الاستدلال انه نفى العذاب مطلقا فى الدنيا والآخرة وذلك نفى لازم الوجوب والحرمة وانتفاء اللازم يقتضى انتفاء الملزوم وحمل بعضهم العذاب فى الآية على عذاب الدنيا وهو مدفوع بأنه تخصيص بغير دليل وخلاف مقتضى اطلاق لفظ العذاب بلاموجب يقتضى التخصيص اه (فان قيل) من طرف المعتزلة ليس تخصيص العذاب فى الآية بعذاب الدنيا خلاف مقتضى الاطلاق فلاموجب بل هو خلاف له موجب عقلى وهو ان الواجبات كالنظر المؤدى الى الايمان بوجود البارى تعالى ووحدانيته لولم يكن عقليا لزوم الدور واذا وجب النظر المؤدى الى الايمان عقلا وان لم يرد الشرع وجب الايمان عقلا لان العلم بوجوبه لازم للنظر الصحيح المؤدى اليه الذى هو أول واجب ويلزم من وجود الملزوم وجود اللازم أما الملازمة الثانية فلان وجوب الوسيلة عقلا من حيث هى وسيلة يقتضى وجوب المقصود كذلك وأما الملازمة الثانية فقد أشار اليها المصنف بقوله (فاذا لم يجب النظر والمعرفة الابالشرع) أى اذا حصرتم مدارك الاحكام فى الشرع المنقول دون قضايا العقول (والشرع لايستقر مالم ينظر المكلف فيه فاذا) أظهر الرسول معجزته ودعا الخلق الى النظر فيها ليعلم صدقه (قال المكلف للنبى ان العقل ليس يزجب على) أى لايجب على النظر الابشرع مستقر (و) اما (الشرع) @ فانه (لا يثبت) فى حقى (الابالنظر) المؤدى الى علمى ثبوته (ولست أقدم على النظر) لاعلم ثبوت الشرع فى حقى مالم يجب (أدى ذلك الى) الدور وهو باطل وأدى أيضا الى (افحام الرسول قلنا) فى الجواب ماذكرتموه ينعكس عليكم فى ايجاب العقول فان العقل لايوجبه بضرورته لامرين أحدهما اختلاف العقلاء فيه الثانى انه يتوقف على أمور نظرية والمتوقف لايكون ضروريا بيان وقوعه على الامور النظرية انه يتوقف على ايجاب المعرفة وهو نظرى وايجاب النظر بوجوب المعرفة بناء على ان مالايتوصل الى الواجب الابه فهوواجب نظرى أيضا وانه لاطريق سواه وهونظرى فتعين ان مايوجبه النظر وان كان كذلك فللعاقل أن يمتنع من النظر حتى يوجبه العقل فيقول لاأنظر مالم يجب ولايجب مالم أنظر هذا من حيث الجدل وأمامن حيث الثحقيق فان وجوب النظر لايتوقف على نظر المكلف بل متى ورد الشرع وأخبر بالايجاب وكان المكلف بحال يصح منه النظر والاستدلال فقدتحقق الشرع والموقوف على نظره علمه بالوجوب لانفس الوجوب والمشروط فى التكليف أن يكون المكلف له سبيل الى العلم بما كلف به فان من أغلق عليه بابا وقال مهما خطرلى من الحركات والسكات أفعله ولاتكليف لله تعالى على لاننى لم أطلع على حكمه يكون عاصيا بالاجماع فانه لايخلو ماأن يكون من أهل الاجتهاد أولا فان كان من أهل الاجتهاد فالواجب عليه أن ينظر ليعلم حكم الله تعالى بالاجماع وان لم يكن من أهل الاجتهاد وجب عليه السؤال وتقليد من يعرف حكم الله تعالى و(هذا) القدر المفروض صدوره من المكلف لنبيه ساقط عن الاعتبار اذليس مثله ممايصدر عن عاقل فلايكون عذرا لقائله فى ترك النظر وقدضرب المصنف له مثلا ليفهم فقال هو (يضاهى) أى يشابه (قول القائل للواقف فى موضع من المواضع) قصداللارشاد الى النجاة (ان وراءك) أى خلفك (سبعا) وهو الحيوان المفترس (ضاربا) وصفه بالشدة والضراوة (فان لم تنزعج) هكذا فى سائر النسخ وفى بعضها فان لم تبرح (عن المكان) الذى أنت فيه بالحركة والانتقال (قتلك وان التفت وراءك ونظرت عرفت صدقى) أى صدق قولى (فيقول) له ذلك (الواقف) المذكور (لا يثبت) عندى (صدقك مالم ألتفت ورائى) انظر (ولاألتفت ورائى ولاأنظر مالم يثبت صدقك فيدل هذا) كما لايخفى (على حماقة هذا القائل) وسقوطه عن حيز الاعتبار (وتهدفه) أى نصب نفسه هدفا (للهلاك ولاضرر فيه على الهادى المرشد) للنجاة (فكذلك النبى يقول) لمن بعث اليهم مامعناه اعلموا (ان وراءكم) أى خلفكم أوامامكم فانه من الاضداد والمعنى صحيح على الوجهين (الموت) أى لابد منه (ودونه السباع الضارية) لعله أراد بذلك ملائكة العذاب على التشبيه والا لامناسبة لذكرها بعد الموت ولذا أسقط هذه الجملة ابن الهمام فى المسايرة (والنيران المحرقة ان لم تأخذوا حذركم منها) بالتوبة والتصديق والعمل الصالح (وتعرفوا لى صدقى بالالتفات الى معجزتى) فان اعرضكم عن قبول ماجئت به أوتكذيبكم اياى موجب للهلاك الابدى وهو الخلود فى العذاب الاليم (فمن التفت) منكم بأن نظر فى معجزاتى (عرف) صدقى (واحترز) أى صارفى حرز (ونجا) من الهلاك الابدى (ومن لم يلتفت) منكم بالنظر فيها (وأصر) على عناده (هلك) هلاكا بل (وتردى) على أم رأسه فى الهاوية (ولاضرر على ان هلك الناس كلهم) أى جميعهم وقوله (أجمعون) تأكيدله (وانما على البلاغ المبين) أى المظهر للحق (فالشرع يعرف وجود السباع الضارية بعد الموت) ويحذر من عذاب النار (والعقل يفيد فهم كلامه) اى الخطاب (و) يفيد (الاحاطة بامكان مايقول فى المستقبل) من الزمان فيجوز العقل صدق مايقول النبى قبل النظر فى المعجزة (والطبع يستحث على الحذر من الضرر) وذلك يحمل العاقل على النظر لامحالة فيمتنع تختلف النظر فى عادة العقلاء فيكون مجرد تجويز العقل مايقول النبى مع استحثاث الطبع على الحذر من الضرر وملزوما عقليا أى يحكم العقل بانه ملزوم للنظر فلايتخلف النظر عنه ومستند حكم العقل فيه اطراد العادة قال ابن أبى شريف انه ليس المراد بالنيران فيما مر نيران الآخرة لانها وراء الموت لادونه ولانها لم تثبت عند المخاطبين بعد بل المراد ... @ بها وبالموت تعظيم ما وراءهم وتهويله الا الموت الحقيقى قلت وفيه نظر يحتاج الى تامل وقد يقال فى الاعتراض
Shafi 194
على هذا التقديران مجرد تحوير العقل صدق ما يقول النبى ليس ملزوما عقليا للنظر ولا استحسان الطبع ملزوما عقليا ايضا لا بمجرده ولا مع التجوير المذكور بل قد لا ينساق المكان الى النظر بسبب علة الشهوة على استحثان الطبع مع قوة النفس المانعة عن الانقياد ومع سهوها عن النظر فى العواقب ويعود المحذور وهو لزوم الافحام وحاصله منع الملازمة وقد يجانب بانه مكابرة لما قرارت مستند حكم العقل باللزوم اطراد العدة ومجرد التحوير العقلى لا يقدح فى العلم باللزوم المستند ذلك العلم الى العادة وقد يجاب عن تمسكهم بلزوم الافحام بان مقتضى ما ... ذ كرتم من التمسك هو وجوب النظر المستلزم لوجوب الايمان عند دعوة النبى اليه وبه نقول وهو لا يفيد وجوب النظر على المكلف بلادعوة من النبى ولا اخبار احد له بما يجب الايمان به وهو مطلوبكم وحاصله ان ما اقاده دليكم محل وفاق ولم يفد مطلوبكم الذى هو محل النزاع ثم اشار المصنف الى ابطال ايجاب العقل فقال (ومعنى كون الشئ واجبا ان فى تركه ضررا) ويكون تاركه ملوما (ومعنى كون الشرع موجبا انه معرف للضرر المتوقع) فى تركه (فان العقل) بمجرده (لايهدى) اى لا يرشد (الى التهدف) كونه هدفا (للضرر بعد الموت عند اتباع الشهوات) والملذوذات (فهذا معنى) ايجاب (الشرع والعقل وتاثيرهما فى تقدير الواجب ولولا خوف العقاب على ترك ماامر به) ورجاء الثواب على فعل ما امر به (لم يكن الوجوب ثابتا) فى الحقيقه (اذلا معنى للواجب الا ما يرتبط اى يتعلق بتركه ضرر فى الاخره فهذا هو محل النزاع والحاصل ان كل الواجبات تثبت ابتداء جبرا بحكم المالكيه المقتضيه لاستحقاق امتثال الامر والنهى دون امر يتوقف عليه الوجوبات بل هى متعلقه ازلا بمتعلقاتها من افعال العباددون ترتيب ولكن يتوقف تعلقها التتجيرى على فهم الخطاب بالابلاغ وقد تحقق كل ذلك فى حق من اخبره بذلك الايجاب بخير لانتفاء الغفله عنه بذلك الاختبار غير ان هذا التعلق التنجيرى قد يكون تعلقا بالواجب الذى هو النظر فى دليل صدق المبلغ فى دعواه النبؤه وقد يكون تعلقا بغير ذلك النظر من الواجبات فاما تعلق الوجوب بالنسبة الى غير الواجب الذى هو النظر فى دليل صدق المبلغ فى دعواه النبوة من الوجابات فانه يتحقق بعد ثبوت صدقه فى دعوى النبوة واما تعلق الوجوب فى النظر فى المعجزة فبمجرد الاخبار بذلك الوجوب لا يقدر المخاطب بالخبر فى عدم الالتفات اليه بعدما جمع له من الابلاغ والة الفهم وهو العقل المحور لما ادعاه المخبر لانه اى عدم الالتفات اليه بعد ما جمع له من الامرين جرى على خلاف مقتضى نعمة العقل فان مقتضاها استعمالها فى جلب ما ينفع ودفع ما يضر فلا يعذرنى عدم الالتفات المذكور وبه يندفع الاعتراض بلزوم الافحام وللمصنف رحمة الله تعالى فى كاب الاقتصاد كلام موضح لهذا المحل ملخصه ان الوجوب معناه رجحان الفعل على الترك لدفع ضرر فى الترك موهوم او معلوم والموجب هو الله تعالى لانه المرجح ومعنى قول الرسول ان النظر فى المعجزة واجب هو انه مرجح على تركه بترجيح الله اياه فالرسول يخبر عن الترجيح والمعجزة دليل صدقة فى اخباره والنظر سبب لمعرفة الصدق والعقل اله للنظر ولفهم معنى الخبر والطبع مستحسن على الحذر عن الضرر بعد فهم المحذور بالعقل وبهذا تبين ان مدخل العقل من جهة انه اله للفهم لا انه موجب * (تنبيه) * قال ابن الهمام اعلم ان محل الاتفاق فى الحسن والقبح العقليين ادراك العقل فبح الفعل بمعنى صفة النقض وحسنه بمعنى صفة الكمال وكثيرا ما يذهل اكابر الاشاعرة عن محل النزاع فى مسئلتى التحسين والتقبيح العقليين لكثرة ما يشعرون النفس ان لا تحكم للعقل بحسن ولا قبح فذهب لذلك عن خاطرهم محل الاتفاق حتى تحير كثير منهم فى الحكم باستحالة الكذب عليه تعالى لانه نقص حتى قال بعضهم ونعوذ بالله ممن قال لا تتم استحالة النقص عليه تعالى الاعلى راى المعتزلة القائلين بالقبح العقلى وحتى قال امام الحرمين لا يمكن اتمسك فى تنزيه الرب جل جلاله عن الكذب بكونه نقصا لان الكذب عندنا لايقبح لعينه وحتى قال صاحب التخليص @ الحكم بان الكذب نقص ان كان عقليا كان قولا بحسن الاشياء وقبحها عقلا وان كان سمعيا لزم الدور وقال صاحب المواقف لم يظهر لى فرق بين النقص فى الفعل والقبح العقلى فان النقص فى الافعال هو القبح العقلى اه وكل هذا منهم للغفلة عن محل النزاع حتى قال بعض محقق المتاخرين منهم وهو السعد فى شرح المقاصد بعدما حكى كلام هؤلاء المذكورين ما نصه وانا اتعجب من كلام هؤلاء المحققين كيف لم يتاملوا ان كلامهم هذا فى محل الوفاق لافى محل النزاع اه قال ابن ابى شريف فان قبل محل النزاع ومحل الوفاق انما هما فى افعال العباد لا فى صفات البارى سبحانه قلت الاختلاف بين الاشاعرة وغيرهم فى ان كل ما وصف نقص فى حق العباد فالبارى تعالى منزه عنه وهو محال عليه والكذب وصف نقص فى حق العباد فان قيل لا نسلم انه وصف نقص فى حقهم مطلقا لانه قد يحسن بل قد يجب فى الاخبار لسائل عم موضع معصوم قتله عدوانا قلنا الاخفاء فى ان الكذب وصف نقص عند العقلاء وخروجه لعارض الحاجة للعاجز عن الواقع الا به لا يصح فرضه فى حق ذى القدرة الكاملة الغنى مطلقا سبحانه فقد ثم كونه وصف نقص بالنسبة الى جناب قدسه تعالى فهو مستحيل فى حقه عز وجل * (فصل) * وهذا الدليل الذى سقناه فى اول الاصل هو متمسك المحدث واما الصوفى فيقول الافعال كلها نسبتان نسبة التكوين ونسبة التكليف اما نسبة التكوين فعامة لما تقدم من ان الافعال كلها فعل الله تعالى وقد قال تعالى انما قولنا لشئ اذا اردنا ان نقول له كن فيكون فالافعال بهذه النسبة لا توصف بحسن ولا قبح لاستواء الايجاد بل هى حسنة من حيث علم الفاعل وارادته واما نسبة التكليف وهى الطلب فهى مختصة بافعال المكلف وهو الملك والجن والعاقل البالغ من الانس ومن المعلوم ان الطلب للشئ فرع العلم به ولا علم للحقيقة الا لله تعالى فلا تكليف ولا طلب الا لله تعالى وقد انقسمت التكاليف الى طلب فعل وطلب ترك فما تعلق الطالب بفعله جعله الشارع حسنا يطلبه وما تعلق بتركه جعله الشارع قبيحا يطلب تركه وما لم يتعلق بتركه ولا بفعله جعله الشارع حسنا لسلامته من طلب لترك ولائه يرجع الى مطلوب الفعل بالنية ولا شك ان العقل لا يهتدى لوقوع ممكن والافعال كلها ممكنة ان تكون حسنة او قبيحة باعتبار ما يعرض لها من تعلق الطالب وتعلق الطالب غيب فلا يعلم الا بالتوقيف السمعى النبوى او بما يؤل اليه فاذا الحسن والقبح لا يدرك بمجرد العقل فلا حسن ولا قبح عقلا وهو المطلوب والله اعلم (تكميل) قد بقى على المصنف ذكر معتقدين لاهل السنة والجماعة وهما مرتبان على ابطال التحسين والتقبيح العقليين ونحن نذكرهما هنا لئلا يخلو كتابنا عن زوائد الفوائد فنقول ومن معتقد اهل السنة والجماعة ان الصانع جل وعلا لا يقعل شيئا لغرض لانه لو فعل لغرض لمكان ناقصا لذاته مستكملا بغيره وهو محال لا يقال الغرض تحميل مصلحة العبد لانا نقول تحصيل مصلحة العبد وعدم تحصيلها ان استويا بالنسبة اليه لم يصلح ان يكون غرضا ذاتيا للفعل لامتناع الترجيح بلا مرجح وان لم يستويا بان يكون تحصيل المصلحة بالنسبة اليه اولى لزم الاستكمال بما هو اولى بالنسبة اليه وايضا فقد ثبت انه تعالى قادر ان يفعل ذلك الغرض من غير واسطة فعل والعبث عليه محال اجماعا واتفق عليه اهل السنة والجماعة الا ما نقله الفخر الرازى عن اكثر الفقهاء من ظاهر قولهم حيث يشترطون فى العلة الشرعية ان تكون بمعنى الباعث للشارع على شرع الحكم من جلب مصلحة ودفع مفسدة والصواب ان ما يقع من الفقهاء من الغرض والتعليل ليس كما يقع من المعتزلة فان الذى يقع من الفقهاء فى الاحكام الشرعية العملية لما يقولون مثلا الحخكم بالقصاص انما ورد من الشارع للزجر عن القتل وهذا هو الغرض منه فحيث يطلقون ذلك فليس قصدهم بذلك انه مما يجب ان يكون كذلك عقلا وانما يعتقدون ان ذلك كذلك يجعل الشارع وان الشارع جعل على سبيل التقرب والاحسان الاحكام مرتبطة اما يجلب مصالح العباد او دفع مفاسدهم الا على جهة الوجوب العقلى واستقراء حلة الشرع ذلك من تتبع احكام الشرع اعطتهم تلك القواعد @ الكلية وقال الامام ابو حنيفة رحمه الله تعالى فى الفقه الابسط لا يطلب الله لاحتياج من العباد شيئا انما هم يطلبون منه الخير فاشار بقوله الاخير الى ان التعليل الايجاب بالمنفعة ودفع الضرر مبنى على كون افعاله تعالى واحكامه معللة بالاغراض وهو فاسد لاستلزام كونها على لعليه الفاعلية والاحتياج اليها فى العلية والله الغنى عن العالمين والمحدث يقول اتفق السلف الصالح على انه تنزه عن ذلك واما الصوفى فيقول ترتيب المسببات عن اسبابها حكمة الاسماء الالهية والمسببات عن اسبابها حكمة الاسماء الالهية والمسببات واسبابها مستوية بالنسبة الى العلم والارادة والقدرة ضرورة امكانها المقتضى لتعلقها بذلك فما يصلح ان يكون مسببا عن شئ فمن حيث الحكمة الاسمائية حق وبهذا جاء الشرع ومن حيث الصفات المقتضيات للتكوين فلا سبب ولا مسبب لوجود ظهور الكل عن سبب الكل فلم يبق السبب الا من حيث ارتباط ظهور هذا عند ظهور هذا من حيث تعلق الاسماء بها على ما سبق به العلم وقوله تعالى وما خلقت والانس الا ليعبدون مع قوله تعالى والله خلقكم وما تعملون يرضح لك المقصود فاعرفه الثانى ومما اتفق عليه اهل السنة والجماعات ان الصانع جل وعز خلقنا بمقتضى رحمته وكلفنا بمقتضى حكمته وجعل من اطاع له الجنة بمقتضى فضله ومن ابى له النار بمقتضى عدله من غير ان يكون طاعة المطيع علة لاستحقاق ما له جعل واباية من ابى علة ايضا لماله جعل بل علة الجميع تخصيص ارادته وحكمته ومشيئته فلم تكن الاعمال الاعلامية لاربابها الذين خلقت فيهم على ما يؤل اليه امرهم من سعادة او ضدها وقد اتفق حملة الشرع على ان الاعتماد على العمل شرك خفى ولو كانت الاعمال موجبة للثواب لكان الاعتماد عليها واجبا لا يكون مطلوب الترك والشرك مطلوب الشرك وفى الفقه الابسط للامام ابى حنيفة رحمه الله تعالى وحق الله عليهم ان يعبدوه ولا يشركوا به شيئا فاذا فعلوا ذلك فحقهم عليه ان يغفر لهم ويثيبهم عليه فاشار بالجملة الاخيرة الى ان الاعمال لو كانت سببا موجبا للاثابة والعقاب لما تخلف واللازم باطل لثبوت العفو والمغفرة فى البعض كما فى التوبة اتفاقا وثبوت الهدم والاحباط عمن عاش على الكفر ثم امن او على الايمان ثم كفروا اشتراط الموت على ذلك للاستحقاق يبطل الاستحقاق اصلا لعدم الشرط عند تحقق العلة وانقضاء العلة عند تحققه كما فى شرح المقاصد والمحدث يتمسك بقوله صلى الله عليه وسلم اعملوا فكل ميسر لما خلق له وقوله صلى الله عليه وسلم لن يدخل احدكم الجنة بعمله قالوا ولا انت يا رسول الله قال ولا انا ان يتغمدنى الله برحمته والاحاديث فى ذلك كثيرة والصوفى يقول من تحقق بعبوديته نفسه على انه لا شئ له يوجب الخطوة عند سيده الا بفضله والا لو كان شئ يوجب الخطوة غير الفضل لكان منازعا للسيد فى سيادته قافهم والله اعلم (الاصل التاسع انه ليس يستحيل) ارسال الرسل و(بعثة الانبياء عليهم السلام) مبشرين ومنذرين فهى جائزة عقلا وواقعة شرعا (خلافا للبراهمة) والصائبة والبراهمة طائفة من حكماء الهند يزعمون انهم على دين ابراهيم عليه السلام (حيث قالوا) باستحالة النبوات عقلا هكذا هو فى كتاب الارشاد لامام الحرمين واللمع له ايضا وابكار الافكار للامدى ومن كتب الماتريدية العمدة للنسقى والبداية للصابونى وغير هؤلاء وظاهر كلام الامدى فى غاية المرام يقتضى ان القاتل بذلك بعض البراهمة فانه بعد ان نقل عن البراهمة والصائبة القول بامتناع البعثة قال الا ان من البراهمة من اعترف برسالة ادم لا غير ومنهم من لم يعترف بغير ابراهيم اه قالوا (لا فائدة فى بعثتهم) وارسالهم (اذ فى العقل مندوحة عنهم) اى سعة وغنية من ندحت الشئ وسعته اى ان كان ما جاءت به الرسل مما يدرك بالعقول لم يكن فى ارسالهم فائدة وكان فى قضايا العقول مندوحة عنهم وان كان ما جاءت به غير مدرك بالعقل فلا يتقبل ما يخالف العقل اذ هو حجة الله على خلقه وهذا باطل من وجوه الاول هو ما اشار اليه المصنف بقوله (لان العقل لا يهدى) وفى بعض النسخ لا يهتدى فى الموضعين (الى الافعال المنجية فى الاخرة) اى ان حظ العقل منه الجواز واما الوقوع فيوجد من @ الشرع فان الحاجة الى الرسل للانباء عما بعد الموت من الحشر والنشر والثواب والعقاب والخلود فى الدارين وحظ العقول من ذلك الجواز فقط (كما لا يهدى الادوية المفيدة للصحة) من المسمومات المهلكة الا بالطيب العارف بها ليميزها ويوقف عليها (فحاجسة الخلق الى الانبياء) عليهم السلام (كحاجتهم الى الاطباء) اذ الرسالة سفارة بين الحق تعالى وبين عباده ليزيج بها عللهم فيما قصرت عنه عقولهم (ولكن يعرف صدق الطبيب بالتجربة) الصحيحة (ويعرف النبى بالمعجزة) الخارقة والوجه الثانى ان العقل وان دل على اعتبار المصالح والمفاسد لا يستقل بادراك كل الامور لا سيما عند تعارضها بل يدرك البعض استقلالا ويقصر عن ادراك البعض فلا يهتدى اليه بوجه ويتردد فى البعض فما استقل بادراكه كوجود البارى وعمله وقدرته عضده ماجاء به النبى واكده فكان ذلك بمنزلة تعاضد الادلة العقلية وما قصر عنه كالرؤية والعاد الجسمانى وقبح الصوم يوم كذا وحسنة فى يوم كذا بيته النبى لقصور العقل عن ادراك ما ذكر وما تردد فيه العقل دون وحجات لاحد الطرفين عنده رفع الاحتمال فيه كشكر المنعم قبل رورد الشرع اذا يحتمل ان يمنع من الاتيان به لانه تصرف فى ملك الله سبحانه بغير اذن منه ويحتمل ان يمنع من تركه لسكونه ترك طاعته وان غلب ظن حسنة وكان قبحه متوهما قطع ما جاء به النبى مزاحمة الوهم فيه العقل والوجه الثالث ولو سلمنا ان العقول تستقل بدركه جدلا فما المانع من انبائهم بذلك للتنبيه على الغافلين والعقلاء مجمعون على تكرير المواعظ الوجه الرابع ان العقول تتفاوت فقد تستحسن جماعة فعلا ويستقبحه اخرون فالتفويض اليها يؤدى الى فساد التقاتل والخراب للتنازع المؤدى اليهما والنهى المخبر به عنه النبى يحسم هذه المادة هذا وقد عرف مما سقناه من فوائد البعثة من الاهتداء الى ما ينحى فى الاخرة وبيان ما يقصر العقل عن دركه وتعاند الشرع والعقل فيما ادركه العقل والتذكير والتنبيه ورفع الاحتمال فيما تردد فيه العقل وهذا القدر كاف فى الرد على منكرى البعثة كالبراهمة والصائبة حيث قالوا لا فائدة فيها مع ان من الفوائد البعثة تكميل النفوس البشرية بحسب استعدادتها المختلف فى العمليات والعمليات وتعليم الاخلاق الفاضلة المتعلقة بصلاح الاشخاص والسياسات الكاملة المتعلقة بصلاح الجماعات من اهل المنازل والمدن وبيان منافع الاغذية والادوية ومضارها التى لا تفى بها التجربة الا بعد ادوار واطوار مع ما فيها من الحظر وما اورد المنكرون من ان البعث يتوقف على علم المبعوث بان الباعث له هو الله تعالى ولا سبيل له اليه اذ لعله من القاء الجن فممنوع زسند المنع اولا انه قد ينصب الباعث تعالى لمبعوث دليلا يعلم به ان الباعث هو الله تعالى بان يظهر له ايات ومعجزات ليس مثلها فى شان مخلوق تقيده هذا العلم وثانيا قد يخلق للمبعوث علم ضرورى بان الباعث له هو الله تعالى * (فصل) * قال شارح الحاجبيه اتفق اهل السنة والجماعة على ان بعثة الانبياء جائزة عقلا وواقعة قطعا ثم فى ذلك الوقوع حكمة بالغة ورحمة للعالم شاملة ان حصول النبوة لمن حصلت له بمجرد الاصطفاء الالهى لا غير اما انها جائزة عقلا فلانه امر لا يلزم منه محال لذاته وكل ما هو كذلك فهو جائز قطعا اما الكبرى فمعلومة باضرورة والصغرى كذلك ومن ادعى الاحالة للغير فالاصل عدمه وعليه بيانه وايضا الوقوع والعلم به ضرورى توترا ومشاهدة حتى من انكر فهو مباهت كافر ليس معه كلام الا ضرب عنقه لما انتهت اليه المسئلة من الوضوح واما ات وقوع بعثة الانبياء لحكمة بالغة ورحمة شاملة فذلك واضح اما من حيث النظر الفكرى ومرتبة الاشعرى بعد ان تعلم ان حصول المصالح لوقوع الالطاف عقب شئ يقع فى الوجود انما هو بمحض الكرم والفضل والجود ولو شاء لم يكن ولكن سبقت الكاملة الالهية بذلك وجرت الستة الربانية على مقتضى ما هنالك سواء ادرك ذلك العقل بنظرة او فهمه من غيره فهو من وجوه كثيرة فلنقتصر على اكثرها ذكرا واجمعها وهى ثلاث @ احدها ان الشئون الالهية من الاسماء والصفات فى غاية الخفاء عن العقل والصعوبة على الفهم تصورا وتصديقا خصوصا الاسماء والصفات التى لا دلالة للاثار عليها ولما كان كذلك كان من حكمة الله وسعة رحمته وخفى لطفه ان بعث الانبياء عليهم الصلاة والسلام فانبئوا بانباء الله تعالى عن تلك الشئون وفصلوا ذلك بعض تفصيل يطيق العقل ادراكه حتى وقف على ذلك تصورا وتصديقا وحصل له الكمال لعلم ذلك توفيقا او تحقيقا ثانيها ان العقل قاصر بنظره عن ادراك وقوع جائز وان ادرك جوازه والكلام انما هو فى العلم بالوجود لا فى الحواز اذا الحواز على الاجمال من سبيل الضرورة والكمال انما هو فى تحصيل العلم النظرى فاذا كان العقل قاصرا عن ادراك الوقوع جائت الانبياء عليهم السلام منبئين عن وقوع كثير من الجائزات التى حصل الكمال بعلمها كتفصيل احوال المعاد ووقوعه خصوصا ما وقع من ذلك فى نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم ثالثها ان الاحوال العارضة للانسان لما كانت تنقسم بحسب الموافقة والمنافرة الى خير وشر وبحسب ذلك تختلف السعادة والشقاوة بحسب المواطن الثلاث دنيا وبرزخ واخرى وكان المقصود من الخير تحصيله ومن الشر تفويته وتحصيل الشئ او تفويته فرع العلم به وكان العلم بالخير والشر فى غاية الخفاء بل لا مجال للعقل فى ذلك عندنا اذا الخير هو الحسن والشر هو القبح وقد تقدم ان ذلك بحسب تعلق الخطاب الالهى لا غير ولما كان كذلك بعث الله الانبياء عليهم السلام فانبئوا عن خير الاحوال فى المواطن الثلاث فامروا به ورغبوا فيه وعن شر الاحوال كذلك فنهوا عنه وحذروا منه اه * (فصل) * اعلم ان البعثة لطف من الله تعالى ورحمة للعالمين لما فيها من حكم ومصالح لا تحصى فان النظام المؤدى الى اصلاح حال النوع على العموم فى المعاش والمعاد لا يكمل الا ببعثة الانبياء فتجب على الله تعالى عقلا عند المعتزلة والشيعة لانها من اللطف المقرب للايمان واللطف واجب عندهم على الله عز وجل وعند الفلاسفة لكونها سببا للخير العام المستحيل تركه فى الحكمة والعناية الالهية والى هذا ذهب كثير من الما تريده من اهل ما وراء النهر وقالوا انها من مقتنيات حكمة البارى فمستحيل ان لا يوجد كاستحالة السفه عليه كما ان ما علم الله وقوعه يجب ان يقه لاستحالة الجهل عليه وهذا المقول هو معنى قول المعتزلة بوجوب البعثة او بوجوب الاصلح والمختار انها لطف من الله تعالى ورحمة من بها على عباده يحسن فعلها ولا يقبح تركها ولا يبتنى على استحقاق من المبعوث واجتماع شروط فيه كما زعماه الفلاسفة بل الله يختص برحمته من يشاء وهو اعلم حيث يجعل رسالاته كما فى شرح المقاصد ومن هنا حملنا الوجوب وظاهرة استحالة تخلفه على خلاف ظاهرة ويمكن حمله على ارادة وجوب الوقوع لتعاق العلم القديم بوقوعه فان ذلك لا ينافى امكانه فى نفسه * (فصل) * ودليل المحدث فى هذا الاصل قوله تعالى رسلا مبشرين ومنذرين وقوله تعالى حكاية عن الكفرة لولا ارسلت الينا رسولا فتتبع اياتك وقوله تعالى يا اهل الكتاب قد جائكم رسولنا يبن لكم كثيرا فان الله تعالى اعذر الى الخلق ببعثة الرسل وقطع حجتهم عند ذلك وهى انه لولا بعثة الرسل لتوجه لهم من حيث العادة المالوفة ان يقولوا عند نزول الشقاوة بهم يا ربنا انك ركبتنا تركيبا نسهو معه ونغفل جعلت فينا غضبا وشهوة ومكنت منا عدوا لنا حريصا على غوايتنا واضلالنا فهلا امددتنا بشخص من انفسنا نسر به ولا نستوحش منه ينبهنا اذا سهونا ويذكرنا اذا نسينا ويعلمنا اذا جهلنا ويمنعنا اذا اشتهينا ولما كان كذلك بعث الله الانبياء لقطع هذه الحجة واضمحلالها على انه لو لم يفعل ذلك لكان له ذلك اذ هو يفعل ما يشاء لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون * (فصل) * ودليل الصوفى يقول قد تحقق فى نفس الامر ان العلم على قسمين قديم وحادث وان شئت فقل فعلى وانفعالى وان شئت فقل حصولى وانطباعى وان شئت فقل ذاتى وعرضى فالعلم الحصولى @ الذاتى القديم شو علم الله تعالى والانفعالى والانطباعى العرضى الحادث هو علم العبد وحصول الكمال من حيث قضية الوجود الشامل للوجوب والامكان انما هو بحصول العلمين اذ الامر فى نفسه من حيث حقيقته الحقائق القابلة لذلك اعطاء ذلك فلا بد للعلم الحادث من حامل له وهو العبد قال تعالى الله الذى خلق سبع سماوات ومن الارض مثلهن تنزل الامر بينهن لتعلموا وقال تعالى وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون والعبادة انما هى علم وعمل فاذا لا بد من حصول العلم للعبد كما اعطته الحقيقة عينا والايات القرانية علما ولما كان العلم الحادث حقيقة راجعة الى حصول صور انفعالية مثالية تحصل بواسطة الحادث محادثة روحانية وموجبات قدسية نحو الجناب الاقدس جل وعلا فعند تمام المواجهة تحصل انوار شعشعانية ثم حصول تلك الصور النورانية انما هى بمحض المشيئة الالهية كما دل عليه قوله وتعالى ولا يحيطون بشئ من علمه الا بما شاء وهى تتفاوت بحسب المواجهات والمواجهات بحسب المرتبة والحقيقة فمتى كانت حقيقة القابل فى غاية البساطة والتمحيص من الفواشى الحجبيه التى هى الاوهام وما يؤدى اليها والسلامة من التركيب المقتضى لذلك كان اقرب ومتى كان الحقيقة على الضد من ذلك كانت ابعد وبينهما وسائط فاذا كل حقيقة انما تمتد بما يناسبها وذلك الامتداد هو التنزل الوحى والتعليم الالهى ثم ذلك التعليم منه ما يخص ومنه ما يعم فكل صورة نورانية علمية عن المحل المواجه لشطر محل تلك الصورة ثم من ذلك الى اخره وهل جراثم ذلك الانبعاث قد يكون بواسطة لفظ او رقم او اشارة وقد يكون بغير واسطة بل الهام بمجرد تصفية القابل ودفع المزاحم وبالجملة فهذا انبعاث الصورة العلمية المتخصصة بالارادة الازلية هو حضرة الوجود من حيث الامكان والتحقق بوحدة الجمع ومقام الاحدية ولما كان الوجود الامكانى العبدى على ثلاث مراتب علوى نورانى كالملائكة وسفلى جسمانى كالجن ومتوسط بين الاول والثانى كالانسان وكان الانس على ثلاث مراتب منهم من غاب عليهم حكم المرتبة العلوية وهم الكمل الباقون على حسن تقويمهم ومنهم من غلب عليه حكم المرتبة السفلية وهم الاشقياء المرددون الى اسفل سافلين ومنهم من توسط بين المرتبتين وهم الذين امنوا وعملوا الصالحات ثم الكمل على قسمين منهم من هو فى مرتبة الملائكة من كل الوجوه وهم الانبياء عليهم الصلاة والسلام وانما كانوا بصورة البشر لتقرب المناسبة المتوقف عليها القبول من حيث النسبة الالهية ومنهم من هو دون ذلك وهم الاولياء ولما كان التلقى انما هو بحسب المواجهة والمناسبة كما اشرنا كان اول متلق من الحضرة الالهية هم الانبياء عليهم الصلاة والسلام اما بتغيير توسط الغير منهم البعض واما بتوسنا اذ هم متفاوتون فى مراتبهم ثم الاولياء من الانبياء بحصول المناسبة الخلقية تعليما ومن الملائكة الهاما وتحدثا قال عليه الصلاة والسلام ان الملك يتكلم على لسان عمرو انه كان فيمن قبلكم محدثون فان يكن من امتى منهم فعمر بن الخطاب منهم ثم المتوسطون من الاولياء تعلما بحسب حصول المناسبة العملية واما الجن فتلقيهم تلقى استراق من الملائكة واستماع من الانبياء اولا ومن الاولياء ثانيا واماما يظهر على بعض الذوات الانسانية من غير متابعة الانبياء عليهم الصلاة والسلام فليس الا من القرين الجنى واذا تقرر ذلك بان لك انه لولا بعثة الانبياء لم يكن من الجن والانس كمال علمى فقد اتضحت الحكمة وعمت النعمة والله اعلم * (تكميل الاصل) * اعلم ان النبؤة ليست صفة ذاتية للنبى كما صار اليه الكرامية لاستوائه مع الخلق فى نوع البشرية ولا مكتسبة كما صار اليه الفلاسفة وقالوا انها ترجع الى التخلى من الاخلاق الذميمة والتحلى بالاخلاق الكريمة الى ان يصل العبد الى حالة يتمكن بها من سياسة نفسه وغيره وانما يرجع الى اصطفاء عبد بان @ يوحى اليه قال الله تعالى يصطفى من الملائكة رسلا ومن الناس وقال تعالى قل انما انا بشر مثلكم يوحى الى فميز نفسه بالوحى فان امر مع ذلك بتبليغ الوحى كان رسولا كما قال تعالى يا ايها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك فاذا كل رسول نبى وليس كل نبى رسولا وقد ميز الزمخشرى الرسل عن الانبياء بان الرسل هم اصحاب الكتب والشرائع والنبين هم الذين يحكمون بالمنزل على غيرهم مع انهم يوحى اليهم كما قال تعالى انا انزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون وسمى نبيا لاخباره عن الله تعالى فيكون من الانباء او لرفعته فيكون من النبوة ولذلك قرئ مهموزا بالله التوفيق * (الاصل العاشر) * فى اثبات نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم اعلم (ان الله سبحانه وتعالى قد ارسل محمدا صلى الله عليه وسلم) الى الخلق اجمعين بالهدى ودين الحق والمراد من الخلق المخلوق لان ارساله الى من يعقل من الجن والانس قال بعض العلماء والى الملائكة نقل ذلك التقى السبكى وصرح الامام الرازى فى تفسير قوله تعالى ليكون للعالمين نذيرا بعدم دخول الملائكة فى عموم من بعث صلى الله عليه وسلم اليهم ثم اعلم ان العلم بثبوت الشئ فرع تصور ذلك الشئ ان كان بحسب اسمه فلا يتوقف على وجوده والتصديق المفروض هو ان محمدا صلى الله عليه وسلم رسول الله المفهوم من سياق المصف ولابد لحصول هذا من العلم بوجود هذا الموضوع وتعيينه اذ هو شخص وتصور الشخص انما هو بتعييناته الشخصية فلا بد من الكلام على ما به يتعين شخصا وذلك بالاستقراء من حيث نسبة ومولده ووفاته وزمانه واسماؤه الموجبة لشهرته وشمائله التى امتاز بها عن غيره فاذا كان كذلك فلابد من ذكر ذلك على الايجاز والاختصار ليكمل المعتقد من كل الوجوه وقد ذكره القرافى فى دحيرته واشار اليه فى شرح الاربعين ان جميع الاحوال المتعلقة بالرسول كلها فضلا عما به يتعين ترجع الى العقائد لا الى العمل فيجب البحث عن ذلك لتحصيل كمال المعتقد بذلك اما وجوده صلى الله عليه وسلم فمعلوم بالضرورة توترا عند اهل البرهان وكشفا عند اولى العيان فان الصوفى يقول العلم بوجوده صلى الله عليه وسلم من قبيل المحسوسات المرئية بالابصار يقظة عند المقربين ونوما عند غيرهم وقد قال صلى الله عليه وسلم من رانى فقد رانى حقا فان الشيطان لا يمثل بصورتى اذ معنى الحديث عند الاكثر من راه نوما فتلك الرؤية مساوية للرؤية الحسنة يقظة بل معنى كما نبه عليه علماء الحديث فانظره وانما تعيينه فاما من حيث نسبة فهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصى بن كلاب ابن مرة بن كعب بن اؤى بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة ابن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان واليه انتهى النسب الصحيح وما فوق عدنان فمختلف فيه ولا خلاف بينهم ان عدنان من ولد اسماعيل بن ابراهيم عليهم الصلاة والسلام وكيته صلى الله عليه وسلم ابو القاسم وهو الاشهر وامه امنة ابنه وهب ابن عبد مناف بن زهرة بن كلاب وهنا تجتمع مع ابيه فى النسب واما مولده صلى الله عليه وسلم اما من حيث المكان فهو مكة باجماع فى شعب ابى طالب واما من حيث الزمان فيوم الاثنين لاثنتى عشرة خلت من شهور ربيع الاول وذلك بعد قدوم الفيل بشهر وقيل باربعين يوما وقيل بخمسين يوما ومات والده عنه صلى الله عليه وسلم وهو حمل وقبل ابن سبعة اشهر والاول الصحيح وماتت امه بالابواء ولم يستكمل له سبع سنين وكفله جده عبد المطلب 7 ولرسول الله صلى الله عليه وسلم ثمان سنين وبعث صلى الله عليه وسلم لثمان مضين من شهر ربيع الاول سنة احدى واربعين من عام الفيل فاقام بمكة ثلاث عشرة سنة وقبل خمس عشرة سنة وقيل عشر سنين والاول اشهر وقدم المدينة يوم الاثنين وهو الثانى من شهر ربيع الاول سنة اربع وخمسين من عام الفيل ومكث بها عشر سنين وتوفى صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين فى بيت عائشة رضى الله عنها يوم نوبتها يوم الاثنين اول يوم من شهر ربيع الاول ودفن ليلة الاربعاء واما صفته صلى الله عليه وسلم وشمائله الزكية @ فليس بالطويل البائس ولا بالقصير المتردد ولا بالابيض الامهق ولا الادم ولا بالجعد القطط ولا بالسيط كان رجل الشعر ازهر اللون مشر بابحمره فى بياض كان وجهه القمر حسن العنق ضخم الكراديس اهدب الاشفار ادعج العينين حسن الثغر ضليع الفم حسن الانف اذا مشى يتكفأ كانما ينحط من صبب واذا التفت التفت معاجل نظره الى الارض كانت له جمة لم تبلغ شحمة اذنيه صلى الله عليه وسلم واما اسماؤه صلى الله عليه وسلم فهى كثيرة بلغت الفا وقد الف الحافظ ابن دحية فى ضبطها كتابا سماه المستوفى فيه مقنع لمن اراد التطلع بها والمنقول توفيقا فقد روى مالك وغيره رفعه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لى خمسة اسماء انا محمد وانا احمد وانا الماحى الذى يمحو الله بى الكفر وانا الحاشر الذى يحشر الناس على قدمى وانا العاقب ومن اسمائه فى القران طه ويس والمدثر والمزمل وعبد الله والرؤوف والرحيم ومن اسمائه ايضا المقفى ونبى التوبة ونبى الملاحم والمتوكل صلى الله عليه وسلم تسليما ثم قال المصنف رحمه الله تعالى ونعتقد انه صلى الله عليه وسلم ارسله الله تعالى (خاتما للنبيين) وهذا مما اجمع عليه اهل السنة وثبت بالكتاب والسنة فالكتاب قوله تعالى ولكن رسول الله وخاتم النبيين والسنة فما روى وانى لخاتم النبيين وادم منجدل بين الماء والطين وفى الصحيحين ان مثلى ومثل الانبياء قبلى كمثل رجل بنى دار فكملها واحسنها وترك فيها موضع لبنة فصار يقال ما احسنها لو نمت فانا اللبنة التى تم بها بناء الانبياء ويروى ايضا لا نبى بعدى فقد جاء حديث الختم من طرق كثيرة بالفاظ مختلفة والاجماع فقد اتفقت الامة على ذلك وعلى تكفير من ادعى النبوة بعده وبه يستدل المحدث واما الصوفى فيقول بذلك ويزيد بما يعطيه ذوقه ويشير اليه وجده ويلوح بان بعثته صلى الله عليه وسلم جامعة لمعانى العلو بالظهور على ما هو فوق ذلك باحاطته بكلية الكون اعلاه وادناه واوله واخره وكان له الحظ من نبوة كل نبى فكان بنبوته الجامعة لخصوص احوال الانبياء بمنزلة الفطرة الانسانية الجامعة لخصوص احوال الحيوان فكانت احاطته بنبوته بظهور كمال كلية الامر فلم يبقى وراءه اعلى فانجمعت طرفا سلسة النبوة والرسالة فكان خاتما لا نبى بعده اذ لا مرقى وراء امره وهذا هو حقيقة الختم * (تنبيه) * يقال خاتم بفتح التاء وبكسرها وقد قرئ بهما فالفتح بمعنى الختام والانتهاء والمعنى انه انتهاء النبيين فهو كالخاتم والطابع الذى يكون عنده الانتهاء واذا كان انتهاء النبيين كان انتهاء المرسلين لما تقدم من ان كل رسول نبى ورفع الاعم يستلزم رفع الاخص والكسر بمعنى انه ختمهم اى جاء اخرهم فلم يبق بعده نبى وبالجملة فيه انتبهت النبوة والرسالة (و) انه صلى الله عليه وسلم بعث (ناسخا لما قبله من شرائع اليهود والنصارى والصائبين) اى رافعا تلك الاحكام ومزيلا لها ومبينا الانتهاء امدها واصل النسخ الازالة واليهود والنصارى فرقتان معروفتان من اتباع سيدنا موسى وسيدنا عيسى عليهما السلام والصائبون قوم يزعمون انهم على دين نوح عليه السلام وقبلتهم مهب الشمالى عند منتصف النهار وانما خص هؤلاء مع ان شريعته صلى الله عليه وسلم نسحت سائر الشرائع المتقدمة لشهرة ذكرهم * (تنبيه) * من اكبر الجاحدين لنبوة نبينا صلى الله عليه وسلم اليهود وقد ورد فيهم انهم قوم بهت كما فى الصحيح وهم فرقتان الاولى امتنعت من تصديقه لما تضمنت شريعته من نسخ بعض احكام شريعة موسى عليه السلام فمنهم من زعم استحالة النسخ عقلا لما فيه من البداء على زعمهم والبداء محال على الله تعالى ومنهم من زعم ان موسى عليه السلام نص على ان شريعته لا تنسج وانه قال تمسكوا بالسبت ابدا الفرقة الثانية العيسوية اتباع ابى موسى الاصهانى قالوا هو رسول لكن الى العرب خاصة وكذا قولهم ان عيسى عليه السلام مبعوث فى قومه وبمثل هذا القول قال ايضا بعض النصارى اما من زعم احالة النسح لما فيه من البداء فان عنى به ان الله تعالى ظهر له من الحكمة ما كان خافيا لذلك محال على الله تعالى ولا نسلم ان النسخ مستلزم لذلك فانه لو استلزم تصرفه فى ان يمنع ما اطلقه فى وقت ما @ واطلاق ما صنعه فى وقت اخر ذلك للزم منع تصرفه فيهم بافعاله من نقلهم من الصحة الى المرض ومن الغنى الى الفقر ومن الحياة الى الموت وعكس ذلك البداء واذا لم يدل شئ من ذلك على البداء فكذلك لا يدل تصرفه فيهم بالقول عليه ثم ان من المعلوم انه لا يمتنع فى الحكمة ان يامر الحكيم مريضا باستعمال دواء فى وقت ثم ينهاه عنه فى وقت اخر لتعلق صلاحه بذلك فى الحالين ان روعيت قاعدة الصلاح والتزم فى تصرفات البارى تعالى ذلك والا فالله تعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ثم نقول وقوع الخارق على وفق الدعوى المتحدى مع العجز عن معارضته لا يخلوا اما ان يدل على صدق مدعى الرسالة اولا فان لم يدل وجب ان لا تقوم دلالة على صدق موسى عليه السلام وان دل وجب تصديق محمد صلى الله عليه وسلم وتصديق عيسى عليه السلام وقد جاء بالنسخ فيثبت ثم من نص التوراه ان الله عز وجل قال لنوح عليه السلام حين خرج من السفينة انى جاعل كل دابة مأكلا لك ولذريتك واطلقت ذلك لكم كثبات العشب ما خلا الدم وقد حرم بعد ذلك فى التوراه كثيرا منها وفى التوراه ان من شريعة ادم عليه السلام جواز نكاح الاخت وقد حرمتم ذلك وقد كان فى شرع يعقوب عليه السلام الجمع بين الاختين وقد حرمتم ذلك وقد كان العمل فى السبت قبل شريعة موسى عليه السلام مباحا وقد حرمتم ذلك ولم يكن الختان واجب لدى الولادة وقد اوجبتموه واما من ادعى منع ذلك بطريق النقل فهو ما لقنه لهم ابن الراوندى ولو كان ذلك النقل حقا لاحتج به اليهود على النبى صلى الله عليه وسلم وقد بالغوا فى طمس اياته بكل وجه حتى غيروا صفته فى التوراه ولو احتجوا به لنقل وحيث لم ينقل دل على انتفائه واما العيسوية ومن ادرى رايهم من النصارى فاذا اسلموا انه نبى فقد اسلموا انه نبى فقد سلموا صدقه وقد اخبر بعموم رسالته وانه مبعوث الى الاحمر والاسود مع قوله تعالى وما ارسلناك الا كافة للناس وقوله قل يا ايها الناس انى رسول الله اليكم جميعا وقد تحدى بمعجزته جميع الانس والجن (وايده) الله سبحانه (بالمعجزات الظاهرة والايات الباهرة) معنى الاية العلامة على صدقه والمعجزة هى الاية مع التحدى بها فكل معجزة ايه لا العكس ثم المعجزة ماخوذة من العجز المقابل للقدرة وحقيقة الاعجاز اثبات العجز فاستعير لاظهاره ثم اسند مجازا الى ما هو سبب للعجز ثم جعل اسما له فقيل معجزة والثاء فيه للنقل من الوصيفة الى الاسمية كما فى الحقيقة او للمبالغة كما فى العلامة وحقيقة المعجزة امر خارق للعادة مقرون بالتحدى موافق للدعوى سالم من المعارض على يد مدعى النبوة قولنا من يتناول الفعل كانفجار الماء من بين اصابعه وعدمه كعدم احراق النار وقيد امام الحرمين المعجزة بفعل الله تعالى واليه مال المصنف كما سياتى فى سياقه قريبا وقد اورد عليهما انها لا تنحصر فى الفعل بل كما انها تكون بفعل غير المعتاد قد تكون بالمنع من الفعل المعتاد لامة البنية بعدم خلق الضرورة والداعى الى الفعل ومن اقتصر على الفعل فهو اما الان العدم المضاف عنده فعل واثر للقدرة واما لانه جعل المعجزة كون النار بردا وسلاما على ابراهيم او بقاء جسمه عليه السلام على ما كان عليه لكن هذه الاجوبة كلها بحسب المادة وقولنا خارق للعادة يخرج المعتادا دلالة فيه لاتحاد نسبته فلا يدل وقولنا مقرون بالتحدى اى المجاراة والمغالبة لغة والمراد منه ربط الدعوى بالمعجز عند دعوى النبوة وبهذا القيد تخرج كرامات الاولياء لانه لا تتخذى بالكلية اولا يتحدى بها على دعوى النبوة والرسالة وان جاز للولى ان يتحدى على ولايته وهو الصحيح واما خروج الاهاصات فلائنها تكون قبل النبوة فلم تكن مقرونة بالتحدى اذا الارهاص احداث خارق فى العادة يدل على بعثته نبى قبل بعثته كانه تاسيس لقاعدة نبوته قال السعد والتغليب وقولنا مع الموافقة للدعوى معناه ان يكون ما ياتى به موافقا له فى دعوى النبوة بحيث لا يقتضى تكذيبه وقولنا والسلامة من المعارض اى فى دعواه بان يدعى احد نقيض دعواه كما اذا ادعى احد انه نبى وقارن دعواه خارق ثم ادعى اخر انه نبى وان ذلك المدعى اولا ليس بنبى @ وقارن دعواه خارق وقولنا على يد مدعى النبوة معناه ان يكون الخارق قائما بالنبى كبياض يد موسى عليه السلام او وجوده عند توجهه لوقوعه عازما عليه وطالبا اياه كانقلاب العصا حية فخرج ما اذا اتخذ الكاذب معجزة من يعاضده من الانبياء لنفسه وكذا يخرج ما اذا تقدم الخارق من المدعى ثم يدعى ويقول معجزتى ما ظهر فى الزمن الماضى فانه وان كان خارقا الا انه لم يكن على يد مدعى النبوة فى ذلك الزمن اذا الفرض انه لم يدع نبوة واذا علمت ذلك فاعرف انه صلى الله عليه وسلم ادعى النبوة مقرونة بالمعجزة فهو رسول الله قطعا اما الصغرى وهو انه ادعى الرسالة فبالضرورة حسا للمعاصر وتوترا لغيره واما ان تلك الدعوى كانت مقرونة بالمعجزة فبالمشاهدة للمعاصر ولغيره بالتواتر لفظا ومعنى لغيره مما نقلته الاحاد وبالجملة فمعجزاته صلى الله عليه وسلم على قسمين باقية دائمة يشاهدها من كان وسيكون وذلك هو القران العظيم وغير دائمة وهو ما صدر عنه صلى الله عليه وسلم من الخوارق الفعلية او الغيوب القولية مما يتعلق بماض او بال او مستقبل وهى لا تحصى عدة بالتحقيق اما القسم الاول الذى هو القران واحد فسمى القسم الثانى الذى هو الغيوب القولية فسيذكرهما المصنف فيما بعد وبقى القسم الاول من القسم الثانى وهو الافعال الخارقة للعادة فذلك ايضا لا يحصى كثرة وقد فصلت فى دلائل النبوة لكل من البهيقى وابى نعيم لكن بعضها ارهاصا ظهر قبل دعوى النبوة وبعضها تصديقا ظهر بعدها وهى تنقسم الى امور ثابتة فى ذاته وامور متعلقة بصفاته وامور خارجة عنها راجعة الى افعاله فالاول كالنور الذى كان ينتقل فى ابائه الى ان ولد وكولادنه مختونا مسرورا واضعا احدى يديه على عينيه والاخرى على سرته وكذلك ما كان من خاتم النبوة بين كتفيه وطول قامته عند الطويل ووساطته عند الوسط ورؤيته من خلف كما كان يرى من قدام ورؤيته فى الظلمة كما يرى فى الضوء ورؤيته البعيد كما يرى القريب وكون جسمه شفافا فلم يقع له ظل على الارض ولم يمنع رائى الشمس مع حيلولته والثانى ما يرجع الى صفاته وذلك ما استجمعه مما هو فى الغاية القصوى وغاية الكمال فى ذلك من الصدق والامانة والعفاف والشجاعة والعدل والحكمة والفصاحة والسماحة والزهد والتواضع لاهل المسكنة والشفقة على الامة والمصابرة على مصاعب الرسالة والمواظبة على مكارم الاخلاق وبلوغه النهاية فى العلوم الالهية وتمهيد قواعد المصالح الدينية والدنيوية وما كان عليه من استجابة الدعوة دعا لابن عباس بقوله اللهم فقهه فى الدين وعلمه التأويل فكان بحرا واماما للمفسرين ودعا على عتبة بقوله اللهم سلط عليه كلبا من كلابك فافترسه الاسد وعلى سراقة حين لقه فساخت قوائم فرسه والثالث ما هو خارج عن ذاته وهو (كانشقاق القمر) له فلقتين ومحل الانشقاق كان بمكة وقيل بمنى قال الامام ابو حنيفة رحمه الله تعالى حدثنى الهيثم بن حبيب الصير فى عن عامر الشعبى عن ابن مسعود رضى الله عنه قال انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فلقتين اى شقين متباعدين بحيث كان الجبل بينهما وكان ذلك فى مقام التحدى فكان معجزة كما فى شرح المواقف والحديث متفق عليه من حديث انس وابن مسعود وابن عباس قاله العراقى قامت واخرجه احمد وابو داوود الطيالسى وابو عوانة واسحق وعبد الرازق والطبرانى وابن مردويه من حديث ابن مسعود وابن عباس والبيهقى وابو نعيم من حديث ابن مسعود وفى رواية عن انس ان ذلك كان بعد سؤال المشركين وفى رواية ابى نعيم عن ابن مسعود لقد رايت احد شقيه على الجبل الذى بمنى ونحن بمكة واخرجه البيهقى وعياض عن على وحذيفة ومسلم والترمزى عن ابن عمر واحمد والبيهقى عن جبير ابن مطعم وقال ابن السبكى انه متواتر * (تنبيه) * انس وابن عباس رضى الله عنهما لم يحضرا الانشقاق لانه كان بمكة قبل الهجرة بنحو خمس سنين وكان ابن عباس اذ ذاك لم يولد واما انس فكان ابن اربع او خمس بالمدينة واما غيرهما فيمكن ان يكون شاهد ذلك فى المواهب (غريبة) اكرم الله موسى بفلق البحر فى الارض واكرم محمد صلى الله @ عليه وسلم ففلق له القمر فى السماء فانظر الى فرق ما بين السماء والارض كما فى تفسير الرازى فى سورة الكوثر (وتسبيح الحصى) قال العراقى اخرجه البيهقى فى دلائل النبوة من حديث ابى زر وقال صالح ابن الاخضر ليس بالحافظ والمحفوظ رواية رجل من بنى سليم لم يسم عن ابى زر اه قامت عبارة البيهقى فى الدلائل كذا رواه صالح بن ابى الاخضر ولم يكن بالحافظ عن الزهرى عن سويد بن يزيد السلمى عن ابى ذر والمحفوظ ما رواه شعيب عن ابى حمزة عن الزهرى قال وذكر الوليد بن سويدان رجلا من بنى سليم كبير السن اه قلت وهكذا اخرجه محمد بن يحيى الذهلى فى الزهريات قال اخبرنا ابو اليمان اخبرنا شعيب عن ابى حمزة عن الزهرى قال ذكر الوليد بن سويدان ان رجلا من بنى سليم كبير السن كان ممن ادرك ابا زر بالريذة عن ابى زر قال هجرت يوما من الايام فاذا النبى صلى الله عليه وسلم قد خرج من بيته فسالت عنه الخادم فاخبرنى انه ببيت عائشة فاتيته وهو جالس وليس عنده احد من الناس وكانى ارى حينئذ فى وهن وسلمت عليه فرد على السلام ثم قال ما جاء بك قلت الله ورسوله اعلم فامرنى ان اجلس فجلست الى جنبه لا اساله عن شئ الا ويذكره لى فمكثت غير كثير فجاء ابو بكر يمشى مسرعا فسلم فرد عليه السلام ثم قال ما جاء بك قال جاء بر الله ورسوله فاشار بيده ان اجلس فجلس الى ربوة مقابل النبة صلى الله عليه وسلم ثم جاء عمر ففعل مثل ذلك وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ذلك وجلس الى جنب ابى بكر ثم جاء عثمان كذلك وجلس الى جنب عمر ثم قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم على حصيات سبع او تسع او ما قرب من ذلك فسجن فى يده حتى سمع لهن حنين كحنين النحل فى كف رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ناولهن ابا بكر وجاوزنى فسجن فى كفه ثم اخذهن منه فوضعهن فى الارض فحرسن ثم ناولهن عمر فسجن فى كفه ثم ناولهن عثمان فسجن فى كفه ثم اخذهن منه فوضعهن فى الارض فحرسن اه وقال الحافظ ابن حجر قد اشتهر على الالسنة تسبيح الحصى فى كفه صلى الله عليه وسلم اخرجه البزار والطبرانى فى الاوسط وفى روايته الطبرانى فسمع تسابيحهن من فى الحلقة ثم دفعهن الينا فلم يسبحن مع احد منا ثم ساق كلام البيهقى الذى اوردناه بتمامه ثم قال وليس لهذا الحديث الا هذه الطريق الواحدة مع ضعفها لكنه مشهور عند الناس * (فصل) * واما تسبيح الطعام فقد اخرج البخارى من حديث ابن مسعود قال كانا كل مع النبى صلى الله عليه وسلم الطعام ونحن نسمع تسبيح الطعام وفى الشفاء عن جعفر بن محمد عن ابيه مرض البنى صلى الله عليه وسلم فاتاه جبريل بطبق فيه رمان وعنب فاكل منه النبى صلى الله عليه وسلم فسبح واقره الحافظ ابن حجر فى الفتح فلو قال المصنف الطعام بدل الحصى لكونه ثابتا فى الصحيح بخلاف حديث الحصى كان احسن ولذا اسقطه فى المسايرة وانما ذكر تسبيح الطعام وكان المصنف راعى ما هو المشهور على الاسئلة * (تنبيه) * قال صاحب المواهب اعلم ان التسبيح من قبيل الالفاظ الدالة على معنى التنزيه واللفظ يوجد حقيقة ممن قام به اللفظ فيكون فى غير من قام به مجازا فالطعام والحصى والشجر ونحو ذلك كل منها يتكلم باعتبار خلق الكلام فيه حقيقة وهذا من قبيل خرق العادة وفى قوله ونحن نسمع تسبيحه تصريح بكرامة الصحابة لسماع هذا التسبيح وفهمه وذلك ببركته صلى الله عليه وسلم (وانطاق العجماء) كذا فى سائر نسخ الكتاب وفى بلغ الادلة لشيخه امام الحرمين ونطق العجماء والنطق ابراز الكلام بالصوت وانطقه جعله ناطقا وللمصنف فى كتاب المعارف الالهية تحقيق فى النطق غريب اعراضا عن ايراده هنا لعدم مناسبته وغاية ما يحتاجه هنا معرفة معنى النطق لغة والانطاق وقد ذكرناهما والعجماء تانيت الاعجم من العجمية بالضم وهى اللكنة فى اللسان وعدم الافصاح والمراد هنا الحيوانات ومنه الحديث العجماء جبار قال العراقى واخرج احمد البيهقى باسناد صحيح من حديث يعلى بن مرة فى البعير الذى شكا الى النبى صلى الله عليه وسلم اهله وقد ورد فى كلام الضب والظبية والذئب والحمرة احاديث رواها البيهقى فى الدلائل اه قلت @ وسياق حديث يعلى بن مرة الثقفى على ما اورده البغوى فى شرح السنة هكذا بيننا نحن نسير مع النبى صلى الله عليه وسلم اذ مر بنا بعير يسنى عليه فلما راه البعير جرجر فوضع جرانه فوقف عليه النبى صلى الله عليه وسلم فقال اين صاحب البعير فجاءه فقال بعينه فقال بلى نهبه لك يا رسول الله وانه لاهل بيت ما لهم معيشة غيره فقال اما ذكرت هذا من امره فانه شكا كثرة العمل وقلة العلف فاحسنوا اليه وروى للامام احمد قصة اخرى بنحو ما تقدم من حديثه وسنده الضعيف واخرج ابن شاهين فى الدلائل عن عبد الله بن جعفر قال اردفنى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم خلفه فدخل حائط رجل من الانصار فاذا جمل فلما راى النبى صلى الله عليه وسلم حن فذرفت عيناه فاتاه النبى صلى الله عليه وسلم فمسح ذفراته فسكن ثم قال من رب هذا الجمل فجاء فتى من الانصار وقال هذا لى يا رسول الله فقال الا تتقى الله فى هذه البهيمة التى ملكك الله اياها فانه شكا الى انك تجبيعه وتذيبه وهو حديث صحيح ورواه ابو داود عن موسى بن اسماعيل عن مهدى بن ميمون وروى احمد والنسائى من حديث انس رضى الله عنه كان اهل بيت من الانصار لهم جل يسنون عليه وانه استصعب عليهم فمنعهم ظهره وان الانصار جائوا الى النبى صلى الله عليه وسلم فقالوا انه كان لنا جملا نسنى عليه وانه استصعب علينا ومنعنا ظهره وقد عطش النخل والزرع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاصحابه قوموا فقاموا فدخل الحائط والجمل فى ناحية فمشى رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوه فقالت الانصار يا رسول الله قد صار مثل الكلب الكلب وانا نخاف عليك صولته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس على منه باس فلما نظر الجمل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم اقبل نحوه حتى خر ساجدا بين يديه فاخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بناصيته اذل ما كان قط حتى ادخله فى العمل فقال له اصحابه يا رسول الله هذه بهيمة لا تعقل تسجد لك ونحن نعقل فنحن احق ان اسجد لك فقال صلى الله عليه وسلم لا يصلح لبشر ان يسجد لبشر لو صلح البشر ان يسجد لبشر لامرت المرأة ان تسجد لزوجها من عظم حقه عليها واما كلام الضب فحديثه مشهور رواه البيهقى من طرق كثيرة وهو غريب ضعيف قال المزنى لا يصح اسناد ولا متنا وذكره القاضى عياض فى الشفاه وقد روى من حديث ابن عمران ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان فى محفل من اصحابه اذ جاء عرابى من بنى سليم قد صاد ضبا جعله فى كهف ليذهب به الى رحله فيشويه وياكله فلما راى الجماعة قال من هذا قالوا نبى الله فاخرج الضب من كمه وقال واللات والعزى لا امنت بك او يؤمن هذا الضب فاجابه بلسان يسمعه القوم جميعا لبيك وسعديك يا زين من واقى القيامة قال من تعبد قال الذى فى السماء عرشه وفى الارض سلطانه وفى البحر سبيله وفى الجنة رحمته وفى النار عقابه قال فمن انا قال رسول رب العالمين وخاتم النبيين وقد افلح من صدقك وخاب من كذبك فاسلم الاعرابى الحديث بطوله وهو مطعون فيه وقيل انه موضوع لكن معجزاته صلى الله عليه وسلم فيها ما هو ابلغ من هذا وليس فيه ما ينكر شرعا خصوصا وقد رواه الائمة فنهايته الضعف لا الوضع واما حديث الظبية فاخرجه البيهقى من طرق وضعه جماعة من الائمة وذكره عياض فى الشفاء ورواه ابو نعيم فى الدلائل باسناد فيه مجاهيل عن حبيب بن محصن عن ام سلمة الحديث بطوله وفيه قالت يا رسول الله صادنى هذا الاعرابى ولى خشفان فى ذلك الجبل فاطلقنى حتى اذهب وارضعهما وارجع الخ ورواه الطبرانى بنحوه والمنذرى فى الترغيب والترهيب من باب الزكاة وقال الحافظ بن كثير انه لا اصل له وقال الحافظ السخاوى لكنه ورد فى الجملة عدة احاديث يقوى بعضها اوردها الحافظ بن حجر فى المجلس الحادى والستين من تخرج احاديث المختصر واما قصة تكليم الذئب وشهادته فرويت من عدة طرق اخرجه احد من حديث ابى سعيد باسناد حيد واخرجه ابو سعيد المالينى والبيهقى من حديث ابن عمرو وابو نعيم فى الدلائل من حديث انس واحمد وابو نعيم بسند صحيح والبغوى فى شرح السنة وسعيد بن منصور فى سنته من حديث ابى هريرة @ والفاظ الكل مختلفة ورواه عياض فى الشفاء وهى قصة اخرى ويلحق بذلك سجود الغنم له صلى الله عليه وسلم اخرجه ابو محمد بن عبد الله بن حامد الفقيه فى دلائل النبوة باسناد ضعيف وهو فى الشفاء ومما يلحق بانطاق العجماء كلام الحمار بخير الذى سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم يعفورا وكان اسمه من قبله يزيد بن شهاب اخرجه ابن عساكر عن ابى الجوزى فى الموضوعات وفى معجزاته صلى الله عليه وسلم ما هو اعظم من كلام الحمار وغيره (وما تفجر من بين اصابعه) الشريفة (من الماء) الطهور بالمشاهدة وهو اشرف المياة وقد تكررت منه صلى الله عليه وسلم هذه المعجزة فى عدة مواطن فى مشاهد عظيمة ووردت من طرق كثيرة يفيد مجموعها العلم القطعى المستفاد من التوتر المعنوى ولم يسمع بمثل هذه المعجزة عن غير نبينا صلى الله عليه وسلم حيث نبع من بين عظمه وعصبه ولحمه ودمه قال القرطبى ونقل ابن عبد البر عن المزنى انه قال هو ابلغ من المعجزة من نبعه من الحجر حيث ضربه موسى عليه السلام بالعصا فتفجرت منه المياة لان خروج الماء من الحجارة معهود بخلافة من بين اللحم والدم اه وتدفئت العراقى هذا الحديث فلم يذكره فى تخريجه ونحن نذكر بعون الله تعالى من رواه من الصحابة ومن اخرجه رواه انس وجابر وابن مسعود وابن عباس وابو ليلى الانصارى وابو رافع اما الحديث انس فاخرجه الشيخان والبيهقى وابن شاهين لفظ الصحيحين رايت رسول الله صلى الله عليه وسلم وحانت صلاة العصر والنمس الناس الوضوء فلم يجدوه فاتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوء فوضع يده فى ذلك الاناء فامر الناس ان يتوضئوا منه فرايت الماء ينبع من بين اصابعه فتوضأ الناس حتى توضئوا من عند اخرهم وفى لفظ للبخارى كانوا ثمانين رجلا وفى لفظ له فجعل الماء ينبع من بين اصابعه واطراف اصابعه حتى توضأ القوم فقلنا لانس كم كنتم قال كنا ثلثمائة ولفظ البيهقى قال خرج النبى صلى الله عليه وسلم الى قباء فأتى من بعض بيوتهم بقدح صغير فادخل يده فايسعه القدح فادخل اصابعه الاربعة ولم يستطع ان يدخل ابهامه ثم قال للقوم هلموا الى الشراب قال انس بصر عينى ينبع الماء من بين اصابعه فلم يزل القوم يردون القدح حتى روا منه جميعا ولفظ ابن شاهين قال كنت مع النبى صلى الله عليه وسلم فى غزوة تبوك فقال المسلمون عطشت دوابنا وابلنا فقال هل من فضله ماء فجاء رجل فى شن بشئ فقالوا ها تواصفحه فصب الماء ثم وضع راحته فى الماء قال فرايتها تخلل عيونا بين اصابعه قال فسقينا ابلنا ودوابنا وتزودنا فقال اكفيتم فقالوا نعم اكتفينا يا رسول الله فرفع يده فارتفع الماء واما حديث جابر فاخرجه الشيخان واحمد والبيهقى وابن شاهين لفظ الصحيحين قال عطش الناس يوم الحديبية وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بين يديه ركوة يتوضأ منها وجهش الناس نحوه فقال مالكم فقالوا يا رسول الله ليس عندنا ما نتوضأ ولا ما نشربه الا ما بين يديك فوضع يده فى الركوة فجعل الماء يفور من بين اصابعه كامثال العيون فشربنا وتوضأنا قلت كم كنتم قالوا كنا مائة الف لكفانا كنا خمس عشرة مائة وفى رواية الوليد بن عبادة بن الصامت عنه فى حديث مسلم الطويل فى ذكر غزوة بواط قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم يا جابر ناد الوضوء وذكر الحديث بطوله وانه لم يجد الا قطرة فى عزلاء شحباء فاتى به النبى صلى الله عليه وسلم فغمزه وتكلم بشئ لا ادرى ما هو وقال ناد بجفنة الركب فاتيت بها فوضعتها بين يديه وذكر ان النبى صلى الله عليه وسلم بسط يده فى الجفنة وفرق اصابعه وصب عليه جابر فقال بسم الله قال فرايت الماء يفور من بين اصابعه ثم فارت الجفنة واستدارت حتى امتلات وامر الناس بالاستسقاء فاستقوا حتى روا فقلت هل بقى من احد له حاجة فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده من الجفنة وهى ملأى ولفظ احمد فى مسنده اشتكى اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيد يده وقال استقوا فاستقى الناس فكنت ارى العيون تنبع من بين اصابعه وفى لفظ من حديثه ايضا قال موضع رسول الله @ صلى الله عليه وسلم كفه فى الماء ثم قال بسم الله قال اسبغوا الوضوء قال جابر فو الذى ابتلانى ببصرى لقد رايت العيون عيون الماء يومئذ تخرج من بين اصابعه صلى الله عليه وسلم فما رفعها حتى توضئوا اجمعون وفى لفظ له من طريق نبيح العنزى عنه فجاء رجل بادواه فيها شئ من ماء ليس فى القوم ماء غيره فصبه رسول الله صلى الله عليه وسلم فى قدح ثم توضأ فاحسن الوضوء ثم انصرف وترك القدح قال فتزاحم الناس على القدح فقال على رسلكم فوضع كفه فى القدح ثم قال اسبغوا الوضوء ثم انصرف وترك القدح قال فتزاحم الناس على القدح فقال على رسلكم فوضع كفه فى القدح ثم قال اسبغوا الوضوء قال فلقد رايت العيون عيون الماء تخرج من بين اصابعه ولفظ البيهقى كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سفر فاصابنا عطش فجهشنا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فوضع يده فى تور من ماء بين يديه فجعل الماء ينبع من بين اصابعه كانه العيون قال خذوا بسم الله فشربنا فوسعنا وكفانا ولو كنا مائة الف لكفانا قلت لجابر كم كنتم قال الفا وخمسمائة واما حديث ابن مسعود فاخرجه البخارى من طريق علقمة عنه ولفظه بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس معنا ماء فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم طلبوا من معه فضل ماء فاتى بماء فصبه فى اناء ثم وضع كفه فيه فجعل الماء ينبع من بين اصابعه صلى الله عليه وسلم واما حديث ابن عباس فاخرجه الدرامى وابو نعيم بلفظ دعا النبى صلى الله عليه وسلم بلا لا فطلب الماء فقال لا والله ما وجدت الماء قال فهل من شن فاتاه بشن فبسط كفيه فيه فانبعث تحت يده عين فكان