القول بالعمل ، ويظهر منه موافقة ذلك بالعمل ، والأمانة في أعماله ، والبراءة من اللهمة والخيانة ، فإن ظهر منه ذلك وجبت ولايته ،وإن لم يصدق ذلك بالعمل ، ولم يظهر منه تهمة ولا خيانة ، فيما أقر به من تضييع اللازم ، أو ركوب المحرم حتى مات على ذلك ، فقال من قال : إنه يتولى إذا مات على ذلك ، وقال من قال : لا يتولى ، ولو مات على ذلك حتى يصح منه الأعمال الصالحة ، التي أقر بها ودان بها ، لأن الإيمان قول وعمل ، فيما ظهر من التعبد ، وأما النية في من الإيمان ، إلا أنها لا يكلف العباد في بعضهم بعضا ، وأجمعوا على ذلك ، أن ذلك لا يكلف العباد ، وأما العمل فقد اختلف فيه على ما وصفنا ، وأما إذا صح من العبد الأعمال الصالحة ، والتعبد بالأعمال الصالحة ، ولم تعرف منه خيانة ظاهرة فيما يدين به ، غير أنه لم تعرف منه الموافقة لأهل الاستقامة ، بما يستوجب به الاسم الذي يبرأ به ، المتسمى من أسماء أهل البدع والضلال ، ومن الأسماء المشتركة التي تجمع أهل الاستقامة وأهل الضلال ، ويبرأ به من اللهم بالتدين بالضلال ، وكان في دار متظاهر فيها الأديان ، من دين أهل الاستقامة ودين أهل الضلال ، أو واقع عليها اللهمة بالاختلاط في الأديان المختلفة ، من دين أهل الاستقامة وأهل الضلال ، أو غالب عليها دين أهل الضلال فإذا كان العبد بهذه الدار وهذه المنزلة ، لم يصح له اسم أهل الاستقامة ، إلا حتى يمتحن بجملة يبرأ بها من جميع ذلك ، أو يصح له البراءة من ذلك بالشهوة ، ولا يحتاج إلى محنة ، ولو كان وحده في دار من الدور ، أو مصر من الأمصار ، فصح له ذلك بخبرة أو شهرة ، وعرف منه ذلك ، فقد صحت موافقته لأهل الاستقامة بالقول ، وثبتت له الموافقة بالقول ، ولو لم يمتحن بالجراءة من أصول الضلال كلها ، التي خالف بها المتدينون دين أهل الاستقامة ، فانه إذا كانت جملة يعرف بها الدخول بالإقرار بها ، والتسمي بها في دين أهل الاستقامة ، لم يحتج إلى محنة في جميع أصول الضلال ، والبراءة منها ، وأما إذا لم يصح منه جملة يخرج بها من هذه الأسماء التي وصفناها ، ومن اللهمة بالدخول فيها والتدين بها ، فلا يصح
-28-له الموافقة لدين أهل الاستقامة ، حتى يصح له البراءة من جميع ما خالف فيه أهل القبلة ، دين أهل الاستقامة ، أو يصح له البراءة بالشهرة أو بالخبرة ، من شيء من أديان أهل الضلال ، فإذا صح له البراءة من أحد الأديان ، لم يلزمه فيها محنة ولزمته المحنة في سائر الأديان ، الواقع عليه الريب فيها ، والتي لم يصح له البراءة منها بشهرة أو خبرة أو رفيعة ، ممن يصح منه الرفيعة من علماء المسلمين من أهل الاستقامة ، فإذا صح للعبد الموافقة لدين أهل الاستقامة بخبرة أو بشهرة على ما وصفنا ، فالقول في ولايته ما ذكرنا من الاختلاف ، وما لم يصح له الموافقة بالقول والبراءة من التدين بالضلال ، فلا يوجب له العمل بالصالحات التي تظهر منه ، مما يوافق فيه أهل القبلة أهل الاستقامة من الصلاة والزكاة والحج والعمرة ، وأشباه ذلك من الأعمال المجمع عليها أهل القبلة ، والتي يدين بها جميع أهل القبلة ، ولا يصح للعامل بها خروج من أديان أهل الضلال وأهل البدع ، ولا تجب له به