إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول
إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول
Bincike
الشيخ أحمد عزو عناية، دمشق - كفر بطنا
Mai Buga Littafi
دار الكتاب العربي
Lambar Fassara
الطبعة الأولى ١٤١٩هـ
Shekarar Bugawa
١٩٩٩م
وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَيْسَتْ عَلَى عُمُومِهَا؛ إِذْ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ مِثْلَ الْجُنُبِ، وَالْمُحْدِثِ، مَأْمُورَانِ بالصلاة، بل هي مفروضة في جزء مِنْهَا، وَهُوَ أَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِالشَّرَائِعِ، أَيْ: بِفُرُوعِ الْعِبَادَاتِ عَمَلًا عِنْدَ الْأَوَّلِينَ، لَا عِنْدَ الْآخِرِينَ.
وَقَالَ قَوْمٌ مِنَ الْآخِرِينَ: هُمْ مُكَلَّفُونَ بِالنَّوَاهِي؛ لِأَنَّهَا أَلْيَقُ بِالْعُقُوبَاتِ الزَّاجِرَةِ، دُونَ الْأَوَامِرِ.
وَالْحَقُّ: مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْأَوَّلُونَ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ.
وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِأَمْرِ الْإِيمَانِ؛ لِأَنَّهُ مَبْعُوثٌ إِلَى الْكَافَّةِ، وَبِالْمُعَامَلَاتِ أَيْضًا.
وَالْمُرَادُ بِكَوْنِهِمْ مُخَاطَبِينَ بِفُرُوعِ الْعِبَادَاتِ: أَنَّهُمْ مُؤَاخَذُونَ بِهَا فِي الْآخِرَةِ، مَعَ عَدَمِ حُصُولِ الشَّرْطِ الشَّرْعِيِّ، وَهُوَ الْإِيمَانُ.
اسْتَدَلَّ الْأَوَّلُونَ بِالْأَوَامِرِ الْعَامَّةِ كقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُم﴾ ١ وَنَحْوِهَا، وَهُمْ مِنْ جُمْلَةِ النَّاسِ.
وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِمَا وَرَدَ مِنَ الْوَعِيدِ لِلْكُفَّارِ عَلَى التَّرْكِ كقوله تعالى: ﴿مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ، قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّين﴾ ٢.
لَا يُقَالُ: قَوْلُهُمْ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، لِجَوَازِ كَذِبِهِمْ؛ لأنا نقول: ولو كَذَبُوا لَكُذِّبُوا.
وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ، الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ﴾ ٣.
وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا، يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا﴾ ٤.
وَالْآيَاتُ وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا الْبَابِ كَثِيرَةٌ جِدًّا.
وَاسْتَدَلَّ الْآخِرُونَ بِأَنَّهُمْ: لَوْ كُلِّفُوا بِهَا لَصَحَّتْ؛ لِأَنَّ الصِّحَّةَ مُوَافَقَةُ الْأَمْرِ، "وَلَأَمْكَنَ"* الِامْتِثَالُ؛ لِأَنَّ الْإِمْكَانَ شَرْطٌ، وَلَا يَصِحُّ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ مَانِعٌ، وَلَا يُمْكِنُ الِامْتِثَالُ حَالَ الْكُفْرِ، لِوُجُودِ الْمَانِعِ، وَلَا بَعْدَهُ، وَهُوَ حَالُ الْمَوْتِ، لِسُقُوطِ الْخِطَابِ.
وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ غَيْرُ مَحَلِّ النِّزَاعِ؛ لِأَنَّ حَالَةَ الْكُفْرِ لَيْسَتْ قَيْدًا لِلْفِعْلِ فِي مُرَادِهِمْ بالتكليف به
_________
* في "أ": أو لأمكن.
_________
١ الآية ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [رقم ٢١: من سورة البقرة] .
٢ الآيتان من سورة المدثر رقمهما "٤٢-٤٣".
٣ هما جزء من آيتين في صورة فصلت رقمهما "٦-٧".
٤ هما جزء من آيتين في سورة الفرقان، رقمهما "٦٨-٦٩".
1 / 34