وأشرقت شمس اليوم التالي، وحسن مستمر في إسعاف الرجل والترفيه عنه بالعبارات الرقيقة، وقد استأنس به وإن يكن جريحا، واعتزم ألا يفارقه حتى يطمئن إلى نجاته.
وبعد قليل استطاع الرجل أن يسترد بعض قواه، ونظر إلى حسن في ضوء النهار وإلى الجبيرة التي صنعها له، فاطمأن إليه وذهب عنه الروع، وهمس وعيناه تدمعان تأثرا بما رأى من مروءته وأريحيته قائلا له: «جزاك الله عني خيرا يا سيدي، إني مدين لك بحياتي.»
فقال له حسن: «إنني ما قمت لك إلا بأقل ما يجب علي، وأنت الآن في حاجة إلى الراحة، وثق بأنني لن أتركك حتى تبلغ مأمنك إن شاء الله.»
ثم نهض حسن وبحث فيما حولهما من السهل حتى وجد موضعا مستويا عند سفح أكمة قريبة، فحمل صاحبه إلى هناك وفرش له عباءته وأرقده عليها، وأشار عليه بأن يستريح قليلا ريثما يجد وسيلة ينقله بها إلى الصالحية، فقال الرجل: «لن أنسى فضلك ما حييت، وإن اسمي عماد الدين، وقد جئت من عكا حاملا رسالة من حاكمها الشيخ ضاهر الزيداني إلى علي بك حاكم الديار المصرية، والحمد لله على أن هذه الرسالة بقيت معي ولم يستول عليها اللصوص الذين سلبوني مطيتي وسلاحي وأمتعتي وما كان معي من مال، فهل لي أن أتشرف بمعرفة اسم سيدي، وكيف ساقك الله لإنقاذي من الموت في هذا القفر بالليل؟»
فقال: «إني من أهل مصر واسمي حسن، وكنت عازما على السفر إلى عكا في مهمة خاصة، فخرج علي لصوص آخرون كثيرون واستولوا على راحلتي وأمتعتي، ولم أنج بحياتي من بين أيديهم إلا بمعجزة، وكأنما نجاني الله لكي أشهد ما وقع لك هنا، وأسارع إلى إسعافك بالعلاج عقب انصراف المعتدين الآثمين، فنحن إذن شريكان في الغربة والبأساء، ولكن لا بأس عليك إن شاء الله.»
فعجب عماد الدين من أمر هذا الاتفاق الغريب، وقال له: «هذه إرادة الله، وإنه ليسعدني أن ألقاك في عكا لعلي أستطيع أن أرد لك هناك بعض جميلك، وأكون أكثر سعادة إذا لم يكن لديك ما يمنع ذهابنا إليها معا، بعد أن نمضي إلى القاهرة وأؤدي الرسالة إلى علي بك.»
فسكت حسن ولم يدر بم يجيب؛ إذ تذكر ما أصابه وأسرته على يد علي بك، فهاجت أحزانه ولم يستطع إخفاء الدموع التي تسابقت تجري على خديه.
ولم يخف ما به على عماد الدين، فاشتد عجبه وسأله: «أهذه أول مرة قصدت فيها إلى عكا أم لك معرفة بها من قبل؟»
وكان حسن في هذه اللحظة يفكر في أبيه، وفيما وعده وأمه به من أنه سينتظرهما في عكا، فتلاحقت دموعه على غير إرادة منه، ثم تجلد ولاح له أن عماد الدين قد يكون لديه نبأ عن أبيه، فقال له: «الواقع أنني كنت قاصدا عكا لأول مرة، وقد سبقني إليها أبي، وتواعدنا على أن ألحق به.»
قال: «وكيف تذهب وحدك في طريق لا تعرفه؟»
Shafi da ba'a sani ba