والخفي، لأن ذلك جمع بين دليلين، ومتى أمكن الجَمْع بين دليلين كان أولى من اطِّرَاح أحدهما، والأخذ بالآخر، لأن الأدلة إِنما اقتضت الأخذ بها، والحكم بمقتضاها، فلا يجوز اطراح شيء منه ما أمكن استعماله.
فَصْلٌ
وقد يقع التخصيص بمعان من أفعال النبي ﷺ وإقراره على الحكم، وما جرى مَجْرَى ذلك ولا يقع التخصيص بمذهب الراوي، وذلك مثل ما روى ابْنُ عُمَرَ عن النبي ﷺ أنه قال: "الْمُتَبَايِعَانِ بِالخِيَارِ مَا لَمْ يَفتَرَقَا".
وقال ابْنُ عُمَر: التفريق بالأبدان.
وذهب بعض أصحابنا وأصحاب الشافعي إِلى أنه يقع التخصيص بذلك.
وذهب مالك ﵀ إلى أنه لا يقع به التخصيص، وهو الصحيح، لأن الأحكام لا تؤخذ إِلا من قول صاحب الشرع، ولا يجوز أن يطرح قول صاحب الشرع لقول غيره.
فَصْلٌ
هذا الكلام في اللفظ العالمين الوارد ابتداء.
فأمَّا الوارد على سبب فَإِنَّه على ضَرْبَيْن مستقلّ بِنَفْسِهِ، وغير مستقلّ بِنَفْسِهِ.
فأما المستقلّ بنفسه، مثل ما روى النبي ﵇ أَنَّه (سُئِلَ عن بِئْرِ بضَاعَةَ)، فقال: "المَاءُ طَهُورُ لا ينَجِّسُهُ شَيءٌ".
فمثل هذا اللفظ العام اختلف أصحابنا فيه، فروي عن مالك ﵀ أنه يقصر على سببه، ولا يحمل على عمومه، وروي عنه أَيضًا أنه يحمل على عمومه، ولا يقتصر على سببه.
وإليه ذهب إِسْمَاعِيلُ القاضي، وأكثر أصحابنا.
الدليل على ذلك أن الأحكام متعلّقة بلفظ صاحب الشرع دون السبب، لأن لفظ صاحب الشرع لو انفرد لتعلّق به الحكم، والسبب لو انفرد لم يتعلّق به حكم، فيجب أن يكون الاعتبار بما يتعلّق به الحكم دون ما لا يتعلّق به.
1 / 63