ابن مسعود يشرب وغيره يتوضأ واما حديث ابى ليلى الانصارى فاخرجه الطبرانى وابو نعيم واما حديث ابى رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخرجه ابو نعيم عن طريق القاسم بن عبد الله بن ابى رافع عن ابيه عن جده * (تنبيه) * ظاهر الاحاديث المتقدمة ان الماء كان ينبع من بين اصابعه بالنسبة الى رؤية الرائى وهو فى نفس الامر للبركة الحاصلة فيه يفور ويكثر وكفه صلى الله عليه وسلم فى الاناء فيراه الرائى نابعا من بين اصابعه وظاهر كلام القرطبى انه ينبع من نفس اللحم الكائن فى الاصابع وبه صرح النووى فى شرح مسلم ويؤيده قول جابر فرايت الماء يخرج وفى رواية ينبع من بين اصابعه وهذا هو الصحيح وكلاهما معجزة له صلى الله عليه وسلم وانما فعل ذلك ولم يخرجه من غير ملامسة ماء ولا وضع اناء تادبا مع الله تعالى اذ هو المنفرد بابتداع المعلومات وايجادها من غير اصل (تكميل) ومن هذا القسم مما لم يذكره المصنف حرور الاصنام سجد الليلة ولادته وسقوط شرف ايوان كسرى واظلال الغمام عليه وانقلاع الشجر ماشية اليه وحنين الجذع الذى كان يخطب اليه لما انتقل الى المنبر عنه وتسليم الحجر والشجر عليه وظهور البركة فى الماء القليل الذى مج فيه بعد ما نزحت البئر فى الحديبية وشرب القوم والابل وكانوا الفا واربعمائة واكل الجم الغفير من اقراص ياكلها انسان واحد فى قصة ابى طلحة وكانوا سبعين او ثمانين رجلا وفى قصة جابر وكانوا الفا واخبار الشاه المشوية له بانها مسمومة وغير ذلك مما تضمنته الكتب المؤلفة فى خصوص ذلك كالدلائل لكل من البيهقى وابى نعيم وفى معاجم الطبرانى وفى كل من الكتب الستة التى هى داودين الاسلام وغيرهما من مطولات كتب الحديث ابواب مفردة لذلك وهذا النوع احد ما عقد له فى كتاب الشفاء باب وقد تضمن الباب المعقود له ثلاثين فصلا والله اعلم * اكمال التكميل * الوارد من هذه الخوارق وان كان احادا لا يفيد العلم فالقدر المشترك بينهما وهو ظهور الخارق على يده متواتر بلا شك فيفيد العلم قطعا كجود حاتم وشجاعه على فقول الامام ابى القاسم السهيلى فى الروض ان بعض هذه الخوارق علامة للنبوة ولا تسمى معجزة بناء على عدم اقترانها بدعوى النبوة ليس بمقبول فانه صلى الله عليه وسلم لما ادعى النبوة انسحب عليه دعوى النبوة من حيث ابتدائها الى ان توفاه الله تعالى فكأنه فى كل ساعة يستأنفها فكل ما وقع له من الخوارق كان معجزة لاقترانه بدعوى النبوة حكما وكأنه يقول فى كل ساعة انى رسول الله وهذا دليل صدقى والله اعلم ثم شرع المصنف فى بيان القسم الاول الذى هو بيان الامور الثابتة فى ذاته وهى المعجزة الدائمة العامة الدلالة المختص بها @ ايه وانما اخره لكثرة ما فيه من المباحث فقال (ومن اياته الظاهرة التى تحدى بها) اى جارى بها وعارض واصل التحدى طلب المباراه فى الحداد بالابل ثم توسع فيه فاطلق على طلب المعارضة بالمثل فى اى امر كان (مع كافة العرب) اى جميعهم من اولاد اسمعيل عليه السلام ومن اولاد سبأ بن يعرب (القران) هو كلام الله المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم المكتوب فى المصاحف المنقول عنه نقلا متواترا وكان الشافعى رضى الله عنه لا يهمزء (فانهم) اى كافة العرب (مع تميزهم بالفصاحة) اى الملكة التى يقتدر بها على التعبير عن المقصود مع الابانة والظهور (والبلاغة) اى الملكة التى يقتدر بها على تأليف كلام بليغ والكلام البليغ هو الذى يجمع اوصافا ثلاثة صوابا فى موضح لفته وطبقا للمعنى المقصود به وصدقا فى نفسه (تهدفوا) اى جعلوا انفسهم هدفا (لسيبه) اى اسره (ونهبه) اى غارته (وقتله) والفتك به (ولم يقدوا على معارضته) اى القران (بمثله) ولو اقتصر سورة منه وعجزهم متواتر اى ثبت انصرافهم من المعارضة الى المقارعة مع توفير مقتضيات المعارضة منهم من حيث قوة الفصاحة والبلاغة حيث بلغوا فى ذلك الى الغاية التى تمكن فى الانسان مع توفير دواعيهم عن رد دعوته وتهالكم على ذلك فلم يجدوا لذلك سبيلا وفرغوا الى بذل مهجعهم واتلاف اموالهم وقتل نفوسهم وسبى ذرياتهم ولو قدروا على المعارضة لعارضوا ولما اختاروا ذلك عليها لما فيها من وصول مقصودهم وسلامة مهجهم ولو عارضوا لنقل تواترا لما فيه من توفر الدواعى ونفى الموانع ولم يكن ذلك قطعا (اذ لم يكن من قدرة البشر الجمع بين جزالة القران ونظمه) اشار بذلك الى القول المرضى عنده فى وجه الاعجاز تبعا لشيخة امام الحرمين ان القران معجز لاجتماع الجزالة فيه مع الاسلوب فى النظم المخالف لاساليب كلام العرب والجزالة عبارة عن دلالة اللفظ على معناه بشرط قلة حروفه وتناسب مخارجها والنظم عبارة عن ترتيب الاقوال بعضها على بعض ثم الحسن فيه بتقدير تناسب الكلمات وتقاربها فى الدلالة على المعانى والبلاغة عبارة عن اجتماع الفصاحة مع الجزالة وغرابة الاسلوب فالجزالة تقابلها الركاكة فليس فى نظمه لففاركيك وغرابة اسلوبه هواية يخالف المعهود من اساليب كلام العرب اذلم يعهد فى كلامهم كون المقاطع على مثل ويعلمون ويفعلون والمطالع على مثل يا ايها الناس يا ايها الرسل الحاقة ما الحاقة عم يتساءلون وهذا القول ارتضاء القاضى ابو بكر الباقلانى فلم يشترطوا فيه البلاغة وقيل اعجازه بسلامته من الاختلاف والتناقض وقيل باشتماله على دقائق الحكم والمصالح والجمهور على ان الاعجاز فيه لكونه فى المرتبة العليا من الفصاحة والبلاغة التى هى خارجة عن طوق البشر وانما هى من مقدور خالق القوى والقدر كما تجده النفوس الانسانية الكاملة من نفوسها اما فصحاء العرب فبحسب سليقتهم وما فطروا عليه واما غيرهم فبحسب معرفتهم بالبلاغة واحاطتهم باساليب الكلام والفصاحة (هذا مع ما فيه من اخبار الاولين) ووبال المشركين فى شعار اية كقوله عز وجل فكلا اخذنا بذنبه فمنهم من ارسلنا عليه حاصبا ومنهم من اخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الارض ومنهم من اغرقنا فانظر ما تضمن خطر هذه الاية مع لطيف نظمها من الانباء عن عظم القدرة واستيلاء الربوبية وقيل اعجازه بالنظم فقط وهو قول بعض المعتزلة وقيل بالصرف عن معارضته وهو اختيار الشريف المرتضى من الشيعة وقراره النظام فقال كانت العرب تقدر على النطق بمثله قبل مبعثه عليه السلام فلما بعثت سلبوا هذه القدرة وقال قوم اعجازه انه عبارة عن الكلام القديم ووجه ما اختاره المصنف وارتضاه تبعا لشيخه الامام والقاضى هو انه عليه السلام لما تحداهم بان ياتوا بمثله ثم تنزل الى عشر سور ثم الى سورة والسورة مشتملة على الامرين اعنى الجزالة والاسلوب وانما يتحقق الاتيان بمثله عند الاتيان بمشتمل على الوصفين @ معا فان الشاعر المغلق اذا سرد قصيدة بليغة ودعى الى المعارضة يمثلها فعورض بخطبه او نثر مرسل بالغ اقصى الفصاحة لم يكن الاتى بذلك معارضا لها ولو اتى الشاعر بمثل وزن شعره عربا عن بلاغته وجزالته لم يكن معارضا له قال الامام هذا ما ارتضاء القاضى واستقر عليه نظره وقال فى تضاعيف كلامه ولو جعلت النظم بمفرده مع افادة المعانى معجزا لم يكن مجعدا قال الامام وهذا غير سديد فانه لا يسلم ان يقدر كلام كذلك وفى هذا التقدير ابطال لقول من زعم ان احدهما كاف فى الاعجاز واما من صار الى ان اعجازه بالصرف وانه كان مقدورا قبل البعث فقيل انه لو كان كذلك لوجد مثله قبل التحدى ولو كان لظهر واما من قال اعجازه بكونه قديما فهو قول بقدم الحروف وهو باطل واما من قال بان اعجازه انه عبارة عن الكلام القديم فلا يصح لانه لا يمتنع ان يعبر عن الكلام القديم بلفظ غير معجز ثم نبه المصنف على ان من وجوه الاعجاز انباءه عن اخبار الاولين وتفاصيل احوالهم (مع كونه) صلى الله عليه وسلم (اميا غير ممارس للكتب) بالنلقن ولم يعد يعان تعلما وانما نشأ بين ظهور العرب فلن تعد له خرجات يتوقع فى مثلها دراسة فكان ذلك ادل على صدقه وقد اشار الله تعالى الى ذلك بقوله وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك اذا لارثاب المبطلون ثم شرع المصنف فى ذكر القسم الثانى من القسم الثانى وهى الغيوب القولية فقال (والانباء) اى ومع ما اشتمل عليه القران من الاخبار (عن الغيب فى امور) كثيرة (تحقق صدفى فيها) وهو على قسمين فى الماضى فكقصة موسى عليه السلام وقصة فرعون وقصة يوسف عليه السلام وامثالها من قصص الانبياء على تفاصيلها من غير سماع من احد ولا تلق من بشر كما تقدم كما نبه عليه قوله تعالى ذلك من انباء الغيب نوحيه اليك و(فى الاستقبال) وهو من الكتاب ومن السنة فمن الكتاب (كقوله تعالى) قل لئن اجتمعت الانس والجن على ان يأتوا بمثل هذه القران لا يأتون بمثله وقوله تعالى فان لم تفعلوا ولن تفعلوا وقوله تعالى (لتدخلن المسجد الحرام ان شاء الله امنين) على انفسكم من الاعداء (محلقين رؤوسكم ومقصرين) بعد تمام النسك وكل ذلك وقع فى زمنه صلى الله عليه وسلم ومن ذلك ما وقع بعده (كقوله تعالى الم غلبت الروم) وهم بنو الاصفر (فى ادنى الارض وهم من بعد غلبهم سيغلبون) على اختلاف القراء وقوله تعالى وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها وقوله تعالى وعد الله الذين امنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفهم فى الارض كما استخلف الذين من قبلهم وقوله تعالى ستدعوت الى قوم اولى بأس شديد قيل الخطاب للمنافقين دعاهم ابو بكر لقتال بنى حنيفة وقيل المراد دعاء عمر الى قتل فارس واما من السنة فكقوله صلى الله عليه وسلم لعلى رضى الله عنه تقاتل بعدى الناكسين والقاسطين المارقين ولعمار رضى الله عنه تقتلك الفئة الباغية وكقوله صلى الله عليه وسلم زويت لى الارض فرايت مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك امتى مازوى لى منها وقوله عليه السلام الخلافة بعدى ثلاثون سنة واخباره بهلاك كسرى وقيصر وزوال ملكهما وانفاق كنوزهما فى سبيل الله وغير ذلك مما هو وارد فى صحاح الاحاديث ثم لما فرغ المصنف من ذكر معجزاته صلى الله عليه وسلم شرع فى بيان وجه دلالة المعجزات على الصدق فقال (ووجه دلالة المعجزة على صدق الرسل) عليهم الصلاة والسلام (ان كل ما عجز عنه البشر) عن اتيان مثله (لم يكن الا فعلا لله تعالى) فان قيل المعجزة قد تكون من قبيل الترك دون الفعل كما اذا قال الرسول معجزتى ان اضع يدى على راسى وانتم لا تقدرون على ذلك ففعل وعجزوا فانه معجز دال على صدقة كما فى المواقف قلنا قد جرى المصنف تبعا لشيخه على ان كفهم عن ذلك فعل الله سبحانه عدم فعل منه سبحانه كان يقال هو عدم تمكينهم فهو غير خارج عن الفعل واذ قد تقرر ان المعجزة ليست الا فعلا لله تعالى (مهما كان مقرونا بتحدى النبى) اى مهما جعلها الرسول دلالة واضحة على صدقه فيما ينقل عن الله تعالى فأوجده الله تعالى موافقا لقوله (نزل) ذلك الايجاد على وفق ما قال (منزلة قوله صدقت) وهو تصريح التصديق @ قال ابن التلمسانى فى شرح اللمع اختلف الاصوليون فى وجه دلالة المعجزة فمنهم من قال انها تتنزل منزلة التصديق بالقول فان الله تعالى اذا خلق له المعجزة على وفق دعواه فكانه قال له صدقت بالقول فيكون مدلولها خيرا ومنهم من يقول انها تدل على انشاء الرسالة فيكون تقيرها انت رسولى او بلغ رسالتى والانشاء لا يحتمل التصديق والتكذيب ثم قرروا الدلالة من وجهين احدهما انها تدل عقلا قالوا لان خلق الخارق من الله تعالى على وفق دعواه وتحديه والعجز عن معارضته وتخصيصه يدل على ارادة الله تعالى لتصديقه كما يدل اختصاص الفعل بالوقت والشكل والفدر على ارادته تعالى بالضرورة والى هذا ميل الاستاذ الثانى ان دلالتها عادية كدلالة قرائن الاحوال قالوا وخلق ذلك من الله تعالى على صدقه بالضرورة كما يعلم خجل الخجل ووجل الوجل بالضرورة واليه ميل الامام اه وقرره شارح الحاجبية بوجه اخر فقال اختلفوا فى وجه دلالة المعجزة فمنهم من زعم انها وضيعة وهو ظاهر ما فى الارشاد لامام الحرمين وان كان اخر الامر التجأ الى انها عادية تجريبية كما وقع له ذلك فى البرهان وحاصل دعوى انها وضعية ان المعجزة ترجع الى القول والقول دلالته وضعية ومنهم من زعم انها عقلية وهو قول الاستاذ وحاصله ان الله تعالى خلق الخارق على وفق الدعوى الرساله والتحدى مع العجز عن معارضته وتخصيصه يدل على ارادة الله انه صدق كما يدل اختصاص الفعل المعين على ارادته لذلك قطعا والصحيح وهو قول المحققين انها تجريبية فان تصديق الله اياه بالمعجزة يحصل عادة منها اه ثم اورد المصنف مثلا مشهورا فى كتب القوم ضربوه لشأن الرسول ومرسله سبحانه فى تصديقه اياه بايجاد الخارق على وفق دعواه فقال (وذلك) التصديق للرسول بايجاد المعجزة على وفق دعوى النبوة (مثل القائم بين يدى الملك) اى كتصديق القائم بين يدى ملك من ملوك الدنيا (المدعى على رعيته انه رسول) ذلك (الملك) اليهم وهو مقبل اليهم بحضرة الملك (فانه) اى ذلك المدعى للرساله عن الملك (مهما قال للملك) المرسل له (ان كنت صادقا) فيما نقلت عنك من الرسالة الى هؤلاء (فقسم على سريرك ثلاثا واقعد) اى افعل ذلك (على خلاف) عادتك فى القيام والقعود (ففعل الملك ذلك) كما اشار له (حصل) قطعا (للحاضرين) من الرعية (علم ضرورى ) قطعى (بان) الملك قد صدفه وانه (نازل منزلة قوله صدقت) وقد اختلفت الاصحاب فى تصوير هذا المثل ففى غاية المرام لابن البياضى ما نصه كما اذا قام رجل من مجلس ملك بحضور جماعة وادعى انه رسول ذلك الملك فطالبوه بالحجة فقال هى ان يخالف ذلك الملك عاداته ويقوم عن سريره ثلاث مرات ويعقد ففعل فانه يكون تصديقا له ومفيدا للعلم الضرورى بصدقه من غير ارتياب وفى اللمع لامام الحرمين ووجه دلالتها على صدق النبى انها تتنزل منزلة التصديق بالقول ونظيره من الشاهد ان يتصدى ملك للناس وياذن لهم بالولوج عليه فاذا احتفوا به واخذ كل منهم مجلسه قام رجل من اهل الجمع وقال انى رسول الملك اليكم وقد ادعيت الرسالة بمرأى منه ومسمع وايه رسالتى ان الملك يخالف عادته ويقوم ويقعد اذا استدعيت منه ذلك ايها الملك صدقنى وقم واقعد فاذا فعل الملك ما استدعاه كان ذلك تصديقا له بمنزلة قوله صدقت وفى شرح الحاجبية فان تصديق الله اياه بالمعجزة يحصل عادة منها كمل نجد من العلم من انفسنا عادة من صدق الرجل فى مجلس ملك بحضور جماعة وادعى انه رسول ذلك الملك بالحجة وقال حجتى ان يخالف هذا الملك عادته ويقوم عن سريره ثلاثا ويقعد ففعل فانه يكون تصديقا له ويحصل العلم بذلك للحاضرين لا محالة وذلك ظاهر وكذا الامر فى المعجزة فان الرسول يدعى الرسالة للمكلفين ويقول معنى ايه صدقى ان يفعل الله كذا والله يشاهد فعله ويسمع قوله والعلم بذلك لابد منه ثم يفعل الله جل جلاله ما ادعاه ذلك الرسول فيحصل قطعا صدقة بموافقة الله اياه حيث فعل ما ادعاه وفى الاعتماد للنسقى فاذا ادعى السرالة ثم قال ايه صدقى فى دعواى فى ان الله تعالى ارسلنى ان يفعل كذا ففعل الله ذلك كان ذلك من الله تصديقا له فى دعواه الرسالة فيكون ذلك @ كقوله له عقيب دعواه صدقت اذا التصديق بالفعل كالتصديق بالقول ويستحيل من الحكيم تصديق الكاذب ونظيره ان الملك العظيم اذا اذن للناس بالولوج عليه ثم ساق العبارة كسياق اللمع سواء ثم قال بعد قوله صدقت والناقض للعادة كما يكون فعلا غير معتاد يكون تعجيزا عن الفعل المعتاد كمنع زكريا عليه السلام عن الكلام اذا لمنع عن المعتاد نقض للعادة ايضا اه واقتصر ابن الهمام فى المسايرة على قوله ان كنت صادقا فيما نقلت عنك فقم على سريرك على خلاف عادتك الخ لان القصد من العلم بتصديقه حاصل بالاقتصار عليه وقول المصنف كغيره ممن تقدم ذكره فقام على سريرك ثلاثا واقعد الخ لمزيد الاستظهار فيما يحصل به العلم وقول المواقف فقم من الموضع المعتاد لك فى السرير واجلس مكانا لا تعتاده تصويرا اخر لمخالفة العادة * (تنبيه) * وللملحدة على ما قرروه اسئلة * الاول قالوا مدعى الرسالة مشارك لنا فى النوع والصورة واختصاصه بالرسالة غير معلوم بالضرورة ولا يقبل بمجرد دعواه فان الخبر يحتمل الصدق والكذب واعتمادكم فى صدقه على مجرد وقوع الخارق على وفق دعواه كيف يدل مع انا نشاهد وقوع كثير من الخوارق والتوصل اليها بالخواص والسحر والتعزيم والطلسمات واستسخار الروحانيات وخدمة الكواكب 7 فيهم يتميز ما اتى به عن ذلك بسبب اتصالات فلكية غريبة اطلع عليها * الثانى سلمنا انه فعل الله تعالى لكن لم قلتم انه لما خلقه لتصديقه فظاهر انه ليس كذلك اما على اصول الاشعرى فلانهم لا يقولون ان افعال الله تعالى متوقفة على الاغراض ولا يقبح منه شئ عندهم واما على اصول المعتزلة فنقول لما قلتم انه لا غرض لله تعالى فى خلق ذلك الا التصديق وذلك لا يعرف وشرطه العلم بالعدم لا عدم العلم * الثالث قالوا من مذهبكم ان الله يضل من يشاء ويهدى من يشاء واذا كان كذلك فما المانع من ان يخلق ذلك على يد الكاذب للاضلال * الرابع انكم احتجتم بالخارق وبم يعلم ان الذى اتى به هذا المدعى خارق ولعله معتاد فى قطر اخر او يكون عادة متطاولة او يكون ابتداء عادة تستمر وجينئذ لا يدل * الخامس ادعيتم الدلالة على صدقة ثم قرر تم ذلك بان المعجزة تتنزل منزلة التصديق بالقول ضرورة تارة وتارة فلم تخصيصه بها يدل على ارادة تصديقه بالضرورة وتارة قلتم يدل على صدقة عادة بالضرورة فاذا كان مالكم الى دعوى فادعوا انه صادق بالضرورة وحينئذ لايتم مرادكم* السادس انكم ادعيتم الضرورة ثم قستم الغائب على الشاهد بالمثال المذكور وما يدل بالضرورة كيف يصح قياسه * السابع ان ما ذكرتموه من المثال لا يطابق ما ادعيتموه فان العلم فيما استند الى قضايا حسية مشاهدة فانا نشاهد الملك فى الصورة المذكورة ونشاهد قيامه وتعوده بخلاف مسالتكم فان الفاعل غائب عنا وذلك ينافى قرائن الاحوال والجواب ان نقول قولكم فى السؤال الاول قلتم ان الخوارق نتوصل اليها باسباب من الخواص والسحر وغير ذلك قلنا جميع ذلك لا يسلم مدعيه عن المعارضة بامثاله ثم من سنة الله تعالى فى دفع هذا الاحتمال انه لم يرسل رسولا باية الا من جنس ما هو الغالب على اهل عصره ليكون عجزهم عن مثلة حجة عليهم الا ترى انه لما كان الغالب فى زمان موسى عليه السلمان تعلم السحر والتخيل جعل الله تعالى الحية التى تلقف ما صنعوا واعترفوا اهل الصناعة وهم الوف لا يتوصل اليه بالسحر فامنوا بالله تعالى وخروا له ساجدين وعجز اهل الصناعة واعترافهم بذلك ادل دليل على صحة الاية وصدق الاتى بها وكذلك لما غلب فى زمان عيسى عليه السلام تعلم الطب كان معجزاته احياء الموتى وابراء الاكمى والابرص مع اعتراف اهل صناعة الطب وهم الجمع الكثير بعجزهم عن ذلك واعترافهم دليل على اختصاصه بذلك ولما كان الغالب فى زمان الخليل عليه السلام القول بالطبائع وتاثيرات الكواكب كان من اياته قلنا يا نار كونى بردا وسلاما على ابراهيم ولما كان محمد صلى الله عليه وسلم فى زمان قوم صناعتهم الفصاحة والنظم والنثر حتى كان احدهم اذا صنع قصيدة علقها على البيت وقال لا ياتى احد بمثلها كانت معجزته من ذلك الجنس فعجز البلغاء والفصحاء وهم العدد الكثير عن @ المعارضة وذلك دليل قاطع على انه محض فعل الله تعالى وليس من المكتسبات قولهم فى السؤال الثانى لما قلتم ان الله تعالى انما خلق ذلك للتصديق قلنا لما قررنا من الوجهين العقلى والعادى قولهم فى السؤال الثالث من مذهبكم ان الله تعالى يضل من يشاء قلنا نعم قولهم فجوز واخلق المعجزة على يد الكاذب قلنا من يرى المعجزة تدل عقلا فلا يجوز ذلك لما فيه من قلب الدليل شبهه والعلم جهلا والله يضل من يشاء لا بالدليل لما فيه من قلب الاجناس وقلبها محال ومن زعم ان دلالتها عادية جوز ذلك ولكنا نعلم عدم وقوعه باستمرار العادات كما نعلم ان الجبل فى وقتنا لم ينقلب ذهبا ابريزا وان كان ذلك جائز فى قدرة الله تعالى وكذلك نجزم بان كل انسان يشاهده من ابوين وان جاز فى قدرة الله تعالى ان يكون مخلوقا من غير ابوين كادم وعيسى عليهما السلام وتجويز ذلك لا يمنعنا من الجزم ولو وقع ذلك لنلت العلوم من الصدور قولهم فى السؤال الرابع بما علمتم ان ما اتى به خارق ولعله معتاد فى قطر او عادة متطاولة او ابتداء عادة قلنا كل عاقل يعلم ان احياء الموتى وقلب العصا ثعبانا واخراج ناقة من صخرة صماء ليس بمعتاد وقولهم لعله ابتداء عادة قلنا التحدى وقع بنفس الخارق للعادة فلا يضر بعد ذلك انه دام او لم يدم ثم هؤلاء يجب عليهم ان يصدقوا بالايات التى اتت بها الانبياء وقد مضت ولم يعد مثلها قولهم فى السؤال الخامس ادعيتم الضرورة اخرا فهلا ادعيتموها اولا قلنا كل دليل لابد ان ينتهى الى الضرورة ولا يمكن دعواها اولا ثم نحن انما قلنا ان التخصيص يدل على ارادة تصديقه بالضرورة ومن الادلة ما يدل بالضرورة ومنها ما يدل نظرا قولهم فى السؤال السادس امكم ادعيتم الضرورة فى وجه الدلالة وقستم الغائب على الشاهد قلنا لم نقص وانما ضربنا مثلا قولهم فى السؤال السابع الفرق بين الشاهد والغائب انا شهدنا الفاعل وافعاله قلنا نفرض ذلك فى ملك من وراء ستر وتصدر باقتضاء مدعى الرساله عنه افعال نعلم انها لا تصدر الا منه ويستوى حينئذ المثالان والله اعلم واذ قد علمت ما تقدم فاعلم انه اذا ثبتت نبوته صلى الله عليه وسلم ثبتت نبوة سائر الانبياء لثبوت كل ما اخبر به صلى الله عليه وسلم لانه صادق فى مقالته ونبوتهم من جملته وما اخبر به هو المراد بالسمعيات فى كتب اصول الدين ولذا اعقب المصنف وقال * (الركن الرابع فى السمعيات) *
Shafi 212
اى ما يتوقف على السمع من الاعتقادات التى لا يستقل العقل باثباتها (وتصديقه صلى الله عليه وسلم فيما اخبر عنه) من امور الغيب جملا وتفصيلا فان كان بما يعلم تفصيله وجب اعتقاده وان كان لم يعلم تفصيلة وجب ان نؤمن به جملة ونكل تأويلة الى الله ورسوله ومن اختصه الله بالاطلاع على ذلك قال ابن ابى شريف واما الامامة وما يتعلق بها فانه ليس من العقائد الاصلية بل من المنمنات لانها من الفروع المتعلقة بافعال المكلفين اذ نصب الامام عندنا واجب على الامة سمعا وانما نظم فيه - لك العقائد تاسيا بالمصنفين فى اصول الدين ولا يخفى ان هذا وان تم فى نصب الامام لا يتم فى كل مبحث الامامة فان منها ما هو اعتقادى كاعتقادات الامام الحق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ابو بكر ثم عمر وهكذا وترتيب الخلفاء الارعة فى الفضل ونحو ذلك هكذا نظمت فى سلك العقائد (و) هذا الركن ايضا (مداره) ايضا (على عشرة اصول) * (الاصل الاول فى الحشر والنشر) * هو احيا الخلق بعد موتهم وسوقهم الى موقف الحساب ثم الى الجنة او النار (وقد ورد بهم الشرع) يشير الى ما اخرجه الشيخان من حديث ابن عباس انكم محشورون الى الله الحديث ومن حيث سهل يحشر الناس يوم القيامة على ارض بيضاء الحديث ومن حديث عائشة يحشرون يوم القيامة حفاه الحديث ومن حديث ابى هريرة يحشر الناس على ثلاثة طرائق ولابن ماجة من حديث ميمونة مولاة النبة صلى الله عليه وسلم افتنا فى بيت المقدس قال ارض المحشر والمنشر الحديث واسناده (وهو حق) ثابت بالكتاب والسنة معلوم بالضرورة من هذا الدين (وتصديق) به (واجب) ولا خلاف بين الشرائع فى الاصول الاعتقادية انما الاختلاف بينها فى الفروع فكل ما ورد فيه @ شريعتنا فى اصول العقائد فهو كذلك فى كل ملة (لانه فغى العقل ممكن) اشار به الى دليل الجواز والامكان اما الجواز فانه ضرورى عند العقلاء جميعا واما الامكان فانه امر لا يلزم من محال لذاته وذلك ظاهر قطعا ولا لغيره اذ الاصل عدم الغير ومن ادعاه فعليه به وكل ما كان كذلك فهو جائز ممكن وايضا المعدوم الممكن قابل للوجود ضرورة فالوجود الاول حاصل فى الابتداء ان افادوا فزيادة استعداد لقبول الوجود على ما هو شأن سائر القوابل من تحصيل ملكه قبول الاتصاف لاجل حصول المناسبة بالفعل فقد سارت قابليته للوجود ثانيا اقرب واعادته على الفاعل اهون ويمكن ان يكون الى هذه الاشارة بقوله تعالى وهو الذى يبدء الخلق ثم يعيده وهو اهون عليه وان لم يفده زيادة الاستعداد فعلوم بالضرورة انه لا نقص عما هو عليه من قابلية الوجود بالذات فى جميع الاوقات وذلك هو المطلوب (و) اختلف اهل السنة والجماعة فى (معناه) فقيل هو (الاعادة بعد الافناء) اى الايجاد بعد الاعدام وقيل هو الجمع بعد تفريق الاجزاء وعلى الاول اتفاق اكثرهم والعقلاء والحذاق من غيرهم (وذلك) سواء كان القول الاول والثانى (مقدور لله تعالى كابتداء الانشاء) ا ى ان المعاد مثل المبدا بل هو عينه لان الكلام فى اعادة المعلوم ويستحيل كون الشئ ممكنا فى وقت ممتنعا فى وقت للقطع بانه لا اثر للاوقات فيما هو بالذات وتوقف امام الحرمين حيث قال يجوز عقلا ان نعدم الجواهر ثم تعاد وان تبقى فتزول اعراضها المعهودة ثم تعاد هيئتها ولم يدل قاطع سمعى على تعيين احدهما ولا يبعد ان تصير اجسام العباد على صفة اجزاء التراب ثم يعاد تركيبها على ما عهد ولا يستحيل ان يعدم منها شئ ثم يعاد والله اعلم قال ابن الهمام فى المسايرة مع شرحه والحق ان الجواهر التى منها تاليف البدن تنعدم كلها الا بعضا منها منصوصا عليه فى الحديث الصحيح وهو عجب الذنب فيما رواه البخارى ومسلم واحمد وابن حبان والمسالة عند المحققين ظنية وممن صرح بذلك المصنف نفسه اى الغزالى فى الاقتصاد حيث قال فان قيل مما تقولون انعدم الجواهر والاعراض ثم تعادت جميعا او تعدم الاعراض دون الجواهر وانما تعاد الاعراض قلنا كل ذلك ممكن ولكن ليس فى الشرع دليل قاطع على تعيين احد هذه الممكنات يعنى ان الادلة الواردة ظنية اه ثم قال ابن الهمام والحق فى المسالة بحسب ما قامت عليه الادلة وقوع الكيفيتين اعادة من عدم بعيته وتاليف ما تفرق من الاجزاء الا الوجه فانه انما يكون كذا بعينه او كذا للحكم لاستحالة خلافه لان خلافه ممكن لشمول القدرة الالهية لكل الممكنات وكل منها امر ممكن اما ان كان تاليف ما تفرق فظاهر كما مر واما ان كان اعادة من عدم فلا للاعادة احداث كالابداع الاول وغايته تريان العدم على المبدع اولا لا تغييره كانه لم يحدث وقد تعلقت القدرة بايجاده من عمله الطارق ومعنى الاعادة الموجودج ثانيا هو الموجود الاول بل هو بعدها عينه لا مثله لان وجود عينه اولا انما كان على وفق تعلق العلم بوجوده والغرض ان الموجودات بعد تريان العدم عليها ثابته فى العلم متعلقة فى الازل بايجادها لوقت وجودها اه والدليل على جواز الاعاده ما اشار اليه نصوص الكتاب وفحوى الخطاب من نسبة الاعادة بالنشأة الاولى اذ ما جاز على الشئ جاز على مثله (قال الله تعالى) وضرب لنا مثلا ونسى خلقه (قال من يحيى العظام وهى رميم قل يحيها الذى انشأها اول مرة) وهو بكل خلق عليم (فاستدل بالابتداء على الاعادة) اعلم ان الاعادة لا تستدعى الا امرين احدهما امكان المعاد فى نفسه وامكان الممكنات لنفسها او لازم نفسها ولازم النفس لا يفارق والالزام التسلسل والثانى عموم العلم والقدرة والارادة وقد ثبت عمومها لله تعالى وقد نبه الله تعالى على هذه الدلالة بالاية المذكورة فهى مع ايجازها قد دلت على صحة الاعادة وعلى الجواب عن شبهة المنكرين اما وجه الدلاله فقوله ونسى خلقه وقوله قل يحيها الذى اشأها اول مرة واما شبه الخصوم فنهى استبعادهم احيائها بعد اختلاطها وورد ذلك بقوله وهو بكل خلق عليم ومن شبههم ايضا انها اذا صارت ترابا فقد تغير طبعها عن طبع الحياة الى الضد فقطع هذا الاستبعاد بقوله الذى جعل لكم من الشجر الاخضر نارا ومن شبههم قول @ الفلاسفة ان المعاد الجسمانى باطل لامتناع عدم السماوات والارض ورد ذلك بقوله او ليس الذى خلق السماوات والارض بقادر على ان يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم (وقال عز وجل ما خلقكم ولا بعثكم الا كنفس واحدة والاعادة ابتداء ثانى) اى ايجاد من عدم لم يسبقه وجود (ف هو ممكن كابتداء الاول) وليس ممتنعا لذاته ولا لشئ من لوازم ذاته والا لم يقع ابتداء وكذلك الوجود الثانى واذا لم يمتنع لذلك ولا شبهه فى انتفاء وجوبه فيكون ممكنا وهو المطلوب وقد تقدم وقد شهدت قواطع بالحشر والنشر والانبعاثى للحساب والعرض والعقاب والصواب وذلك مذكور فى الكتاب العزيز على وجه لا يقبل التاويل فى نحو ستمائة موضع * (تنبيه) * قال شارح الحلجية اعلم ان المراد بالاعادة البدنية انما هو الاجزاء الاصلية التى هى حاصلة وباقية من اول العمر الى اخره الا الاجزاء الزائدة التى تحصل من الغذاء فينمو بها البدن زيادة او تذهب من المرض فيذبل البدن نقصانا والى تلك الاجزاء الاصلية الاشارة بقوله عليه السلام كل ابن ادم يفنى الا عجب الذنب منه خلق ومنه يركب وبهذا يندفع ما قيل لو اكل انسان انسانا فاما ان يعادا معا او لا والكل باطل اما لاحالته او مخالفته اجماعكم من ان جميع بنى ادم يعادون فيقال المعاد من الاكل والماكول هو اجزاءه الاصلية واما ما زاد على ذلك هو اصل فى غيره فيعاد اليه فيعود له اذ كل محفوظ عليه اصله فيخرجه ويرده اليه الذى يخرج الخبء فى السماوات والارض ويعلم ما يخفون وما يعلنو ن لا يقال الاجزاء الاصلية لابقى مقدراها بمقدار ما يكون عليه الانسان فى المقدرا عند الموت مع ان المعلوم قطعا بالاجماع هو انه لابد ان تكون الاعادة على الهيئة التى فارق عليها الانسان الدنيا لا نقول الاجزاء هى المعادة لكن القادر المختار كما انه بقدرته مد مقدار الانسان بزيادة تلك الاجزاء الغذائية فهو تعالى قادر ان يمد مقداره يوم القيامة باجزاء اخر اختراعية حتى يحصل الهيئة فان قيل الشئ مع الشئ شئ غيره مع شئ اخر وعلى ما ذكر لا يكون البدن المعاد هو بعينه الكائن يوم الفراق بل هو مثله لا عينه مع ان الاجماع على اعادة العين قلنا هو مثله من حيث المقدار عينه باعتبار تلك الاجزاء الاصلية وهو المراد بالعينية اذ لو لم يرد بالعينية ذلك لم يكن المعذب والمنعم هو عين الانسان المفارق بل مثله لما ثبت ان الكافر يكون غرسه فى النار كجبل احد وان المؤمن يدخل فى الجنة على طول ابيه ادم عليه السلام وهو صحيح وبهذا التحقيق مما يوجد من اطلاق بعض اهل اسنة كحجة الاسلام والعز بن عبد السلام من ان المعاد مثل البدن مع اتفاق اهل السنة على ان المعاد هو بدن الانسان بعينه وان المراد بذلك البدن عينا هو البدن المركب من تلك الاجزاء الاصلية مع الاجزاء المزادة عليه الاختراعية فلا تعارض اه قلت هذه المسالة اختلف فيها بين اهل السنة قيل ان الحشر جسمانى فقها وهذا بناء على القول بان الروح جسم لطيف سار فى البدن كماء الورد فى الورد فالمعاد كل من الروحو البدن جسم فلا يعاد الا الجسم وعليه اكثر المتكلمين ودليلهم قولهم تعالى فادخلى فى عبادى والتجرد ينافيه وعند مسلم من رواية مسروق عن ابن مسعود رفعه ارواح الشهداء فى اجواف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تأوى الى تلك القناديل وقيل روحانى جسمانى بناء على القول بان الروح جوهر مجرد ليس بجسم ولا قوة حلة فى الجسم بل يتعلق به تعلق التدبير والتصرف لا تفنى بفناء البدن ترجع الى البدن لتعلقها به والى هذا القول مال ابو منصور الماتريدى وحجة الاسلام والراغب ابو زيد الدبوسى والحليمى وكثير من الصوفية والشيعة ولهم ايضا ظواهر تمسكوا بها والمسالة ظنية لا قاطع فيها وقال شارح المقاصد قد بالغ الامام الغزالى فى تحقيق المعاد الروحانى وبيان انواع الثواب والعقاب بالنسبة الى الارواح حتى سبق الى كثير من الاوهام ووقع فى السنة العوام انه ينكر حشر الاجساد افتراء عليه كيف وقد صرح به فى مواضع من الاحياء وغيره وذهب الى ان انكاره كفر ثم قال عقب ذلك فى شرح المقاصد @ نعم ربما يميل كلامه وكلام كثير من القائلين بالمعاد الى ان معنى ذلك ان يخلق الله تعالى من الاجزاء المتفرقة لذلك البدن بدنا فيعيد اليه نفسه المجردة الباقية بعد خراب البدن ولا يضرنا كونه غير البدن الاول بحسب الشخص ولا امتناع اعادة المعدوم بعينه اه وقد انكر ابن ابى شريف ان يكون الغزالى قائلا بان المعاد مثل الاول واورد نصا من الاقتصاد له ما يدل على انه يقول بان المعادين الاول ورد فيه على الفلاسفة قولهم بقاء النفس التى هى غير متحيزة فلينامل فى ذلك ليمتيز معتقدة عن معتقد الفلاسفة * (فصل) * واما المحدث فحالة لايخرج عن احد القولين فى الاعادة اذا الادلة السمعية متعارضة وهو لايخرج عن ادلة السمع خصوصا فى هذه المسئلة واما لصوفى فيقول لاشك ان صور الممكات بالنسبة الى الانسان خير او وسيلة اليه ونيل ذلك لده وكمال وشر او وسيلة اليه ونيل ذلك الم وكل منها غير منتاه اذا مرجع ذلك الى صور المكنات وهى غير متناهية ثم ان الله عز وجل خلق الانسان على هيئته بحيث يكون قابلا لنيل تلك الكمالات التى تقضيها قواه تعلق بها ليحصل كماله وتلك الكمالات التى تقضيها قواه غير متناهية اذ هى راجعة الى صور الممكنات وصور الممكنات التى لا تتناهى لايمكن حصولها دفعة يقتضى حصول ما يتناهى فى الوجود دفعة ولا فى الزمان متناه والالزم حصول مالا يتناهى فيما يتناهى وكل ذلك محال ونيل تلك الكمالات لابد ان يحصل لهذا النوع الانسانى قطعا عملا باستعداده ولانه لو لم يحصل فاما ان يكون لان ذلك الحصول ممتنع وهذا باطل والا انقلب الممكن محالا وتحن نقطع بامكان ذلك واما لعدم تمكين الفاعل المختار من ذلك وهذا ايضا محال لما تقرر من انه تعالى على كل شئ قد يراون مقدوراته لا تتناهى واما لعدم القبول التام الذى يكون به ذلك وذلك ايضا باطل لان القبول التام داخل تحت المقدورات الكمالية لان ما يتوقف عليه الكمال كمال وهو موقوف على مجرد القبول وذلك حاصل للانسان نجده من نفو سنائم من المعلوم قطعا ان هذا التركيب البدنى الكائن فى يوم الدنيا لا يمكن ان تحصل معه تلك الكمالات لا من جهة انقضاء المدة ولا من جهة المزاحم المضاد فاقتضت الحكمة الالهية واعطت الشواهد الوجدانية وحققت القواطع السمعية ان لايكون ذلك الا مع تركيب اخر ابدى مناسب لتحصيل تلك الكمالات الابدية فى زمان ليسع تلك الممكات وذلك هو عود الابدان على الصورة الادمية الاولية فى الازمات المسماه بالدار الاخرة اخروية ثم جعلت الدنيا مميزة لاحد الاستعدادين اما لاستعداد نيل الخبرات وذلك بالمعرفة بالله والعمل بطاعته واما الاستعداد نيل الضد وذلك بالجهل باله وعدم العمل بطاعته وانما كان كل من العلم والجهل يعطى ذلك لان نور المعرفة اذا حصل افاد تنوير جملة الانسان وظلمه الجهل اذا حصلت افادت ظلمة الجهل الانسان والنور مناسب لنور الجنة وظلمة الجهل مناسبة لظلمة النار فاعلم ذلك واما ان تكون تلك الاعادة وحصول ذلك التركيب الذى به تكون هذه الكمالات هل هو بعد اعدام او بعد تفريق فالكل ممكن ولا يبعد ان يكون الواقع مشتملا على كل من ذلك وبيان ذلك يطول والله الهادى (الاصل الثانى سؤال منكر ونكير) وهما كما تقدم شخصيات اسودان ازرقان مهيبان هائلان شعورهما الى اقداهما كلاهما كالرعد القاصف واعينهما كالبرق الخاطف بايديهما مقامع من حديد قال الامام ابو منصور البغدادى انما سمى الملك منكرا لان الكافر ينكر اذا راه وسمى الاخر نكيرا لانه هو الذى ينكر على الكافر فعله وقد انكرهما الكعبى من المعتزلة وهو مردود عليه كيف (قد ورد به) اى بالسؤال وفى بعض النسخ بهما اى منكر والنكير (الاخبار) الصحيحة (فيجب التصديق به) وهل هذا السؤال عام لكل مؤمن وغيره او مختص بمن يغلب عليه منكر من عمله او نكير من قلبه والاول عليه جمهور العلماء والثانى قول بعض علماء المغرب وعليه يعتمد سيدى ابو الحسن الحرانى اما الاخبار فاخرج الترمزى وصححه وابن حبان من حديث ابى هريرة رضى الله عنه اذا قبر اليت او قال احدكم اتاه ملكان اسودان ازرقان @ يقال لاحدهما المنكر والاخر النكير الحديث وفى الصحيحين من حديث انس رضى الله عنه ان العبد اذا وضع فى قبره وتولى عنه اصحابه وانه ليسمع قرع نعالهم اناد ملكان فيقعد انه الحديث وفى رواية البيهقى اتاه منكر ونكير وغيرهما من الاخبار التى صحت اخراجها اصحاب السنن والمسانيد ما بين مطولة ومختصرة من رواية غير واحد من الصحابة (لانه ممكن) اى هو من مجوزات العقول والله تعالى مقتدر على احياء الميت وامر الملك بسؤاله عن ربه ورسوله وكل ما جوزه العقل وشهد به السمع لزم الحكم بقبوله وذهب الجهمية والخوارج ان احياء الاموات لايكون الا فى القيامة وهؤلاء منكرون عذاب القبر وسؤال منكر ونكير والى هذا القول ذهب ضرار بن عمرو وبشر المريسى والكعبى وعامة المعتزلة والنجارية وقال ضرار المنكر هو العمل السئ ونكير هو النكير من الله تعالى على صاحب العقل بالمنكر وقالوا ان ذلك يقتضى اعادة الحياة الى البدن لفهم الخطاب ورد الجواب وادراك اللذه والالم وذلك منتف بالمشاهد وقد شرع المصنف فى الرد عليهم بقوله (اذ ليس يستدعى ذلك الا اعادة الحياة الى جزء من الاجزاء الذى به فهم الخطاب) ورد الجواب والانسان قبل موته لم يكن يفهم بجميع عمومنا بل الخبرة من باطن قلبه (وذلك) اى احياء جزء يفهم الخطاب ويجب (ممكن فى نفسه) مقدورو امور البرزخ لاتقاس بامور الدنيا ثم شرع المصنف فى الرد على منكرى السؤال وعذاب القبر فقال (ولا يدفع ذلك بالشاهد من سكون اجزاء الميت وعدم سماعنا للسؤال له) تقرير السؤال ان اللذة والالم والتكلم كل منها فرع الحياة والعلم والقدرة ولا حياء بلابتية اذ هى قد فسدت وبطل المزاج وان الميت نراه ساكنا لا يسمع سؤالنا اذا سالناه ومنهم من يحرق فيصير رمادا وتزروه الرياح فلا تعقل حياته وسؤاله والجواب ان هذا مجرد استبعاد خلاف المعتاد وهو لا ينفى الامكان فان ذلك ممكن اذلايشترط فى الحياة السمة ولو سلم جاز ان يحفظ الله تعالى من الاجزاء ما ياتى به الادراك ولا يمتنع ان يشاهد الناظر منه مايدل على ذلك (فان النائم ساكن بظاهره) وهو مع ذلك (يدرك بباطنه من الالام) واللذات ما يحس بتاثيره عند التنبه كالم ضرب راه بعد استيقاظه من منامه وخروج منى من جماع راه فى منامه (وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع كلام جبريل عليه السلام ويشاهده) والحال ان (من حوله) من الصحابة او من هو مزاجه فى مكانه كعائشة رضى الله عنها اذ كانت معه بفراش واحد (لايسمعونه ولا يرونه) وقد اخرج البخارى ومسلم من حديث عائشة رضى الله عنها قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما يا عائشة هذا جبريل يقرئك السلام فقلت وعليه السلام ترى مالا ارى قال العرافى وهذا هو الاغلب والا فقد راى جبريل جماعة من الصحابة منهم عمرو بن عبد الله وكعب بن مالك وغيرهم اه وهذا الذى ذكره من سماع السؤال ورد الجواب راى لم يشاهد وانما قلنا به لان الادراك والاسماع بخلق الله تعالى وقد قال الله تعالى ولا يحيطون بشئ من علمه الا بما شاء (فاذا لم يخلق لهم) اى لبعض الانبياء عليهم الصلاة والسلام لا يسئلون فى قبورهم لعلو مقامهم المقطوع لهم بسببه بالسعادة العظمى ولعصمتهم وكذلك الشهداء كما فى صحيح مسلم وسنن النسائى وكذلك اطفال المؤمنين لانهم مؤمنون غير مكلفين واختلف فى سؤال اطفال المشركين ودخولهم الجنة او النار فتردد ابو حنيفة وغيره فلم يحكموا فيهم بسؤال ولا بعدمه ولا ابائهم من اهل الجنة ولا اهل النار وقد وردت فيهم اخبار متعارضة بحسب الظاهرة فالسبيل تفويض امرهم الى الله تعالى لان معرفة احوالهم فى الاخرة ليست من ضروريات الدين وليس فيها دليل قطعى وقد نقل الامر بالامساك عن الكلام فى حكم الاطفال فى الاخرة مطلقا عن القاسم بن محمد وعروة بن الزبير وغيرهما وضعف صاحب الكافى رواية التوقف عن ابى حنيطة وقال الرواية الصحيحة عنه ان اطفال المشركين فى المشيئة لظاهر الحديث الصحيح الله اعلم بما @ كانوا عاملين وقد حكى الامام النووى فيهم ثلاثة مذاهب الاكثر انهم فى النار والثانى التوقف والثالث الذى صححه انهم فى الجنة لحديث كل مولود يولد على الفطرة وحديث رؤية ابراهيم عليه السلام ليلة المعراج فى الجنة وقوله اولاد الناس وفى اطفال المشركين اقوال اخرى ضعيفة لا نطيل بذكرها وبالله التوفيق (الاصل الثالث عذاب القبر) ونعيمه (وقد ورد الشرع به) قرانا وسنة واجمع عليه قبل ظهور البدع علماء الامة (قال الله تعالى) فى ال فرعون سوء العذاب (النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة ادخلوا ال فرعون اشد العذاب) وقال فى قوم نوح ما خطيا انهم اغرقوا فادخلوا نارا والفاء للتعقيب من غير مهلة (واشتهر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح الاستعاذة من عذاب القبر) اخرجه البخارى ومسلم من حديث عائشة وابى هريرة رضى الله عنهما ولهما ايضا من حديث عائشة رفعته انكم تظنون او تعذبون فى قبوركم وعند مسلم ان هذه الامة تبتلى فى قبورها فاولا ان لا تدفنوا الدعوات الله ان يسمعكم من عذاب القبر الذى اسمع منه ثم اقبل النبى صلى الله عليه وسلم بوجهه عليه فقال تعوذوا بالله من عذاب القبر واما استعاذة السلف الصالح منه فكثير على اختلاف طبقاتهم من راجع الحلية ظفر بمجموع المقصود وكذلك ورد فى نعيم القبر من الكتاب والسنة وما يصحح ثبوته ومن نعيمه توسيعه وفتح طاق فيه من الجنة ووضع قنديل فيه وامتلاؤه بالروح والريحان وجعله روضة من رياض الجنة وكل هذا من العذاب والنعيم محمول على الحقيقة عند العلماء (وهو ممكن فيحب التصديق به) لان من مجوزات العقول وشهد به السمع فلزم الحكم بقوله ثم شرع فى الرد على المنكرين وهم ضرار بن عمرو وبشر المريسى وجماعة من المعتزلة فقال (ولا يمنع من التصديق به) الايمان بثبوته (تفرق اجزاء الميت فى بطون السباع) فى البر والسمك فى البحر (وحواصل الطيور) واقاصى التخوم وقد جاز ان يحفظ الله تعالى من الاجزاء ما يتلى به الادراك واذا كان فى بطون السباع وقعور البحار وغاية ما فى الباب ان يكون بطن السبع ونحوه قبراله (فان المدرك لالم العذاب من الحيوان اجزاء مخصوصة يقدر الله تعالى على اعادة الادراك اليها) ومن سلم اختصاص الرسول برؤية الملك دون القوم وتعاقب الملائكة فينا وامن بقوله تعالى فى الشيطان انه يراكم هو وقبيلة من حيث لا نروهم وجب عليه الايمان بذلك كيف والانسان النائم يدرك احوالا من السرور والغم من نفسه ونحن لا نشاهد ذلك ذلك منه والبرزخ اول منزل من منازل الاخرة وتغير العادات والله اعلم * (تنبيه) * وبعد اتفاق اهل الحق على اعادة قدر ما يدرك به الالم واللذة من الحياة تررد كثير من الاشاعرة والحنفية فى اعادة الروح فقالوا لا تلازم بين الروح والحياة الا فى العادة ومن الحنفية القائمين بالمعاد الجسمانى من قال بانه توضع فيه الروح واما من قال اذا صار ترابا يكون روحه متصلا بترابه فيتالم الروح والتراب جميعا فيحتمل ان يكون قائلا بتجرد الروح وجسمانيتها ولا يخفى ان مراده بالتراب اجزاء الجسد الصغار لا يحملتها ومنهم من اوجب التصديق بذلك ومنع من الاشتغال بالكيفية بل التفويض الى الخالق جل وعز (الاصل الرابع الميزان) وقد تقدم للمصنف فى اول العقيدة تحديده فقال ذو الكفتين واللسان وصفته فى العظم انه مثل طباق السماوات والارض توزن فيه الاعمال بقدرة الله تعالى والصنج يومئذ مثاقيل الذر والخردل تحقيق اتمام العدل وتطرح صحائف الحسنات فى صورة حسنة فى كفه النور فيثقل بها الميزان على قدر درجاتها بفضل الله تعالى وتطرج صحائف السيئات فى صورة قبيحة فى كفه الظلمة فيخف بها الميزان بعدل الله تعالى وقد تقدم شرح هذه الكلمات وما يتعلق بها فاغناها عن ذكره ثانيا والمقصود هنا بيان انه حق ثابت دلت عليه قواطع السمع وهو ممكن فوجب التصديق به (قال الله تعالى ونضع الموازين القسط ليوم القيامة) قال الحافظ ابن حجر فى فتح البارئ اختلف فى ذكره هنا بلفظ الجمع هل المراد ان لكل شخص ميزانا او لكل عمل ميزانا فيكون الجمع @ حقيقة او ليس هناك الاميران واحد والجمع باعتبار تعدد الاعمال او الاشخاص (وقال تعالى فمن ثقلت موازينه) فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا انفسهم ويحتمل ان يكون الجمع للتفخيم كما فى قوله تعالى كذبت قوم نوح المرسلين مع انه لم يرسل اليهم الا واحد والذى يترجح انه ميزان واحد ولا يشكل بكثرة من يوزن عمله لان احوال القيامة لا تكيف باحوال الدنيا والقسط العدل هو نعت الموازين وان كان مفردا وهى جمع الادلة مصدر قال الطيبى فى القسط العدل وجعل وهو مفرد من نعت الموازين وهى جمع لانه كقولك عدل رضا وقال الزجاج المعنى ونضع الموازين ذات القسط وقيل هو مفعول من اجله اى لاجل القسط واللام فى قوله ليوم القيامة للتعليل مع حذف مضاف اى لحساب يوم القيامة وقيل هو بمعنى فى كذا جزم به ابن قتيبة واختاره ابن مالك وقيل للتوقيت كقول النابغة توهمت ايات لها فعرفتها* لستة اعوام وذا العام سابع وذكر جنبل بن اسحق فى كتاب السنة عن احمد بن حنبل انه قال ردا على من انكر الميزان ما معناه قال الله تعالى ونضع الموازين القسط ليوم القيامة وذكر النبى صلى الله عليه وسلم الميزان يوم القيامة فمن رد على النبى صلى الله عليه وسلم فقد رد على الله عز وجل اه ومثله قوله الله تعالى والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا انفسهم فى جهنم خالدون وهل الموازين فى هاتين جمع ميزان او جمع موزون جرى صاحب الكشاف والبيضاوى على الثانى وكثير من المفسرين على الاول وقال الزجاج اجمع اهل السنة على الايمان بالميزان وان اعمال العباد توزن يوم القيامة وان الميزان له لسان وكفتان وتميل بالاعمال وانكر المعتزلة الميزان وقالوا هو عبارة عن العدل فخالفوا الكتاب والسنة لان الله تعالى اخبر انه يضع الموازين القسط لوزن الاعمال لترى العباد اعمالهم ممثلة ليكونوا على انفسهم شاهدين وقال ابن فورك انكرت المعتزلة الميزان بناء منهم على ان الاعراض يستحيل وزنها اذ لا تقوم بانفسها قال وقد روى بعض المتكلمين عن ابى عباس ان الله تعالى يقلب الاعراض اجساما فيزنها اه وقد ذهب بعض السلف ان الميزان بمعنى العدل والقضاء فاسند الطبرى من طريق ابن ابى نجيح عن مجاهد فى قوله تعالى ونضع الموازين القسط قال انما هو مثل كما يحرر الوزن كذلك يحرر الحق ومن طريق ليث بن ابى سليم عن مجاهد قال الموازين العدل والراجح ماذهب اليه الجمهور وقال الطيبى انما توزن الصحف واما الاعمال فانها اعراض فلا توصف بثقل ولا خطة والحق عند اهل السنة ان الاعمال حينئذ تجسد او تجعل فى اجسام فتصير اعمال الطائعين فى صورة حسنة واعمال المسيئين فى صورة قبيحة ثم توزن ورجح القرطبى ان الذى يوزن الصحائف التى يكتب فيها الاعمال ونقل عن ابن عمر قال توزن صحائف الاعمال قال فاذا ثبت هذا فالصحف اجسام فيرتفع الاشكال ويقويه حديث البطاقة الذى اخرجه الترمزى وحسنه والحاكم وصححه وفيه فتوضع السجلات فى كفه والبطاقة فى كفة اه والصحيح ان الاعمال هى التى توزن وقد اخرج ابو داوود والترمزى وصححه ابن حيان عن ابى الدرداء عن النبى صلى الله عليه وسلم قال ما يوضع فى الميزان يوم القيامة اثقل من خلق حسن وفى حديث جابر رفعه توضع الموازين يوم القيامة فتوزن الحسنات والسيئات فمن رجحت حسناته على سيئاته قال اولئك اصحاب الاعراف اخرجه خيثمة فى فوائده وعند ابن المبارك فى الزهد عن ابن مسعود نحوه موقوفا وقد ذهب المصنف فى العقيدة الصغرى وهنا الى ان الموزون صحائف الاعمال وتبعه ابن الهمام فى المسايرة مشيرا الى وجه الوزن بقوله (ووجهه) اى الوجه الذى يقع عليه وزن الاعمال (ان الله تعالى يحدث فى صحائف الاعمال وزنا) وفى @ المسايرة ثقلا وعبارة المصنف فى الاقتصاد خلق الله فى كفتها ميلا (يحسب درجات الاعمال عند الله) تعالى وعبارة الاقتصاد بقدر رتبة الطاعات ففى نص المصنف فى الاقتصاد تصريح بان الذى يخلق ميل فى الكفة وهو لا يستلزم خلق تقل فى جرم الصحيفة هذا اعتراض ابن ابى شريف على شيخه وهو غير متجه عند القائل (فتصير مقادير اعمال العباد معلومة) ممثلة (للعباد) ليكونوا على انفسهم شاهدين وعبارة المصنف فى الاقتصاد فان قيل اى فائدة فى الوزن وما معنى هذه المحاسبة ثم ساق الجواب وقال بعد ذلك ما نصه ثم اى بعد فى ان تكون الفائدة فيه ان يشاهد العبد مقدار اعماله ويعلم انه مجزى بعمله بالعدل او متجاوز عنه باللطف وقد لخص هذا الجواب هنا فقال (حتى يظهر العدل فى العقاب او الفضل فى العفو وتضعيف الثواب) وقوله حتى غايو لقوله يحدث فى صحائف الاعمال وزنا وقال بعض المتاخرين يبعد ان يكون من الحكمة فى ذلك ظهور مراتب ارباب الكمال وفضائح ارباب النقصان على رؤوس الاشادر يادة فى سرور اولئك وخزى هؤلاء* (فائدة) * روى اللالكائى فى كتاب السنة عن حذيفة موقوفا ان صاحب الميزان يوم القيامة جبريل عليه السلام* (الاصل الخامس الصراط) * وهو ثابت على حسب ما نطق به الحديث (وهو جسر ممدود على متن جهنم) يرده الاولون والاخرون فاذا تكاملوا عليه قيل وقفوهم انهم مسئولون اخرج البخارى ومسلم من حديث ابى هريرة رفعه وتضرب الصراط بين ظهرانى جهنم ولهما من حديث ابى سعيد ثم يضرب الجسر على جهنم (ادق من الشعر واحد من السيف) اخرجه مسلم من حديث ابى سعيد بلفظ بلغنى انه ادق من الشعر واحد من السيف ورفعه احمد من حديث عائشة والبيهقى فى الشعب والبعث من حديث انس وضعفه وفى البعث من رواية عبيد بن عمير مرسلا ومن قول ابن مسعود الصراط كحد السيف وفى اخر الحديث ما يدل على انه مرفوع قاله العراقى وقول ابى سعيد بلغنى له حكم المرفوع اذ مثله لا يقال من قبل الراى وقول ابن مسعود اخرجه الطبرانى ايضا بلفظ يوضع الصراط على سواء جهنم مثل حد السيف المرهف وفى الصحيحين وغيرهما وصف الصراط بانه دحض مزلة واخرج الحاكم من حديث سلمان رفعه بوضع الميزان يوم القيامة الحديث وفيه ويوضع الصراط مثل حد الموسى وقد انكرت المعتزلة الصراط وقالوا عبور الخلائق على ما هذه صفته غير ممكن وحملوا الصراط على الصراط المستقيم صراط الله تعالى وهذا التأويل يأباه ما (قال الله تعالى) فى كابة العزيز مخاطبا للملائكة احشروا اللذين ظلموا وازواجهم وماكانو يعبدون من دون الله (فاهدوهم الى صراط الجحيم وقفوهم انهم مسئولون) وقد اجمع المفسرون على تفسيره بما ذكرناه وجاء وصفه فى الحديث وعلى جنبه خطاطيف وكلاليب وسالت عائشة رضى الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت اذا طويت السماء وبدلت الارض غير الارض فاين الخلق يومئذ فقال على جسر جهنم قال القاضى فى الهداية قال سلف الامة الصراط صراطان صراط الدين والثانى جسر على متن جهنم وهو قول ائمة الحديث والفقهاء وحكى عن ابى الهزيل وابن المعتمر انهما قالا يجوز ذلك ولكن لا يقطعان به سمعا واختلف القول الجبائى وابنه فاثبتاه تارة ونفياه تارة اخرى وقالا على القول باثباته وايجاب اثابة المؤمنين يعدل بهم عنه الى الجنة ولا يجوز ان يلحق المؤمنين من العبور عليه شئ من الالم ومن اوجب تاويله قال ما ورد بخلاف الممكن تاويله واجاب اما الحرمين بانه لامانع منه عقلا وانما ذلك خلاف المعتاد وقد اشار المصنف الى ذلك فقال (وهذا ممكن) اى وضع الصراط على الصفة المذكورة وورد الخلائق اياه امر ممكن وارد على وجه الصحة ورده ضلاضة (فيجب التصديق به) ثم اشار بالرد على المعتزلة فى قولهم كيف يمكن المرور على ماهذه صفته بقوله (فان القادر على ان يطير الطير فى الهواء قادر على ان يسير الانسان على الصراط) بل هو سبحانه قادر على ان يخلق الانسان قدره المشى فى الهواء ولا يخلق فى ذاته هو الى اسفل ولا فى الهواء انخرافا وليس المشى على الصراط باعجب من هذا كما ورد فى الصحيحين ان رجلا قال يانبى الله كيف يحشر @ الكافر على وجهه يوم القيامة فقال اليس الذى امشاه على الرجلين فى الدنيا قادرا على ان يمشيه على وجهه يوم القيامة وفى الصحيحين غير المؤمنون كطرف العين وكالبرق وكالريح وكاجاويد الخيل والركاب فناج مسلم ومخدوش مرسل ومكدوش فى نار جهنم* (تنبيه) * ورود الصراط وهو ورود النار لكل احد المذكور فى قوله تعالى وان منكم الاوارد هاو بذلك فسر ابن مسعود الحسن وقتادة ثم قال تعالى ثم ننجى الذين اتقو افلا يستطيعون فيها ونذر الظالمين فيها ونذر الظالمين فيها جثيا اى يسقطون وفسر بعضهم الورود بالدخول واسندوه الى جابر رفعه اخرجه احمد وابن ابى شيبة وعبد بن حميدو وابو يعلى والنسائى فى الكنى والبيهقى * (فصل) * لم يذكر المصنف هنا الحوض وذكره فى عقيدته الصغرى وهو حق من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها ابدا وجاء ذكره فى الاخبار الصحيحة وعرضه وطوله وعدد اباريقه يشرب منه المؤمنون بعد جواز الصراط على الصحيح كما ذهب اليه المصنف وفى الحديث الذى يروى ان الصحابة قالوا اين نطلبك يا رسول الله يوم المحشر فقال على الصراط فان لم تجدونى فعلى الميزان فان لم تجدونى فعلى الحوض يلوح على الترتيب الصراط ثم الميزان ثم الحوض وهى مسئلة توقف فيها اكثر اهل العلم * (الاصل السادس) * (ان الجنة والنار) حقان ممكنتان لانه امر ضرورى من جهة العقل واقعتان لما دل به السمع وهو ضرورى من الدين اذا الكتاب والسنة واثار الامية مملوأة بذكر ذلك ولا يتوقف فيه الا كافر وانهما مخلوقتان الان اتفق على ذلك اهل السنة والجماعة عملا بالقران وما ورد فى ذلك بعض المعتزلة كابى على الجبائى وابى الحسن البصرى وبشر بن المعتمر وقال بعضهم كابى هاشم وعبد الجبار واخرين انما يخلقان يوم القيامة قالو الان خلقه قبل يوم الجزاء عبث لا فائدة فيه فلا يليق بالحكيم وضعفه ظاهر لما تقرر من بطلان القول بتعليل افعاله تعالى بالفوائد والدليل على وجودهما الان (قال الله تعالى وسارعو الى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والارض اعدت للمتقين) وفى النار اعدت للكافرين فى اى كثيرة ظاهرة فى وجودهما الان (فقوله تعالى اعدت دليل على انها مخلوقة) الان (فيجب اجراؤه على الظاهر اذ لا استحالة فيه) وكون الشئ مهيأ ومعد الغيرة فرع وجوده وكذا قصة ادم وحواء اسكن انت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما الى ان قال وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وحمل مثله على بستان من بساتين الدنيا كما زعمه بعض المعتزلة يشبه التلاعب او العناد اذا المتبادر من لفظ الجنة باللام العهدية فى اطلاق الشارع ليس الا الجنة الموجودة فى السنة وظواهر كثيرة من الكتاب والسنة تصيرها قطعية باعتبار دلالة مجموعها واجمع الصحابة على فهم ذلك من الكتاب والسنة ومن شبه المعتزلة قالو لو اختلقنا لهلكنا لقوله تعالى كل شئ هالك الا وجهه واللازم باطل للاجماع على دوامهما والجواب تخصيصهما من عموم ايه الهلاك جمعا بين الادلة (ولا يقال) من طرف المعتزلة (لافائدة فى خلقهما قبل يوم الجزاء) لانه عبث فلا يليق بالحكيم والجواب ان نفى الفائدة فى خلق الجنة الان ممنوع اذهى دار نعيم اسكنها تعالى من يوحده ويسبحه بلا فترة من الحور والولدان والطير وقد روى الترمزى والبيهقى من حديث على رفعه ان فى الجنة مجتمعا للحور العين يرفعن باصوات لم تسمع الخلائق بمثلها يقلن نحن الخالدات فلا نبيد الحديث وروى نحوه ابو نعيم فى صفة الجنة من حديث ابن ابى اوفى ومن هذا ذهب الامام ابو حنيفة رحمه الله تعالى الى ان الحور العين لا يمتن بها وانهن فيمن استثنى الله بقوله فصعق من فى السماوات ومن فى الارض الا من شاء فهذه فائدة ترجع الى غيره على ان نفى الفائدة فى تعقل الزاعم لا ينفى وجود الحكمة فى نفس الامر وان لم يحط بها علما (لان الله لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون) ثم اختلف العلماء فى محلهما والاكثر على ان الجنة فوق السماوات عملا بقوله تعالى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى وقوله عليه السلام فى وصف جنة الفردوس سقفها عرش الرحمن وعلى ان النار تحت الارض وهذا لم يرد فيه نص صريح وانما هى ظواهر والحق فى ذلك تفويض العلم الى الله @ وبالله التوفيق * (الاصل السابع) * فى الامامة والبحث فيها من مهمات هذا العلم ولما ذكر المصنف لفظ الامام وهو ذو الامامة لزم بيانها وهى رياسة عامة فى الدين والدنيا خلافة عن النبى صلى الله عليه وسلم ونصب الامام واجب على الامة سمعا لا عقلا خلافا للمعتزلة حيث قال بعضهم واجب عقلا وبعضهم كالكعبى وابى الحسين عقلا وسمعا واما اصل الوجوب فقد خالف فيه الخوارج فقالوا هو جائز ومنهم من فصل فقال فريقا من هؤلاء لا يجب عند الامن دون الفتنة وقال فريق بالعكس واما كون الجوب على الامة فحالف فيه الاسماعيلية والامامية فقالوا لايجب علينا بل على الله تعالى الا ان الامامية او جبوها عليه تعالى لحفظ قوانين الشرع عن التغير بالزيادة والنقصان والاسماعيلية او جبوه ليكون معرفا الله وصفا به واذقد علمت ذلك فاعلم (ان الامام الحق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم) عندنا وعند المعتزلة واكثر الفرق (هو ابوبكر) الصديق باجماع الصحابة على مبايعته (ثم عمر) بن الخطاب باستخلاف ابى بكر له (ثم عثمان) بن عفان بالبيعة بعد اتفاق اصحاب الشورى (ثم على) بن ابى طالب بمبايعة اهل الحل والعقد (رضى الله عنهم) اجمعين (ولم يكن) عند جمهور اصحابنا والمعتزلة والخوارج (نص رسول الله صلى الله عليه وسلم على امام) بعده (اصلا) نصاجليا الا مازعم بعض اصحاب الحديث انه نص على امامه ابى بكر نصا جليا وعزى الى الحسن البصرى انه نص على امامه نصا خفيا اخذه من تقديمه اياه فى امامه الصلاة والى الشيعة فانهم قالوا نص على امامه على بعده نصا جليا ولكن عندنا مشاعر اهل السنة كان يعلم لمن هى بعده باعلام الله تعالى اياه دون ان يؤمر بتبليغ الامة النص على الامام بعينه واذا عملها فاما ان يعملها امرا واقعا موافقا للحق فى نفس الامر او مخالفه وعلى اى الحالتين لو كان المفترض على الامة مبايعة غير الصديق لبالغ صلى الله عليه وسلم فى تبليغه بان ينص عليه نصا ينقل مثله على سبيل الاعلان والتشهير (لو كان اولى بالظهور من نصبه احاد الولاه والامراء على الجنود فى البلاد) وكان سبيله ان ينقل نقل الفرائض لتوفر دواعى على مثله فى استمرار العادة المطردة من نقل المهمات الدين المطلوب فيها الاعلان (ولم يخف ذلك فكيف خفى هذا) مع ان امر الامامة من اهم الامور العالية لما يتعلق به المصالح الدينية والدنيوية الانتظام امر امعاش والمعاد (واذا ظهر) النص على امامه احد (فكيف اندرس) وخفى امره (حتى لم ينقل الينا) فلا نص لانتفاء لازمه من الظهور فلا وجوب لامامه على بعده صلى الله عليه وسلم على ما زعمته الشيعة على التعيين ولزم بطلان ما نقلوه من الاكاذيب وسودوابه اوراقهم نحو قوله صلى الله عليه وسلم لعلى انت خليفتى من بعدى وكثير مما اختلقوه نحو سلموا على على بامره المؤمنين وانه قال هذا خليقتى عليكم وانه قال له انت اخى وخليفتى من بعدى وقاضى دينى بكسر الدال كذا ضبطه السيد فى شرح امواقف الا وجه فتحها كما رواه البزار عن النبى مرفوعا على يقضى دينى وللطبرانى من حديث سلمان مثله وكله مخالف لما تقدم حيث لم يبلغ شئ مما نقلوه هذا المبلغ من الشهرة ثم نقول لم يبلغ مبلغ الاحاد المطعون فيها اذا لم يتصل عمله بائمة الحديث المهرة مع كثرة بحثهم وتلقيهم وسعة رحلاتهم الى بلدان شتى مشمرين جهدهم فى كل صوب واوب وهذا تقضى العادة بانه افتراء محض ولو كان هناك نص غير ما ذكر يعلمه هو او احد من المهاجرين والانصار لاورده عليهم يوم السقيفة تدينا اذ كان فرضا وقولهم تركه تقيه مع مافيه من نسبة على رضى الله عنه الى الجبن وهو اشجع الناس باطل واذا ثبت ماذكرنا من عدم النص على ولاية على رضى الله عنه (فلم يكن ابو بكر) رضى الله عنه (اماما بالاختيار والبيعة) وان قلنا انه لم ينص على امامته على ان فى الاخبار الواردة ماهو صريح فى امامته وهو اشارة وتلويح فالاول مافى صحيح مسلم من حديث عائشة رفعته ائتونى بدواة وقرطاس اكتب لابى بكر كتابا لا يختلف فى اثنان ثم قال يابى الله والمسلمون الا ابا بكر وهو فى فى صحيح البخارى من حديثها بمعناه واما الثانى وهو الاشارة فاقامته مقامه فى امامه الصلاة ولقد روجع فى ذلك كما فى الصحيحين وعند الترمزى من@ حديثها رفعته لا ينبغى لقوم فيهم ابو بكر ان يؤمهم غيره وعلى تقدير عدم النص على امامته ففى اجماع الصحابة غنى عنه اذهو فى ثبوت مقتضاه اقوى من خبر الواحد فى ثبوت ما تضمنه وقد اجمعوا عليه غيران عليا والعباس والزبير والمقداد لم يبايعوا الا ثالث يوم واعتذر باشتغالهم فى انفسهم بما وهمهم من وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فتم بذلك الاجتماع على ان تختلف من تخاف لم يكن فادحا فيها (واما تقديرالنص على غيره) كعلى