قوله-﷿: ﴿*أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ (٧٥) [البقرة: ٧٥].
وكذلك: ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اِسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ﴾ (٦) [التوبة: ٦] احتج به من ذهب إلى أن كلام الله-﷿-هو العبارات المسموعة بالحقيقة، إذ لا نعلم كلاما وراء ذلك، وأجاب الأشعرية بأن المراد يسمعون دليل كلام الله، لأن كلام الله-﷿-عندهم معنى قائم بذاته لا يفارقها كالعلم، وهذه العبارات المسموعة مخلوقة دليل عليه كالعالم حادث، وهو دليل على الصانع القديم، واحتجوا هم والمعتزلة على خلق المسموع بأنه مسموع وكل مسموع مخلوق عملا بالاستقراء في المسموعات، لكنه استقراء غير تام فلا يفيد اليقين، واحتجوا بأنه مؤلف من الحروف وكل مؤلف مخلوق، وفيه كلام يأتي بعد إن شاء الله-﷿.
وأصل الخلاف أن الكلام حقيقة في العبارات المسموعة، أو في المعنى القائم بالنفس، أو مشترك بينهما؟
فيه ثلاثة أقوال عن/ [٣١/ل] الأشعري.
فإن قيل: هو حقيقة في العبارات انبنى على أن الكلام صفة فعل أو ذات، فمن رآه صفة فعل قال: هو مخلوق كالمعتزلة، ومن رآه صفة ذات قال: هو قديم كالحنابلة، ومن رآه معنى قائما بالنفس قال: العبارات ليست بكلام بل هي دليل على الكلام وهي مخلوقة.
ومن قال: هو مشترك بينهما، قال: الذاتي قديم والنطقي مخلوق، وهذه من مسائل الصفات من أصول الدين.
﴿*ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ﴾ [البقرة: ٧٥].
وهذا ونحوه مثل: ﴿مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَاِسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَراعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاِسْمَعْ وَاُنْظُرْنا لَكانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاّ قَلِيلًا﴾ (٤٦) [النساء: ٤٦] عام أريد به الخاص؛ لأنهم لم يحرفوا جميع كلم التوراة، ولا جميع ما سمعوه من كلام الله-﷿-على الطور، وإنما حرفوا بعضه، وهو ما لهم في
1 / 59