Islamic Fiqh Academy Review
مجلة مجمع الفقه الإسلامي
Nau'ikan
الكتاب: مجلة مجمع الفقه الإسلامي
المؤلف: تصدر عن مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي.
وقد صدرت في ١٣ عددا، وكل عدد يتكون من مجموعة من المجلدات، كما يلي
-العدد ١: مجلد واحد.
-العدد ٢: مجلدان.
-العدد ٥ و٧ و٩ و١٢: كل منها ٤ مجلدات
-بقية الأعداد: كل منها ٣ مجلدات
ومجموع المجلدات للأعداد الـ١٣: أربعون مجلدا ...
أعدها للشاملة: أسامة بن الزهراء
[رقم الجزء في كتاب الشاملة هو رقم العدد، والصفحات مرقمة آليا غير موافقة للمطبوع]
Shafi da ba'a sani ba
مجلة مجمع الفقه الإسلامي
العدد الأول
1 / 1
كلمة: معالي الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي
الأستاذ / سيد شريف الدين بيرزاده
الحمد لله رب العالمين. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
بعد شكر المنعم الحميد المجيد على ما أولى، واستمناحه التوفيق والتسديد فيما دعا إليه وهدى، يشرفني أن أقدم للأمة الإسلامية جمعاء الثمرة الأولى من أعمال مجمع الفقه الإسلامي الذي كان وليد قرار القمة الثالثة لمؤتمر الملوك والرؤساء للعالم الإسلامي، والذي يترجم عن اهتمام قادة هذه الأمة بمختلف قضايا المسلمين، وعن حرصهم على دراستها حسب المنهج القويم الذي يعتمد الاجتهاد الجماعي، ويرتكز على البحث والنظر ومراعاة الأصلح والأقوم والسير في طلب الحلول الناجحة الإسلامية العملية على أساس من روح الشريعة ومقاصدها، ووفق مصدريها الأساسيين: كتاب الله الكريم والسنة النبوية الشريفة.
وإنه ليسعدني في المحل الأول أن أرفع هذه الثمرة دانية قطوفها لواضع اللبنة الأولى لهذا المجمع وراعيه حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم فهد بن عبد العزيز الذي تولى في المؤتمر التأسيسي لهذا المجمع تحديد هدفه وبيان وظيفته في كلمته الخالدة حيث قال:
(إن الدعوة إلى إنشاء مجمع عالمي للفقه الإسلامي تشكل ضرورة حتمية في هذه المرحلة من مراحل تطور الأمة الإسلامية، حيث تجد فيها الإجابة الإسلامية الأصلية لكل سؤال تطرحه أمامها تحديات الحياة المعاصرة من أجل إسعاد البشرية عامة والمسلمين خاصة، وذلك يقتضي حشد جهود فقهاء وعلماء وحكماء ومفكري العالم الإسلامي للإجابة على الأسئلة التي تطرحها تحديات العصر من واقع شريعتنا السمحة لأنه لا فلاح لنا إلا بالتمسك بها والتزام حكمها ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ . [المائدة: ٥٠]
وإني لأنوه هنا بالجهود العظيمة التي يضطلع بها المجمع. وبما تعاقب لديه وتوافر من أعمال ودراسات وبحوث ومناقشات وآراء وقرارات في الدورة التأسيسية والدورتين العلميتين الأولى والثانية، وفي اجتماعات مكتب المجلس وشعبه على انفراد ومجتمعة، وأرجو له من الله حسن الأيد وكمال العون، لمجلسه وشعبه بلوغ القصد في خدمة الملة وهداية الأمة وتنويرها وتبصيرها معالم الطريق باتباع المحجة البيضاء التي ليلها كنهارها، كما أرجو أن تتاح له من الإمكانات ما يعينه على القيام بمشاريعه الطموحة العلمية، وعلى النهوض بالفقه الإسلامي بحثاُ ونظرًا وتجريحًا واستنباطًا واجتهادًا فيساير تطورات الزمان ويواكبها، ويعالج ما جد ويجد من قضايا العصر في مختلف البلاد وفي كل مجالات الحياة.
والله الموفق إلى سواء السبيل، وبه الاعتداد، وعليه التكلان، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
1 / 7
كلمة العدد: لمعالي الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي
د. محمد الحبيب ابن الخوجة
الحمد لله الذي جمعنا على الهدى وألزمنا كلمة التفوى، وأرشدنا إلى الحق، وجعلنا بإتباع سبيله، والاهتداء بكتابه، أدلاء على الطريق، قائمين لله في الأرض بالحجة ﴿وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (١١٤) وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ . [النساء: ١١٤-١١٥] وصلى الله وسلم على سيدنا ومولانا محمد عبد الله ورسوله إمام الهدى وسيد الأنبياء الذي بلغ الدعوة، ونصح الأمة، وأقام الملة، وأخرج الله به الناس من الظلمات إلى النور، وأرسله سبحانه شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا.
وبعد فقد مضى عامان على قيام مجمع الفقه الإسلامي الدولي، جعله الله خير أداة لتوحيد الأمة، وجمع كلمتها، ينير لها الطريق، ويهديها السبيل، ويجتهد اجتهادً جماعيًا في بيان أحكام الله في القضايا والمشاكل المستجدة، ويواجه التحديات التي تقف في وجه العالم الإسلامي، بل في وجه الإنسانية كلها بالحلول المناسبة لمعالجتها معتمدًا في ذلك كتاب الله العزيز وسنة رسوله المشرفة، ومستلهما تلك الحلول من مقاصد الشريعة وأسرارها
وقد نوه بدوره الفعال هذا ورسمه له خادم الحرمين الشريفين جلالة الملك المعظم فهد ابن عبد العزيز في خطابه الكريم في المجلس التأسيسي للمجمع حين صدع بقوله أعزه الله ونصره:
إن بيان حكم الله ووجوب الخضوع له، حكامًا ومحكومين، سوف يؤدي إلى حقن الدماء، وحفظ الأموال، وصيانة الأعراض، كما أن بيان حكم الله سوف يجعل المسلمين دعاة رحمة وأمن، ولسوف يوحد جهودهم ضد عدوهم في وقت تتداعى فيه الأمم على حضارتنا وتراثنا وأمتنا.
كما نبه إلى صبغة المجمع المميزة له وهو يخاطب الحضور بقوله: إن اجتماعكم هذا يعتبر بداية حقبة تاريخية هامة من تاريخ أمتنا الإسلامية، مرحلة يتخطى فيها شرف خدمة الشريعة الإسلامية حدود الجهود الفردية والإقليمية، ويجتاز الحدود السياسية في أول تنظيم عالمي يعبر عن وحدة الأمة الإسلامية في هذا المجال.
والآن وقد بدأ المجمع يسير بخطى ثابتة ومتأنية من أجل تحقيق الهدف من تأسيسه والقيام بدوره الجليل، أولًا عن طريق مجلسه المتألف من أعضائه المندوبين من طرف الدول الإسلامية كافة، وثانيًا عن طريق من انضم إليه من أعلام الفقه الإسلامي المعاصر والهيئات العلمية الإسلامية، وكذلك الزمرة الطيبة من الباحثين والخبراء، يسرنا ويشرفنا أن نشيد في المقام الأول بالعناية الدائمة والموصولة التي يلقاها المجمع من صاحب الجلالة الملك المعظم أقام الله به قناة الدين، وبسط العدل، وأطال عنان الإحسان، ثم من رجال حكومته الرشيدة وأعلام الفكر الديني والعلم الإسلامي بالمملكة العربية السعودية المحروسة، وكذلك من كل الجامعات العلمية والمؤسسات الإسلامية التي لا يفوتنا أن نذكر على الخصوص من بينها رابطة العالم الإسلامي التي وجدنا لديها كل تعاون وبر، ومن أمينها العام معالي الدكتور عبد الله عمر نصيف حسن التفهم وكريم الدعم. جازاهم الله عن المجمع وعن العمل الإسلامي خير الجزاء.
