إيقاظ أولي الهمم العالية
إلى اغتنام الأيام الخالية
تأليف
الفقير إلى عفو ربه
عبد العزيز بن محمد السلمان
غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين
من أراد طباعته لوجه الله تعالى لا يريد به عرضا من الدنيا فقد أذن له وجزاه الله عني وعن المسلمين خيرا، أسأل الله الكريم العلي العظيم الرؤف الرحيم أن ينفع به من قرأه ومن سمعه وأن يأجر من دل عليه أو سعى به إلى من ينتفع به، اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
Shafi 1
وقف لله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي من علينا بالإيمان والإسلام، وتفضل ببيان الشرائع والأحكام، ووعد من أطاعه واتبع رضاه الثواب في دار السلام.
وأوعد من عصاه بالعقاب في دار الهوان والانتقام.
نحمده على ما أفاض علينا من الأنعام، ونشكره شكر المنعم واجب على الأنام.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك العلام.
ونشهد أن محمدا عبده ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وأصحابه السادة الأعلام.
وبعد؛ فإني قد جمعت بعون الله وتوفيقه في كتابي هذا فوائد ومواعظ ونصائح وحكما وأحكاما ووصايا وآدابا وأخلاقا فاضلة من كلام الله جل جلاله وتقدست أسماؤه، ومن كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومن كلام أئمة السلف، وصالح الخلف الذي امتثلوا في أفعالهم وأقوالهم ما قاله الله جل جلاله، وما قاله رسوله - صلى الله عليه وسلم -.
وجمعت مما قاله الحكماء والعلماء والعباد والزهاد أنواعا جمة في فنون مختلفة وضروب متفرقة ومعاني مؤتلفة، بذلت في ذلك جهدي حسب معرفتي وقدرتي.
لكن قدره مثلي غير خافية ... والنمل يعذر في القدر الذي حملا
اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء، وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير.
يا الله يا حي ويا قيوم يا من لا تأخذه سنة ولا نوم.
يا بديع السموات والأرض.
فالق الحب والنوى ذا الجلال والإكرام.
الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد.
الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور الأول الآخر الظاهر الباطن الذي أحاط بكل شيء علما.
القوي العزيز الرحمن الرحيم الغفور الودود ذا العرش المجيد المبدؤ المعيد الفعال لما يريد.
Shafi 3
نسألك أن تجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم وأن تفتح لدعائنا باب القبول والإجابة.
وأن تنفع بهذا الكتاب من قرأه ومن سمعه وأن تأجر من طبعه أو أعان على طبعه.
أو تسبب لطبعه وقفا لوجهك الكريم يوزع على من ينتفع به من المسلمين.
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ...
Shafi 4
عبدالعزيز آل محمد السلمان فصل في الحكمة
قال الله تبارك وتعالى: {يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر إلا أولوا الألباب}، وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما أهدى المرء المسلم لأخيه هدية أفضل من حكمة يزيده بها هدى ويرده بها عن ردى» أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان»، وأبو نعيم في «الحلية».
وقال -عليه الصلاة والسلام-: «أوتيت جوامع الكلم واختصرت لي الحكمة اختصارا».
في «الصحيحين»: عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «بعثت بجوامع الكلم».
وعن ابن مسعود قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها» رواه البخاري ومسلم.
وقيل: إن في التوراة أن الله قال لموسى -عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام-: «عظم الحكمة فإني لا أجعل الحكمة في قلب عبد إلا وأوردت أن أغفر له فتعلمها، ثم اعمل بها، ثم ابذلها كي تنال بذلك كرامتي في الدنيا والآخرة».
وخرج أبو يعلى الموصلي من حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إني أوتيت جوامع الكلم وخواتمه واختصر لي الكلام اختصارا»، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «أعطيت جوامع الكلم واختصر لي الحديث اختصارا».
وقال لقمان: إن القلب ليحيا بالكلمة من الحكمة كما تحيا الأرض بوابل المطر.
وقال أبان بن سليم: كلمة حكمة من أخيك خير لك من مال يعطيك.
Shafi 5
وقال بعض الحكماء: الحكمة صديقة العقل، وميزان العدل، وعين البيان، وروضة الأرواح، ومزيحة الهموم عن النفوس بإذن الله، وأنس المستوحش، وأمن الخائف، ومتجر الرابح، وحظ الدنيا والآخرة بإذن الله لمن وفقه الله، وسلامة العاجل والآجل لمن وفقه الله.
وقال آخر: الحكمة نور الأبصار، وروضة الأفكار، ومطية الحلم، وكفيل النجاح، وضمين الخير والرشد، والداعية إلى الصواب، والسفير بين العقل والقلوب.
