قلب الناظر، فنقول-الجواب-ومن الله-﷿-استمداد الحق والصواب: للناس أصول دين إذ دين لا أصل له فرع مجرد لا وثوق به، وأصول الدين هو العلم الباحث عن أحكام العقائد الإسلامية وجملتها لا تخرج عن الكلام في الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر، كما صرح به الكتاب والسّنّة، وهو موجود في كتب السلف مجردا، وفي كتب الخلف كالكتب المشار إليها في السؤال، ممزوجا بما ليس من أصول الدين، إما مزجا اضطراريا كجواب عن شبهة فلسفية، أو مزجا اختياريا كما ضمنه الإمام فخر الدين وغيره كتبهم من المباحث الفلسفية المستقلة، كالكلام في الفلكيات والعناصر والنفوس وغيرها، تكثيرا لسواد كتبهم، وتنبيها على فضائلهم، أو غير ذلك مما نووه، والأعمال بالنيات، ولكلّ امرئ ما نوى.
وأما ذم أئمة الشرع الاشتغال بأصول الدين، فتشكيك مجمل غير محرر، إذ كيف يذمون الاشتغال بعلم قد صنفوا وتكلموا فيه! ! وهو مستند دينهم! ! وقد أفتوا بأنه فرض كفاية في مذاهبهم، هذا مما لا يقبل عليهم، ولا يجوز صدوره منهم.
وطريق كشف هذه الشبهة أن أصول الدين لفظ مشترك أو كالمشترك، فتارة يراد به العلم الباحث عن تقرير أحكام العقائد الإسلامية بالحجج الشرعية المؤيدة بالبراهين العقلية، وهذا لم ينه عنه أحد، بل هو فرض كفاية على الموحدين.
وتارة يراد به العلم الباحث عن الأحكام العقلية المحضة الفلسفية والكلامية التي هي فضول في الشرع لا من ضروراته، ولا مكملاته فذلك الذي ذمه الأئمة؛ على أنهم إنما عبروا عنه بالكلام، ولم يذم أحد منهم أصول/ [٣ ب/م] الدين قط، وإنما ذموا الكلام المذكور لوجوه:
أحدها: أنه كما ذكرنا فضول في الدين.
الثاني: أن العقل بمجرده لا يستقل يدرك الحقائق، لأنه إنما جعل لإقامة رسم العبودية، لا لإدراك حقيقة الربوبية، فربما زلّ فضل كما جرى [لأكثر] / [٤ ب/ل] الفلاسفة والمتكلمين في غالب أحكامهم.
الثالث: أن صاحبه كالمزاحم لله-﷿-في الاطلاع على حقائق الموجودات، ودقائق المصنوعات فذموه لذلك، كما ذموا النظر في أحكام النجوم وعلى هذا فعلم الكلام صار محمودا باعتبار، مذموما باعتبار، كالجدل ورد الشرع بمدحه وذمه باعتبارين:
فمن حيث يستعمل لتحقيق الحق وإبطال الباطل هو محمود، ومن حيث يستعمل لعكس
1 / 14