-194- اليه وينزله عليه ، لأنه من دين الله الذي تعبده به في أصل دينه ، وكذلك يهلك صلى الله عليه وسلم حتى يعلم جميع ما أتاه به جبريل -عليه السلام - في طول زمانه ومدته وعمره وأيامه ، ولو كان كذلك كان يهلك ، من حين ما أرسله الله واستنبأه وأمره بطاعته ، حتى يعلم جميع ما كان في علم الله أنه من دينه الذي يأمره ويوحيه إليه وينزله عليه ، وهذا أصل باطل لا يدعيه أحد ممن علمناه من أهل القبلة ، ولا ينساغ في العقول أن يكلف الجميع علم الواحد من العلماء ، ولا يكلف كل من الخليقة من العلم إلا ما بلغ إليه علمه ، وصح معه ذلك من أي وجه من وجوه الصحة ، أو ما قامت عليه به الحجة التي لا يسعه الشك فيها ، مما لا يسعه جهله من علم التوحيد ومعرفة معناه ، وعلم معاني الوعد والوعيد ، وما يتولد من ذلك ومثله ، فذلك ما تقوم عليه به الحجة بالخاطر ، أو ذكر الذاكر كائنا من كان ، أو ما يلزمه العمل به من الفرائض اللازمة التي يفوت وقتها ، فجهل علم ذلك حتى يضيعها ولايؤديها في وقتها، على ما أوجب الله عليه من العمل بها في ذلك الوقت ، الذي لا يسعه تأخيره إلى غيره ، كائنا ما كان من اللوازم من دين الله ، أو يجهل شيئا من المحارم التي يركبها بجهله كائنا ما كان من المحارم من دين الله ، وتقوم عليه الحجة التي ما بعدها حجة في الاسلام من قول علماء المسلمين ، فيما يسعه جهل علمه من دين الله ، ما لم يحضره العمل به والانتهاء عنه ، وهر قول الواحد من المسلمين ، الشاهر لهم اسم أهل الاستقامة في الدين من الأمة ، وفي قول أكثر أهل العلم من المسلمين ، أن الفقيه الواحد حجة ، وأن الواحد من العلماء يقوم في الفتيا في الدين مقام الاثنين ، وإذا قام مقام الاثنين قام مقام الأربعة ، وإذا قام مقام الأربعة قام مقام الأربعين ، وإذا قام مقام الأربعين قام مقام مائة ألف أو يزيدون ، وإذا قام مقام مائة ألف أو يزيدون قام مقام أهل الأرض كلهم ، وكان هو الحجة عليهم ، إذا كان الحق ني يده من علم الدين ، ولم تكن لأحد عليه حجة في الدين من جميع العالمين ، ولولا أن الحق على هذا والدين على هذا ما كانت الحجة لله -تبارك وتعالى - ، تقوم وينقطع بها عذر.
Shafi 195