وأما من أطلق لسانه بالتكفير لمجرد عداوة، أو هوى، أو لمخالفة في المذهب، كما يقع لكثير من الجهال: فهذا من الخطأ البين، والتجاسر على التكفير، والتفسيق١، والتضليل، لا يسوغ إلا لمن رأى كفرا بواحا عنده فيه من الله برهان.
والمخالفة في المسائل الاجتهادية، التي قد يخفى الحكم فيها على كثير من الناس، لا تقتضي كفرا ولا فسقا، وقد يكون الحكم فيها قطعيا جليا عند بعض الناس، وعند آخرين يكون الحكم فيها مشتبها خفيا، والله لا يكلف نفسا إلا وسعها.
والواجب على كل أحد: أن يتقي الله ما استطاع، وما يظهر لخواص الناس من الفهوم والعلوم، لا يجب على من خفيت عليه عند العجز عن معرفتها، والتقليد ليس بواجب، بل غايته أن يسوغ عند الحاجة، وقد قرر بعض مشايخ الإسلام أن الشرائع لا تلزم إلا بعد البلوغ، وقيام الحجة، ولا يحل لأحد أن يكفر، أو يفسق بمجرد المخالفة للرأي والمذهب.
وبقي قسم خامس، وهم: الذين يكفِّرون بما دون الشرك من الذنوب، كالسرقة، والزنا، وشرب الخمر:
وهؤلاء هم الخوارج، وهم عند أهل السنة ضلالة مبتدعة، قاتلهم أصحاب رسول الله ﷺ؛ لأن الحديث قد صح بالأمر بقتالهم، والترغيب فيه، وفيه: "أنهم يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم" ٢.
_________
(١) في"ب"، و"جـ": "أو التفسيق".
(٢) أخرجه البخاري في أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى:﴾ وإلى عاد أخاهم هودا ... ﴿: (ح/٣٣٤٤)، ومسلم في الزكاة باب ذكر الخوارج وصفاتهم: (ح/١٠٦٤) =
1 / 32