1 / 9
وهكذا تمكنا بحول الله ورعايته أن نسير في هذه المرحلة الدقيقة الصعبة سيرًا جادًا تظهر آثاره الكريمة فيما أحببنا أن نخرجه للناس في هذه المجلة الدورية من المعلومات المشخصة للمجمع والمترجمة عنه، كي يزداد الناس تعرفًا عليه والتفافًا من حوله، وتلقي أسباب التواصل والتعاون بينه وبين المؤسسات العلمية ومع الصفوة الخيرة من العلماء والمفكرين والأساتذة والحكماء المنتشرين بحمد الله في العالم الإسلامي كله، والمنبثين حتى خارج محيطه الواسع الكبير.
وقد بدأنا بهذا السفر وهو العدد الأول وجعلناه مشتملًا على أقسام ثلاثة:
الأول: بطاقة ميلاد المجمع، وهي عبارة عن النصوص القانونية والوثائق المتصلة بقرار تأسيسه الصادر عن مؤتمر القمة الإسلامي الثالث المنعقد بمكة المكرمة في ١٩ - ٢٢ ربيع الأول ١٤٠١ / ٢٥ - ٢٨ يناير ١٩٨١، وقرار مؤتمر وزراء الخارجية الثالث عشر المنعقد بنيامي عاصمة جمهورية النيجر بين ٣ - ٧ ذي القعدة ١٤٠٢ / ٢٢ - ٢٦ أغسطس ١٩٨٢، وكذلك وقائع المؤتمر التأسيسي المنعقد بمكة المكرمة بإشراف صاحب الجلالة الملك المعظم فهد بن عبد العزيز في ٢٦ - ٢٨ شعبان ١٤٠٣ هـ / ٧ - ٩ يونيو ١٩٨٣ م، والذي شاركت فيه وفود من الدول الإسلامية الأعضاء بمنظمة المؤتمر الإسلامي يتقدمها وزراء الأوقاف والشؤون الدينية ووزراء العدل.
القسم الثاني: منه يصور وقائع المؤتمر العلمي الأول أعني الدورة الأولى لمجلس مجمع الفقه الإسلامي بجدة المنعقد بمكة المكرمة فيما بين ٢٦- ٢٩ صفر ١٤٠٥ هـ / ١٩ - ٢٢ نوفمبر ١٩٨٤، والذي شارك فيه أعضاء المجمع المنتدبون من طرف دولهم، والذي تكونت فيه الهيئات، وتعينت فيه الشعب، ودرس فيه النظام الأساسي، ووضعت فيه اللائحة التنفيذية لسير عمل المجمع.
والقسم الثالث: هو عبارة عن التصورات العلمية والتي اقترحها الأعضاء أو الخبراء أو الجامعات والهيئات العلمية المتصلة بالمجمع على مجلسه، والتي أحيلت كلها لدرسها وضبط خطوات العمل بالمجمع بحسبها، على شعبة التخطيط التي اجتمعت هي الأخرى بمقر المجمع بجدة في ٢٢ - ٢٥ شعبان ١٤٠٥ هـ - / ١٢ - ١٥ مايو ١٩٨٥ م.
ولعل جملة هذه المادة كفيلة بإعطاء صورة واضحة عن مجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة، وعن إدارته وأجهزته ومجلسه ومكتبه وشعبه وكل نشاطاته ووسائل عمله.
والله المسؤول بإنجاح الأعمال، وتحقيق المقصد، وبلوغ الآمال. نحمده سبحانه ونثني عليه، وندعوه أن يرزقنا التوفيق والتسديد في خدمة الأمة الإسلامية، وتنشيط الدراسات الفقهية، والاجتهاد الجماعي. إنه سميع مجيب؛ وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
1 / 4
كلمة: رئيس مجلس المجمع د. بكر أبو زيد
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
فإن المتتبع لحركة الفكر الإسلامي يرى توالي النداءات من الناصحين في أمة محمد ﷺ إلى تكوين منتدى يلتقي فيه ثلة صالحة من علماء الديار الإسلامية، لشد آصرة التآخي بينها، وتقوية وحدتها، وحل مشكلاتها ونوازلها الفقهية على هدي الشريعة الإسلامية وحدها. وما زالت تلك الأمنية تتردد في مخيلتها لكن لم تتجسد بحقيقتها لعزة الظفر بها، إذ تقاصرت دونها همم، وناءت بها أمم، وبما أن أهل الإسلام ينطلقون من قاعدة: حرب اليأس وفتح باب الأمل، فما فتئت الدعوة منها قائمة. حتى وكلها الباري ﷾ إلى: همة خادم الحرمين الشريفين عاهل المملكة العربية السعودية فنادى بها بين إخوانه قادة العالم الإسلامي: ملوك: ورؤساء وأمراء. وهم في رحاب المسجد الحرام، وتحت ظلال البيت العتيق: في مؤتمر القمة الثالث عام ١٤٠١هـ فالتقت الأفكار وتلاحمت الآراء في مسار التلبية والقبول:
إذا ما راية نصبت لمجد
تلقاها عرابة باليمين
فأصبحت حقيقة متمثلة للعيان، تباشر مهامها، وتسير في ضوء أهدافها، تحت عنوانها الخالد بإذن ربها:
(مجمع الفقه الإسلامي)
وحقيقته كما هو معلوم: جمعية متعاونة منسجمة غرضها ترقية العلوم، وحل مشكلاتها. يحدوها إلى ذلك: العشق الخالص لغرضها النبيل من غير أن يشوبه شائبة من ربح مادي أو خلافه.
إنه من هذه الغاية (عشق الحقيقة) سيكون هذا المجمع بإذن الله مبعثًا لآمال الأمة، ومهوى لأفئدتها، وأمنة تتقي به لفحات الأحداث. حماية لحمي الشريعة.
إنه جدير بأن يكون المجمع الأم على وجه الأرض في رحاب الإسلام وحملته وبرعاية قادته.
وهذه سنة لكل عمل صالح مبرور يبني على حسن النية ونيل الغاية. والواقع على ذلك شهيد إذا تمثل هذا المجمع سويًا يبث في الأمة طلائع قراراته التي صدرت منه في دورته الثانية المنعقدة بمركزه الرئيسي في مدينة جدة عام ١٤٠٥ هـ وهي - ولله الحمد - في غاية من الدقة والإحكام، والاعتدال في الرأي والأحكام. على وطاء من البحوث الماتعة، والمناقشات الهادئة الهادفة، على لسان نحو مائة عالم من علماء المسلمين: أعضاء عاملين، وخبراء، وباحثين.
وإن ما بين يدي هذا التقديم من أبحاث، ومناقشات، وقرارات، ومناشدات تمنح التدليل المادي على ثبات هذه النتائج وثبوتها. ولن يغلب عسر يسرين. هذا وإن شرف فتح الباب، والترقي للأخذ بالأسباب لإبراز هذه النشرة الجامعة الماتعة مطبوعة في هذا القالب القشيب من فضل الله تعالى على: العالم الدءوب، - معالي الأمين العام للمجمع الشيخ محمد الحبيب ابن الخوجة - في جهود متواصلة، فإظهارها على هذا المنوال المرضي هو بحق: غرس يمينه. فكفاؤه منا دعوة صالحة. منح الله الجميع التقوى ومن العمل ما يحب ويرضى. كما نسأله سبحانه أن يوفق قادة المسلمين وولاة أمرهم إلى ما فيه صلاح الإسلام والمسلمين محكمين لشرعه، ذابين عن سنة نبيه ﷺ ... والحمد لله رب العالمين....
