Addinin Musulunci da Wayewar Dan Adam
الإسلام والحضارة الإنسانية
Nau'ikan
مقدمة
1 - مولد الفلسفة الإسلامية1
2 - المسلمون والمؤتمر الإسلامي1
3 - براهين الإيمان عن طريق براهين الشكوك1
4 - هذه هي الأغلال1
5 - دور من أدوار التاريخ في الكتابة عن الأندلس الإسلامية1
6 - الاختراعات بين العلم والدين
7 - الموفق الموفق1
8 - المادية تنهدم1
9 - إفلاس مذهب لا طاقة «للمادية الشيوعية» بالبقاء1
Shafi da ba'a sani ba
10 - تحدي الإله ومعناه1
11 - رماد ولا نار1
12 - الإنسانية من ماضيها إلى مصيرها1
13 - العالم العربي اليوم1
14 - ديمقراطية رعاوية في شمال الصومال1
15 - إسبانيا المغربية1
16 - في مطالع الأعوام: نظرة إلى التنجيم في العالم المتمدن1
17 - الحج قبل الإسلام وبعده1
18 - أفغانستان وانتشار الإسلام في الهند
19 - العلية الجديدة في نيجيريا1
Shafi da ba'a sani ba
20 - مراكش مستقلة1
21 - الدعوات الإسلامية والإسلام ووحدة الجماعة1
22 - أطلس العالم العربي والشرق الأوسط1
23 - خاتم الأنبياء
24 - ديانات العالم السبع العظمى1
25 - كلام عن الإسلام والعرب في كتابين حديثين1
26 - الصحافة في الإسلام1
27 - الاقتصاد السياسي في الإسلام (1)1
28 - الاقتصاد السياسي في الإسلام (2)1
29 - الأزهر أحوج إلى اختيار مدرسيه منه إلى مال يواسيه1
Shafi da ba'a sani ba
30 - الجامعة المصرية والأزهر الشريف لا يهمهما لمن يكون الغلب
31 - كتاب جديد عن الرسول1
32 - الثقافتان1
33 - عود إلى الثقافتين1
34 - الروحانية بين الأنبياء الثلاثة1
35 - الإسلام والحضارة الإنسانية
مقدمة
1 - مولد الفلسفة الإسلامية1
2 - المسلمون والمؤتمر الإسلامي1
3 - براهين الإيمان عن طريق براهين الشكوك1
Shafi da ba'a sani ba
4 - هذه هي الأغلال1
5 - دور من أدوار التاريخ في الكتابة عن الأندلس الإسلامية1
6 - الاختراعات بين العلم والدين
7 - الموفق الموفق1
8 - المادية تنهدم1
9 - إفلاس مذهب لا طاقة «للمادية الشيوعية» بالبقاء1
10 - تحدي الإله ومعناه1
11 - رماد ولا نار1
12 - الإنسانية من ماضيها إلى مصيرها1
13 - العالم العربي اليوم1
Shafi da ba'a sani ba
14 - ديمقراطية رعاوية في شمال الصومال1
15 - إسبانيا المغربية1
16 - في مطالع الأعوام: نظرة إلى التنجيم في العالم المتمدن1
17 - الحج قبل الإسلام وبعده1
18 - أفغانستان وانتشار الإسلام في الهند
19 - العلية الجديدة في نيجيريا1
20 - مراكش مستقلة1
21 - الدعوات الإسلامية والإسلام ووحدة الجماعة1
22 - أطلس العالم العربي والشرق الأوسط1
23 - خاتم الأنبياء
Shafi da ba'a sani ba
24 - ديانات العالم السبع العظمى1
25 - كلام عن الإسلام والعرب في كتابين حديثين1
26 - الصحافة في الإسلام1
27 - الاقتصاد السياسي في الإسلام (1)1
28 - الاقتصاد السياسي في الإسلام (2)1
29 - الأزهر أحوج إلى اختيار مدرسيه منه إلى مال يواسيه1
30 - الجامعة المصرية والأزهر الشريف لا يهمهما لمن يكون الغلب
31 - كتاب جديد عن الرسول1
32 - الثقافتان1
33 - عود إلى الثقافتين1
Shafi da ba'a sani ba
34 - الروحانية بين الأنبياء الثلاثة1
35 - الإسلام والحضارة الإنسانية
الإسلام والحضارة الإنسانية
الإسلام والحضارة الإنسانية
تأليف
عباس محمود العقاد
مقدمة
لئن كان الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده - رحمه الله - أكبر من حملوا لواء الدفاع عن الإسلام في عصره، فإن المرحوم الأستاذ عباس محمود العقاد يعتبر بحق في طليعة المنافحين عن الإسلام في هذا الجيل.
ونظرة شاملة إلى إنتاجه الأدبي، الواسع الأفق ، المتعدد النواحي والأغراض، تريك مدى اهتمامه بالشئون الإسلامية. فمن تحليل لنفسيات عباقرة الإسلام، وتبيان لمآثرهم الخالدة، إلى جلاء لوقائع التاريخ الإسلامي، إلى تصحيح وتصويب، وأحيانا تأييد وتثبيت لما كتبه الغربيون عامة، والمستشرقون خاصة، عن الإسلام ونبيه، وتناولوا فيه مختلف القضايا والمبادئ الإسلامية.