لا تندرس آثارها ولا تعفو ربوعها كل ذلك لمن وفقه الله تعالى.
وروي عن الشعبي أنه قال: لو أن رجلا سافر من أقصى الشام إلى أقصى اليمن ليسمع كلمة واحدة ينتفع بها فيما يستقبل من عمره ما رأيت أن سفره قد ضاع.
وقال بعض العلماء: من تفرد بالعلم لم توحشه الخلوة، ومن تسلى بالكتب لم تفته سلوة، وإن هذه القلوب تمل كما تمل الأبدان فابتغوا لها طرائف الحكمة.
والحكمة موقظة للقلوب من سنة الغفلة، ومنقذة للبصائر من سنة الحيرة ومحيية لها بإذن الله من موت الجهالة ومستخرجة لها من ضيق الضلالة لمن وفقه الله تعالى، والله أعلم، وصلى الله على محمد.
حكم وفوائد ومواعظ
قيل لبعض العلماء: لم تركت مجالسة الناس؟ قال: ما بقي إلا كبير يتحفظ عليك أو صغير لا يوقرك.
من سوء الأدب في المجالسة: أن تقطع على جليسك حديثه أو تبدره إلى تمام ما ابتدأ به تريه أنك احفظ له منه.
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «المجالس بالأمانة، وإنما يتجالس الرجلان بأمانة الله -عز وجل- فإذا تفرقا فليستر كل منهما حديث صاحبه».
روي عن عيسى عليه السلام أنه قال: جالسوا من تذكركم بالله رؤيته، ويزيد في علمكم منطقه، ويرغبكم في الآخرة عمله.
Shafi 6
قال مسعر بن كدام: رحمن الله من أهدى إلي عيوبي في ستر بيني وبينه، فهو الناصح، فإن النصيحة في الملأ تقريع.
إياك وكل جليس لا يفيدك علما ولا تكسب منه خيرا، وإياك وطول المجالسة لمن لا يفيدك علما نافعا، فإن الأسد إنما يجترؤ عليها من أدام النظر إليها.
وقيل: أزهد الناس بالعالم أهله وجيرانه لكثرة الاتصال بينهم، كل شيء إذا تكرر يمل إلا كلام الله وكلام رسله.
جمي الكتب يدرك من قراها ... ملال أو فتور أو سآمة
سوى القرآن فافهم واستمع لي ... وقول المصطفى يا ذا الشهامة
وقال آخر: يا بني لا تمكن الناس من نفسك، فإن أجرأ الناس على السباع أكثرهم لها معاينة.
قال الشاعر:
رأيت حياة المرء ترخص قدره ... فإن مات أغلته المنايا الطوائح
كما يخلق الثوب الجديد ابتذاله ... كذا تخلق المرء العيون اللوامع
وقال بعض العلماء يصف أهل بلده:
يرون العجيب كلام الغريب ... وأما القريب فلا يعجب
وجوابهم عند تعنيفهم ... مغنية الحي لا تطرب
من التواضع الرضا بالدون من المجلس.
ويروى عن ابن مسعود أنه قال: إن من التواضع أن ترضى بالدون من المجلس، وأن تبدأ السلام من لقيت.
قال إبراهيم النخعي: إن الرجل ليجلس مع القوم فيتكلم بالكلام يريد الله به فتصيبه الرحمة فتعم من حوله.
وإن الرجل يجلس مع القوم فيتكلم بالكلام يسخط الله به فتصيبه السخطة فتعم من حوله.
وقال - صلى الله عليه وسلم -: «ويل للذي يحدث الناس فيكذب ليضحكهم ويل له ثم ويل له».
Shafi 7
قلت: وفي زمننا هذا قد كثروا جدا فكن على حذر منهم ومن يتصل بهم عافنا الله وإياك من شرهم، والله أعلم، وصلى الله على محمد.
فصل في حكم وفوائد ومواعظ ووصايا ينبغي الاعتناء بها
أجل السرور رضى الرب جل وعلا وتقدس.
أغنى الغنا صحة العقيدة والفقه في الدين.
القلوب الفارغة من طاعة الله موكلة بالشهوات.
أفضل أمر الدين والدنيا وأشرفه العلم النافع والعمل الصالح والعلم النافع ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
أفضل ما في الآخرة رضى الله ورؤيته وسماع كلامه.
ومما أوصى به بعضهم ما يل:
لا تمل مع الهوى وحلاوة الدنيا فإنهما يصدانك عن الشغل بمعادك وتكون كالغريق المشتغل عن التدبير لخلاص نفسه بحمل بضاعة ثقيلة قد اغتر بحسنها وهي سبب عطبه.
