يقال لهم هذا يتعلق به من لا عقل له ولا علم؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما كان في دار الخيزران ومعه ذلك النفر القليل، لا يقدرون أن يظهروا ما هم عليه من الإسلام، لا يدل ذلك أنهم على الباطل، بل هم على الحق، بل يدل على ضعفهم وقلتهم، وقوة أهل الباطل وكثرتهم، وقد روي في الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ» «1»، وروي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: «لا تقوم الساعة إلا على أشرار أمتي» «2» فإظهارهم لما هم عليه من التشبيه، ولغة المسلمين وتكفيرهم، لا يدل أنهم على الحق، كما أن كثرة الروافض وإظهارهم لما هم عليه وسب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في بلاد الشام وغيرها، وسكوت أهل السنة عنهم، لا يدل أنهم على الحق وأن أهل السنة على الباطل بل يدل على ذلك بجهل اقتراب الساعة وتصديق النبي صلى الله عليه وسلم، فيما أخبر به من قوله صلى الله عليه وسلم بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ، وقوله: «لا تقوم الساعة إلا على أشرار أمتي» «3» ومن شرهم لعنهم لأهل الحق وغيبتهم لهم، وتقبيح اسمهم عند العامة، وتلقيبهم لهم بالأشعرية، وقد روي في الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلا لعن الريح فقال له النبي صلى الله عليه وسلم «لا تلعنها فإنها مأمورة»، وإن من لعن شيئا ليس له بأهل رجعت اللعنه عليه. وروي في الخبر: «أن رجلا يعطى كتابا يوم القيامة، فلا يرى فيه حسنة، فيقول يا رب أين صلاتي، وصيامي، فيقال ذهب عملك كله باغتيابك للناس» «4»، قال الله عز وجل: ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان (الحجرات: من الآية 11)، وأما تلقيبهم لهم بالأشعرية،؟ فإن هذه التسمية لا توجب تكفيرهم، ولا لعنهم، فإنه اسم قبيلة من قبائل العرب، كقيس وفزارة وسليم، وقد روي في الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الأزد والأشاعرة هم مني وأنا منهم طيبة أفواههم لا يغلون، ولا يجبنون» «5» وروي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: «يقدم عليكم أقوام هم أرق منكم قلوبا» «6»، فقدم الأشعريون فيهم أبو موسى الأشعري، فلما اقتربوا من المدينة كانوا يرتجزون، ويقولون: وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل عليه قوله عز وجل: يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه (المائدة: من الآية 54) بقوم يحبهم ويحبونه. فقال بقضيبه الممشوق في ظهر أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: هم قومك يا أبا موسى أهل اليمن. ومعلوم بأدلة العقول أنه لم يظهر أحد من أولاد أبي موسى الأشعري إلا رد على جميع المبتدعة من المعتزلة والرافضة والمشبهة، وأبطل شبههم وما هم عليه غير الإمام أبي الحسن الأشعري، فأنبأ النبي صلى الله عليه وسلم به في الغيب، كما أنبأ عن الإمام الشافعي رضي الله عنه بقوله: «لا تسبوا قريشا فإن الله عز وجل يظهر فيهم رجلا يملأ الأرض علما» «1». وروي فإن عالمها يملأ الأرض علما. واتفق العلماء كلهم على أنه الإمام الشافعي رضي الله عنه، لأنه لم يكن في الأئمة قرشي غير الشافعي رضي الله عنه، فأنبأ في الغيب كما أنبأ عن الإمام أبي الحسن الأشعري رضي الله عنه، فمن كان في الفروع على مذهب الشافعي، وفي الأصول على اعتقاد الأشعري، فهو معلم الطريق وهو على الحق المبين كما أنشد بعض الأصحاب.
فأما قول الجهلة: نحن شافعية الفروع، حنبلية الأصول، فلم يعتد به لأن الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه، لم يصنف كتابا في الأصول، ولم ينقل عنه في ذلك شيء أكثر من صبره على الضرب والحسن حين دعته المعتزلة إلى الموافقة بخلق القرآن، فلم يوافق، ودعي إلى المناظر، والاقتداء بمن صنف في ذلك، وتكلم المبتدعة بالأدلة القاطعة والحجج الباهرة، أولى وأحرى، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم مع جلالة قدره، وعلم منزلته، وإظهاره المعجزات والدلائل والآيات لم يخل من عدو منافق، وحاسد فاسق ينسب إليه ما ليس هو عليه وأصحابه المقطوع لهم بالجنة، فكذلك فيمن نزلت درجتهم أولى وأحرى أن لا يسلم من ذلك. ينبغي للعاقل المكلف إذا سمع عن هذه الطائفة- أعني الأشعرية- ما ينفر قلبه عنهم، أن لا يبادر بالتصديق لذلك ، فليس تصديق من يصدقه أولى من تصديقهم في إنكارهم فيما ينسب إليهم من خلق القرآن وغيره، ولأن المسلم لا يجوز له أن يكفر المسلم بالتقليد من غير نص في حاله، ولا تثبت في أمره، قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتثبتوا- بقراءة من قرأ- أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين). فمن كان مقصوده معرفة ما أهل الحق عليه، والرجوع عن تكفيرهم ولعنهم، فليدبر ما أشرت إليه يصل إلى مقصوده.
والحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين، والله الموفق وعليه التكلان وبه المستعان.
Shafi 405