وهذا الكتاب ثمرة من ثمرات إنتاجه الأدبي الإسلامي، يجمع بعض ما تناثر من مقالاته في بطون الصحف والمجلات. وفيه يبرز العقاد منافحا مكافحا في ثلاث جبهات:
Shafi da ba'a sani ba
جبهة الغرب؛ حيث يقف بالمرصاد لكل ما تخرجه المطابع من كتب تتحدث عن الإسلام وتاريخه وحضارته، فيرد الشارد، ويعري ذوي النوايا السيئة، والأغراض الخفية، غير مقصر عن الثناء على أرباب النزاهة ورواد الحقيقة.
وجبهة الجدال والمنطق والبحث العلمي الدقيق؛ حيث يرشد الضال ويهدي المتجافي عن الحق، ويقوم غير المستقيم في نظرته إلى الإسلام وحضارته.
وجبهة المترددين الشاكين، والمنكرين لمزايا الروح؛ حيث يقلب الشك إلى يقين، والتردد إلى قرار.
ولنا ملء الثقة في أن يجد فيه القراء بعامة، والمهتمون بالشئون الإسلامية بخاصة ما ترتاح إليه نفوسهم، وتطمئن به ضمائرهم.
الفصل الأول
مولد الفلسفة الإسلامية1
لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا في حجر ضب لاتبعتموهم ...
حديث شريف
صدق الرسول الكريم.
فإن تاريخ المذاهب والفرق في الإسلام قريب الشبه بتاريخها في المسيحية، وقريب الشبه بتاريخها قبل ذلك في الإسرائيلية، بل هو قريب الشبه بتاريخ كل عقيدة دينية انتقلت من دور الإيمان إلى دور الشرح والتفسير أو دور التوفيق بين النصوص وما يستلزمه العقل من معاني النصوص، لا فرق في هذا التطور بين دين ودين إلا من حيث السرعة أو تراخي الزمن قبل ظهور الأطوار المتعاقبة، فهي في الإسلام أسرع، وهي في المسيحية أقل من ذلك سرعة، وهي في اليهودية أبطأ من كلتا الديانتين الكتابيتين، لأسباب معقولة تقتضي ذلك التفاوت في سرعة الانتقال من دور الإيمان إلى دور الشرح والتفسير.
Shafi da ba'a sani ba
فالتأويلات الفلسفية لم تظهر في الديانة اليهودية قبل «فيلو» الإسكندري المعاصر للسيد المسيح، أما الخلاف على نصوص التوراة بين السامريين وغيرهم فقد ظهر في أواخر القرن الخامس قبل الميلاد، ثم انقضت تسعة قرون بعد الميلاد حتى اتسعت فجوة الخلاف بين القرائين والربانيين؛ أي القائلين بالتزام الحرف وهم القراءون، والقائلين بجواز التفسير وهم الربانيون، وكان الخلاف بينهم في مسائل العقيدة الكبرى مناسبا لكل خلاف بين المتشددين والمتجاوزين، فكان القراءون يقولون بالجبر، والربانيون يقولون بالاختيار، ويقاس على ذلك كل ما بين الفريقين من وجوه الخلاف.
ولم يكن «فيلو» من الفلاسفة المنقطعين للفلسفة أو المتفرغين للمنطق والعلوم العقلية، بل كان يمزج بين الدين والفلسفة، ويزعم أن الفلسفة كلها مأخوذة من نصوص التوراة، ولكنه يجتهد في تأويل تلك النصوص؛ بحيث تتسع للمعاني الفلسفية التي تعلمها واطمأن إليها بعقله، ويجعل الكلمات رموزا وإشارات إلى القضايا المنطقية والمعاني المجردة، فهو مؤمن بالتوراة ومؤمن بالمنطق الذي تستلزمه المدارك الإنسانية، ولا محيص له بين الإيمانين من تحويل الكلمات إلى رموز وإشارات؛ لئلا يكفر بالعقل أو يكفر بالدين.
وقد نظر «فيلو» إلى الأوصاف الحسية التي وصف بها الإله في كتب التوراة، فلم يقبلها على ظاهرها، ولم يستطع أن يرفضها؛ لاطمئنانه الموروث إلى دين آبائه وأجداده، فقال: إنها رموز ومجازات تقرب المعاني إلى الذين يفهمون بالحس ولا يدركون المعاني المجردة بالرياضة والتفكير، وانفتح له باب التأويل، فذهب في التجريد إلى أبعد مداه، وأنكر الصفات الإلهية؛ لأن الصفة حد والله منزه عن الحدود، بل نزه الله عن التأثير في مادة الكون؛ لأن المعنى الإلهي أشرف من جميع الأجساد المادية، فإذا أثر فيها فإنما يكون هذا التأثير بالواسطة التي يودعها الله في بعض القوى الإلهية، واحتال على تأويل الصفات بأنها نفي للنقص الذي لا يتصوره العقل في حق الخالق العظيم، فهو قادر لأنه ليس بعاجز، وعالم لأنه ليس بجاهل، وغني بنفسه؛ لأنه ليس بمفتقر إلى أحد، وهو في قدرته وعلمه وغناه مقام فوق كل مقام يتخيله العقل من صفات الإنسان، وكل ما يستطيعه العقل الإنساني من القربى إلى الله أن يدركه بالرياضة، ثم يدركه بالعلم، ثم لا يغنيه كلاهما عن الإلهام الذي يختص به سبحانه وتعالى من يشاء من عباده الخلص المقربين. •••
وكان أوريجين
Origenes
أكبر المجتهدين السابقين من أصحاب القول بالتفسير والتأويل في الديانة المسيحية، ولم تظهر دعوته مع ذلك قبل القرن الثالث للميلاد.