رضى الله عنه بما صح من قوله عليه السلام لعلى انت منى بمنزلة هرون من موسى الا انه لا نبى بعدى كما فى صحيح مسلم وهذا لفظه وفى صحيح البخارى ايضا بنحوه وقوله عليه السلام من كنت مولاه فعلى مولاه رواه الترمزى فمع عدم دلالتهما على المطلوب حسبما قرره الائمة واوسعوا فيه القول (فهو نسبة الصحابة كلهم الى مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهو باطل لانهم كانو اطوع لله تعالى من غيرهم واعمل بحدوده وابعد من اتباع الهوى وحظوظ النفس ومنهم بقية العشرة المشهود لهم بالجنة فكيف يجوز على هؤلاء ان يعلموا الحق فى ذلك ويتجاهلوا عنه او يرويه لهم احد يجب قبول روايته فيتركوا العمل به بلا دليل راجح معاذ الله ان يجوز ذلك عليهم ولو جاز عليهم الخيانة فى امور الدين وكتمان الحف لارتفع الامان فى كل مانقلوه لنا من الاحكام وادى الى ان لايجزم بشئ من الدين لانهم هم الوسائط فى وصولها لينا نعوذ بالله من نزعات الهوى والشيطان (ومع) ما يلزم من ذلك (من خرق الاجماع) فانهم لما اجمعوا على اختياره ومبايعته وفهموا معنى ماذكر من الحديثين فى حق على رضى الله عنه وانهما لاينصان على امامته قطعا بان ذلك المعنى غير مراد من لفظ المولى (وذلك مما لم يستجرئ) استفعال من الجراءة وهى الهتور والاقدام على الامر (على اختراعه) اى اختلافه (لا الروافض) الطائفة المشهورة واصل الرفض الترك وسموا رافضة لانهم تركو زيد بن على حين نها عن سب الصحابة فلما عرفوا مقالته وانه لا يتبرأ من الشيخين رفضوه ثم استعمل هذا اللقب فى كل من غلا فى هذا المذهب وله طوائف كثيرة يجمعهم اسم الرافضة ولما كان فى معتقدات الروافض ان الصحابة كلهم بعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم ارتدوا ماعدا جماعة منهم ابو زر وبلال وعمار بن ياسر وصهيب لوح المنصف بالرد عليهم فقال (واعتقاد اهل السنة) والجماعة (تزكية جميع الصحابة) رضى الله عنهم وجوبا باثبات العدالة لكل منهم والكف عن الطعن فيهم (والثناء عليهم كما اثنى الله سبحانه وتعالى) واثنى (رسوله صلى الله عليه وسلم) بعمومهم وخصوصهم فى اى من القران وشهدت نصوصه بعد التهم والرضا عنهم ببيعة الرضوان وكانوا حينئذ اكثر من الف وسبعمائة وعلى المهاجرين والانصار خاصة فى اى كثيرة وعند الشيخين من حديث ابى سعيد لا تسبوا اصحابى وعندهما خبر القرون قرنى وعند مسلم اصحابى امنة لامتى فاذا ذهب اصحابى اباهم مايوعدون وعند الدرامى وابن عدى اصحابى كالنجوم بايهم اقتديتم اهتديتم وعند الترمزى من حديث عبد الله بن مغفل الله الله فى اصحابى لا تتخذوهم غرضا بعدى فمن احبهم فحبنى احبهم ومن ابغضهم فببغضى ابغضهم ومن اذاهم فقد اذانى ومن اذانى فقد اذى الله ومن اذى الله يوشك ان ياخذه وعند الطبرانى من حديث ابن مسعود وثوبان وعند ابى يعلى من حديث عمر اذا ذكر اصحابى فامسكوا ومناقب الصحابة كثيرة وحقيق على المتسدين ان يستصحب لهم ما كانوا عليه فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فان نقلت هناه فليتدبر العاقل النقل وطريقة فان ضعف رده وان ظهر وان كان احدا لم يقدح فيما علم توترا وشهدت به النصوص (و) من هذا (ماجرى) من الحروب والخلاف (بين معاوية) بن ابى سفيان (وعلى) بن ابى طالب (رضى الله عنهما) فى صفين لم يكن عن غرض نفسانى وحظوظ شهوة بل (كان مبنيا على الاجتهاد) الذى هو استفراغ الوسع لتحصيل ظن بحكم شرعى (لا منازعة من معاديه) رضى الله عنه (فى) تحصيل الامامة كما ظن وهو وان قاتله فان كان لا ينكر امامتته ولا يدعيها لنفسه (اذطن على) رضى الله عنه (ان تسليم قتلة عثمان) رضى الله @ عنه الى معاوية حين قدمت نائلة ابنة الطرافصة زوج عثمان على معاوية بدمشق وهو بها امير بقميص عثمان الذى قتل فيه مخلوطا بدمه فصعد به على المنبر وحرض قبائل العرب على التمكين من قتله فجمع الجيوش وسارو طالب عليا اذا بلغه ان قتلته لاذت به وهم يصرخون بين يديه نحن قتلنا عثمان فراى على ان تسليمهم له (مع كثرة عشائرهم) من مرادو كنده وغيرهما من لفائف العرب مع جمع من اهل مصر قيل انهم الف وقيل خمسمائة وجمع من الكوفة وجمع من البصرة قدموا كلهم المدينة وجرى منها ما جرى بن ققدورداتهم هم وعشائرهم نحو من عشرة الاف (واختلاطهم بالعسكر) وانتشارهم فيه (يؤدى الى اضطراب امر الامامة) العظمى التى بها انتظام كلمة الاسلام خصوصا (فى بدايتها) قبل استحكام الامر فيها (فراى التاخير اصوب) حتى يستقيم امر الامامة فقد ثبت انه لما قتل عثمان هاجمت الفتنة بالمدينة وقصد القتلة الاستيلاء عليها والفتك باهلها فارادت الصحابة تسكين هذه الفتنة بتولية على فامتنع وعرضت على غيره فامتنع ايضا اعظاما لقتل عثمان فلما مضت ثلاثة ايام من قتل عثمان اجتمع المهاجرون والانصار فناشدوا عليا الله فى حفظ الاسلام وصيانة دار الهجرة فقيل بعد شدة وانما اجابهم على فى توليته خشية من الامامة ان تهمل وهى من امور الدين وقد اخرج الطبرى من طريق عاصم بن كليب الجرمى عن ابيه قال سرت انا ورجلان من قومى الى على فسلمنا عليه وسالناه فقال عبد الناس على هذا الرجل فقتلوه وانا معتزل عنهم ثو ولونى واولا الخشية على الدين لم اجبهم (وظن معاوية) رضى الله عنه (تاخير امرهم) اى قتلة عثمان (مع عظيم جنايتهم) من هجومهم عليه داره وهتكهم يستر اهله ونسبه الى الجور والظلم مع تنصله من ذلك واعتذاره من كل ما اوردوه عليه ومن اكبر جناياتهم هتك ثلاثة حرم محرمة الدم والشهر والبلد (يوجب الاغراء بالائمة) بهتك حرمهم يعرض الدماء للسفك اى يتخذون ذلك زريعة للفتك والهتك والسفك فمعاوية طلب قتلة عثمان من على ظنا انه مصيب وكان مخطئا (وقد قال افاضل العلماء كل مجتهد نصيب وقال قائلون) منهم (المصيب واحد ولم يذهب الى تخطئة على) رضى الله عنه (ذو تحصيل) ونظر فى العلم اصلا بل كان رضى الله عنه مصيبا فى اجتهاده متمسكا بالحق اعلم ان المجتهد فى العقليات والشرعيات الاصلية والفرعية قد يخطئ وقد يصيب وذهب بعض الاشاعرة والمعتزلة الى ان كل مجتهد فى المسائل الشرعية الفرعية التى لا قاطع فيها مصيب والتحقيق ان فى المسئلة الاجتهادية احتمالات اربعة *الاول ليس لله تعالى فيها حكم معين قبل الاجتهاد بل الحكم فيها ما ادى اليه راى المجتهد فعلى هذا قد تنعقد الاحكام الحقة فى حادثةواحدة ويكون كل مجتهد مصيبا* الثانى ان الحكم معين ولا دليل عليه منه تعالى بل العثور على دفينة *الثالث ان الحكم معين وله دليل قطعى *الرابع ان الحكم معين وله دليل ظنى وقد ذهب الى كل احتمال جماعة والمختارات الحكم معين وعليه دليل ظنى ان وجده المجتهد اصاب وان فقده اخطأ والمجتهد غير مكلف باصابته كما زعم بعضهم ممن ذهب الى الاحتمال الثالث وذلك لغموضه وخفائه فلذلك كان المخطئ معذورا فلمن اصاب اجران ولمن اخطا اجر كما ورد فى الحديث ان اصبت فلك عشر حسنات وان اخطات فلك حسنة ثم الدليل على ان المجتهد قد يخطئ قوله تعالى ففهمناها سليمان اذ الضمير للحكومة او الفتياولو كان كل من الاجتهادين صوابا لما كان لتخصيص سليمان بالذكر فائدة وتوضيح ان داوود عليه السلام حكم بالغنم لصاحب الحرث وبالحرث لصاحب الغنم وحكم سليمان بان تكون الغنم لصاحب الحرث ينتفع بها ويقوم صاحب الغن على الحرث حتر يرجع كما كان فيرجع كل واحد على ملكه وكان حكم داوود عليه السلام بالاجتهاد دون الوحى والا لما جاز سليمان خلافه ولالداود الرجوع عنه ولو كان كل من الاجتهاديين حقا لان كلا منهما قد اصاب الحكم وفهمه لم يكن لتخصيص سليمان بالذكر وجه فانه وان لم يدل على نفى الحكم عما عداه دلالة كلية لكنه يدل على هذا الموضوع بمعونة المقالة كمالايخفى وقيل المعنى ففهمناها @ سليمان الفتوى والحكومة التى هى احق واولى بدليل قوله تعالى وكلا اتينا حكما وعلما فانه يفهم منه اصابتهما فى فصل الخصومات والعلم بامر الدين وبدليل قوات سليمان غير هذا اوفق للفريقين او ارفق كان قال هذا حق وغيره احق وفيه ايماء الى ان ترك الادلة من الانبياء بمنزلة الخطا من العلماء فان حسنات الابرار سيئات المقربين كذا اورده ملا على فى شرح الفقه الاكبر وقال البخارى فى كتاب الاحكام باب اجر الحاكم اذا اجتهد فاصاب او اخطا قال الحافظ ابن حجر يشير الى الى انه لا يلزم من رد حكمة او فتواه اذا اجتهد فاخطا ان ياثم بذلك بل اذ وسعه اجر فان اصاب ضوعف اجره لكن لكن لو اقدم فحكم او افتى بغير علم لحقه الاثم ثم قال ابن المنذر وانما يؤجر الحاكم اذا اخطأ اذا كان عالما بالاجتهاد فاجتهد واما اذا لم يكن عالما فلا واستدل بحديث القضاة ثلاثة وفيه قاضى قضى بغير حق فهو فى النار وقاضى قضى وهو لا يعلم فهو فى النار وقال الخطابى فى معالم السنن انما يؤجر المجتهد اذا كان جامعا لالة الجتهاد فهو الذى نعذره بالخطا بخلاف المتكلف فيخاف عليه ثم يؤجر على الخطا بل يوضع عنه الاثم فقط كذا قال وكانه يرى ان قوله وله اجر واحد مجاز عن وضع الاسم وقال المازرى لمن قال ان الحق فى طرفين هو قول اكثر اهل التحقيق من الفقهاء والمتكلمين وهو مروى عن الائمة الاربعة وان حكى عن كل منهم اختلاف فيه قال الحافظ والمعروف عن الشافعى الاول ان كل مجتهد مصيب وقال القرطبى فى المفهم وينبغى ان يختص الخلاف بان المصيب واحد اذ كل مجتهد مصيب بالمسائل التى يستخرج الحق منها بطريقة الدلالة * (فصل) * وقيل عدم تسليم على رضى الله عنه قتة عثمان لامر اخر وهو ان عليا رضى الله عنه راى انهم بغاه انواما اتوا عن تاويل فاسد استحلوا به دم عثمان لانكارهم عليه امور ظنوا انها مبيحة لما فعلوه خطا وجهلا كجعله مروان بن الحكم ابن عمه كاتبا له ورد الى المدينة بعد ان طرد النبى صلى الله عليه وسلم منها وتقديمه اقاربه فى ولاية الاعمال وعدم سماع شكوى اهل مصر منها واليها من طرفه والحكم فى الباغى اذا انقاذ الى الامام العدل ان لا يؤاخذ بما اتلف بما سبق من اتلاف الاموال اهل العدل وسفك دمائهم وجرح ابدانهم فلم يجب عليه قتلهم ولا دفعهم لطالب كما هو راى ابى حنيفة بل المرجح من قول الشافعى لكن فيما اتلفوه فى حال القتال بسبب القتال دون ما اتلفوه لا فى القتال او فى القتال بسببه فانهم ضامنون له ومن يرى الباغى مؤاخذا بذلك فانما يجب على الامام اسيفاء ذلك منهم عند انكشار شوكتهم وتفرق منعتهم ووقوع الامن له من اثارة فتنهم ولم يكن شيئ من هذه المعانى حاصلا بل كانت الشوكة لهم بالقوة بادية والمنعة قائمة وعزائم القوم على الخروج على من طالبهم بدمه دائمة وعند تحقق هذه الاسباب يقتضى التدبير الصائب الاغماض عما فعلوا او الاعراض عنهم فهذا توجيه لعلى رضى الله عنه ذكره النسق فى الاعتماد لكن قال ابن الهمام فى المسايرة والاول يعى الذى ذكره المصنف اوجه لذهاب كثير من العلماء الى ان قتله عثمان لم يكونو بغاه بل هم ظلمة وعتاه لعدم الاعتداد بشبهتهم ولانهم اصروا على الباطل بعد كشف الشبه فليس كل من انتحل شبهه صار مجتهدا اذا لشبهه تعرض للقاصر عن درجة الاجتهاد*استطرد*اختلف اهل السنة فى تسمية من خالف عليا باغيا فمنهم من منع ذلك فلا يجوز اطلاق اسم الباغى على معاوية ويقول ليس من اسماء من اخطأ فى اجتهاده ومنهم من يطلق ذلك متشبثا بقوله عليه السلام لعمار تقتلك الفئة الباغية وبقول على رضى الله عنه اخواننا بغوا علينا*تفريغ* اتفق اهل السنة على ان معاوية ايام الخلافة على رضى الله عنهما من الملوك لا من الخلفاء واختلف مشايخنا فى امامته بعد وفاه على رضى الله عنهما فقيل صارما انعقدت له البيعة وقيل لما اخرج الترمزى من حديث سفينة رفعة الخلافة بعدى ثلاثون ثم تصير ملكا وعند احمد وابى يعلى وابن حبان بلفظ ثم ملك بعد ذلك وعند ابى داوود والنسائى بمعناه وفى بعض الروايات ثم تصبر ملكا عضوضا والعضوض الذى فيه عسف وظلم @ كان يعض على الرعايا وقد انقضت الثلاثون بوفاة على رضى الله عنه لانه توفى فى سابع عشر شهر رمضان سنة اربعين ووفاة النبى صلى الله عليه وسلم فى ثانى عشر شهر ربيع الاول احدى وعشرة فبينهما دون الثلاثين بنحو نصف سنة وتمت الثلاثين بمدة خلافة الحسن بن على رضى الله عنهما وينبغى ان يحمل قول من قال بامامته عند وفاة على مابعده بقليل عند تسليم الحسن الامر له ووجه قول المانعين لاماماته بعد تسليم الحسن له ان ذلك ما كان الا لضرورة لانه قصد قتاله وسفك الدماء ان لم يسلم له الحسن الامر ولم يكن راى الحسن القتال وسفك الدماء فترك الامر له صونا لدماء المسلمين فظهر مصداق قول رايت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر والحسن بن على الى جنبه وهو يقبل على الناس مرة وعليه اخرى ويقول ان ابنى هذا سيد ولعل الله ان يصلح بين فئتين عظيمتين من المسلمين * (خاتمة) * جامعة لمسائل هذا الاصل ختمت بها الفصل القول الروافض بوجود النص على وعلى الزيدين بوجود النص على العباس رضى الله عنهما باطل لانه لو كان ثابتا لا داعى لمنصوص عليه ذلك واحتج بالنص وخاصم من لم يقبل ذلك منه ولما لم يروعنه الاحتجاج عند تفويض الامر الى غيره علم انه لا نص على احد ولانهم لما ادعوا من النص صاروا طاغين على الصحابة على العموم حيث زعموا انهم اتفقوا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على مخالفة نصه واستمروا على ذلك وفوضوا الامر الى غير المنصوص عليه واعانوا المبطل وخذلوا الحق مع ان الله وصفهم بكونهم خير امة جعلهم امة وسطا ليكونوا شهداء على الناس وعلى على العباس رضى الله عنهما على الخصوص فانه اشتهر انهما بايعا ابا بكر رضى الله عنه جهر اولو كان الحق لهما ثابتا لكان ابو بكر عاصيا ظالما ومن زعم ان عليا رضى الله عنه مع قوة حاله وعمله وكماله وعز عشيرته وكثرة متابعيه ترك حقه واتبع ظالما عاصيا ونصر باغيا مطيعا فقد وصفه بالجبن والضعف وقلة التوكل على الله تعالى وعدم الثقة بوعد الرسول عليه السلام المفوض اليه الامر الناص عليه بذلك كيف وهو موصوف بالصلابة فى الدين والتعصب له موسوم بالشجاعة والبسالة ورباطة الحاش والشدة الشكيمة وقوة الصريمة مشهود له بالظفر فى معادن المصاولة واماكن المبارزة والمقاتلة على المشهورين من الفرسان والمعروفين من الشجعان وهو القائل فى كتابه الى عامله عثمان بن حنيف لو ارتدت العرب عن حقيقة احمد صلى الله عليه وسلم لخصت اليها حياض المنايا وضربتهم ضربا يقض الهام ويرض العظام حتى يحكم الله بينى وبينهم وهو خير الحاكمين فلو كان عرف من النبى صلى الله عليه وسلم فيه اوفى عمه العباس نصا وعرف انه لا يحق لغيرهما لما انقاذ لغيره بل اخترط سيفه وخاض المعركة وطلب حقه او حق عمه بالذل والهوان ولم ينقذ لاحد على غير الحق ولم يبايعه فى اموره ولم يخاطبه بخلافة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يساعد ايضا من تولى الامر بعده بتقليده ولم يزوجه ابنته وهو ظالم عليه لغضبه حقه وعاص الله تعالى بالاعراض عن نص رسول الله صلى الله عليه وسلم كما شهر سيفه وقت خلافته بل كان فى اول الامر احق واولى اذا كان عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرب وزمانه ادنى وقد روى ان العباس قال لعلى امد يديك حتى يقول الناس بايع عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يختلف عليك اثنان والزبير وابو سفيان لم يكونا راضيين بامامة ابى بكر والانصار كانوا كارهين خلافته حيث قالوا امنا امير ومنكم امير وحيث لم يجرد سيفه ولم يطلب حقه دل انه انما يفعل ذلك لانه لا فص له ولا لغيره ولكن الصحابة اجتمعت على خلافة ابى بكر اما استدلالا بالامر الصلاة فانه عليه السلام قال مروا ابا بكر فليه بالناس وهى من اعظم اركان الدين فاستدلوا بهذا على انه اولى بالخلافة منهم ولهذا قال عمر رضى الله عنه رضيك رسول الله صلى الله عليه وسلم لامر ديننا اولا نرضاك لدنيانا وامر الحج فانه صلى الله عليه وسلم امره بان يحج بالناس تسع حين اقامته بنفسه لشغل وبان اللطيف الخبير جل ثناؤه نظر لامة حبيبه ومتبعى صفيه صلى الله عليه وسلم فجمع اهواءهم @ المشتة واراءهم على خلافة قريشى شجاع موصوف بالعلم والديانة والصلابة ورباطة الجأش والعلم بتدابير الحروب والقيام بهيئة الجيوش وتنفيذ السرايا ومعرفة سياسة العامة وتسوية امور الرعبة بل هو اكثرهم فضلا واغرزهم علما واوفرهم عقلا واصوبهم تدبيرا واربطهم عند الملمات جاشا واشدهم على عدو الله انكارا وانكالا وايمنهم نقية واطهرهم سريرة واعودهم على افناء الخلق نفعا واطلقهم عن الفواحش نفسا واصوتهم عن القبائح عرضا واجودهم كفا واسمحهم ببذل ما احتوى من المال بدا واقلهم فى ذات الله مبالغة والاجماع حجة موجبة للعلم قطعا الدليل من الكتاب قوله تعالى قل للمخلقين من الاعراب ستدعون الى قوم اولى باس شديد امر الله نبيه ان يقول للذين تخلفوا من الاعراب عن الغزو معه ستدعون الى قوم اولى باس شديد واشار فى الاية الى ان الداعى مفترض الطاعة ينالون الثواب بطاعتهم اياه ويستحقون التعذيب بعصيانهم اياه فانه قال فان تطيعوا يؤتكم الله اجرا حسنا وان تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذابا اليما وهو امارة كون الداعى مفترض الطاعة ثم السلف اختلفوا فى المراد بقوله اولى باس شديد فقيل هم بنو حنيفة وقيل هم فارس فعلى الاول كان الداعى اليهم ابا بكر رضى الله عنه فثبتت بذلك خلافته فاذا ثبت خلافته ثبتت به خلافته وثبوت خلافته خلافة من استخلفه ابو بكر رضى الله عنه فكان فى الاية دلالة على خلافة الشيخين رضى الله عنهما فان قالوا جاز ان يكون الداعى محمدا صلى الله عليه وسلم او عليا او من بعد على قلنا لا يجوز الاول لقوله تعالى سيقول المخلفون اذا انطلقتكم الى مغانم لتاخذوها ذرونا نتبعكم يريدون ان يبدلوا كلام الله قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل قال الزجاج وجماعة المفسرين المراد بكلام الله هنا ما قال فى سورة برءاة قل لن تخرجوا معى ابدا ولن تقاتلوا معى عدوا وكذا الثانى لانه قال تعالى فى صفة هذه الدعوة تقاتلونهم او تخرجوا معى ابدا ولن تقاتلوا معى عدوا وكذا الثانى لانه قال تعالى فى صفة هذه الدعوة تقاتلونهم او يسلمون ولم يتفق لعلى رضى الله عنه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قتال بسبب طلب الاسلام بل كانت محارباته مع الناكثين والقاسطين والمارقين وكذا الثالث لان عند الخصم هم الكفرة فلا يليق بهم قوله تعالى فان تطيعوا يؤتكم الله اجرا حسنا واذا بطلت هذه الاقسام فلم يبق الا ان يكون المراد احد الائمة الثلاثة فتكون الاية دالة على صحة خلافة هؤلاء الثلاثة ومتى صحت خلافة احدهم صحت خلافة الكل كما هو تقريره فان قالوا الاجماع ليس بحجة قلنا على التسليم فان قول على رضى الله عنه وراءية حجة عنهدم وقد ثبت بالنقل المتواتر الذى ينسب جاحدة الى العناد بيعته له واعترافه بخلافته فيكون قوله حجة كافية لصحة خلافتة فان قالوا هذه الاية انما وليكم الله ورسوله الى اخرها نزلت فى على كما قاله اهل التفسير فصار المعنى انما المتصرف فيكم ايتها الامة الله ورسوله والمؤمنون الموصوفون بكذا وكذا والمتصرف فى كل امة وهو الامام وانما الحصر فتنحصر الامامة فى على وقال عليه السلام من كنت مولاه فعلى مولاه هو المتصرف ولا يجوز ان يراد به المعتق والحليف وابن العم كماهو ظاهر فيكون معنى الحديث من كنت متصرفا فيه كان على متصرفا فيه وليست الامامة الا ذلك وقال عليه السلام لعلى انت منى بمنزلة هرون من موسى وهرون كان خليفته فكذا على قلت لو كانت الاية منصرفة الى على لما خفى ذلك على الصحابة اولا وعلى على ثانيا ولما اجمعوا على خلافة غيره ولا بايع هو بنفسه غيره على انها وردت بلفظ الجمع فصرفها الى خاص عدول عن الحقيقة بلا دليل وعلى التسليم لا يلزم باطلاق اسم الولى ان يكون اماما واستخلاف موسى هرون عليهما السلام حين توجه الى الطور لا يستلزم كونه اولى بالخلافة بعده من كل معاصر به افتراضا ولا ندبابل كونه اهلا لها فى الجملة وبه نقول وبالله التوفيق (الاصل الثامن) ان فضل الصحابة رضى الله عنهم على حسب (ترتيبهم فى الخلافة) فافضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ابو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم على اذا المسلمون كانوا لا يقدمون @ احدا فى الامامة تشهيا منهم وانما يقدمونه لاعتقادهم بانه اصلح وافضل من غيره (اذ حقيقة الفضل ماهو فضل عند الله عز وجل وذلك لا يطلع عليه الا رسول الله صلى الله عليه وسلم) باطلاع الله سبحانه اياه (وقد ورد) عنه (فى الثناء على جميعهم اخبار) صحيحة يحتج بها (وانما يغهم ذلك) اى حقيقة تفضيله عليه السلام لبعض على بعض المشاهدون زمان (الوحى والتنزيل) واحوال النبى صلى الله عليه وسلم واحوالهم معه (بقرائن) اى بظهور قرائن (الاحوال) الدالة على التفضيل (و) ظهور (دقائق التفصيل) لهم دون من لم يشهد ولكن قد ثبت ذلك التفضيل لناصر يحا من بعض الاخبار ودلالة من بعضها كما فى الصحيحين من حديث عمرو بن العاص حين ساله عليه السلام فقال من احب الناس اليك قال عائشة فقلت من الرجال قال ابوها قلت ثم من قال عمر بن الخطاب فعد رجالا وتقديمه فى الصلاة كما ذكر نافع ان الاتفاق على ان السنة ان يقدم على القوم افضلهم علما وقراءة وخلقا وورعا فثبت بذلك انه افضل الصحابة وفى الصحيحين من حديث ابن عمر من نخير بين الناس فى زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم نخير ابا بكر ثم عمر ثم عثمان زاد الطبرانى فيبلغ ذلك النبى صلى الله عليه وسلم فلا ينكره وفيه ايضا من حديث محمد بن الحنفية قلت لابى اى الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا ينكره وفيه ايضا من حديث محمد بن الحنيفة قلت لابى اى الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ابو بكر فقلت ثم من قال عمر وخشيت ان يقول عثمان قلت ثم انت قال ما انا الا واحد من المسلمين فهذا على نفسه مصرح بان ابا بكر افضل الناس وافاد بعض الاول والثانى تفضيل ابى بكر وحده على الكل وفى الثالث والرابع ترتيب الثلاثة فى الفضل ولما اجمعوا على تقديم على رضى الله عنه بعدهم دل على انه كان افضل من بحضرته فثبت ان كان افضل الخلق بعد الثلاثة واليه اشار المصنف بقوله (فلولا فهمهم) اى الصحابة (ذلك لما رتبوا الامر كذلك) بالتفصيل السابق (اذ كانوا) رضى الله عنهم ممن (لا تاخذهم) دين (الله لومة لائم ولا يصرفهم عن الحق صارف) اى مانع لم عرف من صراتهم فى الدين وعدالتهم وثناء الله عليهم وتزكيتهم كما سبقت الاشارة اليه انفا* (تنبيه) * هذا الترتيب بين عثمان وعلى هو ما عليه اكثر اهل السنة خلافا لما روى عن بعض اهل الكوفة والبصرة من عكس القضية وروى عن ابى حنيفة وسفيان الثورى والصحيح ماعليه جمهور اهل السنة وهو الظاهر من قول ابى حنيفة على ما رتبه فى الفقه الاكبر وفق مراتب الخلاف وكذا قال القونوى فى شرح العقيدة ان ظاهر مذهب ابى حنيفة تقديم عثمان على على وهذا على عامة اهل السنة قال وكان سفيان الثورى يقول بتقديم على على عثمان ثم رجع على ما نقل عنه ابو سليمان الخطابى قلت وروى عن مالك التوقف حكى المازرى عن المدونة ان ماكا سئل اى الناس افضل بعد نبيهم فقال ابو بكر ثم قال او فى ذلك شك قيل له فعلى فعثمان قال ما ادركت احدا ممن اقتدى به يفضل احدهما على صاحبه وحكى عياض قولا ان مالكا رجع عن الوقف الى تفضيل عثمان قال القرطبى وهو الاصح ان شاء الله تعالى قال ابى شريف وقد مال الى التوقف ايضا امام الحرمين فقال الغالب على الظن ان ابا بكر افضل ثم عمر وتتعارض الظنون فى عثمان وعلى اه قال هو ميل منه الى ان الحكم فى التفضيل ظنى واليه ذهب القاضى ابو بكر لكنه خلاف ما مال اليه الاشعرى وخلاف ما يقتضيه قول مالك السابق او فى ذلك شك اه وقال ابو سليمان ان للمتاخرين فى هذا مذاهب منهم من قال بتقديم ابى بكر من جهة الصحبة وتقديم على من جهة القرابة وقال قوم لا نقدم بعضهم على بعض وكان بعض مشايخنا يقول ابو بكر خير وعلى افضل فباب الخيرية وهى الطاعة للحق والمنفعة للخلق متعد وباب الفضيلة لازم اه وفيه بحث لا يخفى وفى شرح العقائد على هذا الترتيب وجدنا السلف والظاهر ان لو لم يكن دليل هنالك لما حكموا بذلك وكان السلف كانوا متوقفين فى تفضيل عثمان على على حيث جعلوا من علامات السنة والجماعة تفضيل الشيخين ومحبة الحسنين والانصاف انه ان اريد بالافضلية كثرة الثواب @ فللتوقف جهة وان اريد كثرة مايعده ذوو العقول من الفضائل فلا انتهى قال ملا على ومراده بالافضلية افضلية عثمان على على بقرينه ما قبله من ذكر التوقف فيما بينهما لا لافضلية بين الارعة كما فهمه اكثر المحشين حيث قال بعضهم بعد قوله فلا لان فضائل كا واحد منهم كانت معلومة لاهل زمانه وقد نقل الينا سيرتهم وكمالاتهم فلم يبق للتوقف بعد ذلك وجه سوى المكابرة وتكذيب العقل فيما يحكم ببداهته وقال المنقول عن بعض المتاخرين ان لاجرم بالافضلية بهذا المعنى ايضا اذما من فضيلة لاحد الا ولغيره مشاركة فيها وبتقدير اختصاصها حقيقة فقد يوجد لغيره ايضا اختصاصه بغيرها على انه يمكن ان تكون فضيلة واحدة ارجح من فضائل كثيره اما لشرفها فى نفسها او لزيادة كميتها وقال محش اخرى اى فلا جهة للتوقف بل يجب ان يجزم بافضلية على اذ قدموا من حقه ما يدل على عموم مناقبه ووفور فضائلةواتصافه بالكمالات واختصاصه بالكرامات هذا هو المفهوم من سوق كلامه ولذا قيل فيه رائحة من الرفض لكنه فريه بلا مرية اذ لو كان هذا رفضا لم يوجد من اهل الزاوية والدراية منى اصلا فاياك والتعصب فى الدين اه ولا يخفى ان تقديم على على الشيحين مخالف لمذهب اهل السنة على ما عليه جميع السلف وانما ذهب بعض الخلف الى تفضيل على على عثمان ومنهم ابو الطفيل من الصحابة وفى كتاب القوت كان احمد بن حنبل قد اكثر عن عبد الله بن موسى الكاظم ثم بلغه عنه ادنى بدعه قيل انه كان يقدم عليا على عثمان فانصرف احمد ومزق جميع ما حمل عنه ولم يحدث منه شيئا * (فصل) * قال الشهاب السهر وردى فى رسالته المسماه اعلام الهدى وعقيدة ارباب التقى واما اصحابه عليه السلام فابو بكر رضى الله عنه وفضائله لا تنحصر وعمر وعثمان وعلى رضى الله عنهم ثم قال ومما ظفر به الشيطان من هذه الامة وخامر العقائد منه ودنس وصار فى الضمائر خبث ما ظهر من المشاجرة واورث ذلك احقادا وضغائن فى البواطن ثن استحكمت تلك الصفات وتوارثها للناس فتكثف وتجسدت وجذبت الى اهواء استحكمت اصولها وتشبعت فروعها فايها المبرا من الهوى والعصبية اعلم ان الصحابة مع نزاهة بواطنهم وطهارة قلوبهم كانوا بشرا وكانت لهم نفوس وللنفوس صفات تظهر فقد كانت نفوسهم تظهر بصفة وقلوبهم منكرة لذلك فيرجعون الى حكم قلوبهم وينكرون ماكان فى نفوسهم فانتقل اليسير من اثار نفوسهم الى ارباب نفوس عدموا القلوب فما ادركوا قضايا قلوبهم وصارت صفات نفوسهم مدركة عندهم للجنسية النفسية فبنوا تصرف النفوس على الظاهر المفهوم عندهم ووقعوا فى بدع وشبه اوردتهم كل مورد ردئ وجرعتهم كل شرب واستعجم عليهم صفاء قلوبهم ورجوع كل احد الى الانصاف واذعانه لما يجب من الاعتراف وكان عندهم اليسير من صفات نفوسهم لان نفوسهم كانت محفوظة بانوار القلوب فلما توارث ذلك ارباب النفوس المتسلطة الامارة بالسوء القاهرة للقلوب المحروسة انوارها احدث عندهم العداوة والبغضاء فان قلبت النصح فامسك عن التصرف فى امرهم واجعل محبتك للكل على السواء وامسك عن التفصيل وان خامر باطنك فضل احدهم على الاخر فاجعل ذلك من جملة اسرارك فما يلزمك اظهاره ولا يلزمك ان تحب احدهم اكثر من الاخر بل يلزمك محبة الجميع والاعتراف بفضل الجميع ويكفيك فى العقيدة السليمة ان تعتقد صحة خلافة ابى بكر وعمر وعثمان وعلى رضى الله عنهم اه قال ملا على ولايخفى ان هذا من الشيخ ارخاء العتان مع الخصم فى ميدان البيان فانه بين اعتقاده اولا ثم تنزل الى ما يجب فى الجملة اخرا ولان اعتقاد صحة خلافة الاربعة مما يوجب ترتيب فضلهم فى مقام العلم والسعة ثم الظاهر ان المحبة تتبع الفضيلة وقلة وكثرة وتسوية مانصه من اعترف بالخلافة والفضيلة للخلفاء وقال احب عليا اكثر لا يؤاخذ به ان شاء الله تعالى لقوله عليه السلام هذا قسمى فيما املك فلا تؤاخذنى فيما لا املك وقال شارح @ الطحاوية ترتيب الخلفاء الراشدين كترتيبهم الا ان ابى بكر وعمر مزية وهى ان النبى صلى الله عليه وسلم امرنا باتباع سنة الخلفاء الراشدين ولم يامرنا بالاقتداء بالافعال الا بابى بكر وعمر فقال اقتدوا باللذين من بعدى ابى بكر وعمر والفرق بين اتباع سنتهم والاقتداء بهم فحال ابى بكر وعمر فوق حال عثمان وعلى رضى الله عنهم اجمعين (الاصل التاسع ان شرائط الامامية) العظمى المعبر عنها بالخلافة بعد الاسلام لان الكافر لايصح تقليده لامور المسلمين (والتكليف) لان غير العاقل من الصبى والمعتوه عاجز عن القيام باموره فكيف يقوم بامر غيره وبعد الحرية لان العبد مشغول الاوقات بحقوق سيده فكيف يتفرغ بشان غيره وايضا محتقر فى اعين الناس ولا يتمثل امره وبعد سلامته من العمى والصم والبكم اذ مع وجود شئ منها لا يمكنه القيام بشان الامامة وكان المصنف لم يذكر هذه الشروط لشهرته لكونها منها (خمسة) الاول (الذكورية) كذا فى النسخ وفى بعضها الذكورة واشتراطها لان اماه المراة لا تصح اذ النساء ناقصات عقل ودين ممنوعات من الخروج الى مشاهد الحكم ومعارك الحرب (و) الثانى (الورع) اراد به العدالة وبها عبر الاكثر وهى المرتبة الاولى من مراتب الورع التى هى ترك ما يوجب اقتحامه وصف الفسق كما سياتى للمصنف فى كتابه هذا وخرج من العدالة الظلم والفسق فالظالم يختل به امر الدين والدنيا فكيف يصلح للولاية والفاسق لايصلح بامر الدين ولا يوثق باوامره ونواهيه وربما اتبع هواه فى حكمه فصرف اموال بيت المال بحسب اغراضه فيضيع الحقوق (و) الثالث (العلم) واراد به الاجتهاد فى الاصول الدينية والفروع ليتمكن بذلك من القيام بامر الدين بالحج وحل الشبه فى العقائد ويستقل بالفتوى فى النوازل واحكام الوقائع نصا واستنباطا مقاصد الامامه حفظ لعقائد وفصل الحكومات ورفع الخصومات وهذا الذى ذكرناه من تفسير العلم هنا هو مراد المصنف كما يدل عليه سياق عبارته فى الاقتصاد ايضا ومنهم من فسر العلم بعلم المقلد فى الفروع واصول الفقه وقال ان الاجتهاد على الوجه المذكور ليس شرطا فى الامامة لندرة وجوده وجوز الاكتفاء فيه بالاستعانة بالغير بان يفوض امر الاستفتاء للمجتهدين (و) الرابع (الكفاءة) وفى بعض النسج الكفاية وهى القدرة على القيام بامور الامامة ويحترز بها عن العجز وهى اعم من الشجاعة اذ الكفاءة تتناول كونه ذا راى بتدابير الحروب وترتيب الجيوش وحفظ الثغور وكونه ذا شجاعة وهى قوة قلب بها يقتص من الجناة ويقيم الحدود الشرعية ولا يجبن عن الحروب ومنهم من لم يشترط كونه ذا راى وذا شجاعة لندرة اجتماعهما فى شخص واحد وامكان تفويض مقتضياتها الى الشجعان واصحاب الاراء الصائبة وعند الحنفية العدالة ليست شرطا لصحة الولاية فيصبح تقليد الفاسق الامامة مع الكراهة واذا قلد عدلا ثم جار فى الحكم وفسق بذلك او بغيره لا ينعزل ولكن يستحق العزل ان لم يستلزم فتنة ويجب ان يدعى له ولا يجب الخروج عليه كذا عن ابى حنيفة رحمه الله تعالى (و) الخامس (نسبة قريش) اى كونه من اولاد قريش وهو لقب النضرين كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر والنضر وهو الجد الثالث عشر لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا ذكره ابن قدامه ولما وفد كنده على رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة عشر وفيهم الاشعث بن قيس للنبى صلى الله عليه وسلم انت منا فقال النبى صلى الله عليه وسلم لا ننفوا امنا ولا ننتفى من ابينا نحن بنو النضرين كنانة فكان الاشعث يقول لا اوتى باحد ينفى قريشا من النضر الاجلدته يشير الاشعث بقوله انت منا الى جدة كنده هى ام كلاب بن مرة والى هذا القول ذهب بعض الشافعية ويروى ايضا عن الاشعث بن قيس عن النبى صلى الله عليه وسلم قال لا اوتى برجل يقول ان كتابه ليست من قريش الا جلدته والصحيح عند ائمة النسب ان قريشا هو فهر بن مالك بن النضر وهو جماع قريش وهو الجد الحادى عشر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فكل من لم يلده فليس بقريشى @ وقد حكى بعضهم فى تسمية فهر قريش عشرين قولا اوردتها فى شرحى على القاموس فراجعه وذكر الحافظ ان حجر فتح البارى فى باب نزول النبى صلى الله عليه وسلم مكة عند قوله وذلك ان قريشا وكانه فيه اشعار بان فى منانة من ليس قرشيا اذا العطف يقتضى الغابرة فترجح القول بان قريشا من ولد فهر بن مالك على القول بانهم ولد كنانة نعم لم يعقب النضر غير مالك ولا مالك غير فهر فقريش ولد النضر ابن كنانة فاما كنانة فاعقب من غير النضر فلهذا وقعت المغايرة اه وهو جمع حسن وقوله لم يعقب النضر غير مالك صحيح فانه ليس له ولد باق ينسب اليه غير مالك واما يخلد بن النضير جد بدر بن الحرث ابن يخلد الذى يميت يدربه بدرا فانقرض ثم ان كثيرا من المعتزلة تقى هذا الاشتراط متمسكين بما رواه البخارى اسمع واطع وان عبدا حبشيا كان راسه زبيبة واجيب يحمله على من ينصبه الامام اميرا على سرية او غيرها لان الامام لايكون عبدا بالاجماع وقد اشار المصنف الى دليل اهل السنة فى هذا الشرط بقوله (لقوله صلى الله عليه وسلم الائمة من قريش) قال العراقى اخرجه النسائى من حديث انس والحاكم من حديث على وصححه اه قلت وكذا اخرجه البخارى فى التاريخ وابو يعلى كلهم من طريق بكير الجزرى عن انس واخرجه الطيالسى والبزار والبخارى فى التاريخ من طريق سعد بن ابراهيم عن انس وفيه زيادة ما اذا حكموا فعدلوا واخرجه احمد من حديث ابى هريرة وابى بكر الصديق رضى الله عنهم بهذا اللفظ من غير زيادة ورجالة رجال الصحيح لكن فى سنده انقطاع واخرجه الطبرانى والحاكم وعنده ايضا من رواية قتادة عن انس بلفظ ان الملك فى قريش الحديث واخرج يعقوب ابن سفيان وابو يعلى والطبرانى من طريق سكين بن عبد العزيز حدثنا سيار بن سلامة ابو المنهال قال دخلت مع ابى على ابى برزة الاسلمى فسمعته يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الامراء من قريش الحديث واخرج البخارى فى الصحيح من حديث ابن عمرو رفعه لا يزال هذا الامر فى قريش ما بقى منهم اثنان وعند مسلم ما بقى من الناس اثنان وفى رواية الاسماعيلى مابقى فى الناس اثنان واشار باصبعيه السبابة والوسطى واخرج البهيقى من حديث جبيرين مطعم رفعه قدموا قريشا ولا تقدموها وعند الطبرانى من حديث عبد الله بن حنطب ومن حديث عبد الله السائب مثله وفى نسخة ابى اليمانى عن شعيب عن ابى بكر بن سليمان بن ابى جثمة مرسلانه بلغه مثله واخرجه الشافعى من وجه اخر عن ابن شهاب انه بلغه مثله وفى الباب حديث ابى هريرة رفعه الناس تبع لقريش فى هذا الشان اخرجه البخارى من رواية المغيرة بن عبد الرحمن ومسلم من رواية سفيان بن عبية كلاهما عن الاعرج عن ابى هريرة واخرجه مسلم ايضا من رواية همام عن ابى هريرة ولاحمد من رواية ابى سلمة عن ابى هريرة مثله لكن قال فى هذا الامر قال الحافظ ابن حجر فى فتح البارى عند قوله ان هذا الامر فى قريش مانصه قال ابن المنير وجه الدلالة من الحديث ليس من جهة تخصيص قريش بالذكر فانه يكون مفهوم نعت ولا حجة فيه عند المحققين وانما الحجة وقوع المبتدا معرفا باللام الجنسية لان المبتدا بالحقيقة هنا هو الامر الواقع صفة لهذا وهذا لايوصف الا بالجنس فقتضاه حصر جنس الامر فى قريش فيصير كانه قال الا فى قريش وهو كقوله الشفعة فيمالم يقسم والحديث وان كان يلفظ الخبر فهو بمعنى الامر كانه قال ائتموا بقريش خاصة وبقية طرق الحديث تؤيد ذلك ويؤخذ منه ان الصحابة اتفقوا على افادة المفهوم للحصر خلافا لمن انكر ذلك والى هذا ذهب جمهور اهل العلم ان شرط الامام ان يكون قرشيا وقيد ذلك طوائف ببعض قريش نقلت طائفة لا يجوز الا من ولد وهذا قول الشيعة ثم اختلفوا اختلافا شديدا فى بعض تعيين ذرية على وقالت طائفة تختص بولد العباس وهو قول ابى مسلم الخراسانى واتباعه ونقل ابن حزم ان طائفة قالت لاتجوز الا فى ولد جعفر بن ابى طالب وقالت @ اخرى فى ولد عبد المطلب وعن بعضهم لا تجوز الا فى بنى امية وعن بعضهم الا فى ولد عمر قال ولا حجة لاحد من هؤلاء الفرق اه وقالت الخوارج وطائفة من المعتزلة يجوز ان يكون الامام غير قرشى انما يستحق الامامة من قام بالكتاب والسنة سواء كان عربيا او عجميا وبالغ ضرار بن عمرو فقال تولية غير القرشى اولى لانه يكون اقل عشيرة فاذا عصى كان امكن وقال القاضى ابو بكر الباقلانى لم يفرج المسلمون على هذا القول بعد ثبوت الحديث الائمة من قريش وعمل المسلمون به قرنا بعد قرن وانعقد الاجماع على اعتبار ذلك قبل ان يقع الاختلاف قال الحافظ قد عمل بقول ضرار من قبل ان يوجد من قام بالخلافة من الخوارج على بنى امية كقطرى ودامت فتنتهم حتى ابادهم المهلب اكثر من عشرين سنة وكذا تسمى بامير المؤمنين من غير الجوارح ممن قام على الحجاج كابن الاشعث ثم تسمى بالخلافة من قام فى قطر من الاقطار فى وقت ما وليس من قريش كبنى عباد وغيرهم بالاندلس وكعبد المؤمن وذريته ببلاد المغرب كلها وهؤلاء ضاهوا الخوارج فى هذا ولم يقولوا باقوالهم ولا تمذهبوا بارائهم بل كانوا من اهل السنة داعين اليها وقال عياض اشتراط كون الامام قريشا مذهب العلماء كافته وقد عدوها فى مسائل الاجماع ولم ينقل عن احد من السلف فيها خلاف وكذلك من بعدهم فى جميع الامصار قال ولا اعتداد بقول الخوارج ومن وافقهم من المعتزلة لما فيه من مخالفة المسلمين قال الحافظ ويحتاج فى نقل الاجماع الى تاويل ما جاء عن عمر فى ذلك فقد اخرج احمد عن عمر بسند رجاله ثقات انه قال ان ادركنى اجلى وابو عبيدة حتى استخلفته فذكر الحديث وفيه ان ادركنى اجلى وقدمات ابو عبيدة استخلفت معاذ بن جبل الحديث ومعاذ بن جبل الحديث ومعاذ انصارى لا نسبله فى قريش فيحتمل ان يقال لعل الاجماع انعقد بعد عمر على اشتراط ان يكون الخليفة قرشيا او تغيرا اجتهاد عمر فى ذلك والله اعلم اه واستدل بحديث ابن عمر على عدم وقوع ما فرضه الفقهاء من الشافعية وغيرهم انهم اذا لم يوجد قرشى يستخلف كنائى فان لم يوجد فمن بنى اسماعيل فان لم يوجد منهم احد مستجمع الشرائط فعجمى وفى وجه جرهمى والا فمن ولدا اسحق قالوا انما فرض الفقهاء على ذلك على عادتهم فى ذكر ما يمكن ان يقع عقلا وان كان لا يقع عادة او شرعا قال الحافظ والذى حمل قائل هذا القول عليه انه فهم منه الخبر المحض وخبر الصادق لا يتخلف واما من حمله على الامر فلا يحتاج الى هذا التاويل والله اعلم (واذا اجتمع عدد من الموصوفين بهذه الصفات) اى وجدت هذه الشروط فى جماعة بحيث يصلح كل منهم للامامة فالاولى بالامامة فان ولى المفضول مع وجود الافضل صحت امامته والمراد باجتماع العدة فى قول المصنف اجتماعهم فى الوجود لا فى عقد الولاية لكل منهم فيكون قوله (فالامام من انعقدت له البيعة من اكثر الخلق والمخالف للاكثر باغ يجب وده الى الانقياد الى الحق) جريا على ماهو العادة الغالبة فلا مفهوم له وبهذا يجمع بينه وبين الكلام غيره من اهل السنة مامقتضاه اعتبار السبق فقط فاذا بايع الاقل ذا اهلية اولا ثم بايع الاكثر غيره فالثانى يجب رده والامام هو الاول ولا يولى اكثر من واحد لما روى مسلم من حديث ابى سعيد اذا بويع لخليفتين فاقتلوا الاخر منهما والامر بقتله محمول على ما اذا لم يندفع الا بالقتل قتل والمعنى فى امتناع تعدد الامام انه مناف لمقصود الامامة من اتحاد كلمة الاسلام واندفاع الفن وان التعدد يقتضى لزوم امتثال احكام متضادة ويثبت عقد الامامة باحد اكرين اما باستخلاف الخليفة اياه واما ببيعه من تعثر بيعته من اهل الحل والعقد ولا يشترط بيعة جميعهم ولا عدد محدود وبل يكفى بيعة جماعة من العلماء او اهل الراى والتدبير وعند الاشعرى يكفى الواحد من العلماء المشهورين من اولى الراى فاذا بايع انعقدت بشرط كونه بمشهد مشهود لرفع انكار الانعقاد ان وقع من العاقد او من غيره وشرط المعتزلة خسة وذكر بعض الحنفية اشتراط جماعة دون عدد مخصوص والله اعلم (الاصل العاشر انه لو تعذر وجود الورع) اى العدالة (والعلم) اى @ الاجتهاد فى الاصول والفروع (فيمن يتصدى للامامة) بان يغلب عليها جاهل بالاحكام او فاسق (وكان فى صرفه) عنها (اثارة فتنة) وترتيب مفسده (لاتطاق) اى لايطاق دفعها (حكمنا) حينئذ (بانعقاد امامته) كما قدمنا فى الاصل الذى قبله (لانا) لانخلو (بين ان نحرك فتنة بالاستبدال) بغيره (فما يلقى فيه) اى فى هذا الاستبدال (من الضرر) والتعب (يزيد على ما يفوتهم من نقصان هذه الشروط) من العلم والعدالة (التى اثبتت لمزية) وفى بعض النسخ لمزيد (المصلحة) الشرعية (فلا يهدم اصل المصلحة شغفا بمزاياها) فيكون (كالذى يبنى قصرا) ويتقن فى بنائه (ويهدم مصرا) اى الاحكام الشرعية (وذلك محال) لانه يؤدى الى محال (ونحن نقضى) اى نحكم (بنفوذ قضاء اهل البغى) وفى المسايرةقضايا اهل البغى اى قضية قضائهم (فى بلادهم) التى غلبوا عليها (لميس حاجتهم) الى تنفيذها (فكيف لا نقضى بصحة الامامة) مع فقد الشروط (عند الحاجة والضرورة) اى الضرر القائم بتقدير عدم الامامة بان لا نحكم بالانعقاد فيبقى الناس فوضى لا امام لهم وتكون اقضيتهم فاسدة بناء على عدم صحة تولية القضاء واذا تغلب اخر فاقد الشروط على ذلك المتغلب اولا وقعد مكانه قهرا انعزل الاول وصار الثانى امام وفى شرح الحاجية اذا مات الامام وتصدى للامامة كامل الشروط من غير بيعة ولا استخلاف وقهر الناس بشوكة انعقدت له الامامة واما ان كان فاسقا او جاهلا وفعل ذلك فهل تنعقد دفعا لفساده لا انه يعصى بما فعل * (تنبيه) * تجب طاعة الامام عادلا كان او جائرا لقوله تعالى واولى الامر منكم مالم يخالف حكم الشرع لما اخرج مسلم من خرج من الطاعة وفارق الجماعة مات ميتة جاهلية وله ايضا من ولى عليه فراه ياتى شيئا من معصية الله تعالى فليكره ما ياتيه من معصية الله ولا ينزعن يدا من طاعته وللشيخين من كره من اميره شيئا فليصبر فانه من خرج من السلطات شبرا مات ميتة جاهلية واما اذا خالف احكام الشرع فلا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق كما فى البخارى والسنن الاربعة السمع والطاعة على المرء المسلم فيما احب وكره مالم يؤمر بمعصية فاذا امر بمعصية فلا سمع ولا طاعة * (خاتمة) لايجوز خلع الامام بلا سبب ولو خلعوه لامتنع تقدم غيره والسبب المتفق عليه الجنون المطبق والعمى والصم والخرس والمرض الذى ينسيه العلوم والردة وصيرورته اسيرا لا يرجى خلاصة وبالجملة كل ما يحصل معه فقد الامامة واما الفسق فقد اختلف فيه على قوانين فالذى عليه الجمهور انه لايعزل به لان ذلك قد تنشا عنه فتنة هى اعظم من فسقه وذهب الشافعى فى القديم الى انه ينعزل وعليه اقتصر الماوردى فى الاحكام السلطانية وقال امام الحرمين اذا جار فى وقت وظهر ظلمه وغشه ولم ينجز عن سوء صنعه بالقول فلا هل الحل والعقد والتواطؤ على رفعه وعزله ولو شهر السلاح ونصب الحروب واما ان عزل نفسه بنفسه فان كان للعجز عن القيام بالامر انعزل والافلا (فهذه الاركان الاربعة الحاوية) اى الجامعة (للاصول الاربعة) من ضرب اربعة فى عشرة (هى قواعد العقائد) الدينية ولذلك سمى المصنف كئابة الاربعين فى عقائد اهل الدين نظرا الى ذلك وكذلك الفخر الرازى له كتاب الاربعين وهذا غير اصطلاح المحدثين فانهم يريدون به اربعين حديثا كما هو ظاهر (فمن اعتقدها) اى عقد ضميره على فعلها وتلقيها بالقبول (كان موافقا لاهل السنة) والجماعة معدودا فى حزبهم (ومباينا) اى مفارقا (لرهط البدعة) والضلالة (والله تعالى يسددنا بتوفيقه ويهدينا) اى يرشدنا (الى) اتباع (الحق) الصريح الموافق للكتاب والسنة (وتحقيقه) بالدلائل الواضحة (بمنه ) وكرمه (وسعة جوده) وفضله (وصلى الله على سيدنا محمد) واله وصحبه (وعلى كل عبد مصطفى) لله من وراثى احواله وسلم تسليما كثيرا والحمد لله رب العالمين * (الفصل الرابع) * (من) كتاب (قواعد العقائد) وهو اخر فصول الكتاب وبه ختم (فى) بيان@ (الايمان والاسلام) بيان (مابينهما من الاتصال والانفصال) هل هماشئ واحد او يفترقان (و) بيان (ما يتطرق اليه) اى الى الايمان (من) وصفى (الزيادة والنقصان) وبيان اختلاف العلماء فيه (و) بيان (وجه استئناف السلف) الصالح (فيه) اى فى الايمان وهو قولهم انا مؤمن ان شاء الله وما فيه من الاختلاف (فى جوازة وعدم جوازه) كما سياتى (وفيه ثلاث مسائل) الاولى (مسئلة اختلفوا فى ان الاسلام) هل (هو الايمان) بعينه او هو غيره وعلى الاول فظاهر (و) على الثانى اى (ان كان غيره فهو) لا يخلوا ما انه (منفصل يوجد) ويتحقق (دونه او هو مرتبط به) ارتباطا بحيث (يلازمه) ولا ينفك عنه (فقيل انهما شئ واحد) فى المعنى والحكم يطلق احدهما على الاخر (وقيل انهما شيئان) مفترقان (لايتواصلان) بل مستقلان بذاتهما (وقيل انهما شيئان ولكن) مع افتراقهما (يرتبط احدهما بالاخر وقد اورد) الامام (ابو طالب) محمد بن على بن عطية الحارثى البصرى (المكى) فى كتابه قوت القلوب ولذه المحب وقد تقدمت ترجمته فى اول الكتاب (فى هذا) الباب (كلاما) الا انه (شديد الاضطراب) والتدافع (كثير التطويل) بايراد العبارات وما كان كذلك فهو قليل الجدوى (فلنهجم) من الهجوم وهو الدخول مرة واحدة بسرعة (على التصريح بالحق) الصريح (من غير تعريج) اى ميل (على نقل مالاتحصيل له) اى لازبدة له (فنقول فى هذا) الباب (ثلاث مباحث) الاول (بحث عم موجب اللفظين فى اللغة) بفتح الجيم من الموجب (و) الثانى (بحث من المراد بهما) فى اطلاق الشرع (و) الثالث (بحث عن حكميهمافى الدنيا والاخرة والبحث الاول) من ذلك لغوى لانه يبحث فيه عن جوهر لفظيهما (و) البحث (الثانى تفسيرى) لانه يبحث فيه عن اطلاقات القران (و) البحث الثالث فقهى شرعى لانه يبحث فيه عما يترتب على المتصف بهما ثوابا وعقابا البحث الاول فى موجب اللغة بفتح الجيم من اوجب عليه كذا فهو موجب والمعنى ما يوجبه اللغة ايجابا والموجب بالكسر هو الذى يجب صدور الفعل عنه بان كان علة تامة له من غير قصد وارادة وهذا هو الموجب بالذات ومثلوه بوجوب صدور الاحراق من النار ويراد بهذا المفهوم وهو مادل عليه اللفظ لافى محسل النطق (والحق فيه ان الايمان عبارة) والعبارة ما استفيد من لفظ او غيره مع بقاء رسم ذلك الغير عن التصديق هو ان تنسب باختيارك الصدق الى المخبر او المخبر عنه والصدق مطابقة القول الضمير والمعبر عنه معنى ثم استعماله فى التصديق ما اجازه لغوى او حقيقة لغوية اشار اليه السيد فى حاشية الكشاف (قال الله تعالى) فى قصة اخوة سيدنا يوسف عليه السلام (وما انت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين اى بمصدق) فهذا هو مفهوم الايمان لغة وهمزة امن للتعدية او الصبر ورة فعلى الاول كان المصدق جعل الغير امنا من تكذيبه وعلى الثانى كان المصدق صار ذا امن من ان يكون مكذوبا وباعتبار تضمنه معنى الايمان والقبول يعدى باللام ومنه فامن له لوط والحكم الواحد يقع تعليقه بمتعلقات متعددة باعتبارات مختلفة مثل امنت بالله اى بانه واحد متصف بكل كمال منزة عن كل وصف لا كمال فيه وامنت بالرسول اى بانه مبعوث من الله صادق فيما اخبريه وامنت بالملائكة اى بانهم عباد الله المكرمون وامنت بكتب الله اى بانها منزلة من عنده (والاسلام عبارة عن التسليم) هو ترك الاعتراض فيما لايلاثم (والاستسلام) هو الانقياد الظاهر فقط والدخول فى السلم (بالاذعان والانقياد) اى الانجذاب بالباطن (وترك التمرد) والعتو (والاباء) اى الكراهة والامتناع والعناد وهو المبالغة فى الاعراض ومخالفة الحق (والتصديق) المتقدم (محل خاص) يحل به وهو القلب الصنوبرى (و) اما اللسان فانما هو (ترجمانه) الذى يعبر عن ذلك المعنى القائم بالقلب (واما التسليم) المذكور (فانه عام فى القلب واللسان والجوارح فان كل تصديق بالقلب @ فهو تسليم وترك الاباء والجحود اى الانكار (وكذلك الاعتراف باللسان) اى الاقرار (وكذلك الطاعة والانقياد بالجوارح فموجب اللغة) بفتح الجيم (ان الاسلام اعم) من الايمان (و) ان الايمان اخص من الاسلام (وكان الايمان عبارة عن اشرف اجزاء الاسلام فاذا كل تصديق تسليم وليس كل تسليم تصديقا قال الامام السبكى اشتهر المغايرة بالعموم والخصوص المطلق فكل ايمان اسلام ولا ينعكس ثم اختاران الظاهر تساويهما او تلازمهما بمعنى ان الاسلام موضوع لانقياد الظاهر مشروطا فيه الايمان والايمان موضوع للتصديق الباطن مشروطا فيه القول عند الامكان فثبت تلازمهما وتغايرهما ولا يقال كل ايمان اسلام ولا كل اسلام ايمان ولا تنافى ان يكون المتباينان متلازمين لان معنى التباين ان لايصدقا على ذات واحدة وان تلازما فى الوجود هذا فى الاسلام المعتدية وقوله من قال كل ايمان اسلام ولا عكس اطلق الا سلام ولا ينعكس واما قول من قال كل مؤمن مسلم ولا ينعكس فان جعلت الايمان لا يحصل مسماه الا بشرط اللفظ فيصح وان جعلته يحصل مسماه لكن لا يعتديه شرعا الا بالتلفظ لا يصح اه* (البحث الثانى فى اطلاق الشرع) كيف هو كتابا او سنة (والحق فيه ان الشرع قد ورد باستعمالهما على) انحاء شتى منها على سبيل الترادف وهو الاتحاد فى المفهوم (وورد) ايضا (على سبيل التداخل) بان يتصور حصول المفهوم تارة فى هذا وتارة فى هذا وتارة فى هذا ثم شرع فى بيان ذلك فقال (اما الترادف ففى قوله تعالى) فى قصة لوط عليه السلام (فاخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين) والضميران عائدان الى القرية (ولم يكن بالاتفاق الا اهل بيت واحد) لوط وبناته وهو قول جماعة من المحدثين وجمهور المعتزلة والمتكلمين ووجه استدلالهم من الاية استثناء المسلمين من المؤمنين والاصل فى الاستثناء كون المستثنى من جنس المستنى منه فيكون الاسلام هو الايمان (وقال تعالى) فى مثله (وقال موسى ياقوم ان كنتم امنتم بالله فعليه توكلوا ان كنتم مسلمين) فعجز الاية يشهد على صدرها بانها شئ واحد ومما يستدل به على ترادفهما ايضا قوله تعالى ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه ووجه دلالة ان الايمان لو كان غير الاسلام لما كان مقبولا فتعين ان يكون عينه لان الايمان هو الدين والدين هو الاسلام لقوله تعالى ان الدين عند الله الاسلام فينتج ان الايمان هو الاسلام (و) من السنة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بنى الاسلام على خمس) شهادة ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله واقام الذكاة وايتاء الذكاة والحج وصوم رمضان قال العراقى اخرجاه من حديث ابن عمر اه قلت اخرجاه فى كتاب الايمان والبخارى وحده فى التفسير ايضا من طريق عكرمة بن خالد عن ابن عمر وفى القوت رواه جرير بن عبد الله عن سالم بن الجعد عن عطية مولى ابن عامر عن زميل بن بشير قال اتيت ابن عمر فجاة رجل فقال يا عبد الله يا مالك تحج وتعتمر وقد تركت الغزو فقال ويلك ان الايمان بنى على خمس تعبد الله وتقيم الصلاة وتؤتى الزكاة وتحج البيت وتصوم رمضان كذلك حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت وليس فيه ذكر الشهادتين فاما انه اختصار من الراوى او تركها كلها اعتمادا على الشهرة فتأمل (وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة عن الايمان فاجاب بهذه الخمس) المراد بالخمس المذكورة ماتقدم فى الحديث قبله الشهادتين والصلاة والزكاة والحج والصوم قال العراقى اخرجه احمد والبيهقى فى الاعتقاد من حديث ابن عباس فى قصة وفد عبد القيس تدرون ما الايمان شهادة ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله وان تقيموا الصلاة وتؤتوا الزكاة وتصوموا رمضان وتجمعوا البيت الحرام والحديث فى الصحيحين لكن ليس فيه ذكر الحج وزاد وان تؤدوا خمسا من الغنم اه قلت اخرجه البخارى فى عشرة مواضع من كتابه فى الايمان وفى خبر الواحد وفى كتاب العلم وفى الصلاة وفى الزكاة وفى @ الخمس وفى مناقب قريش وفى المغازى وفى الأدب وفى التوحيد وأخرجة مسلم في الإيمان وفى الاشربة وأبو داود والترمذي وقال حسن صحيح اى قال صحيح والنسائي في العلم وفى الإيمان وفى الصلاة وإنما لم يذكر الحج في هذه القصة اقتصار الغم على ما يمكنهم فعلة في الحال أو لكونه لم يكن لهم سبيل إليه من اجل كفار مضر أو لكونه على التراخي أو لكونه لم يفرض إلا في سنة تسع ووفادتهم في سنة ثمان قال عياض والأرجح انه فرض في سنة ست أو أخبرهم ببعض الأوامر أقوال على إن زيادة الحج موجودة في صحيح أبى عوانة وفى السنن الكبرى للبيهقى وفى كتاب القوت وعلى هذا اخبر رسول الله صلى الله علية وسلم عن الأيمان والإسلام بوصف واحد فقال في حديث ابن عمر بنى الإسلام على خمس الحديث وقال في حديث ابن عباس حين وفد عيد القيس لما سألوه عن الإيمان فذكر هذة الأوصاف فدل بذالك انه لا إيمان باطن إلا بإسلام ظاهر ولا إسلام علانية إلا بإيمان سريرة وان الإيمان والعمل قرينان إلى أخر ماقالة (واما) استعمالهما على سبيل (الاختلاف في قولة تعالى قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا) نزلت في نفر من بنى اسلم قدموا المدينة في سنة جدبة فأظهروا الشهادتين وكانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم أتيناك بالأثقال والعيال ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان يريدون الصدقة ويمنون فقال تعالى لرسوله صلى الله علية وسلم قل يا محمد لم تؤمنوا إذ الإيمان تصديق مع طمأنينة قلب ولكن قولوا أسلمنا (ومعناه استسلمنا في الظاهر) أي انقدنا ودخلنا في السلم وكان نظم الكلام أن يقولوا لا تقولوا آمنا وقولوا أسلمنا إذ لم تؤمنوا ولكن أسلمتم فعدل عنه إلى هذا النظم ليفيد تكذيب دعواهم (فأراد بالإيمان هنا تصديق القلب فقط) أي مع ثقة وطمأنينة (وبالإسلام والاستسلام) أي الانقياد (ظاهر باللسان والجوارح) قال الإمام أبو بكر بن الطيبفى هذة الآية رد على الكرامية ومن وافقهم من المرجئة في قولهم إن الإيمان إقرار باللسان فقط وقد بوب البخاري على حديث سعد الآتي فقال في عنوانه إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة وكان على الاستسلام او الخوف من القتل ثم أورد الآية المذكورة وأنكر أبو طالب المكي رحمة الله أن تكون هذة الآية من باب الاختلاف كما سياتى بيان ذالك (وفى حديث جبريل علية السلام لما سألة عن الإيمان فقال إن تؤمن بالله وملائكتة وكتبة ورسلة وبالبعث بعد الموت وبالحساب والقد خيرة وشره قال فما الإسلام فذكر الخمس خصال) هكذا هو نص القوت ووجد في بعض نسخ الأحياء زيادة واليوم الآخر بعد قولة ورسله (فعبر بالإسلام عن التسليم الظاهر بالقول والعمل) فدل على اختلافاهما في الحكم قال العراقي أخرجاه من حديث أبى هريرة دون ذكر الحج ومسلم من حديث عمر دون ذكر الحساب فرواه للبيهقى فى البعث أه قلت اخرجة البخاري في الإيمان وفى التفسير وفى الزكاة مختصرا ومسلم فى الإيمان وابن ماجة فى السنة بثمامه وفى الفتن ببعضة وأبو داود في السنه والنسائي في الإيمان وكذا الترمذي واحمد والبزار بإسناد حسن وأبو عوانة في صحيحة واخرجة مسلم أيضا عن عمر ابن الخطاب ولم يخرجة البخاري من طرية الاختلاف فية على بعض رواته أوضحت ذلك في كتاب الجواهر المنيفة فى بيان أصولة أدلة مذهب الإمام أبى حنيفة فراجعة إن شئت ثم أن البخاري أوردة في كتاب الإيمان من طريق أبى حيان التيمى عن أبى زرعة عن أبى هريرة بلفظ الإيمان أن تؤمن بالله وملائكتة وبلقائة وبرسلة وأن تؤمن بالبعث قال ما الإسلام قال الإسلام إن تعبد الله ولا تشرك به وتقيم الصلاة وتؤدى الزكاة المفروضة وتصوم رمضان الحديث وليس فية ذكر الحج أفاد هولا من الراوي بدليل مجيئة في رواية كهمس وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا وقيل لأنه لم يكن فرض وهو مدفوع كما تقدم ولم يذكر الصوم في رواية عطاء الخراساني واقتصر في حديث أبى عامر على الصلاة والزكاة ولم يزد في حديث ابن عباس على الشهادتين وزاد سليمان التيمى بعد ذكر الجميع الحج والاعتمار والاغتسال من الجنابة وإتمام الوضوء* (تنبية) * وجة الدلالة من الحديث التفريق بين الأمان والإسلام فجعل@ الإيمان عمل القلب والإسلام عمل الجوارح فالإيمان لغة التصديق مطلقا وفى الشرع التصديق والنطق معا فأحد هما ليس بإيمان فتفسيرة بالإيمان والحديث الإيمان بالتصديق والإسلام بالعمل يدل على اختلافاهما (وفى حديث سعد) بن أبى وقاص الزهري رضي الله عنة احد العشرة المبشرة المشهود لهم بالجنة وآخر من توفى منهم سنة سبع وخمسين (أنه صلى الله علية وسلم أعطى رجلا عطاء ولم يعط الآخر فقال له سعد يا رسول الله صلى الله علية وسلم) هكذا أوردته صاحب القوت وقال العراقى أخرجاة بنحوة أه قلت أخرجاه في الأيمان والزكاة من طريق شعيب عن الزهري عن عامر بن سعد عن ابية وأخرجة عبد الرحمن بن عمر 7 فى كتاب الإيمان من طريق يونس عن الزهرى ليس فية إعادة السؤال ولا الجواب عنه وأخرجة أحمد والحميدى فى مسنديهما عن عبد الرزاق عن معمر الزهرى وعند البخاري في متاب الزكاة من طريق صالح عن الزهري ولفظه في كتاب الإيمان ان رسول الله صلى الله علية وسلم وأعطى رهطا وسعد جالس فترك رجلا هو أعجبهم الى فقلت يارسول الله مالك عن فلان فو الله انى لأراه مؤمنا فقال أو مسلما فسكت قليلا ثم غلبني ما أعلم منه فعدت لمقالتى وعاد رسول الله صلى الله علية وسلم ثم قال ياسعدانى لأعطى الرجل وغيرة أحب الى منه خشية ان يكبه الله فى النار معنى الحديث ان النبي صلى الله علية وسلم اعطى بحضور سعد جماعة من المؤلفة شيأ من الدنيا لما سألوه يستألفهم لضعف ايمانهم فترك رجلا فى الجماعه هوا جعيل بن سراقة الضمرى المهاجرى أحد اصحاب الصفة قال سعد هو اصلحهم وأفضلهم فى اعتقادى فلم يعطة وقولة لأراه بفتح الهمزة أى أعلمة وفى راوية ابى ذر بضمها بمعنىظنة وبه جزم القرطبى فى المفهم وكذا رواه الاسماعيلى وغيره ولم يجوزة النووى فى شرحه على البخارى محتجا بقولة ثم غلبنى ما أعلم منه ولانه راجع مرارا فلو لم يكن جازما باعتقاده لما كرره وتعقب بأنه لا دلالة فيه على تعين الفتح لجواز اطلاق العلم على الظن الغالب كما قاله البيضاوي وقوله أول مسلما بسكون الواو فقط ومعناه النهى عن القطع بإيمان من لم يختبر حاله الخبرة الباطنة لان الباطن لا يطلع عليه الا الله تعالى فالاولى التعبير بالإسلام الظاهر أنما لم يقبل صلى الله علية وسلم قول سعد فى جعيل لانه لم يخرج مخرج الشهادة وانما هو مدح له وتوصل فى الطلب لاجله ولهذا ناقشة فى لفظه وقوله خشيه يكبه الله فى النار أى لكفره اما بارتداده ان لم يعط أو لكونه ينسب رسول الله صلى الله علية وسلم الى البخل وأما من قوى إيمانه فهو أحب إلى فأكله الى إيمانه ولا أخشى علية رجوعا عن دينة ولا أسوأ فى اعتقاده وأستدل به عياض على عدم ترادف الإيمان والإسلام وقد ظهر مما تقدم أن صاحب القوت أورد هذا الحديث رواية بالمعنى والمصنف تبعة فى سياقة (وروى ايضا انه) صلى الله علية وسلم (سئل أى الاعمال أفضل فقال صلى الله علية وسلم الاسلام فقال) أى السائل (أى الاسلام أفضل فقال صلى الله علية وسلم الايمان) هكذا أوردة صاحب القوت وقال العراقىخرجة أحمد والطبرانى من حديث عمرو بن عبسة بالشطر الاخير قال رجل يارسول الله أى الاسلام أفضل قال الإيمان الحديث وإسناده صحيح ولكنه منقطع أه ووجدت فى حاشية كتاب المغنى مانصة علقة البخاري ووصله الحاكم فى الاربعيين قلت والذى فى الصحيح من حديث عبد الله بن عمر سأل رجل رسول الله صلى الله علية وسلم أى العمل أفضل قال ايمان بالله ورسوله الحديث وأخرجة أيضا مسلم والنسائى والترمذى بالفاظ (وهذا دليل على الاختلاف وعلى التداخل) اما على الاختلاف فظاهر سياق كل ذلك واضح لمن تأمل وأبى فى كل ذلك الشيخ أبو طالب المكى الا أن يكون على التداخل ونحن ذاكرون كلامة على الاختصار وان كان فى سياق المصنف الآتى المام به قال@ الايمان والاسلام اسمان بمعنى واحد وقد جعل الله ضدهما واحدا وهو الكفرفلولا انهما كشئ واحد فى الحكم والمعنىما كان ضدهما واحدا ثم ساق آيات من القرآن تدل على ذلك منها قولة تعالى أيامر كم بالكفر بعد إذ انتم مسلمون ثم قال وعلى هذا اخبر صلى الله علية وسلم عنهما بوصف واحد فأورد حديث ابن عمر بنى الاسلام على خمس وحديث ابن عباس فى وفد عبد القيس ثم قال