Islam da Al'adun Larabawa
الإسلام والحضارة العربية
Nau'ikan
المشعوذين، ولقد كتب أحدهم مؤخرا يقول: فطر الإسلام على الفناء
8
فهو يبني ولا يعرف الاحتفاظ بما بنى، وشعوره متحرك متحول، ومع هذا يحتفظ على تعاقب القرون بتقاليده البدوية وينكر المدنية، لكنه يقبل الانتفاع من الآلات والأدوات الجديدة، قال: وتنوعت المرادات التي أحدثها الإسلام في حواسنا الغربية، ولطالما شعر لوتي «من أدباء فرنسا» نحو المسلمين بعاطفة شديدة، وشهد لهم في كتبه وفي حياته العامة الشهادات الحسنة ، فكان المدافع عن تركيا، وقام في حياته الخاصة على تعهد مسجد له أقامه في داره في روشفور، وبلغ من تأثير الإسلام في إيبنهارد أن دان به مختارا، ثم تطرق إلى ما بدا في كتب الأخوين تارو
Tharaud
وهما من أكبر كتاب فرنسا، من العطف على الإسلام، ولا سيما في مؤلفاتهما «العيد العربي»، «الحرب في أشقودرة ألبانيا»، «طريق دمشق»، «رباط الفتح أو ساعات في مراكش»، «رباط ومراكش»، «فاس وأهل المدن في الإسلام»، وقال: إنه ظهر تبدل في عاطفتهما في هذا الكتاب الأخير، بالقياس إلى أول كتاب كتباه في الإسلام منذ عشرين سنة، فأخذا يعمدان الآن إلى طرق النقد والسخرية أحيانا بما يريان من مدنية إسلامية إلخ، وختم بقوله: نشأ الإسلام في أصقاع مشمسة، فكان دين الشعر والخيال والبطالة، ولما كان الحظر من أهم قواعده، قضى على أهله بالجمود بل بالموت، وقد عرف الإسلام بتذوق الحاضر والمعجل والزائل، وبالتجاهل المقصود من البقاء، وبعقيدة القضاء والقدر، فكان مخربا هائلا، وقال: إن العربي يوحي إلى الذهن صورة الطفل الذي يبني على شاطئ البحر قصرا من الرمل، والرسام الذي يتلف عينيه بتزيين غرفة مظلمة، أو المطرز الذي ينسج بالذهب والفضة قطعة لا قيمة لها. ا.ه.
هذا الشعوبي يتحامل على الإسلام فيرميه بالتعصب وقلة المسامحة وعدم ائتلاف من يدين به مع من يخالفه في عقيدته، يزعم أنه عدو المدنية الأزرق، كلام من أنطقه الهوى، وأعوزته الحجة لتأييد دعواه المزورة، تقرأ في تضاعيفه المكر، وفساد الذمة، ومقاومة البديهة. وليوتى
9
من أعظم رجال فرنسا الذين عرفوا الشرق معرفة حقيقية، يقول من مقالة له أخيرة: «وإذا كان فريق من ذوي الأغراض الملتوية، يزعم أن الإسلام يبعث على التدمير والفوضى والتعصب، فإني بصفتي رجلا قضيت بين المسلمين مدة من الزمان في الشرق والغرب ولم أكتف بما قرأته عن الإسلام في الكتب، أقول: إن جميع تلك المزاعم لا نصيب لها من الصحة.»
تسامح المسلمين ودولهم مع أبناء ذمتهم
لو كان الإسلام كما ادعى ذلك الشعوبي الأخرق متعصبا جامدا، يسيء إلى من يخالفه، ولا يأتلف مع أحد، هل كانت تتم أعماله المدنية التي تجلت للعيان بدون بيان؟ بل لو كان الإسلام متعصبا جامدا، هل كان على الأقل يبقي على أحد ممن يخالف معتقده؟ وقد شاهدنا التعصب الديني في أوروبا لما اشتدت وطأته يقضي بجلاء جزء عظيم من أمة، حتى يسلم دين السواد الأعظم، كما وقع للإسبان فلم يرضوا بعد أن خضع العرب لسلطانهم إلا بتنصيرهم أو إجلائهم عن بلادهم، فخربت إسبانيا من أجل ذلك، وكذلك جلا البرتستانت من فرنسا إلى إنجلترا وهولاندة وألمانيا يوم اشتداد الثورة الدينية، فكان من ذلك أن فقدت البلاد عشرات الألوف من الأذكياء، وهاجر ألوف من الخلق من إنجلترا لأسباب دينية إلى أميركا الشمالية، ولقد كان الإسلام على العكس من كل هذا في معظم أيام عظمته، يبر المخالفين ويقربهم، وينتفع بإحسان المحسن منهم، ويعدل فيهم عدلا لم يؤثر عن كسرى ولا قيصر، وما قامت حرب دينية قط في ربوع الإسلام قصد منها إبادة أعدائه، اللهم إلا حوادث عادية تقوم بين متخالفين فتطفئها الولاة لساعتها، وترد على كل الرعايا حرياتهم. ذكر ابن عساكر في سيرة ابن فاتك الذي شهد فتح دمشق أنه تولى قسمة الأماكن بين أهلها بعد الفتح، فكان يترك الرومي في العلو ويترك المسلم في أسفل لئلا يضر بالذمي، أهذا عمل من يسيء إلى من يخالفه، ولعل الشعوبيين يماحكون فيزعمون أن هذا من باب الضعف، وأين كانت قوة أهل الإسلام يوم عملوا هذا من قوة غيرهم من أهل الأديان الأخرى في الشرق والغرب؟
Shafi da ba'a sani ba