قوله-﷿: ﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اِعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ﴾ (٦٥) [البقرة: ٦٥] هذا أمر تكوين واقتدار، وصيغة «افعل» تأتي على نحو من عشرين وجها منها هذا، وسنشير إلى الباقي في مواضعه إن شاء الله-﷿ وهذه تذكر في مسائل الأمر من أصول الفقه.
﴿وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُوًا قالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ﴾ (٦٧) [البقرة: ٦٧] هي مطلقة لدلالتها على ماهية البقرة من غير قيد، وفيه جواز التكليف والخطاب بالمطلق، ثم قد كان في علم الله-﷿-تقييدها بالقيود المذكورة بعد كالصفرة وعدم الشية ونحوها، فمن ثم احتج به من رأى جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب إلى وقت الحاجة إلى العمل خلافا لبعض الأصوليين (١)؛ لأن ذلك يوهم اعتقاد الخطأ.
وجوابه: أن ذلك وإن كان مفسدة لكن قد يتعلق به مصلحة نية الطاعة، والعزم على الامتثال وهي أرجح.
وقد يكون المجمل أجدر بحصول تلك المصلحة فلذلك جاز، والأكثرون على [أن] تأخير البيان عن وقت الخطاب وإلى وقت الحاجة/ [٣٠/ل] جائز، وعن وقت الحاجة ممتنع وهو الأظهر. وهذه من باب المطلق والمقيد والمجمل والمبين.
﴿فَقُلْنا اِضْرِبُوهُ بِبَعْضِها﴾ [البقرة: ٧٣].
أي: فضربوه ببعضها فعاش. ﴿كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى وَيُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [البقرة: ٧٣]، فيها مسائل:
الأولى: جواز الإضمار إذا اقتضاه ودل عليه الكلام؛ لأن ضرب الميت ببعضه وحياته ليس مذكورا هاهنا بل هو مقتضى الكلام ومدلوله، ومن هذا الباب ﴿*وَإِذِ اِسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اِضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اِثْنَتا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاِشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ (٦٠)
1 / 57