Islam Sharikan
الإسلام شريكا: دراسات عن الإسلام والمسلمين
Nau'ikan
2
ويعبر الكتاب الإسلاميون الواسعو الانتشار عن هذا بكلمات بسيطة وبليغة حين يسألون:
ما الذي يعطي الأمل، بل ربما اليقين، في أن الإنسان سيصير في النهاية لا إلى الخلود في النار، بل إلى جنة الخلد ؟
إن القرآن الكريم يكرر على الدوام وعد الله بالجنة لأولئك «الذين آمنوا وعملوا الصالحات». ومعنى هذا أن إجابة السؤال السابق تعتمد على الإيمان والعمل معا. ولكن هل الواحد منهما يعادل الآخر في أهميته؟ وما هو الإيمان على وجه التحديد؟ وما هو مبلغ اليقين في وعد الله بالجنة إذا كان لا يجوز عليه سبحانه أن يتقيد بأي وعد، لأنه جل شأنه «يهدي من يشاء ويضل من يشاء؟»
لقد بدأت المناقشات الحامية لهذه المشكلة في فترة مبكرة من التاريخ الإسلامي. وتنوعت تعاليم المدارس والفرق الشرعية والكلامية المختلفة بطرق وأساليب مركبة تمخضت عن صيغ شديدة التعقيد. ونحن نشعر من كتابات المحدثين بأنهم يكرهون تلك المجادلات المدرسية القديمة ويحذرون من تكرارها. ويشارك في هذا الموقف كتاب إسلاميون ينتمون إلى معسكرات أخرى مختلفة. فها هو ذا الشيخ محمد الغزالي - الذي يتكلم باسم الإخوان المسلمين في مصر - يعلن سخطه الشديد على الخصومات المفتعلة التي تدور على هامش المجتمع لأسباب تتعلق بالطموح الشخصي أو التآمر السياسي، ويحذر المسلمين المعاصرين من الوقوع مرة أخرى في شراك هذه الخصومات والمنازعات (راجع كتابه عقيدة المسلم، ص221 وما بعدها)، وفي الوقت نفسه نجد الشيخ محمود شلتوت - شيخ الأزهر من سنة 1958 إلى سنة 1963م - يتناول الموضوع من الناحية المنهجية ويتخذ موقفا وضعيا صارما حين يفسر ذلك بقوله إن النقاط المعرفية التي لا تصاغ بطريقة واضحة لا لبس فيها، أو التي تسمح بفهمها بطرق مختلفة بحيث يمكن أن يختلف العلماء حولها، هذه النقاط ليست من مواد الإيمان التي فرضها الدين (راجع كتابه الإسلام عقيدة وشريعة، ص51).
وفي الوقت الذي تعتبر فيه المجادلات القديمة غير ذات قيمة أو تعتبر ضارة، فإن بعض موضوعاتها - على الأقل - ما زالت تبدو مهمة، كما أن الصيغ التي طورتها المدارس والفرق القديمة ما زالت تؤثر بوضوح في الكتابات المعاصرة عن تلك الموضوعات، بل إن هذه الكتابات كثيرا ما تشير إلى المدارس القديمة وإن كانت تفعل ذلك بطريقة مسرفة في التبسيط. والكتاب المعاصرون، فيما يتصل بالمشكلة التي نحن بصددها، يبدءون عروضهم عادة بذكر وجهتي نظر متطرفتين. ووجهة النظر الأولى هي الرأي القائل بأن الأعمال جزء من الإيمان، بحيث إن كيف الأعمال التي يقوم بها الفرد وكمها يحددان درجة الإيمان التي وصل إليها. فمرتكب الكبيرة لا ينظر إليه باعتباره مؤمنا، بل يعتبر مرتدا إلى الكفر بحيث يحق عليه العذاب الأبدي في النار. وهذا هو موقف جماعتين قديمتين هما الخوارج والمعتزلة. وأصحاب الرأي المضاد يقولون إن الأعمال ليست جزءا من الإيمان الذي يقوم على «الإقرار» باللسان والتصديق بالقلب. بذلك لا يكون الإيمان على درجات، لأنه حالة مطلقة يشعر بها الإنسان أو لا يشعر بها، ومرتكب الكبيرة يمكن أن يبقى على إيمانه، وأصحاب هذا الموقف المتطرف يزعمون أنه «حيث يكون الإيمان، فإن الفاحشة أو الإثم لا ضرر منه» وينسب هذا الموقف إلى المرجئة.