شغل أوريجين كما شغل فيلو بمسألة النصوص والتوفيق بينها وبين المعقولات، ومن عجيب الأمر أن هذا المجتهد الجريء على النصوص قد بلغ من الإيمان بالنص الحرفي في كلمة من الإنجيل مبلغا لم يبلغه - قبله ولا بعده - أشد المؤمنين بالنصوص الحرفية في دين من الأديان، فخصى نفسه لأنه قرأ في إنجيل متى أنه «يوجد خصيان ولدوا هكذا من بطون أمهاتهم، ويوجد خصيان خصاهم الناس، ويوجد خصيان خصوا أنفسهم لأجل ملكوت السماوات، من استطاع أن يتبتل فليفعل.»
ومن ثم يرى أن أوريجين لم يكن من الفلاسفة المنقطعين للفلسفة، بل كان من المؤمنين المتبتلين الغلاة في النسك والعبادة، ولكنه تعلم الفلسفة وأدرك البداءة العقلية، فاضطره فرط الإيمان إلى التوفيق بينها وبين نصوص الكتب الدينية، ولا سيما النصوص التي تشير إلى بنوة السيد المسيح ودلالة الثالوث والتوحيد. فقال: إن البنوة كناية عن القربى، وفهم معنى الكلمة التي كانت في البدء فهم الرجل الذي اطلع على مذهب هيرقليطس ومذهب أفلاطون؛ لأن الأول يقول: إن الدنيا تتغير أبدا فليس لها وجود حقيقي وراء هذه الظواهر غير وجود الكلمة المجردة أو العقل المجرد الذي لا ينقطع عن تدبيرها، ولأن أفلاطون يقول بسبق الصور المعقولة على الأجسام المحسوسة، فجاء أوريجين بعدهما ليقول: إن السيد المسيح هو مظهر العقل الخالد تجسم بالناسوت، وإن ظهوره في الدنيا حادث طبيعي من الحوادث التي يتجلى بها الإله في خلقه، واجتهد في تأويل النصوص، فجعل للكتب الدينية تفسيرين: أحدهما صوفي للخاصة، والآخر حرفي لسائر الناس، وبشر بخلاص خلق الله جميعا في نهاية الأمر حتى الشياطين، ولم يكن ينكر الشياطين أو ينكر قدرة السحرة على تسخيرها في الإضرار بالناس، ولكنه - من عجب التناقض في الطبع الإنساني - كان يرى أن الأسماء العبرية - دون غيرها - هي الأسماء التي تجدي في الاستدعاء والتسخير، وينسى أنه جعل للأسماء والحروف هنا سلطانا على الكون يقصر عنه سلطان المعاني والمسميات.
وخلف أوريجين تلميذان قويان، هما آريوس في الإسكندرية، ونسطور في سورية، فمضيا في التأويل والتوفيق بين النصوص والمعاني، ولكنهما اختلفا بينهما أشد الاختلاف يخلقه اللدد والشحناء، وتراميا كما ترامى أتباعهما زمنا بتهمة الكفر والجحود؛ لأن آريوس كان يقول بأن المسيح إنسان حادث، ونسطور كان يؤمن بالطبيعة الإلهية في المسيح، ويأبى التسوية بينه وبين الله في الدرجة والقدم، ودخلت العوامل السياسية في هذا الخلاف فدفعت به إلى أقصى مداه.
وهذه كلها - كما رأينا - مذاهب في الدين تصطبغ بالصبغة الفكرية، ويمتزج فيها الإيمان بالتفكير. أما مذاهب الفلسفة المسيحية التي تصدى لها المفكرون من غير رجال الدين، فلم تظهر في العالم المسيحي قبل انقضاء عدة قرون، وتأخر ظهورها إلى ما بعد ظهور الفلسفة الإسلامية في أوروبا الغربية. •••
Shafi da ba'a sani ba
على أن الفرق والمذاهب لم يتراخ بها الزمن في الإسلام كما تراخى بها في اليهودية والمسيحية، ولم ينقض جيل النبي نفسه حتى ظهرت مسألة النص والتفسير، ولحقت بها المسائل التي اقترنت بها في كل عقيدة دينية، كمسألة القضاء والقدر، ومسألة الظاهر والباطن، ومسألة الصفات الإلهية، وما ينبغي للروح من الصفات بمعزل عن عالم المادة أو عالم الأجساد.
ويتوقف فهم الحقائق في هذه الحركة كلها على فهم البواعث التي أوجبت السرعة هنا، وسمحت بالإبطاء والإرجاء هناك.
فاليهودية عند نشأتها لم تنهض لها ضرورة قاضية بالتعجل في التفسير والتأويل؛ لأن اليهودية نفسها كانت بمثابة فلسفة تجريدية بالقياس إلى العقائد الوثنية والأديان المجسمة التي نشأت بينها؛ إذ كانت تدعو إلى التوحيد وعبادة الإله المجرد في السماء بين أناس يعبدون الأوثان ويجسمون الأرباب.
وكان أنبياء اليهود يتلاحقون واحدا بعد واحد، فيشغل النبي الأمة بأقواله عن تفسير أقوال الذين سبقوه إلى استنزال الوحي من الله.
وينبغي أن نذكر هنا أن الدينين الكتابيين العظيمين اللذين ظهرا بعد اليهودية؛ إنما كانا تعديلين في نصوص الدين اليهودي ومعانيه، فهما خليقان أن يشغلا كل فراغ كان متسعا لتفسير النصوص ومحاولة التوفيق بين المنقول والمعقول .