وقال: أبعدوا عن مخالطة الخونة والفسقة ومبتغي الملاهي والضلال وأصحاب البدع كالأشاعرة والرافضة والمعتزلة والجهمية والصوفية المنحرفة.
واحذر أن تغتر بقول المغفلين نخالطهم لنجذبهم إلى الاستقامة وهذا غلط.
أهل البدع والفسقة وأصحاب الملاهي كأصحاب الكورة والتلفاز والفيديو مجالستهم تضر وهم مرضاء عقول.
والصحيح هو الذي يتضرر بمخالطة المريض، وأما المريض فلا يبرأ بمخالطة الصحيح، وقديما قيل:
وما ينفع الجرباء قرب صحيحة ... إليها ولكن الصحيحة تجرب
يبقى الصالح صالحا حتى يصاحب فاسدا، فإذا صاحبه فسد مثل مياه الأنهار تكون حلوة عذبة حتى تخالط ماء البحر، فإذا خالطته ملحت وامترت وفسدت.
Shafi 8
ولكن الدعاية إلى مخالطة أهل المنكر لجذبهم عنه خدعة من إبليس وأتباعه لسخفاء العقول.
فكم أوقعوا في هذه الشبكة من مغفل زعم أنه يجذبهم فجذبوه وأغرقوه وبقي في الحسرة والندامة.
وقال: اعلموا واستيقنوا أن تقوى الله سبحانه وتعالى هي الحكمة الكبرى والنعمة العظمى والسبب الداعي إلى الخير والفاتح لأبواب الفهم والعقل والخير.
كيف الرحيل بلا زاد إلى وطن ... ما ينفع المرء فيه غير تقواه
من لم يكن زاده التقوى فليس له ... يوم القيامة عذر عند مولاه
وقال: استشعروا الحكمة، وابتغوا الديانة، وعودوا أنفسكم الوقار والسكينة، وتحلوا بالآداب الحسنة الجميلة، وترووا في أموركم، ولا تعجلوا ولاسيما في مجازاة المسيء.
واجعلوا خشية الله حشو جنوبكم في الحكم، واحذروا النفاق والرياء ولا تزكوا الخونة ولا تخونوا الأزكياء.
وقال: إذا جادلكم المخالفون لكم في الدين بالفضاضة والغلظة وسوء القول فلا تقابلوهم بمثل ذلك، بل قابلوهم بالرفق واللين واللطف والدلالة والهداية.
قال الله جل وعلا لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن}.
وقال جلا وعلا وتقدس: {ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم * وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم}.
وقال عز من قائل في صفة أهل العبودية الخاصة: {وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما}، وقال: {وإذا مروا باللغو مروا كراما}، وقال جل وعلا وتقدس: {والذين هم عن اللغو معرضون}، وقال عز من قائل: {وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين}.
Shafi 9
إذا نطق السفيه فلا تجبه ... فخير من إجابته السكوت
سكت عن السفيه فظن أني ... عييت عن الجواب وما عييت
وقال حكيم: أكثروا من الصمت في المحافل ولا تطلقوا ألسنتكم بحضرة المتحفظين عليكم بما عسى أن يجعلوه سلاحا يضربونكم به وأقلوا المراء والهذر والفضل من القول.
واحذروا مصاحبة الأشرار، وأصحاب البدع في الدين، والحساد، والمشتغلين على العداوة والأحقاد والجهال.
وإذا هممتم بالخير فقدموا فعله لئلا يعارضكم سواه فتوقفوا عنه، قال الشاعر:
وإذا هممت بأمر سوء فاتئد ... وإذا هممت بأمر خير فاعجل
وقال: اتفقوا، وتحابوا في الله، وثابروا على الأعمال الصالحة من صيام وصلاة مع الجماعة وزكاة وحج ببصائر صافية ونية نقية صالحة غير متقسمة ولا مشوبة، وتوادوا على طاعة الله عز وجل والتقوى له، واسعوا للخير، وافعلوا له، واجتهدوا فيه، والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وسلم.
فصل
عباد الله: احرصوا على تأديتكم لفرائض الله بالكمال والتمام والخشوع والخضوع، من غير عجب ولا استكبار، وإياكم والتفاخر والتكاثر.
وعليكم بالسكينة والإخبات والتواضع لتستثمروا الخير من عمالكم، وتفوزوا برضاء ربكم.
وإذا فرط من الإنسان بادرة إثم بأن ارتكب منكرا فعليه أن يقلع فورا ويتوب توبة نصوحا ولا تحمله السلامة منها على العودة إليها.
