Intisar
الأنتصار على علماء الأمصار - المجلد الأول حتى 197
وأما الشرط الثاني: وهو أن يغلب الماء النازح لقوة نبعه، فلا فائدة فيه؛ لأن الاعتماد في تطهير البئر إنما هو على ذهاب هذه الأوصاف الثلاثة، فبعد ذلك إما أن تكون زائلة بالنزح كلها، فالبئر تكون طاهرة، سواء غلب الماء النازح أو لم يغلب، فلا عبرة به، وإما أن تكون باقية فالبئر نجس سواء غلب الماء النازح أو لم يكن غالبا له، فإذا لا تعويل على الشرط الثاني لما ذكرناه، وأيضا فلأنهما قد حققا في آخر كلامهما مع زوال التغير اشتراط غلبة الماء النازح لأنهما قالا: فإن لم تزل الرائحة وما في حكمها فوجب نزح الماء ثانية وثالثة أو أكثر حتى تزول، فإذا زالت وغلب الماء النازح أو لم يغلبه ونزل إلى قرارها ونزح بالقصاع ونحوها، طهرت البئر وجوانبها.
ثم نقول: إذا كنا قد فرضنا أن النجاسة ظاهرة على الماء بتغيير أحد أوصافه أو كلها، فليت شعري ما فائدة اشتراط كون الماء غالبا للنازح أو غير غالب؟ فإذا الاعتماد إنما هو على زوال الأوصاف أو بقائها في تنجيس ماء البئر وتطهيره من غير أمر وراءه، وفي النزح إذا لم تظهر النجاسة على الماء، كلام في اشتراطه وعدم اشتراطه، سنوضحه بعد هذا بمعونة الله تعالى، فإذا زالت الأوصاف بالنزح وتجدد ماء طاهر في البئر وجب الحكم بطهارته؛ لأنه قد عاد إلى أصل الخلقة في التطهير بزوال أثر النجاسة، لقول : (( الماء لا يجنب)). وفي حديث آخر: (( الماء لا ينجس )). إلى غير ذلك من الأحاديث الدالة على طهارة الماء ما لم يتغير شيء من أوصافه، ولا يجب غسل الدلاء والقصاع لانغماسها في الماء الطاهر وزوال أثر الماء النجس عنها، ولا ما لاقى الماء النجس من أطراف الأرشية لزواله بالماء الطاهر، فأما وسط الرشا إذا كان قد أصابه من الماء الأول شيء فإنه يجب غسله، لكونه صار نجسا ولم يخالط الماء الطاهر لبعده عنه، فأما ما ترشش من رأس البئر من الماء النجس، فقد قال أصحابنا: إنه يجب غسله؛ لأن الماء النجس قد لاقاه، والماء الطاهر لم يصبه، فلهذا توجه غسله، وهذا يجب أن ينظر فيه، فإن كان باقيا على التغير فيما ذكرناه من الأوصاف الثلاثة أو في بعضها، فإنه يجب غسله؛ لأنه باق على النجاسة، وإن كان عند انفصاله من البئر زالت تلك الأوصاف كلها فهو طاهر لا يحتاج إلى غسل؛ لأنه ربما كان التغير لازما له قبل الإنفصال من ماء البئر، فلما انفصل عنها زالت عنه بالكلية، فلهذا كان طاهرا. وقد أسلفنا من قبل أن الماء إذا تنجس بتغير أوصافه ثم زال تغيره بالريح فإنه يكون طاهرا، فهكذا إذا زالت بالانفصال من غير تفرقة بينهما.
الفرع الثالث: في ماء البئر إذا كانت النجاسة غير ظاهرة عليه وكان قليلا، فمتى كان على هذه الصفة، فهل ينجس ويجب نزحه أم لا؟ فيه مذهبان:
Shafi 433