1 / 13
خطاب
جلالة الملك فهد بن عبد العزيز
ملك المملكة العربية السعودية
في افتتاح المؤتمر التأسيسي لمجمع الفقه الإسلامي
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.
أصحاب الفضيلة والمعالي.
أعضاء المؤتمر التأسيسي لمجمع الفقه الإسلامي
أحييكم بتحية الإسلام. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأرحب بكم أجمل ترحيب في هذا البلد الأمين، مهد الرسالة وقبلة المسلمين، وأسأل الله أن يسدد خطاكم ويجعل التوفيق حليفكم.
إن اجتماعكم هذا يعتبر بداية حقيقية لمرحلة تاريخية هامة من تاريخ أمتنا الإسلامية، مرحلة يتخطى فيها شرف خدمة الشريعة الإسلامية حدود الجهود الفردية والإقليمية، ويجتاز الحدود السياسية في أول تنظيم عالمي يعبر عن وحدة الأمة الإسلامية في هذا المجال.
أيها الأخوة الكرام:
إن روح العمل الجماعي هي الصفة المميزة لنجاح الأمة الإسلامية وقدرتها على مواجهة جميع التحديات، وإن المؤشرات تدل على أن الأمة الإسلامية قد وضعت أقدامها على طريق تصحيح المسار والعودة إلى رحاب العقيدة في ظل تضامن أبنائها. فلقد كان مؤتمر القمة الإسلامي الثالث الذي عقد في رحاب الكعبة المشرفة وما تمخض عنه من نتائج وقرارات ومن بينها القرار التاريخي الذي أصدره زعماء العالم الإسلامي بإنشاء مجمع الفقه الإسلامي الذي نشهد اليوم افتتاح مؤتمره التأسيسي ... لقد كان ذلك المؤتمر فرصة طيبة وانطلاقة واعية وجادة لأمتنا الإسلامية نحو تحقيق ما تصبو إليه من عز ومنعة لتشارك بفعالية وتواصل دورها الطليعي في بناء الحضارة الإنسانية وتحقيق العدل وتخليص الإنسان من ظلم الإنسان.
إننا نؤمن جميعًا – أيها الإخوة – أن الإسلام دين يخاطب العقل، ويناهض التخلف في شتى صوره وأشكاله، ويشجع حرية الفكر، ويستوعب منجزات العصر، ويحض على متابعتها، كما أن الإسلام وهو يضع قواعد السلوك الإنساني فإنه ينظم العلاقات الاجتماعية والدولية على أساس من الرحمة حيث يقول الله ﷿ في محكم التنزيل: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ . [الأنبياء: ١٠٧]
لقد تطورت العلاقات الإنسانية، ولكن الفكر الإنساني قد قصر عن استقصاء آلام الإنسان، وعن تحقيق آماله في الرخاء والسلام. فأصبح ذلك الفكر في حاجة إلى ضابط الرحمة. وإن رسول الله ﷺ لم ينتقل إلى الرفيق الأعلى إلا بعد أن أتم علينا نعمته – ﷾ – بكمال دينه الذي ارتضاه لنا، وكانت الشريعة الإسلامية هي الثروة الحقيقية الكبرى في العالم الإسلامي، حفظت عليه ذاتيته في أحلك الظروف التي كان يعاني فيها من الهجمات الشرسة على تراثه وحضارته وإنسانيته.
1 / 6
أيها الإخوة أعضاء المؤتمر:
إننا نشهد في وقتنا هذا أجزاء من جسد الأمة الإسلامية في فلسطين والأراضي العربية المحتلة وأفغانستان وهي تئن تحت وطأة الظلم والبغي والعدوان، كما أن مقدساتنا في القدس يدنسها الغاصب المحتل الذي سفك الدماء، واستحل الحرمات وشرد الملايين من إخواننا المسلمين، إن ما أصاب الأمة الإسلامية من ضعف ووهن ما كان يصيبها لو أنها تمسكت بهدي كتابها الكريم وسنة نبيها الهادي الأمين، لكن الابتعاد عن صعيد الإسلام كان العامل الأول والفاعل المؤثر لما تقاسي منه أمة الإسلام اليوم من تحديات شرسة من جانب أعدائها الذي يعملون باستمرار وإصرار على انتزاع الأمة الإسلامية من أحضان عقيدتها، لأن الخصوم يدركون أن لا قوة للمسلمين إلا بتمسكهم بمعطيات هذه العقيدة. إن عدم التمسك بالعقيدة هو مصدر الخطر الذي يتهدد اليوم ديار الإسلام ويحيط بأمة محمد ﷺ.
وإنني أعتقد أن البداية السليمة لبناء وحدتنا تتمثل في نبذ الخلافات بين المسلمين وتصفيتها بروح الأخوة الإسلامية عملًا بقوله تعالى ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ [آل عمران: ١٠٣] وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾ . [الأنفال: ٤٦] كما أن البداية الحقيقية لقوتنا تعتمد على قدرتنا على مواجهة المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية العالمية بحلول إسلامية مستلهمة من روح الشريعة السمحة ومتجاوبة مع احتياجات العصر.
أيها الإخوة الكرام:
قبل أكثر من نصف قرن تمت الدعوة لعقد أول مؤتمر اسلامي لبحث أمور الأمة والتشاور فيما يحقق مصالحها وذلك على أثر توحيد هذه البلاد تحت راية التوحيد بقيادة الملك الراحل عبد العزيز طيب الله ثراه. ثم تتابعت الجهود إلى أن تم إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي وانطلقت في بلاد المسلمين صحوة إسلامية مباركة تستهدف الرجوع إلى الإسلام: إلى تعاليم القرآن الكريم وهدي السنة الشريفة. لقد أعادت الصحوة إلى كل مسلم اعتزازه بدينه الحنيف. وانتماءه الحضاري المشرف، وماضيه المشرق المجيد.
إن هذه الصحوة تعبر عن نفسها بأشكال تختلف باختلاف المجتمعات الإسلامية، ولكن مضمونها الأساسي واحد وهو الاقتناع بضرورة إيجاد حلول إسلامية لمشكلات العصر. إن بعض النظم الأخرى قد تستطيع إيجاد بعض الحلول لبعض المشكلات في بعض الأحيان، ولكن قيمة عقيدتنا الإسلامية ليست في كونها تمدنا بالحلول الشاملة فحسب، وإنما قيمتها في أنها تقدم لنا هذه الحلول وتقدم معها أيضًا القوة الكفيلة بتحقيقها وحمايتها. ونحن نرجو أن يواكب الفكر الإسلامي هذه الصحوة لضبط حركتها على حكم الله في كافة المجالات.
