فَصْلٌ
إذا وردت لفظة "افعل" بعد الحَظر اقتضت الوجوب أَيضًا على أصلها، وقال جماعة من أصحابنا: إِنها تقتضي الإباحة، وبه قال بعض أصحاب الشَّافِعِيّ والدليل على ما نقوله إنا قد أجمعنا على أن لفظ الأمر بمجرده يقتضي الوجوب، وهذا لفظ الأمر مجردًا، فوجب أن يقتضي الوجوب، وتقدم الحظر على الأمر لا يخرجه عن مقتضاه، كما أن تقديم الأمر على الحظر لا يخرجه عن مقتضاه.
فَصْلٌ
الأمر المطلق لا يقتضي الفور وإليه ذهب القَاضِي أَبُو بكرِ البَاقِلانِيُّ، وذكر مُحَمَّد بْنُ خُوَيْزِ مِنْدَاد أنه مذهب المغاربة من المالكية وقال أكثر المالكية، من البغداديين إِنَّه يقتضي الفور.
والدليل على ما نقوله إن لفظة "افعل" لا تتضمن الزمان إلا كتضمن الأخبار عن الفعل للزمان، ولو أَن مخبرًا يخبر أنه يقوم لم يكن كاذبًا إِذا وجد منه قيامه متأخرًا، فكذلك من أمر بالقيام لا يكون تاركًا لما أمر به إِذا وجد منه القيام متأخرًا، فإذا ثبت ذلك، فإن الواجب على التَّراخي حالة يتعيَّن وجوب الفعل فيها، وهو إِذا غلب على ظَنِّهِ فوات الفعل، وتجري إِباحة تأخير الفعل للمكلف مَجْرَى إِبَاحَةِ تعزير الإِمام للجاني، وتأديب المعلّم للصَّبِي إِذا لم يغلب على الظن هَلَاكه، فإِذا غلب على الظن هلاكه حرم ذلك.
فَصْلٌ
إِذا نسخ وجوب الأمر جاز أن يحتج به على الجواز، ومنع من ذلك القاضي أَبُو مُحَمَّدٍ.
والدليل على ما نقوله إن الأمر بالفعل يقتضي وجوب الفعل وجوازه، والجواز ألزم بالفعل؛ لأنه قد يكون جائزًا، ولا يكون واجبًا ومحال أن يكون واجبًا ولا يكون جائزًا، لأنه مستحيل أن يُؤْمَرَ بفعل ما لا يجوز له فعله.
ومعنى الجائز ههنا ما وافق الشرع.
فإِذا ثبت ذلك ونسخ الوجوب خاصة بقي على حكمه في الجواز؛ لأن النسخ لم يتعلق بالجواز، وإنما يتعلق بالوجوب دونه.
1 / 57