وقد تلاحقت الهجرة والتشتيت على الأمة اليهودية منذ أيامها الأولى، وأصابتها المحن من ذوي قرباها، ونزل بها الحيف من الدول القوية المسلطة عليها، فاشتدت في نفوسها العصبية القوية، ونفرت كل النفور من البدع الأجنبية، وتحصنت دونها بحصن منيع من العزلة الروحية والفكرية؛ فأحجمت عن الفلسفة التي تطرقت إليها من جانب الإغريق وجانب المشارقة الفارسيين والهنديين، ولم تكن هذه الفلسفة على هذا قد تكاملت في بلاد الإغريق أو تفرقت منها بين الأقطار الشرقية؛ لأنها لبثت في دور التكون والتكامل والتعليق والتذييل إلى ما بعد ميلاد المسيح.
أما المسيحية قد تأخر تدوين كتبها إلى أواخر القرن الثاني للميلاد، وكان معظم هذه الكتب مسطورا باللغة الإغريقية، فلا يطلع عليها سواد المسيحيين. وقد كانت جمهرة المسيحيين في أوائل الأمر من عامة الناس الذين يقنعون بالإيمان اليسير، ولا يتعمقون في النصوص ولا في التأويلات، فلما آمن المتعلمون بالدين الجديد، كان اختلافهم مقصورا على بيئات الدرس والثقافة، إلى أن قام في العالم المسيحي ملوك يجلسون على العروش، فخرج الخلاف المدرسي إلى معترك السياسة الزبون، ونجمت الفرق والمذاهب، وهي في أحضان الدولة تعتمد على بأس الملوك والأمراء من أحد الطرفين أو من كلا الطرفين، أو من جميع الأطراف في بعض الأحوال.
أما الإسلام فقد كان الاستعداد فيه لظهور الفرق والمذاهب على غير ما رأينا في اليهودية والمسيحية من جميع الوجوه. كانت الأسباب مهيأة لظهورها منذ الجيل الأول سواء من جانب الفلسفة أو من جانب المشكلات اللاهوتية التي شغلت عقول الباحثين بين اليهود والمسيحيين.
كان الإسلام خلوا من الكهانة التي تستأثر بالدرس والتأويل، وكان القرآن صريحا في الأمر المتكرر بالنظر والتفكير ، وكان القرآن كتابا محفوظا في حياة النبي
صلى الله عليه وسلم ، فلم يطل العهد بالمسلمين في انتظار التدوين والاتفاق على نصوص الكتاب. وكان المسلمون يؤمنون بأن محمدا
Shafi da ba'a sani ba
صلى الله عليه وسلم
خاتم النبيين، فلا ينتظرون نبيا آخر يتم الرسالة أو يغنيهم عن الاجتهاد في معاني الكتاب أو معاني الأحاديث النبوية.
ولم يجهر محمد
صلى الله عليه وسلم
بالدعوة الإسلامية حتى كانت مشكلات المذاهب المتقدمة قد ملأت آفاق الشرق العربي، وانعقدت عليها الأقوال من طوائف المختلفين هنا وهناك، وتسرب الكثير منها إلى الجزيرة العربية قبل الدعوة الإسلامية، سواء منها أقوال الفلاسفة وأقوال رجال الدين من جميع النحل والأجناس، وأشار القرآن الكريم إلى الخلاف بين الأديان المتعددة، فجاء فيه من سورة الحج:
إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد . وأشار إلى الدهريين، فجاء فيه من سورة الأنعام:
وقالوا إن هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين ، وجاء فيه من سورة الجاثية:
وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون . بل أشار في سورة آل عمران إلى تأويل المتشابه من الكتاب، فقال:
هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله .
وكان بعض المسلمين يسمعون بالتوراة، ولم يطلعوا عليها، ولكنهم سمعوا أنها أنبأت بظهور النبي وبغير ذلك من أحداث آخر الزمان، وأن الأحبار يخفون هذه النبوءات إمعانا منهم في الكفر والضلالة وحب الرئاسة في الدنيا، وقال لهم كعب الأحبار: «ما من الأرض شبر إلا مكتوب في التوراة التي أنزل الله على موسى ما يكون عليه وما يخرج منه إلى يوم القيامة.»
Shafi da ba'a sani ba
وفهم المسلمون أن هذه الأسرار لا يعقل أن تودع في التوراة ولا تودع في القرآن؛ لأن الله لم يفرط في الكتاب من شيء، وإنما تبذل هذه الأسرار لأهلها، وإنما سبيلهم في معرفتها أن يتوسلوا بالتقوى، ويستعينوا بمن سبقهم من أحبار الأمم الأولى، ويستدرجوهم بالمحاسنة والنصيحة إلى الكشف عنها، فلم يكن لطلاب المعرفة بد من الدخول في معترك الفرق الدينية بين من يزعم أنه على الحق، ومن يقال إنه على الضلال.
ولما انتشر الإسلام كان انتشاره في الرقعة التي جمعت كل هذه الفرق والمذاهب، وشهدت بينها مجالس المناظرة ومصارع النزاع والقتال، وكانت الفلسفة الإغريقية قد بلغت أوجها في آسيا الغربية، ومدرسة الإسكندرية، وترددت أقاويلها ومناقضاتها ما بين مصر وسورية والعراق وأطراف البلاد الفارسية، حيث يتصدى للتعليم أطباء النساطرة ومعهم كتب الإغريق في الحكمة والتصوف والمنطق والجدل وأشباه هذه الموضوعات، فلم يبق سبب من الأسباب التي تنشئ الفرق والمذاهب إلا وقد تهيأ للظهور من جميع نواحيه عند قيام الإسلام.
على أن السبب الذي طوى كل هذه الأسباب جميعا هو قيام الدولة مع قيام الدين الإسلامي في وقت واحد، وهو ما لم يحدث في بني إسرائيل ولا في عالم المسيحية، وعليه تدور الخلافات بين الفرق جميعا من قريب أو بعيد.