1 / 7
إننا نلحظ أن تفرق المسلمين قد أدى إلى تورع العلماء عن مواجهة ما جد من مشكلات الحياة برأي يجتمع عليه علماء المسلمين. واليوم ترون - أيها الإخوة – كثرة الأحداث وكثرة السؤال، وقد تراكمت المشكلات، ورغم وفرة العلماء والفقهاء المجتهدين في كل زمان ومكان إلا أن الخطب جلل والمسئولية أمام الله أكبر من اجتهاد إنسان فرد فيما يجد من الحوادث حتى يدعم هذا الاجتهاد قبول العلماء بعد استقصاء البحث والنظر في الفقه القديم والجديد. وفي هذا الصدد فإن الدعوة لإنشاء مجمع عالمي للفقه الإسلامي تشكل ضرورة حتمية في هذه المرحلة من مراحل تطور الأمة الإسلامية حيث تجد فيها الإجابة الإسلامية الأصيلة لكل سؤال تطرحه أمامها تحديات الحياة المعاصرة من أجل إسعاد البشرية عامة والمسلمين خاصة وذلك يقتضي حشد جهود فقهاء وعلماء وحكماء ومفكري العالم الإسلامي للإجابة على الأسئلة التي تطرحها تحديات هذا العصر من واقع شريعتنا السمحة لأنه لا فلاح لنا إلا بالتمسك بها والتزام حكمها ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ . [المائدة: ٥٠]
إن بيان حكم الله ووجوب الخضوع له حكامًا ومحكومين سوف يؤدي إلى حقن الدماء وحفظ الأموال وصيانة الأعراض، كما أن بيان حكم الله سوف يجعل المسلمين دعاة رحمة وأمن ولسوف يوجه جهودهم ضد عدوهم في وقت تتداعي فيه الأمم على حضارتنا وتراثنا وأمتنا.
إن روح التعصب أبعد شيء عن الإسلام، إذ أن التعصب من مثارات البغضاء، ومن أسباب التفرق والتمزق الفكري، وقد حرم الله علينا ما يثير البغضاء والعداوة بين المسلمين. والحقيقة أن التعصب لا معنى له في الإسلام. لأن المسلم إنما يلزم بحكم الله، والعبرة في استظهار الحكم بدليله من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ طبقًا لضوابط الاستنباط وأصوله الشرعية التي يعرفها العلماء والفقهاء.
ولقد التزمت المملكة العربية السعودية هذه الروح في تنظيمها القضائي اقتداء بالسلف الصالح من أئمة المسلمين، وصدرت بذلك تعليمات محددة من جلالة المغفور له الملك عبد العزيز تقضي بأن المسائل الخلافية بين المذاهب الإسلامية المعتمدة يوحد الحكم فيها بقرار يصدر من هيئة علمية وفقًا لأقوى المذاهب دليلًا من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ.
وإننا – أيها الإخوة الكرام - لمطالبون جميعًا بالعمل على توحيد الأحكام في البلاد الإسلامية في كل شئون الحياة على مقتضى أحكام الشريعة الإسلامية، فذلك هو السبيل الأوحد لتحقيق الوحدة الإسلامية بين الشعوب المسلمة.
وإننا لنعلم أن المهمة شاقة وأن الأمانة ثقيلة ولكن الأمل فيكم كبير.
فسيروا على بركة الله، واحملوا أمانتكم. واستمدوا العون من الله.
وإنني أحمد الله الذي أسعدني بأن أشهد اجتماعكم في هذا اليوم الذي تحقق فيه أمنية غالية طالما تمنيناها ويتمناها كل مسلم صادق الإيمان.
وفي الختام أتوجه إلى الله العلي القدير ومن جوار بيته العتيق بالدعاء أن يرزق الجميع الفقه في دينه والعمل بشريعته وأن يكون مستقبل أمتنا الإسلامية خيرًا من حاضرها، وأن يلهمنا سبيل الصواب وطريق الرشاد وألا يزيغ قلوبنا بعد إذا هدانا إنه سميع مجيب. والله الهادي إلى سواء السبيل.
وفقكم الله وسدد خطاكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
1 / 8
كلمة
معالي الأستاذ / الحبيب الشطي
الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على رسول الله خاتم النبيين
وأشرف المرسلين وعلى آله وصحبه والتابعين
صاحب الجلالة الملك فهد بن عبد العزيز، ملك المملكة العربية السعودية ...
أصحاب السمو الملكي ...
أصحاب المعالي والفضيلة والسعادة..
أيها الإخوة..
إن سعادتي غامرة بين يدي جلالتكم، وأنتم تشملون المؤتمر التأسيسي لمجمع الفقه الإسلامي برعايتكم السامية في هذا اليوم المشهود من أيام المسلمين، وبذلك تؤكدون عمليًا يا صاحب الجلالة سعيكم المتواصل لرفعة الإسلام وعزة المسلمين.
وأرى من واجبي في مستهل هذه الكلمة أن أشكر قادة الدول الإسلامية على استجابتهم بتسمية وفود رفيعة المستوى لتمثل بلادهم في اجتماعات هذا المؤتمر التأسيسي مما يدل على اهتمامهم بهذا الحدث الكبير.
وإنني إذ أرحب بوفود الدول الإسلامية ترحيبًا حارًا في هذا البلد الأمين، أعتبر هذا اللقاء فاتحة خير للأعمال المنتظرة من مجمع الفقه الإسلامي الذي سيشرع ابتداء من هذا اليوم في أداء مهمته الجليلة، تحقيقًا لإرادة الأمة الإسلامية التي عبرتم عنها شخصيًا يا صاحب الجلالة عندما أعلنتم خلال مؤتمر القمة الإسلامي الثالث عن رغبة المملكة العربية السعودية في إحداث مجمع الفقه الإسلامي، وسرعان ما تبلورت الفكرة بمصادقة المؤتمر المذكور على قرار خاص بهذا الشأن.
وما تشريف جلالتكم اليوم لافتتاح هذا المؤتمر شخصيًا إلا دليل على مدى الاهتمام الذي تولونه لهذا المشروع الذي يعود معظم الفضل في توفير أسباب وجوده إلى جلالتكم.
وهنا نحن نجتمع اليوم لنجني ثمرات ما غرسناه إذ أنه لأول مرة في تاريخنا المعاصر تتوفر لنا أسباب إنشاء مؤسسة كبرى مشتركة بين الدول الإسلامية كافة تعمل في إطار منظمة المؤتمر الإسلامي. ألا وهي (مجمع الفقه الإسلامي) الذي أصبح اليوم حقيقة واقعة بعد أن كان حلمًا يراود مخيلاتنا زمنًا طويلًا.
ولا ريب في أن تقلد مجمع الفقه الإسلامي مهمته الجليلة سيلبي حاجة الأمة الإسلامية خلال هذا المنعطف التاريخي من حياتها إلى مؤسسة طال انتظارها، مؤسسة تلتقي فيها اجتهادات فقهائها وعلمائها وحكمائها كي تقدم لهذه الأمة قواعد أصيلة صادرة عن منابع العقيدة الإسلامية الخالدة: كتاب الله الكريم وسنة رسوله المطهرة.
أيها السادة:
لقد واجهت الأمة الإسلامية حينًا من الدهر ظروفًا أبعدتها عن أحكام شريعتها ودفعتها إلى الأخذ بقوانين وضعية لم تألفها من قبل ومع ذلك لم تخل أمتنا من مجموعة رائدة من الدعاة الصالحين والقادة المخلصين المتمسكين بأهداب العقيدة الذين رفعوا عقيرتهم بوجوب الحفاظ على مقوماتنا الإسلامية الأصيلة ونادوا غير هيابين ولا وجلين بنبذ القوانين الدخيلة وبالالتزام بتراثنا الفقهي العظيم وبأحكام شريعتنا باعتبارها جزءًا من عقيدتنا ونبراسًا ينير لنا مسالك الحياة ويهدينا إلى سواء السبيل.