فإنها وإن سترت عليه في الدنيا، فإن أمامه يوم الدين يوم المجازات على الأعمال، قال الله جل وعلا وتقدس: {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره}.
وأوصيكم بالتمسك بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -.
Shafi 10
قال الله جل وعلا وتقدس: {فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم}، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ».
وتأدبوا بأدابهما، أي الكتاب والسنة، واقتدوا بالعلماء العاملين بعلمهم الذي جعلوا الدنيا مطية للآخرة.
واحذروا كل الحذر من المتسمين بالعلم الذين هدفهم الدنيا فقط، فضررهم عظيم وتحرزوا من المآكل الخبيثة، فإن الله طيب لا يقبل إلا طيبا.
واحتشموا المكاسب الدنيئة، فإنها سبب لعدم قبول الدعاء.
اجمعوا بين محبة الديانة والحكمة وقفوا نفوسكم على تعلمها.
وإن قدرتم على أن يكون زمان مقامكم في هذه الدنيا مصروفا بأسره إلى العمل بالكتاب والسنة فافعلوا.
ومتى كنتم بهذه الصفة سهل عليكم ما يصعب على غيركم، وكان ما يحصل لكم من شرف الفضيلة أنفع من ذخائر الأموال؛ لأن عروض الدنيا تفنى ولا تبقى وثواب الله يبقى ولا يفنى.
قال الله جل وعلا وتقدس: {بل تؤثرون الحياة الدنيا * والآخرة خير وأبقى}، وقال جل وعلا وتقدس: {وما عند الله خير للأبرار} عباد الله ساووا بين ظواهركم وبواطنكم في المخاطبات بينكم، ولا تكن ألسنتكم مخالفة لضمائركم.
ولا تخالفوا الرأي الصواب، ومشاورة النصحاء؛ لتأمنوا من الندامة، ويسلموا من الملامة.
ولتكن أفواهكم مملوءة بحمد الله، وذكره، وشكره، والثناء عليه وتقديسه وتنزيهه عن النقائص والعيوب.
وليكن همكم مصروفا إلى طاعة ربكم سبحانه وتعالى، واجتهدوا في دعائه بقلوب سليمة، واعتقادات مستقيمة.
Shafi 11
يستجب لكم، ويبلغكم آمالكم، ويفتح لكم أبواب الرشد في مساعيكم ومتوجهاتكم، ويعصمكم من أفكار السوء، ويحفظ أنفسكم من المكاره، وينجيكم من فخاخ الآثام، ويرد عنكم المخاوف، فما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها.
وقال: اكتسبوا الأصدقاء، وقدموا الاختبار لهمن قبل الاستنامة إليهم، ولا تعجلوا بالثقة بهم قبل الاختبار، لئلا يلحقكم الندم والأسف، وتنالكم منهم المضرة.
أبل الرجال إذا أردت إخاءهم ... وتوسمن أمورهم وتفقد
فإذا ظفرت بذي الأمانة والتقى ... فبه اليدين قرير عين فاشدد
صحبة أهل الصلاح تورث في القلب الصلاح، وصحبة أهل الشر والفساد تورث في القلب الفساد.
أخوك من عرفك العيوب، وصديقك من حذرك من الذنوب.
كان بعض العلماء لا يدع أحدا يغتاب في مجلسه أحدا، يقول: إن ذكرتم الله أعناكم، وإن ذكرتم الناس تركناكم.
وقال آخر: لا تكن وليا لله في العلانية وعدوه في السر.
وقال: كل ما شغلك عن الله عز وجل من أهل ومال وولد فهو عليك شؤم.
إذا كانت الآخرة بالقلب جاءت الدنيا تزاحمها وإذا كانت الدنيا بالقلب لم تزاحمها الآخرة؛ لأنها كريمة، فاجعل الآخرة في قلبك.
ومن أعطاه الله فضلا في دنيا فليحمد الله، وليكثر من شكره وذكره، ولا يفخرن به على أخيه، ولا يتداخله الكبر والعجب والتعاظم.
وقال: لا تبدر منكم عند الغضب كلمة الفحش، فإنها تزيد العار والمنقصة، وتلحق بكم العيب والهجنة، وتجر عليكم المآثم والعقوبة.
وقال: خير الملوك شرفا من بدل سنة السوء في مملكته بالسنة الصالحة، وشرهم من بدل السنة الصالحة الحسنة بالسنة السيئة.
والدليل على غريزة الجود السماحة عند العسرة ومعنى العسرة (الضيق والشدة).