فالنزاع على الدولة بين علي ومعاوية مرتبط بنشوء الخوارج ونشوء الشيعة، ومرتبط كذلك بنشوء القدرية والمرجئة، والقائلين بالرجعة وتناسخ الأرواح، ومذهب أهل الحقيقة وأهل الشريعة، وما استتبعه من فرق الباطنية وأصحاب الرموز والأسرار، على تفاوت نصيبهم من الحكمة الدينية، أو الحكمة الفلسفية.
ويستطاع رد الخلاف هنا إلى محور واحد، وهو الخلاف بين أنصار الواقع وأنصار التغيير، أو بين أنصار المحافظة وأنصار التجديد حيث كان.
روي عن يزيد بن معاوية وقد حمل إليه رأس الحسين أنه سأل من حوله وهو يشير إلى الرأس الشريف: «أتدرون من أين أتي هذا؟ إنه قال: أبي علي خير من أبيه، وأمي فاطمة خير من أمه، وجدي رسول الله خير من جده، وأنا خير منه، وأحق بهذا الأمر، فأما أبوه فقد تحاج أبي وأبوه إلى الله، وعلم الناس أيهما حكم له، وأما أمه فلعمري فاطمة بنت رسول الله خير من أمي ، وأما جده فلعمري ما أحد يؤمن بالله واليوم الآخر يرى لرسول الله فينا عدلا ولا ندا، ولكنه أتي من قبل فقهه، ولم يقرأ:
قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء [آل عمران: 26].»
فمن خدمه الواقع هذه الخدمة الجلى لا جرم يؤمن بأن «الواقع» هو قدر الله وقضاؤه الذي يدان به العباد.
ومن خالفه في ذلك لا جرم يعتصم بالرأي والتفسير؛ ليفهم القدر الإلهي على الوجه الذي ينهض به دليله، ويسقط به دليل خصمه.
ومن ثم تنفرج الطريق بين طلاب الواقع وطلاب التغيير في كل مجال.
Shafi da ba'a sani ba
فطلاب الواقع يقولون بطاعة السلطان القائم، وطلاب التغيير يقولون بطاعة الإمام المستتر، ويقولون بعلم الظاهر وعلم الباطن، أو بعلم الحقيقة وعلم الشريعة، أو بالفرق بين الكلام الواضح الذي يفهمه الدهماء والكلام الخفي الذي يفطن له ذوو البصر والاطلاع.
ويروى عن الإمام الباقر أنه قال: «إن اسم الله الأعظم ثلاثة وتسعون حرفا يعرف منها سليمان حرفا واحدا، تكلم به فأتي إليه بعرش مملكة. ونحن عندنا منها اثنان وسبعون حرفا، وحرف عند الله استأثر به في عالم الغيب وحده.»
ويدور على هذا المحور من جانب آخر خلاف القائلين بإسلام بني أمية والقائلين بتكفيرهم والقائلين بإرجاء الحكم عليهم إلى يوم القيامة، وهم أصحاب الفرقة التي اشتهرت باسم المرجئة من أوائل فرق الإسلام.
ويغلو من هنا فريق كالخوارج، فيكفرون عليا ومن والاه، ومن هنا فريق كالسبائية، فيؤلهون عليا، وينكرون القول بموته، وإنما شبه للناس؛ فقتل ابن ملجم شيطانا تصور بصورته، وصعد علي إلى السحاب، فالرعد صوته، والبرق سوطه، وموعده يوم يرجع فيه إلى الأرض فيملؤها عدلا ويقضي على الظالمين. أو يقولون كما يقول البنانية أتباع بنان بن سمعان: إن روح الله حلت في علي، ثم في ابنه محمد بن الحنفية، ثم في ابنه أبي هاشم ثم في بنان، أو يقولون بتناسخ الأرواح من آدم إلى علي وأولاده الثلاثة، أو يقولون - كما قالت الإمامية - إن الله قد حل في إمام بعد إمام إلى أبي مسلم الخراساني صاحب الدعوة العباسية، وإنه لم يقتل، ولا يجوز عليه الموت، وفيه روح الله.
ويكثر الكلام بين هذه الفروض والظنون على ماهية الروح وماهية الحقيقة الإلهية وما ينبغي لله جل وعلا من التنزيه وما يمتنع في حقه من التجسيم والتشبيه، وتمتزج النوازع الذهنية بنوازع المصلحة والسياسة والعواطف المكبوتة، فيستمد كل منها عونا من الآخر على الإقناع واستجلاب الأنصار والأشياع.
ومن البديه أن دعاة التغيير يتقون - جهدهم - سلطان الواقع حيث هو قائم عزيز الجانب مبثوث العيون، فابتعدوا من دمشق الشام، واتخذوا لهم ملاذا مأمونا عند أطراف الدولة الشرقية فيما وراء النهر خاصة، كما كانت تسمى في تلك الأيام.
هنالك لم يكن أحد من المتعلمين يشتغل بالأمور العامة دون أن يعرض له البحث في الشريعة والحقيقة، والظاهر والباطن، وأقوال المختلفين على القضاء والقدر وعلى صفات الله وحرية الإنسان وماهية النفوس والأرواح، وما يصح أن يفرض عليها من العقاب أو تجزى به من الثواب، وكل أولئك هو موضوع الفلسفة الأصيل، وقد تسرب إلى خراسان من مراكز الدولة الإسلامية ومن تراث الأمم الخالية، ثم أعانه جوار الهند بمورد آخر من موارد الحكمة والعلم التي لا تزال مشغولة بأشباه هذه البحوث.