فدل على ان الايمان والعمل قرينان لا ينفع احدهما دون صاحبة ولا يصح احدهما الا بالاخر كما لا يصحان ولا يوجدان معا الا بنفى ضدهما ثم قال وقد اشترط الله عز وجل للايمان العمل الصالح ونفى النفع بالايمان الا بالعمل ووجوده واشترط الايمان الاسلام ثم اورد آيات من القرآن تدل على ذلك ثم قال فشرط الايمان والعمل والتقوى كما اشترط للاعمال الصالحة الايمان فكما أن اعمال العبد الصالحات لا تنفعة الا بايمان فكذللك لو امن بالايمان لله عز وجل لم ينفعة الا بالاعمال الصالحة فى وصية لقمان لابنه يابنى لا يصلح الزرع الا بالماء فكذلك لا يصلح الايمان الا بالعلم والعمل وأما تفرقة النبى صلى الله عليه وسلم فى حديث جبريل لما سألة عن الايمان والاسلام فأن ذلك تفضيل اعمال القلوب وعقودها على ما يوافق هذة المعانى التى وصفها أن تكون عقودا من تفضيل اعمال الجوارح وفيما يوجب الافعال الظاهرة التى وصفها أن تكون علانيته ان ذلك تفريق بين الاسلام والايمان فى المعنى باختلاف وتضاد ليس فيه دليل انهما مختلفان فى الحكم وقد يجتمعان فى عبد واحد مسلم مؤمن فيكون ماذكرناه من عقود القلب ووصف قلبة ماذكرة من العلانية وصف ظاهر حى الدليل على ذلك انه جعل وصف الاثنين معنى واحدا ثم قال والوجة الثانى من تأويل الخبران معنى قوله او مسلم يعنى به أو مستسلم فاذا جمع بين عقود القلب وبين أعمال الجوارح كان مسلما مؤمنا ومن لم يقل بهذا الذى ذكرنا فقد كفر أبا بكر رضى الله عنه وجهله فى قتال أهل الردة وادعى عليه انه قتل المؤمنين لان القوم جاؤا بعقود الايمان ولم يجحدوا أكثر الاعمال وانما أنكر والزكاة فاستحل قتلهم وواطأة الصحابة حتى استتاب من رجع منهم وأما حديث سعد الذى ظاهره ان النبى صلى الله علية وسلم فرق بين المسلم والمؤمن فانما فيه دليل على تقوية الايمان والاسلام فى التفاضل والمقامات اى ليس هو من خصوص المؤمنين ولا افاضلهم وكشف عن مقام حارثة عن حقيقة ايمانه وكان خاملا لا يؤبه به فقال كيف اصبحت ياحارثة فنطق بوجدة عن مشاهدتة فقال له عرفت فالزم فهذا دليل لنا فى مقام الايمان على مقام الاسلام وان المؤمنين متفاضلون فى الايمان وان تساوو وافى اعمال الجوارح من الاسلام وان الايمان لاحد له وان كانت صحته بحدود الاسلام فآثر رسول الله صلى الله علية وسلم الذى امن طوعا على الذى آمن كرها وكان صلى الله علية وسلم انما يعطى المؤلفة الرؤساء ومن لايؤمن عاديته وجمعه على المسلمين تحرضا للمشركين كما أكرم الرجل بعدما تكلم فية فقيل له فى ذلك فقال هذا أحمق مطاع فأما الاتباع والسفلة من المؤلفة فلم يكن يؤثرهم لالعطاء بل كان يؤثرهم بالعطاء بل كان يؤثر المؤمنين ويقدمهم على اراذل المؤلفة وضعائفهم وقلت هذا التوجية لا يكاد يصح لما قدمنا ان الرجل المبهم فى الحديث المذكور هو جعيل بن سراقة الضمرى من المهاجرين ومن اهل الصفة ولم يكن من اتباع المؤلفة ولو كان كما قال انه من ارذال المؤبفة لم يسع سعدا رضى الله عنه كثرة المراجعة والتكرار مع رسول الله صلى الله علية وسلم فى شأنه وقوله فيه هوا اعجبهم الى فتأمل ذلك ثم قال صاحب القوت فأن قيل قدورى فى آخر هذا الحديث فى بعض الروايات ما يرد على هذا التأويل فأن الرجل كان فاضلا لانه كان مستسلما وهو ان فى الحديث قال النبى صلى الله علية وسلم انى لا اعطى قوما وامنع اخريين كلهم الى ماجعل الله فى قلوبهم من الايمان قيل هذا الكلام مستأنف من رسول الله صلى الله علية وسلم افادة للقائل لانه بعث بجوامع الكلم وكان يسئل عن الشئ فيخبرة ويزيد علية البيان والهداية الذى اعطى فكانة أراد أن يخبر يتنويع العطاء وبضروب المعطين من الناس هذا للحاجه وهذا للفضل وهذا للتاليف لان الذى@ منعه كان افضل من الذي اعطاه اذلو كان الامر كما قال هذا القائل كان الاسلام افضل من الايمان ولكان المسلمون افضل من المؤمنين ولم يقل هذا احد من العلماء لان الايمان خاص فيه التفاوت والمقامات فهو مشتمل على الاسلام والاسلام داخل فيه والمؤمنون هم خصوص المسلمين ومنهم المقربون والصديقون والشهداء والاسلام عمل محدود يوصف به عموم المؤمنين ويدخل فيه صاحب الكبائر ولا يخرج منه من فارق الكفر ووقع عليه اسم الايمان فعلى اجاعهم ان الايمان على اسقاط فهم من وهم ان لرجل كان افضل قال الاسلام ثم ساق الحديث الذي اورده المصنف ثم قال فجعل الايمان مقاما في الاسلام ففي هذا الحديث ايضا تخصيص الايمان على الاسلام لا تفرقة بينهما بمعنى قوله في وصف الرجل او مسلم فدل على بطلان ماتأوله القائل لان هذه للفظة بالف الاستفهام والعرب لاتستعمل هذا في عرف الكلام الافي الوصف الى نقص والي الحال الادني فافهم ذلك قلت وهذا التوجية الذي ذكره بعيد ايضا والاستئناف الذي دعاه في كلام رسول الله صلي الله عليه وسلم لم يقل به احد من المحدثين وبقية الحديث الذي ذكرها اوردها بالمعنى لاباللفظ وقد تقدم لفظ الحديث من الصحيحين وقوله لان هذه اللفظة بالف الاستفهام غير صحيح نقد ضبط شراح الحديث انه بسكون الواووانه للاضراب كذا قاله الزركشي وان تعقبة الدماميني بان سيبويه يرى للاضراب شرطين تقدم نفي او نهي واعادة العامل نحوما قام زيد اومافام عمر وولايقم زيد الا يقم عمروو كلاهما منتف في الحديث فان بعض البصريين يرون الاضراب مطلقا ثم ان الاضراب مطلقا ثم ان الاضراب هنا ليس بمعنى كون انكار الرجل مؤمنا بل معناه انهي عن القطع بايمان من لم يختبر حاله الخبرة الباطنة كما قد مناه ومنهم من جعل اوهنا للشك والمعنى لاراه مؤمنا او مسلما ارشده بذلك الى حسن التعبير بعبارة سالمة عن الحرج اذلابت فيها بامر باطن لا يطلع عليه فتأمل تم قال صاحب القوت واماقوله تعالي قالت الاعراب امناالايه فان هذه ايضا من هذا النوع معناه قولوا استسلمنا حذر القتل وهؤلاء ضعفاء المؤلفة لان لم تعطنا كما تعطي المؤمنين فانا مؤمنون مثلهم فأخبر بذلك عنهم واكذبهم في دعواهم الايمان ففيه دليل ان النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يعطي هذا الضرب من المؤلفة وليس في الاية تفريق بين الاسلام والايمان بدليل قوله تعلى في الاية التي بعدها يمنون علكي ان اسلمو الايه فسمى اسلامهم ايمانا لانه بتقديم اخر الاسم على اوله وغاير بين اللفظين فلم يرد احداهما على الاخرى فيقول ان هذا كم لللاسلام لاتساع لسان العرب وليفيدنا فضل بيان وان الايمان والاسلام اسمان لمعنى فهو كقولة تعالى فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين الاية قلت وربما هذه الايه تضادها الايه الاخرى قل لم تؤمنوا ولكن قولو اسلمنا فانهما وكانا شيا واحد للزم اثبات شئ ونفيه في حالة واحدة وقد يجاب بان الاسلام المعتبر في الشرع لايوجد بدون الايمان وهوا في الاية بمعنى الانقياد الظاهر من غير انقياد الباطن ولنعد الي حل عبارة المصنف رحمه الله تعالي قال (وهو) أي ورودة على سبيل التداخل (اوفق الاستعمالات في اللغة) وفي بعض النسخ لاستعمالات اللغة وانما كان اوفق (لان الايمان عمل من الاعمال وهو افضلها) أي الاعمال (والاسلام هو تسليم اما بالقلب) وهوا لاعتقاد الجازم (واماباللسان) وهو الاقرار (واما بالجوارح) وهو العبادات (وافضلها) أي تلك الثلاثه (الذي بالقلب وهو التصديق الذى يسمى ايمانا) والي هذا اشار صاحب القوت فيما تقدم من تقريره (والاستعمال لهما) أي للاسلام والايمان (على سبيل الاختلاف وعلى سبيل التداخل وعلى سبيل الترادف كله غير خارج عن طريق التجور في اللغة) أي ان اللغة العربية لاتساعها تجوز اطلاق كل ماذكر في محالها (اما الاختلاف فهو ان تجعل الايمان عباره @ عن التصديق بالقللب فقط) اى قبول القلب واذعانه لما علم بالضروره انه من دين محمد صلى الله عليه وسلم من غير لفتقار الى نظر واستدلال وهو المختار عند جمهور الاشاعره وبه قال الامام ابو منصور الماتريدى (وهو موافق باللغه) الا انه فى اللغه عباره عن مطلق التصديق وكونه عباره عن تصديق بالقلب نقل عن مفهومه اللغوى (و) ان يجعل (الاسلام عباره عن التسليم ظاهرا) وهو الاستسلام والانقياد (وهو ايضا موافق اللغه فان التسليم ببعض محال التسليم ينطلق عليه اسم التسليم) ويتناوله (فليس من شرط حصول الاسم) من الاسماء (عموم المعنى) وشموله (لكل ممكن يمكن ان يوجد) ذلك (المعنى فيه فان من لمس غيره ببعض بدنه يسمى لامسا) لغه (وان لم يستغرق) باللمس (جميع بدنه فاطلاق اسم الاسلام على التسليم بالظاهر) فقط (عند عدم تسليم الباطن مطابق اللسان) ولو من وجه (وعلى هذا الوجه جرى قوله تعالى قالت الاعراب امنا) قل لم تؤمنوا ولكن قولوا اسلمنا فان الاسلام انقياد ودخول فى السلم واظهار للشهاده لابالحقيقه ومن ثم قال قل لم تؤمنوا فان كل مايكون من الاقرار من غير مواطأه القلب فهو اسلام (و) كذلك على هذا الوجه (قوله صلى الله عليه وسلم فى حديث سعد) بن ابى وقاص رضى الله عنه (او مسلم لانه فضل احدهما) الذى هو الايمان (على الاخر) اى الاسلام وتقدم ذلك فى سياق القوت (ويريد بالاختلاف) المذكور الذى ورد اللفظان على سبيله (تفاضل المسميين) احدهما على الاخروتفاوتهما فى الدرجات والمقامات (واما التداخل فوافق ايضا اللغه) فانه دخول احدهما فى ضمن الاخر (وهو ان تجعل الاسلام عباره عن التسليم بالقلب) اى الانقياد الباطنى (والقول والعمل جميعا) اى الانقياد الظاهرى (و) تجعل (الايمان عباره عن بعض مادخل فى الاسلام وهو التصديق بالقلب وهو الذى عنيناه) أى قصدنا (بالتداخل وهو موافق للغة فى خصوص الايمان) نظرا الى التصديق القلبى (وعموم الاسلام) نظرا الى شمولة (للكل) من اللسان والقلب والعمل (وعلى هذا خرج قوله) صلى الله علية وسلم (الايمان فى جواب قول السائل اى الاسلام أفضل لانه جعل الايمان خصوصا منالاسلام فادخله فيه) قال صاحب القوت وروى عن ابى جعفر محمد بن على بن الحسين ان الايمان مقصور فى الاسلام معناه هو فى باطنه قال وأدار دائرة فقال هذا الاسلام ثم أدار فى وسطة دائرة اخرى صغيرة فقالهذا للايمان فى الاسلام فماذا افعل وفعل خرج من الايمان وصار فى الاسلام يريدة خرج من حقيقة الايمان وكملة ولم يكن من الموصوفين الممدوحين بالخوف والورع من المؤمنين لانه خرج من الاسم والمعنى حتى لا يكون مؤمنا بالله عز وجل مصدقا برسله وكتبة ألاترى الدائرة الصغيرة غير خارجة عن الدائرة الكبيرة التى ادارها حولها فجعلها فيها لانها خالصها وقلبها ومخصوصة فيها ولو كان اراد به يخرج من الايمان لجعلهما دائرتين منفردتين ولم يجعل احداهما وسط الاخرى (وأما استعماله على) سبيل (الترادف بأن يجعل الاسلام عبارة عن التسليم بالقلب) هوا الانقياد الباطنى (والظاهر جميعا فان كل ذللك التسليم) اى بصدق عليه لغة (وكذا الايمان) يجعل عبارة كل منهما (ويكون التصرف بالايمان على الخصوص بتعميمه) اى جعلة عاما (وادخال الظاهر فى معناه وهو جائز) لغة (لان تسليم الظاهر) أى انقياده (بالقول والعمل) هو (ثمرة تصديق الباطن ونتيجته) التى تنشأ عنه (وقد يطلق اسم الشجر ويراد به الشجر معثمره) الذى هو خلاصته (على سبيل التسامح) والاتساع فيحتاج فى فهمة الى هذا التقدير (فيصير بهذا القدر من التعميم ماد فالاسم الاسلام ومطابقاله) جمعا بين المتوافقين وضديهما (فلا يزيد علية ولا ينقص وعلية خرج قولة تعالى فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين) وصح استثناء المسلمين من المؤمنين @ * (المبحث الثالث عن الحكم الشرعي) فى الاسلام والايمان قال (وللاسلام والايمان) نظرا الى الشرع (حكمان اخروى) اى يتعلق بالاخرة (ودنيوى) يتعلق بالدنيا (أما الاخروى فهو الاخراج من النار) بعد الدخول فيها (ومنع التخليد) أى البقاء ابدا فيها (اذ قال رسول الله صلى الله علية وسلم يخرج من النار من كان فى قلبة مثقال ذرة ايمان) قال العراقى اخرجاه من حديث ابو ذر الخدرى فى الشفاعة وفية اذهبوا فمن وجدتم فى قلبة مثقال ذرة أو خردلة من ايمان لفظ البخارى فيهما وله تعليقا من حديث انس يخرج من النار من قال لا اله الا الله وفى قلبة وزن ذرة من ايمان وهو عند هما متصل بلفظ خير مكان ايمان قلت اخرجه البخارى فى كتاب الايمان من طريق هشا الدستوائى عن قتادة عن انس بلفظ يخرج من النارمن قال لا اله الا الله وفى قلبة وزن شعيرة من خير ويخرج من النار من قال لا اله الا الله وفى قلبة وزن برة من خير ويخرج من النار من قال لا اله الا الله وفى قلبة وزن ذرة من خير ثم قال قال أبان حدثنا قتادة عن انس رفعة من ايمان مكان خير وهذا التعليق قد وصله الحاكم فى كتاب الاربعين له من طريق موسى ابن اسماعيل قال حدثنا ابان واخرجة البخارى أيضا فى التوحيد ومسلم فى الايمان والترمذى فى صفة جهنم وقال حسن صحيح (وقد اختلفوا فى ان هذا الحكم على ماذا يترتب وعبروا عنه بأن الايمان ماذا هو فمن قائل يقول انه) اى الايمان (مجرد العقد) أى مسمى الاديان هو مجرد ماعقد علية القلب من التصديق والقبول والاذعان لما علم بالضرورة انه من دين محمد صلى الله عليه وسلم بحيث تعلمة العامة من غير افتقار الى نظر واستدلال كالوحدانية والنبوة والبعث والجزاء ووجوب الصلاة زالزكاة وحرمة الخمر ونحوها ويكفى الاجمال فيما يلاحظ اجمالا كالايمان بالاملائكة والكتب والرسل ويشترط التفصيل فيما يلاحظ تفصيلا كجبريل وميكائيل وموسى وعيسى والتوارة والانجيل كما هو مختار الاشاعرة وبه قال الماتريدية كما تقدمت الاشارة الية (ومن قال انه عقد بالقلب وشهادة باللسان) والمراد بالشهادة الاقرار وهو منقول عن الامام ابى حنفية ومشهور عن اصحابة وعن بعض المحققيين من الاشعرة قالوا لما كان الايمان هوا التصديق والتصديق كما يكون بالقلب بمعنى اذعانه وقبولة لما انكشف له يكون باللسان بأن يقر بالوحدانية وحقيقة الرسالة وإذا كان مفهوم الايمان الا بهما الا عند العجز عن النطق باللسان فان الايمان يصدق بتصديق القلب فقط فى حقة فهو ركن لا يحتمل السقوط اصلا والاقرار قد يحتمل وذلك فى حق العاجز عن النطق والمكرهوقد علم من هذا ان الاقرار ركن وقيل هو شرط لاجراء احكام الاسلام وأختارة النسفى فى العمدة وقيل هومروى عن ابى حنيفة والية ذهب الماتريدى وهوأصح الروايتين عن الاشعرى قال وهذا لان ضد الايمان الكفر وهو التكذيب والجحود وهما يكونان بالقلب فكذا ما يضادهما اذ لا تضاد عند تقدير المحليين * (تنبيه) * والمراد من الاحكام فى قولهم اجراء الاحكام احكام الدنيا من الصلاة خلفة وعلية ودفنه فى مقابر المسلمين وعصمه الدم والمال ونكاح المسلمة ونحو ذلك وفى شرح القاصد ولا يخفى ان الاقرار لهذا الغرض اى لاجراء الاحكام لابد ان يكون على وحه الاعلان والاظهار للامام وغيره من اهل الاسلام بخلاف ما اذاذ كان لاتمام الايمان فانه يكفى مجرد التكلم وان لم يظهر على غيره اه * استطراد *تسمية بعض السلف لامامنا الاعظم ابى حنيفة رحمة الله مرجئا كصاحب القوت وغيره وتبعة القونوى من عامائنا انما هو لتأخيره أمر صاحب الذنب الكبير الى مشيئة الله تعالى والارجاء التاخير لا بالمعانى التى نسبت للمرجئة التى هى قبائح فى نفس الامر كما سيأتى بيانها وهذا لا يكون فادحا فى منصب امامنا وقد ثبت ثبوتا واضحا واشتهر انه من رؤوس اهل السنه وأول من رد على القدرية والمرجئة والطوائف الضالة يفهم ذلك من سبر كتب مذهبه ومن نسب اليه الارجاء فبالمعنى المتقدم وبه كان يقول شيخه حماد بن ابى سلمان @ وغيره من السلف ومن الغريب مانقلة القطب الشيخ عبد القادر الجيلانى قدس الله سره فى كتاب الغنية عند ذكر الفرق الغير الناجية حيث قال ومنهم القدرية وذكر اصنافا منهم ثم قال ومنهم الحنفية وهم اصحاب ابى حنيفة النعمان بن ثابت زعم ان الايمان هو المعرفة والاقرار بالله ورسولة وبما جاء من عنده جملة على ما ذكرة البرهوتى فى كتاب الشجرة اه قلت وهكذا نقل ابو الحسن الاشعرى فى مقالاته عنه وحكى عنان وجماعة من اصحاب ابى حنيفة عنه انه قال الايمان هو الاقرار والمعرفة بالله عز وجل والتسليم له والهيبة منه وترك الاستخفاف بحقة والذى ذكره الفارفى تلخيص الادلة انه هو التصديق بالقلب والاقرار باللسان هكذا قاله ابو حنيفة وفى لفظ معرفة بالقلب واقرار باللسان هكذا ذكره الحارثى فى الكشف ونقل الرواية الاولى كذلك قال وأراد بالمعرفة والتصديق واذا علمت ذلك فاعلم ان فى كلام صاحب الغنية نظرا من وجهين * الاول مخالفته لما نقل عنه اصحابة فى الايمان واملاه فى الفقه الا كبر وغيرة مما نسب اليه وحمل أصحاب أصحابهم الى ان وصل الينا بالنقل الصحيح المعتبر من طريق صحيح لا مطعن فى راوتها لجلالة قدرهمان يعزوالمشايخهم ماليس من معتقداتهم ونص مذهبه فى الايمان انه مجرد التصديق القلبى ددون الاقرار فانه شرط عندة لاقرار احكام الاسلام على ماتقدم عن النسقى او ركن على مانقله غيرة وقد صرح بذلك سائر كتب العقائد الموضوعة للخلاف بين أهل السنة والجماعة وبين المعتزلة وأهل البدعة وعلى التسليم أذا قلنا ان الايمان عنده هو المعرفة والارقار كما نقل عنه جماعة فان المعرفة عنده هو التصديق والاقرار لان التصديق الناشئ عن التقليد دون التحقيق مختلف فى قبولة بخلاف المعرفة الناشئة عن الدلالة مع الاقرار فانه ايمان بالاجماع وأما الاكتفاء بالمعرفة دون الاقرار والاقرار دون المعرفة فهو محل النزاع كما قاله بعض اهل الابتداع * والثانى عد المرجئة المذمومه من القدرية من اغرب ما سمع اين المرجئة من القدرية تللك طاشفة والئك اخرى فالمرجئة قالوا لا يضر مع الايمان ذنب كما لا ينفع مع الكفر طاعة فزعموا ان حدا من المسلمين لا يعاقب على شئ من الكبائر فأين هذه الارجاء من ذللك الارجاء ثم قول امامنا مطابق لنص القرآن ان الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر مادون ذللك لمن يشاء بخلاف المرجئة حيث لايجعلون الذنوب ماعدا الكفر تحت المشئة وبحلاف القدرية حيث يوجبون العقوبة على صاحب الكبيرة ومن المرجئة طائفية يقال لهم الجهمية ولهم ايضا فضائح ياتى بعضها فى هذا الكتاب مع الرد عليهم والظاهر ان هذة العبارة فى الغنية مدسوسة عليه كما جرى لغيرة من الائمة ودسوا فى كتبهم ما ليس من كلامهم ومثل القطب قدس الله سره يصون مقام الامام ابى حنيفة ويناضل عنه كيف والائمة الكبار من معاصريه كمالك وسفيان والشافعى وامامه أحمد والاوزاعى وابراهيم أبن أدهم قد اثنوا عليه وعلى معتقدة وفقهة وورعه وخوفه وتضلعه من علوم الشريعه واجتهادوعبادته واحتياطه فى امور الدين ماهو مسطور فى الكتب المطولة ومحاجته مع جهم بن صفوان فى ان الايمان هو التصديق بالقلب والارار باللسان وكان جهم يكتفى بالتصديق والزامه ايا مشهور فى الكتب وقد حكى الكعبى فى مقالاته ومحمد بن شبيب عن ابى حنيفة فى الايمان كلاما ماهو عنه برئ وكذ اجتماعه بعمر بن ابى عثمان الشمرى بمكه ومناظرته فى الايمان من أكاذيب المعتزله على ا بى حنيفة لانكاره عليهم فى أصول ديانتهم وجعلهم من أهل الاهواء حنقا علية وحسدا وهوقد برأه الله من كل ذلك فتأمل ولنعد الى شرح كلام المصنف قال (ومن قائل يزيد) على التصديق والاقرار أمرا ثالث وهو (العمل بالاركان) أى سائر الجوارح وهذا قول الخواج فمسمى الايمان عندهم تصديق القلب والاقرار باللسان والعمل بالجوارح فماهيته على هذا مركبة من ثلاثة فمن أجل بشئ منها فهو كافر ولذا قالوا مرتكب الذنب مطلقا كافر لانتفاء جزء الماهية والذنوب عندهم كبائر كلها وتعليلهم@ بانتفاء جزء الماهية مبنى على إن لا واسطة بين الإيمان والكفر إما على ما ذهب إليه المعتزلة من إثبات الواسطة فلا يلزم عندهم من انتفاء الإسلام ثبوت الكفر وان وافقوا الخوارج في اعتبار الأعمال فإنهم يخالفونهم من وجهين أحدهما إن المعتزلة يقسمون الذنوب إلى كبائر وصغائر وارتكاب الكبيرة عندهم فسق والفاسق عندهم ليس بمؤمن ولا كافر بل منزلة بين المنزلتين والثاني إن الطاعات عند الخوارج جزء كانت فرضا أو نفلا وعند المعتزلة الطاعات شرط لصحة الإيمان ثم اختلفوا فقال أبو الهزيل العلاف وعبد الجبار الشرط الطاعات فرضا كانت أو نفل وقال الجبائى وابنه وأكثر معتزلة البصرة الشرط هو الطاعات المفترضة من الأفعال والتروك دون النوافل * (تنبيه) * ذكر المصنف في مفهوم الإيمان ثلاثة أقوال الأول اللاشعرى والثاني للحنفية والثالث للخوراج وبقى علية قول من قال أن سماه التصديق باللسان فقط اى الإقرار بحقيقة ما جاء به الرسول بان يأتي بكلمتي الشهادة وهو قول الكرامية وسياتى للمصنف قريبا فليس عندهم من شرط كون الإيمان إيمانا وجود التصديق والمعرفة قالوا فان طابق تصديق القلب فهو مؤمن ناج وألا فهو مؤمن مخلد في النار فليس لهم كبير خلاف في المعنى وقيل الإيمان هو المعرفة فقط وهو قول الجهمية وقيل هو الإقرار بشرط التصديق والمعرفة هو قول عبد الله بن سعيد القطان من أئمة السنة ولم يعرج المصنف على هذه الأقوال وقال (ونحن نكشف الغطاء عنه ونقول من جمع بين هذه الثلاث) التصديق والإقرار والعمل (فلا خلاف في إن مستقرة في الجنة) باتفاق هؤلاء (وهذه درجة) من ست درجات (والدرجة الثانية إن يوجد اثنان وبعض الثالث) ثم بينه بقوله (وهو القول) أي الإقرار باللسان (والعقد) القلبى (وبعض الأعمال) القالبية (ولكن ارتكب صاحبه كبيرة أو بعض الكبائر) وقد أختلف في حد الكبيرة وأحسن ما قيل في حدها هي كل معصية تؤذن بقلة اكتراث مرتكبها بالدين ورقة الديانة أوكل ما توعد عليه بخصوص من الكتاب أو السنة وأما الكبائر فقد قال الشيخ أبو طالب المكي في القوت هيا أربع من أعمال القلوب الشرك والإصرار والقنوط والأمن وأربع في اللسان شهادة الزور وقذف المحصنات واليمين الغموس والسحر وثلاث في البطن شرب الخمر والمسكر من الاشربة وأكل مال اليتيم وأكل الربا وهو يعمله واثنان في الفرج الزنا واللواط واثنان في اليد القتل والسرقة وواحدة في الرجل فرار الواحد من الاثنين يوم الزحف وواحدة في الجسد وهيا عقوق الوالدين وسياتى لهذا البحث زيادة تحقيق موضعه من هذا الكتاب (فعند هذا قالت المعتزلة) جمهورهم (خرج بهذا) الارتكاب (عن) دائرة (الإيمان ولم يدخل) في دائرة (الكفر بل اسمه الفاسق) عندهم فارتكاب الكبيرة عندهم فسق (وهو على منزلة بين المنزلتين) ليس بمؤمن ولا كافر (وهو مخلد في النار) ووافقهم الخوارج في أن صاحب الكبيرة مخلد في النار (وهو باطل لما سنذكره) بعد والدرجة (الثالثة إن يوجد) اثنان (التصديق بالقلب والشهادة باللسان دون) الثالث أي (الأعمال بالجوارح وقد اختلفوا في حكمه) مما يتعلق بالآخرة (فقال) الشيخ (أبو طالب) محمد بن على بن عطية الحارثى (المكي) رحمة الله تعالى في كتابة قوت القلوب في الباب الثالث والثلاثين منه (العمل من الإيمان ولايتم دونه) وهذا يفهم من سياقة في عدة مواضع منها قولة وان الإيمان والعمل قرينان لا يصح احدهما إلا بالآخر كما لا يصحان ولا يوجدان معا إلا بنفي ضدهما وهو الكفر وقال في موضع آخر ... شرط الإيمان العمل والتقوى كما إن شرط الأعمال الصالحة الإيمان وقال أيضا في تفسير قوله تعالى يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم أراد سبحانه أن قول هؤلاء قول المؤمنين وان قولهم من أعمالهم@ لانهم منفردون بالقول دون العمل ثم قال بعد ذلك فاما ان يكون دليلا ان القول حسب هوا لايمان كله وان الايمان يكون قولا لايحتاج الي عمل فهذا باطل (وادعي الاجماع فيه) وذلك في قوله بعدان اورد اثر عن علي رضي الله عنه الايمان قول باللسان وعقد بالقلب وعمل بالاركان فادخل اعمال الجوارح في عقود الايمان وايضا فان الامة مجمعة ان العبد لوامن بجميع ماذكر في عقود القلب في حديث جبريل عليه السلام ثم لم يعمل بماذكرناه من وصف الاسلام باعمال الجوارح انه لايسمى مؤمنا وله ان عمل بجميع ماوصف به الاسلام ولا يعتقد ماوصف الايمان انه لايكون مسلماوقد اخبر نبي الله صلى الله عليه وسلم ان امته لاتجتمع على ضلالة فهذه العبارة تشعر بدعوى الاجماع (واستدل بأدلة تشعر بنقبض غرضة) الذي ساق الكلام لاجلة (كقوله تعالى الذين امنوا وعملو الصالحات) وكقوله تعالى الامن تاب وامن وعمل عملا صالحا فاولئك يبدل اله سياتهم حسنات وكقوله تعالى الا من امن وعمل صالحا وكقوله تعالى الذين امنو باياتنا وكانو مسلمين وكقوله تعالي الذين امنو وكانو يتقون (اذ هذا يدل على ان العمل وراء الايمان) أي غير ودونه (لامن نفس الايمان) أي من ماهيته (والا فيكون العمل من المعاد) أي المكرر وهذا نقيض مطلوبه الذي هوا ثبات كون العمل من الايمان وانه لايتم بدونه (والعجب) منه (انه ادعى الاجماع) أي اجماع الامه (في هذا وهو مع ذلك ينقل قوله صلى الله وعليه وسلم) ونصه ان الايمان والعمل قرينان لاينفع احدهما دون صاحبه ولا يصح احدهما الا بالاخر كما لايصحان ولا يوجدان معا الابن في ضدهما وهوا لكفر كما روي عن الرسول الله صلى الله عليه وسلم (لايكفر احد الا بجحوده بما اقر به) ونص القوت الا بجحود مااقر به وفي بعض نسخ الاحياء الا بعد جحوده لما اقربه قال العراقي اخرجه الطبراني في الاوسط من حديث ابي سعيد بلفظ لن يخرج احد من الايمان الا بححوده مادخل فيه واسناده ضعيف اه قلت وهكذا هو في الجامع الكبير للسيوطى والجحد والجحود يقال فيما ينكر باللسان لا بالقلب (وينكر على المعتزله قولهم بالتخليد في النار بسبب الكبائر) ونصه وجيمع ماشرحناه وذكرناه عن السلف الصالح يبطل قول المرجئة والكرامية والاباضية ويدحض دعواهم في ان الايمان قول او معرفة او عقد بلا عمل وهو رد على القائلين بالمنزلة بين المنزلتين الذين يقولون مؤمن وفاسق وكافر فلا يجعلون الفاسق مؤمنا وهو رد على الخشيبة والحزمية والقطعية والحرور به اصناف من الخوراج يقولون من اتي كبيرة خرج من الايمان وان اهل الكبائركفار يحل قتلهم وقد ابتلينا بطائفتين مبتدعتين متضادتين في المقالة المرجئة والمعتزلة قالت المرجئة ان املوحدين لايدخلون النار وان عملو الكبائر والفسوق لان ذلك لا ينقص ايمانهم وقالت المعتزلة الفاسق ليس بمؤمن وان مات على صغيرة من الصغائر من غير توبة دخل النار لا محالة ولم يخرج منها خالد مع الكفار ونقول ان الصواب في ذلك ان الفاسق مؤمن لا يخرجه من فسقه من الايمان وحكمه ولكن لا ندخله في المؤمنين حقاقي الصديقين والشهداء وان اهل الكبائر قد استوجبو الوعيد ودخول النار وجاز ان يعفو الله عنهم بكرمه ويسمح لهم بجوده الى اخر ماقاله ثم قالت المصنف (والقائل بهذا) أي بما تقدم (قائل بنفس مذهب المعتزلة) ووارد على معتقدهم (اذ يقال له من صدق بقلبه وشهد بلسانه ومات في الحال) من غير ان يأتي بعمل (فهل هو في الجنة) ام لا (فلا بد ان يقول) قائل هذا القول (نعم) هو في الجنة اذ وجد عنده مسمى الايمان (و) لايخفي ان (فيه حكما بودود الايمان دون) وجود (العمل فنزيد ونقول لو بقى حيا حتى دخل عليه وقت صلاة واحدة فتركها ثم مات اوزني ثم مات فهل يخلد في النار) الاولى الترك العمل والثانية لارتكاب الكبيرة (فان قال نعم) يخلد فيها (فهو مراد المعتزلة وان قال لا) يخلد فيها كما هو مذهب اهل السنة (فهو تصريح بان العمل ليس ركامن نفس الايمان) أي من ماهيته بحيث يتنفى بانتفائه (ولا شرطا في وجوده) أي الايمان كما قاله بعض @ المبتدعة (ولا في استحقاق الجنة به) كما قاله المرجئة (وان قال أردت به إن يعيش مدة طويلة ولا يصلي ولا يقدم على شئ من الأعمال الشرعية) والطاعات البدنية إذا يقال له (فاضبط تلك المدة) التي وصفتها بالطول (وما عدد تلك الطاعات التي بتركها يبطل الإيمان وما عدد الكبائر التي بارتكابها يبطل الإيمان وهذا لا يمكن التحكم بتقديره ولم يصر إليه صائر أصلا) أي لم يذهب إليه ذاهب مطلقا (الدرجة الرابعة) من الدرجات الست (أن يوجد التصديق بالقلب) وهو إذعانه لما كشف له (قبل إن ينطق باللسان) إقرارا وشهادة (أو يشتعل بالإعمال) الشرعية (ومات) وفي بعض النسخ فقبل أن ينطق باللسان أو يشتعل بالإعمال مات (فهل نقول) فيه انه (مات مؤمنا بينه وبين الله تعالى) بناء على إن التصديق القلبي كاف في مفهوم الإيمان (وهذا مما اختلف فيه ومن شرط القول) أي جعل الاقرارا شرطا (لتمام الإيمان) لالاجراء الأحكام (يقول هذا مات قبل الإيمان وهو فاسد) لا يلتفت إليه (إذ قال صلى الله عليه وسلم يخرج من النار من كان في قلبة مثقال ذرة من الإيمان) تقدم الكلام على هذا الحديث وقوله يخرج من الخروج وفي رواية الاصيلي وابي الوقت بضم الياء من الإخراج فقوله من كان في محل رفع على الوجهين فالرفع على الأول على الفاعلية وعلى الثاني على النيابة عن الفاعل ومن موصولة ولا حقها جملة صلتها والمراد بالإيمان التصديق بماجاء به الرسول صلى الله عليه وسلم (وهذا قلبة طافح) أي ملآن (بالإيمان فكيف يخلد) في النار وأيضا (لم يشترط في حديث جبريل عليه السلام) المتقدم ذكره الذي فيه السؤال عن الإيمان والإسلام والإحسان (للإيمان إلا التصديق) بان يؤمن (بالله تعلى وملائكته) وكتبه ورسله (واليوم الآخر) وبالبعث والحساب بالقدر خيره وشره (كما سبق) الكلام عليه (الدرجة الخامسة) من الدرجات الست (ان يصدق بالقلب) بجميع ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم (ويساعده من العمر مهلة النطق بكلمتي الشهادة) هما لااله إلا الله محمد رسول الله (وعلم وجوبهما أي الكلمتين (ولكنه لم ينطق بهما) بلسانه الاسرا ولا إعلانا (فيحتمل ان يجعل امتناعه عن النطق) بهما (كامتناعه عن الصلاة) بعد حلول وقتها وعمله بوجوبها (ونقول هو مؤمن غير مخلد في النار) وضلك لان (الايمان هو التصديق المحض) أي الخالص بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم (واللسان) إنما هو (ترجمان الإيمان) يترجم عنه (فلابد) على هذا (إن يكون الإيمان موجودا بتمامه قبل) شهادة اللسان (حتى يترجمه اللسان) فيما بعد (وهذا هو الأظهر) في المقام (أدلا مستند الأتباع موجب الألفاظ) بفتح الجيم (ووضع اللسان) العربي أي الذي يوجبه اصل الوضع العربي (إن الأيمان عبارة عن التصديق) وإنما ذكر قوله (بالقلب) لان محل التصديق القلب ولم يقيده أهل اللسان إلا انه معلوم لهم ذلك (وقد قال صلى الله عليه وسلم يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان) قد تقدم الكلام عليه (ولا ينعدم الإيمان من القلب بالسكوت عن النطق الواجب) بعد علمه بوجود به كمالا ينعدم بالسكوت عن الفعل الواجب وهو العمل وبين السكون والسكوت جناس * (تنبيه) * قد استنبط من سياق المصنف المتقدم ذكره في الدرجة الرابعة والتي تليها ثبوت إيمان فرعون وهي مئلة شديدة الاختلاف والتصادم وان قال بإيمانه الشيخ محي الدين بن العربي في مواضع من فتوحاته فصوصه لاستريب مطالعهما انه كلامه وانه غير مدسوس عليه وانما ذكرت ذلك لانه قد سبق لي في شرح كتاب العلم من هذا الكتاب حمل فرعون على فرعون النفس وهوا الذي حكم عليه بإسلامه نظر الظاهر كلام الشيخ كريم الدين الحلوتي احد أولياء مصر ومعاصره الشيخ عبد الوهاب الشعراني رحمهما الله تعالي فانهما أنكر أن يكون القول بإيمان فرعون موجودا في كتب الشيخ محي الدين@ فأحتاجا الى التأويل المذكوران صح وأنت خبير بأن كلام الشيخ فى فتوحاته وفصوصة اذا جمع يجئ أكثر من عشرة اوراق ومثل هذا لا يحتمل الدس وقد الف الناس فى هذه المسئلة قديما وحديثا وهم فى طرق نقيض بل قال الامام ابو بكر الباقلائى ان قبول ايمانه هو الاقوى من حيث الاستدلال وقال الشيخ ابن حجر المكى فى التحفة ان لا قطع على عدمة بل ظاهر الاية وجوده ثم قال وبما تقرر علم خطا من كفر القائلين باسلام فرعون لاننا وان اعتقدنا بطلان هذا القول لكنه غير ضرور وان فرض انه مجمع عليه اه وقال القائلون به انه مذهب أهل الحق ولا يلزم من الايمانوالنطق بالشهادتين عدم دخول النار ولا عدم التعذيب بها انما اللزم عدم الخلود فى النار فكل من آمن بقلبة ونطق بلسانه لا يخلد فى النار وأن دخلها بالكبائر او بحقوق العباد ولا يلزم من دخول النار والتعذيب بها عدم الخروج منها بل يخرج من النار كل مؤمن وكل موحد ولهم فى ذلك كلام كثير وممن شنع على الشيخ محى الدين بذلك ابن المقرى صاحب الارشاد والحافظ ابن حجر وتلميذه البقاعى ومن المتاخرين ملاعلى القارى من الحنيفة وممن ذهب الى تأييد كلامة شراح الفصوص الجندى والكازرونى والقيصرى والجامى وعلى المهايمى والجلال الدوانى وعبد الله الرومى وللكازرونى كتاب بالفارسية سماه الجانب الغربى قدرد عن الشيخ ما اعترض به على كلامة منها هذه المسئلة وقد نقلة الى العربية عالم المدينة السيد محمد بن رسول البرزنجى رحمة الله تعالى وسماه الجاذب الغيبى وكان ممن يصرح بايمانه ولقد حكى لى بعض من اثق به من السادةان الامام العلامة الشيخ حسن بن أحمد باغتر الحضرمى حين وفد الى المدينة على ساكنها افضل الصلاة والسلام فاوض مع المذكور فى هذه المسئلة وان عدم ايمانه مما اجع علية وطال بينهما الكلام الىن انفصلا من غير مرام فلما اصبح لقية فأول ما فاتحة به الى ان قال السلام عليك يا اخا فرعون فتنغص السيد جدا وانحرف على مزاجة على المذكور وعرف منه ذللك وشكاه عند بعض الناس فلاموه فأعتذر لهم انى ما قلت شططا هو يقول بإيمان فرعون ويثبته والمؤمنون أخوه فلم يتاذمن اخوة فرعون وهو مؤمن عنده فأنقطعوا (وقال قائلوا القول) أى النطق اللسانى بالشهادتين (ركن) من الايمان (اذ ليس كلمتا الشهادة أخبار عن القلب) أى عما فى القلب (بل هو انشاء عقد وابتداء شهادة والتزام والاول أظهر) اى كونه اخبارا عن القلب باعتبار ان اللسان ترجمانه وممن ذهب الى هذا القول الكرامية ومن وافقهم جعلوا القول ركنا فى مفهوم الايمان فلا يثبت الايمان الا به (قود غلا فى ذللك) اى فيمن صدق بالقلب وامتنع عن النطق مع علمه بوجوبه مساعدة الوقت له (طائفة المرجئة) من طوائف المبتدعة الذين من فضائحهم قولهم انه لا يضر مع الايمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة (فقالوا هذا لا يدخل النار اصلا وقال ان المؤمن وان عصى فلا يدخل النار) لما تقدم من زعمهم ان المعصية لا تضر مع الايمان وهنا قد وجد الايمان غير انه عصى بامتناعة عن النطق (وسنبطل ذللك عليهم) قريبا (الدرجة السادسة ان يقول بلسانه) كلمتى الشهادة (لا اله الا الله محمد رسول الله) صلى الله عليه وسلم (ولكن لم يصدق) بما جاء به الرسول (بقلبه) اى لم يستقر ذللك التصديق بقلبة (فلا نشك فى ان هذا فى حكم الاخرة من الكفار وانه مخلد فى النار) لانه قد عدم مسمى الايمان الذى هوا التصديق (ولانشك فى انه) اى المذكور (فى حكم الدنيا التى تتعلق بالائمة) والخلفاء والملوك (والولاه) للامر من طرف لائمة يعد (من) جملة (المسلمين) لانه ليس لهم الا الظواهر والتصديق محله القلب (لان قلبة) الذى هو محل التصديق (لا يطلع علية) لانه امر غيب عنا وما كلفنا باطلاعة وانما الحكم عليه بالامارات (وعلينا أن نظن به) احسانا (انه ما قاله) اى القول المذكور من اذاء الشهادتين (بلسانه الا وهو منطو عليه فى قلبة) وهذا ظاهر (وانما نشك فى أمر ثالث وهو الحكم الدنيوى فيما بينه وبين الله تعالى وذللك بان يموت له فى الحال) الذى هو فيه (قريب نسلم) ممن يرثة (ثم يصدق 9 اى ياتى بالتصديق (بعد ذللك بقلبه ثم يستفتى) أهل العلم @ فى حادثته (ويقول كنت غير مصدق بالقلب حلة الموت) اى موت ذللك القريب الذى ورثته وانما كنت مسلما بللسان فقط (والميراث الآن فى يدى فهل يحل لى) اخذة والتصرف فيه (بينى وبين الله) أم (اوتكح مسلمه) وهو يتستر بالاسلام (ثم يصدق) أى يحل التديق فى قلبه (هل تلزمه اعادة النكاح) أم لا (هذا محل النظر) ومثار التأمل (فيحتمل أن يقال) فى الجواب (احكام الدنيا منوطه) اى معلقه (بالقول الظاهر) الذى هو النطق بالشهادتين وعلية يترتب الحكم (ظاهرا او باطنا) فعلى هذا له اخذ الميراث وابقاء المسلمة على النكاح الاول وبالنظر الى الدنيا وبالنظر الى الاخرة (ويحتمل ان يقال) انما (يناط بالظاهر) اذا افتى (فى حق غيره لان باطنه غير ظاهر لغيرة) محجوب عنه (و) ان (باطنه ظاهر له فى نفسة) يدرك ما انطوت علية (بينه وبين الله تعالى والاظهر) فى المقام وان كان الاول ظاهرا كذلك (والعلم عند الله تعالى) اتى بهذة الجمله تبر كاوتبريا من علمه الى علم الله تعالى أى علمه محيط بكل شئ وهذا نظير ما يقول المفتى فى آخر جوابه والله أعلم فيكل علمه الى علم الله تعالى ويتبرأ من أن يقول فى دين الله ما ليس مطابقا لما هو فى نفس الامر (انه لا يحل له) أخذ (ذلك الميراث) لانه لم ياخد بحق القرابه فى الحقيقة ولا توارث مع اختلاف الملل (ويلزمه اعادة النكاح) وتجديدها هذا ما اقتضاه التقوى والاول ما اجازه الفتوى (ولذللك كان حذيفة) بن اليمان العبسى حليف بنى عبد الاشهل (رضى الله عنه) من خيار الصحابة وزهادهم ولاه عمر المدائن وله فتوحات مات سنة ست وثلاثين بعد مقتل عثمان باربعين يوما (لايحضر) الصلاة على (جنازة من مات من المنافقين) وكان قد اعطى علمهم من رسول الله صلى الله علية وسلم خاصة (وعمر) بن الخطاب (رضى الله عنه) مع جلالة قدرة (كان يراعى ذللك فلا يحضر) جنازة (من مات من المدينة اذ لم يحضر حذيفة رضى الله عنه) خشية ان يكون منافقا (والصلاة) على الجنازة (فعل ظاهر فى الدنيا وان كان من العبادات والتوقى عن الحرام) والشبهات (أيضا من جملة ما يجب لله من كالصلاة) أى حكمة كحكمها فان قيل الاسلام هوا الانقياد الظاهر كما سبق والرجل المذكور قد ثبت له ذلك فيجوز الميراث نظرا الى الظاهر وليس هو من أحكام الايمان فيكون مناقضا لقول الفقهاء الارث فى حكم الاسلام والجواب وماأشار اليه المصنف بقولة (وليس هذا) الذى أوردناه (مناقضا) ومخالفا (لقولنا) معاشر الفقهاء (ان الارث حكم الاسلام وهو) اى الاسلام (استسلام) وانقياد للظاهر (بل الاستسلام التام) المعتبر عندهم (مايشمل الظاهر و) يعم (الباطن) فهذة الملاحظه اذا خالف الباطن الظاهر وعمل بهذة المخالفة تشبئا بالظاهر ويكون مؤاخذا عند الله تعالى (وهذة مباحث فقهية ظنية) وليس فى كلها ما يجب القطع به لانها (تبنى على ظواهر الالفاظ) وماتوجبه بحسب الوضع اللغوى (و) على العمومات الوارده فى الصيغ من الاشتراك فى الصفات (و) على (الاقيسه) بأنواعها والقياس عند اهل الاصول الحاق معلوم بمعلوم فى حمه لمساواة الاول بالثانى فى علة حكمة (فلا ينبغى ان يظن القاصد والقاصر جناس (ان المطلوب فيه القطع) والجزم على اليقين (منن حيث جرت العادة 9 واطردت (بايراده فى فن الكلام الذى يطلب فيه القطع) لان الكلام فيه عن مسائل اعتقادية وهى لا تثبت الا بالدلاثل القطعية (فما افلح من نظرات الى العادات) المالوفه (والمراسم) الظاهريه (فى العلوم) وهنا مسائل مهمه ينبغى التنبيه عليها منها اتفق القائلون بعدم اعتبار الاقرار على انه يلزم المصدق أن يعتقد انه متى طولب به أتى به فان طولب به ولم يقرفهو كفر عنا وبهذا فسروا ترك العناد وقالوا هو شرط ومنها على القول بأن مسمى الايمان التصديق بالقلب كما هو قول الاشعرى والماتريدى أو بالقلب واللسان كما هو مذهب الحنيفة فقد ضم اليه فى تحقيق الايمان أمور الاخلال بها اخلال بالايمان اتفاقا كترك كل من سجود الصنم وقتل نبى أو استخفاف به وبالمصحف والكعبة وكذا مخالفة كل ما اجمع عليه من امور الدين وانكارة بعد العلم بانه مجمع عليه وعلى قيد الامام @ النووى انكار المجمع عليه بما اذا كان فيه نص ويشترك فى معرفته الخاص والعام لا كانكار ان لبنت الابن السدس مع بنت الصلب حيث لا عاصب فانه مجمع علية وفيه نص ولكنه مما يخفى عن العوام كذا نقله ابن حجر فى التحفة وقال ابن الهمام ظاهر كلام الحنيفة الاكفار بجحدة فانهم لم يشتطروا فيه سوى القطع فى الثبوت ويجب حمله على ما اذا علم المنكر بثبوته قطعا لان مناط التفكير عند ذللك يكون اما اذا لم يعلم فلا الا ان يذكر له اهل العلم ذللك فيلج ويتمادى اه ومما لا يعرفه الا الخواص من المجمع علية حرمة نكاح المعتدة للغير وما لمثبته أو منكره تاويل غير قطعى البطلان أو بعد عن العلامه بحيث يخفى علية ذلك قال الاسفراينى فاذا وجد شئ من الاخلالات السابق ذكرها لنا على ان التصديق الذى هو الايمان مفقود من قلبة لاستحالة أن يقضى السمع بكفر من معه الايمان لانه جمع لللضدين قال ابن الهمام ولا يخفى أن بعض هذة الامور التى تعمدها كفر قد توجد وصاحبها مصدق بالقلب وانما يصدر عنه لغلبة الهوى فتعريف الايمان بتصديق القلب فقط غير مانع لصدق التعريف مع انتفاء الايمان وبالله التوفيق ومنها المقطوع به فى تحقيق معنى الايمان أمور الاول انه وضع الهى من عقائد وأعمال أمر الله به عباده اعتقادا وعملا ورتب على فعله لازما لا يتخلف عنه وهو ماشاء من خير بلا انقضاء وهو سعادة الابد وعلى تركه ضده وهو شقاوة الابد وهذا الضد لازم الكفر شرعا والامر الثانى ان التصديق بما اخبر به النبى صلى الله علية وسلم من الوحدانية وغيرها اذا كان على السبيل القطع فهو بعض من مفهومه * والامر الثالث انه قد اعتبر فى ترتيب لازم الفعل وجود امور عدمها مترتب ضده كتعظيم الله تعالى وأنبيائة وكتبه وبيته وكالانقياد الى قبول أوامر ونواهيه الذى هو معنى الاسلام وقد اتفق الاشاعرة والحنيفية على تلازم الايمان والاسلام بمعنى انه لا ايمان يعتبر بدون اسلام ولا اسلام يعتبر بدون ايمان فلا ينفك احدهما عن الاخر فيمكن اعتبار هذه الامور فى التصديق والاقرار وعدم الاخلال بما ذكر اجزاء لمفهوم الايمان فيكون انتفاء ذللك اللازم الذى هو ماشاء تعالى من خير بلا انقضاء عند انتفائها لانتفاء الايمان بانتفاء اجزائة وان وجد جزؤه الذى هو التصديق وغاية مافيه انه نقل عن مفهومه اللغوى الذى هو مجرد التصديق الى مجموع امور اعتبرت جملتها ووضع بإيزائها لفظ الايمان والتصديق جزء منها قال ابن الهمام ولا بأس بهذا القول وان كان المختار خلافة فانا قاطعون بانه لم يبق على حاله الاول وقد اعتبر الايمان شرعا تصديقا خاصا وهو ما يكون بأمور خاصة واعتبر فيه ايضا شرعا ان يكون بالغا حد العلم والا فالجزم الذى لا يجوز معة ثبوت النقيض سواء كان الموجب من حس او عقل أو عادة وهو العلم أولا الموجب كاعتقاد المقلد وهو فى اللغة أعم من ذلك ويمكن اعتبار هذه الامور المذكورة شروطا لا عتبارة شرعا فينتفى ايضا لا نتفائها مع وجود التصديق بمحلية القلب واللسان اذا لشرط يلزم من عدمه عدم المشروط ولا يمكن اعتبارها شرعا شروطا لثبوت اللازم الشرعى فقط دون ملزومه وهو الايمان فينتفى عند انتفائها مع قيام ملزوم وهو الايمان لان الفرض ان عند انتفائها يثبت ضد لازم الايمان وهو لازم الكفر فيثبت ملزومه وهو الكفر بالله والتوفيق ومنهاان الاستدلال الذى به يكتسب التصديق القلبى ليس شرطا لصحة الايمان على المختار حتى صحعوا ايمان المقلد ومنعه المعتزلة ونقل عن ابى الحسن الاشعرى وقال ابو القاسم القسيرى وهو افتراء عليه وقل أن يرى مقلد فى الايمان بالله تعالى اذ كلام العوام فى الاسواق محشو بالاستدلال بالحوادث على وجدوده وصفاته والتقلدي مثلا أن يسمع الناس يقولون ان للخلق باخلقهم وخلق كل شئ ويستحق العباده عليهم وحدة لا شريك له فيجزم بذلك لجزمه بصحة ادراك هؤلاء تحسيانا لظنه بهم وتعظيما لشأنهم عن الخطأ فاذا حصل عن ذلك جزم ولا يجوز معه كون الواقع النقيض فقد قام بالواجب ومقتضى هذا التعليل أن لا يكون عاصيا بعد الاستدلال لان وجوبه انما كان ليحصل ذللك الجزم فاذا حصل سقط وجوبه الذى هو وسيلة اذ @ لا معنى لاستحصال المقصود بالوسيله بعد حصولة دونها غيران بعضهم ذكر الاجماع على عصيانه بترك الاستدلال فان صح بسبب فان التقليد عرضة لعروض التردد بعروض شبهه له بخلاف الاستدلال المحصل للجزم فان فيه حفظه ومما يدل ايضا على قيام المقلد بالواجب من الايمان ان الصحابة رضى الله عنهم كانوا يقبلون ايمان عوام الا مصار التى فتحوها من العجم تحت السيف ولات حال استدلال أو لموافقة بعضهم بعضا بأن يسلم زعيم منهم مثلا فيوافقة غيره وتجويز حملهم اياهم لعى الاستدلال بعيد فى بعض الاحوال التى اذا نقلت يكاد يجزم العقل بعدم الاستدلال معها وبالله التوفيق ومنها اختلفوا فى التصديق القائم بالقلب الذى هوا جزء مفهوم الايمان على قول او تمامه على قول اخر هو من باب العلوم والمعارف أو من باب الكلام النفسى فقيل بالاول هو مدفوع أولا بالقطع بكفر كثير من اهل الكتاب مع علمهم بحقيقة رسالته صلى الله عليه وسلم وما جاء به كما اخبر عنهم سبحانه بقوله الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون ابناءهم وان فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون وثانيا الايمان مكلف به والتكليف انما يقع بالافعال الاختيارية والعلم بما يثبت بلا اختيار كمن وقعت مشاهدته على من ادعى النبوه وأظهر المعجزة بأن يشاهد كلا من الدعوى وظهور المعجزه فلزم نفسة عند ذللك العلم بصدقة وقال اما الحرمين فى الارشاد التصديق على التحقيق كلام النفس ولكن لا يثبت الا مع العلم وكلام النفس يثبت على حسب الاعتقاد واليه ذهب جماعة ونقل صاحب الغنية عن الاشعرى فى معناه فقال مرة هو المعرفة بوجوده والاهينه وقدمه وقال مرة هو قول فى النفس غير انه يتقدم المعرفة ولا يصح دونها وارتضاه الباقلانى فان تصديق والتكذيب والصدق والكذب بالاقوال أجدر نه بالمعارف والعلوم اه قال ابن الهمام وظاهر عبارة الاشعرى فى هذا السياق ان التصديق كلام النفس مشروط بالمعرفة يلزم من عدمها عدمه ويحتمل ان الايمان هو المجموع من المعرفة والكلام النفسى فيكون كل منهما ركنا من الايمان فلا ينافى تحقيق الايمان على كلا الاحتمالين من المعرفة اعنى اداراك مطابقة دعوى النبى للواقع ومن امر آخر هو الاستسلام الباطن والانقياد لقبول الأوامر والنواهى المستلزم للاجلال وعدم الاستخفاف وهذا الاستسلام الباطن لما تقدم من ثبوت مجرد تللك المعرفة مع قيام الكفر وبلا كسب واختيار فيه وبلا قصد اليه ومع كونه يثبت بلا كسب واختيار فيه وبلا قصد اليه يتعلق ظاهر التكليف به نحو قوله تعالى فأعلم انه لا اله الا الله والمراد اكتسبه بفعل أسبابه من القصد الى النظر فى الآثار على الوجه المؤدى الى المقصود حتى لو وقع العلم لانسان دفعيا من غير ترتيب مقدمات احتاج الى تحصيله مره اخرى كسبا قال السعد فى شرح المقاصد اعلم ان حصول هذا التصديق قد يكون بالكسب اى مباشرة الاسباب بالاختيار كالقاء الذهن وصرف النظر وتوجيه الحواس وما أشبه ذلك وقد يكون بدونه كمن وقع عليه الضوء فعلم ان الشمس طالعة والمأمور به يجب ان يكون من القسم الاول ثم قال لا يفهم من نسبة الصدق الى المتكلم بالقلب سوى اذعانه وقبوله وادراكه لهذا المعنى اعنى كون المتكلم صادقا من غير ان يتصور هناك فعل وتاثير من القلب ويقطع بأن هذا كيفيه للنفس قد يحصل بالكسب والختيار ومباشرة الاسباب وقد يحصل بدونها فغاية الامر أن يشترط فيما يعتبر فى الايمان أن يكون تحصيله الاختيار على ماهو قاعدة المأمور به اه وظاهره عدم الاكتفاء بحصوله دون كسب قال ابن الهمام وفيه نظر بل اذا حصل كذلك دفعيا كفى ضم ذلك الامر الاخر من الانقياد الباطن اليه وذللك التكليف الكائن لتعاطى اسباب العلم انما هو امن لم يحصل له العلم فاذا حصل هو سقط ماوجوبه لاجله وبالله التوفيق ومنها ان الا ظهران ان التصديق قول للنفس غير المعرفة لان المفهوم من التصديق لغة هو نسبة الصدق الى القائل وهو فعل والمعرفة ليست فعلا انما هي من قبيل الكيف المقابل @ لمقولة الفعل فلزم خروج كل من الانقياد الذى هو الاستسلام ومن المعرفة عن مفهوم التصديق لغة مع ثبوت اعتبارهما شرعا فى الايمان وثبوت اعتبارهما له بهذا الوحه على انهما جزآن لمفهومه شرعا أو شرطان لاعتباره لاجراء أحكامه شرعا والثانى هو الاوحه اذ فى الاول يلزم نقل الايمان من المعنى اللغوى الى معنى آخر شرعى وهو بلا دليل يقتضى وقوعة منتف لانه خلاف الاصل فلا يصار اليه الا بدليل ولا دليل بل قد كثر فى الكتاب والسنه طلبه من العرب وأجاب من أجاب اليه دون استفسار عن معناه وان وقع استفسار من بعضهم فانما هو عن متعلق الايان وعدم تحقق الايمان بدون المعرفة والاستسلام لا يستلزم جزئيهما لمفهومه شرعا لجواز ان يكونا شرطين للايمان شرعا وحقيقته التصديق بالامور الخاصة بالمعنى اللغوى واذا تقرر ذللك ظهر ثبوت التصديق لغة بدونهما مع الكفر الذى هو ضد الايمان والله اعلم ثم عاد المصنف الى ما سبق الوعد به آنفا من رد شبه المعتزله والجهمية وقال (فان قلت فما شبهه المعتزله والمرجئة) والفرقتان من فحول المتكلمين ومالم يعرف اصل ماتعلقوا به من الكتاب والسنه لم يرف وجه الرد عليهم وتميز الباطل من الحق ولذا قال (وماحجة بطلان قولهم) فبينوا لنا ذللك فأشار الى الجواب بقوله (فأقول شبهتهم) وأصل الشبهه مشابهه الحق للباطل والباطل للحق من وجه اذا حقق النظر فيه ذهب اى فالذى تمسكوا به (عمومات) وردت فى اى من (القرآن أما المرجئة) فانهم (قالوا لا يدخل المؤمن النار وان أتى بكل المعاصى) بناء على ان المعصية لا تضر الايمان كما ان الكفر لا تنفع معه طاعة وجعلوه أصلا من أصولهم ثم بنوا عليه قواعدهم نظرا (لقولة عز وجل) فى سصورة الجن (فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا) أى نقصا على طريق الظلم (ولا رهقا) اى عسرة وكلفة (ولقوله عز وجل والذين آمنوا بالله ورسله اولئك هم الصديقون) أى المواددون لله بحسن اخلاصهم ووجه الدلاله قصر من اتصف بالايمان على الصديقين (ولقوله تعالى كلما القى فيها فوج) أى جماعة (سألهم خزنتها) جمع خازن والمردا الملائكة الموكلون بها (الى قوله فكذبنا) وهو قوله تعالى الم يأتكم نذير قالوا بلى قد جائنا نذير فكذبنا (وقولنا مانزل الله من شئ) إن انتم الا فى ضلال كبير قال القاضى وفى قوله الم ياتكم نذير توبيخ وتبكيت وقوله فكذبنا أى كذبنا الرسل وأفرطنا فى التكذيب حتى منعن االنبوة والارسال رأسا وبالغا فى نسبتهم الى الضلال (و) وجه الدلاله ان (قوله كلما القى عام) مستغرق لجميع من القى (فينبغى ان يكون كل من القى فى النار مكذبا) كما هو ظاهر (ولقولة) تعالى (لايصلاها) أى لا يجد حرها اولا يلزمها مقياسا شدتها (الا الاشقى) الكافر فان الفاسق وان دخلها لم يلزمها ولذلك كان أشقى وصفة بقولة (الذى كذب وتولى وهذا) فيه (حصر) اى الذى كذب الرسل بما جاؤا به من عند الله تعالى وأعرض عنهم وهو الذى يصلاها لاغير (واثبات ونفى) ولو قال ونفى واثبات لصح ايضا (ولقوله تعالى من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون) أى من خوف يوم القيامه قالوا (والايمان رأس الحسنات ولقوله تعالى) والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس (والله يحب المحسنين وقال) الله (تعالى انا لا نضيع أجر من احسن عملا) فهذه سبع آيات تمسك بعموماتها المرجئة (ولا حجة لهم فى ذللك) كله (فانه حيث ذكر الايمان فى هذه الايات) وهى الآيهالاولى والتى بعدها جاء فىهما ذكر الايمان تصريحا وأما فى الاخيرة واللتان قبلها فتلو يحا فانما (أريد به الايمان مع العمل) بالاركان وهو شرط كماله (اذ) قد (بينا) آنفا (ان الايمان قد يطلق ويراد به الاسلام وهو) الاستسلام الباطن الذى هو عبارة عن (الموافقة بالقلب) تصديقا (والقول) نطقا (والعمل) أذار (ودليل هذا التأويل) الذى صرنا اليه من أن المارد بالايمان هو الاسلام الباطن (أخبار كثيرة) صح ورودها (فى معاقبة العاصين) والمذنبين (و) أخبار أخرى فى (مقادير العقاب) مما يتلى فى كتب أهل السنه متونا وشروحا (و) من أدلة ذلك أيضا (قوله صلى الله عليه وسلم يخرج من النار @ من كان فى قلبه مثقال ذرة من الايمان) وقد تقدم الكلام عليه مرارا (فكيف يخرج اذا لم يدخل) أى كيف يتصور الخروج من شئ الا بعد الدخولفيه او الاخراج الا بعد الادخال على اختلاف الروايتين (و) دليله من القرآن (قوله تعالى ان الله لا يغفر أن يشرك به) اى يكفر به ولو بتكذيب نبية لان من جحد نبوة الرسول عليه السلام مثلا فهو كافر ولو لم يجعل مع الله الها اخرا والمغفره منتفية عنه بلا خلاف (ويغفر مادون ذلك لمن يشاء) فصير ما دون الشرك تحت امكان المغفرة فمن مات على التوحيد غير مخلد فى النار وان ارتكب من الكبائر غير الشرك ماعساه ان برتكب (والاستثناءبالمشيئة يدل على الانقسام) الى كبيرة وصغيرة ففيه تجويز العقاب على الصغيرة سواء اجتنب مرتكبها الكبيرة أم لا لقوله تعالى لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا احصاها والاحصاء انما يكون للسؤال والجزاء (و) مثله فى تجويز العقاب على الصغيرة (قوله تعالى ومن بعض الله ورسوله فان له نار جهنم خالدين فيها أبدا وتخصيصه بالكفر تحكم) بلا دليل (و) مثله (قوله تعالى الا ان الظالمين فى عذاب مقيم وقال تعالى ومن جاء بالسيئة فكبت فى وجوههم فى النار) والمراد بالسيئة فى مقابلة الحسنة أعم من أن تكون صغيرة أو كبيرة (فهذة العمومات) الواردة فى الآية السابقة (فى معارضة) أى مقابلة (عموماتهم) التى تمسكوا بها (ولابد من تسليط التخصيص) فى تلك العمومات فانه مامن عام الا وقد خص (و) لا بد من التأويل على الجانبين لان الاخبار) الصحيحه (مصرحه بأن العصاة يعذبون) على قدر ذنوبهم منها ما اخرجة البخارى فى الصحيح من حديث أنس رفعه ليصيبن أقواما سفع بذنوبهم أصوابوها ويأتى للمصنف ذكر عدة أحاديث فى تعذيب العصاة فى آخر الكتاب عند ذكر الموت نتكلم عليها ان شاء الله تعالى (بل قوله تعالى وان منكم الا واردها) كان على ربك حتما مقضيا (كالتصريح فى ان ذللك) أى الورود (لابد منه للكل اذ لا يحلو مؤمن عن ذنب يرتكبه) وقد تقدم أن ورود الصراط هو ورود النار لكل أحد وبهذا فسر الاية ابن مسعود والحسن وقتادة ثم قال تعالى ثم ننجى الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا وبعضهم فسر الورود بالدخول كما فى حديث جابر رفعه وزاد لايبقى بر ولا فاجر الا دخلها فتكون على المؤمنين برداوسلاما كما كانت على ابراهيم حتى ان للنار لضجيجا من بردهم ثم ننجى الذين اتقوا الآية رواه أحمد وابن ابى شيبة وعبد بن حميد وأبو يعلى والنسائى فى الكنى والبيهقى وغيرهم وهو حسن (و) أماما تمسكوا به من (قولة تعالى لا يصلاها الا الاشقى الذى كذب وتولى) فانما (اردا به) أى بالاشقى (من جماعة مخصومين) فانه صيغة أفعل التفضيل (اذ أراد بالاشقى شخصا معينا أيضا) هو أمية ابن خلف كما يفهم من سياق البغوى (و) أما تقدم من الاستدلال (من قولة تعالى كلما ألقى فيها فوج سألهم خزنتها) فان المراد منه (أى فوج من الكفار) وفى تفسير القاضى جماعة من الكفرة (وتخصيص العمومات قريب) لا ينكر (ومن هذه الآيه) أى التى ذكرت (وقع اللاشعرى) الامام أبى الحسن (وطائفة من المتكلمين انكار صيغ العموم) مطلقا (وان هذة الالفاظ) التى وردت بالعموم (يتوقف فيها الى أن ترد قرينه تدل على معناها) قال صاحب المصباح اللفظ العام خلا من الخاص وهو لفظ واحد دل على اثنتين فصاعدا من جهة واحدة مطلقا ومعنى العموم اذا اقتضاه اللفظ ترك التفصيل الى الاجمالى ويختلف العموم بحسب لمقامات ومايضاف اليها من قرائن الاحوال قال القطب الشيرازى فما أمكن استيعابة يستعمل فيه متى ومالم يكن استيعابة يزاد ما علية فيقال متى مالان زيادتها تؤدى بتغيير المعنى وانتقالة من المعنى الاعم الى معنى عام كما ينقل المعنى ويغيره اذا دخلت على ان واخواتها ولما فرغ المصنف من ذكر شبة المرجئة ومن على رأيهم والحواب عنها شرع فى ذكر شبه المعتزلة والجواب عنها فقال (واما المعتزلة فشبهتهم) التى وقعوا فيها فى تأسيس أصلهم الذى عليه بنوا مذاهبهم وتمسكوا بآى من القرآن منها (قوله تعالى وانى لغفار لمن تاب آمن @ وعمل صالحا ثم اهتدىو) كذا قولة (قوله تعالى والعصران الانسان لفى خسر الا الذين عملوا الصالحات و) كذا (قوله تعالى ومن يعص الله ورسوله فان له نار جهنم و) كذا (كل آية ذكر الله عز وجل العمل الصالح مقرونا فيها بالايمان) فانها متمسكهم فى جعلهم الاعمال شرطا فى صحة الايمان) فانها متمسكهم فى جعلهم الاعمال شرطا فى صحة الايمان كما ان قوله ومن يعص الله (وقوله تعالى ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم) متمسكهم فى تخليد صاحب الكبيرة فى النار (وهذة العمومات أيضا مخصوصة بدليل قولة تعالى ويغفر مادون ذلك لمن يشاء فينبغى أن تبقى له مشيئة فى مغفرة ماسوى الشرك) قال ملاعلى فى شرح الفقه الاكبر ذهب بعض المعتزلة الى انه لا يقع كقولة تعالى ان تجتنبوا كبائر ماتنهون عنه نكفر عنكم سيائتكم واجيب بأن الكبيرة الطلقة هى الكفر لانه الكامل وجمع الاسم بالنظر الى أنواع الكفر وأن كان الكل ملة واحدة فى الحكم أو الى أفرادة القائمة من قاعدة أن مقابلة الجمع بالجمع تقتضى انقسام الآحاد بالآحاد كقولنا ركب القوم دوابهم ولبسوا ثيابهم كذا فى شرح العقائد فيكون التقدير على التقدير الاول ان تجتنبوا أنواع الكفر وفيه ان يلزم حينئذ أن لايجوز العقاب على ماعدا الكفر صغيرة كانت ام كبيرة اللهم الا ان يقال المعنى نكفر عنكم سيائتكم المكتسبة قبل اجتناب الكفر فيكون الخطاب للكفرة وقبل يقدر فيه استثناء المشيئة أى نكفر عنكم سيآتكم ان شئنا ثم نقل عن شيخنا العلامة عبد الله السعدى انه كان يقول فى هذا المقام ان تقدير الاستثناء يغنى عن حمل الكبائر على الكفر اه قلت ماقدر الاستثناء الا لتصحيح حمل الكبائر على الكفر دفعا للزوم المتقدم اذا لو حملت الكبائر على عمومها لما صح الاستثناء الآيةوأيضا يلزم كون الصغيرة تحت المشيئة بشرط اجتناب الكبائر وليس كذلك بل قد تكفر الصغيرة بمكفر او بعفو الله تعالى ولو كان صاحبها يرتكب كبيرة وقال العلامه عصام انها فى معنى الآية أن المعلق عليه تكفير السيئات هو الاجتناب عن الكفر فيدخل فى التكفير الكبائر ايضا ولا خلاف انها لا تكفر بمجرد الاجتناب عن الكفر فالمغفرة والتكفير لا بد له من تعليق آخر وهو المشيئة عندنا مطلقا والتوبة فى الكبائر عند المعتزلة فالآية ليست على ظاهرها بالاتفاق فلا تكون تامة فى الدلالة على مطلوبهم ولا يخفى ان حمل كبائر ماتنهون عن الكفر من الوجهيين المذكورين فى غاية البعد اذا البلاغةتقتضى ان تجتنبوا الكفر لو جازته وموافقته لعرف البيان فالحق مدلول الآية تكفير الصغائر لمجرد الاجتناب عن الكبائر وتعليق المغفرة بالمشيئة فى اية اخرى مخصوص بما عدا ما اجتنب معه من الكبائر ولا يخفى أن هذا مذهب ثالث مخالف للمذهبين المسمى بالملفق فكيف يحكم بكونه الحق على الوجه المطلق ثم الاظهر أن الخطاب فى الآية للمؤمنين وان الكبائر على معناها المتعارف ماعدا كفر الكافرين كما يشير اليه قولة كبائر ماتنهون عنه والمعنى ان تجتنبوا كبائر المنهيات نكفر عنكم سيآتكم بالطاعة كما يدل علية قولة تعالى ان الحسنات يذهبن السيئات وسائر الاحاديث الواردة فى المكفرات والله أعلم (وكذلك قوله عليه) الصلاة (والسلام يخرج من النار من كان فى قلبة مثقال ذرة من الايمان) تقدم الكلام عليه مرارا فهذا يدل على أن المؤمن الوحد لا يخلد فى النار (وقولة تعالى انا لا نضيع أجر من احسن عملا) فإذا كان الايمان عملا بالوجة الذى قررناه (فكيف يضيع) سبحانه (أجر أهل الايمان وجميع الطاعات بمعيصية واحده) كما يزعمون (و) أما (قولة تعالى ومن يقتل مؤمنا متعمدا) فالمراد منه (أى) يقتل مؤمنا (لايمانه وقد ورد على) خصوص (مثل هذا السبب) فلم يبق لهم تعلق بظواهر الآى وكشف لك وجه التأويل فيها وحملها على مقتضى ماذهب اليه أهل السنه (تنبيه) فى بيان حكم اهل الاهواء فى الاجماع والاختلاف وبيان انه لاطاعة لهم ولا تصج @ منهم عبادة قال الشيخ ابو منصور عبد القاهر البغدادى فى كتبا الاسماء والصفات أجمع اصحابنا على ان المعتزله والنجارية والجهمية والغلاة من الروافض والخوارج والمجمعة لا اعتبار بخلافهم لى مسائل الفقة وأن اعتبر خلافهم فى مسائل الكلام فذا قول الشافعى رضى الله عنه فى أهل الاهواء وكذلك رواه أشهد عن مالك والعباس أبن الوليد عن الاوزاعى ومحمد بن جرير الطبرى بإسناد عن سفيان وحكاه أبن جرير أيضا بإسناد عن أبى سليمان الجوزجانى عن محمد بن الحسن وجماعة من أصحاب ابى حنيفة وحكاه أبو ثور فى أصولة عن جميع الائمة من التابعين وهم الفقهاء السبعة من أهل المدينه وعمر بن عبد العزيز والشعبى والنخعى ومسروق وعلقمة والاسود ومحمد بن سيرين وشريح القاضى والزهرى وأقرانهم وأختلف فقهاء الائمة فى قبول شهادة أهل الاهواء فقال مالك بإبطال شهادات المعتزلة