Islam da Al'adun Larabawa
الإسلام والحضارة العربية
Nau'ikan
تفنيد «لبون» أقوال من نالوا من العرب والإسلام
وما أجمل ما قال لبون في كتابه حضارة العرب:
8 «وإذا كان للأديان تأثير عظيم في الأخلاق، كما ينسب إليها في العادة، ونحن ممن لا يقول بهذا التأثير على ما يزعم الزاعمون، فإنا نجد المقابلة مدهشة بين الإسلام وسائر المعتقدات التي تزعم مع هذا أنها أسمى منه، ولقد قال بارتلمي سان هيلير - وهو من العلماء المتدينين - في كتابه في القرآن: تدمثت نفوس قساة الطباع من سادة القرون الوسطى، بملابستهم العرب وتمازجهم بهم، وعرف الفرسان بدون أن يفقدوا شيئا من شجاعتهم شعورا أرق وأشرف وأعرق في الإنسانية من شعورهم، ومن المشكوك فيه أن تكون النصرانية وحدها، على ما حملت من المنافع، هي التي ألقت في روعهم ما ألقت، وبعد هذا النظر ربما تساءل القارئ، ولماذا غمط اليوم حق العرب وتأثيرهم، وأنكر حسناتهم علماء عرفوا باستقلال أفكارهم، وكانوا بحسب الظاهر بمعزل عن الأوهام الدينية؟ وهذا السؤال قد سألته نفسي، وأرى أن لا جواب عليه غير ما أنا كاتب، ذلك أن استقلال آرائنا هو في الواقع صوري أكثر مما هو حقيقي، ونحن لسنا أحرارا على ما نريد في خوض بعض الموضوعات؛ وهذا لأن فينا أحد رجلين: الرجل الحديث؛ الذي صاغته دروس التهذيب، وعمل المحيط الأدبي والمعنوي في تنشئته، والرجل القديم: المجبول على الزمن بخميرة الأجداد، وبروح لا يعرف قراره يتألف من ماض طويل، وهذا الروح اللاشعوري هو وحده الذي ينطق في معظم الرجال، ويبدو في أنفسهم بمظاهر مختلفة، يؤيد فيهم المعتقدات التي اعتقدوها، ويملي عليهم آراءهم، وتظهر هذه الآراء بالغة حدا عظيما من الحرية في الظاهر فتحترم.» «لا جرم أن أشياع محمد كانوا خلال قرون طويلة من أخوف الأعداء الذين عرفتهم أوروبا، فكانوا بتهديدهم الغرب بسلاحهم في عهد شارل مارتيل، وفي الحروب الصليبية، وبعد استيلائهم على الآستانة، يذلوننا بمدنيتهم السامية الساحقة، وإلى أمس الدابر لم ننج من تأثيراتهم، ولقد تراكمت الأوهام الموروثة المتسلطة علينا، والنقمة على الإسلام وأشياعه في عدة قرون، حتى أصبحت جزءا من نظامنا، وكانت هذه الأوهام طبيعة متأصلة فينا، كالبغض الدوي المستتر أبدا في أعماق قلوب النصارى لليهود.» «وإذا أضفنا إلى أوهامنا الموروثة في إنكار فضل المسلمين هذا الوهم الموروث أيضا النامي في كل جيل، بفعل تربيتنا المدرسية الممقوتة، ودعوانا أن جميع العلوم والآداب الماضية أتتنا من اليونان واللاتين فقط، ندرك على أيسر سبيل أن تأثير العرب البليغ في تاريخ مدنية أوروبا قد عم تجاهله، ويرى بعض أرباب الأفكار أن من المذل على الدوام أن يذهبوا إلى أن أوروبا النصرانية، مدينة لأعداء دينها بخروجها من ظلمة التوحش، وهناك أمر يحمل في مطاويه ذلا كثيرا في الظاهر لا يقبل تحمله إلا بشيء من العنت، وذلك أنه كان للمدنية الإسلامية تأثير عظيم في العالم، وتم لها هذا التأثير بفضل العرب، بل بصنع العناصر المختلفة التي دانت بالإسلام، وبنفوذهم الأدبي هذبوا الشعوب البربرية التي قضت على الإمبراطورية الرومانية، وبتأثيرهم العقلي فتحوا لأوروبا عالم المعارف العلمية والأدبية والفلسفية، وهذا ما كانت تجهله، وعلى ذلك كان العرب ممدنينا وأساتذتنا مدة ستمائة سنة.»