Shafi 12
والدليل على غريزة الورع الصدق عند السخط والبعد عن الشبهات ومواضع الريب والإكثار من ذكر الله وحمده وشكره والتفتيش على المآكل والمشارب والملابس ونحوها بدقة.
والدليل على غريزة الحلم العفو عند الغضب.
ومن أعظم الناس مصيبة من لم يكن عقل ولا حكمة، ولا له في الأدب رغبة.
لا يبخل بالعلم على مستحقيه إلا جاهل قليل العلم، وإن لم يكن قليل العلم فهو دنيء الهمة حساد.
ومن جاد بالعلم والحكمة فهو أفضل ممن جاز بالمال وأبقى لذكره؛ لأن المال يفنى والعلم يبقى، والله أعلم، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
فصل يحتوي على حكم وآداب متنوعة
ما ينبغي للعالم أن يطلب طاعة غيره وطاعة نفسه ممتنعة عليه.
يا أيها الرجل المعلم غيره ... هلا لنفسك كان ذا التعليم
تصف الدواء لذي السقام من الضنى ... كيما يصح به وأنت سقيم
ما زلت تلقح بالرشاد عقولنا ... عظت وأنت من الرشاد عديم
إذا وليت أمرا فأبعد عنك الأشرار والفسقة والمجرمين، فإن جميع عيوبهم تنسب إليك رضيت أم سخطت.
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه ... فكل قرين بالمقارن يقتدي
آخر:
فإن قرين السوء يردي وشاهدي ... كما شرقت صدر القناة من الدم
الحكمة كالجواهر في الصدف في قعور البحار، فلا تنال إلا بالغواصين الحذاق.
العاقل لا تدعه عيوبه يفرح بما ظهر من محاسنه.
النصح بين الناس تقريع.
إعادة الإعتذار تذكير للذنب وما عفا عن الذنب من ويخ به.
Shafi 13
رب كلام جوابه السكوت، ورب عمل الكف عنه أفضل، ورب خصومة الإعراض عنها أصوب.
الدنيا تهين من كانت تكرمه ... والأرض تأكل من كانت تطعمه
نمير من أمنا الغبراء ميرتنا ... وللبسيطة من أجساد نامير
أمر الدنيا أقصر من أن تتعادى فيه النفوس، وأن تتفانا وأن تطاع فيه الضغائن والأحقاد.
وقال: لا يستطيع أحد أن يجد الخير والحكمة إلا أن تخلص نفسه في المعاد، ولا خلاص له إلا أن تكون له ثلاثة أشياء: وزير، وولي، وصديق.
فوزيره عقله، ووليه عفته، وصديقه عمله الصالح.
الجود أن تجود بمالك، وتصون نفسك عن مال غيرك، وأقصى غاية الجود أن تجود بنفسك في سبيل الله.
يجود بالنفس إن ظن البخيل بها ... والجود بالنفس أقصى غاية الجود
قابل غضبك بحلمك، وجهلك بعلمك، ونسيانك بذكرك، وتزود من الخير وأنت مقبل خير من أن تتزود وأنت مدبر.
العجب ممن يحتمي من المآكل الرديئة ولا يترك الذنوب مخافة رب العالمين، ويستحي من الخلق ولا يستحق ممن لا تخفى عليه خائفة، قال تعالى: {يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم}.
العمى خير من الجهل؛ لأن العمى يخاف منه السقوط في حفرة، والجهل يخاف منه الوقوع في الهلاك.
ينبغي للرئيس أن يبتدي بتقويم نفسه قبل أن يبتدي بتقويم رعاياه.
وإلا كان بمنزلة من رام استقامة ظل معوج قبل تقويم عوده الذي هو ظل له.
إبدأ بنفسك فانهها عن غيها ... فإذا إنتهت عنه فأنت حكيم
Shafi 14
فهناك يقبل ما تقول ويقتدى ... بالرأي منك وينفع التعليم استدامة الصحة تكون بإذن الله بترك التكاسل عن التعب، وبترك الامتلاء من الطعام والشراب وترتيب المآكل.
للقلب آفتان الهم والغم، فالغم يعرض منه النوم، والهم يعرض منه السهر.
العلم كثير والعمر قصير فخذ من العلم أحسنه وما بلغك قليله إلى كثيره.
ما حوى العلم من الخلق أحد ... لا ولو حاوله ألف سنة
إنما العلم كبحر زاخر ... فاتخذ من كل شيء أحسنه
عجبا لمن عرف الدنيا وأنها دار فناء كيف تلهيه عن دار البقاء التي فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
إعطاء المريض ما يشتهيه أنفع له من أخذه كل ما لا يشتهيه.