ولما ذهبت الدولة الأموية وقامت الدولة العباسية لم تتبدل الحال في تلك الأرجاء؛ لأن العلويين والعباسيين على السواء خبراء بالمذاهب والتفسيرات، وكلهم من أنصار النظر والاستدلال. وقد قامت الدعوة في الشرق باسم آل النبي، قبل أن تقوم صريحة باسم بني العباس، ثم زيد على الأطراف التي تتطلع إلى التغيير طرف آخر في أفريقيا الغربية بعد قيام الدولة العباسية، فقامت هنالك دعوة الفاطميين، وعرفت سبيلها إلى أقصى المشرق حيث كان الناس يؤثرون العلويين على العباسيين، ولا سيما بعد تشريد أبناء علي وحرمانهم واضطهادهم في أيام بني العباس.
فأصبحت الأطراف الشرقية وكرا يسمع فيه كل صوت من أصوات البحث والنظر والاستدلال.
الفصل الثاني
Shafi da ba'a sani ba
المسلمون والمؤتمر الإسلامي1
أمام الإسلام اليوم مطلبان ضروريان لا يحتملان التسويف والتهاون، وهما «حماية الذات» أمام المطامع الأجنبية، والتعاون على تحصيل وسائل التقدم والارتقاء.
وربما كان المطلب الثاني فرعا من المطلب الأول؛ لأن الأمة التي تهمل وسائل التقدم والارتقاء في العصر الحاضر تحتاج إلى حماية ذاتها ولا تجد وسيلة الحماية.
أما المطامع الأجنبية التي تواجه الشعوب الإسلامية، فهي درجات في القوة وفي الخطر.
فمنها ما هو مقصور على السيادة السياسية، وما يتصل بها من السيطرة على موارد البلاد ومرافقها الزراعية والصناعية والتجارية، وسائر هذه المرافق الاقتصادية على الإجمال.
ومنها ما يتجاوز السيادة السياسية وتوابعها إلى السيطرة على العقائد والأخلاق والعادات والنظم الاجتماعية، وهو شر ضروب الاستعمار كافة.
ومنها ما يصيب جالية أو جاليات متنقلة إلى بلاد أخرى، ولا تتعرض له الأمة برمتها في داخل بلادها.
وكل هذه الأخطار تحتاج إلى التعاون بين الأمم الإسلامية، وقد يكون التعاون فيها لازما مع شعوب غير إسلامية، ولكنها معرضة لمطامع الدول الواقعة في طريق المستعمرين السياسيين وغير السياسيين.
والأمم الإسلامية فيها «شبه حصانة» أمام السيطرة الأجنبية بأنواعها، سواء منها ما كان مقصورا على السيادة السياسية أو ما كان عاما شاملا للعقائد والأخلاق والعادات والنظم الاجتماعية.
كتب جون جنتر
Shafi da ba'a sani ba
John Gunther
كتابا عن «داخل أفريقيا» على مثال كتبه عن داخل أوروبا، وداخل آسيا وداخل أمريكا اللاتينية وداخل الولايات المتحدة، وتكلم عن أفريقيا الاستوائية التابعة لفرنسا، فقال: إن شعوبها لا تطلب الآن على الأقل أن تنفصل من فرنسا، بل لعلها تتطلب زيادة الاتصال بها؛ لأنها معدودة من الفرنسيين، ولها حقوق انتخابية تخولها أن ترسل المندوبين عنها إلى برلمان باريس، ثم قال: إن هذه الشعوب تخالف الشعوب الأفريقية في الشمال؛ لأن هذه تطلب الانفصال، ولا ترضى بالاندماج في بنية الشعب الفرنسي، ولا بالسياسة التي سماها تدريب الأفريقيين على أن «يصبحوا فرنسيين!»
ما الفارق بين الشعوب الاستوائية والشعوب الإفريقية التي تقيم على شواطئ البحر الأبيض المتوسط أو على مقربة منها؟
الفارق هو الحضارة الإسلامية العريقة، فهذه الحضارة قد حفظت لكل أمة تحضرت بها «كيانا» قويا لا يسهل هضمه وإدماجه في كيان آخر أجنبي عنه، وهذا الكيان القوي هو الذي وقف في وجه الاستعمار حيث كان، واستفاد منه المسلمون وغير المسلمين؛ لأن الاستعمار خطر على الأمم الشرقية جميعا من كل نحلة وبغير فارق بين الأديان والأجناس.
وهذه المقاومة القوية هي التي يسميها المستعمرون جمودا من المسلمين في وجه التقدم والارتقاء، وليست هي في الواقع جمودا من هذا القبيل، ولكنها محافظة على «الكيان القومي» يحميه أن يقع فريسة سهلة بين براثن المستعمرين، ويستفيد منه ضحايا الاستعمار في مختلف الأقوام والأديان.
ولكن الاستعمار السياسي - على خطره - لا يصيب الأمم في مقاتلها كما يصيبها الاستعمار الذي يشمل العقائد والأخلاق والعادات والنظم الاجتماعية، فإن هذا الاستعمار يصيب الأمة في كيانها الصميم، ولا يبقى لها بعد ذلك «شخصية» تذود بها خطرا يهددها في حاضرها أو مستقبلها. •••
والأمم الإسلامية أشد الأمم تعرضا لعداوة هذا الاستعمار الذي يعادي جميع الأديان في الواقع، ولكنه يعادي الدين الإسلامي بصفة خاصة؛ لأنه نظام اجتماعي وآداب معيشية في وقت واحد، وله مبادئ فكرية كالمبادئ التي يسمونها في العصر الحاضر بالأيديولوجي
Ideology
تقوم عليها الآداب والعلاقات كما تقوم عليها عقائد الدين ووجهات النظر إلى أصول الحياة.