وسائر أهل الاهواء وقال الشافعى وابو حنيفة بقبول شهادات أهل الاهواء الا النظامية فانهم يرون الشهادة بالزور واشار فى كتاب القياس الىل رجوعه عن قبول شهادات المعتزلة وهذا هو الاصح على قياس مذهبة وأما الكلام على طاعات المعتزلة وسائر أهل الاهواء فان أهل السنه والجماعه مجمعون على أن أهل الاهواء المؤدية الى الكفرلا تصح منهم طاعة لله تعالى مما يفعلونه من صلاة وصوم وزكاة وحج لان الله تعالى أمر عباده بايقاع هذة العبادة على شرط باعتقاد صحيح بالعدل والتوحيد وبشرط ان يرى بها التقرب الى الله تعالى مع اعتقاد صفة الالة على ماهو هو عليه ولا يجوز أن يقصد بالطاعه من لا يعرفة والمعتزلة وسائر اهل البدع غير عارفين بالله تعالى لاعتقادهم فيه خلاف ماهو عليه ولا يجوز ان يقصد بالطاعة يصحح وقوعه طاعة لله عز وجل من غير قصد منه الى التقرب به الى الله تعالى مع اعتقاد صفة الاله على ماهو علية ولا يجوز أن يقصد بالطاعه من لا يعرفه والمعتزلة وسائر أهل البدع غير عارفين بالله تعالى لاعتقادهم فيه خلاف ماهو علية فى عدله وحكمته وليس شئ من الطاعه يصحح وقوعه طاعه لله عز وجل من غير قصد منه الى التقرب به الا طاعة واحده هى النظر والاستدلال الاقع من المكلف عند توجه التكليف عليه فانهقبل نظرة واستدلاله لا يكون عارفا بالله تعالى فلا يصح منه التقرب الى الله عز وجل لانه أمر بها وما بعدها من العبادات فلا يكون طاعة لله عز وجل الا من عرفه سبحانه وقصد بفعلة التقرب اليه واهل البدع خارجون عن معرفة الله وطاعته فخرجوا من اجل ذلك عن الايمان وعن غمار اه الااسلام والحمد لله على العصمة من البدعة وقال ايضا فى الكتاب المذكور أعلم أن اصحابنا وان اجمعوا على تكفير المعتزلة والغلاه والخوارج والنجارية والجهمية والمشبهه فقد أجازوا العامة المسلمين معاملتهم فى عقود البياعاتوالاجارات والرهون وسائر المعروضات دون الانكحة ومواريثهم والصلاة وأكل ذبائحهم فلا يحل أى شئ من ذللك الا الموارثة ففيها خلاف بين أصحابنا فنهم من قال مالهم لاقربائهم من المسلمين لان قطع الميراث والمجسم لاهل السنه والجماعه اعظم من خلاف النصارى لليهود والمجوس وقد أجمع الشافعى وابو حنيفة على وقوع التوارث بين المسلمين والكافرين من اهل الاهواء وحكم المرتدين لا يرثون ولا يورثون وحكى عن محمد بن الحنفية وجماعة من التابعيين انهم قالوا بتوريث المسلم من أهل الاهواء والعكس وكذلك قالوا فى المسلم والكافر والى هذا ذهب اسحق ابن راهوية ورواؤهو باسناد عن معاذ بن جبل وروى غيرة مثل ذلك عن مسروق وسعيد بن المسيب وانهم قالوا الاسلام يزيد ولا ينقص وقال قوم من التابعين لا يرث من أهل الاهواء ولا يرث بعضهم من بعض وكل أهل مذهب يكفر أهل مذهب آخر فى توارث بينهما وبه قال الزهرى وربيعة والنخفى والحسن بن جنى وأحمد بن حنبل وقال قوم أموال أهل الاهواء لاهل بدعتهم فلا يورث وكذلك قالوا فى مال المرتد اذا مات انه لاهل الدين الذين ارتد اليهم دون المسلمين وبه قال قتادة بعض الظاهر واختلف اهل @ الحق الطفل اذا ولديين ابو ين من اهل القدر او التشبيه اونحوهما من اهل البدع فان احد الابوين فنهم من قال حكمة في الميراث حكم المسلم منهما في الميراث وفي سائر الاحكام والى هذا ذهب شريح والحسن والنخعي وعمر بن عبدالعزيز والشافعي وابو حنيفة وقال مالك الاعتبار هفي هذا الباب بموت الاب دون الام وكذلك حكم الطفل بين الكافرين اذا اسلم احدهما كان الاعتبار فيه بالاب وكان الطفل في دينه وفي سائر احكامه لان النسب معتبر به دون الام وقال اخرون باعتبار حكم الطفل باسلام الام وتوبتها عن البدعة دون الاب فيكون حكمة تابعا لحكمها كما يعتبر حكمه بحكمها في الزق والحريه وبالله التوفيق (فان قلت فقد مال الاختيار) والترجيح بماذكرت انفا (الى ان الايمان حاصل) بذاته (دون العمل) حيث جعلت مفهومه التصديق بالقلب او به وباللسان (وقد اشتهر عن السلف) الصالحين (قولهم) أي صح عنهم انهم قالو (الايمان عقد وقول وعمل فامعناه) بينوا لنا ماتحقيق معتقد السلف في الايمان فقد ذكر عبد القاهر البغدادي ان الذين قالو ان الايمان بالقلب واللسان وسائر الاركان فهم خمس فرق احداها اصحاب الحديث قد اختلفت عباراتهم في حقيقه الايمان وحده ثم سرد عباراتهم واقوالهم الى ان قال منهم من قسم الايمان على انواع في على الايمان معرفة بالقلب واقرار باللسان وعمل بالاركان يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان هذا قول عامه اصحاب الحديث وفقهائهم مثل مالك والشافعي والاوزاعي واهل المدينة واهل الظاهر واحمد واسحق وسائر ائمه الحديث وبه قال من متكلميهم الحرث بن اسد المحاسبي وابوالعباس القلانسى وابو على الثقفى وابو الحسن الكبير الطبرى اه قالت والي هذا ميل صاحب القوت وعباراته داله عليه وقال وقد روى ذلك مفصلا في حديث علي رضي الل عنه الايمان قول باللسان وعقد بالقلب وعمل بالاركان ثم قال فادخل اعمال الجوارح في عقود الايمان وقد ظهر من السياقين نسبة هذا القول الى السلف وصح قول المصنف واشتهر عن السلف واشار الي الجواب بقوله (قلنالا يبعد ان يعد العمل من الايمان لانه مكمل له ومتمم) التكميل استعمل في الذوات والصفات وكل الشئ تمت اجزاؤه وكمله واكله التتميم تكميل الاجزاء (كما يقال الراس واليدان من الانسان) أي من جله اجزاء الانسان (معلوم) بالبديهة (انه يخرج عن كونه انسانا بعدم الرأس) لانه اذا ذهب الرأس ذهب الانسان (ولايخرج عنه) عي عن كونه انسانا (بكونه مقطوع اليد) او اليدين أومن أصل خلقته (ولذلك يقال التسبيحات) التي يؤتي بها في الركوع والسجود (والتكبيرات) التي يؤتي بها عند الافتتاح وعند كل رفع وخفض (من الصلاة) أي من نفسها (وان كانت) الصلاة (لاتبطل بفقدها) اتفاقا (فالتصديق بالقلب) نبته (من الايمان كالقلب من وجود الانسان) اشار بذلك الى انه جزء من مفهمومه (اذ ينعدم) الايمان (بعدمه) كما ينعدم الانسان بعدم القلب (وبقية الطاعات) الحاصلة (كالاطراف) من الانسان حيث لاينعدم الانسان بعدمها (وبعضها) أي الطاعات (اعلى من بعض) كما ان بعض الاطراف من الانسان اشرف من بعض ومثل التصديق والعمل ايضا كمثل فسطاط قائم بالارض ظاهره متجاف وله اطناب وله عمود في باطنه فالفسطاط مثل الايمان له اركان من اعمال العلانية فاعمال الجوارح هي الاطناب التي تمسك ارجاء الفسطاط والعمود الذي في باطن الفسطاط مثله كالتصديق الاقوام للفسطاط الايه فقد احتاج الفسطاط اليهما جميعا اذلا استعانه له ولا قوة الابهما جميعا (وقد قال صلى الله وعليه وسلم لايزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) قال العراقي متفق عليه من حديث ابي هريرة قت وفيه زيادة عندهما وهي لايشرت الخمر حين يشربها وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا ينتهب نهبة ذات شرف يرفع الناس اليه فيها ابصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن وهكذا رواه احمد والترمذي وابن ماجة @ ماجه وزاد عبد الرزاق واحمد ومسلم في روايتهم ولا يغل احدكم حين يغل وهو مؤمن فايا كم واياكم واخرجه عبد الرازق وعبد بن حميد والطبراني في الكبير والحكيم الترمذي والبيهقى عن عبدالله بن ابي داود والطيراني ايضا في الكبير عن عبدالله بن مغفل وفي الاوسط عن على وقال ابن عدى في الكامل رواه على بن عاصم بن على الواسطى عن شعبة عن قتادة عن كثير بن كنز عن ابن عياض عن ابي هريرة وعلى ليس بشئ وهذا لااعلم احد يرويه عن شعبة بهذا الاسناد غير علي بن عاصم واورده في ترجمه بقية بن الوليد عن شعبة وورقاء بن عمر عن ابي الزناد عن الاعراج عن ابي هريرة قال الاعرج سمعت من ابي سلمه بن عبدالرحمن ابا هريرة كان يقول وذلك لانه لا يحفظ لشعبة عن ابي الزناد شئ ويقال ان في اصل بقية هذا الحديث نا شعبة عن ابي الزناد فقيل كان في كتابة نا بعد عن ابي الزناد فصحفو عنه فقالو شعبة عن ابي الزناد اه واخرجة ابو نعيم في الحلية عن ابي هريرة وزاد بعد قوله وهو مؤمن ينزع منه الايمان ولا يعود اليه حتى يتوب فاذا تاب عاد اليه واخرجة البزاروالطيراني في الكبير والخطيب في التاريخ من طريق عكرمة عن ابن عباس وابي هريرة وابن عمر وعندهم بعد قوله وهو مؤمن فاذا تاب تاب الله عليه وعند الطبراني في الاوسط عن ابي سعيد بلفظ فاذا تاب رجع اليه واخرجه عبدالرزاق ومسلم وابو داود والنسائى عن ابي هريرة وبعد قوله وهومؤمن والتوبة معروضة بعدو اخرجة عبد بن حميد والحكيم الترميذي وسمو به وابن الضر بس عن ابي سعيد والحكيم الترمذي عن عائسة وذكر ابن عدى في الكامل في ترجمة اسمعيل بن يحي بن عبيد الله التميمي عن شعبة عن الحكم عن ابراهيم عن علقمة قال خطبنا على بالكوفة فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث واورد في ترجمة يحي بن هاشم نا اظنه شعبة عن الحكم عن ابراهيم بهذا الاسناد واورده في ترجمة الحكم بن ظهير عن عاصم عن زر عن عبدالله ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله (والصحابه ماعتقدوا) رضى الله عنهم (مذاهب المعتزلة) بل ولاذهب فهمهم (في الخروج عن الايمان بالزنا) وشرب الخمر والسرقة والانتهاب والغل وان وجد في بعض رواياته لفظ الخروج والنزع فهو على المبالغة والتشديد (ولكن معناه غير مؤمن حقا) وصدقا وغير مؤمن (ايمانا تاما) بشروطه (كاملا) بالورع والمخالفة وهذا (كما يقال للعاجز المقطوع الاطراف) كاليدين والرجلين والانف والاذن (هذا ليس بانسان) وهو صحيح (أي ليس له الكمال الذى وراء حقيقة الانسانية) واورد صاحب القوت هذا الحديث وقال معناه كامل الايمان ومؤمن حقالات حقيقة الايمان كمال الخوف والورع اذا الامة مجمعةان اهل الكبائر ليسو بكافرين واذا فسق بالزنا وشرب الخمر خرج من حقيقة الايمان وهو الخوف والورع ولم يخرج من اسمه وهوالتصديق والتزام الشريعة وفيه معنى لطيف كانة يرتفع عنه ايمان الحياء لان النبي صلى الله عليه وسلم قال الحياء من الايمان والمستحي لايكشف عورته على حرام ويبقى ايمان الاسلام والتوحيد وايجاب الاحكام * (تنبيه) * قال الفخر الرازي الاعمال خارجة عن مسمى الايمان والقائلون بانها داخلة تحت اسمالايمان اختلفو فقال الشافعي رحمه الله الفسق لايخرج عن الايمان وهذا في غاية الصعوبة لانه اذا كان اسما المجموع الامور فعند فوات بعضها يفوت ذلك المجموع اذا المجموع ينتفى بانتقاء جزئه فوجب ان ينتفي الايمان واما المعتزله والخوارج فأصلهم مطر دلنا ان الاعمال عطف علىلايمان في غير موضع من كتاب الله عز وجل والمعطوف غير المعطوف عليه ولانه شرط الصحة الاعمال كما في قوله تعالي ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن والشرط غير المشروط وقال تعالى واصلحو اذات بينكم واطيعو الله ورسوله ان كنتم مؤمنين ولو لم يكن الايمان معرفة عندهم لكان ذلك شرط غير مفيد وقد خاطب باسم الايمان ثم اوجب الاعمال فقال ياايها الذين امنو كتب عليكم الصيام وهذ دليل التغاير وقصر اسم الايمان وعلى التصديق ولهذا فزع اعداء الله تعالي @ عند معاينة العذاب والبأس إلي تصديق دون غيره من الإعمال نحو قول فرعون لما أدركه الغرق آمنت انه لا اله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وقول قوم يونس عليه السلام آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين وتشبثهم بقوله تعالي وما كان الله ليضيع إيمانكم أي صلاتكم عند بيت المقدس لا يتم لأن المراد بهذا الإيمان التصديق أيضا غير أن المراد به تصديقهم بكون الصلاة جائزة عند التوجه إلي بيت المقدس ويتجمل أن يراد به نفس الصلاة إلا أنها سميت إيمانا مجازا إما لأنها لا تصح بدون الإيمان فكان الإيمان شرط جوازها وسبب قبولها أو لدلالتها علي غلإيمان علي إن الاسم المحمول علي المجاز بالإجماع فإنهم ما جعلوا الإيمان اسما لكل فرد من أفراد العبادات حني لا يكون الخارج عن الصلاة خارجا عن الإيمان ولا مفيد الصلاة مفسدا للإيمان وكذا هذا في الصوم والحج ثم أطلق اسم الجملة علي كل فرد من أفراد الجملة مجاز وإذا كان الاسم مجازا كان حماه علي ما ذكرنا أحق لما فيه من مراعاة معني اللغة والله أعلم * (مسئلة) * ثانية من المسائل الثلاث في بيان زيادة الإيمان ونقصانه واختلاف الأقوال فيه (فإن قلت فقد اتفق السلف) رحمه الله تعالي (علي أن الإيمان يزيد وينقص) وفسروه بأنه (يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية فأن كان التصديق هو الإيمان) والإيمان هو التصديق ولا يتزايد في نفسه (فلا يتصور فيه زيادة ولا نقصان) أي لا يزيد بانضمام الطاعات إليه ولا ينقص بارتكاب المعاصي إذ التصديق في الحالين علي ما قبلهما وهذا مخالف لما ذهب إليه السلف فكيف التطبيق بين القولين ثم أن المراد بالسلف هنا القائلين بزيادة ونقصه جماعة من الصحابة عمر بن الخطاب وعلي وابن مسعود ومعاذ وأبو الدرداء وابن عمر وعمار وأبو هريرة وحذيفة وعائشة رضي الله عنهم ومن التابعين كعب الأحبار وعروة وطاوس وعمر بن عبد العزيز ومن الأئمة الشافعي وأحمد وأسحق كما رواه اللالكائي في كتاب السنة وإليه ذهب البخاري فقال في أول كتاب الإيمان وهو قول وعمل يزيد وينقص بل روي عنه بسند صحيح أنه قال لقيت أكثر من ألف رجل من العلماء بالأمصار فما رأيت أحد يختلف فيه وبه قال عامة الاشاعرة ومن المتكلمين أهل النظر والفقهاء والصوفية وقال أبو حنيفة وأصحابه لا يزيد الإيمان ولا ينقص وأختاره أبو منصور الماتريدي من الاشاعرة أمام الحرمين وجمع كثير وتوقف مالك عن القول بنقصانه هذا هو المشهور من مذهبه علي أنه اختلف فوله كما في رواية العتبية علي الاحتمالات الثلاث ورأيت في الأسماء والصفات لأبي منصور البغدادي نقل عن الأشعري في مقالاته عن أبي حنيفة ما نصه وقال إن الإيمان لا يتبعض ولا يزيد ولا ينقص ولا يتفاضل الناس فيه وحكي غسان وجماعة من أصحاب أبي حنيفة عنه أنه يزيد ولا ينقص أه نص مقالات الأشعري وهذا الذي حكاه غسان وجماعة عنه هو بعينه قول مالك ولكن لم يشتهر في المذهب وقد شرع المصنف في تحقيق هذه المسئلة حيث قال (فأقول السلف) الصالحون (هم الشهود العدول) لاخبار وردت في ذلك منها خير القرون قرني ثم الذين يلونهم وقد أثني عليه الله سبحانه في مواضع من كتابه العزيز منها قوله رضي الله عنهم ورضوا عنه ومنها واتبعوهم بإحسان (وما لأحد) ممن بعدهم (عن قولهم) الذي قالوه ورأيهم الذي رأوه (عدول) أصلا وبين العدول جناس تام (فما ذكروه) وذهبوا إليه (حق) ثابت لا ينكره (وإنما الشأن في فهمه) أي فهم ما قالوه وحمله علي أحسن محامله ولذا قال الفخر الرازي الخلاف مبني علي أخذ الطاعات في مفهوم الإيمان وعدمه فعلي الأول إن كان علي وجه الركنية كما نقل عن الخوارج أو علي وجه التكميل كما نقل عن المحدثين يزيد بزيادتها وينقص بنقصانها وعلي الثاني لا لأنه اسم للتصديق الجازم مع الاذعان وهذا لا يتغير بضم الطاعات ولا المعاصي وسيأتي البحث فيه (وفيه دليل علي أن العمل) بالجوارح (ليس من أجزاء الإيمان) التي تتركب منها ماهيته (و) لا من (أركان) وجوده بحيث لا يوجد ولا يتحقق الإ به كما هو شأن الركنية (بل هو مزيد عليه ويزيد به) إذا وجد معه وينقص إذا إنعدم (والزائد @ موجود والناقص موجود) وهو العمل (و) لا يخفي (إن الشئ لا يزيد بذاته فلا يجوز أن يقال الإنسان يزيد برأسه) لأنه جزؤه الذي تتم به أنسانيته (بل يقال يزيد بلحيته) بكسر اللام الشعر النازل علي الذقن والجمع لحي مثل سدرة سدر (وسمته) وهو السكينة والوقار (ولا يجوز أن يقال الصلاة تزيد بالركوع والسجود) فإنهما من صلب الصلاة كما يعرف من حدها الشرعي ذات ركوع وسجود (بل تزيد بالآداب والسنن) والواردة في السنة وقال المصنف في المنقذ من الضلال وكما أن في الأدوية أصولا هي أركانها وزوائد هي متمماتها لكل واحد منها خصوص تأثير في أعمال أصولها كذلك السنن والنوافل لتكميلات آثار أركان العبادات (فهذا تصريح بأن الإيمان له وجود) في حد ذاته (ثم بعد الوجود يختلف حاله بالزيادة والنقصان) ويفهم منه أن الزيادة والنقصان بإعتبار جهات هي غير نفس الذات والحنفية لايمنعون ذلك وإلي هذا أشار المصنف فقال (فإن قلت فالإشكال) باق لم يندفع و(قائم في إن التصديق) الذي هو مفهوم الإيمان (كيف يزيد وينقص) ويتبعض ويتجزأ (وهو خصلة واحدة) والخصلة بالضم الحالة والخصلة يشير إلي أنه بسيط وبساطته تقتضي عدم قبوله الزيادة والنقص (فأقول إذا تر كا المداهنة) أي المسالمة والمصالحة (ولم نكترث) أي لم نبال (بتشغيب من تشغب) أصل الشغب) تهيج الشر يقال شغب القوم وعليهم وبهم شغبا من باب نفع (وكشفنا الغطاء) أي الستر عن وجه المراد (أرتفع الأشكال) القائم في المسئلة (فنقول الإيمان اسم مشترك يطلق من ثلاثة أوجه ) الوجه (الأول أنه يطلق التصديق) الجازم (بالقلب) وهو مفهوم لغوي كما تقدم (علي سبيل الاعتقاد) أي بعقد القلب عليه وهو معني الجازم (و) علي سبيل (التقليد) للغير ممن يعتقد صلاحه (من غير) حصول (كشف) له في سر من أسرار بل (و) من غير (انشراح صدر) لما يلقي إليه من الأمور المتعلقة به (وهو إيمان العوام) جمع عامة وهم ضد الخواص ولما كان ربما يظن من ذكر العوام ان المراد بهم السوقة خاصة فإضرب علي ذلك وقال (بل الخلق كلهم) فدخل فيهم المشتغلون بالعلوم الظاهرة ممن لم يكشف لهم من أسرار الحق شئ فهم كذلك بمنزلة العوام وإيمانهم كإيمانهم بل ربما إن بعض السوقة إذا ألقي إليهم شئ من خواص الإيمان يتلقاه بالإقبال عليه وهؤلاء بمعزل عنه لما نشأ في طباعهم من تحصيل علومهم العجب والحسد والكبر وسائر المذام فلا يستقر في قلبه ما يلقي إليه حسبما ألفه من طبعه من مناقضة ومنع وردوا أبطال كما تقدمت إليه الإشارة في أول الكتاب (إلا الخواص) من الناس المستثنون من هؤلاء وهو الذين أفاض الله علي قلوبهم بأنوار المعارف وحلاهم بحلية الوقار والسكينة وأنعم عليهم بأنواع اللطائف وهذا السياق من المصنف يؤيد القائلين بصحة إيمان المقلد لوجود أصل التصديق عنده وقد تقدم الكلام علي هذه المسئلة قريبا (وهذا الأعتقاد عقدة) أي بمنزلة عقدة (علي القلب تارة يشتد ويقو وتارة يضعف ويسترخي) ثم ضرب له مثلا في الشاهد فقال (كالعقدة علي الخيط مثلا) فإنه مشاهد فيه ذلك (ولا تستبعد) أيها السامع (هذا) الذي ذكرته لك (واعتبر باليهودي وصلابته) أي شدته (في عقيدته) السخيفة (التي لا يمكن نزعها) ووأخراجها (منه بتخويف) وتهديد (وتحذير) من النكال به (ولا بتخيل) وتصوير للعقائد الحقه له (و) لابزجرو (وعظ) ونصيحة باللين والأستاله (ولا بتحقيق وبرهان) علي تلك المسائل التي تلقي عليه (وكذلك) حال (النصراني والمبتدعة) من المعتزلة والخوارج والرافضة وهذا مشاهد لمن حادثهم في العقائد الدينية (وفيهم من يمكن تشكيكه) أي أدخال الشك عليه (بأدني كلام) وأقرب ايهام (ويمكن استنزاله عن) عصم (اعتقاده بأدني استمالة) وتخيل (أو) أدني (تخويف) وتهديد (مع أنه غير شاك في عقده) أي فيما عقده بقلبه (كالأول) أي كالمتصلب في عقيدته (ولكنهما متفاوتان في شدة التصميم وزيادته) والتصميم في الأمر المعي فيه (كما يؤثر سقي الماء في نماء الأشجار ولذلك قال) الله (تعالي) في سورة براءة فأما الذين أمنوا (فزادتهم إيمانا) @ أي السورة بزيادة العلم الحاصل من تدبرها وبانضمام الإيمان بها وبما فيها إلي إيمانهم (وقال تعالي) في سورة الفتح (ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم) وفي المدثر ويزداد الذين آمنوا إيمانا وفي آل عمران فاخشوهم فزادهم إيمانا وفي الأحزاب وما زادهم إلا إيمانا وتسليما (وقال صلي الله عليه وسلم فيما يروي) عنه (في بعض الأخبار الإيمان يزيد وينقص) قال العراقي أخرجه ابن عدي في الكامل وأبو الشيخ في كتاب الثواب من حديث أبي هريرة وقال ابن عدي باطل فيه محمد بن أحمد بن حرب الملحمي يتعمد الكذب وهو عند ابن ماجه موقوف علي أبي هريرة وابن عباس وأبي الدرداء اه قلت ونص القوت وروينا في حديث واثلة بن الاسقع الإيمان يزيد وينقص وروي ذلك عن جماعة من الصحابة لا تحصي كثرتهم اه وأخرجه ابن عدي في الكامل في ترجمة معروف بن عبد الله الخياط الدمشقي قال حدثنا واثلة بلفظ الإيمان قول وعمل يزيد وينقص ولا يكون قولا بلا عمل ثم قال هو منكر والحمل فيه علي معروف اه وأخرجه أبو نعيم في ترجمة الشافعي في الحلية وهو عند الحاكم بلفظ ابن عدي الذي سقناه فالذي تحصل لنا من هذا أنه رواه أربعة من الصحابة وظاهر سياق القوت يقتضي انه موقوف علي واثلة رضي الله عنهم وروي أبو اسحق الثعلبي في تفسيره من رواية علي بن عبد العزيز عن حبيب بن عيسي ابن فروج عن اسمعيل بن عبد الرحمن عن مالك عن نافع عن ابن عمر قلنا رسول الله إن الإيمان يزيد وينقص قال نعم يزيد حني يدخل صاحبه الجنة وينقص حتى يدخل صاحبة النار (وذلك بتأثير الطاعات في القلب) ونقصه بعدم تأثيرها فيه بل بتأثير اصدادها وهي المعاصي (وهذا) المقام (لا يدركه الأمن راقب أحوال نفسه) أي تأمل فيه بالمراقبة (في أوقات المواظبة) أي الملازمة (علي) أنواع (العبادة) من صلاة وصوم ووتلاوة وغيرها (و) ذلك حصوله (في التجرد) أي الانفراد (لها) أي للعبادة (بحضور القلب) وانشراح الصدر (مع أوقات الفتور) أي الكسل والبطالة (وأدرك التفاوت في السكون إلي عقائد الإيمان في هذه الأوقات) فتتضح له حقائق الأحوال وتنحل عنه عقد الأشكال (حتى يزيد عقده) القلبي (استعصاء) استفعال من العصيان (علي من يريد حله) وتردعه (بالتشكيك) أي بإدخال الشك عليه
Shafi 257
(بل من يعتقد في اليتيم) وهو فاقد الأب (معني الرحمة) أي رقة القلب (إذا عمل بموجب اعتقاده) بفتح الجيم (عملا) ما (مقبلا) علي غيره (أو ساجد الغيره) أي خاضعا علي هيئة الساجد (أحس) أي أدرك في الحين (من قلبه بالتواضع عند أقدامه علي الخدمة وهكذا) حال (جميع صفات القلب) الحميدة والذميمة (تصدر منها أعمال الجوارح ثم يعود أثر الأعمال عليها فيؤكدها ويزيدها) وينميها كما تنمو الشجرة بسقي الماء (وسيأتي هذا) البحث في ربع المنجيات والمهلكات) لشدة تعلقه بها (عند بيان وجه تعلق الباطن بالظاهر و) وجه تعلق (الأعمال بالعقائد والقلوب فإن ذلك من جنس تعلق) عالم (الملك) بضم الميم (بالملكوت واعني بالملك عالم الشهادة) من المحسوسات الطبيعية (المدرك بالحواس وبالملكوت عالم الغيب) المختص (المدرك بنور البصيرة والقلب) وما ينبعث منه (من عالم الملكوت) لأنه مما يدرك بنور البصيرة (والأعضاء وأعمالها) الصادرة عنها (من عالم الملك) لأنه مما يدرك بالحس (وللطف الارتباط ورقته بين العالمين) الملك والملكوت (انتهي) الحال (إلي حد بعض الناس) من الذين يدعون المعرفة (اتحاد أحداهما بالأخر وظن آخرون أنه) لا أصل لعالم الملكوت وقالوا (لا عالم الأعالم الشهادة وهو هذا الأجسام لمحسوسة) ولم يتعدوا عن طور جهلهم لعدم نور البصيرة (ومن أدرك الأمرين) ووفي ذلك (أدرك تعددهما) وأنه كل منهما عالم مستقل بذاته (ثم) أدرك (ارتباطهما) مع @ البعض (عبر عنه) بلسان المقال (وقال
رق الزجاج ورقت الخمر * وتشابها وتشا كل الأمر
فكأنما خمر ولا قدح * وكأنما قدح ولا خمر)
Shafi 258
وقال المصنف في القسم الرابع من أواخر كتابه المقصد الأسنى وهو خاتمة الكتاب استطرد فيها ذكر بعض كلمات الصوفية وما يرد عليها ويجاب عنها فقا ومنها الاتحاد ثم ذكر كلاما طويلا في آخر وهذه مزلة قدم فإن من ليس له قدم راسخ في المعقولات ربما يتميز له أحدهما عن الآخر فينظر إلي كمال ذاته وقد تزين بما تلألأ فيه من حلية الحق فينظر انه هو فيقول أنا الحق وهو غالط غلط النصارى حيث رأوا ذلك في ذات عيسي عليه السلام فقالوا الاله بل غلط من ينظر في مرآه انطبعت فيها صورة متلونة فيظن أن نلك الصورة صورة المرآة وأن ذلك اللون لون المرآة وهيهات بل المرآة في ذاتها لا لون لها وشانها قبول صور الألوان علي وجه يتخايل إلي الناظرين إلي ظاهر الأمور إن ذلك هو صورة المرأة حقا حتى أن رأي الصبي إذا رأي الصبي إنسانا في المرأة ظن أن الإنسان في المرآة فكذلك القلب الخال عن الصور في نفسه وعن الهيأت وأنما هيأته قبول معاني الهيأت والصور فما يحله يكون كالمتحد به لاأنه تحقيق ومن لا يعرف الزجاج والخمر إذا رأي زجاجة فبها خمر لم يدرك تباينهما فتارة لا خمر وتارة يقول لا زجاجة كما عبر عنه الشاعر حيث قال وساق البيتين المذكورين وقال مشكلة الأنوار ما نصه ولا يبعدان بفجأ الإنسان مرآة فينظر فيها ولم يرا المرآة قط فيظن ان الصورة التي تري في المرآة هي صورة المرآة متحدة بها ويري الخمر في الزجاج فيظن ان الخمر لون الزجاج فإذا صار ذلك عنده مألوفل ورسخ فيه قدمه استغرقه فقال وساق البيتين المذكورين ثم قال وفرق بين أن يقول كانه القدح وهذه الحالة اذا غلبت سميت بالإضافة إلي صاحب الحالة فناء بل فناء الفناء اه (ولنرجع إلي المقصود فإن هذا) الذي ذكرناه (اعتراض) أي كلام معترض بين كلامين (خارج عن علم المعاملة) الذي نحن بصدده (ولكن بين العلمين أيضا اتصال وارتباط) كما بين العالمين (فلذلك تري علوم المكاشفة) لسطوعها (تتسلق) أي تتطلع بخفية (كل ساعة إلي علوم المعاملة إلي أن يكف) أي يحبس (عنها بالتكلف) الشديد (فهذا وجه زيادة الإيمان بالطاعة بموجب هذا الإطلاق) بفتح الجيم (ولهذا قال علي كرم الله وجهه إن الإيمان ليبدو لمعة بيضاء فإذا عمل العبد الصالحات نمت فزادت حتى يبيض القلب كله وإن النفاق ليبدو ونكتة سوداء فإذا انتهك الحرمات نمت وازدات حتى يسود القلب كله فيطيع عاليه فذلك الختم ثم قرأ كل لب ران علي قلوبهم ماكانوا يكسبون ويري بوجه أخر قال أن الإيمان يبدو لمظة بيضاء في القلب فكلما ازداد الأيمان عظما ازداد ذلك البياض فإذا استكمل الإيمان ابيض القلب كله وإن النفاق يبدو لمظة سوداء فكلما ازداد النفاق عظما أزداد ذلك السواد فإذا استكمل النفاق اسود القلب كله وأيم الله لو شققتم عن ققلب مؤمن لوجدتموه أبيض ولو شققتم عن قلب منافق لوجدتموه اسود قال السيوطي في الجامع الكبير هكذا أخرجه ابن المبارك في الزهد وابن أبي شبية في المصنف وأبو عبيد في الغريب ورسته في الإيمان والبيهقي واللالكائي في السنة والاصبهاني في الحجة قلت ومن طريق أبي عبيد أخرجه اللالكائي في كتاب السنة مختصر أو ساق سنده من طريق دعلج بن احمد حدثنا علي بن عبد العزيز قال قال أبو عبيد فذكره وقال الاصمعي مثل النكتة أو نحوها وفي كتاب الحلية في ترجمة حذيفة بمعني ما ورد عن علي رضي الله عنهما (الاطلاق الثاني أن يراد به) أي الإيمان (التصديق) الجازم (والعمل جميعا) فالأول مفهوم الإيمان والثاني مفهوم الإسلام وهذا التغاير في المفهومين لا يورث انفكاك @ أحدهما عن الأخر في الحكم فهما متحدان في اعتبار الصدق وهل أطلاق الإيمان علي العمل يكون حقيقة أو مجاز فمن نظر إلي أن الأعمال تكون من الإيمان جعله مجازا وأما علي القول لإنه مركب من التصديق والعمل فيكون حقيقة (كما قال صلي الله عليه وسلم الإيمان بضع وسيعون بابا) قال العراقي وذكره بعد هذا فزاد فيه أدناها اماطه الاذي عن الطريق البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة الإيمان بضع وسبعون شعبة زاد مسلم في روايته فأفضلها قول لا اله اإلا الله وادناها فذكره ورواه بلفظ المصنف الترميذي وصححه اه قلت أخرجه البخاري في أول صحيحه عن المسندي عن ابي عامر العقدي عن سليمان ابن بلال عن عبد الله بن دينار عن ابي صالح عن ابي هريرة رفعه الإيمان بضع وستون شعبة والحياء شعبة من الإيمان ورواه مسلم من طريق سهيل بن أبي صالح عن عبد الله بن دينار بضع وسبعون من غير شك ورجح البيهقي رواية البخاري بعدم الشك سليمان وعورض بوقوع الشك عند أبي عوانة ورجح لأنه المتقين وما عداه مشكوك فيه وعند ابن عدي في الكامل من رواية ثابت بن محمد عن الثوري عن ابي الزبير عن جابر بلفظ بضع وستون (وكما قال صلي الله عليه وسلم لا يزني الزاني وهو مؤمن حين يزني) تقدم الكلام عليه قريبا والرواية حين يزني وهو مؤمن (وإذا دخل العمل في مقتضي لفظ الإيمان) أي مفهوم سواء علي الركنية او علي وجه التكميل (لم يخف) علي المتأمل (زيادته) أي العمل (ونقصانه وهل يؤثر في زيادة الإيمان بالذي هو مجرد التصديق) الجازم (وهذا فيه نظر) لأن هذا المفهوم لا يتغير بضم الطاعات والمعاصي إليه (وقد أشرنا غلي أنه يؤثر فيه) وانه لا مانع من ذلك عقلا والله اعلم (الاطلاق الثالث أن يراد به) أي بالإيمان (التصديق اليقيني) أي اليقين الذي هو مضمون التصديق وهو أخص من التصديق لكونه (علي سبيل الكشف) برفع الساتر وإطلاع ما وراء الحجاب (وإنشراح الصدر) واتساعه لما يرد عليه (والمشاهدة بنور البصيرة) وجودا وشهودا (وهذا أبعد الاقسام عن قبول الزيادة) وإليه الأشارة في قول علي رضي الله عنه لة كشف الغطاء ما ازددت يقينا (ولكن أقول الأمر اليقيني الذي لاشك فيه تختلف طمأنينة النفس إليه) أي سكونها واستقرارها (فليس طمأنينة النفس إلي ان الاثنين) من العدد (اكثر من الواحد كطمأنينتها إلي أن العالم مصنوع حادث وأن كان لا شك في واحد منهما) الا ان الاولي من أجلي البديهبات والثانية من أخفي النظريات (فان اليقينات تختلف في درجات الايضاح ودرجات طمأنينة النفس إليها وقد تعرضنا لهذا) البحث (في فضل اليقين من كتاب العلم في باب علامات علماء الأخر) وتكلمنا علي ما يناسب المقام (فلا حاجه إلي الاعادة) والتكرار وهذاذ يدل علي تفاوت نفس الذات ومنع الحنيفة هذا وقالوا مثل إيمان جبريل لأن المثلية تقتضي المساواة في كل الصفات والتشبيه لا يقتضيه فلا أحد يستوي بين إيمان آحاد الناس وإيمان الملائكة والانبياء بل يتفاوت بأمور زائدة وقالوا ما يظن من ان القطع يتفاوت قوة أنما هو راجع إلي جلائه وظهوره وانكماشه فإذا ظهر القطع بحدوث العالم بعد ترتيب مقدماته المؤدية إليه كان الجزم الكائن فيه كالجزم في حكمنا الواحد نصف الاثنين وإنما تفوتهما باعتبار أنه إذا لوحظ هذا كان سرعة الجزم فيه ليس كالسرعة التي في الآخر وهو الواحد نصف الاثنين خصوصا مع غيبة النظر عن ترتيب مقدمات حدوث العالم عن الذهن فيخيل ان الجزم بإن الوحد نصف الاثنين أقوي وليس كذلك أنما هو أجلي عند العقل فهم ومن وافقهم يمنعون ثبوت ماهية المشكك ويقولون أن الواقع علي أشياء متفاوتة فيه يكون التفاوت عارضا لها خارجا عنها لا ماهية له ولا جزء ماهية له ولا جزء ماهية لامتناع أختلاف الماهية وأختلاف جزئها ولو سلموا ثبوت ماهية المشكك فلا يلزم كون التفاوت في أفراده بالشدة فقد يكون بالأولوية وبالتقدم والتأخر ولو سلموا إن ما به التفاوت @ في أفراد المشكك شدة كشدة البياض الكائن في الثلج بالنسبة إلي البياض الكائن في العاج مأخوذ من ماهية البياض بالنسبة إلي خصوص محل لا يسلمون أن ماهية اليقين منه لعدم دليل بوجبه ولو سلموا أن ماهية اليقين ننفاوت لا يسلمون أن ماهية بل غيرها من الأمور الخارجة عنها العارضة لها وقد أجابوا عن الظواهر الدالة علي قبول الزيادة أن الإيمان يتفاوت بإشراق نوره في القلب وزيادة ثمراته فإن كان زيادة إشراق نوره هو زيادة القوة والشدة فيه فلا خلاف في المعني بين القائلين والنافلين إذ يرجع النزاع إلي أن الشدة والقوة التي اتفقوا علي ثبوت التفاوت بها زبادة ونقصانا هل هي داخلة في مقدمات حقيقة اليقين أو خارجة عنها فقد حصل الاتفاق من الفريقين علي ثبوت التفاوت فيه بأمر معين والخلاف في خصوص نسبته إلي تلك الماهية وإن كان زيادة إشراقه غير زيادة فالخلاف ثابت من الأمور الخارجة عن الماهية التي تبث بها وإلي هذا أشار الإمام في الإرشاد حيث قال في جواب سؤال نبي من الأنبياء عليهم السلام يفضل من عداه في الأيمان باستمرار تصديقه لاستمرار مشاهدة الموجب للتصديق والجلال والكمال بعين البصيرة بخلاف غيره حيث يعرب عنه ويحضر فيثبت للنبي وأكابر المؤمنين أعداد من الإيمان لايثبت لغيرهم الا بعضها فاستمرار حضور الجزم قد يخال زيادة قوة في ذاته وليس اياه أو اياه وليس داخلا اه (وقد ظهر في جميع الاطلاقات أن ما قالوه من زيادة الإيمان ونقصانه حق) صحيح (وكيف لا) يكون ذلك (وفي الأخبار انه يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان) تقدم الكلام عليه (وفي بعض المواضع في خبر أخر مثقال دينار) مكان مثقال ذرة قال العراقي متفق عليه من حديث أبي سعيد اه (فإي معني لأختلاف مقاديرهما ان كان ما في القلب لا يتفاوت) قد وقع في البخاري مثقال حبة من خردل كما تقدم وفي بعض الروايات وزن برة وفي أخري مقدار شعيرة فاختلفت المقادير وهو علي التمثيل ليكون عيارا في المعرفة لافي الوزن حقيقة لأن الخير أو الإيمان ليس بجسم فيحصره الوزن والكيل لكن من المعقول قد يرد إلي عيار محسوس ليفهم ويشبه به ليعلم وفيه أقوال اخر ذكرها شراح الصحيح * تنبية *وجدت بخط بعض المحصلين ما نصه قال الإمام البحث في زيادة الإيمان ونقصانه لفظي لأنه أن كان المراد بالإيمان التصديق فلا يقبل الزيادة والنقصان فهو مصروف إلي كامل وهو المقرون بالعمل وقال بعضهم يقبلهما سواء كان عبارة عن التصديق مع الاعمال وهو ظاهر أو بمعني التصديق وحده لأن التصديق بالقلب هو الاعتقاد الجازم وهو قابل للقوة والضعف اه وقال شارح الحاجبية الإيمان قد يطلق علي ما هو الأساس في النجاة وعلي الكامل المنجي بلا خلاف اه وبخط بعض المحصلين قال العلامة الشمس محمد البكري حيث أطلق أصحابنا أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص فمرادهم القدر الذي هو الأصل في النجاة ومن قال يزيد وينقص أراد به الكامل اه قلت وهو حسن ولكن ما أعجبني تسميته القسم الاخير بالكامل فإنه يستدعي ان يكون مقابله ناقصا وهو أن كان صحيحا في نفس الامر لكن التعبير غير حسن والأولي ان يعبر عنه بالإيمان الشرعي كما وقع في عبارات بعض المحققين وكونه يزيد وينقص قوة وضعفا أجمالا وتفصيلا وتعددا بحسب تعدد المؤمن به هو قول المحققين من الاشاعرة وارتضاه النووي وعزاه السعد في شرح العقائد لبعض المحققين وقال في المواقف انه الحق ولكن قد سبق جواب الحنفية وأنهم لم يرتضوا ذلك وسبق الكلام في القوة والضعف فراجعه * استطراد * ومن أجوبة الحنفية عن الآيات الدالة علي الزيادة ونحوها أنهم كانوا أمنوا في الجملة ثم يأتي فرض بعد فرض فكانوا يؤمنون بكل فرض خاص فكان يزيد بزيادة الموقن به وهو لا يتصور في غير عصره صلي الله عليه وسلم وهذا الجواب مروي عن أبي حنيفة وهو بعينه مروي عن ابن عباس ففي الكشاف عنه أن أول ما أتاهم به @ النبي صلي الله عليه وسلم التوحيد فلما أمنوا بالله وحده أنزل الصلاة والزكاة ثم الجهاد ثم الحج فازدادوا إيمانا علي إيمانهم اه ويوجد في أكثر نسخ الكشاف تقديم الحج علي الجهاد وهو سيق قلم إذا الجهاد فرض قبل الحج بلا خلاف قال ملا علي وحاصل كلام الإمام إن الإيمان كان يزيد بزيادة ما يجب الإيمان به وهذا مما لا يتصور في غير عصر النبي صلي الله عليه وسلم اه ويرشح لذلك قوله تعالي اليوم اكملت لكم دينكم الأية فإن هذه الأية نزلت بعد نزول أحكام الحلال والحرام والأكمال اتمام الشئ الذي بعضه متبعض من بعض لا يقال لما كان له بعد ولا لما كان به نقص وانما يقال كمل لما كان بعضه قبل بعض فإذا وجد جمعية قبل كمل وتم وهذا هو حقيقة هذه الكلمة ولما كان إيمانهم بتوحيد الله تعالي قد سبق وأنزل الله الفرائض شيأ بعد شئ وكل الاكمال من الدين دل علي أن بعضة متعلق ببعض إلي يوم أكمله فصارت زيادة الإيمان من هذا الوجه وبه تعلم اندفاع ما قيل في الرد عليهم بان الإطلاع علي تفاصيل الفرائض يمكن في غير عصره صلي الله عليه وسلم والإيمان واجب إجمالا فيما علم إجمالا وتفصيلا فيما علم تفصيلا ولا خفاء في أن التفصيلي أزيد بل أكمل وحاصل الدفع أن تلك التفاصيل لما كان الإيمان بها برمتها إجمالا فبالإطلاع عليها لم ينقلب الإيمان من النقصان إلي زيادة بل من الإجمالي إلي التفصيل فقط بخلاف ما في عصره عليه السلام فإن الإيمان لما كان عبارة عن التصديق لكل ما جاء به النبي من عند الله فكلما ازدادت تلك الجملة ازداد التصديق المتعلق به لا محالة وأما قوله ولا خفاء في أن التفصيلي أزيد بل أكمل فكونه أزيد ممنوع وأما كونه أكمل فسلم إلا أنه غير مفيد فتأمل * تكميل * ومما استدل به علي قبول التصديق اليقيني الزيادة قوله تعالي حكاية عن إبراهيم عليه السلام ولكن ليطمئن قلبي ووجه الدلالة أن عين اليقين فيه طمأنينة ليست في علم اليقين وروي عن سعيد بن جبير في معناه أي يزداد يقين عن مجاهد لا زداد إيمانا إلي إيماني فإن قيل سيدنا إبراهيم عليه السلام من أعلي الخلق مرتبة في الإيمان فكيف طلب ما يطمئن قلبه قلنا الآية مؤولة والمراد به زيادة الإطمئنان وأنه عليه السلام طلب حصول القطع بالإحياء بطريق آخر وهو البديهي والذي بداهته سبب وقوع الاحساس به وحاصله أنه لما قطع بالقدرة علي الإحياء اشتاق إلي مشاهدة كيفية هذا الأمر العجيب الذي جزم بثبوته ومثله ابن الهمام بمن قطع بوجود دمشق وما فيها من بساتين وأنهار فنازعته نفسه في رؤيتها والابتهاج بمشاهدتها فإنها لا تسكن وتطمئن حني يحصل مناها وكذا شأنها في كل مطلوب مع العلم بوجود دمشق إذا الفرض القطع بثبوته قال ابن أبي شريف يشير بهذا التأويل إلي أن المطلوب من ذلك القول هو سكون قلبه عن المنازعة إلي رؤية الكيفية المطلوب رؤيتها وهو الذي أقتصر عليه العز بن عبد السلام في جواب السؤال أو المطلوب سكونه بحصول متمناه من المشاهدة المحصلة للعلم البديهي بعد العلم النظري والله سبحانه أعلم * (غريبة) * روي الفقية أبو الليث السمرقندي في تفسيره عند قوله تعالي وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فقال حدثنا محمد بن الفضل حدثنا فارس بن مرد به حدثنا محمد بن الفضل حدثنا يحيي بن عيسي حدثنا أبو مطيع عن حماد بن سلمة عن أبي المحرم عن أبي هريرة رضي الله عنه جاء وفد ثقيف إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله الإيمان يزيد وينقص فقال لا الإيمان مكمل في القلب زيادته ونقصانه كفر فقال شارح الطحاوية سئل شيخنا العماد بن كثير عن هذا الحديث فأجاب بإن الاسناد من أبي الليث إلي أبي مطيع مجهولون لا يعرفون في شئ من كتب التواريخ المشهورة واما أبو مطيع فهو الحكيم بن عبد الله بن مسلمة البلخي ضعفه أحمد ويحيي والفلاس والبخاري وأبو داود والنسائي وأبو حاتم الرازي وأبو حاتم البستني والعقيلي وابن عدي والدار قطني وغيرهم واما أبو مخرم الراوي عن ابي هريرة اسمه يزيد بن سفيان فقد ضعفه غير واحد وتركه شعبة بن الحجاج وقال النسائي متروك وقد اتهمه شعبة @ بالوضع حيث قال لو اعطوه فليسا لحدثهم سبعين حديثا اه (مسئلة) وهى اخر المسائل الثلاث (فان قلت ما وجه قول السلف) رحمهم الله تعالى (انا مؤمن ان شاء الله) والمراد بالسلف من الصحابة والتابعين ومن بعدهم والشافعية والمالكية والحنابلة ومن المتكلمين الاشعرية والكلائية وهو قول سفيان الثورى وكان صاحبه محمد بن يوسف الغريابى مقيما بعسقلان فشهر ذلك فى الشام عنه واخذه عنه عثمان بن مرزوق فزاد اصحابه المشهورون اليوم بالمرازقة فى الديار المصرية الاستثناء فى كل شئ وهو بدعة وضلال اعنى ما زادوه واما الاصل وهو انا مؤمن ان شاء الله فهو صحيح كذا ذكره التقى السبكى فى رسالة له فى هذه المسئلة ورأيت بخط المذكور فى اخر تلك الرسالة ما نصه وممن قال بالاستثناء عبد الله بن مسعود واختلف فى رجوعه عنه وعمر بن الخطاب فى بعض روايته وعائشة قالت انتم المؤمنون ان شاء الله تعالى ومن بعدهم الحسن وابن سيرين وطاوس وابراهيم النخعى وابو وائل ومنصور ومغيرة وابن مقسم والاعمش وليث بن ابى اسلم وعطاء بن السائب وعمارة بن القعقاع والعلاء ابن المسيب واسمعيل بن ابى خالد وابن شبرمة وسفيان الثورى وحمزة الزيات وعلقمة واسحق بن راهوية وابن عيينة وحماد بن زيد والنضر بن شميل ويزيد بن زريع والشافعى واحمد بن حنبل ويحيى بن سعيد القطان وابو يحيى صاحب الحسن والاجرى وابو البحترى سعيد بن فيروز والضحاك ويزيد بن ابى زياد ومحل بن خليفة ومعمر وجرير بن عبد الحميد وابن المبارك ومالك والاوزاعى وسعيد ابن عبد العزيز وابن مهدى وابو ثور وابو سعيد بن الاعرابى رحمهم الله تعالى هكذا رأيت بخطه الا انى رتبتهم كما ترى على ترتيب الطبقات فى الغالب وقد وجدت جماعة من اضراب هؤلاء فى كتاب ألسنة اللالكائى فمن الصحابة على بن ابى طالب ومن المخالفين لهم ابن ابى مليكة وسليمان بن بريدة وعطاء ابن يسار وعبد الرحمن والد العلاء وبكير الطائى وميسرة وغيرهم (و) لا يخفى ان (الاستثناء) فلى الايمان (شك) لان وضع الاستثناء فى اللغة دخوله على المحتمل الذى يقال انه الشك فيتبادر الى الاذهان هذا الشك فى اصل التصديق الواجب عليه (والشك فى الايمان كفر) بالاتفاق (وقد كانوا كلهم يمنعون عن جزم الجواب بالايمان ويحترزون عنه فقال سفيان) بن سعيد (الثورى) تقدمت ترجمته (من قال انا مؤمن عند الله فهو من الكذابين ومن قال انا مؤمن حقا فهو بدعة) هكذا اورده صاحب القوت الا انه قال ومن قال انا مؤمن فهو مبتدع وبعده زيادة يذكرها المصنف بعد قريبا (فكيف يكون كاذا وهو يعلم انه مؤمن فى نفسه ومن كان مؤمنا فى نفسه كان مؤمنا عند الله) لا محالة (كما ان من كان طويلا) فى قامته (او سخيا) جوادا كل ذلك (فى نفسه وعلم ذلك) من نفسه (كان كذلك عند الله وكذا من كان مسرورا او حزينا او سميعا او بصيرا) او موصوفا باى صفة كانت (ولو قيل للانسان هلى انت حيوان لم يحسن) منه (ان يقول) فى الجواب (انا حيوان ان شاء الله) فانه لامعنى للاستثناء فى هذا (ولما قال سفيان) الثورى (ذلك) اى القول الذى تقدم (قيل له فماذا نقول قال قولوا آمنا بالله وما انزل الينا) وما انزل الى ابراهيم الاية هكذا اورده صاحب القوت متصلا بكلامه الذى مضى آنفا واخرج اللالكائى فى كتبا السنه من طريق حماد بن يزيد عن يحيى بن عتيق عن محمد بن سيرين اذا قيل لك أمؤمن انت فقل آمنا بالله وما انزل الينا وما انزل الى ابراهيم واسمعيل واسحق (واى فرق بين ان يقول آمنا وبين ان يقول انا مؤمن) فان فى الظاهر لا فرق بينهما (وقيل للمحسن) بن سعيد المصرى سيد التابعين تقدمت ترجمته (أمؤمن انت فقال) فى جوابه (ان شاء الله فقيل تستثنى يا ابا سعيد فى الايمان) مع جلالة قدرك وسعة عملك (فقال اخاف ان اقول نعم فيقول الله سبحانه كذبت فتحق على الكلمة) اى كلمة العذاب هكذا اورده صاحب القوت الا اته قال فيقول ربى كذبت واخرج اللالكائى فى السنة من طريق حماد بن زيد سمعت هشاما يقول كان الحسن ومحمد يقولان مسلم @ ويهابان مؤمن اه (وكان) الحسن (يقول ما يؤمننى ان يكون الله سبحانه قد اطلع على بعض ما يكره فمقتنى وقال اذهب لك عملا فانا اعمل فى غير معمل) هكذا اورده صاحب القوت متصلا بما سبق والمقت اشد الغضب والمعمل موضع العمل (وقال ابراهيم) بن يزيد النخعى فقيه الكوفة وليس هو بابن ادهم كما ظنه بعض من لا خبره له بمراجعة الاصول (اذا قيل لك أمؤمن انت فقل لا اله الا الله) محمد رسول الله هكذا اورده صاحب القوت قال وروينا عن الثورى عن الحسن بن عبد الله عن ابراهيم النخعى فذكره (وقال) سفيان (مرة) فى الجواب (قل انا لا اشك فى الايمان وسؤالك اياى بدعة) هكذا اورده صاحب القوت وزاد بعده فقال وقال بعضهم اذا قيل لك أمؤمن انت فقل آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر قلت وهذا القول اخرجه اللالكائى فى السنة من طريق احمد بن حنبل حدثنا عبد الرحمن حدثنا سفيان عن محل قال قال لى ابارهيم اذا قيل لك أمؤمن فقل آمنا بالله وملائكته وكتبه ورسله فظهر ان المراد بالبعض فى قول صاحب القوت هو ابراهيم وقد رواه ايضا بهذا الاسناد عن سفيان عن معمر عن ابن طاووس عن ابيه مثله وقال صاحب القوت وكان جماعة من اهل العلم يرون السؤال عن قولهم أمؤمن انت بدعة قلت والمراد به احمد بن حنبل كما صرح به اللالكائى (وقيل لعلقمة) بن قيس فقيه الكوفة (أمؤمن انت فقال ارجو ان شاء الله) اخرجه صاحب القوت من طريق منصور عن ابراهيم قال سئل علقمة فذكره الا انه قال ارجو ذلك ان شاء الله (وقال) سفيان (الثورى نحن مؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله ما ندرى ما نحن عند الله تعالى) هكذا اورده صاحب القوت بلفظ وكان الثورى يقول واخرج اللالكائى فى السنة من طريق ابى سعيد الاشج حدثنا ابو اسامة قال قال لى الثورى وانا وهو فى بيته ما لنا ثالث نحن مؤمنون والناس عندنا مؤمنون ولم يكن هذا افعال من مضى واخرج من طريق عبد الرازق قال قال سفيان نحنن مؤمنون عند انفسنا فاما عند الله فما ندرى ما حالنا وفى القوت وقال بعض العلماء انا مؤمن بالايمان غير شاك فيه ولا ادرى انا ممن قال الله تعالى فيهم اولئك هم المؤمنون حقا ام لا وقال منصور بن زاد ان كان الرجل من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا سئل أمؤمن انت قال انا مؤمن ان شاء الله وقال ابو وائل قال رجل لابن مسعود لقيت ركبا فقالوا نحن المؤمنون حقا فقال الا قالوا نحن من اهل الجنة قلت هذا واخرجه اللالكائى من طريق عن الاعمش عن ابى وائل ومن طريق يحيى بن سعيد انى مؤمن قال قل انى فى الجنة ولكن نؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ومن طريق معاوية عن ابى اسحق قال سألت الاوزاعى قلت انرى ان يشهد الرجل على نفسه انه مؤمن قال ومن يقول هذا قلت كيف يقول قال يقول ارجو ولكنهم المسلمون ولكن ما ندرى ما بصنع الله بهم (فما معنى هذه الاستثناءات) فى كلام السلف (فالجواب ان هذا الاستثناء صحيح وله) فى تصحيحه (اربهة اوجه وجهان مستندان الى الشك لا فى اصل الايمان) اى للشك فى ثبوت التصديق الجازم فى القلب بحال الكمل والا لكان الايمان منفيا لان الشك فى ثبوته فى الحال كفر (ولكن فى خاتمته) اى فى ابقائه الى الوفاة عليه (وكمال وجهان) منها (لا يستندان الى الشك الوجه الاول لا يستند الى معارضة الشك) وهو (الحتراز من الجزم) به (خيفة ما فيه من تزكية النفس) لا على وجه الشك والارتياب فى اليقين ولا معنى الشك فى التصديق فمن قال انا مؤمن حقا فقد زكى نفسه وعصى ربه عز وجل لانه (قال الله تعالى فلا تزكوا انفسكم) هو اعلم بمن اتقى فقد نهى فيه عن تزكية النفس وعرض المزكى نفسه للكذب (وقال) تعالى (الم تر الى الذين يزكون انفسهم ثم قال انظر كيف يفترون على الله الكذب) اشار الى ان المزكى نفسه يعرضها للكذب فاشار بالاية الاولى الى التزكية وبالثانية الى ما يعرض من التزكية (و) من هنا @ (قيل لحكيم ما الصدق القبيح فقال ثناء المرء) وفى بعض النسخ الانسان (على نفسه) وهو التزكية ولقائل ان يقول واى تزكية للنفس فى قوله انا مؤمن حقا فاشار المصنف الى جوابه فقال (والايمان من اعلى صفات المجد) وافخر ما يتحلى به (والجزم به) لنفسه بالحقيقة (تزكية مطلقة) لانه نسب الى نفسه اعلى صفات المجد (وصيغة الاستثناء) وهى ان شاء الله (كانها نقل من عرف التزكية) هكذا فى النسخ وهو المعتمد وهذا (كما يقال للانسان انت طبيب او فقيه او مفسر) او محدث او صوفى او غير ذلك من هذا الضرب (فيقول نعم ان شاء الله) فقول هذا (لا فى معرض التشكيك) بالشدة والضعف بان يكرر بعض ما ذكر اكثر واشد من بعض (ولكن لاخراج نفسه عن تزكية نفسه) الثناء عليها (فالصيغة صيغة الترديد) اذ موضوع ان فى اللغة دخولها على المحتمل الذى هو الشك فى قول (و) هو يلزم منه (التضعيف لنفس الخبر ومعناه التضعيفاللازم من لوازم الخبر وهو التزكية وبهذا التأويل) الذى حققناه (لو سئل) رجل (عن وصف ذم) كان يقول له انت جاهل او احمق او بليد (لم يحسن الاستثناء) فى الجواب وحاصل هذا الوجه ان الاستثناء يراد به التبرى عن تزكية النفس والاعجاب بالحال وقد دفعه الحنفية بان الاولى تركه لما انه يوهم الشك على ما ذكره شارح العقائد وحكموا ببطلان هذا القول وقالوا ذلك لا يصح كما لا يصح قول القائل انا حى ان شاء الله وانا رجل ان شاء الله وقال صاحب التعديل وهو صريح فى الشك فى الحال وهو لا يستعمل فى المحقق فى الحال حيث لا يقال انا شاب ان شاء الله ولعلمائنا الحنفية فى هذا المبحث كلام طويل تركته لما فى اكثره من نسبة التكفير والتضليل والتحريم الى قائله فلم استحسن ايراده اذ قد اطيق السلف على التكلم به فكيف ينسبون الى شئ مما ذكروه وسائطنا الى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ومن غلوهم وتشديداتهم سموهم مستثنية شكية وبنوا على ذلك انه لا يصلى خلف شاك فى ايمانه وارادوا به ذلك هذا الكلام والله يغفر لقائله انما صدر من متأخرين منهم اذا حقق البحث معه رجع الى امر لفظى وما اراده به من هذه المسئلة يرجع الى ما اعتقدوه بمن يقول هذه المقالة وهو برئ مما ارادوه به والائمة المتقدمون من اصحابنا لم يبلغنا عنهم ذلك وامامنا الاعظم رضى الله عنه وان كان قد نقل عنه الانكار فى هذه المقولة لم ينقل عنه مثل ما قاله هؤلاء المتأخرون من اصحابه ولئن سلمنا قولهم من التكفير والتضليل فكيف يفعلون فى عبد الله بن مسعود رضى الله عنه وابراهيم النخعى وعلقمة وهؤلاء اصول المذهب وقد ذهبوا الى ما ذهب اليه غيرهم من السلف فالاولى كف الكلام فى ذلك الا عند الضرورة مع كمال مراعاة الادب والاحترام للمشايخ القائلين بهذه القولة وعدم نسبتهم الى شئ من الضلال والابتداع فضلا عن الكفر فهذا الخلاف لفظى او معنوى لا يترتب عليه كفر ولا بدعة نعوذ بالله من ذلك وبالله التوفيق (الوجه الثانى) فى جواز الاستثناء المخرج على غير وجه الشك وهو التبرك (التأدب بذكر الله) تعالى (فى كل حال) لكون هذه الجملة مشتملة على ذكر اسم الذات (واحالة الامور كلها الى مشيئة الله سبحانه) فهو تعالى ما شاء فعل ولا يسئل عما يفعل (فقد دأب الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم فقال) مخاطبا له (ولا تقولن لشئ انى فاعل ذلك غدا الا ان يشاء الله) واذكر ربك اذا نسيت اى الاستثناء والمعنى فاستثن اذا ذكرت فتأدب صلى الله عليه وسلم بذلك احسن الادب وكان يستثنى فى الشئ يقع لا محالة كذا فى القوت (ثم لم يقتصر على ذلك فيما يشك فيه بل قال) وهو اصدق القائلين معلما لعباده الاستثناء (لتدخلن المسجد الحرام ان شاء الله آمنين محلقين رؤسكم ومقصرين) لا تخافون (وكان الله سبحانه عالما) بعلمه القديم الازلى (بانهم يدخلون) مكة كما وصف (لا محالة وانه شاء) كذلك (ولكن المقصود تعليمه ذلك) لتتعلم امته منه (فتأدب رسول الله صلى الله عليه وسلم) احسن الادب فكان يستثنى (فى كل ما كان يخبر عنه معلوما كان او مشكوكا حتى قال @ صلى الله عليه وسلم لما دخل المقابر) اى مقبرة المدينة وانما جمعها باعتبار ما حولها (السلام عليكم اهل دار قوم مؤمنين وانا ان شاء الله بكم لاحقون) ونص القون تنكير السلام وقال العراقى اخرجه مسلم عن ابى هريرة اه قلت روى لك من حديث ابى هريرة وعائشة وانس وبريدة بن الحصيب رضى الله عنه اما حديث ابى هريرة فاخرجه مسلم واللالكائى من طريق مالك واللالكائى وحده من طريق اسمعيل بن علية كلاهما عن روح بن القاسم عن العلاء عن ابيه عنه بلفظ خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم الى المقبرة فسلم على اهلها فقال سلام عليكم دار قوم مؤمنين وانا ان شاء الله بكم لاحقون ولفظ الحديث لابن علية واما حديث عائشة فاخرجه مسلم واللالكائى من طريق شريك بن عبد الله بن ابى نمر عن عطاء بن يسار عنها بلفظ ان النبى صلى الله عليه وسلم كان يخرج الى البقيع فيقول السلام عليكم دار قوم مؤمنين وانا واياكم غدا موجلون وانا ان شاء الله بكم لاحقون اللهم اغفر لاهل بقيع الغرقد واما حديث انس فاخرجه اللالكائى من طريق ابن احمد الزبيدى عن كثير بن يزيد عنه بلفظ ان النبى صلى الله عليه وسلم اتى البقيع فقال السلام عليكم وانا بكم لاحقون ان شاء الله اسأل الله ربى ان لا يحرمنا اجركم ولا يفتنا بعدكم واما حديث بريدة بن الحصيب فاخرجه مسلم واللالكائى من طريق سفيان واللالكائى وحده من طريق شعبة كلاهما عن علقمة بن مرئد عن سليمان بن بريدة عن ابيه ان النبى صلى الله عليه وسلم كان اذا اتى على المقابر وفى حديث سفيان كان النبى صلى الله عليه وسلم اذا اخرجنا الى المقابر يقول السلام على اهل الديار من المؤمنين والمسلمين زاد محمد بن بشار عن جرير بن عمارة عن سفيان انتم لنا سلف ثم اتفقوا وانا ان شاء الله بكم لاحقون نسأل الله لنا ولكم العافية وفى حديث ابن بشار اسأل الله (واللحوق بهم غير مشكوك فيه ولكن مقتضى الادب) الالهى (ذكر الله تعالى) على كل حال خصوصا عند رؤية المقابر والتفكر فى احوال الموتى والموت فانه اكد (وربط الامور به) تعالى اشارة الى تعليقه بالمشيئة (وهذه الصيغة دالة عليه) اى على التبرك والتأدب لكنه كله مستقبل وربط المستقبل بالشرط لا يستنكر (حتى صار بعرف الاستعمال) على ألسنة الناس (عبارة عن اظهار الرغبة والتمنى فاذا قيل لك ان فلانا يموت سريعا) او يقع سريعا (فنقول) فى عقبه (ان شاء الله فيفهم منه رغبتك) فى موته او وقوعه فى الهلاك (لا تشكك و) كذلك (اذا قيل لك مثلا فلان يزول مرضه ويصح) بدنه (فتقول ان شاء الله) فهو بمعنى الرغبة) والتمنى (فقد صارت الكلمة معدولة) اى مصروفة (عن معنى التشكك الى معنى الرغبة فكذلك العدول الى معنى التأدب لذكر الله تعالى) والتبرك به (كيف كان الامر) وحاصل هذا الوجه انهم خرجوا ان شاء الله ههنا الى معنى اخر غير الشك هو التبرك والتأدب واستدل عليه بالايتين وحديث المقابر ومن احسن ما يستشهد به هنا اخرجه البخارى عن ابى اليمان عن شعيب عن ابى الزناد عن العرج عن ابى هريرة رضى الله عنه انه سمع النبى صلى الله عليه وسلم قال قال سليمان عليه السلام لاطوفن الليلة على تسعين امرأة كلهن تأتى بفارس يجاهد فى سبيل الله فقال له صاحبه قل ان شاء الله فلم يقل ان شاء الله فطاف عليهن جميعا فلم تحمل منهن الا امرأة واحدة جاءت بشق رجل والذى نفس محمد بيده لو قال ان شاء الله لجاهدوا فى سبيل الله فرسانا اجمعون واخرجه مسلم كذلك من طريق اخرى نحوه ومنها ما اخرجه مسلم من طريق غندر عن شعبة عن محمد ابن زياد سمعت ابا هريرة يحدث ان النبى صلى الله عليه وسلم قال ان لكل نبى دعوة دعا بها فى امته فاستجيبت له وانى اريد ان شاء الله ان ادخر دعوتى شفاعة لامتى يوم القيامة ومنها ما اخرجه الاالكائى من طريق سعد بن اسحق بن كعب بن عجرة عن ابيه عن جده ان النبى صلى الله عليه وسلم قال لاصحابه ما تقولون فى رجل قتل فى سبيل الله قالوا الجنة قال الجنة ان شاء الله قال فما تقولون فى رجل مات فقام رجلان ذوا عدل فقالا لا نعلم الاخير قالوا الله ورسوله اعلم فقال الجنة ان شاء الله قال فما تقولون فى رجل مات فقام رجلان @ فقالا لا نعلم الا شرا فقالوا النار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد مذنب ورب غفور وفى القوت وقيل من قال افعل كذا ولم يقل ان شاء الله ساله الله عز وجل هعن هذا القول يوم القيامة فان شاء عذبه وان شاء غفر له فكل ما ذكر مستقبل وربط المستقبل بالشرط غير مستنكر وانما ينكر ربط الحال بالشرط ووضع الحنفية قولهم للتبرك مهع ظهوره فى التشكيك والترديد وفى شرح المقاصد انه للتاديب باحالة الامور الى مشيئة الله تعالى وهذا ليس فيه معنى الشك اصلا وانما هو كقوله لتدخلن المسجد الحرام الاية وكقوله عليه السلام تعليما اذا دخل المقابر قال السلام عليكم الحديث فمع المناقضة بين كلاميه تلفيق بين الاحوال المختلفة فان الاستثناء فى الاية يصح ان يكون من قبيل احالة الامور الى المشيئة بل قيل انه للتبرك بذكر اسمه سبحانه او للمبالغة فى الاستثناء فى الاخبار حتى فى متحقق الوقوع انه قد يقال التقدير لتدخلن جميعكم ان شاء الله لتاخر بعض المخاطبين من اهل الحديبية حيا او ميتا عن فتح مكة او معنى ان شاء الله اذا شاء الله وهو اتويل لطيف يرد ما فيه من اشكال ضعيف او الاستثناء عائد الى الامن لا الى الدخول او هو تعليم للعباد وكذا الاستثناء فى الحديث لا يصح ان يكون من باب احالة الامور الى المشيئة فان اللحوق بالاموات محقق بلا شبهة بل هو محمول على تعليم الامة لاحتمال تغيرهم فى المال او على ان المراد بقوله بكم خصوص اهل البقيع مثلا فى البلاد وبه يظهر لك ما فى كلام المصنف بتامل تام * (تنبيه) * ما اجاب به الزمخشرى عن قوله تعالى لتدخلن المسجد الحرام ان شاء الله من ان يكون الملك قد قاله فاثبته قرانا وان الرسول قاله فكلاهما باطل لانه جعل من القران ما هو غير كلام الله فيدخل فى وعيد من قال ان هذا الا قول البشر والله اعلم (الوجه الثالث) فى صحة الاستثناء (ومستنده الشك ومعناه انا مؤمن حقا ان شاء الله) وهذا قد اشار اليه ابو منصور البغدادى فى الاسماء والصفات فقال بعد ان نقل مذهب الاشعرى ما نصه وقد اعتبر بعض اصحاب الحديث فيه تفصيلا حسنا قال فى وصف الايمان ايمانى حق بلا استثناء واذا وصف نفسه فقال انا مؤمن ان شاء الله واعتبر بعضهم فيه تفصيلا احسن منه فقال ما الفرق بين مؤمن بالله ومؤمن عند الله فقال انا مؤمن بالله حقا من غير استثناء والحق الاستثناء بالمؤمن عند الله فقال انا مؤمن عند الله ان شاء الله لان المؤمن عند الله هو الذى وعده الله سبحانه الجنة والثواب وقال صاحب القوت الاستثناء فى الايمان سنة ماضية وفعل الائمة الراضية (اذا) الايمان مقامات والمؤمنون فيه درجات ولذلك (قال الله تعالى لقوم مخصومين) كذا فى النسخ كلها ونص القوت موصوفين (باعيانهم اولئك هم المؤمنون حقا) فهذا وصفهم بالكمال ومدحهم بخالص الاعمال ففيه دليل خطابه ان هناك مؤمنين غير حق الى هنا نص القوت زاد المصنف فقال (فانقسموا الى قسمين) قسم يطلق عليهم انهم مؤمنون حقا وقسم لا يطلق عليهم ذلك (ويرجع هذا الى الشك فى كمال الايمان لا فى اصله) اى لفظ الايمان يشمل الجميع (وكل انسان شاك فى كمال ايمانه) اى يميل اليه (وذلك ليس بكفر) كما زعموا ان الشك فى الايمان كفر وانما الموسوم بالكفر هو الشك فى اصله وثبوته للحمال بالاتفاق (والشك فى كمال الايمان حق) صحيح (من حيث ان النفاق) الذى هو اضمر القلب على خلاف ما فى ظاهره (يزيل كمال الايمان) وكلاهما محلهما القلب ولا يزيل اصل الايمان (وهو) اى النفاق (خفى) لان محله القلب ولهذا (لا يتحقق البراءة منه) فى الظاهر الا بالامارات (والثانى انه) اى الايمان (يكمل باكمال الطاعات) وهذا اذا جعلت الاعمال داخلة فى مسمى الايمان (ولا يدرى وجودها على) وجه (الكمال) اى ان المؤمن غير جازم بكمال الاعمال عنده وبهذا يشعر كلام كثير من السلف وانهم انما اثبتوا لذلك وفيه بحث سياتى فى تقرير كلام السبكى ثم سرد المصنف الايات القرانية الدالة على ما قدم ذكره من انقسام المؤمنين الى قسمين فقال تبعا لصاحب القوت (قال الله تعالى) وان فريقا من المؤمنين لكارهون يجادلونك فى الحق بعدما تبين كانما يساقون الى الموت وهم ينظرون وقال تعالى فى وصف @ اخرى يا ايها الذين امنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون وقال فى نعث الصادقين (انما المؤمنون الذين امنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا باموالهم وانفسهم فى سبيل الله اولئك هم الصادقون فيكون الشك فى هذا الصدق) الذى وصفوا به لا فى اصل الايمان (وكذلك قال الله تعالى) فى مثل وصفهم (ولكن البر من آمن بالله واليوم الاخر والملائكة والكتاب والنبيين) الاية (فشرط) ونص القوت فذكر (عشرين وصفا) الى قوله تعالى اولئك الذين صدقوا والئك هم المتقون منها الايثار بالمال على حبه (وكالوفاء بالعهد والصبر على) الامراض والجوع و(الشدائد ثم قال تعالى اولئك الذين صدقوا) واولئك هم المتقون فعند ذلك شهد لهم بالصدق والتقوى قلت هذه الاية كما ترى جامعة للكمالات الانسانية باسرها دالة عليها صريحا او ضمنا فانها مع كثرتها وتشعبها منحصرة فى ثلاثة اشياء صحة الاعتقاد وحسن المعاشرة وتهذيب النفس وقد اشير الى الاول بقوله من آمن الى قوله والنبيين والى الثانى اشار بقوله واتى المال الى قوله وفى الرقاب الى الثالثة بقوله واقام الصلاة الى اخرها ولذلك وصف المستجمع لها بالصدق نظرا الى ايمانه واعتقاده وبالتقوى اعتبارا لمباشرته للخلوة معاملة مع الحق وقد اخرج عبد الرازق عن ابى ذر بسند رجاله ثقات انه سأل النبى صلى الله عليه وسلم عن الايمان فتلا عليه هذه الاية ثم قال صاحب القوت وقال تعالى فى وصف المختبرين مع المؤمنين