من الخمر فيما بيننا لم تسرب
ويعارضه الدكتور محمد صبري، ولكن ليقول: «وأرى إذا كان لا بد وأن يكون صبري قد أخذ هذا المعنى من أحد قبله، وهذا ما لا أظن، فقد أخذه من «مونتيني »
Montaigne
الفيلسوف الفرنسي في القرن السادس عشر، الذي قال في موقف عناق: وما كنت أدري أكان هو أم أنا
je ne sais si c’est lui, si c’est moi . يشير بذلك إلى فناء الشخصين أحدهما في الآخر.»
فأما عما يقوله الأستاذ الرافعي، فإنه إذا كان هناك تشابه بين المعنيين اللذين عبر عنهما بشار وصبري؛ وهو شدة الالتصاق، فإن التصوير البياني الذي يدمغ المعنى بملكية قائله يختلف اختلافا مطلقا عند كليهما؛ فالالتصاق عند بشار لا يسمح بتسرب الخمر لو سكبت بينهما، بينما صبري يقول: إن العناق كان شديدا حتى لكأن الصديق قد تسرب خلال صديقه. وهذا تصوير يختلف تماما عن تصوير بشار.
وأما عن الفيلسوف الفرنسي، فهو لم يقل عبارته في مجال العناق، وإنما وردت في مقال شهير له عن الصداقة، تحدث فيه عن صديق فقده هو دي لابويسيه ورثاه، وفصل القول عن مدى صداقتهما التي وصلت إلى حد الامتزاج الكلي حتى ما كان يميز أحدهما نفسه عن شخص صديقه، وعن هذه الصداقة قال الفيلسوف الفرنسي: «لم أكن أدري أكان هو أم أنا.» بعد أن أوضح أنه كان يقتسم مع صديقه وهو حي كل شيء، حتى ليخيل إليه منذ مات أنه يسرق نصيب صديقه من كل شيء يأكله أو يتمتع به.
ومع ذلك، فإنه إذا كان من التعسف البحث عن جزئيات المعاني أو المشاعر التي يزعم بعض النقاد أن صبري قد أخذها عن غيره من شعراء العرب أو الفرنسيين، فإنه من الثابت باعتراف صبري نفسه وبحقائق حياته أنه قد تأثر في روحه وفنه العام بشعراء بعينهم، تجاوبت معهم روحه، وذهب إليهم تفضيله؛ مثل عمر بن الفارض الذي نحس بروح مشابهة لروحه في قول صبري:
يا رب أين ترى تقام جهنم
للظالمين غدا وللأشرار؟
Shafi da ba'a sani ba