Islam da Al'adun Larabawa

Muhammad Kurd Ali d. 1372 AH
167

Islam da Al'adun Larabawa

الإسلام والحضارة العربية

Nau'ikan

4

جميع من كان فيها من المسلمين، ممن لجئوا إلى الجوامع واختبأوا في السراديب، وأهلكوا صبرا

5

ما يزيد على مائة ألف إنسان في أكثر الروايات، وكانت المعرة من أعظم مدن الشام، وافاها سكان الأطراف بعد سقوط أنطاكية يعتصمون فيها، وفتح الصليبيون القدس، بعد أن أفحشوا القتل في المسلمين، حتى هلك منهم عشرات الألوف، فيهم جماعة من الأئمة والعلماء والعباد والزهاد، وارتكب الصليبيون كل محرم في دينهم مع المسلمين واليهود. قال ميشو: تعصب الصليبيون في القدس أنواع التعصب الأعمى الذي لم يسبق له نظير، حتى شكا من ذلك المنصفون من مؤرخيهم، فكانوا يكرهون العرب على إلقاء أنفسهم من أعالي البروج والبيوت، ويجعلونهم طعاما للنار، ويخرجونهم من الأقبية وأعماق الأرض ويجرونهم في الساحات، ويقتلونهم فوق جثث الآدميين، ودام الذبح في المسلمين أسبوعا حتى قتلوا منهم على ما اتفق على روايته مؤرخو الشرق والغرب سبعين ألف نسمة. ولم ينج اليهود كالعرب من الذبح؛ فوضع الصليبيون النار في المذبح الذي لجئوا إليه، وأهلكوهم كلهم بالنار. ا.ه.

وكان من عادة الصليبيين أن يقتلوا أهل كل بلد يدخلونه في الشام ويخربوا عمرانه ويحرقوا كتبه ومتاعه وآثاره، وفي إحراقهم دار الحكمة في طرابلس، وكان فيها نحو مائة ألف مجلد، أكبر دليل على رعونتهم وخشونتهم، فأوقدوا بما صنعوا نيران التعصب بين المسلمين والنصارى من الشاميين، ومع هذا أمسك المسلمون عن مخاشنة أبناء ذمتهم، وظلوا على ما قضى به الإسلام من حسن معاملتهم، ومن نصارى لبنان من تطوعوا في خدمة الصليبيين، وحاربوا في صفوفهم، وكانوا أدلاء لهم وعيونا على جيرانهم الذين كانوا عاشوا وإياهم خمسة قرون على غاية الوئام، خالف الصليبيون تعاليم المسيح في الشفقة والإحسان، وامتثل المسلمون أوامر شريعتهم قائلين: «ولا تزر وازرة وزر أخرى.» وما خرج ملوك الإسلام في كل دور عن مراعاة أهل ذمتهم، عملا بوصية الشارع، وتفاديا من وعيده من أذاهم، وكانت سياسة الساسة منهم كما كتب الإخشيد صاحب الديار المصرية والشامية والحجازية إلى أرمانوس صاحب الروم على «ما يؤلف من قلوب سائر الطبقات من الأولياء والرعية، ويجمعها على الطاعة واجتماع الكلمة، ويوسعها الأمن والدعة في المعيشة، ويكسبها المودة والمحبة.» وإذا وقع من أحد ملوكهم حيف على غير المسلمين كما فعل الحاكم بأمر الله الفاطمي فخرب كنائس النصارى في مملكته، ثم بدا له فأمر بإعادتها إلى سالف عمارتها، فهذا شاذ في الملوك والشاذ لا تبنى عليه القاعدة المطردة.

حسن معاملة صلاح الدين للصليبيين

كان في القدس لما استرجعها صلاح الدين (583ه ) من الصليبيين مائة ألف صليبي، منهم ستون ألف راجل وفارس، سوى من تبعهم من النساء والأطفال، فأبقى صلاح الدين على حياتهم، واستوصى بهم خيرا، ونابذ فقهاءه فيما ارتأوه من معاملتهم بمثل ما عامل به أجداد الصليبيين جمهور المسلمين يوم فتحهم القدس، واكتفى بأن ضرب على كل رجل منهم عشرة دنانير، وعلى كل امرأة خمسة، وعلى كل طفل دينارين، وعجز بعضهم عن دفع هذه الفدية، فأدى الملك العادل أخو صلاح الدين فدية عن ألفي صليبي، واقتدى به صلاح الدين نفسه فأعفى كثيرين من هذه الغرامة، وأغضى عن جواهر الصليبيين وناضهم من الذهب والفضة، وعامل نساء الإفرنج معاملة لطف وظرف، وسهل سبيل الخروج لملكتين عظيمتين بما معهما من جواهر وأموال وخدم، ورخص للبطريرك الأكبر أن يسير آمنا بأموال البيع وذخائر الجوامع التي كان غنمها الصليبيون في فتوحهم، ولما قال المسلمون لصلاح الدين: إن هذا البطريرك يقوى بما أخذ على حرب المسلمين ثانية، قال: لا أغدر به، ولم يأخذ منه إلا عشرة دنانير فقط، فألقى صلاح الدين على الصليبيين درسا في مكارم الأخلاق وسماحة الإسلام.

ونسي الإفرنج بعد حين هذه اليد لصلاح الدين عندهم، وذلك أنهم لما استبطأوا دفع الغرامة التي فرضها ريشاردس قلب الأسد ملك الإنجليز على صلاح الدين، ولم يرد إليه هذا صليب الصلبوت، أخذ ألفين وسبعمائة من أسرى المسلمين،

6

وقتلهم على رأس تل في عكا، بمرأى من عساكر صلاح الدين، وبقر عسكره بطون المقتولين ليروا إن كان فيها شيء من الجواهر والذهب، ظنا منهم بأنهم ابتلعوا شيئا منها، وحبا بالانتفاع بمرائرهم يتخذونها دواء يستشفون به، ذاك ما عاملت به السياسة الإسلامية غزاة الصليبيين، يوم ضعفهم وقوة المسلمين، وهذا ما عاملتهم به السياسة الصليبية.

Shafi da ba'a sani ba