ودار الزمان دورته ورحل المستعمر المحتل من معظم بلادنا الإسلامية بعد جهاد طويل وأصبحنا متوفرين في دار الإسلام على مؤسسات وهيئات ومنظمات من شأنها أن توحد كلمتنا وتلم شتاتنا وتدعونا إلى الاعتزاز بمقوماتنا وتشعرنا بالثقة والاطمئنان.
1 / 9
وها هي منظمة المؤتمر الإسلامي تشق اليوم طريق العمل الجاد لخير كل المسلمين على كل صعيد، مهتدية بتوجيهات قادة هذه الأمة المخلصين، مستفيدة من آرائهم، متمتعة برعايتهم، محققة بفضل ذلك إنجازات طيبة متمثلة في إنشاء عديد من المؤسسات العاملة بجد واهتمام لتحقيق الوحدة الإسلامية نظريًا وعمليًا ولشد الأمة الإسلامية إلى عقيدتها وأصولها وتراثها الحضاري.
وبفضل تعاون علماء هذه الأمة – عبر المجمع – على التعريف بالنظريات الفقهية وبالمبادئ العامة في العدالة والحرية والأمن والسلم، وعلى تطبيق أحكام الشريعة تطبيقًا يجمع ما بين التطور والتفتح اللذين يقتضيهما العصر الحديث من ناحية والتمسك بالأصالة والارتباط بالعقيدة، من ناحية أخرى. وإذا حققنا ذلك فعلًا أمكننا السير بثبات على طريق العزة والكرامة والسؤدد والانتصار.
وإن أهمية الفقه الإسلامي في مجتمعاتنا الإسلامية تتجلى في كونه يتناول بشكل مباشر حياة الفرد والأسرة والمجتمع والعلاقات في المجتمعات غير الإسلامية. ولذا فإن المؤسسة الجديدة التي تشرع منذ اليوم في عملها مؤسسة تعلق عليها أهمية كبرى لأنها ستتولي إصدار الفتاوى المنسجمة مع تطور الحياة في هذا العصر دون أن تخرج على مبادئ الدين الحنيف، كما أنها ستتولي وضع بحوث وآراء ودراسات تمكن قادة الأمة الإسلامية من أن يستوحوا منها الأنظمة المناسبة للمؤسسات والمجتمعات الإسلامية، مما يوفر الانسجام بين مختلف دولنا ويؤدي بالتالي إلى تمهيد طريق التضامن والوحدة أمام هذه الأمة. ولا يخفي أننا اليوم، نظرًا لمقتضيات الحياة المعاصرة، ونظرًا لرواسب عهد التخلف والاستعمار الذي حاول التقليل من شأن تشريعنا وشتت صفوفنا بصورة جعلت كلا منها يجتهد منفردًا دون أن يهتم بما يصدر عن أشقائه من اجتهاد، في حاجة إلى مثل هذه الفتاوى أكثر من أي وقت مضى.
أيها السادة ...
إن السر في انتشار الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها بسرعة لم تعرفها الأديان التي سبقته وفي ازدهار الحضارة الإسلامية ازدهارًا لا مثيل له في تاريخ الإنسانية، يعود إلى ارتباط أجدادنا بعقيدتهم. وإلى حرصهم المستمر على مراعاة الانسجام بين وقائع الحياة اليومية والأسس العامة للإسلام باعتباره منهجًا كاملًا لحياة الإنسان، صالحًا لكل زمان ومكان، وقد أبرزت هذا الانسجام إلى حد بعيد القاعدة الفقهية السليمة والمتينة التي أرساها أجدادنا لتنظيم حياة الفرد والأسرة والمجتمع، ولتنظيم علاقاتهم مع المجتمعات الأخرى خارج دار الإسلام.
ولقد مكنت تلك القاعدة المسلمين من تنظيم حياتهم تنظيمًا دينيًا ودنيويًا في وقت واحد. إذ أنهم جمعوا ما بين العبادة والعمل: فقد آمنوا بالله أعمق إيمان وأخلصوا له. وتفانوا في الوقت نفسه، في إتقان أعمالهم، تفانيًا جعلهم قادة التطور والتقدم والرقي كما جعلهم رواد زمانهم في حقول العلم والفكر والابتكار والإبداع، ولم يكن غريبًا والحال هذه أن تنشر حضارتهم ظلالها على كل أرجاء الكرة الأرضية، مما جعل الشعوب الأخرى التي كانت إذ ذاك تعيش في ظلام القرون الوسطى ترسل أبناءها إلى جامعاتنا ومؤسساتنا الحضارية ليتزودوا من مناهل العلم والمعرفة بما يعود بالنفع عليهم. ومن المعلوم أن الحضارة الغربية المعاصرة هي نتاج حضارتنا الزاهرة.
وكما نجح أجدادنا في رفع راية الإسلام بالإيمان والعمل، فإننا لا شك قادرون على أن نحذو حذوهم لنعيد إلى الإسلام مكانته ومجده، لا سيما وأننا نتوفر على إمكانات وطاقات وثروات لم يتوفر مثلها لأجدادنا.
1 / 10
أيها السادة ...
لقد لبت الشريعة الإسلامية، على الصعيد الفقهي حاجات دار الإسلام على مر القرون، فأمدتها بالقواعد والأصول المتسمة بالمرونة الرامية إلى تحقيق الصالح العام ودرء المفاسد، وقد رأى فقهاء المسلمين أن عليهم أن يضبطوا قواعد الفقه ويدونوها ويدرسوها لأبنائهم، ورأوا كذلك أن يستنبطوا أحكامًا لكل ما يعرض عليهم من موضوعات وقضايا ومسائل، بل إنهم افترضوا أحداثًا ووقائع قبل أن تحدث، وحرصوا على أن يضعوا لها الحلول الملائمة وهكذا أضحى لدينا كنز لا يقدر بثمن من الأبحاث والمؤلفات الفقهية التي تعالج مشكلات الناس في كل الأقطار. وبناء على ذلك، فإن مجمع الفقه الإسلامي لا ينطلق اليوم من فراغ لأنه سيجد بين يديه بحرًا زاخرًا من تراث الآباء والأجداد، ولا يعني ذلك أننا سنكتفي بهذه الكنوز ونعيش عالة على الرصيد الذي ورثناه عن أجدادنا، بل إن من واجبنا أن نواصل العمل لإثرائها وتلافي النقص الذي حدث نظرًا للأوضاع الحديثة والظروف الراهنة التي علينا أن نواجهها. ولذا فلن تقتصر مهمتنا على رعاية هذا التراث فحسب، بل ينبغي استثماره لدفع مسيرتنا قدمًا.
أيها السادة..
من دواعي السرور والغبطة أن إنجازات هامة أخرى ستتبع قيام هذا المجمع، كمحكمة العدل الإسلامية الدولية التي اتخذت منظمة المؤتمر الإسلامي خطوات متقدمة لإخراجها إلى حيز الوجود، وهي المحكمة التي نحن في حاجة ماسة إليها، وسيكون من مهمتها النظر في الخلافات التي قد تنشأ بين الدول الإسلامية قصد إيجاد حلول لها عملًا بتعاليم ديننا الحنيف التي تأمر بإصلاح ذات البين، كي لا نلجأ نحن – المسلمين – في تسوية خلافاتنا إلى مؤسسات تعتمد في أحكامها على غير الشريعة الإسلامية.