وان تؤمنوا وتتقوا يؤتكم اجوركم ولا يسألكم اموالكم ان يسألكموها فيحفكم تبخلوا ويخرج اضغانكم فشتان بين من وصف بالمجاهدة والصدق وبين من وصف بالخلف وعرض للمقت وبين من وصف بالحق وبين من يجادل فى الحق وكم بين من قبل منه المال والنفس وبين من رد عليه المال ولم يسأله لما علم منه من البخل والضغن واسم الايمان يجمعهم ومعناه يشتمل عليهم الا ان مقامات الايمان ترفع بعضهم بعضهم على بعض ويفاوت بين بعض وبعض (وقد قال الله تعالى يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين اوتوا العلم درجات و) فى مثله (قال تعالى لا يستوى منكم من انفق من قبل الفتح وقاتل الاية) اى الى اخرها وهو قوله تعالى اولئك اعظم درجة من الذين انفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى يعنى الجنة على تفاوت الدرجات فيها فجمع بينهم فى الدار كما جمع بينهم فى اسم الايمان ورفعهم فى الدرجات علوا فى المقامات (وقد قال تعالى هم درجات عند الله) والله بصير بما يعملون (وقال صلى الله عليه وسلم الايمان عريان ولباسه التقوى الحديث) اى الى اخره وهو قوله وزينته الحياء وحليته الورع وثمرته العلم وقد تقدم تخريجه فى كتاب العلم قال صاحب القوت ففيه معنى ان من لا تقوى له فلا لبس لايمانه ومن لا ورع له فلا زينة لايمانه ومن لا علم له فلا ثمرة لايمانه فان اتفق فاسق جاهل ظالم كان بالمنافقين اشبه منه بالمؤمنين وكان ايمانه على النفاق اقرب ويقينه الى الشك اميل ولم يخرجه من اسم الايمان الا ان ايمانه عريان لا لبس له معطل لا كسب له كما قال او كسبت فى ايمانها خيرا والنفاق مقامات وقد قيل سبعون بابا والشرك مثل ذلك وهم فيه طبقات (وقال صلى الله عليه وسلم الايمان بضع وسبعون بابا ادناها اماطة الاذى عن الطريق) قد تقدم الكلام على تخريجه قريبا والاختلاف فى قول البخارى ومسلم فى الشك فلفظ مسلم فافضلها قول لا اله الا الله وادناها اماطة الاذى عن الطريق وفى رواية اعظمها وفى اخرى اعلاها ورواه حماد بن سلمة عن سهل عن عبد الله بن دينار عن ابى صالح عن ابى هريرة بلفظ الايمان بضع وسبعون افضلها قول لا اله الا الله وادناها اماطة الاذى عن الطريق وفى رواية الليث عن ابن عجلان عن عبد الله بن دينار والايمان ستون بابا او سبعون بابا او بضع واحد من العددين اعلاها شهادة ان لا اله الا الله وادناها ان يماط الاذى عن الطريق وفى رواية عمارة بن غزية عن ابى صالح الايمان اربع وستون بابا ادناها اماطة الاذى عن الطريق والاذى اعم من ان يكون حجرا او شوكا او غصنا بارزا او غير ذلك مما يتأذى به الناس واماطته ازالته ورفعه من ذلك الموضع (فهذا ما يدل على ارتباط كمال الايمان بالاعمال) بحيث لا يكمل ولا يتم الا بها @ (واما ارتباطه بالبراءة من النفاق والشرك الخفى فقوله صلى الله عليه وسلم اربع من كن فيه فهو منافق خالص وان صام وصلى وزعم انه مؤمن من اذا حدث كذب واذا وعد اخلف واذا ائتمن خان واذا خاصم فجر) هكذا اورده صاحب القوت وقال العراقى متفق عليه من حديث عبد الله بن عمرو اه (وفى بعض الروايات واذا عاهد غدر) ونص القوت وفى غير بعض هذا الحديث واذا عاهد غدر فصارت خمسا فان كانت فيه واحدة منهن ففيه شعبة من النفاق حتى يدعها قلت اخرجه البخارى ومسلم فى الايمان واعاده البخارى فى الجزية واخرجه اصحاب السنن كلهم من طريق الاعمش عن عبد الله بن مرة عن عبد الله بن عمرو رفعه اربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها اذا ائتمنخان واذا حدث كذب واذا عاهد غدر واذا خاصم فجر اى اربع خصال من وجدت فيه كان منافقا فى هذه الخصال لا فى غيرها او شديد الشبه بالمنافقين ووصفه بالخلوص يؤيد من قال ان المراد بالنفاق العملى لا الايمانى او العرفى لا الشرعى لان الخلوص بهذين المعنيين لا يستلزم الكفر الملقى فى الدرك الاسفل من النار واخرج البخارى فى الايمان والوصايا والشهادات والادب ومسلم فى الايمان والترمذى والنسائى من طريق نافع بن مالك عن ابيه عن ابى هريرة رفعه آية المنافق ثلاث اذا حدث كذب واذا وعد اخلف واذا ائتمن خان ومفنى كذب اى اخبر بخلاف ما هو به قاصد للكذب واذا وعد بالخير فى المستقبل اخلف فلم يف وهو من عطف الخاص على العام لان الوعد نوع من التحديث وافراده لزيادة قبحه ولازم الوعد الا خلاف ولازم التحديث الكذب هما متغايران فاخبر بان يكون الملزومان متغايرين وفى بعض روايات الطبرانى اذا وعد وهو يحدث نفسه انه يخلف وهذا يدل على انه لو كان عازما على الوفاء ثم عرض له عارض او بدا له رأى فلا يتصف بالنفاق واما الخيانة فى الامانة فبان يتصدق فيها على خلاف الشرع ووجه الحصر فى هذه الثلاث لان اصل الديانة منحصر فى ثلاث القول والفعل والنية فنبه على فساد القول بالكذب وعلى فساد الفعل بالخيانة وعلى فساد النية بالخلف وقد تحصل من الحديثين خمس خصال الثلاثة المذكورة والغدر فى المعاهدة والفجور فى الخصومة فهى متغايرة باعتبار تغاير الاوصاف واللوازم ووجه الحصر فيها ان اظهار خلاف ما فى الباطن اما فى الماليات وهو اذا ائتمن وامافى غيرها وهو اما فى حالة الكدورة فهو اذا خاصم واما فى حالة الصفاء فهو اما مؤكد باليمين فهو اذا عاهد اولا فهو بالنظر الى المستقبل فهو اذا وعدو اما بالنظر الى الحال فهو اذا حدث لكن هذه الخمسة فى الحقيقة ترجع الى الثلاث لان الغدر فى العهد منطو تحت الخيانة فى الامانة والفجور فى الخصومة داخل تحت الكذب فى الحديث ثم قال القوت (وفى حديث ابى سعيد الخدرى) وابى كبشة الانمارى رضى الله عنهما قالا (القلوب اربعة قلب اجرد وفيه سراج يزهر) والاجرد هو المجرد عن الظلمات ويزهر اى يضئ وليس الواو قبل فيه فى القوت (فذلك قلب المؤمن وقلب مصفح فيه ايمان ونفاق فمثل الايمان فيه كمثل البقلة) ونص القوت كالبقلة (يمدها الماء العذب) وليس القوت (الغزير) وهو الكثير ولا يحتاج اليه كما لا يخفى (ومثل النفاق فيه كمثل القرحة يمدها القيح والصديد فاى المادتين) ونص القوت فاى المدتين (غلب) عليه (حكم له بها وفى لفظ اخر ذهبت به) ونص القوت وفى لفظا اخر ايما غلب عليه ذهب وقال العراقى اخرجه احمد من حديث ابى سعيد وفيه لبث بن ابى سليم مختلف فيه اه قلت وقال ابو نعيم فى الحلية حدثنا محمد بن عبد الرحمن حدثنا الحسن بن محمد حدثنا محمد بن حميد حدثنا جرير عن الاعمش عن عمرو بن مرة عن ابى البحترى عن حذيفة رضى الله عنه قال القلوب اربعة قلب اغلف فذلك قلب الكافر وقلب مصفح فذلك قلب المنافق وقلب اجرد فيه سراج يزهر فذلك قلب المؤمن وقلب فيه نفاق وايمان فمثل الايمان كشجرة يمدها ماء طيب ومثل النفاق كمثل القرحة يمدها قيح ودم فايهما غلب عليه غلب قلت وبه يظهر تقسيم الاربعة والمصنف تابع سياق القوت ولا يلتفت الى غيره الا @ قليلا فهذا غدره ثم قال صاحب القوت ففى تبعيض اخلاق الايمان ووجود فائق الشرك وشعب النفاق ما يوجب الاستثناء فى كمال الايمان لجواز اجتماع الايمان والنفاق فى القلب ولوجود شعب النفاق وعدم بعض شعب الايمان فى القلوب كيف (و) قد (قال صلى الله عليه وسلم اكثر منافقى هذه الامة قراؤها) ونص القوت منافقى امتى قال العراقى اخرجه احمد والطبرانى من حديث عقبة بن عامر وفيه ابن لهيعة وسيأتى فى آداب تلاوة القرآن اه ووجدت بخط الشيخ شمس الدين الداودى له طريق من غير رواية ابن لهيعة ورويناه فى صفة المنافقين للغريانى اه وقرأت فى ذخيرة الحفاظ للحافظ ابى الفضل بن ناصر الذى رتب فيه الكامل لابن عدى والكتاب عندى بخطه ما نصه رواه عبد الله بن لهيعة عن منشرح ابن هاعان عن عقبة بن عامر وابن لهيعة ليس بحجة ورواه الفضل بن المختار عن عبيد الله بن موهب عن عصمة بن خالد الخطمى ولا يتابع عليه اه ووجدت بازائه بخط الحافظ ابن حجر لم ينفرد به ابن لهيعة بل تابعه الوليد بن المغيرة مصرى صدوق وقال السيوطى فى الجامع الصغير اخرجه احمد والطبرانى والبيهقى عن ابن عمرو واحمد والطبرانى عن عقبة بن عامر عن عصمة بن مالك اه والمراد بالقراء الفقهاء اى يضعون العلم فى غير مواضعه يتعلمون العلم نفية للتهمة وهم معتقدون خلافه وكان المنافقون فى عصر النبى صلى الله عليه وسلم بهذه الصفة (وفى حديث) اخر (الشرك اخفى فى امتى من دبيب النمل على الصفا) هكذا اورده صاحب القوت وقال العراقى اخرجه ابو يعلى وابن عدى وابن حبان فى الضعفاء من حديث ابى بكر ولاحمد والطبرانى نحوه من حديث ابى موسى وسيأتى فى ذم الجاه والرياء اه قلت قال ابن عدى رواه يحيى بن كثير النضرى عن الثورى عن اسمعيل بن ابى خالد عن قيس عن ابى بكر الصديق رضى الله عنه وهذا عن الثورى ليس يرويه عنه غير يحيى بن كثير هذا اه وله فى الجامع الصغير بقية وسأدلك على شئ اذا فعلته اذهب عنك صغار الشرك وكباره الحديث وسيأتى ذكره قريبا اخرجه الحكيم الترمذى عن ابى بكر قال المناوى وظهر صنيعه انه لم يره مخرجا لاحد من المشاهير والا لما ابعد النجعة وهو ذهول فقد خرجه الامام احمد وابو يعلى وابو نعيم فى الحلية عن ابى بكر واحمد والطبرانى عن ابى موسى قلت هذا ليس بذهول من الحافظ وانما مراده بالاقتصار على تخريج الحكيم الترمذى اشارة الى انه انفرد باخراجه هكذا على التمام واما من ذكرهم بعد كاحمد والطبرانى وابى يعلى فانهم اقتصروا على الجملة الاولى الى قوله على الصفا وفى الجامع الصغير ايضا الشرك اخفى فى امتى من دبيب النمل على الصفا فى الليلة الظلماء وادناه ان تحب على شئ من الجور او تبغض على شئ من العدل وهل الدين الا الحب فى الله والبغض فى الله الحديث قال اخرجه الحكيم الترمذى فى النوادر والحاكم فى التفسير وابو نعيم فى الحلية كلهم عن عائشة قال المناوى قال الحاكم صحيح وتعقبه الذهبى بان فيه عبد الاعلى اعين قال الدار قطنى غير ثقة وقال فى الميزان عن العقيلى جاء باحاديث منكرة وساق هذا منها وقال ابن حبان لا يجوز الاحتجاج به والله اعلم * (فائدة) * قال ابن القيم الشرك شركان شرك يتعلق بذات المعبود واسمائه وصفاته وافعاله وشرك فى عبادته ومعاملته لا فى ذاته وصفاته والاول نوعان شرك تعطيل وهو اقبح انواع الشرك كتعطيل المصنوع عن صانعه وتعطيل معاملته عما يجب على العبد من حقيقة التوحيد والثانى شرك من جعل معه الها آخر ولم يعطل والثانى وهو الشرك فى عبادته اخف واسهل فانه يعتقد التوحيد لكنه لا يخلص فى معاملته وعبوديته بل يعمل لحظ نفسه تارة ولطلب الدنيا والرفعهة والجاه اخرى فلله من عمله نصيب ولنفسه وهواه نصيب وللشيطان نصيب وهذا حال اكثر الناس وهو الذى اراده النبى صلى الله عليه وسلم هنا والله اعلم (وقال حذيفة رضى الله عنه كان الرجل يتكلم بالكلمة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يصير بها منافقا الى ان يموت وانى لاسمعها من احدكم فى اليوم عشر مرات) هكذا تورده صاحب القوت قال العراقى اخرجه @ احمد باسناد فيه جهالة اه قلت قال ابو نعيم فى الحلية حدثنا ابو بكير بن مالك حدثنا عبد الله بن احمد حدثنى ابى حدثنا عبد الله بن نمر حدثنى الجهنى حدثنا ابو الرقاد وقال خرجت مع مولاى وانا غلام فدفعت الى حذيفة وهو يقول ان كان الرجل ليتكلم بالكلمة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصير بها منافقا وانى لاسمعها من احدكم فى المقعد الواحد اربع مرات لتأمرون بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتحضن على الخير لو ليسحتنكم الله بعذاب او ليؤمرن عليكم شراركم ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لكم (وقال بعض العلماء اقرب النفاق من يرى انه برئ منه) هكذا اورده صاحب القوت زاد وقال مرة اخرى آمنهم منه (وقال حذيفة) رضى الله عنه (المنافقون اليوم اكثر منهم على عهد رسول الله ثصلى الله عليه وسلم فكانوا اذا ذاك يخفونه وهم الان يظهرونه) هكذا اورده صاحب القوت ولفظه كانوا اذ ذاك وقال العراقى اخرجه البخارى الا انه قال فيه ثم بدل اكثر اه قلت واخر واخرجه ابو داود الطيالسى ومن طريقة ابى نعيم فى الحلية عن شعبة عن الاعمش عن ابى وائل قال قال حذيفة المنافقون اليوم شر منهم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يومئذ يكتمونه وهم الان يظهرونه (وهذا النفاق يضاد صدق الايمان وكماله) اراد به النفاق العملى فانه الذى يطفئ نور الايمان وكماله لا اصله (وهو خفى) المدرك (وابعد الناس منه من يتخوفه) من الوقوع (واقرب الناس منه من يرى انه برئ منه) كما تقدم النقل قريبا عن بعض العلماء (فقد قيل للمحسن البصرى يقولون ان لا نفاق فقال لو هلك المنافقون لاستوحشتم فى الطريق) اورده صاحب القوت بلفظ وقيل للمحسن ان قوما يقولون لا نفاق اليوم فقال يا ابن اخى لو هلك المنافقون لاستوحشت فى الطرقات (قال هو وغيره لو نبت للمنافقين اذناب ما قدرنا ان نطا على الارض) هكذا فى القون الا له قال وعنه وعن غيره او روى هذا الكلام عنه وعن غيره لانه روى هذا الكلام عن الحسن وعن غيره واراد بقوله ما قدرنا اى لكثرتهم ثم قال صاحب القوت (وسمع ابن عمر) هو عبد الله بن عمر (رجلا يتعرض للحجاج) لى بسوء وعبارة القوت يطعن على الحجاج (فقال) له (ارايت لو كان) الحجاج (حاضرا) بين يديك (اكنت تتكلم فيه) بما تكلمت به الان (قال لا قال كنا نعد هذا نفاقا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال العراقى اخرجه احمد والطبرانى بنحوه وليس فيه الحجاج اه ووجدت بخط من وجد بخط الحافظ ابن حجر ما نصه هو فى الغيلانيات من رواية يحيى البكاء عن ابن عمر وفيه ذكر الحجاج اه وقول المصنف (وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان ذا لسانين فى الدنيا جعله الله ذا لسانين فى الاخرة) وهو من تتمة كلام ابن عمرو وليس حديثا مستقلا كما هو ظاهر من سياق القوت حيث قال بعد قوله كنا نعد هذا نفاقا فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان ذا لسانين فى الدنيا كان له فى الاخرة لسان من نار ثم قال بعد ذلك وفى الخبر شر الناس ذو الوجهين الحديث فدل ذلك ان الذى قبله من كلام ابن عمر لا من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأمل (وقال ايضا صلى الله عليه وسلم شر الناس ذو الوجهين الذى يأتى هؤلاء بوجه) هكذا اورده صاحب القوت ولم يتعرض له العراقى فى المغنى وهو فى المتفق عليه من حديث ابى هريرة بلفظ تجدون من شر الناس ذو الوجهين يأتى هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه كذا فى المقاصد للسخاوى واخرج الطبرانى فى الاوسط عن سعد بلفظ ذو الوجهين فى الدنيا يأتى يوم القيامة وله وجهان من نار (وقيل للحسن) اى البصرى (ان قوما يقولون انا لا نخاف النفاق فقال الله لان اكون اعلم انى برئ من النفاق احب الى من طلاع الارض ذهبا) هكذا اورده صاحب القوت الا انه قال من ملأ الارض ذهبا وطلاع الارض بالكسر ملؤها (وقال الحسن ان من النفاق اختلاف اللسان والقلب و) اختلاف (السر والعلانية و) اختلاف (المدخل والمخرج) هكذا اورده صاحب القوت وهو يشير الى النفاق العملى الذى يطفئ نور الايمان كما تقدم البيان والى هذا @ اشار حذيفة رضى الله عنه فيما اخرجه ابو نعيم فى الحلية من طريق الاعش وسفيان عن ثابت بن هرمز عن ابى يحيى قال قيل لحذيفة من المنافق قال الذي يصف الاسلام ولا يعمل به (وقال رجل لحذيفة رضى الله عنه اى اخاف ان اكون منافقا فقال لو كنت منافقا ما خفت النفاق ان المنافق قد امن النفاق) هكذا اورده صاحب القوت الا انه قال ما خفت ان تكون منافقا (وقال ابن مليكة) هو عبد لله بن عبيد الله ابن ابى مليكة القرشى التميمي المكى الاحول المؤذن القاضى لابن الزبير المتوفى سنة 117 (ادركت ثلاثين ومائة وفى اخرى خمسمائة من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم) هكذا هو فى القوت او خمسمائة ويوجد فى بعض النسخ خمسين ومائة والذي فى صحيح البخارى ادركت ثلاثين قال القسطلانى اجلهم عائشة واختها اسماء وام سلمة والعبادلة الاربعة وعقبة بن الحرث والمسور ابن مخرمة رضى الله عنهم (يخافون النفاق) وعبارة القوت كلهم يخافوا النفاق على نفسه وهكذا هو فى صحيح البخارى وهو النفاق فى الاعمال لانه قد يعرض للمؤمن فى عمله ما يشوبه مما يخالف الاخلاص ولا يلزم من خوفهم ذلك وقوعه منهم وانما ذلك على سبيل المبالغة فهم فى الورع والتقوى او قالوا ذلك لكون اعمارهم طالت حتى رأوا من التغيير ما لم يعهدوه ما عجزهم عن انكاره فخافوا ان يكونوا داهنوا بالسكوت هكذا اورده البخارى فى الصحيح معلقا واخرج اللالكائى فى السنة من طريق المعافى ابن عمران عن الصلت بن دينار عن ابن ابى مليكة قال لقد اتى على برهة من الدهر وما ارانى ادرك قوما يقول احدهم انى مؤمن مستكمل الايمان ولقد ادركت كذا وكذا من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما مات رجل منهم الا وهو يخشى على نفسه النفاق (وروى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم) وفى القوت وفى الخبر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم (كان جالسا فى جماعة من اصحابه فذكروا رجلا واكثروا الثناء عليه) وفى القوت فذكروا رجلا فمدحوه وحسنوا الثناء عليه (فبيتماهم كذلك اذ طلع الرجل عليهم ووجهه يقطر ماء من اثر الوضوء) وفى القوت يقطر وجهه ماء من اثر الوضوء (قد علق نعله بيده) وفى القوت قد علق نعله بيده (وبين عينيه اثر السجود) وهو المسمى على ألسنة الناس زبيبة الصلاح (فقالوا يا رسول الله هذا الرجل الذى وصفناه) لك (فقال رسول الله) وفى القوت فلما نظر اليه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال (ارى فى) وفى القوت على (وجهه سفعة من الشيطان) يعنى ظلمة (فجاء الرجل حتى سلم وجلس مع القوم) وفى القوت حتى جلس مع القوم بعد ان سلم (فقال) له رسول الله (صلى الله عليه وسلم نشدتك بالله) وفى القوت نشدتك الله اى اقسمت عليك بالله عز وجل (حين اشرفت على القوم هل حدثتك نفسك انه ليس فيهم خير منك) وفى القوت هل حدثتك بنفسك حين اشرفت علينا انه ليس فيهم خير منك (قال اللهم نعم) قال العراقى اخرجه احمد والبزار والدارقطنى من حديث انس اه قلت وفيه صدق ما تفرس به النبى صلى الله عليه وسلم فى الرجل المذكور وبيان لمعجزته حيث اخبر عن شئ لم يصل اليه علم القوم فاطلع الله حبيبه صلى الله عليه وسلم على احواله وان باطنه مخالف لظاهره فان قد خطر فى ضميره انه افضل القوم وهذا فيه خطر عظيم ومثله كان بعد منافقا اللهم سلمنا منه يا رب العالمين (وقال صلى الله عليه وسلم فى دعائه اللهم انى استغفرك لما علمت وما لم اعلم فقيل له اتخاف يا رسول الله فقال وما يمؤمننى والقلوب بين اصبعين من اصابع الرحمن يقلها كيف يشاء) هكذا اورده صاحب القوت الا انه قال واكن من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره وقال العراقى اخرجه مسلم من حديث عائشة اللهم انى اعوذ بك من شر ما عملت وشر ما لم اعمل ولابى بكر بن الضحاك فى الشمائل من حديث مرسل وشر ما لم اعلم واخر الحديث عند مسلم عبدالله بن عمر اه قلت واخرجه ابو داود والنسائى وابن ماجة عن عائشة كسياق مسلم اللهم انى اعوذ بك من شر ما علمت وشر ما لم اعلم وفى القوت وعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ابا بكر رضى الله عنه دعاء قال @ قل فيه اللهم انى اعوذ بك ان اشرك بك وانا اعلم واستغفرك لما لا اعلم قلت واخرج احمد وابو يعلى والحكيم والترمذى وابو نعيم فى الحلية عن ابى بكر الشرك فيكم اخفى من دبيب النمل وسأدلك على شئ اذا فعلته اذهب عنك صغار الشرك وكباره تقول اللهم انى اعوذ بك ان اشرك بك وانا اعلم واستغفرك لما لا اعلم تقولها ثلاث مرات (وقال) الله (تعالى وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون) قال صاحب القوت (قبل عملوا اعمالا فظنوا) ونص القوت ظنوا (انها حسات فكانت فى كفة السيئات) ونص القوت فلما كان عند الحساب والميزان وجدوها سيآت والكفة بكسر الكاف وفتحها (وقال) ابو الحسن (السرى) كغنى هو ابن المفلس (السقطى) بالتحريك نسبة الى بيع سقط المتاع وهو من كبار العارفين خال ابى القاسم الجنيد توفى سنة 251 اخد عن معروف الكرخى وعنه ابن اخته الجنيد ويوجد هنا فى النسخ وقال سرى بلالام وهكذا هو ايضا فى القوت (لو ان رجلا دخل بستانا) ونص القوت الى بستان (فيه جميع الاشجار عليه من) ونص القوت على تلك الاشجار (جميع الاطيار فخاطبه) اى الداخل (كل طير منها بلغته) المعلومة له (فقال السلام عليك يا ولى الله) بان عرفه الله تعالى لغائهم على اختلافها (فسكنت نفسه الى ذلك) واطمأنت وحدثته بالعجب (كان اسيرا فى يديها) موثقا لديها وذلك لان الوقوف عند النعمة حجاب وسكون النفس الى شئ يدل على نقص فى المقام عند الاعلام وفى القوت قال بشر بن الحرث سكون القلب الى قبول المدح اضر عليه من المعاصى وكان سهل يقول غفلة العالم السكون الى الشئ وغفلة الجاهل الافتخار بالشئ والسكون عندهم من الدعوى والدعوى من المعاصى (وهذه الاخبار) التى تلوناها لك (والاثار) التى عرفناك بها (تعرفك) اى تنبهك على معرفة (خطر) هذا (الامر) وعظمه (بسبب دقائق النفاق) المهلكة (و) نوابغ (الشرك الخفى) من الرياء والتصنع والتزين زمخالفة الظاهر الباطن (وانه لا يؤمن منه) اى لا سبيل الى الامن منه والحفظ عنه (حتى كان عمر بن الخطاب رضى الله عنه) مع جلالة قدره وشهرة فضله وانه احد المشهود لهم بالجنة (يسأل حذيفة) بن اليمان رضى الله عنه (عن نفسه وانه هلى ذكر فى المنافقين) وذلك لان حذيفة كان اختصه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعلم المنافقين وتقدم ان عمر ما كان يصلى على جنازة حتى يحضرها حذيفة فاذا ما حضرها قال صلوا على صاحبكم وفى كتاب السنة اللالكائى اخبرنا الحسن بن عثمان اخبرنا احمد حدثنا بشر بن موسى حدثنا معاوية حدثنا ابو اسحق قال سألت الاوزاعى عن اشياء فاجاب عنها قال الاوزاعى وقد خاف عمر بن الخطاب على نفسه النفاق قلت انهم يقولون لم يخف ان يكون يومئذ منافقا حين سأل حذيفة ولكن خاف ان يبتلى بذلك قبل ان يموت قال هذا قول اهل البدع (وقال ابو سليمان الدارانى) تقدمت ترجمته فى كتاب العلم (سمعت من بعض الامراء يتكلم على المنبر بما لا ينبغى (فاردت ان انكر) عليه (فخفت) ونص القوت فخشيت (ان يأمر بقتلى ولم اخف من الموت) ونص القوت فلم يكن لى خيفة الموت (ولكن خشيت ان يعرض لقلبى التزين للخلق عند خروج روحى فكففت) عن ذلك (وهذا) الذى ذكرناه (من النفاق الذى يضاد حقيقة الايمان وصدقه وكماله وصفته) ويطفئ نوره ويحرم مزيده ويحبط الاعمال ويوجب المقت والاعراض وهو الرياء والمداهنة والتصنع للخلق (لا اصله) الذى هو التصديق الجازم بالقلب (فالنفاق) اذا (نفاقان احدهما) الذى (يخرج عن الدين ويلحق بالكافرين ويسلك فى زمرة المخلدين فى النار) وهو الشك فى دين الله عز وجل والرد لشرع رسول الله صلى الله عليه وسلم (والثانى) الذى (يفضى بصاحبه الى النار الى مدة) معلومة (او يفض) وفى بعض النسخ او ينقص (من درجات عليين ويحط عن رتبة الصديقين) وهو اختلاف القلوب وائتلاف الالسن ومخالفة ما ينهى عنه وزيادة الظواهر على السرائر وكان سهيل يقول المرائى حقا هو @ الذى يحسن ظاهره حتى لا تنكر العامة عليه ولا العلماء من ظاهره شيئا وباطنه خراب وقال عمر مولى غفرة اقرب الناس الى النفاق من اذا زكى بما ليس فيه ارتاح لذلك قلبه وابعد الناس منه من يتخوف ان لا ينجيه مما هو فيه وهذا المعنى من النفاق هو الذى خافه السلف وكانوا منه على اشفاق (وذلك مشكوك فيه) بالقلة والكثرة (فلذلك حسن الاستثناء) ثم قال (واصل النفاق) من النفق محركة سرب فى الارض يكون له مخرج من موضع اخر ونافقاليربوع اذا اتى النافقاء منه قيل نافق الرجل اذا اظهر الاسلام لاهله واضمر غير الاسلام واتاه مع اهله ايضا فقد خرج منه بذلك ثم استعمل فى معنى (تفاوت بين السر والعلانية) كما نقل ذلك عن الحسن البصرى ومنهم من عبره بتفاوت بين القول والعمل وهو قريب (و) قال بعضهم هو (الامن من مكر الله تعالى) وحقيقة المكر معنيان احدهما ان يظهر شيئا ويخفى ضده والثانى ان يكشف ما كان ستره ويفشى ما كان اسره بعد الطمأنينة والغرة وقد قال سيدنا ابراهيم عليه السلام فى احد الوجهين من تفسير قوله ولا اخاف ما تشركون به الا ان يشاء ربى شيئا ومثله قال شعيب عليه السلام وما يكون لنا ان نعود فيها الا ان يشاء الله ثم عللا جميعا بسبعة العلم وسبقه لقصور علمهما عن علمه بعد خوف المشيئة فلم يأمنا ان يكون فى سعة علم الله تعالى وفى خفى مشيئته ضد ما ظهر لهما من حكمته فيدركهما ما سبق فى عمله وانه لا مشيئة لهما فى مشيئته وهذا هو خوف المكر فالانبياء عليهم السلام مع فضلهم ومكانتهم يستثنون فى الكفر خفية المكر ولا يستثنى الضعيف الجاهل فى الايامان (و) قيل اصل النفاق (العجب) وهو تصور استحقاق الشخص رتبة لا يكون مستحقا لها (وامور اخر) هى دقائق لا يعرفها الا المعارفون (ولا يخلو عنها الا الصديقون) ومن شاء الله من ارباب الكمال من الواصلين امرنا الله فى زمرتهم بمنه وكرمه * (تنبيه) * قد بقى على المصنف فى هذا الوجه ما يحسن ايراده فمن ذلك ما اورده البخارى معلقا فى كتاب الايمان فقال وقال ابراهيم التميمى ما عرضت قولى على عملى الا خشيت ان اكون مكذبا وقد وصله البخارى نفسه فى تاريخه عن ابى نعيم واحمد فى الزهد عن ابن مهدى كلاهما عن سفيان الثورى عن ابى حيان التميمى عنه قال البخارى ايضا ويذكر عن الحسن قال ما خافه مؤمن ولا امنه الا المنافق وقال الفريابى حدثنا جعفر بن سليمان عن المعلى بن زياد قال سمعت الحسن يحلف فى هذا المسجد بالله الذى لا اله الا هو ما مضى مؤمن قط ولا بقى الا وهو من النفاق مشفق ولا مضى منافق قط ولا بقى الا وهو من النفاق امن واخرجه احمد بلفظ والله ما مضى مؤمن ولا بقى الا وهو يخاف النفاق ولا امنه الا منافق وقيل لاحمد بن حنبل ما معنى الاستثناء فى الايمان قال اليس الايمان قول وعمل قيل نعم قال فالتصديق بالقول والاستثناء فى العمل ونقش بعض اولاد التابعين على خاتمه فلان لا يشرك بالله شيئا فقال ابوه هذا اقبح من الشرك والله اعلم * (الوجه الرابع) * وهو اخر الوجوه (وهو مستند ايضا الى الشك و) ليس (ذلك) الشك فى حقيقة الايمان وانما ذلك (من خوف الخاتمة) اى الحالة التى يختم عليها للعبد (فانه لا يدرى ايسلم الايمان عند الموت) بثباته عليه (ام لا فان ختم بالكفر) عياذا بالله (حبط الايمان السابق) يقال حبط العمل من باب تعب حبوطا فسد وهدر ومن باب ضرب لغة فيه كما فى المصباح واراد به حبوط اصل الايمان (لانه موقوف على سلامة الاخرة) ولذا قالوا الخاتمة تضحك على الاعمل وحاصل ما اشار اليه انه يصح ان يقول انا مؤمن ان شاء الله بناء على العبرة فى الايمان والكفر والسعادة والشقاوة بالخاتمة حتى ان المؤمن السعيد من مات على الايمان وان كان طول عمره على الكفر والعصيان والكافر الشقى من مات على الكفر وان كان طول عمره على التصديق والشكر ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم ان احدكم ليعمل بعمل اهل الجنة حتى لا يكون بينه وبينها الا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل عمل اهل النار فيدخلها وان احدكم ليعمل عمل اهل النار حتى ما يكون بينه وبينها الا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل عمل اهل الجنة فيدخلها ونما الاعمال بالخواتيم (ولو سئل الصائم صخوة النهار) اى عند ارتفاعه @ (عن صحة صومه فقال) فى الجواب (انا صائم قطعا فلو) اتفق انه (افطر بعد ذلك) فى نهاره تبين كذبه اذ كانت الصحة موقوفة على التمام (الى غروب الشمس) فلما لم يتم الى غروب الشمس لم يصح صومه (وكما ان النهار) وهو من لدن طلوع الشمس الى غروبها واليوم من لدن طلوع الفجر الى غروب الشفق وقد يطلق احدهما على الاخر توسعا (ميقات تمام الصوم) والميقات الوقت المضروب للشئ (فالعمر) هو بقاء الانسان من لدن ولادته الى موته (ميقات تمام الايمان فوصفه بالصحة) اى انه حق صحيح (قبل اخره بناء على الاستصحاب) اى التمسك بما كان سابقا باقاء لما كان على ما كان (وهو مشكوك فيه) بعدم تساوى صدقه على افراده (والعاقبة مخوفة) وعاقبة كل شئ اخره ومخوفة اى يخاف منها (ولاجلها كان بكاء اكثر الخائفين) لله تعالى كما يعرف من سير طبقات المشايخ واحوال الاولياء ويأتى شئ من ذلك للمصنف فى ربع المهلكات (لا) جل (انها) اى العاقبة وهى الخاتمة اى حسنها (ثمرة القضية السابقة) اى نتيجتها (و) ثمرة (المشيئة الازلية) وهى العناية السابقة لايجاد المعدوم او اعدام الموجود (التى لا تظهر الا بظهور المقضى به ولا يطلع عليه بشر) وفى بعض النسخ احد من البشر (فخوف الخاتمة لخوف السابقة وربما يظهر فى الحال ما سبقت الكلمة) اى قوله انا مؤمن (بنقيضه) وضده (فمن الذى يدرى انه من الذين سبقت لهم من الله الحسنى) وفى بعض النسخ من الذى سبقت له والاولى موافق للاية فى الجملة ان الذين سبقت لهم منا الحسنى اولئك عنها مبعدون والحسنى تأنيث الاحسن فسرت بالجنة فظهر ان المعتبر هو ايمان الموافاة الواصل الى اخر الحياة قال ابو منصور البغدادى الايمان مرتبط اوله باخره وتعود احوال المكلفين فى النهايات الى ما سبق لهم فى البدايات فلابد من مراعاة العاقب فى الامور الدينية وهذا وجه الاستثناءثم شرع المصنف فى ذكر ايات واثار تدل على ذلك فقال (وقيل فى معنى قوله تعالى) ونص القوت وقال بعض العلماء فى معنى قوله عز وجل (وجاءت سكرة الموت بالحق) ذلك ما كنت منه تحيد (اى بالسابقة) زاد المصنف (اى اظهرتها) واصل السكرة من السكر بالضم وهى حالة تعرض بين المرء وعقله (وقال بعض السلف انما توزن من الاعمال خواتيمها) رضى الله عنه تقدمت ترجمته فى كتاب العلم (يحلف بالله) عز وجل (ما من احد امن ان يسلب ايمانه الا سلبه) هكذا اورده صاحب القوت ولفظه ما احد وقوله سلبه بالبناء للمجهول والضمير عائد الىعائد الى الايمان والى هذا اشار سيدنا القطب الجيلانى ان الله قد اعطانى سبعين موثقا انى لا امكر بك يا عبد القادر وفى كل مرة ازداد خوفا فهذا مقام العارفين الخائفين (ويقال من الذنوب ذنوب عقوبتها سوء الخاتمة نعوذ بالله من ذلك) ونص القوت ويقال من الذنوب ذنوب لا عقوبة لها الا وقت الخاتمة وهذا اخوف ما خاف العاملون مع قوله عز وجل ولهم اعمال من دون ذلك هم لها عاملون وقيل من الذنوب ذنوب تؤخر عقوبتها الى وقت الخاتمة لا عقوبة لها الا التوحيد فى اخر نفس (وقيل هى عقوبة دعوى الولاية والكرامة) ونص القوت وقيل هذا يكون عقوبة للدعوى للولاية والكرامات (بالافتراء) على الله عز وجل ولقد سمعت شيخنا السيد عبد الرحمن بن مصطفى العيدروسى رحمه الله تعالى يقول سمعت شيخنا الشيخ مشيخ ابن جعفر العلوى يقول الدعوى فضيحة ولو كانت صحيحة يشير الى دعوى الولاية ودعوى الكرامة يعنى ولو اثبت ما اراد اثباته باظهار شئ من خوارق العادات فانه غير معتبر عند اهل الكمال هذا اذا كان صحيحا فى نفس الامر فاما اذا كان بالافتراء والاختلاق فهو اشبه بالسحر والتخديم وهذا يورث سوء الخاتمة كما صرح به العلماء (وقال بعض العارفين) بالله تعالى (لو عرضت على الشهادة) فى سبيل الله عند باب الدار (و) عرض على (الموت على التوحيد) الخالص (عند باب الحجرة) الى دخل الدار (لاخترت الموت على التوحيد) اذ كل الصيد فى جوف الفراقيل له ولم قال (لانى ما) ونص القوت لاننى لا (ادرى @ ما يعرض قلبى من التغيير عن التوحيد) من باب الحجرة (الى باب الدار) كذا فى القوت (وقال بعضهم) اى العارفين ونص القوت وقال بعض الخائفين وكل عارف بالله خائف (لو عرفت واحد بالتوحيد) ونص القوت لو علمت احدا او عرفته على التوحيد (خمسين سنة ثم حال بينى وبينه سارية) هى الاسطوانة (ومات) وفى القوت ثم مات (ما احكم) عليه (انه مات على التوحيد) لعلمى بسرعة تقلب القلوب (وفى الحديث من قال انا مؤمن فهو كار ومن قال انا عالم فهو جاهل) هكذا هو فى القوت وقال العراقى اخرجه الطبرانى فى الاوسط الشطر الاخير منه من حديث ابن عمر وفيه ليث بن ابى سليم والشطر الاول روى من قول يحيى بن ابى كثير رواه الطبرانى فى الصغير بلفظ من قال انا فى الجنة فهو فى النار وعنده ضعيف ورواه ابو منصور الديلمى فى مسند الفردوس من حديث البراء باسناد ضعيف جدا ورويناه فى مسند الحرث ابن ابى اسامة من رواية قتادة عن عمر بن الخطاب مرفوعا وهو منقطق اه قلت هكذا نقله الحافظ السخلوى بتمامهفى المقاصد الا انه قال فى رواية الديلمى عن جابر بدل البراء فلا ادرى هو تصحيف فى نسخة المقاصد او تغيير منه قصدا فليراجع (وقيل فى قوله) تعالى وفى القوت كانت هذه الاية مبكاة للعابدين فى معنى قوله تعالى (وتمت كلمات ربك صدقا وعدلا) وقيل (صدقا لمن مات على الايمان وعدلا لمن مات على الشرك) كقوله تعالى ان الذين حقت عليهم كلمات ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل اية حتى يروا العذاب الاليم (وقد) قال تعالى ولهم اعمل من دون ذلك هم لها عاملون وقال تعالى اولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب وقال تعالى انا لموقوهم نصيبهم غير منقوص و(قال الله تعالى ولله عاقبة الامور) وقال تعالى قل لا يعلم من فى السموات والارض الغيب الا الله (ومهما كان الشك) فى الايمان بهذه المثابة (كان الاستثناء) فيه (واجبا) اى لازما (لان الايمان عبارة عما يفيد) صاحبه (الجنة كما ان الصوم عبارة عما يبرئ الذمة) اى ذمة الرب عن عتق العبد (و) من المعلوم ان (ما فسد) بالافطار (قبل الغروب لا يبرئ الذمة فيخرج عن كونه صوما فكذلك الايمان) اذا انتقض قبل الوفاة خرج عن كونه ايمانا وسيأتى لهذا بحث من كلام السبكى (بل لا يبعد) كذا فى النسخ وفى اخرى بل ينقدح (ان يسأل عن الصوم الماضى الذى لا يشك فيه) وفى نسخة عن الصوم الماضى لا لشك فيه (بعد الفراغ منه فيقال) له (اصمت بالامس فيقول نعم ان شاء الله) فربط الشرط بالماضى وهو صحيح (اذ الصوم الحقيقى) اى المعتد به عند الله (هو المقبول) عنده (والمقبول غائب) وفى نسخة غير مغيب (عنه لا يطلع عليه) لانه من امور الاخرة ولكن يظهر فى بعض الاحيان بالامارات الدالة عليه (فمن هذا) السبب (يحسن الاستثناء فى جميع اعمال البر) اى الخير (ويكون ذلك شكا فى القبول) وفى تقييد الاعمال بالبر رد على الطائفة المشهورة بالمرازقة بالديار المصرية وغيرهم ممن غلوا غاية الغلو وتجاوزوا عن الحدود حتى صار الرجل منهم يستثنى فى كل شئ فيقول احدهم هذا ثوب ان شاء الله هذا جبل ان شاء الله فاذا قيل لهم هذا لا شك فيه يقولون لكن اذا شاء الله ان يغيره ثم قال المصنف (اذ تمنع من القبول بعد جريان ظاهرة شروط الصحة اسباب خفية لا يطلع عليها الا رب الارباب فيحسن الشك فيه) بهذا الاعتبار (فهذه وجوه حسن الاستثناء فى الجواب عن الايمان) وحاصل ما فى الوجه الاخير ان الايمان الذى يتعقبه الكفر فيموت صاحبه كافرا ليس بايمان كالصلاة التى افسدها قبل الكمال والصيام الذى يفطر صاحبه قبل الغروب وهذا مأخذ كثير من اهل الكلام من اهل السنة وغيرهم وعند هؤلاء ان الله يحب فى الازل من كان كافرا اذا علم منه انه يموت مؤمنا فالصحابة مازالوا محبو بين قبل اسلامهم وابليس ومن ارتد عن دينه مازال الله يبغضه وان كان لم يكفر بعد وقد دفعه الحنفية بان الايمان اذا تحقق بشروطه كيف يكون كالصلاة التى افسدها قبل كمالها والصيام الذى يفطر صاحبه قبل الغروب قال القونوى فى شرح عقيدة الطحاوى لا كلام فى الاستثناء للخاتمة وهو واجب عندنا وانما الكلام فى الايمان وان الكفر بعد ذلك اى بعد الايمان لا يتبين انه لم يكن @ مؤمنا قبل الكفر كابليس فالسعيد قد يشقي والشقي قد يسعد وعند الأشعري العبرة للختم ولا العبرة لايمان من وجد منه التكذيب للحال فان كان في علم الله تاعلي ان هذا الشخص يختم له بالايمان فهو للحال مؤمن وانت يكفر بالله ورسوله فان في علم الله تعالي انه يختم له بكفر يكون للمحال كافرا وان كان مصدقا بالله ورسوله وقالوا ان ابليس حين كان معلما للملائكة كان كافرا واستدلوا بقوله تعالي وكان من الكافرين اي كان في علم الله واجيب عن الأية بان معناه وصار من الكافرين قال شارح العقائد والحق انه لا خلاف في المعني يعني بل الخلاف في المبني فاذا اريد بالايمان والسعادة مجرد حصول المعني اي الاذعان وقبول العبادة فهو حاصل في الحال وان اريد ما يترتب عايه النجاة والثمرات في المآل فهو في مشيئة الله تعالي لا قطع بحصوله في الحال فمن قطع بالحصول اراد الاول ومن فوض الي المشيئة اراد الثاني اه وفهم منه ان الخلاف بين الفريقين لفظي واشار اليه السبكي في عقيدته التي تقدم ذكرها في اول الكتاب وهو قوله ولقد يؤل خلافهما اما الي لفظ كالاستثناء في الايمان وذكر فيها ان ابا منصور الماتريدي مع الأشاعرة في هذه المسئلة والله اعلم (وهي) اي تلك الوجوه (أخر ما نختم بها كتاب قواعد العقائد ان شاء الله تعالي) وفيه ربط الحال بالشرط (والله اعلم) اتي بها للتأدب بتفويض العلم الي الله تعالي وللتبرك ويوجد هنا في بعض النسخ زيادة وصلي الله علي سيدنا محمد وعلي كل عبد مصطفي من اهل الارض والسماء وهي زيادة حسنة تشبه ان تكون من كلام المصنف الا اني ما وجدتها الا في نسخة ولنختم هذا الكتاب بفصول منها له تعلق بمسألة الاستثناء ومنها ما له تعلق بمبحث الايمان ومنها ما هو متمم للكتاب فصارت الفصول علي ثلاثة انواع * النوع الأول من الفصول الثلاثة ما يتعلق بمسئلة الاستثناء خاصة قال الكمالان ابن الهمام وابن ابي شريف لا خلاف بين القائلين بدخول الاستثناء والمانعيين بانه لا يقال انا مؤمن ان شاء الله لاشك في ثبوت الايمان حال التكلم بالاستثناء المذكور والا كان الايمان منفيا لان الشك في ثبوته في الحال كفر بل ثبوته في الحال مجزوم به دون شك غير ان بقاءوه الي الوفاة عليه وهو المسمي بايمان الموافاة الذي يوافي العبد عليه متصفا به آخر حياته غير معلوم له ولما كان ذلك هو المعتبر في النجاة كان هو الملحوظ عتد المتلكم في ربطه بالمشيئة وهو امر مستقبل فالاستثناء فيه اتباعا لقوله تعالي ولا تقولن لشئ ان فاعل ذلك غدا الا ان يشاء الله فلا وجه لوجوب تركه الا انه لما كان ظاهر التركيب امرين الاخبار بقيام الايمان به في الحال وان الستثناء يناقض الاخبار بقيام الايمان به في الحال كان تركه ابعد عن التهمة بعدم الجزم بالايمان في الحال الذي هو كفر فكان تركه واجبا لذلك واما من علم قصده بانه انما استثني تبركا خوفا من سوء الخاتمة فربما تعتاد النفس التردد في الايمان في الحال لكثرة اشعارها بترددها في ثبوت الايمان واستمراره وهذه مفسدة اذ قد تجر الي وجود التردد اخر الحياة للاعتياد به خصوصا والشيطان مجرد نفسه في هلاك ابن ادم لاشغل له سواه فيجب حين اذ تركه اه وفيه شيئان الاول قوله فالاستثناء فيه اتباع لقوله تعالي الخ لايخفي ان ما نحن فيه ليس داخلا في عموم مفهوم الاية لانها في الامر المستقبل وجود الابقاء والكلام في الاستثناء بنحو قوله انا شاب ان شاء الله تعالي حيث يحتمل انه يصير شيخا وهو ليس تحته طائل وادخاله تحت قوله تعالي ولا تقولن لشئ الاية لايقول به قائل وهذا البحث ابداه ملا علي القارئ من اصحابنا والثاني ان اشعار اللفظ في نفسه انما هو باعتبار التعليق وهو خلاف المفروض اذ الفرض قصد التبرك لاجل ايمان الموافاة خوفا من سوء الخاتمة وهذا البحث ابداه الكمال بن ابي شريف وحاصل القول مع قطع النظر عما يرد عليه ان المستثني اذا اراد الشك في اصل ايمانه منع من الاستثناء وهذا لا خلاف فيه واما اذا اراد انه مؤمن كامل او ممن يموت علي الايمان فالاستثناء حينئذ جائز الا ان الاولي تركه باللسان وملاحظته بالجنان وبالله التوفيق * (تنبيه) * قول من قال ان من شهد @ لنفسه بهذه الشهادة فليشهد لنفسه بالجنة فيه انه لا محذور فى هذا المقال فانه ليس من قبيل قول القائل انا طويل ان شاء الله تعالى بل ينظر قولك انا زاهد انا متق انا تائب ان شاء الله اما قاصدا هضم النفس والتواضع وهذا انام يتصور فى حق الاكابى او قاصدا جهله بحقيقة وجود شروطه وهذه الاشياء فى الحال او نظرا الى مشيئة الله تعالى من احتمال تغير الحال فى الاستقبال ولذا لما سئل ابو يزيد البسطامى هل لحيتك افضل ام ذنب الكلب فقال ا ن مت على الاسلام فلحيتى خير والا فذنبه احسن وبهذا يتبين ان من يقول انا مؤمن حقا لو قيل له انت من اهل الجنة حقا لم يقدر ان يقول نعم فانه من الامر المهم والله اعلم * استطرد * اختلف قول اصحابنا فى مثل قولك انا مؤمن انا راشد انا متق ان شاء الله تعالى اى فى كل واحد من الايمان والرشاد والتقوى مما يكتسب بالاختيار ويرجى البقاء عليه فى العاقبة والمآل ويحصل به تزكية النفس والاعجاب قال الكستلى وههنا فرق دقيق يحصل به الاستثناء فى الرشاد والتقوى دون الايمان وهو ان لرشاد اعنى الاهتداء لعمل الصالحات والتقوى اى الانتهاء عن المنهيات ليس واحد منهما شيئا محصلا يحصل تمامه لاحد فى وقت معين فليس الراشد من عمل صالحا فى الحال او فى حين من الاحيان وكذلك التقى ليس من اجتنب المحرم فى حين من احيان كونه مكلفا بل الحاصل منهما هيئة نفسانية تدعو الى امتثال الاوامر وتمنع عن ارتكاب المناهى وتلك الهيئة تقوى وتضعف وتزول وتثبت والمعتبر ما هو فى القوة والثبات بحيث يكسر الشهوات ويقهر النفس الامارة ويبقى مدة العمر وانى للانسان ذلك وكيف لا يشك فى حصوله واما الايمان فهو 7 الحصول يحصل لمن هداه الله تعالى بتمامه واما ثباته فامر خارج عن مدلول قوله انا مؤمن فلا وجه للشك والاستثناء فتأمل * (فصل) * قد الف قاضى القضاة تقى الدين السبكى رسالة صغيرة فى هذه المسئلة وذلك بسؤال ولده له اما ما هو الشيخ تاج الدين عبد الوهاب او غيره وقد يحيلون المشايخ كثيرا على هذه الرسالة وقد سيقت الى بحمد الله تعالى بخط المصنف مع جملة تأليف له وهى المسودة الاصلية فاحببت ايراد خلاصتها هنا تكميلا للفوائد فانها غريبة فى بابها وربما لا توجد عند كل احد وها انا اسوق لك مع اسقاط بعض ما لا يحتاج اليه وهو يسير قال رحمه الله تعالى مخاطبا ولده بعد الحمدلة والصلاة ما نصه وبعد فقد علمت ذكرته وفقك الله من ان جماعة الحنفية فى هذا الزمان تكلموا فى مسئلة انا مؤمن ان شاء الله تعالى وقالوا ان الشافعية يكفرون بذلك وساءنى ذلك فان هاتين الطائفتين وغيرهما من الفقهاء لا ينبغى ان يكون بينهما من الخلاف ما يفضى الى تكفير ولا تبديع وانما هو خلاف فى الفروع فانهم جميعهم من اهل السنةانما يجرى فى مسئلة فرعية او مسئلة اصولية يرجع الخلاف فيها الى امر لفظى او معنوى لا يترتب عليه كفر ولا بدعة نعوذ بالله من ذلك فلما بلغنى ما قلت تألمت لذلك واستهجنت قول قائله وعذرته بعض العذر لانى اعلم ان فى كتبهم بانه لا يصلى خلف شاك فى ايمانه وارادوا بذلك هذا الكلام والله يغفر لقائله انما صدر من متأخرين منهم اذا حقق البحث معه رجع الى امر لفظى وما اوردوه به من هذه المسئلة يرجع الى ما اعتقدوه بمن يقول هذه المقالة وهو برئ بما ارادوه به وان منهم المتقدمون لم يبلغنا عنهم ذلك وابو حنيفة رضى الله عنه وان كان قد نقل عنه انكار قول المؤمن انا مؤمن ان شاء الله لم ينقل عنه مثل ما قاله هؤلاء المتأخرون من اصحابه وكيف يقول ذلك وعبد الله بن مسعود الذى هو اصل مذهبه وشيخ شيخ شيخ شيخه قد اشتهر عنه ذلك بل هو قول اكثر السلف من الصحابة والتابعين ومن بعدهم ثم سرد اسماءهم التى سردناها فى اول هذا المبحث ثم قال وهذا القول صحيح والناس فيه على ثلاثة مذاهب منهم من يوجبه ويمنع القطع بقوله انا مؤمن ومنهم من يمنعه ويوجب القطع بقوله انا مؤمن ومنهم من يجوز الامرين وهو الصحيح والكلام فى @ هذه المسئلة طويل يحتاج الى مواد كثيرة وقواعد منتشرة وقلب سليم وفكر مستقيم ومخاطبة من يفهم عنك ما تقول ويعانى مثل ما تعانيه فى المنقول والمعقول وارتياض فى العلوم واعتدال فى المنطوق والمفهوم وطبيعة وقادة وقريحة منقادة وتجرد فى علم الطريق والسلوك وتقوى وتذكر اذا عرض له مس الشيطان فتبصر ما تنزاح به عنه الشكوك وقد يأتى فى مباحث هذه المسئلة ما اخفى عن كل احد لعزة من يفهمه او يسلم فى المعتقد لكنى ارجو من الله ان يوفقك لفهمه ويعصمك وانت على كل حال ولد صالح وهذه المسئلة تستمد من مسائل * احداها تحقيق معنى الايمان وقد صنفت فيه مجلدات ويكفى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ان تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر وذكر اللغويون قولين فى معنى ان تؤمن ومعنى الايمان احدهما وهو المشهور ان تصدق والباء للتعدية فالايمان التصديق بهذه الامور الخمسة والثانى ان تؤمن نفسك من العذاب والباء للاستعانة او السببية فالايمان جعل النفس آمنة بسبب اعتقاد هذه الامور الخكسة وعلى هذا القول يظهر جواز الاستثناء لان الامن من عذاب الله مشروط بمشيئة الله بلا اشكال وتخريج الاستثناء على هذا القول لم اجده منقولا وانا ذكرته وهذا القول لم يذكره الاكثرون ولكن الواحدى ذكره فى اول تفسيره وناهيك به ففرعت انا عليه هذا الجواب * المسئلةالثانية هل ااعمال داخلة فى مسمى الايمان او خارجة عنه ظاهر الحديث المذكور انها خارجة عنه وقد اشتهر على ألسنة السلف ان الايمان قول وعمل وجاء فى القرآن والسنة مواضع كثيرة اطلق فيها الايمان على الاعمال وههنا احتمالات اربعة احدها ان تجعل الاعمال من مسمى الايمان داخلة فى مفهومه لكن يلزم من عدمها عدمه وهذا مذهب المعتزلة والثانى ان تجعل اجزاءه داخلة فى مفهومه لكن لا يلزم من عدمها عدمه فان الاجزاء على قسمين منها ما لا يلزم من عدمه عدم الذات كالشعر واليد والرجل للانسان وكالاغصان للشجرة فاسم الشجرة صادق على الاصل وحده وعليه مع الاغصان ولا يزول بزوال الاغصان وهذا هو الذى يدل له كلام السلف وقولهم الايمان قول وعمل يزيد وينقص فان يجتمع هذان الكلامان الا على هذا المعنى ومن هنا قال الناس شعب الايمان الثالث ان تجعل الاثار اثارا خارجة عن الايمان لكنها منه وبسببه واذا اطلق عليها فبالمجاز من باب اطلاق اسم السبب على المسبب الرابع ان يقال انها خارجة باكلية لا يطلق عليها حقيقة ولا جازا وهذا باطل والمختار القول الثانى وتحقيقه ان اسم الايمان موضوع شرعا للمعنى الكلى المشترك بين الاعتقاد والقول والعمل والاعتقاد والقول دون العمل والاعتقاد وحده بشرط القول اذا عدم الجميع لانه الاصل اذا عرفت ذلك فاذا قلنا الاعمال داخلة فى مسمى الايمان كان دخول الاستثناء جائزا لان المؤمن غير جازم بكمال الاعمال عنده وبهذا يشعر كلام كثير من السلف وانهم انما استثنوا لذلك لكن هذا يقتضى احد امرين اما ان الايمان لا يحصل الا بالاعمال وقد قلنا انه مذهب المعتزلة وعليه يلزم ان من فقد الاعمال يجزم بعدم الايمان لا انه يقتصر على الاستثناء واما ان نقول ان الايمان حقيقة واحدة صادقة على القليل وهو مجرد الاعتقاد الكثير والصحيح والكثير وهو المضاف اليه الاعمال ولها مراتب ادناها اماطة الاذى عن الطريق ومؤمن اسم فاعل مشتق من مطلق الايمان فلا يشترط فيه وجود اعلى مراتبه الا ان يراد بالايمان الايمان الكامل فيصح واما اصل الايمان فلا يصح الاستثناء فيه على هذا الجواب عند هذه الطائفة على هذه الطريقة وقال بعض الناس السلف انما استثنوا لاعتقادهم دخول الاعمال فى الايمان وفيه نظر لما ذكرناه فالوجه ان يضاف الى ذلك اطلاق قولهم انا مؤمن يقتضى انه جامع بين القول والعمل فلذلك استثنوا وليس ببعيد * المسئلة الثالثة ان الايمان انما ينفع فى الاخرة اذا مات عليه فمن مات كافرا @ لم ينفعه ايمانه المتقدم وهل نقول انه لم يكن ايمان لان من شرط الايمان ان لا يعقبه كفر او كان ايمانا ولكن بطل فيما بعد لطربان ما يحبطه او كان الحكم بكونه ايمانا صحيحا موقوفا على الخاتمة كما يتوقف الحكم بصحة الصلاة والصوم على تمامها لانها عبادة واحدة مرتبط اولها بآخرها فيفسد اولها بفساد اخرها تخرج من كلام العلماء ثلاثة اقوال من ذلك والاول قول الاشعرى والثانى ظاهر القرائن تدل له حيث حكم بان المرتد يحبط عمله اذا مات كافرا والثالث اقتضاه كلام بعضهم وعلى كل الاقوال الثلاثة يصح الاستثناء للجهل بالعاقبة التى هى شرط اما فى الاصل واما فى التدين واما فى النفع ويكون الاستثناء راجعا الى اصل الايمان ولا يحتاج ان نقول ان الاعمال داخلة فيه ويلزم على هذا حصول الشك فيه لكن هذا شك لا حيلة للعبد فيه فانه راجع الى الخاتمة التى لا يعلمها الا الله وليس شكل فى اعتقاده الحاصل الان نعم هو شك فى كونه نافعا وصحيحا ومسمى عند الله ايمانا وان كان صاحبه جازما بانه ايمان قد اتى بما فى قدرته من ذلك من غير تفريط ولا تقصير ولا ارتياب عنده فيه * المئلة الرابعة ولم اجد من تعرض للخريج عليها غيرى وهى التى اشرت الى عزة من يفهمها واحتياج سامعها الى تثبيت فى الفهم بتوفيق من الله بالسلامة انا وان سلمنا ان الايمان التصديق وحده من غير اضافة الاعمال اليه ولا الامن من العذاب بسببه ولا اشتراط الخاتمة فى مسماه فنقول التصديق يتعلق بالمصدق به وهو الخمسة المذكورة فى الحديث ويشترط معرفة المصدق به فلابد للتصديق من المعرفة ويشهد لذلك ما رواه البغوى ابو القاسم من حديث يوسف بن عطية عن ثابت عن انس قال بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشى استقبله شاب من الانصار فقال له النبى صلى الله عليه وسلم كيف اصبحت يا حارثة قال اصبحت مؤمنا بالله حقا قال اتظن ما تقول فان لكل قول حقيقة قال يا رسول الله عزفت نفسى عن الدنيا فاسهرت ليلى واظمأت نهارى وكأنى بعرش ربى بارزا وكأنى انظر الى اهل الجنة يتزاورون فيها وكأنى انظر الى اهل النار يتعاوون فيها قال ابصرت فالزم عبد نور الله الايمان فى قلبه فقال يا رسول الله ادع الله لى بالشهادة فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا الحديث يذكره الصوفية كثيرا وهو مشهور عندهم وان كان فى سنده ضعف من وجهة يوسف بن عطية وهو شاهد لامرين احدهما جواز اطلاق انا مؤمن من غير استثناء والثانى الاشارة الى ما قلناه من ان هذا الاطلاق تشترط فيه المعرفة والمعرفة يتفاوت الناس فيها تفاوتا كثيرا فمعرفة الله تعالى معرفة وجوده ووحدانيته وصفاته اما ذاته فغير معلومة للبشر ووجوده معلوم لكل احد وحدانيته معلومة لجميع المؤمنين وصفاته يتفاوت المؤمنون فى معرفتها واعلى المعارف لا نهاية لها فلا يعلمها الا هو سبحانه وتعالى واعلى الخلق معرفة النبى صلى الله عليه وسلم ثم الانبياء والملائكة على مرتبهم وادنى المراتب الواجب الذى لابد منه فى النجاة من النار وفى عصمة الدم وبين ذلك وسائط كثيرة منها واجب ومنها ما ليس بواجب وكل ذلك داخل فى اسم الايمان لانه تصديق بها وبالاخلال والعياذ بالله قد يترك ذلك الواجب فقد يخرج من الايمان به وقد لا يخرج والحد فى ذلك مزلة قدم للمتكلمين والسالكين كل منهم يتكلم فيه على قدر عمله ويقف فيه على قدر خوفه واحوال القلوب فى ذلك متفاوتة جدا والمعارف الالهية المفاضة عليها من الملكوت الاعلى واسعة جدا فالخائف ما من مقام ينتهى اليه الا ويخاف ان يكون فيه على خطر وينخلع قلبه من الهيبة فيفزع الى المشيئة ويقول حسبى ان كنت اديت الواجب وسواه رجلان احدهما اقامه الله تعالى مقام البسط وانشراح الصدر باليقين فيطلق والاخر غافل عن الحالين اكتفى بظاهر العلم يكتفى عنه بالاطلاق ايضا وعلى هذه الاحوال الثلاثة يحمل اختلاف السلف فى ذلك وكل قصد الخير وتكلم على حسب حاله وليس فيهم من يكفر بعضا بل كل متكلم على قدر حاله وكل اناء بالذى فيه يرشح ومن قال من العلماء بوجوب الاستثناء غلب عليه حال استحضار تلك الامور. @ المانعة من الجزم ومن منعه غلب عليه وجوب الجزم بالتصديق وانغمرت تلك الأمور المقابلة له في قلبه ومن جوز الأمرين نظر إلى الطرفين وليس احد منهم شاكا فيما هو حاصل الآن ولا مقصرا فيما وجب عليه ولله الحمد والمنة * المسألة الخامسة قال بعض الناس أن الاستثناء للشك في القبول وهذا يلتفت على أن الإيمان هل يوصف بالقبول وعدمه أو بالصحة وعدمها أما القبول فالظاهر أنه متى حصل الإيمان والوفاة عليه قبل قطعا وكذا الصحة إذا اتفق التصديق المطابق ومات عليه فهو صحيح قطعا وإنما يكون فساده إذا صدق تصديقا غير مطابق والعياذ بالله فمن يعتقد في الله أو في صفاته ما يكفر به لا يقال أنه مؤمن إيمانا فاسدا بل ليس بمؤمن فالإيمان من الأمور التي ليس لها إلا وجه واحد كأداء الذين وما أشبهه * المسئلة السادسة جميع ما ذكرناه حملت أن فيه على ما وضعت له في اللغة من دخولها على المحتمل الذي يقال انه الشك وقد عرفناك تخريج الشك فيها على وجه لا يقتضى كفرا ولا شكا في الإيمان أما إذا قصد بها جاهل شكا في أصل التصديق الواجب عليه لا بوجه من الوجوه التي ذكرناها فذلك باطل وكفر وضلال * المسئلة السابعة أن تدخل على شرط وجزاء ولابد أن يكونا مستقبلين كقولك إن جئتني أكرمتك ولك أن تقدم الجزاء وحينئذ يكون هو عين الجزاء على مذهب الكوفيين ودليله على مذهب البصريين كقولك أنا مؤمن إن شاء الله ووضع اللسان يقتضي الاستقبال كما قلناه فيكون معناه أنا مؤمن في المستقبل كما أنا مؤمن في الحال لكن الناس لا يفهمون منها ذلك ولم يضعوا هذا الكلام إلا للاحتراز عن القطع بالإيمان في الحال فالمراد بقوله أنا مؤمن في الحال ولكنه لما تطرق إليه التردد بالاعتبارات التي ذكرناها صار له ارتباط بالمستقبل فحاز تعليقه بالمستقبل والحاضر لا يجوز تعليقه إلا على هذا الوجه أما الحاضر المقطوع به من جميع وجوهه فلا يتصور تعليقه فلا يقال أنا إنسان إن شاء الله ولا اعتبار بقول المرازقة فإنهم مبتدعة جهال ضلال ذي ذلك ولتعليق الحال بالمشيئة وجه آخر يمكن الحمل عليه بالنسبة إلى اللغة وهو أن يكون المعنى إن كان الله شاء فأنا مؤمن فهو جائز بالاعتبارات التي قلناها ولكن ذكرنا لفظ كان تصحيحا للتعليق بحسب اللغة ليصير بمعنى الثبوت في المستقبل حتى يكون الشرط مستقبلا ويكون الجزاء محذوفا يدل عليه هذا المذكور كما تقول إن أكرمتني غدا فأنا الآن فحسن إليك أي لا بدع في إكرامك لي لأني محسن إليك الآن * المسئلة الثامنة خرجوا إن شاء الله ههنا على معنى آخر غير الشك وهو التبرك أو التأدب وساق الآيتين قوله تعالى ولا تقولن لشيء الآية وقوله تعالى لتدخلن المسجد الحرام الآية ولقوله صلى الله عليه وسلم إني لا أرجو أن أكون أتقاكم وقد علم أنه أتقاهم وهذا صحيح لكنه كله مستقبل وربط المستقبل بالشرط لا يستنكر وأما الذي يتعلق بخصوصية ما نحن فيه ربط الحال بالشرط فلذلك احتجنا إلى زيادة الكلام فيه والله أعلم اه كلام التقى برمته ولم أحذف منه إلا مالا يحتاج إليه وهو قليل جدا فرحمه الله تعالى لقد كتبه في بعض نهار تاليفا ما لم يكتب غيره مثله في خمسة أيام * استطراد * خلف كلام السبكي قد تقدم لنا عنه النقل عند قول المصنف فإن قلت ما وجه قول السلف أنا مؤمن إن شاء الله ذكر أسامي جماعة من السلف ثم رأيت ذلك بعينه في كتاب السنة للالكاني إلا أن السبكي زاد عند ذكر ابن مسعود واختلف في رجوعه عنه فقد قرأت في تلخيص الأدلة لأبي اسحق الصفار قال وذكر الأستاذ أبو محمد الحارثي الحافظ في كتاب الكشف عن مناقب الإمام عن موسى بن كثير عن ابن عمر أنه خرج شاة لتذبح فمر به رجل فقال له أمؤمن أنت قال نعم إن شاء الله قال لا يذبح نسيكتي من يشك في إيمانه ثم مر به رجل فقال له أمؤمن أنت قال نعم فذبح شاته فلم يجعل من يستثني في إيمانه مؤمنا وجعله شكا في الإيمان وأسند عن عطاء أنه كان ينكر على من يستثني في إيمانه وأسند عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان يستثني في إيمانه وكذلك أصحابه فلقيهم صاحب معاذ ابن جبل وناظرهم حتى أنزل ابن مسعود وجماعته عن ذلك واستغفر ابن مسعود عن ذلك وعد ذلك خطأ @ من نفسه وأسند عن همام بن مسلم عن أبي حنيفة أنه كان لا يرى الصلاة خلف من يستثنى في إيمانه وأسند عن سفيان الثوري أنه رجع عن الاستثناء في الإيمان وروى غيره عن ابن المبارك من شك في إيمانه فليس بمؤمن ويعني بالشك أنه لا يدري هل هو مؤمن أو ليس بمؤمن وأما إذا لم يشك هذا الشك ولكنه يستثني على معنى أنه هل يبقى على الإيمان في مستقبل الوقت أو على أن قوله أنا مؤمن حقا يقتضي استكمال الإيمان بتوابعه كما يقال فلان عالم حقا أنه يقتضي استكمال العلم بما يوجبه العلم فهذا لا يكون شكا في الإيمان ولكنه يكون خطأ في القول لأن توابع الإيمان ليست من أصل الإيمان فنفس الإيمان يكون حاصلا بدون توابعه فلا يصح الاستثناء في الإيمان ألا ترى أن ابن مسعود رجع عن هذا واستغفر ولم يكن ابن مسعود شا كافي الإيمان وكذلك رجوع سفيان عن هذا الاستثناء يدل على كونه على خطأ في هذا الاستثناء وإن لم يكن شا كافي إيمانه وقد حكة أن أبا حنيفة لقي قتادة فقال له أبو حنيفة أمؤمن أنت فقال قتادة نعم إن شاء الله فقال له أبو حنيفة أرغبت عن ملة إبراهيم فإنه قال بلى لما قال له ربه أولم تؤمن وفي بعض الروايات قال له قتادة أرجو فقال له أبو حنيفة ولم ذلك قال لقوله تعالى والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين قال فهلا قلت كما قال إبراهيم بلى لما قال له ربه أولم تؤمن وفي بعض الروايات لما قال له أبو حنيفة ولم ذاك قال لقوله ولكن ليطمئن قلبي فقال له أبو حنيفة هلا قلت كما قال إبراهيم بلى حين قال له ربه أولم تؤمن فالتزم قتادة لما ألزمه أبو حنيفة بما ذكر قلت فقد ظهر بما تقدم أن المنع عن الاستثناء في الإيمان قال به جماعة من السلف ولم ينفرد به أبو حنيفة وأصحابه كما يقول المحالفون لهم بل الاختلاف حاصل في الطبقة الأولى على أنه وافقهم في ذلك جماعة من أهل الضلال قولهم كقول أصحاب أبي حنيفة وإن كان موافقتهم لا يعتد بها منهم الشمرية والثوبانية والشبيبية والغيلانية والمرليية والنجارية لا كثرهم الله تعالى كما أن الأشاعرة وافقهم من طوائف الضلال في جواز القول به جماعة وهم الخوارج والأزارقة والصفرية وغلاة الروافض وفريق من المعتزلة والله أعلم * (النوع الثني من الفصول الثلاثة في ذكر ما له تعلق بالإيمان وهذا النوع نذكر فيه ثلاثة مباحث) * (المبحث الأول) في بيان ما يتعلق بالإيمان قال الكمالان ما يجب به الإيمان هو ما جاء به محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل فيجب التصديق بجميع ما جاء به عن الله تعالى من اعتقادي وعملي وتفاصيلهما كثيرة فاكتفى بالإجمال وهو أن يقرأن بأن لا إله إلا الله محمد رسول الله إقرارا صادرا عن مطابقة جنانه واستسلامه للسانه وأما التفاصيل فما وقع منهما في الملاحظة بأن جذبه جاذب إلى تعقل ذلك الأمر التفصيلي وجب إعطاؤه حكمه من وجوب الإيمان فإن كان مما ينفي جحده الاستسلام أو يوجب التكذيب للنبي صلى الله عليه وسلم فجاحده حكم بكفره والأفسق وضلل فما ينفي الاستسلام هو كل ما يدل على الاستخفاف من الألفاظ والأفعال الدالة عليه وما يوجب التكذيب هو جحد كل ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم إدعاؤه ضرورة كالبعث والجزاء والصلوات الخمس وأما التبري من كل دين يخالف دين الإسلام فإنما شرطه بعضهم لإجراء أحكام الإسلام عليه في حق بعض أهل الكتاب الذين يقولون أن محمدا صلى الله علي وسلم إنما أرسل للعرب خاصة لا إلى أهل الكتاب لا لثبوت الإيمان له فيما بينه وبين الله تعالى لأنه لو اعتقد عموم الرسالة وتشهد فقط كان مؤمنا عند الله إذا يلزم اعتقاده ذلك التبري ولم يشترطه بعضهم لأنه عليه السلام كان يكتفي بالتشهد منهم وقد نقل إسلام عبد الله بن سلام وليس فيه زيادة على التشهد ويجاب عن هذا بأن كل من كان بحضرته صلى الله عليه وسلم من كابى أو مشرك فقد سمع منه ادعاء عموم الرسالة لكل أحد فإذا شهد أنه رسول الله لزم تصديقه إجمالا في كل ما يدعيه بخلاف الغائب فإنه لم يسمع منه فتمكنت الشبهة في إسلامه بمجرد التشهد لجواز أن ينسب إلى الناس الافتراء في ادعاء العموم جهلا بثبوت التواتر عنه به والله أعلم (المبحث الثاني في بيان أن الإيمان مخلوق أو غير مخلوق) اختلف أهل @ السنة والجماعة فقيل هو مخلوق وإليه ذهب الحرث المحاسبي وجعفر بن حرب وعبد الله بن كلاب وعبد العزيز المكي وغيرهم هكذا نقله الأشعري عنهم وإليه ذهب أهل سمرقند من الماتريدية ونقل الأشعري عن أحمد بن حنبل وجماعة من أهل الحديث أنه غير مخلوق وهو