لهذا كانت كراهة الاستعمار الشيوعي للأمم الإسلامية كراهة مضاعفة؛ لأنه يجد فيها عقبات في وجه السيادة الأجنبية وعقبات أخرى في وجه العقائد والآداب التي يفرضها عليها مخالفة للدين، ويحاول أن يلغي مبادئها الفكرية والخلقية بمبادئ أخرى تناقضها، وتهدمها، ولا تبقى بقية منها صالحة لمقاومة أو متشبثة بكيان.
Shafi da ba'a sani ba
وهناك ضروب من الاضطهاد يلقاها المسلمون جاليات متفرقة في البلاد الأخرى، كالجالية الآسيوية الإسلامية التي يزيد عددها على سبعين ألفا في أفريقيا الجنوبية، وتحرم حقوق الانتخاب باسم الفوارق العنصرية التي لا تلاحظ في معاملة اليهود، وهم أصل الفوارق العنصرية التي ابتدعت من أجلها كلمة
Anti-semitism «عداوة الساميين».
وصف روبرت جون هذه الجالية في كتابه «خلال أفريقية مالان» يعني «مالان» رئيس الوزراء السابق، فقال: إنهم على فقرهم غاية في الأمانة وإنه زار مسجدا من مساجدهم، فسقطت منه ورقة وهو يلبس حذاءه، ومضى في طريقه مسافة غير قصيرة، وإذا ببنت صغيرة تعدو وراءه لتعيد إليه الورقة التي لم يلتفت إليها.
وعلى هذا الفارق في الأخلاق تحسب على القوم فوارق اللون أو العقيدة، ولا يسمح لهم بحق واحد من الحقوق السياسية التي يشاركون بها بعض المشاركة في حكومة البلاد، وربما كان آباؤهم فيها قبل أن يعرفها أحد من البوير أجداد «مالان».
فالعالم الإسلامي في العصر الحاضر أمام أخطار مشتركة تتطلب منه أن يشترك في مقاومتها واتخاذ الحيطة منها، وهذه الأخطار هي:
أولا:
خطر الاستعمار الذي يهدد كيان الأمة في سيادتها وعقيدتها وأخلاقها وآدابها.
وثانيا:
خطر الاستعمار الذي يهدد سيادة الأمة السياسية ويسيطر من ثم على مواردها ومرافقها.
وثالثا:
Shafi da ba'a sani ba
خطر الاستعمار الذي ليس له سيادة فعلية على البلاد ولكنه يرمي إلى توجيه سياستها بالوسائل الاقتصادية أو وسائل النفوذ الدولي على اختلافها.
ورابعا:
خطر التفرقة العنصرية بين الجاليات الإسلامية وغيرها من الجاليات في البلاد الأخرى.
واشتراك الأمم الإسلامية في هذه الأخطار يوجب عليها الاشتراك والتعاون في دراستها والاتفاق على الوسائل المستطاعة لاجتنابها والتغلب عليها. •••
ولهذا يجيء المؤتمر الإسلامي في أوانه، وربما صح أن يقال: إن المؤتمر الإسلامي يتجدد الآن في الوقت الملائم؛ لأن الإسلام قد فرض على المسلمين في موسم الحج مؤتمرا عاما تشترك فيه جميع الأمم، وقد أفاد هذا المؤتمر فوائده التي لا تنكر، ولكنه لم يأت بجميع فوائده في بعض العصور؛ لأن السيطرة «المستبدة» كانت تصيب الأمم الإسلامية أحيانا من سادتها المسلمين، وكان الإمام الإسلامي «عبد الرحمن الكواكبي» يتخيل هذا المؤتمر تخيلا في موسم الحج؛ لأن تحقيقه في الواقع لم يكن من المستطاع، وليس كتابه «أم القرى» إلا مؤتمرا من هذا القبيل.
ثم سعى المسلم الروسي الكبير «إسماعيل غصر نسكي» في عقد المؤتمر الإسلامي العام عند أوائل هذا القرن، وساعده السادة العثمانيون؛ لأنه يحارب الدولة الروسية، ولم يتنكر له المستعمرون الإنجليز؛ لأن محاربة النفوذ الروسي في آسيا توافق سياستهم، ولبثت الفكرة منسية أو مهملة حتى جددتها قضية فلسطين فاجتمع المؤتمر الإسلامي للدفاع عن فلسطين عدة مرات.
أما المؤتمر الإسلامي القادم فشأنه غير شئون المؤتمرات السابقة؛ إذ هو المؤتمر العام الأول الذي تشترك فيه الأمم الإسلامية بمحض اختيارها بعد استقلال الكثير منها وثبوت المكانة السياسية لها في محيط السياسة العالمية على اتساعها، ومهمته في مكافحة الاستعمار بأنواعه لا تقل عن مهمته في مكافحة الضعف والجمود والأخذ بوسائل التقدم والارتقاء، فليس في العصر الحاضر من يحمي نفسه وهو متخلف في ميدان المعرفة والقوة.
الفصل الثالث
براهين الإيمان عن طريق براهين الشكوك1
ترد إلي على الدوام رسائل صريحة من الشباب المثقف الحائر في شئون العقيدة. وموضع الصراحة في هذه الرسائل أن أصحابها يعربون في غير مواربة عن شكوكهم في مسائل الدين: من الإيمان بالله إلى صلاح بعض الفرائض والعبادات.