ومن تلك الإنجازات أيضًا وثيقة حقوق الإنسان في الإسلام التي ستكون ملزمةللدول الأعضاء كافة. ومن أجدر من المسلم بأن يصوغ هذه الوثيقة وقد كرم الإسلام الإنسان، فضمن له الحياة المادية والروحية، وكفل له الحرية والأمان والاطمئنان والحقوق؟
وهناك أيضًا اللجنة الإسلامية الدولية للقانون، وهي هيئة دائمة ستكون تابعة لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وتتألف من خبراء قانونيين متمكنين في علوم الشريعة الإسلامية. ومن مهامها وضع دراسات وبحوث تساعد على نشر الشريعة الإسلامية وإيجاد الوسائل التي تؤمن تمثيل وجهة نظر الإسلام في الهيئات الدولية كلما دعت الحاجة.
1 / 11
ويتضح من ذلك أنه رغم الأبعاد الجغرافية واختلاف النظم السياسية وتباين اللغات واللهجات، ورغم كل الفوارق التي لا مفر منها في عالم مترامي الأطراف كالعالم الإسلامي، فإن العمل الإسلامي المشترك يسير والحمد لله قدمًا بصورة بناءة مما يساعد على التضامن الإسلامي المنشود، وإن كل عمل ننجزه بصورة جماعية في أي ميدان ما هو إلا خطوة نحو مزيد من التقارب والتآخي، وبالتالي نحو نبذ الخلافات والنزاعات الطارئة القائمة بين الأشقاء.
وبإقامة مؤسسات كهذه المؤسسات الهامة، وبعقد لقاءات للأشقاء المسلمين في نطاق مؤسساتنا المتعددة الاختصاصات، وبتمكينهم من التعارف والاطلاع على شؤون بعضهم، والتعاون فيما بينهم من أجل مزيد من التضامن للدفاع عن قضايانا، ولتقوية مناعتنا بذلك كله، نبني صرح هذه الأمة لبنة لبنة.
إن بلداننا تعمها اليوم صحوة إسلامية مباركة تتمثل في حماسة شبابنا بالخصوص لإحياء تراثنا والتمسك بأصالتنا والتخلص من رواسب الاستعمار لتكون مسيرة أمتنا في مطلع هذا القرن الخامس عشر مسيرة إسلامية خالصة، فلنهيئ للجيل القادم وللأجيال التي ستتبعه القواعد الثابتة التي تضمن لمسيرته السلامة وتفتح أمامه سبل الإيمان القوي والعلم الغزير والقدرة على مواجهة تحديات العصر وأعداء الأمس واليوم والغد.
أيها السادة ...
إن التحديات التي نواجهها اليوم تهدد مصير أمتنا: فالقدس مهددة بفقدان شخصيتها الإسلامية. وفلسطين مهددة بالاستعمار الصهيوني وأفغانستان ما تزال مسرحًا لغزو أجنبي، أما حرب العراق وإيران فهي نزيف مستمر لطاقاتنا البشرية والمادية مما يضعف أمتنا. ومواجهة كل هذه التحديات تتطلب أمرين ملحين: أولهما: الاتحاد والتضامن، وثانيهما: أن نكون في مستوى من الكفاية والقدرة يتماشى مع عصرنا هذا ومع مستوى خصومنا وأعدائنا.
وإذا حققنا هذين الهدفين فإننا سننتصر على أعدائنا ونحرر أوطاننا ونصون كرامة شعبونا ومعتقداتها ومثلها. ولا يكون ذلك إلا بمواصلة العمل الجماعي في كل ميدان من ميادين الحياة في بلادنا، كما هو الشأن اليوم في هذا الميدان الأساسي (ميدان الفقه الإسلامي) .
1 / 12
كلمة
معالي الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة
الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي
الحمد لله الذي لا يبلغ مدحته القائلون، ولا يحصي نعماءه العادون، ولا يؤدي حقه المجتهدون، نحمده ونثني عليه بالذي أثنى به على نفسه، فله الحمد كله، وله الملك كله، بيده الخير كله، وإليه يرجع الأمر كله..
نحمده أن منحنا من فضله هذه الهيئة العلمية الكريمة السامية التي أرادها ﷻ أول تنظيم عالمي يعبر عن وحدة أمتنا في مجال الفقه وخدمة الشريعة الإسلامية. ونسأله تعالى أن يرزقنا الهداية والتوفيق إلى العمل بكتابه والاحتكام إليه والنفوذ إلى أسراره والتدبر لمقاصده ومعانيه، فهو الذكر والبيان، والبصائر والبرهان، الحق والهدى والرحمة..
﴿أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (١١٤) وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [الأنعام: ١١٤] .
والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد عبد الله ورسوله المبعوث للناس كافة هدى ورحمة ﴿يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الأعراف: ١٥٧] .
حضرة صاحب السمو الملكي الأمير ماجد بن عبد العزيز أمير مكة المكرمة
معالي الأستاذ الحبيب الشطي الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي
أصحاب السماحة والمعالي والسعادة ضيوفنا الكرام
حضرات الأعضاء الأكارم المحترمين
أحييكم بتحية الإسلام تحية من الله مباركة، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد.
يشرفني في طليعة هذا الخطاب أن أرفع إلى الحضرة الملكية مقام جلالة الملك المعظم فهد بن عبد العزيز أعزه الله ونصره كل آيات الامتنان والشكر والتقدير لأياديه البيضاء على هذا المجمع الفقهي الإسلامي الذي رعاه وما زال يرعاه حق الرعاية حتى يستوي على سوقه ويؤتي أكله الطيب بإذن الله.
1 / 13
كلمة: معالي الدكتور عبد الله عمر نصيف
الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام على رسولنا وسيدنا محمد وعلى آله وصحبه. وبعد:
صاحب السمو الملكي الأمير ماجد بن عبد العزيز أمير منطقة مكة المكرمة
أصحاب السماحة أصحاب المعالي أصحاب الفضيلة والسعادة.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
أحمد الله تعالى أن يسر لنا هذا اللقاء الكريم في رحاب بيته العتيق. بهذه المناسبة الكريمة لافتتاح الدورة الأولى لمجمع الفقه الإسلامي في منظمة المؤتمر الإسلامي. وأن رابطة العالم الإسلامي تسعد بأن تنتهز هذه الفرصة المباركة لتعرب عن أمانيها الطيبة لهذا المجمع المبارك. ويسرها التعاون والتنسيق معه لتتحد جهود المجمعين وهما مجمعكم هذا المبارك والمجمع الفقهي الإسلامي للرابطة التي تستقبل دورته الثامنة خلال أيام إن شاء الله، ولتنتظم أنشطتها في ظل راية التوحيد على أرض الإسلام والسلام خدمة للأمة الإسلامية وتكاتفا من أجل مواجهة السموم التي سنها أعداء الإسلام.
وإن الظروف التي نعيشها والأحداث التي تواجهنا والمشاكل المستجدة التي تمس حياتنا اليومية كلها تتطلب من فقهاء العصر اجتماعا وتكاتفا لمقابلة هذه المسائل والمشكلات ولصد التيارات الجارفة التي تحمل العداء لكل من ولى وجهه شطر المسجد الحرام. لذا أصبح الاجتهاد متعينا على فقهاء الأمة للورود من المعين الصافي الذي لا ينضب أبدا للشريعة الإسلامية والغوص في أعماق الثروات الفقهية التي تركها لنا سلفنا الصالح ﵃ لبيان الحكم الشرعي وإظهار خصوبة الفقه الإسلامي وقدرته على تقديم أنجع الحلول الإسلامية لمشاكلنا وقضايانا المعاصرة للحصول على فكر فقهي متجدد يهيئ للمسلمين أمكانية مواجهة التحديات التي تقابل أمتنا الإسلامية.
