ولكن السبب الحقيقي كما نعتقد، هو عدم إعطاء جانب التراجم والفهارس ملحقة بالمؤلفات، أي اهتمام؛ لأنهم لا ينظرون إليها في عصورهم من الزاوية التي ننظر إليها الآن. ولا يعني هذا أنهم يطرحون شيئا من قيمة التراجم العلمية، أو ينقصون مكانتها في كونها فنا مستقلا ذا وظيفة أساس في تصنيف النسيج الفكري للفنون والعلوم المتعددة، ولكن الذي يظهر من مؤلفاتهم بعامة أنهم في هذه الناحية، يحرصون على تأكيد ما يمكن أن نطلق عليه صفة التخصص والفصل في التأليف بين مختلف الفنون والعلوم. ولذا ظلت كتب ومؤلفات التراجم والمعاجم والطبقات، علما متميزا مستقلا عما عداه. (ومن أراد مزيد تفصيل فليرجع إلى المطولات) (¬1).
والجانب الثاني:
عدم الاهتمام بتدريس كتب التراجم أو حتى بإدخالها ضمن مراجع المنهج المقرر.
الانتصار ل(الانتصار):
وكتاب (الانتصار) هذا الذي نقدمه مطبوعا إلى مكتبة الفكر الإسلامي، بوصفه واحدا من أبرز وأشهر وأوسع مخطوطات التراث اليمنية.. هو - أيضا - شأنه شأن سائر المؤلفات التراثية في خلوه خلوا كليا من التراجم والهوامش فضلا عن الفهارس، وحتى في المفردات والأعلام والعناوين التي قد تشتبه بنظائر مغايرة دون وجود قرائن مميزة يمكن الاعتماد عليها.. حتى في مثل هذه الحال فإن المؤلف لا يقطع استرساله في البحث ليوضح شيئا منها إلا في القليل النادر. وقد سبقت الإشارة إلى أن هذه النظرة أو الأسلوب، يعود بالدرجة الأولى إلى دقة التصنيف الموضوعي في كتب هؤلاء المؤلفين بصفة عامة. ويضاف إلى ذلك أن المؤلف منهم كصاحب (الانتصار)، يكون قد استقرت في اعتقاده قاعدة ثابتة في طرق التعلم والتعليم وبالتالي التأليف.. وهي أن الكتاب (أي كتاب) ليس موضوعا للمبتدئ في طلب العلم، ولكنه للشيخ أو الأستاذ الذي بلغ من العلم درجة تؤهله لتدريس الكتاب. ومن هنا فإن القضية تبدو محكوما فيها ومفروغا منها سلفا.
وهذه القضية واحدة من القضايا أو العناصر التي جعلت تحقيق كتاب (الانتصار) يبدو لدينا أكثر صعوبة من غيره من كثير من الكتب التراثية الأخرى. وقد أعجز عن وصف المفاجأة التي أثارت في نفسي كثيرا من الدهشة والاستغراب، عند أن عرض علي الأخ والصديق الأستاذ علي بن أحمد مفضل فكرة القيام بتحقيق هذا الكتاب.
Shafi 9