وقال في حاشية هذا الفصل: إذا استحكمت الأوهام الموروثة وأوهام الثقافة في رجل، يعمى مع اتساع معارفه عن تفهم أسرار المسائل، وما هو إلا أن ينطوي على بغضين: بغض الرجل القديم الذي أنشأه الماضي، وبغض الرجل الحديث الذي هو ابن الملاحظة الشخصية، ولا يلبث أن يأتي بصور من التعبير عن الأفكار غريبة في تناقضها، ويجد القارئ مثالا من المتناقضات في محاضرة في الإسلام ألقاها في جامعة السوربون كاتب مبدع عالم، عنيت السيد رنان، حاول أن يثبت عجز العرب، فنقض بيده كل مزاعمه؛ فقد ذكر مثلا أن ارتقاء العلم كان بفضل العرب خلال ستمائة سنة، وأبان أن التعصب في الإسلام لم يظهر كل الظهور إلا لما خلفت العرب عناصر منحطة كالبربر والترك، ثم جاء يؤكد أن الإسلام طالما اضطهد العلم والفلسفة، مدعيا أنه قضى على العقل في البلاد التي افتتحها، ولكن باحثا ذكيا كالسيد رنان لا ينام على رأي مخالف لأصول التاريخ الظاهرة، فما إن تزول الأوهام فيه حينا حتى يتجلى فيه العالم فيضطر إلى الاعتراف بتأثير العرب في القرون الوسطى، وبما بلغته العلوم من الرقي في إسبانيا مدة استظلالها بظل سلطانهم، ومن الأسف أن الأوهام اللاشعورية تتغلب عليه حالا، فيدعي على وجه أكيد أن علماء العرب ليسوا عربا بأصولهم، بل هم أخلاط من أهل سمرقند وقرطبة وإشبيلية ... إلخ، وبديهي أنه لا يتيسر النزاع في أصل الأعمال التي خرجت بفضل طرائق العرب، ولعمري هل من الميسور إنكار أعمال علماء الفرنسيين، بحجة أن من تمت على أيديهم كانوا من عناصر مختلفة كالنورميين والسلتيين والإكتيين وغيرهم، ممن كونوا فرنسا بتمازجهم، وقد يكتئب هذا المؤلف العالم أحيانا من الأسلوب الذي جرى عليه في إساءته للعرب، وينتهي الصراع بين الإنسان القديم والإنسان الحديث إلى هذه النتيجة التي لم تكن متوقعة منه، فيأسف لكونه لم يخلق مسلما قائلا: «وما دخلت مسجدا قط إلا وعراني خشوع يمازجه أسف على أني لم أكن مسلما.» ا.ه.
نقد التاريخ وتوحيده
هذا وقد عقد لبون في آخر كتاب خطته يده في السنة الماضية، سماه الأسس
9
العلمية في فلسفة التاريخ فصلا في النقد التاريخي، قال فيه: «رأينا في الفصول السابقة مدى الشكوك التي تعرض للوقائع التاريخية حتى لما كان منها معروفا، فاقتضى للحكم عليها أن يتجرد فيها عن التأثيرات القومية والدينية والسياسية التي هي مرجع البت في معظم الأحكام؛ ولذلك جاءت التآليف التي كتبت في مختلف البلدان حاملة تقديرات متباينة في الحوادث الواحدة، وللأوهام الدينية خاصة سلطان على المؤلفين، على حين يعتقدون أنهم نجوا من تأثيراتها، لا جرم أن كثيرا من المؤرخين قد اندفعوا بسائق هذه الأوهام فأتوا بآراء بعيدة جدا عن محجة الصواب في بيان فضل الحضارة الإسلامية، ولا يزال التحامل على العالم الإسلامي القديم بحالة من الشدة؛ ولذلك وجب أن يعاد النظر في تاريخ القرون الوسطى بجميع أجزائه التي لها مساس بانتقال المدنية القديمة إلى العصور الحديثة.» ا.ه.
وبعد، فلم يبق من رأي يدلى به بعد هذا الكلام البالغ أقصى حدود الإنصاف والتعقل. وحقيقة إن من كتاب الغرب من إذا ذكروا الإسلام إلى اليوم، وصفوه بكل ما ينقص من قدره، وإذا اضطروا إلى الإشارة إلى المدنية العربية كأنهم يقولون بلسان الحال: إنها كعلم جابر، اقرأ تفرح، جرب تحزن، علمها لا ينفع، وجهلها لا يضر، يقول ماكس نوردو: «ولكم كبر مقام أناس بما دون المدونون من أخبارهم، حتى إن كثيرين ليعجبون من أرباب الرحلات السخفاء عجبهم من كبار الفاتحين المصلحين، وكم من أناس هم عظماء في نظر أمة، ولا يذكرون عند أمة أخرى، وكم من زلازل وحرائق أثرت في الانقلاب البشري أكثر من الحروب والغارات، وما السبب في ذلك إلا المؤرخون فإنهم غالوا في هذه وسردوا أخبار تلك على وجه عادي.»
أما الآن فمن المستحسن جد الاستحسان توحيد التاريخ في العالم، وتقليل جميع مصادر الأحقاد بين الأمم، على ما صرح بذلك رئيس مؤتمر التاريخ في لندن، وألح بوجوب السير عليه أحد كبار علماء إيطاليا قبل بضع سنين في رومية، وترى طائفة من العقلاء في الغرب نبذ كل ما يثير الحقد، ويدعو إلى الظنة، ويفك عرى الألفة، ولن يتم قيام هذا المجتمع الحديث إلا بتعاون الشرق مع الغرب تعاونا حقيقيا يقوم على الحرمة المتبادلة والمصلحة المشتركة، والعدل الذي لا يتجزأ، وللبشر اليوم مقصد أسمى من الخلافات والمناقشات التي جاءت القرون إثر القرون، وما زالت بحالها، لم تورث النفوس إلا اشمئزازا، ولم يترك الزمن الحافز مجالا للناس ليشتغلوا بأمور كان لها ما يبررها في عصور البطالة والجهالة، البشر بعد هذا التقارب في المواصلات والأفكار أحوج ما كانوا إلى التعارف والتعاطف، وإنصاف بعضهم بعضا، ليقوم نظامهم على الوئام والسلام.
Shafi da ba'a sani ba