Islam da Al'adun Larabawa
الإسلام والحضارة العربية
Nau'ikan
28
قال الأصمعي: زعموا أن قريشا سئلوا من أين لكم الكتابة، فقالوا: من الحيرة، وقيل لأهل الحيرة: من أين لكم الكتابة، فقالوا: من الأنبار.
ويستدل من ذلك أن إيادا كانت على جانب من الحضارة، وأن العرب استفادت منهم وهم استفادوا من اختلاطهم بالفرس والروم، ودام ذلك لإياد حتى كانت وقعة سابور، وقد أوقع بإياد وعمهم القتل، وما أفلت منهم إلا نفر لحقوا بأرض الروم وتنصروا ودانوا لغسان، ولما فتح المسلمون الأنبار رأوا أهلها يكتبون بالعربية ويتعلمونها، فسئلوا من هم، فقالوا: قوم من العرب نزلنا إلى قوم من العرب قبلنا، وقيل: إن نفرا من أهل العرب من إياد القديمة هم وضعوا حروف ألف ب ت ث، وعنه أخذت العرب. وذكروا أن أهل
29
القرى ألطف نظرا من أهل البدو، وكانوا يكتبون لجوارهم أهل الكتاب.
ويرى صاحب فجر الإسلام
30
أن عرب الحيرة تسرب إليهم شيء من علوم اليونان وآدابهم، ذلك أن الحكومة الفارسية في عهد هرمز الأول أنشأت مستعمرات كونتها من أسرى الحرب الرومانيين، وكان من بين هؤلاء الأسرى من ثقف بالثقافة اليونانية، ومنهم من كان يفوق الفرس في الفن والهندسة والطب فاستخدموه في مهام شئونهم، ومن هؤلاء الأسرى من نزلوا الحيرة، ويظن بعضهم أنهم هم منبع النصرانية فيها، وعلى كل حال فقد كان في الحيرة مبشرون بالنصرانية داعون إليها، ولبى الدعوة منهم هند زوج النعمان الخامس، وقد أنشأت ديرا سمي بدير هند كان إلى عهد الطبري، وهند هذه هي التي خطبها في الإسلام المغيرة بن شعبة وهي مترهبة في ديرها فأبت، وسألها عن حال دولة أهلها فقالت: «أمسينا مساء وليس في الأرض عربي إلا وهو يرغب إلينا ويرهبنا، ثم أصبحنا وليس في الأرض عربي إلا ونحن نرغب إليه ونرهبه.»
31
قال: وقد كان لعرب الحيرة وأمرائهم وتاريخهم أثر كبير في الأدب العربي والحياة العقلية للعرب عامة؛ فأحاديث جذيمة الأبرش وأساطير الزباء (وهي من الحيرة قبل إنشاء الإمارة) والخورنق والسدير والتغني بهما وبعظمهما، والأقاصيص حول سنمار باني الخورنق، والأمثال التي ضربت فيه، ويوما النعمان يوم نعيمه ويوم بؤسه، كل هذه وأمثالها شغلت جزءا كبيرا من الأدب العربي، وكلها تتعلق بعرب الحيرة وحياتهم، أضف إلى ذلك ما ذكره ابن رسته في الأعلاق النفيسة من أن أهل الحيرة علموا قريشا الزندقة في الجاهلية والكتابة في صدر الإسلام، وكان أمراء الحيرة مقصدا لشعراء عرب الجزيرة ينفحونهم بالمال الكثير، ليبشروا بهم بين البدو في أنحاء الجزيرة، وديوان النابغة الذبياني مملوء بالقصائد التي قيلت في مدح النعمان والاعتذار إليه ونحو ذلك. ا.ه.
Shafi da ba'a sani ba