الولاية ، ولا تصح له به الموافقة بالعمل ، ولو ظهر منه المحافظة على تلك الأعمال ، وحسنت أحواله في تلك الأعمال ، وظهر عليه حسن الثناء في تلك الأعمال ، فهو مشكوك أمره موقوف ، حتى يصح منه باطل فيعادى عليه ، أو موافقة في الدين فيوالى عليها ، ولو صلى هذا العبد فلم يفتر ، وصام فلم يفطر ، وحج كل عام ، وطاف كل يوم ألف أسبوع بالبيت الحرام ، واعتكف ليله ونهاره خلف المقام ، واعتمر كل يوم عمرة من يلملم ، وطاف بالبيت الحرام ، واستلم وسعى بين الصفا والمروة ، وهرول وأدبر على ذلك عمره ، و أقبل وأعتق كل يوم ألف ألف غلام ، من ولد إسماعيل و إسحق - عليهما السلام - ، و تصدق كل يوم بألف ألف بذرة ، وجهز كل يوم ألف ألف جيش ، من أمثال جيش العسرة ، ودان بالإقرار بالجملة من الإسلام ، وداوم على مواصلة الجيران والأرحام ، وحضور الجمع والجماعات ، والفطرة و الزكوات ، وصلوات الجنائز والأعياد ، وتجهيز الموتى والأشهاد ، وبكى من عينه الدموع والصديد ، وكبل نفسه بالأصفاد والحديد ، ووعى التوراة
-29-والإنجيل ، وحفظ التنزيل والتأويل ، وعقد حياته لجميع الأمة و عقد عليهم في جميع الأديان قاضيا وحاكما ، يرشد كلا منهم على أصل مذهبه ، ويفتي كلا منهم على رأيه ومطلبه ، فلم يوجب له ذلك موافقة في الدين ، ولا يصح له بذلك استقامة ، على سبيل المهتدين ، ولا تثبت له بذلك ولاية في حكم الظاهر ، ولا يستحق بذلك في الدين مذهب ظاهر ، حتى يصح له في تعبده ذلك سبيل السلامة ، والموافقة لدين أهل الاستقامة ، بامتحان له في ذلك وخبرة ، وإنما وجب في ذلك من صحيح الشهرة ، أو بشهادة صحيحة أو رفيعة ، من ذوي علوم واضحة وسيعة ، في الولايات و البراءات ، بظواهر حكمه في ذلك بينات ، وفرق في ذلك بين علم الضيق من الواسعات وبين الحكم في المحللات من المحرمات ، وبين المخصوصات من العمومات ، وأحكام الصغائر في ذلك من الكبائر ، وأحكام الجهر في ذلك من أحكام السرائر ، وأحكام الحقائق في ذلك من أحكام الشرائط ، وبين أحكام الظاهر في ذلك التي لا يشهد لمستحقها بنجاة ولا مهالك إلا على شرائط الموافقة ، والنية الظاهرة الصادقة ، والموت على سبيل ما منه ظهر وصدق ، فيما دان به وأسر والعلم بجميع أصول الولاية والبراءة ، والاستقامة على سبيل أهل النجاة ، فإذا صح له هذا من أحد هذه الوجوه ، مع أعماله الموافقة ، وأقواله الصادقة ، وجبت هنالك ولايته ، وحرم في حكم الظاهر عداوته .
فصل
وإن اشتهر للعبد وعليه اسم أهل الاستقامة ، على ما وصفنا ، في أي أرض كان ، وأي دار كان ، من دار إقرار أو دار إنكار ، أو أبرار أو فجار ، في أي مصر كان من الأمصار ، فقد وجبت له الموافقة بالقول ، ولو لم يعلم منه موافقة للقول بالعمل . وقد قال من قال : إنه يتولى بما صح له من اسم الموافقة لأهل الاستقامة ، حتى يعلم منه مخالفة لما ظهر منه من التدين بقول أو عمل.
فصل: وقال من قال : تثبت له الموافقة بالقول ، يتولى حتى تظهر منه الموافقة للقول بالعمل ، ثم هنالك تجب ولايته ، فان مات على ذلك قبل
-30-أن يعلم منه الموافقة بالعمل ، فقد قيل بولايته وقيل بالوقوف عنه أيضا ، ولو مات قبل أن يعلم منه ذلك .