أيها الأخوة الأفاضل
لقد من الله علينا بنعم كثيرة ومن مظاهرها إنشاء هذا المجمع المبارك ووجودكم هنا معشر العلماء لتحمل هذه الأمانة في بيان الأحكام الشرعية لكل ما يجد ويحدث، أسأل الله أن يوفقكم للعمل الجاد البناء في هذا المجال بما يحقق لهذا المجمع ما يصبو إليه من تقدم وازدهار وخدمة للمسلمين.
وأغتنم هذه المناسبة لأتقدم بالشكر والتقدير لخادم الحرمين الشريفين جلالة الملك فهد بن عبد العزيز على ما يقدمه من دعم متواصل لخدمة العالم الإسلامي وقضاياه وعلى ما يبذله من عطاء سخي في هذا الجانب، كما يسرني أن أشكر معالي السيد الحبيب الشطي، الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي وكذلك أقدم شكري لمعالي الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي مع أخلص تمنياتنا له ولهذا المجمع المبارك. سائلا المولى القدير أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم وأن يلهمنا رشدنا وأن يمدنا بعونه وتوفيقه إنه على كل شيء قدير.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
1 / 14
كلمة: سعادة الدكتور صالح طوغ مندوب تركيا
نيابة عن مندوبي آسيا
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على نبيه الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين،
صاحب السمو الملكي، أمير مكة المكرمة..
معالي الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي..
معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي..
معالي الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي..
أعضاء مجمع الفقه الإسلامي الأفاضل..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
قبل كل شيء اسمحوا لي أن أقدم الشكر إلى رئاسة الاجتماع التي أتاحت لي فرصة توجيه كلمة قصيرة باسم مندوبي آسيا. وأود أيضا أن أقدم شكرنا وتقديرنا العظيم إلى المملكة العربية السعودية ولعاهلها الملك فهد بن عبد العزيز المفدى لاستضافته هذا المؤتمر ولسمو أمير مكة المكرمة ماجد بن عبد العزيز لرعايته مؤتمرنا.
إن مجمع الفقه الإسلامي الذي أسس منذ سنتين من قبل الدول الإسلامية لبشرى لجميع المسلمين وكلنا مكلف ببذل الجهود والطاقة لإنجاح هذا المجمع لأنة هدف من أهداف المسلمين العظيمة،وسوف يتمكن هذا المجمع بإذن الله من تحقيق أهدافه وتنفيذ مشاريعه الفقهية التي ينتظرها العالم الإسلامي. ونرجو الله أن يوفقنا في إيجاد الأجوبة للمسائل الفقهية وفي إيجاد طريق شرعي للمشاكل التي ستعرض على مجمع الفقه الإسلامي.
إننا متأكدون بأن هذا المجمع سوف يلعب دورا هاما فيما يتعلق بالمسائل الفقهية وبكل ما يتعلق بالحياة الاجتماعية الاقتصادية والثقافية للبشرية جمعاء، لأن الدين الإسلامي دين سماوي للبشر كافة، كما قال الله ﷾ في كتابه: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾ [آل عمران: ١٩] ..
وأخيرا اسمحوا لي أن أقدم إلى حضراتكم جميعا شكري وتمنياتى الخالصة باسمي وباسم إخواني مندوبي آسيا وباسم الشعب التركي المسلم.
وبالله التوفيق. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
1 / 15
كلمة: معالي الأستاذ عبد الرحمن باه
وزير الشئون الدينية في جمهورية غينيا
نيابة عن مندوبي أفريقيا
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
وعلى آله وصحبه والتابعين إلى يوم الدين
صاحب السمو الملكي الأمير ماجد بن عبد العزيز
أمير منطقة مكة المكرمة
معالي الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي
معالي الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي
أصحاب الفضيلة العلماء والفقهاء
ممثلي الدول الأعضاء
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
الحمد لله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه وصفاته القائل في محكم تنزيله ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ صدق الله العظيم. [التوبة: ١٢٢] .
نصلي ونسلم على خاتم النبيين المبعوث بالرحمة إلى البشرية جمعاء مبشرا ونذيرا وهاديا إلى الصراط السوي القائل: «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين» .
أيها الأخوة،
نشكر الله ﷾ على نعمة الإسلام وعلى أن جعلنا من أتباع سنة نبيه محمد ﷺ وهدانا إلى الصراط المستقيم.
أيها الأخوة،
القرآن نعمة كبرى، لم يترك القرآن الكريم خيرا إلا ودعانا إليه وبينه لنا، ولم يترك شرا إلا ونهانا عنه ودعا إلى اجتنابه، وتولت السنة النبوية الطاهرة تفصيل مجمله وشرح محكمه ومشتبهه.
والفقه الإسلامي تراث حضاري شامخ، ومعين لا ينضب، لمن أراد الهداية في البحث العلمي والاجتهاد على ضوء من الكتاب والسنة، فيه كل ما تحتاج إليه البشرية في حياتيها الدنيوية والأخروية.
إن تحديات ومعضلات العصر الاقتصادية والمالية والقضائية والتشريعية لتجد لها الحلول العادلة في الفقه الإسلامي وما علينا إلا البحث الجاد والمخلص والدؤوب في طياته ونفض غبار النسيان والإهمال عن كاهله لنستنبط منه القوانين لحياتنا العملية والنظرية ونترك جانبا تلك الدساتير والقوانين الوضعية التي يعمل بها معظم البلدان الإسلامية.
نحيى ونبارك مولد هذا المجمع الإسلامي الذي يربط ماضينا بحاضرنا في المجالات المادية بالفكرية ويسد فراغا ظل شاغرا به دفع البعض منا إلى الجري وراء القوانين الوضعية البراقة التي لم تجلب للعالم الإسلامي إلا الفرقة والنزاع والانقسام والتناحر بل الطائفية على مرأى ومسمع من العلماء والفقهاء رغم الشريعة الإسلامية.
1 / 16
أيها الفقهاء والعلماء،
علينا أن نعمل ونرسم الخطط وننقب في التراث إنه لبحر زاخر ومحيط متلاطم بالدرر فيه الدواء الشافي لكل الأوجاع سنجد فيه الضالة ما تمسكنا بالكتاب والسنة جاعلين نصب أعيننا بعد رضاء الله الهدف الأسمى والغاية القصوى وهو الأخذ بيد الأمة الإسلامية إلى تحكيم كتاب الله وسنة رسوله في شتى نواحي الحياة.
باسمكم جميعا نتقدم بالشكر الجزيل والثناء الوافر إلى صاحب الجلالة الملك فهد بن عبد العزيز لمنحه هذا المجمع مقرا فاخرا يليق به، ونقول في حق جلالته:
أيا فهد فاهد الورى خادما لكعبة ربك يا طاهر
أيا فهد فاهد الورى هادئا هدوء المليك الذي يعمر
(فلو كان للشكر شخص يبين إذا ما تأمله الناظر)
(لمثلته لك حتى نراه وتعلم أني أمرؤ شاكر)
كما نتوجه بالشكر إلى صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن عبد العزيز ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء وإلى حكومة جلالة الملك والشعب السعودي الشقيق لاستضافته هذه الدورة ولتكون أم القرى مولدا له.
كما نتقدم بالتقدير إلى معالي الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي الحبيب الشطي لما قام به في سبيل الإعداد الجيد لتأسيس مجمعنا والأخذ بيده حتى ترعرع ووصل إلى ما نشهده اليوم حيث أصبح حقيقة ملموسة بعد أن كان حلما. هذا بتوفيق من الله ﷾ الذي أراد أن يكون البلد الأمين مولدا وها هو اليوم يحتضن أول اجتماع له تبركا به.
