ثم يقال لهم: الشجاعة ليس فيها فضل، الدليل عليه لو أن الشجاع تخلف عن الجهاد وجاهد الجبان لكان الفضل للجبان لا للشجاع المتخلف، ثم لو جاهدا جميعا وقلنا الفضل للجبان كان غير بعيد، لأن الجبان يقاسي من المشقة ما لا يقاسيه الشجاع الذي له دربة بالحرب، فإذا قلنا إن الجبان أفضل لما يناله من المشقة في كر وفر يكون غير بعيد، وكذلك القرابة أيضا ليس فيها فضل لأن الإنسان يكسب الفضل بما يفعله بنفسه قال الله عز وجل وأن ليس للإنسان إلا ما سعى (النجم: 39) والقرابة شيء إلى الله عز وجل، ليست مما يكتسب العبد فضلا وغيره، والدليل عليه أن والد النبي صلى الله عليه وسلم ووالدته في النار، فلو أن القرابة تفيد شيئا لأفادتهما، لأنهما أقرب من غيرهما. وقد روى في الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال-: لفاطمة- عليها السلام- «إن أردت اللحوق بي فعليك بكثرة السجود» «2» أحالها على العمل لا على النسب والقرابة، ولو أن القرابة ينال بها فضلا لكان العباس أفضل من علي، لأن العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم، وعلي ابن عمه والعم أقرب من ابن العم، وعلي أفضل من العباس فدل على أن الفضل بمعنى آخر ليس بالقرابة، وهو ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن ربكم واحد وإن أباكم واحد كلكم لآدم وآدم من تراب ليس لعربي فضل على عجمي» «1» إن أكرمكم عند الله أتقاكم (الحجرات: من الآية 13).
فإن قيل: علي أعلم من أبي بكر رضي الله عنهما لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أنا مدينة العلم، وعلي بابها، فمن أراد المدينة فليقصد الباب» «2» يقال لهم: هذا الخبر إما أن يكون علي رواه أو غيره؟ فإن كان غير علي رواه فهذا علم من العلوم قد علمناه من غير الباب وإذا جاز أن يعلم علم من العلوم من غير الباب جاز أن يعلم جميعها أو أكثرها من غير الباب، وإن كان علي قد رواه فهذه شهادته لنفسه وشهادة الرجل لنفسه لا تقبل، فدل على أن الخبر له معنى غير ما ذهبوا إليه وقوله عليه الصلاة والسلام: «أنا مدينة العلم وعلي بابها» «3» لم يرد علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وإنما أراد بقوله «علي بابها» أي رفيع بابها وعظيم شأنها كقوله تعالى: هذا صراط علي مستقيم الحجر (41) بقراءة يعقوب الحضرمي، أي رفيع مستقيم، فيكون علي هاهنا بمعنى عال كما قال امرؤ القيس:
مكر مفر مقبل مدبر معا ... كجلمود صخر حطه السيل من عل
أي من عال، وإذا كان بمعنى عال فلا حجة لهم فيه.
والدليل على أن أبا بكر رضي الله عنه أعلم وأفضل قوله صلى الله عليه وسلم: «يؤمكم أعلمكم وأفضلكم» «4».
ثم لما وقع صلى الله عليه وسلم في النزع وحضر وقت الصلاة قال: «مروا أبا بكر فليصل بالناس» «5» يقول علي رضي الله عنه: كنت حاضرا بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وما كنت غائبا فقال: مروا أبا بكر فليصل بالناس وتركني، رضينا لدنيانا ما رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا.
Shafi 397