والوجه الثالث من وجوه بصير أن يكون بمعنى مبصر فيكون ذلك على وجهين: أحدهما أن يكون معناه: هو مبصر للأشياء المبصرات مدرك لها كما قال الله ﷿: ﴿لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار﴾. فإدراك المرئيات وإبصارها سواء فيتعلق من هذا الوجه بالمبصر المدرك كما يقال: زيد ضريب لعمرو أي: يضرب عمرًا، أو قد ضربه، وزيد كفيل ببكر أي: قد كفل به أو يكفل به. وقد ذكرت لك أن سيبويه يجيز تعدي فعيل إلى المفعول بغير حرف الخفض إذا أريد به مذهب التعدي وغيره لا يجيز أن يتعدى إلا بحرف خفض كما ترى، وقد مضى شرح هذا.
والوجه الثاني: أن يكون تأويله أن الله ﷿ بصير للأشياء أي جاعل الأشياء المبصرة ذوات أبصار أي مدركة للمبصرات بما خلق لها من الآلة المدركة لذلك والقوة. فيقال: الله بصير لعباده أي جاعل عباده مبصرين للأشياء مدركين لها. فهذه ثلاثة أوجه للبصير سائغة في اللغة جائز وصف الله ﷿ بها.
والبصيرة في غير هذا المعنى الطريقة من الدم وقيل: هو مقدار يسير منه وجمعها بصائر. كماي قال: طريقة وطرائق، وسفينة وسفائن. قال الشاعر:
راحوا بصائرهم على أكتافهم ... وبصيرتي يعدو بها عتد وأي
يعيب قومًا أخذوا دية قتيل لهم وامتنع هو من أخذها. والعتد: الفرس الكريم المعد للركوب. والوأي: المجتمع الخلي من الخيل وهو الشديد من الإبل وغيرها.
قال ابن الإعرابي: البصيرة هاهنا ثقل الدم على أكتافهم حين أخذوا الدية ولم يأخذها هو.
1 / 67