كما نهنئ فضيلة الدكتور محمد الحبيب الخوجة الأمين العام للمجمع الذي نال شرف إدارة هذا الصرح الحضاري الوليد وهذا الجهاز الأكاديمي المتطور العملاق الذي يضم بين جنباته العالم الإسلامي بأسره، نتمنى له كل توفيق في مهمته الإسلامية الشاقة والنبيلة لنستفيد منها.
كما نهنئ جميع الأعضاء للعمل في خدمة الفقه والشريعة لما فيه خير الأمة الإسلامية.
﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ [آل عمران: ١١٠] .
1 / 17
كلمة: سعادة الأستاذ محمد ميكو
مندوب المملكة المغربية
نيابة عن مندوبي الدول العربية
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين
حضرة صاحب السمو الملكي الأمير ماجد بن عبد العزيز أمير منطقة مكة المكرمة
معالي الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي،
سيادة الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي،
أصحاب السعادة الفقهاء الأعلام،
أود بادئ ذي بدء - أصالة عن نفسي ونيابة عن باقي الوفود المشاركة - أن أتوجه بخالص الشكر والامتنان لما لقيناه من كرم الضيافة، وحسن الوفادة والرفادة، في هذه البقاع الطاهرة، في رحاب مكة المكرمة، أرض الرسول الأمين، ومهبط الوحي المبين، ومهد رسالة المؤمنين المتقين.
هذه الديار التي كلما تنادى إلى اللقاء في أكنافها جمع، واتصل في ربوعها شمل، إلا واستعرضنا عطاءها الفياض، فهي معقل الأنبياء والرسل، ومصدر العدالة والقداسة، تحيط بها ملائكة الرحمن في كل وقت وآن، إلا وأشرقت على قلوبنا كمؤمنين وعلى عقولنا كمفكرين موضوعيين أشعة الاعتزاز والافتخار بما تمتاز به الرسالة الإسلامية من أبعاد حضارية فكرية تستهدف إسعاد الإنسان في مختلف الأمصار والأعصار.
هذه الديار التي حباها الله بأسرة آل سعود العظيمة، وبقائد شهم، ورائد مظفر همام، وضع فكره وحصافته في خدمة رعيته، ووظف خبرته وكفاءته لتحقيق الازدهار والتقدم، وإيجاد الحلول الناجعة للقضايا الوطنية، والعربية، والإسلامية، يذود عنها، ويحمي حماها صاحب الجلالة الملك فهد بن عبد العزيز المعظم.
فإلى سامي حضرته أرفع تحيات أخيه صاحب الجلالة الملك الحسن الثاني حفظه الله، وخالص متمنياته ودعواته بالتوفيق والتسديد، فيما يبذله من جهد جهيد، لصالح رعيته، ولصالح الأمة الإسلامية جمعاء، فنعمه عليها كثيرة، وخيراته تترى هنا وهناك، وما تفضله بشمول هذا المجمع برعايته السامية إلا نقطة من بحر عطاءاته المتصلة اتصال استمرار واسترسال فخطابه في الحفل الافتتاحي للمؤتمر التأسيسي ما زالت أصداؤه ترن في آذاننا بتوجيهاته القيمة، ونصائحه الغالية المفيدة، ودرره اللامعة المضيئة.
1 / 18
وقد يكون من الضروري والعالم الإسلامي يعيش منعطفا دقيقا وتاريخيا يقضي باليقظة، والتفتح، والعمل الصالح، في ظل رسالة القرآن الكريم أن نجعله نصب أعيننا نستوحى منه نقط الانطلاق والالتقاء، فقد قال جلالته بالحرف: "إن روح العمل الجماعي هي الصلة المميزة لنجاح الأمة الإسلامية وقدرتها على مواجهة جميع التحديات، وأن المؤشرات تدل على أن الأمة الإسلامية قد وضعت أقدامها على طريق تصحيح المسار، والعودة إلى رحاب العقيدة في ظل تضامن أبناءها ... إننا نؤمن جميعا – أيها الأخوة – أن الإسلام دين يخاطب العقل، ويناهض التخلف في شتى صوره وأشكاله، ويشجع حرية الفكر، ويستوعب منجزات العصر، ويحض على متابعتها، كما أن الإسلام وهو يضع قواعد السلوك الإنساني فإنه ينظم العلاقات الاجتماعية والدولية على أساس من الرحمة حيث يقول الله ﷿ في محكم التنزيل: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: ١٠٧] .
حضرات السادة الأكارم،
يسجل التاريخ بكل إكبار وإجلال أن صاحب الجلالة الملك الحسن الثاني حفظه الله خاطب الضمير الإسلامي سنة ١٩٦٩ بروحانية المؤمنين الصابرين أن أزفت ساعة الالتقاء والالتحام، فالخطب جلل، والمصيبة داهية دهماء، قاتلة إن لم تنبذ الأمة الإسلامية متاهات الخلاف والشقاق، وتسعى بروح وثابة صلبة بناءة إلى التلاقي والوفاق، فالمسجد الأقصى يحرق، والقدس الشريف يسرق، ومعالم الحضارة الناطقة بتعايش الديانات السماوية الثلاثة تباد وتمحق.
وشاءت العناية الربانية أن تجد هذه الصيحة الطاهرة تجاوبا مطلقا في مختلف البقاع والأصقاع، فيلبي القادة الأعلام الدعوة الملكية الكريمة، ويستضيف رباط الفتح المؤتمر الأول للقمة الإسلامية: حيث حددت المعالم، وظهرت الاختيارات والمراسم، واتضحت الرؤية لوضع المواثيق والأحكام لتسترجع الأمة الإسلامية قوتها ومناعتها أمام المتآمرين على شخصيتها، وحضاراتها، ورسالتها السماوية الإنسانية. ﴿قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ﴾ [آل عمران: ١١٩]، ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ [الأنفال: ٣٠] .
وشاء ربك أن يبين جلالته في خطابه السامي ما ينتظره المسلم في هذا الملتقى، "المنتظر منا أن لا نخيب رجاء الذين ينتظرون نتائج أعمالنا، المنتظر منا أن نعطي للعالم فكرة جديدة على تجمع المسلمين، فكرة الفعالية، فكرة العمل، فكرة الواقعية، فكرة الإيجابية.
علينا أن نجعل من هذه الخطوة التي بارك الله ﷾ عملها خطوة تتلوها خطوات، ولبنة تقف فوقها لبنات، وأساسا يمكننا أن نبني عليه جدارا ذلك الجدار الذي يجمع بين جميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها".
وشاء ربك أن يكون المؤتمر الأول خطوة تلتها خطوات تأصيلية وتحليلية وفي مختلف الميادين، فأصبحت منظمة المؤتمر الإسلامي هيكلا وأجهزة وروافد حقيقة ملموسة، وأخذت محكمة العدل الإسلامية الدولية طريقها للنور، بالإضافة إلى وثيقة حقوق الإنسان في الإسلام، وتكوين اللجنة الإسلامية الدولية في القانون، وتوجت كل هذه الأعمال الجليلة بمجمع الفقه الإسلامي الذي سيساند الصحوة الإسلامية، ويزكي اعتزاز كل مسلم بدينه الحنيف، وانتمائه الحضاري المشرف، وماضيه المشرق المجيد، ومستقبله الواضح القوي السديد.
1 / 19