Shafi da ba'a sani ba
ولست أتشاءم بهذه الصراحة؛ لأنها دالة على أمور كثيرة تدعو إلى التفاؤل وحسن الأمل في الضمائر المتفتحة للمعرفة وسلامة الإدراك.
تلك صراحة تدل على تعقل شبابنا لعقائدهم الروحية، وعلى استعدادهم للانتقال فيها من حالة التقليد إلى حالة التبصر والاجتهاد.
وتدل - مع هذا - على امتعاض نفوسهم من حالة الشك والحيرة، بدلا من التذرع بها إلى الهجوم على «الإباحية الأخلاقية» واستحلال ما لا يحل في الدين ولا في عرف التدين الذي تقوم عليه أسس الآداب الإنسانية.
وتدل، بعد هذا وذاك، على أدب في الطبع يعصمه من داء الغرور، ويلهمه أن يطلب المزيد من العلم حيثما تطلع إليه، ويندر في المصابين بداء الغرور من يحسب أنه بحاجة إلى علم في مسائل الحياة الكبرى غير الذي يهجس بخاطره ويقع منه موقع القبول، بغير بحث ولا محاولة للمزيد من الفهم والإيضاح.
وبين الرسائل التي وردتني أخيرا من هذا القبيل رسالتان: إحداهما بتوقيع «م. ا. زيدان»، والأخرى يرجو صاحبها أن أرمز إليه بحرفي «س. ع» إذا استجبت لرجائه وكتبت في مجلة «الأزهر» عن موضوع سؤاله.
يقول صاحب الرسالة الأولى: «تقدمت للالتحاق بكلية الطيران؛ لأحقق أمنيتي في أن أكون أحد أفراد القوات المسلحة، ونجحت في الكشف الطبي مع القلائل الذين ينجون منه في قومسيون القوات الجوية، ثم رسبت أخيرا في كشف الهيئة التي لم يرسب فيها أحد إلا أنا . أتدري لماذا؟ لأن قلبي على اليمين!»
ويختم صاحب الرسالة كلامه متسائلا: ألست معي أن الله يتسبب في عذاب البشر؟ أستحلفكم بالله أن تقنعوني بالآية التي تقول:
وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم [البقرة: 216].
أما صاحب الرسالة الثانية «س. ع» فسؤاله عن «معرفة المؤمنين بالله، لم لا يدركونها بظهور الله لهم علانية بدلا من هذا التخبط من قديم الزمن في ظلمات الجهل ومنازعات الغضب والتعصب بين المنكرين والمؤمنين، وبين المؤمنين أنفسهم من أنصار كل دين، بل من أنصار الدين الواحد على اختلاف المذاهب والتفاسير ...»
ولقد كشفت لي تجاربي في دراسة الشكوك الدينية عن طريق قريب إلى أن الإيمان لا يطول النظر فيه كما يطول النظر في البراهين الفلسفية التي يقوم عليها العلم بوجود الله.
Shafi da ba'a sani ba
كشفت لي هذه التجارب عن يقين لا أرتاب فيه، وهو اليقين بسهولة الخلاص، من براهين الشكوك الدينية أو براهين الإلحاد؛ لأن ظهور البطلان في هذه البراهين أيسر من البحث في براهين الفلاسفة على تحقيق وجود الله: وهي براهين المنطق التي لا تصبر عليها جميع العقول.
فمن اليسير أن نفهم - بعد قليل من البحث - أن إنكار وجود الخالق لشيوع النقص والعذاب في عالم المخلوقات هو إنكار ضعيف السند، غير قابل للتصور الصحيح عند إمعان النظر فيه.
وأيسر من ذلك إظهار البطلان في تحقيق معرفة الله برؤية العيان، أو ما هو من قبيل رؤية العيان.
فإذا كان وجود الخالق يستلزم خلو الخلق من النقص والعذاب فلنجتهد في تصور العالم على هذه الصورة، فلا نلبث أن نفهم أنها هي المستحيل بعينه على كل فرض من الفروض.
أولا: كيف يمكن أن يكون المخلوق كاملا كمال الخالق الذي لا يعوزه شيء من الأشياء؟
ذلك هو المستحيل الذي لا تتعلق به إرادة الله، ولا يجوز لنا أن نتطلبه من قدرة الله؛ لأن قدرة الله التي لا نهاية لها هي التي توجب أن يكون المخلوق المحدود بزمانه ومكانه دون ذلك، وتمنع أن يوجد في التصور إله كامل مخلوق إلى جانب الإله الكامل الخالق لجميع الأشياء.
ولنتعسف التصور - إن استطعنا - فنقدر أن المخلوقات يمكن أن توجد ناقصة، وأن تكون مع نقصها سعيدة لا ترجو شيئا، ولا يفوتها رجاء ترجوه إذا جاز هذا في حق الكائن السعيد الظافر بكل ما يريد.
فهل توجد هذه المخلوقات السعيدة دفعة واحدة بلا ولادة ولا نمو ولا وقوف بالنمو عند حد محدود؟
وإذا وجدت هذه المخلوقات السعيدة، فهل تكون سعادتها من نوع واحد لا فرق فيه بين هذا المخلوق وذلك المخلوق، كأنها نسخة مكررة في جميع الصفات والأحوال؟ وهل تتم لها سعادتها بغير مجهود منها وغير سبب من بواعث نفوسها وبغير فرق بين من ولد بالأمس ومن يتبعه في الميلاد؟
وهل يتبعه ذلك التابع في الميلاد صغيرا يشعر بالنقص أو لا يشعر به ولا يشعر بما عداه؟
Shafi da ba'a sani ba