3
ويعد المرجئة، مثلهم مثل الخوارج والمعتزلة، خارج نطاق الإسلام السني، ولذلك فلا عجب أن ترفض آراؤهم. ولكن يوجد بين مواقفهم المتطرفة مجال واسع للآراء العديدة التي يمكن قبولها باعتبارها آراء سنية. وقد تسنى لي أن أفحص عدة أقوال عن أهمية الإيمان وعدة كتب لمؤلفين معاصرين مختلفين ذكرت أسماءهم في نهاية هذا المقال. ولا أزعم بالطبع أنهم يعكسون جميع الآراء التي قال بها أهل السنة، ولكنهم يعبرون عن وجهات نظر تختلف اختلافا ملحوظا في أمور أخرى. لكن الأمر الجدير حقا بالتنويه هو أنهم يجمعون على نقطة واحدة، وهي أن الإيمان وحده هو الذي يضمن النجاة في نهاية المطاف.
ونبدأ الأمثلة التي سنذكرها على الصفحات التالية بمتابعة تفكير الدكتور محمد نعيم ياسين، فهو مؤلف مصري يبدو أنه يتخذ موقفا معتدلا بوجه عام، كما أنه يعتمد اعتمادا واضحا على العلماء الأقدمين. وهو يقتبس في رسالته «الإيمان، أركانه - حقيقته - نواقضه» صيغة مهمة من الفقيه الحنفي أحمد بن محمد الطحاوي (من 239 إلى 321 للهجرة، ومن 853 إلى 933 للميلاد) يفرق فيها تفرقة واضحة بين الموقف السني والمواقف غير السنية: «إننا لا نكفر أحدا من أهل القبلة (أي الذين يدينون بدين الإسلام) بسبب إثم ارتكبه ما لم يعلن أنه أمر مسموح به، ونحن لا نذهب إلى أن المؤمن إذا ارتكب إثما لا يضار بسببه.» ويفسر المؤلف ذلك بإيراد فقرة من شرح الفقيه الشافعي يحيى بن شرف النواوي (631-676 للهجرة/1233-1277 للميلاد) على صحيح مسلم يقول فيها إن كل من يموت موحدا فسوف يدخل الجنة في كل الأحوال. ويصدق هذا في حالتين: (أ) كل شخص بريء من الإثم، كالصغير والمجنون وكل من تاب عن إثمه توبة نصوحا، أو أنعم الله عليه بفضله فلم يغوه الإثم على الإطلاق، سيدخل الجنة مباشرة. (ب) كل شخص ارتكب الكبيرة ومات بغير أن يتوب عنها فهو خاضع لمشيئة الله، إن شاء عفا عنه وأدخله الجنة (مثل أعضاء الفئة أ) وإن أراد عاقبه كما يشاء، ثم أدخله الجنة بعد ذلك. وهكذا لا يخلد في النار من مات على دين الإسلام، مهما تكن الفواحش والآثام والكبائر التي ارتكبها في حياته الدنيا، ومن جهة أخرى لا يدخل الجنة من مات وهو كافر، مهما تكن الأعمال الصالحة التي قدمها (ياسين، المرجع السابق الذكر، ص123، والنواوي، المرجع السابق، الجزء الأول، ص217 وبعدها).
نلاحظ هنا وجود إجماع عام على العقاب الأبدي للكفار، مع استثناء واحد يمثله الشيخ محمود شلتوت في كتابه «الإسلام عقيدة وشريعة» الذي يتابع النهج الوضعي الذي أشرنا إليه من قبل، فيؤكد أنه لا يوجد في القرآن الكريم نص واضح عن خلود النار، فإذا كان من الواضح أن الكفار لن يغادروا جهنم ما بقيت نيرانها مشتعلة، فليس من الواضح أن عقابهم سيكون عقابا أبديا
Shafi da ba'a sani ba