قول أهل بخاري وفرغانة من الماتريدية وهو الذي رواه نوح بن أبي مريم عن أبي حنيفة وقال صاحب المسايرة وإليه مال الأشعري ووجهه بما حاصله أن إطلاق الإيمان في قول من قال أن الإيمان غير مخلوق ينطبق على الإيمان الذي هو من صفات الله لأن من أسمائه الحسنى المؤمن وإيمانه هو تصديقه في الأزل بكلامه القديم وإخباره الأزلي بوحدانيته كما دل عليه قوله تعالى أنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني ولا يقال أن تصديقه محدث ولا مخلوق تعالى أن يقوم به حادث اه ولا يخفى أن الكلام ليس في هذا المرام إذ أجمعوا على أن ذاته وصفاته تعالى أزلية قديمة وإن اعتبر هذا المعنى لا يصح أن الصبر والشكر ونحوهما غير مخلوق حيث ورد معانيهما في أسمائه الحسنى بل السمع والبصر والحياة والقدرة وأمثالها ولا أظن بأن أحدا قال بهذا العموم وأوجب الكفر لهذا المفهوم الموهوم لأن صفاته تعالى مستثناة عقلا ونقلا وعلل أهل بخاري بأن الإيمان أمر حاصل من الله للعبد لأنه تعالى قال بكلامه الذي ليس بمخلوق فاعلم أنه لا إله إلا الله وقال تعالى محمد رسول الله فيكون المتكلم بمجموع ما ذكر قد قام به ما ليس بمخلوق وكما أن من قرأ القرآن كلام الله الذي لبس بمخلوق وهذا غاية متمسكهم ونسبهم مشايخ سمرقند إلى الجهل إذ الإيمان بالوفاق هو التصديق بالجنان والإقرار باللسان وكل منهما فعل من أفعال العبد مخلوقة لله تعالى باتفاق أهل السنة والجماعة قال ابن الهمام في المسايرة ونص أبي حنيفة في الوصية في خلق الإيمان حيث قال نقر بأن العبد مع أعماله وإقراره ومعرفته مخلوق هذا وقد نقل بعض أهل السنة أنهم منعوا من إطلاق القول بحلول كلامه سبحانه في لسان أو قلب أو مصحف وإن أريد به اللفظي رعاية للأدب مع الرب لئلا يتوهم متوهم إرادة نفس القديم والله أعلم (المبحث الثالث) في بيان أن الإيمان باق مع النوم والغفلة والإغماء والموت وأن كلا منهما لا يضاد التصديق والمعرفة حقيقة لأن الشرع حكم ببقاء حكمهما إلى أن يقصد صاحبها إلى إبطالها باكتساب أمر حكم الشرع بمنافاته لهما فيرتفع ذلك الحكم خلافا للمعتزلة في قولهم أن النوم والموت يضادان المعرفة فلا يوصف النائم والميت بأنه موقن كذاذ كره ابن الهمام لكنه مخالف لما في المواقف عنهم أنهم قالوا لو كان الإيمان هو التصديق لما كان المرء مؤمنا حين لا يكون مصدقا كالنائم حال نومه والغافل حين غفلته وأنه خلاف الإجماع اه فارتفع النزاع فتأمل * (خاتمة المباحث) * في بيان ما يقابل الإيمان وهو الكفر أعاذنا الله منه اختلفوا في المقابلة بين الكفر والإيمان هل هي مقابلة الضدين أو مقابلة العدم والملكة فمن قال بالأول قال الكفر عبارة عن إنكار ما علم بالضرورة مجيء الرسل به ومن قال بالثاني فسره بقوله عدم الإيمان عما من شأنه أن يكون مؤمنا وعلى كلا القولين يخرج ارتكاب الذنوب إذ لا يكون مرتكبها بارتكابه إياها منكر الشيء من الدين معلوما ضرورة أنه منه وهذا ظافر ولم يخالف فيه أحد من أهل السنة والجماعة لا يقال قد خالف جماعة من الفقهاء حيث يكفر من ترك فرضا من الفروض الخمسة أعني الصلاة وأخواتها لأنا نقول إنما كفروه بذلك لأن الشارع جعل ذلك علامة على كفره لقوله عليه السلام ليس بين المؤمن والكافر إلا ترك الصلاة كما جعل السجود للصنم وإلقاء المصحف في القاذورات وأمثال ذلك كفرا وليس من التكفير بمجرد الذنب يبقى النظر في الأدلة الشرعية التي جعلت هذا علامة الكفر في كون هذا علامة لاحتمال أن يكون الترك كسلا لا استهزاء ولا استحلالا بتركها وهذا نظر آخر فاعرفه والمسئلة اجتهادية والحق عدم التكفير وسيأتي لذلك بسط والله أعلم * (النوع الرابع من الفصول الثلاثة) * في بيان مسائل إعتقادية يتمم بها كتاب قواعد العقائد وهي في فصول @ * (فصل) * العبد مادام عاقلا بالغا لا يصل إلى مقام يسقط عنه الأمر والنهي لقوله تعالى واعبد ربك حتى يأتيك اليقين قد أجمع المفسرون على أن المراد به الموت وذهب بعض أهل الإباحة إلى أن العبد إذا بلغ غاية المحبة وصاف قلبه من الفضلة واختار الإيمان على الكفر والكفر إن سقط عنه الأمر والنهي ولا يدخله الله النار بارتكاب الكبائر وبعضهم إلى أنه تسقط عنه العبادات الظاهرة ويكون عبادته التفكر وتحسين الأخلاق الباطنة وهذا كفر وزندقة وجهالة وضلالة وأما قوله عليه السلام إذا أحب الله عبدا لم يضره الذنب فمعناه أنه إذا عصمه من الذنوب فلم يلحقه ضرر العيوب أو وفقه للتوبة بعد الحوبة ومفهوم هذا الحديث أن من أبغضه الله فلا تنفعه طاعة حيث لا تصدر عنه عبادة صالحة بنية صادقة ولذا قيل من لم يكن للوصال أهلا * فكل طاعة له ذنوب وأما ما نقل عن بعض الصوفية من أن العبد السالك إذا بلغ مقام المعرفة سقط عنه تكليف العبادة فوجهه بعض المحققين منهم بأن التكليف مأخوذ من الكلفة بمعنى المشقة والعارف يعبد ربه كلفة ولا مشقة بل يتلذذ بالعبادة وينشرح قلبه بالطاعة ويزداد شوقه ونشاطه بالزيادة علما بأنها سبب السعادة ولهذا قال بعض المشايخ الدنيا أفضل من الآخرة لأنها دار الخدمة والآخرة دار النعمة ومقام الخدمة أولى من مرتبة النعمة وقد حكي عن علي رضي الله عنه أنه قال لو خيرت بين المسجد والجنة لاخترت المسجد لأنه حق الله سبحانه والجنة حظ النفس ومن ثمة اختار بعض الأولياء طول البقاء في الدنيا على الموت مع وجود اللقاء في العقبى والحاصل أن الترقي فوق التوقف كالتدلي والله أعلم * (فصل) * الحرام رزق لأن الرزق اسم لما يسوقه الله تعالى إلى الحيوان فيتناوله وينتفع به وذلك قد يكون حلال وقد يكون حراما وذهب المعتزلة إلى أن الحرام ليس برزق لأنهم فسروه تارة بمملوك يأكله المالك وأخرى بما لم يمنعه الشارع من الانتفاع به وذلك لا يكون إلا حلالا ويرد عليهم أنه يلزم على الأول أن لا يكون ما تأكله الدواب بل العبيد والإماء رزقا على الوجهين الأخيرين وإن من أكل الحرام طول عمره لم يرزقه الله تعالى ويرد الوجوه الثلاثة قوله تعالى وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها فيستوفي كل رزق نفسه حلالا كان أو حراما ولا يتصور أن لا يأكل الإنسان رزقه أو يأكل غيره لأن ما قدره الله تعالى غذاء لشخص يجب أن يأكله ويمنع أن يأكل غيره وأما الرزق بمعنى الملك فلا يمتنع أن يأكله غيره ومنه قوله تعالى ومما رزقناهم ينفقون والله أعلم * (فصل) * الدعاء مخ العبادة كما في حديث وقال الله تعالى ادعوني أستجب لكم وأنكرت المعتزلة أن يكون للدعاء تأثير في تغيير القضاء ورد بأن الدعاء يرد البلاء إذا كان على وفق القضاء والمراد بالقضاء هو المعلق لا المبرم واختلف في أن الدعاء أفضل عند نزول البلاء أم السكوت والرضا فقيل الأول لأنه عبادة في نفسه وهو مطلوب ومأمور بفعله وقبل السكوت والخمود تحت جريان الحكم أتم رضا ولا يبعد أن يقال الأتم هو أن يجمع بينهما بأن يدعو باللسان ويكون في الجنان تحت الجريان بحكم الجنان وقيل الأولى أن يقال إن الأوقات مختلفة ففي بعضها الدعاء أفضل والفاصل بينهما الإشارة فمن وجد في قلبه إشارة إلى الدعاء فهو وقته كما ورد من فتح له أبواب الدعاء فتحت له أبواب الإجابة أو الرحمة أو الجنة ومن وجد في قلبه إشارة إلى السكوت فهو وقته كما جاء عن إبراهيم عليه السلام لما قال له جبريل عليه السلام ألك حاجة قال ما إليك فلا قال فاسأل ربك قال حسبي من سؤالي علمه بحالي ويجوز أن يقال ما كان للعباد فيه نصيب ولله تعالى فيه حق فالدعاء أولى وما كان فيه حظ النفس للداعي فالسكوت عنه أولى وهذا أعلى وأغلى والله أعلم * (فصل) * اتفق أهل السنة على أن الأموات ينتفعون من سعى الأحياء بأمرين أحدهما ما تسبب إليه الميت ف حياته والثاني دعاء المسلمين واستغفارهم له والصدقة والحج على نزاع فيما يصل من ثواب @ الحج فعن محمد بن الحسن أنه إنما يصل للميت ثواب النفقة والحج للحاج وعند عامة أصحابنا ثواب الحج للمحجوج عنه وهو الصحيح واختلف في العبادات البدنية كالصوم والصلاة وقراءة القرآن والذكر فذهب أبو حنيفة وأحمد وجمهور السلف إلى وصولها والمشهور من مذهب الشافعي ومالك عدم وصولها وذهب بعض أهل البدع من أهل الكلام إلى عدم وصول شيء البتة لا الدعاء ولا غيره وقوله مردود بالكتاب والسنة واستدلاله بقوله تعالى وأن ليس للإنسان إلا ما سعى مدفوع بأنه لم ينف انتفاع الرجل بسعي غيره وإنما نفي ملك غير سعيه وأما سعي غيره فهو ملك لساعيه فإن شاء أن يبذله لغيره وإن شاء أن يبقيه لنفسه وهو سبحانه وتعالى لم يقل أنه لا ينتفع إلا بما سعى ثم قراءة القرآن وإهداؤه له تطوعا بغير أجرة يصل إليه أما لو أوصى بأن يعطي شيء من ماله لمن يقرأ القرآن على قبره فالوصية باطلة لأنه في معنى الأجرة كذا في الاختيار والعمل الآن على خلافه فالأولى أن يوصي بنية التعلم والتعليم ليكون معونة لأهل القرآن فيكون من جنس الصدقة عنه فيجوز ثم القراءة عند القبور مكروهة عند أبي حنيفة ومالك وأحمد في رواية لأنه لم ترد به السنة وقال محمد بن الحسن وأحمد في رواية لا تكره لما روى عن ابن عمر أنه أوصى أن يقرأ على قبره وقت الدفن بفواتح سورة البقرة وخواتمها والله أعلم * (فصل) * كره أبو حنيفة وصاحباه أن يقول الرجل أسألك بحق فلان أو بحق أنبيائك ورسلك أو بحق البيت الحرام والمشعر الحرام ونحو ذلك إذ ليس لأحد على الله حق وكذلك كره أبو حنيفة ومحمد أن يقول الداعي اللهم إني أسألك بمعاقد العز من عرشك أو بمقاعد وأجازه أبو يوسف لما بلغه الأثر فيه وأما ما ورد من قو الداعي اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك وبحق ممشاي إليك فالمراد بالحق الحرمة أو الحق الذي وعده بمقتضى الرحمة والله أعلم * (فصل) * في المنار لحافظ الدين النسفي أن القرآن اسم للنظم والمعنى وما ينسب للإمام أبي حنيفة أن من قرأ بالصلاة بالفارسية أجزاه فقد رجع عنه وقال لا يجوز بغير العربية إلا مع عدم القدرة وقالوا لو قرأ بغير العربية فإما أن يكون مجنونا فيداوي أو زنديقا فيقتل لأن الله تعالى تكلم بهذه اللغة والإعجاز حصل بنظمه ومعناه قلت ونقل الغنيمي في حاشية أم البراهين ما نصه قالوا ومن الجلي الواضح أن وضع اللغات ليس إلا لتفهيم السامع فالمحوج إليه التكليم والخطاب لا التكلم والكلام قال ومن هذا يظهر نفي الأئمة رضي الله عنهم فالشافعي مثلا لا يجوز الترجمة بالفارسية ونحوه لأن الثابت للضرورة يتقدر بقدرها والرخص لا يتعدى بها مورد النص وأبو حنيفة لم يجوز التلاوة بالترجمة وإنما حكم بصحة صلاة المترجم للقراءة من حيث أن الأصول محفوظة جائز تبلغها باللغة المترجم بها لو كانت لسان النبي المبلغ له اه فانظره مع كلام صاحب المنار وهل يساعد أو يضاده والله أعلم * (فصل) * تصديق الكاهن بما يخبر به من الغيب كفر لقوله تعالى لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله ولقوله عليه السلام من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ثم الكاهن هو الذي يخبر عن الكوائن في مستقبل الزمان ويدعي معرفة الأسرار في المكان وقيل هو الساحر والمنجم إذا ادعى العلم بالحوادث الآتية فهو مثل الكاهن وفي معناه الرمال قال القونوي والحديث يشمل الكاهن والعراف والمنجم فلا يجوز اتباع المنجم والرمال وغيرهما كالضارب بالحصى وما يعطي هؤلاء حرام بالإجماع كما نقله البغوي والقاضي عياض وغيرهما ولا اتباع من ادعى الإلهام فيما يخبر به عن إلهاماته بعد النبي صلى الله عليه وسلم ولا اتباع قول من ادعى علم الحروف المهجاة لأنه في معنى الكاهن اه قال ملا على ومن جملة علم الحروف فأل المصحف حيث يفتحونه وينظرون في أول الصحيفة أي حرف وافقه وكذا في الورقة السابعة فإن جاء حرف من الحروف المركبة من تسخلاكم حكموا بأنه غير مستحسن وفي سائر الحروف بخلاف ذلك وقد صرح ابن العجمي في منسكه فقال اختلفوا فى الفأل فكرهه @ بعضهم وأجازه آخرون ونص المالكية على تحريمه اه ولعل من أجاز الفال أو كرهه اعتمد على المعنى ومن حرمه اعتبر حروف المبنى فإنه في معنى الاستقسام بالأزلام قلت بل هو تلاعب بالقرآن وقال الكرماني ولا ينبغي أن يكتب على ثلاث ورقات من البياض افعل لا تفعل أو يكتب الخير والشر ونحو ذلك فإنه بدعة اه وذكر في المدارك ما يدل على أنه حرام بالنص فراجعه وقال الزجاجي لا فرق بين هذا وبين قول المنجمين لا تخرج من أجل نجم كذا أو اخرج لطلوع الشمس كذا قلت ولا بطال هذه الأشياء جعل النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الاستخارة وبعدها الدعاء المأثور كما هو المشهور وقد ورد ما خاب من استخار ولا ندم من استشار وقال شارع الطحاوية الواجب على ولي الأمر وكل قادر أن يسعى في إزالة هؤلاء المنجمين والكهان والعرافيين وأصحاب الضرب بالرمل والحصى والقرع والفالات ومتعهم من الجلوس في الحوانيت أو الطرقات أو أن يدخلوا على الناس في منازلهم لذلك ولا يكفي من يعلم تحريم ذلك ولا يسعى في إزالته مع قدرته لذلك لقوله تعالى كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون وهؤلاء الملاعبين يقولون الإثم ويأكلون السحت بإجماع المسلمين وهؤلاء الذين يفعلون هذه الأفعال الخارجة عن الكتاب والسنة أنواع نوع منهم أهل تلبيس وكذب وخداع الذين يظهر أحدهم طاعة الجن له أو يدعي الحال من أهل الحال كالمشايخ النصابين والفقراء الكذابي والطرقية والمكارين فهؤلاء يستحقون العقوبة البليغة التي تردعهم وأمثالهم عن الكذب والتلبيس وقد يكون في هؤلاء من يستحق القتل كمن يدعي النبوة بمثل هذه الخزعبلات أو يطلب تغير شيء من الشريعة ونحو ذلك ونوع منهم يتكلم في هذه الأمور على سبيل الجد والحقيقة بأنواع السحر وجهور العلماء يوجبون قتل الساحر كما هو مذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد في المنصوص عنه وهذا هو المأثور عن الصحابة رضي الله عنهم واتفقوا على أن ما كان من جنس دعوة الكواكب السبعة أو غيرها أو خطابها أو السجود لها والتقرب إليها بما يناسبها من اللباس والخواتم والبخور ونحو ذلك فإنه كفر وهو أعظم أبواب الشر واتفقوا على أن كل رقية وتعزيم أو قسم فيه شرك بالله فإنه لا يجوز التكلم به وكذا الكلام الذي لا يعرف معناه ولا يتكلم به لا مكان أن يكون فيه شرك لا يعرف ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لا بأس بالرقي ما لم تكن شركا ولا يجوز الاستعانة بالجن في قضاء حوائجه وامتثال أوامره وإخباره بشيء من المغيبات ونحو ذلك واستمتاع الجني بالإنسي هو تعظيمه إياه واستقامته واستعانته وخضوعه له ونوع منهم بالأحوال الشيطانية والكشوف بالرياضات النفسانية ومخاطبة رجال الغيب وأن لهم خوارق يقتضي أنهم أولياء الله تعالى وكان من هؤلاء من يعين المشركين على المسلمين ويقولون أن الرسول أمرهم بقتال المسلمين مع المشركين لكون المسلمين قد عصوا هؤلاء في الحقيقة أخوان المشركين واتباع الشياطين وإن ثبت وجودهم فإنهم من الجن لأن الإنس إنما لا يكون محتجبا عن أبصار الإنس وإنما يحتجب أحيانا فمن ظن أنهم من الإنس فمن غلطه وجهله وسبب الضلالة فيهم والاختلاف عدم الفرق بين أولياء الرحمن وبين أولياء الشيطان وبالجملة فالعلم بالغيب أمر تفرد به سبحانه ولا سبيل إليه للبعاد إلا بإعلام منه وإلهام بطريق المعجزة أو الكرامة أو إرشاد إلى الاستدلال بالإمارات فيما يمكن فيه ذلك ومن اللطائف ما حكاه بعضهم أن منجما صلب فقيل لها هل رأيت هذا في نجمك فقال رأيت رفعة ولكن ما عرفت أنها فوق خشبة والله أعلم * (خاتمة) * الفصول ذكرت فيها عقيدة مختصرة لي أحببت إدراجها هنا اقتداء بالأئمة الأعلام وإشارة برزت لي بإلهام في المنام أسأل الله تعالى أن يتقبلها من بمنة ويحلني بها في أعلى الفردوس مع أمنه وهي هذه بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد النبي الصادق الوعد الأمين وعلى آله الطيبين الطاهرين وأصحابه الأكرمين وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد فهذه جملة عقائد الدين وأركان عموده المتين ومدارها على ثلاثة الإيمان والإسلام والإحسان @ لحديث جبريل عليه السلام المخرج في الصحيحين فأول ما يجب على المكلف الإيمان وهو التصديق الباطني بكل ما جاء به النبي مما علم بالضرورة إجمالا في الإجمالي وتفصيلا في التفصيلي والإجمالي لابد منه لصحة الإيمان ابتداء كان يقول آمنت بالله كما هو بأسمائه وصفاته والتفصيلي يشترط فيه الدوام والأعمال مكملات والمؤمن به خمسة في الحديث المذكور الله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وزيد في بعض الروايات والقدر خيره وشره فالإيمان الواجب أولا على كل عبد الله هو التصديق بالله تعالى بأنه واحد أحد لا شريك له موجود ليس كمثله شيء ولا يشبهه شيء منفرد بالقدم بصفاته الذاتية والفعلية فصفة فعله التكوير وصفات ذاته حياته وعلمه وقدرته وإرادته وسمعه وبصره وكلامه حي عليم قدير والكلام له باق سميع بصير ما أراد جرى أحدث العالم باختياره منزه عن الحد والضد والصورة لا يكون إلا ما يشاء لا يحتاج إلى شيء وهو حليم عفو غفور والإيمان بالملائكة بأنهم أمناؤه على وحيه وبالكتب المنزلة بحقيقة ما فيها وبالرسل بأنهم أفضل عباد الله وباليوم الآخر بشرائطه وتوابعه وأوله حين قام الموتى وما بين ذلك إلى وقت الموت فهو البرزخ والإيمان بالقدر بأن كل ما كان ويكون فبقدرة من يقول للشيء كن فيكون وأما الإسلام فهو التسليم الظاهر لما جاء من عند الله على لسان حبيبه صلى الله عليه وسلم وهو الشهادتان للقادر عليهما وأقام الصلاة بشروطها وأركانها وابتداء الزكاة بشروطها وأركانها وصوم رمضان بشروطه وأركانه وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا بشروطه وأركانه وأما الإحسان فإن تعبد الله كأنك تراه بغاية المراقبة ونهاية الإخلاص والتمسك بالتقوى فإنه السبب الأقوى فالإيمان مبدأ والإسلام وسط والإحسان كما والدين الخالص عبارة عن هذه الثلاثة هنيئا لمن صح إسلامه ونال من الدين أدنى نصيب أقام الصلاة وآتى الزكاة وصام وحج وزار الحبيب فهذا جملة ما يجب اعتقاده في أصول الدن وما عدا ذلك خوض فيما لا يليق والبحر عميق والسفر طويل والزاد قليل فعليكم إخواني بدين الإعراب والعجائز هدانا الله وإياكم إلى الطريق الأقوم والإثابة بأسنى الجوائز هذا وقد جف عرق جياد الأفهام وقطعت صحاري الطروس مطايا الأقلام واستراح العقل عن نكر الاستنهاض واعشوشب روض الآمال وارتاض بعد صلاة الظهر من يوم الأربعاء لخمس بقين من شهر رجب سنة 1197 بمنزلي بسويقة لالا بسم اله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم الله ناصر كل صابر الحمد لله الذي حلى سرائرنا بالعقائد الصحية المنجية في دار القرار وهذب ظواهرنا بأسرار الطهارة وبواطننا بطهارة الأسرار وجعل خواطرنا خزائن لدقائق معارفه المحفوظة بالأنوار وأودع قلوبنا من جواهر الحكم الزواهر ما أشرقت كواكبها في رابعة النهار والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد عبده ورسوله ونبيه وصفيه المختار الذي بعثه وطرق الإيمان قد عفت منه الآثار فأحياه أحياء الأرض بوابل الأمطار ونشره في جميع الأقطار حتى ضرب الناس بعطن وبلغوا به غايات الأوطار صلى الله عليه وعلى آله السادة الأطهار وأصحابه الخيرة الأبرار والتابعين لهم بإحسان أولئك لهم عقبى الدار وسلم تسليما وزاده شرفا وتعظيما (أما بعد) فهذا شرح (كتاب أسرار الطهارة ومهماتها) وهو ثالث كتاب من كتب إحياء علوم الدين للإمام العدل الثقة حجة الإسلام أبي حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي سقاه الله من صوب الرحمة أغدقه وأهدى إلى روحه من نسيم المغفرة أعبقه وقد وفقني الله جلت نعماؤه وتقدست أسماؤه إلى توضيحه وتقريره وأرشدني إلى تهذيبه وتحريره والسلوك في شعابه والترويض لصعابه والخوض في لجمعه والإمداد بإثبات حججه وحل ألفاظه ومعانيه حتى وضح سبيله لمعانيه وراق زلال فوائده وامتدت ظلال عوائده وعلا مكان منقوله وثبتت أركان معقوله بعد اختياري الآن ومراجعتي لمصنفات المذهبين فمنها في مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه الذي هو مذهب المصنف شرح الوجيز للإمام أبي القاسم الرافعي والمتن للمصنف الذي قيل فيه لوادعي النبوة @ لكان معجزة له كافية وهي النسخة التي كتب عليها الإمام النووي بخطه حواشي وطرر وفوائد غرر فحيث أقول قال الرافعي أوفي شرح الوجيز فإنما أعني هذا الكتاب وكتاب الروضة للإمام النووي الذي بسط فيه الشرح المذكور حاليا عن ذكر خلاف غير المذهب وزاده فوائد تكتب بماء الذهب ثم شرح البهجة الوردية للولي العراقي وشرح المنهاج للخطيب الشربيني واكتفيت بهؤلاء الأربعة لأنها تضمنت خلاصة ما في المذهب وأعرضت عما عداها لما بها من كثرة الأقوال والاعتراض والأشكال وربما نقلت من كتاب تحرير الزوائد وتقريب الفوائد للشيخ صفي الدين أحمد بن عمر المزجد المرادي الزبيدي صاحب العباب ومن غيره ومنها في مذهب الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه الذي هو مذهب الشارح كتاب الهداية للإمام أبي الحسن المرغيناني وحواشيها للشيخ أكمل الدين وللجلال الجمازي وشرح النقاية للتقي الشمني والمحيط الشمس الأئمة السرخسي وشرح الجامع الصغير لقاضيخان والبدائع للكاساني وشرح الكنز للزيلعي وشرح المختار لابن ابجا وهذه غرر كتب المذهب فاقتصرت عليها وأعرضت عن كتب المتأخرين إلا ما احتاج النقل منها في بعض المواضع وهو نادر ومن كتب سوى ذلك مما راجعت فيه لتخريج الأحاديث قد تقدم ذكرها في ديباجة كتاب العلم والعمدة في الغالب على تخريج أحاديث شرح الوجيز لابن الملقن ولتلميذه الحافظ ابن حجر والمقاصد للحافظ السخاوي والمصنف لأبي بكر بن أبي شيبة وشرح مشكل الآثار لأبي جعفر الطحاوي والسنن الكبرى للبهيقي وغيرها مما تراه في مواضعه ومن كتب اللغة ودواوين الفتاوى وغيرها كمحاسن الشريعة للقفال وشرح التقريب للحافظ العراقي والمدخل لابن الحاج مما يدخل بالمناسبة على هذا الكتاب فكثير واسميه غالبا في مواضعه حيث يبني عليه الحكم ولا يخفى أن الإحاطة بالمذاهب أمر عسر جدا وكذا لمعرفة سائر وجوه المذهب فإنها مع نزارة فائدتها لا تعطي إلا معرفة خلاف في المسئلة فإما كيفيته وإطلاعه وتفصيله فلا فلذا لم أتعرض للخلاف إلا ما كان بين الإمامين أبي حنيفة والشافعي رضي الله عنهما وهو أيضا الأهم فالأهم منه واختلاف العلماء فن عظيم لا يمكن ضبطه إلا في كتاب مستقل وأحسن ما ألف فيه اختلاف العلماء لابن جرير الطبري ولأبي جعفر الطحاوي ولأبي بكر الرازي وللإمام أبي الحسن المكي الهراسي وللوزير ابن هبيرة والأشراف لابن المنذر وقد تيسر لي بحمد الله تعالى من كل ذلك أجزاء عدة مع نقص في بعضها وقد نقلت منها في مواضع من هذا الشرح كما ستراه وقد التزمت بحمد الله تعالى الوفاء لبيان ما لوح إليه المصنف على قدر طاقتي وجهدي الذي هو أضعف ضعيف مع قصوري وجمود قريحتي من إنكاد الزمن المخيف قائلا وبالله حولي واعتصامي وقوتي * وما لي إلا سترة متجللا ولا تعجب أيها المطالع لهذا الشرح فإن العلوم والمعارف منح الهبة ومواهب قد يعطاها الصغير بعناية الملك القدير والمرجو من إخوان الصفا أهل المروءة والإنصاف والوفا النظر بعين الرضا والصفح عن عثرات محمد المرتضى فالإنسان من حيث هو هو محل للقصور ومجبول على النسيان والجواد قد يكبوا في الميدان والله أسأل أن يمن علي بإتمامه وإكماله بحسن نظامه وأن لا يجعل كدي فيه هدرا ونصبا بل يثيبني بفضله خير مكان مثوى ومنقلبا أنه ولي كل إحسان يفيض على من يشاء من عباده وهو المنان لا إله غيره ولا خير إلا خيره ثم إني قد افتتحت الكلام في ذلك بمقدمة جعلت مدارها على عشرة فصول فتنزل منزلة الأصول وخاتمة في سند المذهب وعلى الله المعتمد في بلوغ التكميل وهو حسبنا ونعم الوكيل * (الفصل الأول) * في بيان معنى الفقه ومتى يطلق على الإنسان اسم الفقيه والإمام ومتى يجوز له أن يفتي فأما الفقه فهو مصدر فقه الرجل بمعنى فقي فإن الهاء مبدلة من الهمزة ومعنى فقه الرجل غاص على استخراج معنى القول من قولهم فقأت عينه إذا بخصتها بخصا استخرجت به شحمتها فجعات باطنها @ ظاهرا بمعنى الفقه على هذا التأويل أنه استخراج الغوامض والاطلاع على أسرار الكلم وأما حد الفقيه ففي الأجوبة المكية للحافظ ولي الدين العراقي قال قد ذكره الرافعي والنووي في الروضة في الوقف فقالا إنما يصح الوقف على الفقهاء ويدخل فيه من حصل منه شيئا وإن قل وهذا مقتضاه صدق اسم الفقيه على من حصل من الفقه شيئا وإن قل وفيه نظر فإن الفقهاء جمع فقيه وكثرة استحضاره ومعرفته للمآخذ حتى يهتدي إلى تخريج مالا يستحضر النقل فيه فإنه لا يصير سجية له إلا بذلك وهذا هو الموافق لكلام غيرهما من الأصحاب وذكر القاضي الحسن في تعليقه فيما إذا وقف على الفقهاء أنه يعطي لمن حصل من الفقه شيئا يهتدي به إلى الباقي قال ويعرف بالعادة وقال في تعليقه الأخرى يصرف إلى من يعرف في كل علم شيئا فإما من تفقه شهرا أو شهرين فلا وكان مراده بالعلم النوع في الفقه ولذا عبر البغوي في التهذيب في الوصية بقوله صرف لمن حصل من كل نوع وقال في التنمية في باب الوصية أنه رجع فيه إلى العادة وعبر في الموقف بقوله إلى من حصل طرفا وإن لم يكن متجرا فقد روى من حفظ أربعين حديثا عد فقيها ولكن كلام الأصوليين يقتضي اختصاص اسم الفقهاء بالمجتهدين فإنهم عرفوا الفقه بأنه العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية وذكروا أنهم احترزوا بقولهم التفصيلية عن العلم الحاصل للمقلد في المسائل الفقية فإنه لا يسمى فقها بل تقليدا لأنه أخذه من دليل إجمالي مطارد في كل مسئلة وهو أنه أفتاه به المفتي فهو حكم الله في حقه فذلك المفتي به حكم الله في حقه وأما الإمام فهو الذي يقتدي به فمن صلح للإقتداء به في علم فهو إمام في ذلك العلم قال الله تعالى واجعلنا للمتقين إماما وقال تعالى وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وأما الصفات المعتبرة في المفتي فيعتبر فيه الإسلام والبلوغ والعدالة والتيقظ وقوة الضبط ثم أنه لا يخلوا إما أن يكون مجتهدا أو مقلدا فأما المجتهد فيعتبر فيه أمور * أحدهما العلم بكتاب الله تعالى ولا يشترط العلم بجميعه بل بما يتعلق منها بالأحكام ويشترط أن يعلم منها العام والخاص والمطلق والمقيد والمجمل والمبين والناسخ والمنسوخ ومن السنة المتواتر والآحاد والمرسل والمتصل وحال الرواة جرحا وتعديلا الثالث أقاويل علماء الصحابة ومن بعدهم إجماعا واختلافا الرابع القياس فيعرف جليه وخفيه ويميز الصحيح من الفاسد الخامس لسان العرب لغة وإعرابا لأن الشرع ورد بالعربية وبهذه الجهة يعرف عموم اللفظ وخصوصه وإطلاقه تقليده وإجماله وبيانه ولا يشترط التبحر في هذه العلوم بل تكفي معرفة جمل منها وأما المقلد فهل يجوز له الفتوى أم لا ينبني على أن موت المجتهد هل يخرجه من أن يقلد ويؤخذ بقوله أم لا والمسئلة فيها وجهان أصحهما أنه لا يخرجه بل يجوز تقليده بعد موته فعلى هذا يجوز لمقلد الفتوى بمذهبه بعد موته لكن يشترط أن يكون عارفا بمذهبه متبحرا فيه بحيث يستحضر أكثر ويعرف المظان ويطلع على المآخذ حتى يتمكن من تخريج ما لا يجده منصوصا لإلمامه على قواعده وبحث الرافعي في أ، ه يستوي المتبحر وغيره وإن العلي إذا عرف حكم تلك المسئلة عن ذلك المجتهد فأخبر به وأخذ غيره به تقليدا للميت وجب أن يجوز على الصحيح واعترضه النووي في ذلك فقال هذا ضعيف أو باطل لأنه إذا لم يكن متبحرا ربما ظن ما ليس مذهبا له مذهبه لقصور فهمه وقلة اطلاعه على مظان المسئلة واختلاف نصوص ذلك المجتهد والمتأخر بها والراجح وغير ذلك لاسيما مذهب الشافعي رضي الله عنه لا يكاد يعرف ما به من الإفراد لكثرة انتشاره واختلاف ناقليه في النقل والترجيح فإن فرض هذا في مسائل صارت كالمعلومة علما قطعيا عن ذلك المذهب فهذا حس محتمل والله أعلم * (الفصل الثاني) * الفقه في الدين هو الفقه للخمس المذكورة في حديث ابن عمر في الصحيحين بني @ الإسلام على خمس وذلك أنها عبادة لله محضة وهي تكملة إسلام المؤمن وما يتفرع منها حاوية شاملة لما تقررت فيه المذاهب أصولا وفروعا فمن ذلك علم الخلاف بين الفقهاء فإن معرفة مذاهبهم بأدلتها فضل والأخذ بها سعة من الله عز وجل وما انتهت المذاهب إليه فات كلا منها إذا أخذها أحد ساغ له ذلك فإن خرج من الخلاف بأن يأخذ بالأحوط معتمدا ذلك في كل ما يمكنه الخروج من الخلاف فإن ورد عليه مالا يمكنه الخروج من الخلاف فيه ففي مثله إذا وقف المتبع تبع إلا كثر كان هو الأولى فإما المجتهد فإنه إذا ثبت عنده حق بمقتضى ما أدى اجتهاد إليه في مسئلة فإن فرضه هو ما أدى إليها اجتهاده على أن المجتهد اليوم لا يتصور لاجتهاده في هذه المسائل التي قد تحررت في المذاهب ثمرة لأن الفقهاء المتقدمين قد فرغوا من ذلك فأتوا بمبالغ الأقسام كلها ولا يؤدي اجتهاد المجتهد إلا إلى مثل مذهب واحد منهم فأما هذا الجدل الذي يقع من أهل المذاهب فإنه أرفق ما يحمل الأمر فيه بهم أن يخرج مخرج الإعادة والدرس ليكون الفقيه به معيدا محفوظة ودراسا ما يعلمه فأما اجتماع الجمع منهم متجادلين في مسئلة مع أن كل واحد منهم لا يطمع في أن يرجع خصمه إليه إن ظهرت حجته ولا هو يرجع إلى خصمه لإن ظهرت حجة خصمه عليه ولا فيه عندهم فائدة ترجع إلى مؤانسة ولا إلى استجلاب المودة ولا إلى توطئة القلوب لمرعي حق بل هو على الضد من ذلك ولا مماري في أنه محدث متجدد * (الفصل الثالث في بيان الأسباب الموجبة للخلاف) * قال الحافظ بن رجب الحنبلي في شرح الأربعين اختلاف العلماء في المسائل التحليلية والتحريمية لأسباب منها أنه قد يكون النص عليه خفيا لم ينقله إلا قليل من الناس فلم يبلغ جميع حملة العلم ومنها أنه قد ينقل فيه نصان أحدهما بالتحليل والآخر بالتحريم فيبلغ طائفة أحد النصين دون الآخرين فيتمسكون بما بلغهم أو يبلغ النصان معا من لا يبلغه التاريخ فيقف لعدم معرفته بالناسخ ومنها ما ليس فيه نص صريح كأنما يؤخذ من عموم أو مفهوم أو قياس فتختلف أفهام العلماء في هذا كثيرا ومنها ما يكون فيه أمر أو نهي فتختلف العلماء في حمل الأمر على الوجوب أو الندب وفي حمل النهي على التحريم أو التنزيه وأسباب الاختلاف أكثر مما ذكرنا قال وقد يقع الاشتباه في الحلال والحرام بالنسبة إلى العلماء وغيرهم من وجه آخر وهو أن من الأشياء ما يعلم بسبب حله وهو الملك المتيقن ومنه ما يعلم سبب تحريمه وهو ثبوت ملك الغير عليه فالأول لا تزول إباحته إلا بيقين زوال الملك عنه اللهم إلا في بضاع عند من يوقع الطلاق بالشك فيه كمالك وإذا غاب على الظن وقوعه كإسحق بن راهويه والثاني لا يزول تحريمه إلا بيقين العلم بانتقال الملك فيه وأما ما لا يعلم له أصل ملك كما يجده الإنسان في بيته ولا يدري هو له أو لغيره فهذا مشتبه ولا يحرم عليه تناوله لأن الظاهر أن ما في بيته ملك لثبوت يده عليه والورع اجتنباه ومن هذا أيضا ما أصله الإباحة كطهارة الماء والثوب والأرض إذا لم يتيقن زوال أصله فجوز استعماله وما أصله الحظر كالإبضاع ولحوم الحيوان ولا يحل إلا بتيقن حله من التذكية والعقد فإن تردد في شيء من ذلك لظهور سبب آخر رجع إلى الأصل فبني عليه فما أصله الحرمة على التحريم ويرجع فيما أصله الحل فلا ينجس الماء والثوب والأرض بمجرد ظن النجاسة وكذلك البدن إذا تحقق طهارته وشك هل انتقضت بالحدث عند جمهور العلماء خلافا لمالك رحمه الله إذا لم يكن قد دخل في الصلاة فإن وجد سبب قوي يغلب معه على الظن نجاسة ما أصله الطهارة فهذا محل اشتباه فمن العلماء من رخص فيه أخذا بالأصل ومنهم من كرهه تنزيها ومنهم من حرمه إذا قوي ظن النجاسة وترجع هذه المسائل وشبهها إلى قاعدة تعارض الأصل والظاهر فإن الأصل الطهارة والظاهر النجاسة وقد تعارضت الأدلة في ذلك وكل من القائلين بالطهارة والنجاسة استدلوا بدلائل من السنة قد بسطت في مواضعها قال وقد يقع الاشتباه في الحكم لكون الفرع مترددا بين أصوله تجتذبه كتحريم الرجل زوجته فإن هذا متردد بين تحريم الظهار الذي ترفعه الكفارة الكبرى وبين الواحدة بانقضاء عدتها @ الذي تباح معه الزوجة دون زوج وإصابة وبين تحريم الرجل عليه ما أحله الله له من الطعام والشراب الذي لا يحرمه وإنما يوجب الكفارة الصغرى أو لا يوجب شيأ علي الاختلاف في ذلك فمن هنا كثر الاختلاف في هذه المسئلة زمن الصحابة فمن بعدهم والله اعلم اه وألف الإمام أبو محمد عبد الله بن السيد البطليوسي كتابا في معرفة الأسباب الموجبة للخلاف الواقع بين الأئمة في آرائهم قال فيه أنه عرض ذلك لأهل ملتنا من ثمانية أوجه كل ضرب من الخلاف متولد منها ومتفرع عنها * الأول اشتراك الألفاظ والمعاني * والثاني الحقيقة والمجاز * والثالث الأفراد والتركيب * الرابع الخصوص والعموم * الخامس الرواية والنقل * السادس الاجتهاد فيما لا نص فيه * السابع الناسخ والمنسوخ * الثامن الإباحة والتوسيع ثم ذكر لكل نوع من هذه الأنواع أمثلة تبين المقصود وها أنا أختصر لك خلاصة ما في ذلك الخطاب قال رحمه الله * (الباب الأول في الخلاف العارض من جهة اشتراك الألفاظ واحتمالها للتأويلات الكثيرة) * هذا الباب ينقسم ثلاثة أقسام أحدها اشترك في موضوع اللفظة المفردة * الثاني اشتراك في أحوالها التي تعرض إليها من إعراب وغيره * والثالث اشتراك يوجبه تركيب الألفاظ وبناء بعضها علي بعض فالاشتراك العارض في موضوع اللفظة المفردة نوعان اشتراك بجمع معان مختلفة متضادة واشتراك بجمع معان غير مختلفة غير متضادة فالأول كالقرء ذهب الحجازيون من الفقهاء إلي أنه الطهر وذهب العراقيون إلي انه الحيض ولكل منهما شاهد من الحديث واللغة وأما اللفظ المشترك الواقع علي معان مختلفة غير متضادة فنحو قولة تعالي أنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا الآية ذهب قوم إلي أن أو هنا للتخبير فقالوا السلطان مخير في هذه العقوبات بان يفعل بقاطع السبيل أيها شاء وهو قول الحسن وعطاء وبه قال مالك وذهب آخرون إلي أن أو هنا للتفصيل والتبعيض فمن حارب وقتل وأخذ المال صلب ومن قتل ولم يأخذ المال قتل ومن أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله وهو قول ابن مجلز وحجاج بن ارطاة عن ابن عباس وبه أخذ الشافعي وأبو حنيفة وأما الاشتراك العارض من قبل اختلاف الكاملة دون موضوع فمثل قوله تعالي ولا يضار كاتب ولا شهيد قال قوم مضارة الكاتب أن يكتب ما لم يمل عليه ومضارة الشهيد أن يشهد بخلاف الشهادة وقال آخرون مضارتهما أن يمنعا من استقلالهما ويكلفا الكاتبة والشهادة في وقت يشق ذلك عليهما وإنما أ, جب هذا الاختلاف أن قوله تعالي ولا يضار يحتمل أن يكون تقديره ولا يضار بفتح الراء فيلزم علي هذا أن يكون الكاتب والشهيد مفعولا بما لم يسم فاعلهما وهكذا كان يقرأ ابن مسعود بإظهار التضعيف وفتح الراء ويحتمل أن يكون تقديره لا يضار بكسر الراء فيلزم علي هذا أن يكون الكاتب والشهيد فاعلين وهكذا كان يقرأ ابن عمر بإظهار التضعيف وكسر الراء وأما الاشتراك العارض من قبل تركيب الكلام وتناقض بعض الألفاظ علي بعض فأن منه ما يدل علي معان مختلفة متضادة ومنه ما يدل علي معان مختلفة غير متضادة فمن النوع الأول قوله تعالي وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء التي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن قال قوم معناه وترغبون في نكاحهن لما لهن وقال آخرون أنما أراد وترغبون عن نكاحهن لدمامتهن وقلة ما لهن ولكل من القولين شاهد في كلام العرب وله أمثلة كثيرة في القرآن وكلام العرب وأما التركيب الدال علي معان مختلفة غير متضادة فكقولة تعالي وما قتلوه يقينا فأن قوما يرون الضمير في قتلوه عائد إلي المسيح عليه السلام وقوما يرونه عائد إلي العلم المذكور وفي قوله تعالي مالهم به من علم إلا أتباع الظن فيجعلونه من قول العرب قتلت الشئ علما * (الباب الثاني في الخلاف العارض من جهة الحقيقة والمجاز) * أعلم أن المجاز ثلاثة أنواع نوع يعرض في موضوع اللفظة المفردة ونوع يعرض في أحوالها المختلفة عليها من إعراب وغيره ونوع يعرض في التركيب وبناء بعض الألفاظ علي بعض ولكل منها أمثلة كثيرة وأما @ العارضان فيها من قبل أحوالها فكقوله تعالى بل مكر الليل والنهار وانما المراد بكل مكرهم بالليل والنهار وتقول العرب بنهارك صائم وليلك نائم وأما العارضان من طريق التركيب وبناء بعض الالفاظ على بعض فنحو الامر يرد بصيغة الخبر وبالعكس والايجاب يرد بصيغة النفى وبالعكس والمدح يرد بصورة الذم وبالعكس والتقليل يرد بصورة التكثير وبالعكس ونحو ذلك من أساليب الكلام التى لا يقف عليها الا من تحقق بعلم اللسان ولكل منها أمثلة ومن طريق المجاز العارض من طريق التركيب ايقاعهم ذوات المعانى على السبب ومرادهم السبب تارة وتارة يوقعونها على المسبب وانما يفعلون هذا لتعليق أحدهما بالاخر ولهما أمثلة* (الباب الثالث فى الخلافى العارض من جهة الافراد والتركيب) *من ذلك ان الاية ربما وردت غير مستوفية الغرض المراد من التعبد وورد تمام الغرض فى اية أخرى وكذلك الحديث فربما أخذ بعض الفقهاء بمفرد الاية أو بمفرد الحديث وبنى اخر قياسه على جهة التركيب بين الايات المتفرقة والاحاديث المتغايرة وبناء بعضها على بعض بان يأخذ بمجموع ايتين أو بمجموع حديثين أو بمجموع ايات أو بمجموع أحاديث فيفضى الحال الى الاختلاف أو الى التناقض فربما أحل أحدهما ما يحرمه الاخر وربما أفضى الى اختلاف العقائد فقط أو الى الاختلاف فى الاسباب فقط فركبوا القياسات وخالفهم اخرون فرأوا الاخذ بظاهر الالفاظ فنشأ من ذلك نوع اخر فى الخلاف وقد ترد الاية والحديث بلفظ مشترك يحتمل تأويلات كثيرة ثم ترد اية أخرى أو حديث اخر بتخصيص ذلك اللفظ المشترك وقصره على بعض تلك المعانى دون بعض * (الباب الرابع فى الخلاف العارض من جهة العموم والخصوص) *
هذا الباب نوعان أحدهما يعرض فى موضوع اللفظة المفردة والثانى فى التركيب*فالاول نحو قوله تعالى ان الانسان لفى خسر وفى الحديث الكافر يأكل فى سبعة امعاء وقد يأتى من هذا الباب فى القرأن والحديث اشياء متفق الجمع على عمومها أو على خصوصها وأشياء يقع فيها الخلاف فمن العموم الذى لم يختلف فيه قوله تعالى يا أيها الناس اتقوا ربكم وقوله صلى الله عليه وسلم الزعيم غارم والبينة على المدعى واليمين على المدعى عليه وفى الخصوص الذى لم يختلف فيه قوله تعالى الذين قال لهم الناس ان الناس قد جمعوا لكم وقد يأتى فى هذا الباب ماموضوعه فى اللغة على العموم ثم تخصصه الشريعة كالمتعة* (الباب الخامس فى الخلاف العارض من جهة الرواية) *اعلم انه تعرض للحديث علل فتحيل معناه فربما أوهمت فيه معارضة بعضه ببعض وربما ولدت فيه اشكالا يحوج العلماء الى طلب التأويل البعيد وهى ثمانية أولها فساد الاسناد والثانية من جهة نقل الحديث بالمعنى والثالثة من جهة الجهل بالاعراب والرابعة من جهة التصحيف والخامسة من جهة اسقاط شئ من الحديث لا يتم المعنى الا به السادسة ان ينقل المحدث الحديث ويغفل نقل السبب الموجب له والسابعة ان يسمع المحدث ويفوته سماع بعضه والثامنة نقل الحديث من الصحف دون لقاء الشيوخ ولكل منها أمثلة
Shafi 291
* (الباب السادس فى الخلاف العارض من قبل الاجتهاد والقياس) *وهو نوعان أحدهما الخلاف الواقع من المنكرين للقياس والمثبتين له والثانى خلاف يعرض بين أصحاب القياس فى قياسهم كاختلاف الشافعية والحنفية والمالكية ونحوهم وهذا الباب شهير الذكر * (الباب السابع فى الخلاف العارض من قبل النسخ) *وهو نوعان أحدهما خلاف يعرض بين من أنكر النسخ ومن أثبته واثبات النسخ هو الصحيح والثانى بين القائلين به وهو ثلاثة أقسام أحدها الخلاف فى الاخبار هل يجوز فيها النسخ كما يجوز فى الامر @ والنهى أم لا والثانى اختلافهم هل يجوز أن تنسخ السنة من القرأن أم لا والثالف اختلافهم فى أشياء من القرأن والحديث فذهب بعضهم الى انها نسخت وبعضها الى انها لم تنسخ* (الباب الثامن) * الخلاف العارض من جهة الاباحة والتوسيع كاختلاف الناس فى الاذان والتكبير على الجنائز وتكبير التشريق ووجوب القراات السبع ونحو ذلك فهذه أسباب الخلاف الواقع بين الامة وقد اختصرت الكتب على وجه جميل ينتفع به أهل التحصيل ولم أطل فى ذكر الامثلة التى أوردها لئلا تطول مقدمة هذا الكتاب والله أعلم بالصواب* (الفصل الرابع) * الخلاف الواقع بين الناس فى الاديان والمذاهب قال أبو القاسم الراغب فى كتاب الذريعة جميع الاختلافات بين أهل الاديان والمذاهب على أربعة مراتب الاولى الخلاف بين أهل الاديان النبوية وبين الخارجين عنها من الثنوية والدهرية وذلك فى حدوث العالم وفى الصانع تعالى وفى التوحيد والثانية الخلاف بين أهل الاديان النبوية بعضهم مع بعض وذلك فى الانبياء كاختلاف المسلمين والنصارى واليهود والثالثة الاختلاف المختص فى أهل الدين الواحد بعضهم مع بعض فى الاصول التى يقع فيها التبديع والتفجير كالاختلاف فى شئ من صفات الله تعالى وفى القدر وكاختلاف المجسمة الرابعة الاختلاف المختص بأهل المقالات فى فروع المسائل كاختلاف الشافعية والحنفية فالاختلاف الاول يجرى مجرى متنافيين فى مسلكيهما كأخذ طريق المشرق واخذ طريق المغرب أو اخذ طريق ناحية الشمال واخذ طريق ناحية الجنوب والثانى يجرى مجرى اخذ نحو المشرق واخذ يمنة أو يسرة فهو وان كان أقرب من الاول فليس يخرج أحدهما أن يكون ضالا ضلالا بعيدا والثالث جار مجرى اخذ جهة واحدة ولكن أحدهما سالك المنهج والاخر تارك المنهج وهذا التارك للمنهج ربما يبلغ وان كان يطول عليه الطريق والرابع جار مجرى جماعة سلكوا منهجا واحدا لكن أخذ كل واحد شعبة غير شعبة الاخر وهذا هو الاختلاف المحمود لقوله صلى الله عليه وسلم الاختلاف فى هذة الامة رحمة للنا ونحوه نظير من قال كل مجتهد فى الفروع مصيب ولاجل الفرق الثلاث أمرنا أن نستعيذ بالله ونتضرع اليه بقوله اهدنا الصراط المستقيم وقال وان هذا صراطى مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم* (الفصل الخامس) * فى ذكر أشياء من أصل الفقه على طريقة المتقدمين اعلم أن الفقه يشتمل على واجب ومندوب اليه ومباح ومحظور ومكروه فالواجب ما تناوله تاركه الوعيد والمندوب اليه ما فعله فضل ولا اثم فى تركه والمباح ما أطلق للعبد والمحظور المحرم والمكروه ماتركه فضل وفى الكلام حقيقة وفيه المجاز والامر صيغة تقتضى الوجوب والفرض هو الواجب عند الشافعى رضى الله عنه وعند أبى حنيفة وأحمد رضى الله عنهما الواجب لازم والفرض الزم والتعميم فى أقل الجمع فصاعدا فاذا عرف بالالف واللام فهو تعميم نحو المسلمين وكذلك ان كان بصيغة الواحد ان كان للجنس نحو قوله تعالى ان الانسان لفى خسر ولا يعم شئ من أفعال النبى صلى الله عليه وسلم الا بدليل والتخصيص تعيين البعض دون الكل والنطق اذا ورد على سبب تعلق به كيف رفع والنسخ الرفع ولا يجوز الا على ما يتناول تكليف الخلق ويجوز نسخ القرأن بالقرأن والسنة بالسنة ولا ينسخان بالاجماع ولا بالقياس وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم شرع وكذلك اقراه والصحابة كلهم عدول والذين اتبعوهم باحسان ولا يجوز رواية الحديث بالمعنى الا عند البعض للعالم دون غيره ويرجح الخبر على الخبر بفضل رواته واجماع المسلمين من المجتهدين حجة فى الشرع وقول الصحابة مقدم على القياس والقياس حمل الفرع على أصل فى بعض أحكامه بمعنى يجمع بينهما ويحتج به فى جميع الاحكام الشرعية وقد سماه الفقهاء قياس علة وقياس دلالة وقياس شبه ويشتمل القياس على أربعة أشياء على الاصل والفرع والعلة والحكم والاستحسان @ عند أبى حنيفة أصل والتقليد قبول القول من غير دليل وذلك سائغ للعامى ولا يجوز فى أصل الدين ولا فيما نقل نقلا عاما كعدد الصلوات والعالم لا يسوغ له التقليد وحكى عن أحمد جوازه والمجتهد من عرف طرق الاحكام من الكتاب والسنة وموارد الكلام ومصادره ومجازه وحقيقته وعامه وخاصه وناسخه ومنسوخه ومطلقه ومقيده ومفسره ومجمله ودليله ومن أصول العربية ما يوضح له المعانى واجماع السلف وخلافهم وعرف القياس وما يجوز تعليله من الاصول مما لا يجوز وما يعلل به ومالا وترتيب الادلة وتقديم أولاها ووجوه الترجيح وكان ثقة مأمونا قد عرف بالاحتياط فى الدين فاذا اجتمعت هذه الشروط فى انسان ساغ له الاجتهاد والحق فى أصول الدين فى جهة واحدة والفروع كذلك الا أن الحرج موضوع عن المجتهد المخطئ فيها بل له اجر واحد فى الخطأ وفى الاصابة أجران والقولان من الفقيه فى مسئلة واحدة اشعار منه بدين منعه أن يحتم حتى يعلم فيكون لمن بعده الاجتهاد فيها فاما اذا تقدم تاريخ أحد القولين فالعمل على الاخير فهذه أصول الفقه على طريق الاقتضاب * (الفصل السادس) * قال أبو العباس أحمد بن أحمد بن عيسى الشهير بزروق فى شرح قواعد العقائد للمصنف العلم اما أن يكون معقولا كالحساب فبرهانه فى نفسه واما أن يكون منقولا كاللغة والحديث فهو موقوف على أمانة صاحبه واما أن يكون مركبا منهما كالفقه والتصوف فيغلب شائبة النقل فيه فيشترط فيه العلم والعدالة كما قيل ان هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم فوجب معرفة من يؤخذ عنه بأوصافه المعتبرة فى ذلك ومن ظهرت مروأته علما ودينا لا يحتاج الى تعريف به لكنه كمال فيه والامام أبو حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالى مصنف هذا الكتاب رحمه الله تعالى من هذا النوع حتى يلقب بحجة الاسلام وسيف السنة وهو فى الفقه وأصوله وأصول الدين حجة اجماعا وفى التصوف شهد له الشيخ أبو الحسن الشاذلى رضى الله عنه بالصديقية العظمى وقد قيد وكتب وألف فى علوم 7 ثمانية نحوا من سبعين تأليفا مر ذكرها فى شرح خطبة كتاب العلم أكبرها تأليفا وأكثرها نفعا هذا الكتاب المسمى بالاحياء قيل كتبه فى ألف يوم وكان يختم مع كتبه كل يوم ختمتين فنفع الله به الخاص والعام وكان اماما مبرزا من أصحاب الوجوه والتراجيح فى مذهب الامام الشافعى رضى الله عنه وكتبه الثلاثة البسيط والوسيط والوجيز تدل على غزارة علمه فى فقه المذهب واتساع نظره وفهمه وأما ما أورده فى هذا الكتاب فهو خلاصة كتبه الثلاثة مع زيادة واختيارات فى بعض الوجوه مع كمال الاختصار حتى قيل لو عدمت كتب مذهب الشافعى لاستخرج المذهب من الاحياء
Shafi 293
* (الفصل السابع) * فى بيان أن الشافعية الان وقبل الان عيال على كتبه اعلم انه رحمه الله تعالى ألف فى المذهب كتابه البسيط أحاط فيه بمذهب الشافعى رضى الله عنه ثم أختصره فسماه الوسيط ثم اختصره فسماه الوجيز وقد تلقت الامة هذه الكتب الثلاثة بالقبول والاقبال على مدارستها وشرح ألفاظها والعمل بما فيها وسمى هذه الاسماء اقتداء بابى الحسن الواحدى فانه سمى تفاسيره الثلاثة كذلك وقد تقدمت الاشارة اليه فى مقدمة كتاب العلم فأما البسيط فقد اختصر فيه كتب شيخه امام الحرمين نهاية الطلب فى دراسة المذهب وزاد عليه فى المسائل والفروع وأما الوسيط فشرحه تلميذه محمد بن يحيى الخبوشانى فى ثلاثين مجلدا سماه المحيط وابن الرفعة فى ك ستين مجلدا وسماه المطلب والنجم القمولى وسماه البحر المحيط ثم لخصه وسماه جواهر البحر وجعفر بن يحيى التزمنتى ومحمد بن عبد الحاكم وأبو الفتوح العجلى والعز المدلجى وابن أبى الدم وابن الاستاذ الحلبى وأبو الفضل القزوينى ويحيى بن أبى الخير اليمنى وغيرهم وأما الوجيز فشرحه الفخر الرازى والسراج الارموى وأبو حامد الاربلى وأبو حامد الجاجرمى وأبو القاسم الرافعى شرحين الكبير والصغير واختصر النووى شرحه الكبير وسماه الروضة فانتقلت رغبات العلماء اليه فشرحوه واختصروه وحشوه وصار مدار المذهب عليه وممن@ ختصره الشرف ابن المقرى اليمنى وسماه الروض وعليه مدار الشافعية باليمن 7 وشيخ الاسلام زكريا وسماه كذلك الروض وعليه مدار الشافعية بمصر ومن كتب الشافعية المحرر لابى القاسم الرافعى أورد فيه خلاصة مافى كتاب الغزالى الثلاثة وقد شرحه الشهاب الخصكفى والتاج الاصفهانى والعلاء الباجى واختصره الامام النووى وسماه المنهاج فانتقلت رغبات الطالبين اليه فشرحه التقى السبكى والشمس القاياتى والشهاب الاذرعى وسماه القوت والمجد النكلوى وابن الملقن ثلاثة شروح والشهاب الافقهسى والجمال الاسنوى والنور الارديبلى والسراج البلقينى والشرف الغزى والجلال النصيبى والحافظ السيوطى والشمس الماردينى وشيخ الاسلام زكريا والكمال الدميرى والبدربن قاضى شهبة وابن قاضى عجلون وأبو الفتح المراغى وغيرهم وممن اختصره شيخ الاسلام زكريا وسماه المنهج وممن شرح المنهاج أيضا الشهاب الرملى والخطيب الشربينى وابن حجر المكى وعلى هذه الاربعة أعنى المنهج وشرح الرملى والشربينى وابن حجر مدار المذهب ففى مصر وأقطارها على كتاب الرملى وفى الحرمين واليمن على كتاب ابن حجر وممن جمع بين شرح الرافعى والروضة البدر الزركشى وسماه الخادم وعلق عليه السيوطى وسماه تحصين الخادم وممن علق على الروضة الجمال الاسنوى وسماه المهمات وهو كتاب جليل القدر خدمه العلماء منهم الشريف عز الدين الحسينى وسماه تتمة المهمات ومنهم الشهاب الاقفهسى وسماه التعقبات ومنهم الحافظ العراقى وسماه مهمات المهمات ومنهم الشهاب الاذرعى ومنهم السراج البلقينى وسماه معرفة الملمات ومنهم السراج اليمنى المعروف بالفتى وسماه تلخيص المهمات واختصره اخرون منهم أحمد بن موسى والوكيل والشرف الغزى والشهاب الغزى والتقى الحصنى وابن قاضى شهبة واخرون وقد ظهر بما تقدم أن اعتماد المدرسين الان على كتب شيخ الاسلام زكريا ومدارها على كتب الامامين الرافعى والنووى ومدارها على كتب الامام أبى حامد الغزالى فهو امام المذهب والشافعى الثانى رحمه الله تعالى وقدس سره* (الفصل الثامن) * فى معرفة اصطلاح هذه الكتب وهو أمر مهم اذ به يقع الفهم والتفهيم وبه يتصور التعلم والتعليم وفيه ما يخص وما يعم ومن اهم المهمات معرفة ألفاظ يستعملونها فى الاختيار والترجيح لبعض الاقوال والوجوه اصطلاحا فلابد من التعرض لها ليكون الناظر على بصيرة وتلك الالفاظ هى قول الائمة الاصح والاظهر والصحيح والظاهر والاقبس والاشبه والاقرب والاشهر والمتشابه والاحوط والارجح والراجح وقولهم ظاهر المذهب أو المذهب كذا ورجح بالبناء للمفعول ورجح المعتبرون والجديد ونحن نفسر هذه الالفاظ تعريفا وتمثيلا على ما أورده التاج الاصفهانى فى كشف تعليل المحرر قال الاصح أعلى مرتبة من الكل ومقابله الصحيح فالاصح ما قوى صحته أصلا وجامعا أو واحدا منهما من القولين أو الوجهين أو الاقوال أو الوجوه كقول الرافعى فى المحرر المستعمل اذا بلغ قلتين فأصح الوجهين انه يعود طهورا قياسا على الماء النجس والثانى لا يعود قياسا على الما ورد فالقياس الثانى صحيح والاول أصح للمجانسة والجلاء وعروض ما يخرج عن حقيقته والامام أبو حامد الغزالى عبر عنه فى كتبه بأقيس الوجهين لقوة قياسه أصلا وجامعا ولانه أقيس بأصل المذهب ثم الاظهر أعلى من الصحيح والظاهر وهو ماقوى ظهور أصله وعلنه أو واحد منهما كذلك ومقابله الظاهر كقول الرافعى فى المحرر اذا اشتبه ماء وبول وماء ورد لم يجتهد على أظهر الوجهين فالقول بعدم الاجتهاد أظهر أصلا وعلة لعدم اعتضاد كل واحد بأصل ظاهر وكون الاجتهاد اتباع ظن ناشئ من دليل وأمارة عند عروض ما على أصل الشيئين أو وصفه والقول بالاجتهاد ظاهر علة بناء على وجود الامارة فى الكل وكالمتغير بالتراب المطروح فالاظهر انه مطهر لان التراب أحد الطهورين اذا لم يكن مقويا لم يكن مضعفا والشارع قد اعتبر تقويته كما فى التعفير وجعله غير مطهر قياساعلى الزعفران من حيث ان كل واحد منهما @ f,- مستغني عنه طاهر لكن ليسب مثل الاول ويقع كل من الاظهر الاصح موضع الاخر لقرب معناهما في كلام الائمة والصحيح ما صح أصلا وجامعا أو واحدا منهما كذلك من القولين أو الاقال أو الوجهين أو الوجوه ومقابلة الفاسد كلا أو بعضا كقول الرافعي في المحرر في باب التيمم فان لم يكن عليه سائر غسل الصحيح والصحيح أنه يتيمم لمكان الجراح لبقاء الحدث فالقول بغسل الصحيح من غير تيمم وبرعاية الترتيب بين غسيل الصحيح والتيمم فاسد لا وجه له بل اللازم أحد الامرين غسل الصحيح التيمم للجراحة أو الاكتفاء بالتيمم الترتيب بين عضوين لا عضو واحد والظاهر هو ما ظهر أصلا وعلة أو واحدا منها كذلك مقابلة الخفي كلا أو بعضا كقول الرافعي في المحرر في آنية الذهب والفضة الظاهر لا يجوز اتخاذه قياسا علي آلات الملاهي وهذا قياس ظاهر وأما كونه لا يحرم اتخاذه كما في الوجه الثاني فخفي فإن علته جمع المال المتفرق وحفظه وكون جمع المال وحفظه سببا لحل اتخاذ حرام أمر خفي غير مناسب للحكم واستعمال كل من الظاهر والصحيح مقام الاخر تساهل وان كان كل واحد منهما يقرب معني الاخر لكن استعمالها مقام الاظهر ولاصح خطأ لا يليق بالمحصلين والاقيس ما قوي قياسه أصلا وجامعا أو واحدا منهما كذلك وبهذا المعني قد يستعمل في موضع الاظهر والاصح إذا كان الوجهان أو القولان متقايسين كما أشرنا إليه قريبا في مسئلة المستعمل إذا بلغ قلتين من تعبير المصنف وقد يستعمل بمعني الاقيس بكلام الشافعي أو بمسائل الباب كقول الرافعي في المحرر في باب السلم والاقيس تجويزه في المصبوغ بعد النسج والوجه الاخر لا يجوز لجهل مقدار الصبغ واختلاف الغرض به فالذي أقرب قياسا إلي كلام الاصحاب في الباب هو الوجه الاول لكون الثاني مردودا بأنه لو صح لما صح في المنسوج بعد الصبغ لوجود العلتين فيه وبهذا المعني يستعمل موضع الاشبه ويقابله الشبيه لان الاشبه ما قوي شبهه بكلام الشافعي أو بكلام أكثر أصحابه أو معظمهم وليس المراد أنه قياس شبه أو قياس علة المشابهة كقول الرافعي في المحرر في الاواني والاشبه أنه لا فرق بين أن يكون الضبة في محل الشرب الاستعمال أو غيره أراد الاشبه بكلام الشافعي في تعجيل الزكاة قال والاشبه اعتبار قيمة يوم القبض أراد الاشبه بكلام الاصحاب وأصل المذهب والارجح ما رجح جانبه أصلا وعلة علي مقابله وهو الراجح كما يقال في ثمن ما باعه القاضي من مال المفلس إذا خرج مستحقا هل يضارب المشتري مع الغرماء أو يتقدم عليهم فيه قولان أرجحهما التقدم علي مصالح الحجر من أجر الكيال والدلال وغيرهما المضاربة قياسا علي سائر الديون لانه دين تعلق بذمته لكن قياس التقدم أرجح لانه معقول المعني إذ عدمه يؤدي إلي عدم الرغبة في شراء متاعه فيؤدي إلي أضرار كثيرة ومقابلة الراجح ثم الترجيح أن كان قيا يصحح استعمال الاصح مقامه واستعمال الصحيح مقام وان لم يكن في الغاية فيصحح ايقاع الاظهر والظاهر مقامهما والاحوط ما يلح إلي علة أقول كما إذا كان القولان أو الوجهان قولان بين معني اعتبار وقياسا لكن في أحد الجانبين تلويح إلي نص من الشارع أو تعميم نص رعاية لذلك يقول والاحوط كقول الرافعي في المحرر في تزويج الامة إذا كان تحته حرة لا تصلح للاستمتاع الاحوط المنع لعموم قوله تعالي ومن لم يستطع منكم طولا لان كلا من الجانبين اعتبره جماعة من معظم الاصحاب من الفريقين ويصح استعمال الاصح والارجح مكانه لاقتضاء مقام كل قوة والاقرب ما قوي اعتباره وهذا أدني درجة من الذي تقدم فيريد بالاقرب الاقرب بالاعتبار أو بأصل المذهب أو بكلام أكثر العلماء كقول الرافعي في المحرر في الوصية بحج التطوع ان أطلق فأقرب الوجهين أن يحج من الميقات لانه الاقرب إلي الاعتبار كما في الفرض فان الاصل في لاطلاق الحمل علي أقل الدرجات والثاني من بلده إذ هي الغالب في النهوض والتجهز للحج ولا شك أن هذا بعيد إذ قد يكون البلد بعيدا كما في أقصي الشرق أو الغرب فيؤدي إلي مشقة وارتكاب محظورات كثيرة ويجوز استعمال الراجح مقامه وكذا استعمال الصحيح ان كان الوجه @ الاخر فاسدا أو مقدوحا والاشهر مقابلة المشهور وهو ما قوي اعتبار كونه في المذهب واشتهر أنه منه كقوله في مسئلة الميزاب وان سقط الكل فالواجب نصفه علي الاشهر أى من الوجهين أو القولين توزيعا علي ما حصل من مباح مطلق ومباح بشرط سلامة العاقبة والثاني يوزع علي ما في الداخل والخارج فيجب قسط الخارج ثم بعد ذلك فالاعتبار اما بالوزن عند بعض والمساحة عند بعض اخر والثانى مشهور من الذهب لكن الاول أشهر اعتبارا فى المذهب ويجوزاستعمال الاظهر مقامه عند ظهور علته كما فى الصورة المذكورة وقولهم فى المذهب او المذهب الظاهر فمعنا النص والظاهر من النص أو النص الظاهر فالاول لايلزم أن يكون فى مقابله شئ والثانى والثالث يكون فى مقابلتهما اما النص خفى اوفاسد أوووجه قوى أو فاسد كقوله فى سجود السهو اذا لم يسجد الامام فظاهر المذهب أى ظاهر النص أن المأموم يسجد لان سجوده لامرين لسهو الامام ومتابعته لالمتابعته فقط ومذهب البويطى والذنى انه لا يسجد لانه يسجد لمتابعة الامام فقط وهذا ضعيف جدا بل قريب من الفاسد واذا كان الجانبان متساويين علة أوقياسا يقول رجح بالبناء للمفعول واذا كان ترجيح جانب التصحيح ضعيفا ينسب الفعل الى الفاعل الظاهر صريحا فيقول رجح المرجحون قد يستعمل ينبغى ويراد به الوجوب وقد يراد به الندب والادب والجواز ولا ينبغى فى مقام الحرمة والكراهية ولفظ الاحتياط للوجوب وللندب وقال الرافعى فى شرح الوجيز فى باب التيمم قولهم فى المسئلتين قولان بالنقل والتخريج معناه اذا ورد نصان عن صاحب المذهب مختلفان فى صورتين متشابهتين ولم يظهر بينهما ما يصلح فارقا فالاصحاب يخرجون نصه فى كل صورة من الصورتين فى الصورة الاخرى لاشتراكهما فى المعنى فحصل فى كل واحدة من الصورتين قولان منصوص ومخرج المنصوص فى هذه هو المخرج فى تلك والمنصوص فى تلك هو المخرج فى هذه فيقولون فيهما قولان بالنقل ووالتخريج أى نقل المنصوص من هذه الصورة وخرج فيها وكذلك بالعكس ويجوزأن يراد بالنقل الرواية ويكون المعنىفى كل واحد من الصورتين قول منقول أى مروى عنه وأخر مخرج ثم الغالب فى مثل ذلك عدم اطباق الاصحاب على هذا التصرف بل ينقسمون الى فريقين منهم من يقول به ومنهم من يأتى ويستخرج فارقا بين الصورتين بسند اليه افتراق النصين اه قال النووى فى مقدمة شرح المذهب وفى الروضة فى القضاء والاصح أن القول المخرج لا ينسب للشافعى لانه ربما لوروجع فيه ذكر فار قاله قال النووى فى المناهج حيث أقول الجديد فالقديم او فى قول قديم فالجديد خلافه قال الخطيب الشربينى فى شرحه الجديد ما قاله الشافعى بمصر تصنيفا أو افتاعورواته البويطى والمزنى والربيع المرادى وحرملة ويونس بن عبد الاعلى وعبدالله بن الزبير الحميدى وابن عبد الحكم وغيرهم والثلاثة الاول هم الذين تصدوا لذلك وقاموا به والباقون نقلت عنهم أشياء محصوره على تفاوت بينهم والقديم ما قاله بالعراق تصنيفا وهو الحجة أوأفتى به ورواته جماعه أشهرهم الامام أحمد والزعفرانى والكرايسى وأبوثور وقد رجع الشافعى عنه وقال لاأجعل فى حل من رواه عنى وقال الامام لا حل عد القديم من المذهب وقال الماوردى فى أثناء كتاب الصداق غير الشافعى جميع كتبه القديمه فى الجديد الا الصداق فانه ضرب على مواضع منه وزاد مواضع اماما وجد بين مصر والعراق فالمتاخرجديد والمتقدم قديم واذا كان فى المسئلة قولان قديم وجديد فالجديد هو المعمول به الا فى مسائل يسيرة نحو السبعة عشر أفتى فيها بالقديم قال بعضهم وقد تتبع ماأفتى فيه بالقديم فوجد منصوصا عليه فى الجديد أيضاوان كان فيها قولان جديدان فالعمل يأخرهما فان لم يعمل فمار حجه الشافعى فان قالهما فى وقت واحد ثم عمل بأحدهما كان أبطالا للاخر عند المزنى وقال غيره لايكون ابطالابل ترجيحا وهذا أولى واتفق ذلك للشافعى فى نحو ست عشر مسئلة وان لم يعلم هل قالهما معا أمرتبا لزم البحث عن أرجحهما بشرط الاهلية فان أشكل توقف @ فيه نبه فىشرح المهذب هنا على شيئين أحدهما أن افتاء الاصحاب بالقديم فى بعض المسائل محمول على أن اجتهادهمأداهم الى القديم لظهور دليله ولا يلزم من ذلك نسبته الى الشافعى قال وحينئذ فمن ليس أهلا للتخريج يتعين عليه العمل والفتوى بالجديد ومن كان أهلا للتخريج والاجتهاد فالمذهب يلزمه اتباع ما اقتضاه الدليل فى العمل والفتوى به مبينا ان هذا رايه وان مذهب الشافعى كذا وكذا قال وهذا كله فى قديم لم بعضده حديث صحيح لا معارض له فان اعتضد بدليل فهو مذهب الشافعى فقد صح انه قال اذا صح الحديث فهو مذهبى الثانى ان قولهم القديم مرجوع عنه وليس مذهب الشافعى محله فى قديم نص فى الجديد خلافه أما قديم لم يتعرض فى الجديد لما يوافقه ولا لما يخالفه فانه مذهبه والله أعلم* (الفصل التاسع) * فى ذكر اصحاب التخريج والوجوه من المفتين وتفاوت درجاتهم باختلاف الاعصار وقد تقدم شى من ذلك فى الفصل الاول من هذه الفصول العشره بقى منه ما تشتد الحاجة اليه فمن ذلك ما نقل الشهاب أحمد بن محمد الهائم الشافعى فى كتابه نزهة النفوس نقلا عن ابن الصالح ما حاصله المفتون قسمان متسقل وغيره والثانى هو المنتسب الى أئمه المذاهب المتبوعة وله اربعه احوال احداها أن لا يكون مقاد الامامه لافى المذهب ولا فى دليله بصفة المستقل وانما ينسب اليه لسلوك طريقه فى الاجتهاد ودعوى انتفاء التقليد عنهم مطلقا لا يستقيم ولا يلائم المعلوم من حالهم أو حال أكثرهم ثم فتوى المفتى فى هذه الحالة كفتوى المستقل فى العمل بها والاعتداد بها فى الاجماع والخلاف قال الاذرعى هذا شئ قد انطوى من زمان الحالة الثانية أن يكون مقيدا فى مذهب امامه مستقلا بتقرير أصوله با دليل غير انه لا يتجاوز فى أدلته أصول امامه وقواعده ولا يعرى عن شوب تقليد له لاخلاله ببعض ادوات المستقل وهذه صفات اصحاب-الوجوه وعليها كان أكثر الائمه والاصحاب الحالة الثالثة أن لايبلغ رتبة أصحاب الوجوه لكنه فقبه النفس حافظا مذهب امامه عارف بأدلته قائم بتقرير ما يصور ويحرر ويقرر ويهمل ويزين ويرجح لكن قصر عن أولئك لقصوره عنهم فى حفظ المذهب أوالارتباض فى الاستنباط أومعرفة الاصول ونحوها وهذه صفة كثير من المتأخرين الى أواخر المائة الرابعة الذين رتبوا المذهب حرروه وصنفوا من تصانيف فيها معظم اشتغال الناس اليوم ولم يلحقوا االذين قبلهم فى التخرج الحاله الرابعه أن يقوم بحفظ المذهب ونقله وفهمه فى الواضحات والشكلات لكن عنده ضعف فى تقرير أدلته وتحرير أقبسته فهذا يعتمد نقله وفتواه فيما يحكيه من مسطورات مذهبه من نصوص امامه وتفريع المجتهدين فيه ومالا يحجده منقولا ان وجد فى المنقول معناه بحيث يدرك بكبير فكرانه لافرق بينهما جاز الحاقه به والمفتوى به وهكذا ما يعلم اندراجه تحت ضابط عهد فى المذهب وما ليس كذلك يجب امساكه عن الفتوى فيه وقال وينبغى أن يكتفى فى حفظ المذهب فى هذه الحالة والتى قبلها يكون المعظم على ذهنه ويتمكن لدرايته من الوقوف على الباقى على قريب فهذه أصناف المفتين قال ابن الهائم ولبت ابن الصلاح اثبت حاله خامسة على طريق الرخصه بحسب همم أهل هذا العصر وقصور قواهم عن بلوغ هذه الرابعة والا فلا تكاد تجد مفتيا بالشرط الذى اعتبره فى المرتبه الرابعة اه قلت وهذا التقسيم الذى لابن الصلاح بنى على ذلك ابن الكمال من أئمتنا المتأخرين فذكر الحالات الاربعة للمفتى المنتسب وليس من مبتكراته كما يزعمه بعض أصحابنا * (تنبيه) * قال التقى البكى فى أجوبه المسائلالحلبيه أما من سئل عن مذهب الشافعى يجيب مصرحا بأضافته الى مذهب الشافعى ولم يعلم ذلك منصوصا للشافعى ولا مخرجا من منصوصاته فلا يجوز لك لا حد بل اختلفا فيما هو مخرج هل تجوز نسبته الى الشافعى أولا واختيار الشيخ أبى اسحق انه لا ينسب اليه هذا فى القول المخرج وأما الوجه فلا يجوز نسبته بلا خلاف نعم انه مقتضى مذهب الشافعى أو من مذهبه بمعنى انه من قول اهل مذهبه والمفتى يفتى به اذا ترجح عنده لانه من قواعد الشافعى ولا ينبغى أن يقال الشافعى الاما وجد منصوصا له وان يكون قال به أصحابه أو أكثرهم اما@ ما كان منصوصا وقد خرج عنه أصحابه اما بتأويل أو غيرة فلا ينبغى أن يقال أنه مذهب الشافعى لان تجنب الاصحاب له يدل على ريبة فى نسبته اليه وما اتفقا عليه ولم يعلم هل هو منصوص له أم لا يسوغ اتباعهم فيه ويسهل نسبته اليه لان الظاهر من اتفاقهم انه قال به اه* (الفصل العاشر) * فى ذكر بعض إصطلاحات لفقهائنا الحنفية ينبغى التفطن لها وبيان ذلك أن المسائل المذكورة فى كتب أصحابنا على ثلاثه أصناف الصنف الاول ما روى عن متقدمى علما المذهب كأبى حنفيه وصاحبيه وزفر بن الهذيل والحسن بن زياد فى الروايات الظاهرة عنهم وهى ما فى كتب الاصول المراد منها المبسوط وشروحه الثلاثه لشمس الائمة الحلوانى ولشيخ الاسلام خواهر زاده ولفخر الاسلام البزدوى ويعبر عنها بظاهر الروايه الصنف الثانى ما روى عنهم بروايات غير ظاهرة: فكالنوادر والامالى تعرف بالجرجانيات والهارونيات والكسائيات الرقايات وهى مسائل جمعها محمد بن الحسن فما كان فى دوله هرون الرشيد تعرف بالهارونيات والكسائيات الرقيات وهى مسائل جمعها محمد بن الحسن هما كان فى دولة هرون الرشيد تعرف بالهارونيات وما أملاها فى الرقه وهى من مدن ديار بكلا حين كان قاضيا بها تعرف بالرقيات وما استملاها منه تلميذه عمرو بن شعيب الكسائى تعرف بالكسائيات وكلها منسوبة الى محمد بن الحسن وما عداها تمسى غير ظاهر الروايه منها كاب المجرد للمحسن بن زياد منها روايه ابن سماعة والمعلى وغيرهم وهى روايات مفردة رويت عنهم وتسمى أيضا بالنوادر والصنف الثالث مسائل لم تروعنهم لا فى ظاهر الرواية ولا فى غير ظاهر الرواية فاضطر المتأخرون واجتهدوا فيما مثل محمد بن سلمه ومحمد بن مقاتل نصر بن يحى وأبى سعيد الاسكاف وأبى الكتاب النوازل والعيون ثم جمعها الصدر الشهيد فى واقعات الامام الناطفى فتاوى أهل سمرقند فترجم عما فى النوازل بباب النون وعما فى العبون ببان العين وعما الواقعات بباب الوا وعما فى فتاوى أهل سمرقند بباب السين وعما فى فتاوى أبى بكر محمد بن الفضل بباب الباء وهى المراد بالفتاوى حيثما وقع فى الخلاصة وهذا الصنف من المسائل انما تعرف بالفتاى لان جمعها وقع بالفتوى بخلاف الاولين فان غالبها بكريق الفرض والوضع والمتأخرون من ائمتنا يميزا فى فتاويهم وجوامعهم بين هذه الاصناف بل اوردوها مختلطة الا صاحب المحيط السرخسى فانه ميزها فأورد مسائل الاصل أولا ثم النوادر ومنها المنتقى ثم الفتاوى بهذه العبارات وهو وضع حسن أغلب المنون كمختصر القدورى والكنز والوافى وغيرها مخصوصه بالصنف الاول اعنى مسائل ظاهر الروايه الا نادرا من النوادر والفتاوى بخلاف والجوامع مصل فتاوى قاضخان والخلاصه فانها تشمل جميع الاصناف لكن الغالب فيها الصنف الأخر والله تعالى أعلم (خاتمة)