الدنيا تنصح تاركها وتغش طالبها، فنصيحتها لتاركها ما تريه من تغيرها بأهلها وفتكها بهم ونكدها وكدرها وغمومها وهمومها، وغشها لطالبها ما تذيبقه من لذة ساعتها ثم تعقبه مرارة طعمها وسوء منقلبها.
طالب الدنيا كناظر السراب يحسبه سببا لريه فيتعب نفسه في طلبه، فإذا جاءه خانه ظنه وفاته أمله وبقي عطشه ودامت حسرته وندامته وخسر طول عنائه.
وقال آخر: الإنسان في الدنيا معذب بجميع أحوالها غير باق عليه ما يصير إليه من أسبابها.
قليل التهنئة بما يجده من ملاذها دائم النكد والكبد والغصص بمفارقة أحبابه فيها.
يا هذا الدنيا وراءك والآخرة أمامك والطلب لما وراءك هزيمة، إنما يعجب بالدنيا من لا فهم له الدنيا كأضغاث أحلام تسر النائم.
لعب خيال يحسبها الطفل حقيقة، فأما العاقل فيفهمها.
رأيت خيا الظل أكبر عبرة ... لمن هو في علم الحقيقة راقي
Shafi 15
شخوص وأشباح تمر وتنقضي ... جميعا وتفنى والمحرك باق قال ثابت بن قرة: راحة الجسم في قلة الطعام، وراحة الروح في قلة الآثام، وراحة اللسان في قلة الكلام، قلت: إلا بذكر الله فكثرته أولا.
والذنوب للقلب بمنزلة السموم إن لم تهلكه أضعفته ولابد، والضعيف لا يقوى على مقاومة العوارض، قال عبدالله بن المبارك:
رأيت الذنوب تميت القلوب ... وقد يورث الذل إدمانها
وترك الذنوب حياة القلوب ... وخير لنفسك عصيانها
كل شيء إذا كثر رخص إلا العلم والعقل كلما كثر أحدهما إلا، والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
فصل
أشد الأمور تأييدا للعقل أربعة: استخارة الله، ثم مشاورة العلماء المخلصين، وتجربة الأمور، وحسن التثبت والتوكل على الله.
وأشدها ضررا على العقل الاستبداد بالرأي، والتهاون والعجلة.
قال بعض العلماء: إذا ظفر إبليس من ابن آدم بثلاث لم يطلبه بغيرهن: إذا أعجب بنفسه، واستكثر عمله، ونسي ذنوبه.
ثلاثة من أقل الأشياء ولا يزددن إلا قلة: درهم حلال تنفقه في حلال، وأخ في الله تأنس به وتسكن إليه، وأمين تطمئن إليه وتستريح إلى الثقة به.
إذا عاديت أمرا فلا تعادي جميع أهله، بل صادق بعضهم، ليكن سلاحا لك عليه، ويكف أذيته عنك.
قيل لبعضهم: من الذي يسلم غالبا من الناس، قال: من لم يظهر منه لهم خير ولا شر؛ لأنه إذا ظهر منه لهم خير عاداه شرارهم، وإن ظهر منه شر عاداه خيارهم.
احرص على مجالسة العلماء المستقيمين، فإن العقول تلقح العقول، واحذر من علماء الدنيا كل الحذر فهو الذئاب الضارية.
لا تفني عمرك في البطالة ولا بالكد فيما لا منفعة لك به.
ولكنه أفنه في الباقيات الصالحات لتفوز برضا الله.
Shafi 16
قال أحد الملوك لأحد الحكماء: من ترى نولي القضاء؟ قال له: من لا يهزه المدح، ولا يمحكه الإغراء، ولا تضجره فدامة الغبي، ولا يغره فهم الذكي.
وقال آخر: إن السعاة أخبث من اللصوص؛ لأن اللصوص يسلبون الأموال وهؤلاء يسلبون المودات، قلت: ويوقعون في المهالك والأضرار.
تنعم بمالك قبل أن يتنعم به غيرك واحرص على بذله فيما يقربك إلى الله والدار الآخرة كبناء مساجد وبث كتب دينية تعين على فهم الكتاب والسنة، واحذر أن يكون عونا على معاصي الله.
من نزلت به مصيبة فأراد تخفيفها وتمحيقها فليتصور أكثر مما هي وأعظم تهن عليه وليرجو ثوابها يرى الربح في الاقتصار عليها.
وليتصور سرعة زوالها فإنه لولا كرب الشدة ما رجيت ساعة الراحة.
وليعلم أن مدة مقامها كمدة مقام الضيف فليتفقد حوائجه في كل لحظة فيا سرعة انقضاء مقامه.
