احتجوا بوجوه:
أحدها: أن [الحكم المنسوخ] إما حسن فالنهي عنه قبيح، [أو قبيح] فابتداء شرع أقبح.
وجوابه أنه مبني على قاعدة: التحسين والتقبيح العقلي، وهي ممنوعة.
الثاني: أن النسخ يلزم منه البداء، وذلك يقتضي الجهل بعواقب الأمور، وهو على الله ﷿-محال.
وجوابه بمنع لزوم البداء من النسخ، وإنما هو بحسب اختلاف مصالح الخلق متعلقا ذلك كله بالعلم الأزلي، [ثم إن في توراة اليهود: إن الله-﷿-لما أرسل الطوفان أسف وندم، وقال: ما عدت أهلك الخلق به مرة أخرى، أو كما قال. فمن يندم ويأسف كيف يمتنع عليه البداء-على قولهم].
الثالث: أن موسى-﵇-نص على دوام شريعته وتأييدها ما دامت السماوات والأرض، وهو يقتضي أن لا ناسخ لها، فأحد الأمرين لازم، إما كذب خبر موسى، أو بطلان شرع من بعده.
وأجاب المسلمون عن هذا بجوابين؛
أحدهما: أن هذا من موضوعات ابن الراوندي، وضعه لليهود فتمسكوا به، وهو ضعيف؛ لأن النص عندهم موجود في التوراة، فلا حاجة لهم إلى وضع الراوندي.
الثاني: القدح في تواتر هذا الخبر بأن بختنصر لما فتح بيت المقدس حرق التوراة، وقتل اليهود حتى أفناهم؛ إلا يسيرا منهم، لا يحصل التواتر بخبره، فصار هذا الخبر آحادا لا يقبل في العلميات، وهذا قريب غير أنه ليس بشاف؛ لأنهم يدعون تواتره، وتواتر التوراة جميعها، ويمنعون ما ذكر من سبب انقطاع التواتر بأن بختنصر أسر نحو عشرة آلاف من بني إسرائيل منهم أربعة آلاف من أولاد الأنبياء مثل دانيال ونحوه، كلهم يحفظ/ [٣٥/ل] التوراة عن ظهر قلب.
والمختار في الجواب أن في التوراة نصوصا كثيرة وردت مؤبدة، ثم تبين أن المراد بها التوقيت بمدة مقدر كقوله: إذا خربت صور لا تعمّر أبدا: ثم إنها عمّرت بعد خمسين سنة.
ومنها: إذ أخدم العبد سبع سنين أعتق فإن لم يقبل العتق استخدم أبدا، ثم أمر بعتقه بعد مدة معينة، سبعين سنة أو غيرها. وإذا جاز في هذه النصوص المؤبدة أن يراد بها التوقيت، فلم لا يجوز في نص موسى على تأييد شريعته، وإلا فما الفرق؟
1 / 65