Islam da Al'adun Larabawa
الإسلام والحضارة العربية
Nau'ikan
إن التجديد في الأدب كالتجديد في العلم لا يمكن إلا على أساس تعاون الحاضر والماضي، يبني العقل في حاضره على ما أسس العقل في ماضيه، فإن الحق وحدة قائمة لا يقوم جزء منها إلا على جزء، فلن يقوم حق جديد، إلا على أساس من حق قديم، بل الحضور والمضي والحدوث والقدم إن هي إلا ألوان يبدو بها الحق - أو الباطل - لعين الإنسان، وما هي من لون الحق في شيء، وإنما هي من لون المنظار الذي ينظر منه الإنسان، وإلا فالحقائق في نفسها متكافئة في الثبوت، تكافؤ نقط سطح الكرة، غير أن حياة الفرد أخصر وحقائق الكون أعظم وأكثر من أن يستوعب الفرد منها إلا جزءا متضائلا، كما أن العين لا تحيط من الأرض في آن إلا بجزء من الأرض صغير، وقد يستطيع الجنس البشري إذا اتصلت به الحياة إلى الأبد، أن يحيط من الحقائق بمقدار يزداد إلى ما لا نهاية، من غير أن يستنفد الحقائق، أو يشرف على أقصاها، ومهما يكن من شروط تحقق هذا التقدم المطرد في استيعاب الحقائق، فإن شرطا أساسيا له أن تتجرد حركة العقل - عقل الفرد وعقل الجنس - تجردا تاما عن التذبذب فإن الذي يمحق الأعمار، أعمار الأفراد والشعوب، هو التذبذب بين غايتين، قرب المدى بينهما أم بعد، فلو ظل «البندول»
24
يضرب إلى سرمد الدهر ما قطع أكثر من تلك القوس المحدودة، ولو ظل الإنسان تتعارض جهوده وتتلاغى أعماله، ينقض اليوم من غير دليل ما أبرم بالأمس ، ويبرم غدا من غير دليل ما نقض اليوم، لظل «البندول» يتحرك ولا يتقدم، وليس أعدى للفرد ولا للمجموع من قوم يزينون له هذا التذبذب باسم التقدم، وهذا التعطيل باسم التجديد. ا.ه.
متعصبة الشعوبية وأرباب الإنصاف
نقض كلام المخالفين وكلام على العناصر
من خلق بعض الناس إذا حنقوا على إنسان أن يسلبوه كل صفاته، وقد يكون فيها الظاهر الباهر، ومن طبيعة بعضهم إذا غضبوا على فرد أو أفراد عم غضبهم كل من كان من قوم المغضوب عليه، ومنهم من يغتاط من رجل فيطعن في جميع أهل المصر بل القطر، ومن عادة بعضهم أن يصغروا من شأن ما لا يدخل في منهاج عملهم، أو ما لا تدرك سره قرائحهم، ولا توفق إلى حله معارفهم، ويعدون ما هم بسبيله شيئا، وما تعمل فيه عقول أخرى ليس بشيء، وقديما قالوا: من جهل شيئا عاداه، وحبك الشيء يعمي ويصم، وفي الواقع إن الناس يتشابهون في الطباع، مهما اختلفت الأصقاع والبقاع، ولعلهم في مستقبل الأيام أيضا لا يوفقون إلى التجرد من الأهواء، اللهم إلا إذا خلقوا خلقا آخر، وتغيرت تراكيب أجسامهم لتتغير أرواحهم ومنافذ إراداتهم، كما يقول أناتول فرانس.
كتب أحدهم في العهد الأخير كتابا في المفكرين في الإسلام،
1
عرض فيه لرجاله وعلومهم بحسب المادة القليلة التي وصلته، أو بقدر ما أراد استثماره من المواد وإغفال ما لا يروقه منها، وجعل معظم الفضل في مدنية المسلمين لغيرهم من الشعوب، أو لمن تظاهروا بالدخول في دينهم، أو كانوا من غير ملتهم، أو عرفوا بالإلحاد والخروج على الجماعة، وختم كتابه بعبارة أثبتت فيها أن للعرب خصائص ولكنها انبعثت من أرضهم، والإسلام لا حظ له من التأثير فيها، فقال: وعلى هذا يظهر أن بعض الخصائص منبعثة من البلاد نفسها لا من الدين كمسألة القضاء والقدر، والميل إلى التبصر وتذوق الشعر والفلسفة، ورقة الإحساس الفني، وبعض الرغبة في الراحة والسكون، والاستعداد لدراسة الفقه، والذكاء في فصل الأحكام، كل هذا ليس فيه ما هو خاص بالإسلام ، بل هو أثر استعدادات عامة في كثير من الشرقيين، ولعلها نشأت من الإقليم، قال: ومعظم هذه الاستعدادات تصادف اليوم قبولا في الغرب، فإن الآلة وما يتبعها من الدوي والحركة وما ينشأ عنهما من مزعجات الحياة ليست مما يرغب فيه كل الناس، وهكذا الحال في المذهب المادي، وفي الجشع المتناهي في كسب المال في شعوب بلادنا، فإن كثيرين منا قد سئموا ذلك، وقد ترغب الروح في صور من الحياة تكون إلى السذاجة، ليتيسر للمرء الاستمتاع بالطمأنينة والأمل والسلام، فليس الاضطراب والجلاد الدائم من موجبات السعادة، وإذا كان لنا من مضائنا وعلمنا العالي ما جعل لنا بعض الحق على الشرق، فعلينا أن لا نتعدى الحدود في المطالبة بما يخولنا هذا الحق، وعلينا أن لا نقضي على خصائص هذه الشعوب ومثلها الأعلى، ولندع لبلادهم جمالها وسكونها وقليلا من بهائها الممزوج بالسويداء، وإذا عرفنا أن نتغلب على الشرق بالقوة المادية وسلطان العلوم والفنون فما ضرنا لو زدنا على ذلك الحكمة وجمال العهد. ا.ه.
هذا كلام جميل، فيه ولا سيما في نهايته شيء من الإنصاف، ولكن المؤلف أخطأ في نسبة الخصائص التي امتاز بها العرب للإقليم وحده، وشق عليه أن ينسبها للإسلام، وأخطأ أيضا في قوله: إن معظم مدنية المسلمين قامت بعناصر غير عربية،
Shafi da ba'a sani ba