Islam da Al'adun Larabawa

Muhammad Kurd Ali d. 1372 AH
181

Islam da Al'adun Larabawa

الإسلام والحضارة العربية

Nau'ikan

28

للزمنى والعميان وقرر لهم ما يحتاجون إليه، وبنى دارا للنساء الأرامل ودارا للضعفاء ودارا للأيتام ودارا للملاقيط، ورتب بها جماعة من المراضع وأجرى على أهل كل دار ما يحتاجون إليه في كل يوم، ولا تزال إلى اليوم بقايا من هذه الخيرات العجيبة في بلاد الإسلام، فقد ذكر الأخوان تارو أن في مدينة مراكش ملجأ لا مثيل له في الدنيا بأسرها، وهو بناء يكاد يكون بلدة يضم ستة آلاف أعمى يأكلون فيه ويقرءون، ولهم قوانين يجرون عليها وتراتيب تنظم من شئونهم.

كانت العربية ماثلة في الشام يوم دخلها العثمانيون في سنة 922ه في معظم مظاهر الحياة، فأطفأوا شعلتها وأضعفوا قوتها، ولو نجا الشام وحده من حكمهم لنشر - لتوسطه بين الولايات العربية - أنوار الحضارة، ولو كتب له الانضمام إلى مصر منذ استقلت بها الأسرة العلوية، لتساند القطران الشقيقان في مهمة التمدين، ولما آضت هذه الولايات وكانت مستنبت العربية، أشبه بالقرى منها بالمدن، يوم دعا الترك داعي الرحيل. لا جرم أن صنعاء ومكة والمدينة والبصرة وبغداد والموصل وحلب ودمشق كانت إلى عهد قريب من الانحطاط في عمرانها، والجهل المتأصل في سكانها، على ما تذرف له الدموع حزنا، ومن أين يرجى لها مدنية وقد اصطلحت على جسمها جميع أمراض الانحلال، وهل المدنية غير ابنة الراحة والسكون، والعمل المتصل، والتفكير الطويل، وهذا ما كان مفقودا فيها.

فكروا في المدارس القديمة التي دثرت بدخول الدخلاء والأعاجم، وكيف كان لها عمل عظيم في القضاء على الأمية بين الناس؟ كانت معاهد هي غاية ما وصل إليه العقل البشري ظرفا ومظروفا في العصور الغابرة، وبها أثبت أجدادنا في القرون الوسطى أنهم كانوا شيئا في إتقان الهندسة والبناء، وأنهم على جانب من سلامة الذوق، وأنهم حراص على المجد، هذه المدارس تنطق بلسان حالها أن الأعمال العظيمة لم تقم لو لم تفكر بها عقول كبيرة، وأن تلك المدارس والمصانع ما كانت تعمر لو لم يدرس فيها رجال الدين والعلم والأدب، وما كانت تسير سيرا ضمن لها الخلود قرونا، لو لم تجهز بقوانين معقولة وتراتيب متسلسلة، وما قام في الأرض شيء من العظمة إلا كان إلى جانبه عظماء يتعهدونه، ويفيضون عليه من معين قرائحهم.

قامت معظم معاهدنا في القرون الوسطى بتأثيرات دينية، وكانت المسائل المدنية تابعة لها وعالة عليها، ولعمري هل كانت أوروبا على غير تلك الحال أيضا في تلك العصور؟ وهل البيع والديرة في الغرب إلا وليدة الدين ومن صنع رجاله؟ أو من أحبوا التقرب من قلوب المتدينين، أو قامت بأيدي المتظاهرين بالدين من الحكام والملوك، فلما جاء دور النهضة والإصلاح، ونجا الغرب من تأثيرات تلك القرون بالثورة على النظم القديمة، انتهى عمل تلك المصانع، فانقلبت على التدريج من معاهد دين إلى دور علم، وأصبحت الدينيات تقرأ في بعضها على أساليب جديدة من البحث والنظر، بل إن الأموال الطائلة التي كان يجمعها ملوك الغرب بإرهاق رعاياهم، ليبنوا بها قصورا لهم ولأتباعهم وحظاياهم، جعلت عندهم في عصور الارتقاء متاحف ومحاكم ومدارس، ولو تركت مدارس الإسلام وشأنها في هذه الأقطار العربية لاستحالت مع الزمن معاهد علم وفن.

المقابلة بين الفرس والترك

هذا ما كان من موجبات تراجع الحضارة العربية، أو ضعف العلم والعمل في أبناء العربية، أما الحضارة في البلاد الإسلامية الأخرى كفارس والأفغان والهند وتركستان والقوقاز التي تأثرت قرونا طويلة بالمدنية العربية، فشأنها غير شأن البلاد العربية منذ نفضت أيديها من دولة العرب، وكانت تعلو وتسفل بحسب روح المتغلبين عليها، وما برح أثر العرب ماثلا في أهلها لمكان الدين فيهم إلى اليوم وإلى ما بعد اليوم، مهما حاول المفرطون في حب قومياتهم من بنيها أن يعيدوها سيرتها الأولى قبل الإسلام، على ما نرى الفرس البهلويين والترك الكماليين لعهدنا، يحاولون أن يصطنعوا لهم مدنيتين جديدتين، طلاؤهما مدنية الغرب، وروحهما المدنيتان الفارسية والطورانية، قبل أن يتعاورهما الإسلام بالمحو والإثبات، والزمان كفيل بالحكم على تينك الأمتين بهذا النظام الجديد، ولقد طردت فارس وتركيا الجهلة من رجال الدين، واكتفى منهم بالدارسين والعالمين، فكان هذا الصنيع أعظم بشارة خير لمستقبل الأمتين. وبالقضاء على الجهال الذين كانوا يضعون العثرات في كل سبيل إلى النهوض، ودعت فارس وتركيا ماضيا منحطا، وباتتا على رجاء استقبال عهد جديد.

أثبت الفرس بالإسلام في القرون الخالية أنهم على استعداد لقبول العلوم والآداب وتمثلها، فأخرجوا نوابغ اختلطوا بأصحاب السلطان، وأفادوا المجتمع العربي، ولم يثبت الترك منذ تشرفوا بالإسلام أنهم مستعدون لمثل ما عرف عن الفرس من كفاءة علمية وصناعية، وإن شهد لهم العارفون منذ الأعصر المتطاولة أنهم جد كفاة في الجندية، ولا بأس بهم في السياسة الدولية،

29

فقد هيأ بعض الملوك العثمانيين عامة الوسائط لنشل أبناء جنسهم من عثرات الجهالة، وحاول سيد ملوكهم محمد الفاتح أن يجعل من دار ملكه في فروق موطنا علميا يضاهي به على الأقل دولة المماليك في مصر والشام، وبذل لذلك أنواع البذل والمعاونة، واستدعى العلماء من الأقطار يغدق عليهم الجرايات والمشاهرات وأنواع التكرمة والتجلة، ومن جملتهم عالم عصره في بلاد ما وراء النهر علاء الدين بن محمد القوشجي،

Shafi da ba'a sani ba