Shafi 298
فى ذكر سلسلة التفقه لاصحاب الشافعى رضى الله عنه أذكرها منى الى المصنف وغيره ثم منهم الى رسول الله صلى الله علية وسلم وهذا كما قال النوى من المطلوبات المهمات التى ينبغى للمتفقه والفقيه معرفتها ويقبح بهما جهالتها فان شيوخه فى الهلم أباء فى الدين ووصلة بينه وبين رب العالمين كيف لا يقبح جهل الانساب والوصلة بهم مع انه مأمور بالدعاء لهم والثناء عليهم فاعلم ان لهم فى سند المذهب طريقتين احداهما طريقه الخراسانيين تعرف أيضا بطريقة المراوزة وهما عبارتان عندهم عن شئ واحد والخراسانيون نصف المذهب وانما عبروا بالمراوزة عن الخراسانيين لكونهما من طريقه المصنف فأقول اعلم أن مشايخنا اللذين انتهت اليهم رياسة المذهب فى عصرنا بالجامع الازهر عمره الله تعالى الى يم القيامة الذين تبركا بلقائهم واستفدنا من فوائدهم وجلسنا بين أيديهم طبقتان * الاولى فيها ثلاصه أولهم شيخ الشيوخ على الاطلاق وقدوتهم فى تحرير المذهب والمقدم عليهم بالسن والفضل الاستحقاق الشهاب احمد بن عبد الفتاح بن يوسف البحيرى الماوى والثانى رفيقه فى الشيوخ صاحب التمكين والرسوخ الشهاب احمد بن الحسن بن@ عبد الكريم بن محمد بن يوسف الخالدى والثالث شيخ الجامع الامام الجامع المانع شرف الدين عبدالله بن محمد بن عامر بن شرف الدين الشبراى قدس الله أسرارهم والطبقة الثانيه أيضا فيها ثلاثة الاول شيخ الشيوخ القطب نجم الدين أبو المكارم محمد بن سالم بن أحمد الحنفى والثانى الشيخ أبو المعالى الحسن بن على ابن احمد منطاوى والثالث المحقق عيسى بن أحمد الزبيرى قدس الله أرواحهم وهؤلاء الثلاثه تفقهوا على الثلاثه الاولين وعاصرهم وشاركوهم فى بعض شيوخهم فهؤلاء ستة على هذا الترتيب فتفقه الاول والثانى على جماعه من شيوخ المذهب منصور المنوفى ورضوان الطوخى امام الازهر والشهاب أحمد بن محمد عطية الخليفى عبد ربه بن أحمد الديوى الشمس محمد بن منصور الاطفيحى والشاهاب احمد بن الفقيه والشيخ عبد الرؤف بن محمد البشيشى وقد تفقه المنوقى والطوخى والخليفى شمس الدين محمد بن العلاء البابلى وتفقه ابن الفقيه على الشمس محمد بن محمد الشرنبابلى وتفقه عبد الرؤف على قريبه الشهاب أحمد ابن عبد اللطيف البشيشى حينئذ وتفقه شيخنا الثالث والرابع أيضا على الشهاب الخليفى وهو أيضا على الشمس محمد بن داود بن سليمان العنانى هو الشبراملسى تفقها على النور على بن ابراهيم بن على بن عمر الحلبى صاحب السيرة ح وتفقه شيخنا الخامس والثالث أيضا على منصور المنوفى وها أيضا على الجمال منصور بن عبد الرزاق الطوخى والشهاب البشيشى وهما الشرنبابلى ايضا على أبى العزائم سلطان بن أحمد بن سلامه المزاحى ح وتفقه البابلى والشبراملسى أيضا والمزاحى على النور على بن يحي الزيادى ح وتفقه البابلى والشبراملسى أيضا على كل من الشهاب أحمد بن خليل السبكى والشيخ عبد الرؤف المناوى شارح الجامع الصغير وسلمان بن عبد الدائم البابلى وسالم بن حسن الشبشيرى وعبدالله بن عبد الرحمن الدنوشرى هم والنور الجلى تفقهوا على الامام نجم الدين محمد بن أحمد الغيطى وبعض هئلاء تفقه على الشمس محمد بن أحمد بن أحمد بن حمزة الرملى وبعضهم تفقه على الخطيب الشربينى وبعضهم على يوسف بن زكريا ح وتفقه الزيادى على الشهاب عميرة البرلسى والشهاب أحمد بن محمد بن حجر المكى والشهاب أحمد بن صالح البلقينى بن أحمد بن حمزة الرملى وهم جميعا تفقهوا على شيخ زكريا بن محمد الانصارى وعلى الجلال محمد بن أحمد المحلى وعلى الجلال عبد الرحمن بن عمر بن رسلان البلقينى ح وتفقه يوسف بن زكريا ايضا على الحافظين الشمس أبى الخير محمد بن عبد الرحمن السخاوى والجلال بن أبى الفضل عبد الرحمن بن أبى بكر السيوطى وهم تفقهوا وشيخ الاسلام أيضا على الامام علم الدين صالح بن عمر البلقينى وتفقه شيخ الاسلام والسخاوى أيضا على الحافظ شهاب الدين أبى الفضل أحمد بن على بن محمد بن حجر العسقلانى وتفقه شيخ الاسلام وحده على الشمس محمد بن على القاياتى هو والحافظ بن حجر وصالح البلقينى والجلال البلقينى تفقهوا على شيخ الاسلام سراج الدين عمر بن رسلان البلقينى هو تفقهخ على السراج أبى حفص عمر بن محمد بن الكتنانى نزيل دمشق ه تفقه على الشيخ الدين عبد الرحمن بن ابراهيم الفزارى الشهير بابن الفركا وتفقه السراج البلقينى أيضا على الشيخ صلاح الدين أبى سعيد خليل بن كيكادى العلائى وهو على ابن الفركا ح وهوا تفقه على الامام أبى محمد العز عبد العزيز بن عبد السلام السلمى هو تفقه على الامام نقر الدين أبى منصر عبد الرحمن بن محمد بن الحسن بن عساكر الدمشقى وهو تفقه على القطب أبى المعالى مسعود بن محمد بن مسعود النبسابورى ح تفقه الحافظ ابن حجر أيضا على الحافظ زين الدين أبى الفضل عبد الرحيم بن الحسين العراقى هو تفقه على كل من الجمال عبد الرحيم بن الحسين الاسنوى صاحب المهات والحافظ تقى الدين أبى الحسن على بن عبد الكافى السبكى شارح المنهاج وأبى الحسن على بن ابراخيم بن داود بن سلمان العطار الدمشقى فالا سنوى والسبكى تفقها@ تفقها على الامام نجم الدين أحمد بن محمد بن الرفعه صاحب المطلب ح وتفقه السراج البلقيسى أيضا على الامام شمس الدين محمد بن أحمد بن عدلان هو وابن الرفعه تفقها على ظهير الدين جعفر بن يجي التزمنتى وتفقه ابن عدلان أيضا على الوجيه عدلان أيضا على العماد أبى القاسم عبد الرحمن بن عبد العلى بن السكرى مدرس التاج والوجوه السبع هو وابن بنت الجيزى تفقها على محمد بن محمود الطوسى ح وأما أبو الحسن العطار شيخ العراقى فتفقه على محرر المذهب الامام محي الدين يحي صاحب الشامل الصغير وهو تفقه على النجم عبد الغفار بن عبد الكريم القزوينى صاحب الحاوى وهو تفقه على محرر المذهب الامام أبى القاسم عبد الكريم بن محمد الرفاعى واذا أطلق لفظ الشيخين فانما يعنى هو والنووىهو والطوسى تفقها على الامام أبى بكر محمد بن الفضل وهو تفقه على الامام أبى عبد الله محمد بن يحي بن أبى منصور النيسابورى ابى حامد محمد بن محمد ابن محمد الغزالى الطوسى مؤلف هذا الكتاب ح تفقه النووى أيضا على أبى ابراهيم اسحق بن محمد ابن احمد ابن عثمان المغربى وأبى محمد عبد الرحمن بن نون بن محمد بن ابرايهم بن موسى المقدسى وأبى حفص عمر بن أسعد بن أبى غالب الاربلى وهم مع التاج الفزارى أيضا تفقهوا على الامام أبى عمر عثمان بن عبد الرحمن الشهير بابن الصلاح وهوا على والده صلاح الدين عبد الرحمن بن عثمان وهوا على أبى القاسم بن البرزى الجزرى تفقه سلار أيضا على الامام أبى بكر الماهانى وهو على ابن البرزى وهو على أبى الحسن على بن محمد ابن على الهراسى الشهير بالكيا تفقه هو والخوافى الامام الغزالى على امام الحرمين أبى الماعالى عبد الملك وهو على والده ركن الاسلام ابى محمد عبدالله بن يوسف بن الجوينى وهو على امام طريقة خرسان الامام أبى بكر عبد الله بن أحمد القفال المروزى الصغير وهو تفقه على الامام ابن زيد محمد بن أحمد ابن عبدالله بن محمد الروزى ح وأما طريقة العراقيين فبالسند المتقدم الى ابن الصلاح هو على والده هو وابن بنت الجيزى تفقها أيضا على أبى سعيد عبدالله بن محمد بن هبى الله بن على بن بى عصرون الموصلى وهوتفقه على القاضى أبى على الحسن الفارقى وهو على الامام أبى اسحق ابراهيم بن على الفير زابادى الشهير بالشيرازى ح وتفقه ابن بنت الجيزى أيضا على البرهان العراقى وهو على أبى الحسن البغدادى وهو على فجر الاسلام الشيرازى تفقها على القاضى أبى الطيب طهر بن عبدالله الطبرى وتفقه صاحب العدة أيضا على القاضى أبى على الحسين بن محمد الروزى وهو تفقه على أبى بكر القفال بالسند المتقدم فى الطريقة الخراسانية (تنميه) قال النووى فى تهذيب اعلم انه متى أطلق القاضى فى كتب متأخرى الخراسانيين كالنهاية التنميه والتهذيب كتب الغزالى ونحوها فالمراد القاضى حسين هذا صاحب التعليقه ومتى أطلق القاضى فى كتب متوسطى العراقيين فالمراد القاضى أبو حامد المروزى متى أطلق فى كتب الاصول لاصحابهم فالمراد القاضى أبو بكر الباقلانى المالكى فى الفروع متى أطلق فى كتب المعرفه أوفى كتبأصحابنا الاصليين حكاية عن المعتزلة فالمراد القاضى الجبائى اه وتفقه القاضى أبو الطيب على الامام أبى المحسن محمد بن على بن سهل الماسرجنى وتفقه البرهان العراقى أيضا على القاضى مجلى بن جميع صاحب الذخائر وهو على سلطان المقدسى وهو على الشيخ أبى الفتح نصر المقدسى الزاد هو على الشيخ أبى الفتح سليم بن أيوب الرازى وهو والقاضى أبو الطيب أيضا على الامام أبى حامد الاسفراينى وهو تفقه على الامام أبى القاسم عبد العزيز الداركىهو والماسرجى وأبو زيد الروزى فى سند الخراسانيين تفقهوا على أبى اسحق ابراهيم بن محمد المروزى وهوا تفقه على أبى العباس أحمد بن عمر بن سريج الملقب بالباز@ الاشهب وهو على الامام أبى القاسم عثمان بن سعيد الانماطى ح وتفقه والدامام الحرمين أيضا على الامام أبى الطيب سهل بن محمد بن سليمان بن محمد بن سليمان بن موسى بن عيسى بن ابراهيم بن خزيمة السملى النيسابورى هو الانماطى تفقها على الامامين الكبيرين أبى محمد الربيع بن سليمان بن عبد الجبارين كامل المرادى وأبى ابراهيم اسمعيل بن يحي الزنى وحيث أطلق فى كتب المذهب الربيع فالمراد به المرادى واذا أرادوا الجيزى فيدو وليس للجيزى ذكر فى كتب المذهب الا فى موضع واحد فى كتاب المهذب ف دباغ جلد الميته وعى شهادات الروضه وهما تفقها على امام الائمه وسراج هذه الامة أبى عبدالله محمد بن ادريس الشافعى امام المذهب رضى الله عنه وعمن أحبه هو تفقه على جماعات منهم أبو عبدالله مالك بن أنس امام المدينه ومنهم أبو محمد سفيان بن عيينه وعمن أحبه وهو تفقه على جماعات منهم أب عبد الله مالك بن أنس امام المدينه ومنهم أبو محمد سفيان بن عيينه الهلالى ومهم أبو خالد مسلم بن خالد الزنجى مفتى مكه امام أهلها فأمامالك تفقه على ربيعه بن أبى عبد الرحمن الرأى نافع مولى بن عمر وتفقه ربيعه على أنس بن مالك تفقه نافع على مولاه عبدالله بن عمر بن الخطاب وأما سفيان تفقه على عمرو بن دينار وهو على ابن عمرو ابن عباس وأما مسلم الزنجى تفقه على أبى الوليد عبد الملك بن عبد العزيز بن أبى حريج وهو على أبى محمد عطاء ابن أبى رباح وهو على عبدالله بن عباس وهو على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وأمير المؤمنين على بن أبى طالب وزيد بن ثابت وأخرين وهم وأبن عمر وابن عباس ايضا وأنس بن مالك أخذوا عن سيد المرسلين وخاتم النبيين قائد الغرالجعلين أبى القاسم محمد بن عبدالله بن عبد المطلب بن هاشم صفوة ورب العالمين صلى الله عليه وسلم وشرف وكرم ومجد وعظم وعلى أله وصحبه وعشيرته وتابعيه كلما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون فهذت مختصر السلسة ومعلوم ان كل واحد من هؤلاء المذكورين أخذ عن جماعة بل جماعات لكن أردت الاختصار فى السياق لتلايمله ناظره اقتصرت على ذكر بعض شيوخ كل واحد من المشاهر وذكرت أجلهم وأشهرهم ولو أردت الاستقصاء بذكر مجموع ما عندى فى أسانيدهم وغريب سياقتهم لطال المطال وأل الامر الى الملال وهذه خاتمة الفصول العشرة وبهاتهم ديباجة الكتاب ثم نشرع بعون الله تعالى فى حل كلام المصنف والله أسأل أن يمن على بأتمامه واكماله بحسن نظامه بمنه وكرمه وانعامه وهو ولى الاحسان لا اله غيره ولا خير الا خيره وحسبنا الله ونعم الوكيل * (بسم الله الرحمن الرحيم*الحمد لله) فى تعقيب التسمية بالتحميد اقتداء بأسلوب الكتاب المجيد وعملا بما شاع بل وقع عليه الاجماع امتثال بحديثى الابتداء والكلام على الجملتين طويب الذين قد ألفت فيها رسأئل ووسائل ليس هذا محل ذكره (الذى تلطف بعباده) أى ترفق بهم وهو من لطف الشئ كقرب لطافة وأصل اللطف الرفق (فتعبدهم بالنظافة) أى جعلهم يناقدون ويخضعون له بالنظافة يقال هذا أمر تعبدى وهو من العبادة وهى فعل المكلف على خلاف هوى نفسه تعظيما لربه ويقال تعبد الرجل اذا تنسك وتعبده دعاء الى الطاعة والنظافة النقاء من الوسخ والدنس وقد نظف ككرم فهو تنظيف يتعدى بالتضعيف والمعنى ان دعاء الله لعباده وأمره لهم بأنقيادهم له بالانقاذ من سائر الاوساخ والادرات من غايه رفق الله تعالى بهم وكمال لطفه واحسانه بهم والنظافه كما تتكون بتنقيه الظاهر كذلك تطلق على تنقيه الباطن وكل منهما مرادهنا (وأفاض) أى أجرى واسال من البغيض وهو سيلان الماء به سمى نهر مصر بالفيض وفاض كل سائل جرى وفاض الخير كثر وفاض وأفاض يستعملان لازمين ولكن هنا متعد (على قلوبهم) أى قلب ألئك العباد الضين اختارهم من الازل وتعبدهم بالطهارة والنظافه فى كل عمل (تزكية) اى صلاحا أتنيمه (لسرائرهم) جمع سريرة وهى خاطر النفس وما تسره أى تكتمه (أنواره وألطافه) المراد بالانوار هنا هى الواردات الالهية التى تطرد الكن عن القلب والالطاف جمع اللطف والمراد به الرفق ويعبر عنه بما يقع عنده صلاح العبد أخرة أى انما أفاض تلك الانوار الزكية الالطاف @ الخفية الخلفية على قلوبهم لتصفو أسرارهم وتنموا سرائرهم ويكمل لهم التطهير المعنوى ببعض فضله تعالى وافاضته ولا يكون الفيض والافاضة الا من الحق (أعد) أى هيأ (لظواهرهم) هو مقابل سرائرهم جمع الظاهر هو ما يظهر للعين من الانسان من جوارحه الظاهرة (تطهيرالها) أى لاجل تطهيرها من الادوات والاوساخ (الماء المخصوص بالرقه واللطافة) والرقة كألدقة لكن الدقة اعتبار بمراءة جوانب الشئ والرقة اعتبارا بعمقه فتى كانت فى جسم يضادها الصفاقة ويقال ماء رقيق اذا كان جاريا سيالا زاللطافة ضد الكثافة والماء قد خص بهذين الوصفين وهوأول ظاهر للعين من أشباح الخلق وهو جسم رقيق لطيف شفاف يبردغلة العطش به حياة كل نام (والصلاة) هكذا فى سائر نسخ الكتاب لاقتصار عليه دون السلام والكلام فيه تقدم فى أول كتاب العلم ويوجد فى بعض النسخ والصلاة والسلام (على محمد المستغرق) أى المستوعب (بنور الهدى) أى بنور هدايته وارشاده (أطراف العالم ,اكنافه) الاطراف والا كناف جمع طرف وكنف بالتحريك فيها أى الجوانب والعالم كل ما سوى الله من الموجودات أى نور ارشاده وهدايته استعب أطراف العالم فلم يبقى شيئأ الاحصله وفيه اشارة الى عموم تبليغه صلى الله عليه وسلم الى الثقلين ويحتمل أنه اشار به الى سائر العالم الحسيه والمعنويه فكلهم يستمدن من أنواره (وعلى أله الطيبين الطاهرين) هم أقاربه الاولون الطيب راجع الى ذاتهم والطهارة الى صفاتهم أى الطيبين الذوات الطاهر بن الضفات ولم يذكر الاصحاب هنا اكتفاء بالال لان فى أله من له صحبة وفى أصحابه من له قرابة (صلاة تحمينا) من الحمايه أى تحرسنا وتحفظنا (بركتها يوم المخافة) هو يوم القيامة سمى لما فيه من الخوف الشديد والمعنى تحمينا بركة الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم من أهوال يوم القيامة وقد دورت أخبار صحاح وحسان فى ان المصلى عليه ينجو من أهوال يوم القيامة (وتنتصب جنة) بالضم اى سترا (بيننا وبين كل أفة) أى كل مصيبة وشدة وقد ظهر لليوم سلف ان المصنف ضمن خطبته الاشارة الى بعض مقاصد الكتاب من تعبد ونظافة وافاضة واعداد والظواهر والماء يوصفيه والاطراف والطاهرين نصب الجنة التى يستعملها المستنحى رعايه لبراعة الاستهلال وعند التأمل يظهر فى كلامه من لطائف الاسرار غير ما ذكرت (أما بعد فقال قال النبى صلى الله عليه وسلم بنى الدين على النظافة) تقدم الكلام عليه فى كتاب العلم (وقال صلى الله عليه وسلم مفتاح الصلاة الطهور) تحريمها التكبير وتحليلها التسليم وقال العراقى أخرجه أبو داود والترمذى وابن ماجه من حديث على قال الترمذى التكبير تحليلها التسليم قال العراقى أخرجه أبو داود رواه أحمد فى مسنده ,أخرج أحمد أيضا والبهيقى من حديث جابر بلفظ مفتاح الجنة الصلاه ومفتاح الصلاة الطهور وقال النووى فى التهذيب الطهور بالفتح ما يتطهر به وبالضم اسم الفعل هذه هى اللغة المشهورة فى أخرى بالفتح فيهما واقتضر عليه جماعات من كبار أئمة اللغة وحكى صاحب مطالع الانوار الضم فيهما وهو غريب شاذاه قال اين الاثير فى تفسير قوله عليه السلام لا يقبل الله صلاة بغير طهور هو بالضم للتطهر وبالفتح الماء الذى يتطهر به وقال سيبويه الطهور بالفتح يقع على الماء والمصدر معا قال هذا يجوز أن يكون الحديث بفتح الطاء وبضمها والمراد بهما التطهر والماء الطهور بالفتح هوالذى يرفع الحدث ويزيل النجس لان فعولا من أبنية المبالغة فكأنه وتناهى فى الطهارة (وقال الله تعالى) فى كأبه العزيز فى حق أهل قباء (فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين) كان هؤلاء الطائفة من الانصار اذا استنجوا أتبعا الحجارة بالماء فأثنى الله تعالى عليهم بذلك سيأتى الكلام عليه قريبا وطهر وطهروا طهر وتطهير بمعنى واحد (وقال صلى الله عليه وسلم الطهور نصف الايمان) قال العراقى أخرجه الترمذى من حديث رجل من بنى سليم وقال حسن وراوه من حديث أبى مالك الاشعرى يلفظ شطراها قلت وحديث ابى مالك الاشعرى رواه أيضا أحمد والترمذى ولفظهم الطهور شطرا الايمان والحمد لله تملأ الميزان وسبحان الله والحمد لله@ أوتملأ ما بين السماء والارض والصلاة نور والصدقة وبرهان والصبر ضياء والقرأن حجه لك أو عليك كل الناس يغدو فبأبع نفسه فعتقها أو مو بقها وأخرج اللالكائى فى السنة أخبرنا محمد بن أحمد بن أحمد بن القاسم أخبرنا اسمعيل بن محمد حدثنا أحمد بن منصور حدثنا عبد الرزاق حدثنا سفيان عن أبى اسحق عن أبى ليلى الكندى عن حجر بن عدى ورأى ابن أخ له خرج من الخلاء فقال ناولنى تلك الصحيفة من الكوة فقرأها فقال حدثنا على بن أبى طالب الطهور نصف الايمان قلت قلت هكذا أورده ولم يصرح انما اورده مستدلاعلى قبول الايمان الزيادة والنقص والتبعيض (قال الله تعالى) فى كتابه العزيز (ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم) قال صاحب القاموس فى كتاب البصائر الطهارة ضربات جسمانية ونفسانية وحمل عهليهما أكثر الايات اهو الحرج الكافة المشقة ويحتمل قوله تعالى ليطهركم أى ليهديكم كما فى قوله تعالى أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم أى ان يهديهم ومن الأيات التى فيها تطهير النفس قله تعالى أن طهرا بيتى للطائفين والعاكفين الركع السجود قال الزجاج معناه طهراه من تعليق الاصنام عليه وقال غيره المراد به الحث على تطهير القلب لدخول السكينه فيه المذكورة فى قوله هو الذى أنزل السكينة فى قلوب المؤمنين وقال الازهرى طهرا بيتى من المعاصى والافعال المحرمة وقوله تعالى يتلو صحفا مطهرة أى من الادناس والباطل وقوله تعالى ان الله يحب التوابين ويحب المتطهرين يعنى به تطهر النفس وقوله تعالى ومطهرك من الذين كفروا أى منزهك أن تفعل بفعلهم وقيل فى قوله تعالى لا يمسه الا المطهرون يعنى به تطهير النفس أى لا يبلغ حقائق معرفته الا من طهر نفسه من درن الفساد والجهالات والمخالفات (فتفطن ذووا البصائر) أى تنبيه ذوو المعارف والقلوب المنورة بنور اليقين (بهذه الظواهر) من الأيات والاخبار (ان أهم الامور) هو (تطهير السرائر) أى البواطن من درن المخالفات وزين الشهوات (أذ يبعد) كل البعد كل البعد (أن يكون) المعنى (المراد بقوله) صلى الله عليه وسلم وفى نسخه من قله (الطهور نصف الايمان) من حديث على أوشطر الايمان كما هوفى روايه مسلم هو (عمارة الظاهى) من جسد الانسان (بالتنظيف) والانقاء (بافاضة الماء) الكثير وصبه (وتخريب الباطن) أى تركه خرابا بلا عمارة (ابقائه مشحونا) مملوأ (بالاخباث بمعنى (هيهات هيهات) كلمة بعد وفيه لغات استوفيتها فى شرح القاموس أى بعد الذلك كيف يكون كذلك (والطهارة لها أربع مراتب) هى لغه النظافة حسية أو معنوية وشرعا صفه حكمية توجب أى تصحيح لموصوفها صحة الصلاة به أو فيه أو معه وعرفت أيضا بأنها صفة حكمية توجب لمن قامت به رفع حدث أو ازالة خبث أو استباحه كل مفتقر الى طهر فى البدلية وكونها لها اربع مراتب أو أقل أو أكثر نظرا الى الاستعمال اللغوى (الالى تطهير الظاهر) أى الاعضار الظاهر (عن الاحداث) برفعها (والاخباث) بازالتها (والفضلات) بالتحريك جميع فضلة بفتح سكون هى ما تتفضل عن الانسان بالتقيم والحلق والاستعداد التنوير والاختتان هى طهارة عامة لمسلمين (المرتبه الثانية تطهير الجوارح) هى الاعضاء الخارجه تشبيها لها بجوارح الطير لا اتجرح او تكسب ويقال لها الكواسب أيضا (من الجرائم والأثام) الجرائم جمع جريمة وهى اكتساب الاثم وقال الراغب أصل الحرام القطع ويقال جرم النمر عن الشجر اذا قطعه ثم استعير ذلك لكل اكتساب مكروه ولا يكاد يقال فى عامة كلامهم للكسب المخمود والاثام جمع اثم وهى الافعال والمبطئة عن الثواب وقال الراغب الاثم أعم من العدوان وهى طهارة خواص المسلمين (المرتبه الثالثه تطهير القلب عن الاخلاق المذمومة) التى ذمها الشارع كالبخل والكبر والعجب والتصنع وكفر النعمة والبطر والغل والغش وغيرها مما سيأتى ذكرها المصنف (والرذائل) اى الخصال الرذيله أى الرذيئه (الممقوته) أى المبغوضة عند الله تعالى والمقت أشد الغضب وهى طهارة خواص المئمنين من العباد @ الصالحين (المرتبة الرابعة تطهير السر) وهو باطن القلب (عما سوى الله تعالى) بحيث لا يخطر فيه خاطر لغير الله تعالى (وهى طهارة الانبياء) صوات الله عليهم فانهم دائما فى مشاهدة الحق لا ينظرون الى سوى الله تعالى (و) كذلك طهارة (الصديقين) مقثام الصديقية تحت مقام النبوة ويدل لذلك قوله تعالى من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين فالمرتبة الاولى لصالحى المسلمين وهى أول درجه الولاية والثانيه لصالحى المؤمنين وهى الدرجة الثانيه والثالثه درجه الشهداء وهى تفوق الثانيه والرابعة درجة الانبياء والصديقين على طريقة التدلى ولا يظن الظان ان هذه المراتب الدرجات سهلة هيهات لا يصل السالك الى أول درجه الولايه الا بعد قطع مفاوز ومهالك ومنهم من يموت وهو فى أول الطريق ولكن العناية الالهية اذا ساعفت فقل فيها ما شئت ثم قال المصنف (الطهارة فى كل رتبه) من الرتب المذكورة (نصف العمل الذى فيها فان الغاية القصوى) تأنيث الاقصى وهى التى ما بعدها غاية (فى عمل السر) الذى هوا باطن القلب (أن ينكشف له جلال الله وعظمته) وكبرياؤه وبحيث يغمر لبه فلا يرى الا هو ولا يسمع الا هو والجلال هنا التناهى فى عظم القدر وخص به تعالى فتبارك ذو الجلال ولم يستعمل فى غيره والعظمة تقرب من الجلال (ولن تحل معرفة الله سبحانه بالحقيقة فى السر) حلولا حقيقا (مالم يرتحل ما سوى الله عز وجل عنه) ومتى انكشف سبحان الجلال وارتفعت خطارات السوى واحترقت (لذلك قال الله تعالى) مخاطبا لحبيبه صلى الله عليه وسلم (قل) يا الله ثم ذرهم أى اتركهم هذا الاسم لكمال دلالته على الذات الاحدية كان حضرة الاسماء كلها فمن عرف الله عرف كل شئ ولا يعرف الله من فاته معرفة شئ من الاشياء لان حكم الواحد من الاسماء حكم الكل فى الدلالة على العلم بالله وفى قوله ثم ذرهم معرفة شئ من الاشياء لان حكم الواحد من الاسماء هكم الكل فى الدلالة على العلم بالله وفى قوله ثم ذرهم اشارة الى التخلى عن السوى بعد انكشاف صفى الجمال ولعظمة وسمى احتجابهم عن هذا المقام خوضا فقال فى خوضهم يلعبون (لانهما) أى معرفة الحق والركون الى السوى ضدان (لا يجتمعان فى قلب) مؤمن قط فضلا من سره (و) يدل عليه قوله تعالى (ما جعل الله لرجل من قلبين فى جوفه) فالقلب ليس له الا وجهة واحدة وقد تقدم تفسير هذه الأيه فى كتاب العلم (وأما عمل القلب) الذى هو تطهيره عن الاخلاث الذميمة (فالغاية القصوى عمارته بالاخلاق المحمودة) التى أثنى الله عليها فى كأبه من الحمد والرضا والتسليم والشكر والصبروالحياء والخوف والخشية واليقين وغير ذلك مما سيأتى بيانها للمصنف (والعقائد المشروعة) أى الثابته بالشرع الملتقاة بالسمع المصونه عن الزيغ والزلل فعقد القلب على مثلها مما يعمر القلب بالانوار الالهية والتجليات الكشفية (ولن يتصف بها) أى بتلك الاخلاق والعقائد (مالم يتنظف) ويتطهر (من نقائضها) وأضدادها (من العقائد الفاسدة) الزائغة عن طريق الحق وأهله (والرذائل المذمومة فتطهيره) الذى هو التحلى بعد التخلى (أحد الشطرين وهو الشطر الاول الذى هو شرط فى الثانى) فالشطر جزء الماهية منه قوامها والشرط خارج عنها يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وحود ولا عدم لذاته (فكان الطهور شطر الايمان) الذى أخرده مسلم وغيره (بهذا المعنى) فكان ما هية الايمان عبارة عن شطرين أحدهما التصديق الباطن والثانى تطهير الباطن ولن يحل التصديق بالحقيقة فى الباطن ما لم يكن بطهارته قابلا لحلوله فيه وهو ملحظ غريب (وكذلك) الكلام فى (تطهير الجوارخ عن المناهى) والكف عنها (أحد الشطرين) وهو الشطر الاول الذى هو شرط فى الثانى (وعمارتها بالطاعات) المقربة لرب الارباب هو (الشطر الثانى) فالاول الذى جعل شطرا أولابمنزلة الشرط فى الثانى فى توقيفه عليه فتأمل ولم يذكر للرتبة ولم يذكر للرتبة الاولى غاية لظهوره فان تطهير الظاهر شطر عمارته بالعبادات المفروضه شطر ولا يتم اداؤها الا بالاول فصار الشطر الاول شرطا فى الثانى (وهذه مقامات الايمان) تتفات بتفاوت المنصفين به وخلاصته ان التخلية نصف الايمان والتحلية نصف الا يقان وبهما كمال العرفات (ولكل مقام) منها (طبقة) عليا وطبقة سفلى وطبقة وسطى (ولن ينال العبد) @ السالك فى طريقه (الطبقة العالية) منها (الاأن يجاوز) بهمته الجاذبة وقوته الماسكة الطبقة الوسطى ثم يستقرفيها ريثما يتمكن من الانصباغ بها وتجرى عليهأحكامها ولن يناالها الاأن يجاوز (الطبقة السافلة) بعد التمكن فيها وحريات أحكامهاعليه (فلايصل الى) مقام (طهارة السر عن الصفات الذمومة) والتخليةعنها ثم (عمارته بالمحمودة) منها (من لم يفرغ من طهارة القلب عن الخلق المذموم وعمارته بالمحمود) على قدرالمجهود (ولن يصل الى ذلك من لم يفرغ عن طهارة الجوارح) الظاهرة (عن المناهى) الفاخرة (وعمارتها بالطاعات) الواجبةالمختلفة من القيام والقراءة والركوع والسجود والقعود (وكلما عزالمطلب) وفى نسخة الطلوب (وشرف) مقامه (صعب مسلكه) على السالكين (وطال طريقه) على المناهجين (وكثرت عقباته) على الراحلين (والعقبة) محركة هى الثنية بين الجبلين يصعب ارتقاؤها (فلا تظنن) أيها السالك فى طريق الحق بالرقى (ان هذا الامر) الذى ذكرتة لك (يدرك بالمنى) أى بتمنى النفس وتشوقها (وينال) وصوله (بالهوينا) أى بالسهلة كلا والله *كيف الوصول الى سعاد ودنها* قلل الجبال ودونهن حتفوف (قال الله تعالىليس بأمانيكم ولاأمانى أهل الكتاب الاية) ولكن اذا وفق الله السالك بخدمة مرشد محق كامل وصادفته العنايه نقله من مقام لمقام بادنى المام فعليك باستصحاب اخوان الصدق والصفا لتر فى مراتب الكمال وتحظىبرتبة الاصطفاء (نعم من عميت بصيرته) أى عدم نور قلبه (عن) ادراك (تفاوت هذه الطبقات) وتميزها واعطاء كل مقام حقه (لم يفهم من مراتب الطهارة الا الدرجة الاخيرة) وهى الالى (التى كالقشر الاخير الظاهر) للعيان (بالاضافة) أى النسبة (الى اللب) الذى هو داخل الداخل وهو (المطلوب) الاغظم (فصار يمعن غيه ويستقصى فى مجاريه) أمعن فى الطالبا اذا بالغ فى الاستقصاء والاستقصاء طلب النهاية (ويستوعب جميع أوقاته) اى يستغرقها (فى الاستنجاء) بالماء والتشديد فيه حتى ان احدهم لا يكتفى باماء بل يعد لنفسه خرقا يتبعها مواضع الغائط مسحا ويبالغ فيه ومنهم من يدخل اصابعه فى حلقه الدبر يزعم انه كمال النظافه ومنهم من يمعن فى لاستبراء حتى ان بعضهم يدخل قطعا صغار من المدر فى رأس الذكر يريد بذلك تنشيف الرطوبه ولهم فى الاستنجاء تنطعات كثيره وعامتها من وسواس الشيطان (و) يمعن فى (غسل الثياب) ويشدد فيه بانواع من الصابون وغيره ويعد غسالتها نجسه وان كانت الثياب طاهره بل ربما لا يوجد فيها الابعض العرق ويسمى الماء الاخير الذى تغسل به ماء الشهاده وهذا ايضا من الوسواس (و) يمعن ايضا فى (تنظيف الظاهر ) من الجسد دلكا ومعكا (و) يمعن ايضا فى (طلب المياه الجاريه الكثيره) الغزيره لللاغتسال وغسل الثياب (ظنا منه بحكم السوسه) الشيطانيه (ونخيل العقل) وفى بعض النسخ وخبل العقل اى فساد (ان الطهاره المطلوبه) من العبد (الشريفه) عند الله (هى هذه) التى ذكرت من تنقيه الظاهر والثياب (فقط) ليس الا (وجهلا) منه (بسيره الاولين) من السلف الصالحين اى طريقتهم (واستغراقهم) اى السلف (جميع الهم) اى العزم والقصد (والوكد) بفتحتين اى التاكيد (فى تطهير القلوب) والبواطن عن اقظار المعاصى واوساخ المخالفات (وتسائلهم) كثيرا (فى امر الظاهره) كما يعرفه من مارس اخبارهم وطالع تراجهم فى كتاب الحليه والقوت (حتى ان عمر) بن الخطاب (رضى الله عنه مع علو منصبه) ورفعه مقامه وكونه خليفه رسول الله صلى الله عليه وسلم وامير المؤمنين (توضا بماء) حميم (فى جره نصرانيه) هكذا جاء فى روايه كريمه المروزيه فى صحيح البخارى بلفظ وتوضأ عمر بالحميم من بيت نصرانيه والحميم الماء المسخن والصحيح انهما اثران مستقلان الاول توضأ عمر بالحميم اخرجه سعيد بن منصور وعبد الرازق وغيرهما باسناد صحيح واما الثانى واخرجه الشافى فى مسنده وعبد الرازق وغيرها عن سيفان بن عيينه عن زين بن اسلم عن زيد بن اسلم عن ابيه ان عمر رضى الله عنه توضا من ماء نصرانيه فى جره نصرانيه لكن ابن عيينه لم يسمع من زيد بن اسلم فقدرواه البيهقي فى السنن من@ طريق سعدان بن نصرعنه قال حدثونا عن زيد بن اسلم ولم اسمعه عن ابيه قال لما كنا بالشام اتيت عمر بماء فتوضا منه فقال من اين جئت بهذا فرايت ماء عدولا ماء سماء اطيب منه قال قلت من بيت هذه العجوز النصرانيه فلما توضا اباها فقال ايتها العجوز اسلمى تسلمى فذكره مظلولا وقد دل وضوء عمر رضى الله عنه منه جزه النصرانيه على تساهله فى الامور الظواهر وعدم التعمق فيها وعلى جواز استعمال مياه الكفار ولا خلاف فى استعمال سؤر النصرانيه لانه طاهر خلافا فالاحدوا سحق واهل الظاهر وختلف قول مالك ففى المدنه لا يتوضا بسؤر النصرانى ولا بما ادخل يده فيه وفى العتبيه اجازه مره وكرهه اخرى (وحتى انهم) اى السلف
Shafi 306
(ما كانو يغسلون البد عن الدسومات) والدسم محركه الودك من لحم وشحم (و) عن (الاطعمه) اى عقيبها (بل كانوا يمسحون اصابعهم) بعد الاطعمه (باخص اقدامهم) اى بواطنهم وقد خصت القدم خصا من باب تعب ارتفعت عن الارض فلم تمسها فالرجل اخص القدم والجمع خمص كأ حمروحمرلانه صفة فان جمعت القدم نفسها قلت الاخامص (وعدوا) غسل اليد بعد الطعام (با لا شنات من البدع المدثة) التى أحدثت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم والاشنات بالضم والكسرالحرض معرب وتقديره فعلان (ولقد كانو ايصلون على الارض) من غير حاجز (فى المساجد) وكان مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم مفروشا بالحصبان والرمل وأول من فرش المساجد بالحضر الحجاج فأ نكرواعليه وصلى قتادة مرة على حصير فى المساجد وكان كفيفا فدخلت شوكة الحصير فى عينه عند السجود فعلن الحجاج (ويمشون) غالبا (حفاة) أى من غير نعل (فى الطرقات) جمع جمع الطريق (ومن كان لا يجعل بينه بين التراب حاجزا) أى مانعا (فى ضحعه) ومقعدة (كان) يعد (من أكايرهم) ورؤسائهم لانه علامة دالة على التواضع وترك التكلف فى المعيش وعدم الاعتناء بها (وكانوايقتضرون علىلحجارة فى الاستنجاء) ولايتبعونها ماء وقدثبت الاقتصار على الحجارة من فعله صلى الله عليه وسلم من ذ لك ما أخرجه البخارى من حديث أبى هريرة فلما قضى صلى الله عليه وسلم اتبعه بهن أى ألحق المحل بالا لحجار وكنى به عن الاستخباء وأخرج ابن أبى شيبة بأسانيد صحيحة عن حذيفة بن اليمان أنه سئل عن الاستحياء بالماء فقال اذالا يزال فى يدىتن وعن نافع عن ابن عمر كان لا يستنجى بالماء وعن الزهرى ما كنا نفعله وعن سعيد بن المسيب انه سئل عن الاستنجاء بالماء فقال وضوء النساء فهذه الاثاركلها دالة على انهم كانو يقتصرون فى غالب الاوقات على الاحجار ولاسبيل لمن تمسك بها على كراهة الاستنجاء أنس كان النبى صلى الله عليه وسلم ذلك أيضا وذلك فيمار واه البخارى فى صحيحه من حديث أنس كان النبى صلى الله عليه وسلم اذا خرج لحاجته أجىء أنا وغلام معنا اداوة من ماء يعنى ليستنجى به وأخرج سلم من طريق خالد الحذاء عن عطاء عن أنس فخرج علينا وقد استنجى بالماء وأخرج ابن خزيمهفى صحيحه من حديث جرير فأتاه جرير باداوة من فاستنجى بها وفى صحيح ابن حبان من حديث عائشة مار أيت رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من غائط قط الامن ماء فماذا كره المنصف من أحوال السلف يحمل على أغلب أحوالهم والمراد انهم ما كانو يتعمقون فى أمر الاستنجاء (وقال أبوهريرة وغيره من أهل الصفة رضى الله عنهم) والمراد بالصفة صفة المسجد النبوى وكان يأوى الها جماعة من فقراء الصحابة وقد جمعهم أبو نعيم فى كتاب الحلية وذكر من أوصافهم (كنانا كل الشواء) أى العم المشوى (فتقام الصلاة فندجل أصابعنا فى الحصباء) أى الحصيات الصغار التى فى المسجد (ثم نفركها بالتراب) أى لازالة دسمه (ونكبر) أى ندخل فى الصلاة مع الامام بتكبيرة الاحرام قال العراقى أخرجه ابن ماجه من حديث عبد الله الحرث بن جزء ولم أره من حديث أبى هريرة اه قلت وهو فى كتاب أسماء من دخل مصر من الصحابة تأليف أبى عبد الله محمد بن الربيع بن سليمان بن داود الجيزى رحمه الله تعالى فى ترجمة عبد الله بن الحرث بن جزء المذكور وكان شهد فتح مصر واخظ بها قال حدثنا سعد بن @ عبد الله عبد الحكم حدثنى أبى أخيرنا ابن لهية عن سليمان بن زياد عن عبد الله بن الحرث بن جزء الزبيدى أنه قال أكلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم طعام ما قد مسته النار فى المسجد ثم أقيم الصلاة فمسحنا أيدينا بالحصبا ثم قمنا نصلى ولم نتوضأ وقال أيضا حدثنا أحمد بن عبد الرحمن حدثنا عمى عبد الله بن وهب حدثنى ابن لهيعة عن سليمان بن زياد الحضرمى عن عبد الله بن الحرث جزء قال أكلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم شواء فى المسجد فأقيمت الصلاة فأدخلنا أيدينا فى الحصباء ثم قمنا فصلينا ولم نتوضأ وقال أيضا وحدثنى أبو بكر أحمد بن محمد بن أبى نافع حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح حدثنا أبو يزيد عبد الملك بن أبى كريمة أخبرنا عتبة بن لعامة المرادى قال قدم علينا عبد الله بن الحرث بن جزء الزبيدى فسمعته يحدث فى مسجد مصر قيل له ما تقول فيما مست النار قال وما مست النار قال اللحم المنضوج يأكله الناس فقال لقدرأيتنى وانا سابع سبعه أو سادس سته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى دار رجل فمر بلال فناداه بالصلاة فخرجنا فمررنا برجل وبرمته على النار فقال له النبى صلى الله عليه وسلم أطابت برمتك قال نعم بابى أنت وأمى فتناول منها بضعة فلم يزل يعلكها حتى أحرم بالصلاة وأنا أنظر اليه اه وكان المراد من قول المصنف وغيره من أهل الصفة هو عبد الله بن الحرث بن جزء المذكور وأورد البخارى فى باب من لم يتوضأ من لحم الشاة والسويق فقال وأكل أبو بكر وعمر وعثمان فلم يتوضؤا كذا هو فى روايه أبى ذر بحذف المفعول وعند ابن أبى شيبة عن محمد بن المنكدر قال أكلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع أبى بكر وعمر وعثمان خبزا ولحما فصلوا ولم يتوضؤا وكذا رواه الترمذى فأن حمل الوضوء على غسل الايادى يكون نصا فى الباب (وقال عمر) بن الخطاب (رضى الله عنه ما كنا نعرف الاشنان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وانما كانت مناد يلنا بواطن أرجلنا كنا اذا أكلنا الغمر مسحنا بها) قال العراقى لم اجده من حديث عمر ولا بن ماجه نحوه مختصرا من حديث جابر اه وقد تقدم التعريف بالاشنان والمناديل جمع منديل بالكسر مشتق من ندلت الشى اذا جذبته أو أخرته ونقلته وهو مذكر قاله ابن الانبارى وجماعه وتمندل به وتندل تمسح وانكر الكسائى الميم والغمر يالفتح الدسم (ويقال أل ماظهر من البدع بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة المناخل والاشنان والموائد والشبع) ونص القوت ويقال ان أول ما أحدث من البدع أربع الموائد المناخل والشبع والشنان وكانوا يكرهون أن تكون أوانى البيت غير الخزف ولا يتوضأ أهل الورع فى أنية الصفر قال الجنيد قال سرى أجهد لاتستعمل من أنيه بيتك الاجنسك يعنى من الطين ويقال لا حساب عليه اه والمناخل جمع منخل بضم الميم ما ينخل به وهو من النوادر التى وردت بالضم والقياس الكسر لانه ألة وألاشنان تقدم التعريف به والموائد جمع مائدة مشتقة من ماد الناس ميدا أعطاهم فاعلة بمعنى مفعوله لات المالك مادها للناس أى أعطاهم اياها وقيل من ماد ميدا اذا تحرك فهى اسم فاعل على الباب وقيل هو الخوان بالكسر والضم والاخوان بكسر الهمزة لغة فيه وقيل الخوان المائدة ما لم يكن عليها طعام والخوات اكسر والضم والاخوات بكسر الهمزة لغة فيه وقيل الخوات المائدة مالم يكن عليها طعام والخوات معرب ثم ان الاكل على الخوات من المتكبرين والمترفهين احرازاعن خفض رؤسهم فالاكل عليه بدعه لكنها جائزة وقدروى الترمذى عن أنس ما أكل النبى صلى الله عليه سلم على خوان أيضا انه صلى الله عليه وسلم اكل على المائدة الجمع بينهما ان أنسا قال بحسب غلمه فيكون أكثر أحواله انهلم يأكل على خوان وفى بعض الاحيان أكل عليه لبيان الجواز ويحتمل أن يراد بالمائدة مطلق السفرة وفى القاموس المائدة الطعام فاطلاقها على ما يجعل عليه مجاز من اطلاق الحال على المحل وحينئذن فلا اشكال أصلا نقله ابن حجرالمكى فى شرح الشمائل قلت وعلى هذا قول المنصف تبعا لصاحب القوت ان الموائد من جملة البدع بمعنى الاستكثارمن استعمالها بحيث اعتادوا الاكل عليها فهذا هو المبتدع لاان الموائد لم تكن موجودة يستعملها الناس فى بعض الاحيان وأما المناخل فانها جعلت لنخل الدقيق @ وكان النبى صلى الله عليه وسلم وأهل بيته وأصحابه كانوا يأكلون خبزا الشعير مع ما فى دقيقه من النخالة وغيرها وفى هذا ترك للتكلف والاعتناء بشأن الطعام فانه لايعتنى به الا أهل الحماقة والغفلة والبطالة وعند الترمذى من حديث أنس مارأى النبى صلى الله عليه وسلم منخلا من حين ابتعثه الله حتى قبضه قال ابن حجر المكى قال بعض المحققين أظنه احترز عما قبل البعثة لكونه صلى الله عليه وسلم كان يسافر فى تلك المدة الى الشام تاجرا وكانت الشام اذ ذاك مع الروم والخيبر النقى عندهم كثير وكذا المناخل وغيرها من ألات الترفه ولا ريب انه رأى ذلك عندهم وأما بعد البعثة فلم يكن الابمكة والطائف والمدينة صل تبوك من أطراف الشام لكن لم يفتحها ولاطالت اقامته بها اه والشبع بكسر ففتح الامتلاء الحاصل من الطعام يقال شبسع شبعا والشبسع بكسر فسكون اسم لما يشبع به من خبز لحم وعده من جملة البدع لسكونه من أوصاف المترفهين والسلف الصالح لم وفى القوت وكان أو محمد سهل يقول جتمع الخير كله فى هذه الاربع الخصال بها صار الايدال ابد الااخاص البطون والصمت واعتزال الخلق وسهر الليل ثم قال وفى الشبع قسوة القلب وظلمته وفى ذلك قوة صفات النفس وانتشار حظوظها وفى قوتها ونشطها ضعف الايمان وخمود طبعها قوة الايمان وانساع انوار البقير وفى ذلك قرب العبد من القريب ومجالسه الحبيب وفى الشبع مفتاح الرغبه فى الدنيا وقال بعض الصحابه رضى الله عنهم أول بدعه حدثت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم الشبع ان القوم لما شبعت بطونهم جمعت بهم شهواتهم وروى عن عائشه رضى الله عنها قالت كان اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجوعون من غير عوزا أى مختارون لذلك وقال أبن عمر ما شبعت منذ قتل عثمان رصى الله عنه وقال هذا فى زمن الحجاج اه (فكانت عنايتهم بنظافه الباطن) اشد ولا يبالون بخراب الظاه فى المأكل والملبس والمشرب وغيرها (حتى قال بعضهم الصلاة فى النعلين أفضل) والنعل ما وقيت به القدم عن الارض وفى حكمه الخلف والمدارس وسبب أفضليه الصلاه فى النعال لانهم أقرب الى التواضع والمسكنه وأبعد من الترفه (اذرسول الله صلى الله عليه وسام لما نزع نعليه فى الصلاه وأخبره جبريل) عليه السلام (ان بهما نحامه) أى بأحدهما وفى نسخة نعله فى الصلاة وفى نسخته اذ اخبره جبريل أن عليه نجاسه (وخلع الناس نعالهم) وهم فى الصلاة (قال صلى الله عليه وسلم) لمارأى ذلك منهم (لم خلعتم نعالكم) كالمنكر عليهم فى فعلهم ذلك قال العراقى أخرجه أبو داود والحاكم وصححه من حديث أبى سعد الخدرى اه قلت وابن حبان وأبو على واسحق مختصرا كما أشار أليه الحافظ والمعنى انه صلى الله عليه وسلم نزع نعله يعمل قليل وأتم صلاته من غير أستئناف ولا أعاده وعلم من هذا انهم كانوا يصلون فى نعالهم وفى الحواشى الخابزيه على الهدايه فى الحديث بعد قوله عليه السلام مالكم خلعتم نعالكم قالوا رأيناك خلعت نعليك فخلعنا نعالنا فقال عليه السلام أبانى جبريل فأخبرنى ان بهما أذى فمن أراد أن يدخل المسجد فليقلب نعليه فان رأى بهما أذى فليمسحهما فان الارض لهما طهور وفى روايه ثم ليصل قلت وهذه الجمله أخرجها أبو داود والحاكم من حديث أبى هريرة بمعناها وأخرج منها رواية أبى داود اذا وطئ أحدكم بنعله الاذى فان التراب لها طهور (وقال) ابراهيم بن يزيد (النخعى) رحمه الله تعالى (فى الذين يخلعون نعالهم) عند دخولهم فى الصلاة أو فى المساجد للصلاة (وددت) أى أحببت (لوأن محتاجا جاء وأخذه) وفى بعض النسخ جاء اليها وأخذها قال ذلك (منكرا) عليهم (خلع النعال) ثم اذا خلع نعليه وقام الى الصلاة هل يضعهما بين يديه أوفى موضوع أخر الاول أحسن أو على يمينه أو شماله مالم يؤذرفيقا أومالم تكن فيهما نجاسه ظاهرة فتؤذى رائحتها المصلين ومن أقوال العامه النعلين تحت العنين تحت العنين وأما ما ورد فى بعض الاخبار اذا ابتلت النعال فصلوا فى الرحال فقال ابن الاثير المراد بالنعال هنا جمع نعل وهى الاكه الصغيرة لا النعال التى تلبس وقد بينت ذ لك فى شرح القاموس (فهكذا كان تساهلهم فى هذه الامور) الظاهرة وعدم تعمقهم فيها (بل كانوا @ يمشون فى طين الشوارع) جمع شارعة هى الطريق المسلوكة للناس عامة والدواب (حفاة) من غير نعل (ويجلسون علها) كذافى النسخ أى على الشوارع والاولى تذكير الضميرليعود على الطين وهذا أقرب الى التواضع لكونهم خلقوا من التراب يعودون اليه (ويصلون فى المساجد) المفروشة بالرمل والحصى (على الارض) من غير حائل (ويأكلون من دقيق البر والشعير وهو) أى البر والشعير (يداس بالداب) أى بأرجلها لينفصل الحب من قشره (وتبول عليه) وتتوط فما كانوا يسألون عن ذلك ولا يدققون (ولايحترزون من عرق الابل والخيل) وكذا الحمير والبغال يصيب ثوبهم عند ركوبهم اياهما عريا من غير حائل (مع كثرة تمرغها فى النجاسات) والموضع القذرة (ولم ينقل قط عن واحد منهم) الينا (سؤال فى دقائق النجاسات) ولا استقصاء فيها (وهكذا كان) وفى بعض النسخ بل هكذاكان (تساهلهم فيها وقد انتهت النوبة الان) أى فى حدود الاربعمائةوالتسعين (الى طائفة) أى جماعة (يسمون الرعونة نظافة) والرعةنة افراط الجهالة وأيضا الوقوف مع حظ النفس مقتضى طباعها (ويقولون هى مبنى الدين) وعلها أسست أركانه (فأكثر أوقاتهم) على مايرى (فى تزيينهم الظواهر) واصلاحها من ملبوس ومأكول ومركوب (كفعل الماشطة) هى القينة (بعروسهاو) الحال ات (الباطن) منهم (خراب) يباب نعمم هو (مشحون) أى مملء (بخبائث الكبر والعجب والجهل والرياء والنفاق) وهى المهلكات (ولايستنكرون ذلك) من أنفسهم ل (ولا يستعجونمنه) وهومحل العجب (ولو) فرض انه (اقتصرمقتصر على الاستنجاءبالحجر) فقط كما كان يفعلهالنبى صلى الله عليه سلم تارة (أومشى على الارض حافيا) بلا نعل (أوصلى علىلارض) بلافرش شئى (أو) صلى (على بوارى المسجد) هى جمع بريا وهى الحصيرة فارسية (من غير سجادة) وهى الطنقسة والزوبية والمفرش وقوله (مفروشة) أى على ذلك الحصير (أومشى على الفرش من غيرغلاف للقدم من ادم) أى جلد مدبوغ كما كانت الاوائل تفعل ذلك (أوتوضأ من أنية) نصر أنية (عجوز) كما فعله عمررضى الله عنه والتصريح بافظ عجوزوقع فى السنن للبهيقى من رواية زيد بن اسلم كما تقدم (أو) تؤضأ من أنيه (رجل غير متقشف) أى غير متدين (أقاموا عليه) وفى بغض النسخ فيه (القيامة) أى أهو الامخيفه كأهوال القيامه (وشددوا عليه النكير) وهو بمعنى الانكار (ولقبوه بالقذر) ككشف من قام به القذ رأى الوسخ (وأخرجوه من زمرتهم) وأسقطوه من أعينهم ونسبوه الى عدم المعقول وقلة الأداب (استنكفوا) تنزهوا 0عن مؤاكلته) على مائدهم (و) عن (مخالطته) فى مجالسهم (فسموالبذاذة) وهى رثاثة الهيئة (التى هى من) جملة (الايمان) فيما أخرجه البخارى فى الادب ومسلم فى الصحيح والترمذى من حديث أبى امامة الحارثى البذاذة من الايمان (قذارةو) سموا (الرعونة) التى هم فيها (نظافة فالنظر) أيها المتأمل فى تخالف الاشياء (كيف صارالمنكرمعروفا والمعروفمنكرا) انقلبت الاعيان فالله المستعان (وكيف اندرس من الدين رسمه كما اندرس تحقيقه) وفى نسخة حققته (وعلمه) ولم يبق الااسمه ووسمه وقدأورد صاحب القوت هذا البحث مختصرا فى بيان ما أحدثه الناس من البدع التى لم تكن فى زمانه صلى الله عليه وسلم ولازمات أصحابه فقال وشددواايضا فى الطهارة بالمء وتنظيف الثياب وكثرة غسلها من عرق الجنب وليس الحائض ومن أبوال مايؤ كل لحمه وغسل يسير الدم ونحوذلك وكان السلف يرخصون ذلك اه (فان قلت أفتقول ان هذه العادات التى أحدثتها) السادة (الصوفية فى هياتهم ونظافتهم) فى الملابس ومبالغتهم فى أمور العبادات باعداد أوانمخصوصة للاستنجاء وغيرذلك انها تعد (من المحظورات) المحرمات (وامنكرات فأقول) فى الجواب (حاش الله) ويقال حاش فلان بالجروبالنصب أيضا كلمة استثناء تمنع العامل من تناوله تقال عندالتنزيه (ان أطاق القول فيه) مجملا (من غيرتفصيل) @ يميز الصحيح من السقيم (ولكن أقول هذه التكلفات) التى أحدثوها فى أحوالهم (وهذاالتنظف) والتغمق (واعدادالاوانى) أىتهيئتها (واحضارالالات) للاستنجاء والضوء والغسل غيرها (واستعمال غلاف القدم) من جلد أوصوف (و) استعمال (الازار) وهى الطرحة البيضاء أوعلى أى لون كان من مصبوغ بطين أوغيره (المتقنع به) أى جعله كالقاع على الوجه وقد عقد الترمذى فى الشمائل بابا فيما جاء فى تقنع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوردفيه حديث كان عليه السلام يكثر من القناع وهى الخرقة تجعل على الرأس لتقى نحو العمامة عما بها من الدهن وقبل التقنع أعم من ذلك ويؤيده حديث اتيانه صلى الله عليه وسلم بيت أبى بكر رضى الله عنه لله للهجرة فى القابلة متقنعا بثوبه أى متغشيابه فوق العمامة لا تحتها هذا هو الظاهروهوأعلم من أن يكون ذلك التقنع (لدفع الغبار) أولحفظ النظر من الوقوع يمينا وشمالا عما لا يليق (وغيرذلك من هذه الاسباب) مما لهم من الهيا ت وخلاصة القول فيه انه (ان وقع النظرالى ذاتها على سبيل التجرد) من غيرالتفات الى عوارضها (فهىمن المباحثات) الشرعية (وقد تقترن بها أحوال) حسنة (ونيات) صالحة (تلحقها نارة بالمروفات) وذلك اذا صلح القصد (وتارة بالمنكرات) اذا فسد القصد (فاما كونها مباحة فى نفسها) شرعا (فلايخفى) على المتأمل (انه متصرف بها فى ماله وبدنه وثيابه فليفعل بها مايريد) لاحرجعليه (اذالم يكن فيه اضاعة واسراف) وتبذيرأما حينئذ فيحرم عليه لانه ورد النهى عن ذلك وذكر ابن حجر الملكى فى شرح الشمائل ان بذاذة الهيئة ورثاثة الملابس من سيرة السلف الماضين واختاره جماعة من متأخرى الصوفية فلهم فى ذلك زى معروف وصيغة مشهورة وذلك لانهم لمرأوا أهل الدنيا يتفاخرون بالزينة والملابس أظهرو الهم رثاثة ملابسهم حقارة الحق تعالى مما عظمه الغافلون والان فقد قست القلوب ونسى ذلك المعنى فاتخذ الغافلون رثاثة الهيئة حيلة على جلب الدنيا فانعكس الامر فصارت مخالفتهم فى ذلك لله متبعا للسلف وبالجملة فأهل الله تعالى وخواصه لا يقصدون فى هياتهم الا جه الله حسبما تتعلق بها المصالح الشرعية مما ألتقى فى روعهم من الالهامات والاشارات فلا ينبغى الانكار عليهم فيها اه (وأما نصييرها منكرا) أى جعلها فى حد المنكرات (فبأن يجعل ذلك أصل الدين) ومنباه (ويفسر) عليه (قوله صلى الله عليه وسلم بنى الدين على النظافه) وكذا قوله صلى الله عليه وسلم ان الله نظيف يحب النظافه (حتى ينكره على من تساهل فيه) أو يقصر مثل (تساهل الاولين) من السلف الصالحين (و) مما يصبره منكرا (أن يكون القصد به) أى بمجموع تلك الهيات (تزيين الظاهر للخلق) ليحبوه (وتحسين موقع نظرهم) عليه (فان ذلك) الفعل (هوالرياء المحذور) أى الممنوع منه وهو الشرك الخفى (فيصيرمنكرابهذين الاعتبارين) وقد يقضى ذلك الى صفات أخرى ذميمة لاجلها يصير منكر الا محالة (اما كونه معروفا فبأن يكون القصد فيه الخير دون التزين) للخلق والمراد بقصد الخير هو ما رواه أصحاب السنن الاربعة ان الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده أى لا نبائه عن الكمال الباطن وهو الشكر على النعمة (وأن ينكر على من ترك ذلك) فانه مما يدل على جهله بحال السلف وترفعه على المسلمين (و) أن (لا يؤخر بسببه الصلاة) مع الائمة فى الجماعات (عن أوائل الاوقات) اذهى رضوان الله الا كبر وذلك بأن يشتغل به فلا يمكنه للحوق مع الجماعة فى أول الوقت (و) أن (لا يشتغل به عن عمل هو أفضل منه) وأولى بالشتغال به (أوعن علم) وفى بعضالنسخ أوعن تربية علم أى بالتعليم والتعليم وامطالعة والمذاكرة والتصدى لتأليف ماهو النافع (أوغيره) من أعمال البروهى كثرة (فان) وفى بعض النسخ فاذا (لم يقتربه شئى من ذلك) الذى ذكر (فهو مباح) شرعى بل (يمكن أن يجعل قربة) الى الله تعالى (بالنية) الصالحة (ولكن لايتسير ذلك) غالبا (الاللبطالين) عن الاوراد الشرعية (الذين ان لم يشتغلوا بصرف الاوقات اليه لا شتغلوا) لامحالة (بنوم) أوسعى فيما لا يحل شرعا (أوحديث فيما لا يعنى) ولا يهتم به أو جمعية بمن لاسغنى (فيصيرشغلهم) @ أى هؤلاء البطالين (به أولى) وأفضل (لان التاشغل بالطهارات) والتفنن فيها (يجدد ذكر الله عز وجل) فى الجملة (و) أيضايجدد (ذكرالعبادات) فانه ما من طهارة الا ويراعى فيها شأن العبادة التى تقع بعدها كصلاة قراءة قران أوسماع حديث وغير ذلك (فلا بأس به) لهؤلاء (اذا لم يخرج عن حد) الاعتدال والعرف (الى المنكسر) شرعى أو عرفى (أو اسراف) أوتبذير أوترتب مفسده (وماأهل العلم) الذين يرتاضون فى تحصيل العلم تعلم وتعليما وبذلالاهله وتأليف (و) أما أهل (العمل) فهم المشتغلون بالذكور والمراقبه والمحافظه على العبادات (فلا ينبغى أن يصرف من أوقاتهم اليه الاقدار الحاجه) اليه (والزياده عليه فى حقهم منكر وتضيع العمر الذى هو أنفس الجواهر) وأغلاها (وأعزها فى حق من قدر على الانتفاع به) ومحافظه العمر عندهم كنايه عن محافظه الاوقات بحفظ الانفاس عن خطور خيال السوى عليها وهو من أهم المهمات وأوكد الواجبات (ولا تعجب من ذلك فان حسنات الابرارسيات المقربين) قال الحافظ السخاوى فى المقاصد هو من كلام ابى سعيد الخراز رواه ابن عسا كر فى ترجمه مرفوعا (فلا ينبغى للبطال أن يترك النظافه) الظاهريه (وينكر على) طاءفه (المتصوفه) فىتجملهم فى هيأتهم بالمرقعات النفسيه (ويزعم انه) فى بذاذته ورثاثه أطماره (يتشبه بالصحابه) رضوان الله عليهم وبالسلف الماضين من التابعين وهذا بعيدا جدا (اذا لتشبه بهم فى أن لا يتفرغ له بما) وفى نسخه لما (هو أهم منه كما قيل لداود) بن نصير (الطائى) ابن سليمان المتوفى سنه160 حين راء رجل لحيلته متشعثه (لو سرحت لحيتك) وفى بعض النسخ لم لا تسرح لحيتك (قال) وفى نسخه فقال (انى اذا الفارغ) أى الابطال (فلهذا لارأى المعالم) المشتغل بعمله وتعليما (ولا للعامل) بعمله (أن يضيع وقته) النفيس (فى غسل الثياب) بنفسه (احترازا من ان الثياب القصوره) التى قصرها القصار (توهما بالقصار تقصيره فى) قصرها و(الغسل) لها وهذه وسوسه كبيره اعثرت بعض لعلماء الصالحين لقد أدركت بعض مشايخى لم يكن يلبس من هذه الثياب التى تعمل من الصف وتصبغ ألوانا وتجلب من الروم حتى يغسلها فى البحرثلاث مرات توهما منه انها من شغل النصارى وان أياديهم متنجسه وان تلك الاصباغ لاتسلم من مخالطتها بالنجاسات فهذا وامثال ذلك وسواس ونزغات أجارنا الله منها وقد ذكر ابن حجرالمكى فى شرح الشمائل ان من البدع المذمومه غسل الثوب الجديد قبل لبسه (فقد كانوا فى العصر الاول يصلون فى الفراء) اى الجلود (الدبوغه) من غير ان يسألوا من دبغها وكيف دبغها وباى شى دبغها وهل خالطها النجاسه فى أيام دباغها أم لا (وكم من الفرق بين ) الفراء (المدبووغة و) بين الثياب (المقصورة) وفى نسخة بين المدبغة والمقصورة (فى الطهارة والنجاسة بل كانوا) انما (يجتنبون النجاسة اذا شاهدوها) بأبصارهم (ولايدققون نظرهم فىستنباط الاحتمالات الدقيقة) والاوجه المختلفة (بل كانوا يتأملوه فى دقائق) مسائل (الرياء والظلم) أى الشرك الخفى (حتى قال) الامام أبو عبد الله (سفيان) بن سعيد (الثورى) رحمه الله تعالى (لرفيق له كان يمشى معه) فى زقاق من أزقة الكوفة (فنظر الى باب دار مرفوع) البناء (معمور) بالناس (لا تفعل ذلك) أى لاتنظر الى هذا فقال له هل فيه من بأس قال نعم (فان الناس لو لم ينظروا اليه) على سبيل التفرج (لكان صاحبه لا يتعاطى هذا الاسراف) فى عمارته ورفعته ونقشه وتحسينه (فالنظراليه معين له على الاسراف) هكذاأخرجه صاحب القوت (فكانوا يعدون) أىيهيؤن (جمام الذهن) يكسر الجيم مايستبقى منه (لاستنباط مثل هذا الدقائق) الخفية فى حفظ الباطن والظاهر (لافى احتمالالنجاسات) ودقائقها (فلو وجدالعالم) أو العاملرجلا (عاميا) أى من عامة الناس ليس له اشتغال بالعلم ولابالعمل وانما هو مقتصر على أداء مافرض عليه من الصلوات وغيرها (يتعاطى له غسل الثياب) بنفسه حاله كونه (محتاطا) فى طهارته ونظافته (فهو أفضل له) وأحسن (فانه بالضافة) أى بالنسبة@ (الى التساهل خير وذلك العا مى) مع ذلك (ينتفع بتعاطيه) غسلها (اذ يشغل نفسه الامارة بالسؤ بعمل مباح فى نفسه) لا مؤاخذة عليه فيه شرعا (فتمتنع عليه المعاصى) والمناهى والملاهى (فى تلك الحال) ومن المعلؤم (ان النفس ان لم تشتغل
Shafi 312