قال عمر بن الخطاب: الفواقر في ثلاث: جار سوء في دار مقام إن رأى حسنة سترها وإن رأى سيئة أذاعها، وامرأة سوء إن دخلت لسنتك (أي سليطة اللسان) وإن غبت لم تأمنها، وسلطان جائر إن أحسنت لم يحمدك وإن أسأت قتلك.
قال الحسن: لولا ثلاث ما وضع ابن آدم رأسه: المرض، والفقر، والموت.
كدر العيش في ثلاث: الجار السوء، والولد العاق، والمرأة السيئة الخلق.
حب الدنيا يورث الضغائن والعداوات ويزرع الأحقاد ويكمن الشر ويمنع البر ويسبب العقوق وقطيعة الرحم والظلم.
طالب الدنيا قصير العمر كثير الفكر فيما يضر ولا ينفع.
طالب الدنيا كراكب البحر إن سلم، قيل: مخاطر وإن عطب قيل مغرور.
شعرا:
Shafi 17
ألا كل حي هالك وابن هالك ... وذو نسب في الهالكين عريق
فقل لغريب الدار إنك راحل ... إلى منزل نائي المحل سحيق
وما تعدم الدنيا الدنية أهلها ... شواظ حريق أو دخان حريق
تجرع فيها هالكا فقد هالك ... وتشجى فريقا منهموا بفريق
فلا تحسب الدنيا إذا ما سكنتها ... قرارا فما دنياك غير طريق
إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت ... له عن عدو في ثياب صديق
عليك بدار لا يزال ظلالها ... ولا يتأذى أهلها بمضيق
فما يبلغ الراضي رضاه ببلغة ... ولا ينفع الصادي صداه بريق
من خاف من شيء عمل ما يؤمنه، فمن خاف من الموت فليعمل ما يرجو به السلامة وباب التوبة مفتوح، وأبواب الخير مفتوحة، وقد حث الله ورسوله عليها.
العاقل يعرف بكثرة صمته، والجاهل يعرف بكثرة كلامه.
الكلام مملوك للإنسان ما لم ينطق به صاحبه، فإذا نطق به خرج عن ملكه له.
حسن الخلق يغطي غيره من القبائح، وسوء الخلق يغطي غيره من المحاسن.
من حسن خلقه طابت عيشته ودامت سلامته في الغالب وتأكدت في النفوس محبته، ومن ساء خلقه تنكدت عيشته ودامت بغضته ونفرت النفوس منه.
قال الله جل وعلا وتقدس لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: {ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك}.
حسن الخلق يؤدي غالبا إلى السلامة ويؤمن من الندامة ويسبب الألفة ويبعث على الفعل الجميل، ويؤمن من الفرقة بإذن الله تعالى، ومن ساء خلقه اجتمع عليه نكد الدنيا والآخرة.
شعرا:
لأن كانت الأفعال يوما لأهلها ... كمالا فحسن الخلق أبهى وأكمل
وإن كانت الأرزاق رزقا مقدرا ... فقلت جهد المرء في الكسب أجمل
وإن كانت الدنيا تعد نفيسة ... فدار ثواب الله أعلى وأنبل
Shafi 18
فقتل امرئ بالسيف في الله أفضل فما بال متروك به المرء يبخل
وإن كانت الأبدان للموت أنشئت ...
وإن كانت الأموال للترك جمعها
وقال - صلى الله عليه وسلم -: «البر حسن الخلق».
وقال - صلى الله عليه وسلم -: «إن من خياركم أحسنكم أخلاقا».
وقال - صلى الله عليه وسلم -: «ما من شيء أثقل في ميزان العبد المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق».
وسئل - صلى الله عليه وسلم - عن أكثر ما يدخل الناس الجنة، قال: «تقوى الله، وحسن الخلق».
وقال - صلى الله عليه وسلم -: «أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا».
وقال - صلى الله عليه وسلم -: «إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم».
وقال - صلى الله عليه وسلم -: «إن من أحبكم إلي وأقر بكم مني مجلسا يوم القيامة أحسنكم أخلاقا».
وقيل في تفسير حسن الخلق: هو طلاقة الوجه، وبذل المعروف، وكف الأذى، وطيب الكلام، وقلة الغضب، واحتمال الأذى.
لأجل حب الدنيا صمت الأسماع عن ما ينفع الإنسان دنيا وأخرى، وعميت القلوب عن نور البصيرة.
ينبغي للعاقل أن لا يغتر بحسن شبابه وصحة جسمه.
فإن عاقبة الصحة السقم وربما أعقبه الموت.