فصل : وإذا كانت الدار كلها أو المصر كله أو القرية كلها ، ظاهر عليها وعلى أهلها التدين بدين أهل الاستقامة ني ظاهر الأمور ، تتظاهر فيهم الأديان ولا يتهم أهله ، بدخول في دين ضلال ولا تعبد بضلال ، فكل من ظهرت منه الأعمال الصالحة والأمانة في دينه ، ولم تلحقه خيانة في دينه ، ولا تهمة في دينه ، وجبت ولايته ، وكان ذلك حد الاستقامة منه .
وقد قال من قال :إن أهل الدار كلهم ،من صح منهم باسمه وعينه ممن لم تصح منه خيانة ، ولا اتهم في دينه بخيانة ، وجبت ولايته وجميع أهل الدار في الولاية ، إلا من ظهرت منه خيانة في دينه ، أو اتهم بذلك في ذات نفسه ، و إلا فأهل الدار كلهم في الولاية ، ومحكوم لهم بالاستقامة ولو لم يعرف من أحد منهم عمل ، ولا يحتاجون إلى محنة في قول ولا عمل ، والولاية لهم واجبة .
وقد اختلف أهل العلم في أحكام الدور في الولاية :
فقال من قال : إن الدار دار المالك لها ، المستولي عليها من سلطانها ، فإن كان المالك للدار محقا عادلا ، كانت الدار دار عدل واستقامة ، وكان القول في أهلها ما وصفنا في دار أهل العدل ، ووجبت الولاية في أهل الدار بغير محنة ، وإن كان المالك للدار جائرا فالدار دار جور ، ولا تثبت فيها الولاية لأهلها إلا بالمحنة ، أو ظهور استقامة لهم أو لأحد منهم ، فهنالك يكون القول فيها ما قد وصفناه .
وقال من قال : إن الدار تبع للأحكام فيها ، فإن كانت الدار جارية أحكامها على أحكام أهل الاستقامة من المسلمين ، كانت الدار دار أهل الاستقامة ، ولا ينظر في مالك الجور ولا سلطان الجور ، وإنما الدار
-31-بالأحكام ، فإن كانت الأحكام أحكام أهل العدل كانت دار عدل ، ولم يكن على أهلها محنة على ما وصفنا ، وإن كانت الأحكام جارية بأحكام أهل الجور وأحكام أهل الخلاف ، فهي دار جور ودار خلاف ، ولا تصح فيها الموافقة لأهلها إلا بالخبر والموافقة بالشهرة لأحد منهم بعينه .
فصل : وقال من قال : إن الدار دار أهل النحلة والتدين ، وإذا كانت الدار أهلها أهل نحلة الحق ، والاستقامة على طريق الحق ، ولا تتظاهر فيها الأديان بالضلال ، يغلب عليها دين ضلال ، ولا يضاهي فيها دين ضلال دين أهل الاستقامة ، ولا يتهمون بذلك في الديانة ، فالدار دار عدل واستقامة ، ولا ينظر في مالكها وسلطانها الغالب لأهل العدل على الملك ، ولا يهدم حكم أهل العدل جور أهل الباطل ، ولا يد لمبطل على محق ، ولا لجائر على عادل إذا كان ، إنما هو متغلب على الملك جائر على أهل العدل ، ولا ينظر أيضا في أحكام الجائرين ، إذا تغلبوا عليها دون المسلمين ، ولا حكم لمن حكم بغير ما أنزل الله ، ولا يكون ذلك منهم حكما ، ولا يكونون على أهل العدل حكما ، وإنما هم متغلبون على الأحكام ، كما أنهم متغلبون على سائر أهل الملك بالجور والقهر لأهل الإسلام ، فإذا كانت النحلة من أهل الدار صحيحة جارية على مذاهب أهل الاستقامة ، فلا يضر أهلها في دينهم ، وفيما يستحقونه من ولاية وموافقة ، بما غلط عليه أهل الجور من الملك ولا من الأحكام ، وهذا هو الأصل الذي عليه المدار ، وهو قولنا إن شاء الله ولا يجوز معنا غيره .
فصل : فإن قال قائل : أ فتريدون القولين الأولين اللذين زعمتم أنهما من قول أهل العلم ، أن الدار دار المالك لها والدار دار الحاكم فيها ؟
فصل : قلنا له : لا نريد ذلك ، وذلك صحيح خارج على تأويل ما قلناه ، من هذا الأصل الثالث ، ولا يخرج معنا تأويل ذلك إلا على هذا .
فأماق من قال : إن الدار دار المالك لها ، فإن ذلك يخرج معنا على
Shafi 32