الأول، وبعد الصلاة له أوراد لا يبرح عنها في سفر ولا حضر، منها أوراد الصباح والمساء الواردة في السنة، فإنه كان يقرأها صباحًا ومساءً، ومنها أنه يقرأ في كل يوم من القرآن جزءًا، فيختم في كل ثلاثين يومًا القرآن بتمامه، وكان حسن الخُلق، يغلب عليه الزهد والِإعراض عن الدنيا، وكان إذا تصعب أمر بين الناس من حقوق وغيرها بمجرد حضوره وتكلمه فيه ينقضي أمره على أحسن حال، وذلك لصفاء نيته وحسن سريرته.
وفي سنة سبع وستين ومائتين وألف توجهت معه إلى الحجاز، وكانت هذه المرة له المرة الثالثة، ورأيت منه في السفر ما يدل على سُمو درجته، وكان له مع علماء الحجاز مذاكرات علمية، وأبحاث شريفة
سنية، وكانوا يشهدون له بالفضل.
ولو أردت أن أذكر في هذه الكتابة ما حواه من الشمائل وما لديه، لأفضى الأمر إلى قَصْرِ هذا الكتاب عليه، ولكن ما لا يذكر كله، لا يترك كله.
وفي ثاني وعشرين من شعبان سنة اثنتين وسبعين ومائتين وألف مرض في داء ذات الجنب، وفي ليلة رمضان سأل عن إثبات الشهر، فأخبرناه بإثباته فشرب في السحر ونوى، وأصبح يُعالج سكرات الموت، فوضع له بعض عياله نقطة ماء في فمه، ففتح عينيه ومسح فمه، وأمرهن بالِإشارة بعدم العود لمثل ذلك. ومات ﵁ قبل الغروب بساعة ونصف، وكان آخر كلامه من الدنيا الذكر، وكان نزوله لرمسه مع قول المؤذن للمغرب الله أكبر، وقد حضر مشهد جنازته جمع عظيم، وعدد
جسيم، وما ترى منهم إلاَّ من دموعه ساكبة، وأحزانه متفاقمة دائبة، وأسفه متزايد، وزفيره متصاعد، وذلك كما تقدم في غرة رمضان سنة
1 / 13