لا تغترر بشباب ناعم خظل ... فكم تقدم قبل الشيب شبان
من ألهم نفسه حب الدنيا امتلأ قلبه من ثلاث خلال: فقر لا يدرك غناه، وأمل لا يبلغ منتهاه، وشغل لا يدرك فناه.
مما ينبغي ويستحسن عمارة الذهن بالحكمة، وجلاء العقل بالأدب، وقمع الغضب بالحلم، وقمع الكبر والعجب بالتواضع.
وقمع الشهوة بالزهد والعفة، وتذليل المرح بالسكون، وردع الحرص بالقناعة يكسب راحة النفس والبدن.
Shafi 19
هي القناعة فالزمها تكن ملكا ... لو لم يكن لك الإراحة البدن
آخر:
إذا كنت في الدنيا قنوع ... فأنت ومالك الدنيا سواء
آخر:
أكرم يديك عن السؤال فإنما ... قذر الحياة أقل من أن تسألا
ولقد أضم إلي فضل قناعتي ... وأبيت مشتملا بها متزملا
وأرى الغدو على الخصاصة شارة ... تصف الغني فتخالني متمولا
وإذا الفتى أفنى الليالي حسرة ... وأمانيا أفنيتهن توكلا
والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
فصل
قال لقمان لابنه: يا بني، أكثر من ذكر الله عز وجل، فإن الله ذاكر من ذكره، قال جل وعلا وتقدس: {فاذكروني أذكركم}.
يا بني، لتكن ذنوبك بين عينيك، وعملك خلف ظهرك، وفر من ذنوبك إلى الله، ولا تستكثر عملك.
يا بني، إذا رأيت الخاطئ فلا تعيره واذكر ذنوبك فإنما تسأل عن عملك.
يا بني، أطع الله فإنه من أطاع الله كفاه ما أهمه وعصمه من خلقه.
يا بني، لا تركن إلى الدنيا ولا تشغل قلبك بحبها فإنك لم تخلق لها وما خلق الله خلقا أهون عليه منها؛ لأنه لم يجعل نعمتها ثوابا للمطيعين ولم يجعل بلاها عقوبة للعاصين.
ميزت بين جمالها وفعالها ... فإذا الملاحة بالقباحة لا تفي
حلفت لنا أن لا تخون عهودنا ... فكأنما حلفت لنا أن لا تفي
Shafi 20
وقال الله جل وعلا: {وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها وما عند الله خير وأبقى أفلا تعقلون}، وقال تعالى: {بل تؤثرون الحياة الدنيا * والآخرة خير وأبقى}، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «من أصبح وهمه الآخرة جمع الله عليه أمره وحفظ عليه ضيعته وأتته الدنيا وهي راغمة» الحديث.
وحقيقة الزهد خروج حب الدنيا والرغبة فيها من القلب.
وهوان الدنيا على العبد حتى يكون إدبار الدنيا وقلة الشيء أحب إليه وآثر عنده من إقبالها وكثرتها هذا من حيث الباطن.
وأما من حيث الظاهر فيكون متجافيا عنها مع القدرة عليها.
ويكون مقتصرا من سائر أمتعتها مأكلا وملبسا ومسكنا وغير ذلك على ما لابد نه، قلت: هذا في عصرنا نادرا الوجود كالكبريت الأحمر.
كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «ليكن بلاغ أحدكم من الدنيا كزاد الراكب».
يا بني، لا تفرح بطول العافية، واكتم البلوى فإنه من كنوز البر، واصبر عليها فإنه ذخر لك في المعاد.
يا بني، عليك بالصبر واليقين ومجاهدة نفسك، واعلم أن الصبر فيه الشوق (أي الشرف)، وفيه الشفقة والزهادة والترقب.
فإذا صبرت عن محارم الله وزهدت في الدنيا وتهاونت بالمصائب (أي مصائب الدنيا) لم يكن أحب إليك من الموت وأنت تترقبه.
وإياك والغفلة، خف الله ولا تعلم بذلك الناس، ولا يغرنك الناس بما لا تعلم من نفسك ، لا تغتر بقول الجاهل إن في يدك لؤلؤة وأنت تعلم أنها بعرة.
يا بني، كن لين الجانب، قريب المعروف، كثير التفكر قليل الكلام إلا في الحق، كثير البكاء قليل الفرح.
ولا تمازح ولا تصاخب ولا تمار، وإذا سكت فاسكت في تفكر، وإذا تكلمت فتكلم بحكم.
يا بني، لا تضيع مالك وتصلح مال غيرك، فإن مالك ما قدمت لنفسك، ومال غيرك ما تركت وراء ظهرك.
Shafi 21