Intisar
الأنتصار على علماء الأمصار - المجلد الأول حتى 197
Nau'ikan
قالوا: في الدباغ فعل لا تصاحبه الحياة، فيجب أن يكون مؤثرا في التطهير كالذكاة الشرعية.
قلنا: نفرق بينهما ونقول: التطهير حصل في المذكى بنفس التذكية الشرعية بدليل قوله تعالى: {إلا ما ذكيتم}[المائدة:3]. ولم تسبقه نجاسة، بخلاف الدباغ فإنه مسبوق بالنجاسة فلهذا لم يكن رافعا لها فافترقا. وسيأتي بقية الكلام على ما يكون نجسا في أبواب النجاسات، وإنما ذكرنا ما يتعلق بالآنية في الوضوء لا غير.
فأما الزهري: فلا يبعد أن تكون مقالته هذه مخالفة للإجماع من جهة أن الأمة فيها على أقوال:
فمنهم من قال بنجاسة جلود الميتة على كل حال دبغت أم لم تدبغ.
ومنهم من قال بطهارتها إذا دبغت.
ومنهم من قال بطهارة بعضها دون بعض، كما فصلناه من الخلاف في ذلك.
ولم نعلم أن أحدا من الأمة ذهب إلى طهارتها أجمع على كل حال؛ لأن ما هذا حاله يؤدي إلى فوات الحق عن أيديهم وإلى ذهابهم عنه؛ لأن القول بطهارة جلود الميتات من دون دبغ لم يصر إليه صائر منهم، فلهذا كان مخالفا للإجماع خارجا عنه، لأن الصحابة (رضي الله عنهم) قد خاضوا في المسألة ولم يقل أحد منهم بهذه المقالة. فأما تردد الفقهاء في إخراج بعض الجلود عن العموم، وإدخال بعضها في العموم كإخراج الشافعي جلد الكلب، وإدخال أبي حنيفة له تحت عموم الطهارة بقوله: (( أيما إهاب دبغ فقد طهر)). وإخراجهما جميعا لجلد الخنزير، وإخراج من أخرج جلود ما لا يؤكل لحمه، وإدخال جلود مايؤكل لحمه، وكإخراج مالك لباطن الجلود دون ظاهرها، فإنها كلها تصرفات في العموم بالإدخال والإخراج بالأقيسة المعنوية والأمور العرفية، وهم إنما بنوها على صحة هذه الأحاديث العامة، وتصرفهم فيها بالإدخال والإخراج وقد أبطلناها، فلا وجه لتكرير الإبطال، فإن إبطالها قد اندرج تحت ما ذكرناه .
مسألة: الحيوان المأكول إذا ذبح على شرط الشرع في الذكاة فإنه يحل أكله ويطهر جلده، ويجوز جعله مطهرة للماء، سواء دبغ أو لم يدبغ، عند أئمة العترة، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه، والشافعي وأصحابه، ولا يعرف فيه خلاف.
والحجة على ذلك: قوله تعالى:{فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا}[الحج:36]. ومعنى قوله تعالى: {وجبت جنوبها}: سقوطها. وليس سقوطها إلا بالذبح والذكاة الشرعية.
فأما غير المأكول من الحيوانات، كالكلب والحمار وسائر السباع والخيل، فإن ذكاته لا تؤثر في طهارة جلده، وهي ميتة، وينجس عند أئمة العترة، ونص عليه الشافعي في (الأم).
والحجة على ذلك: هو أنها ذكاة لا تبيح اللحم، فلا تكون مطهرة للجلد، دليله ذكاة المجوسي، ولأن(¬1) المقصود من الذكاة هو الأكل، والطهارة تابع لأنها هي التابع فإذا لم يكن المقصود حاصلا فالتابع له أولى لعدم الحصول.
وذهب أبوحنيفة ومالك إلى أن الذكاة يطهر بها جلد جميع ما لا يؤكل لحمه ما خلا الخنزير والإنسان.
والحجة على ذلك: قوله تعالى: {إلا ما ذكيتم}[المائدة:3]. فظاهر الآية دال على أن كل ما حصلت في حقه [الذكاة] فهو طاهر وحلال أكله؛ لكن قام الدليل الشرعي على كون لحمه حراما فبقي الدليل على طهارة جلده؛ لأن أحدهما منفصل عن الآخر.
والمختار: ما عول عليه علماء العترة.
والحجة عليه: ما ذكرناه ونزيد ههنا وهو أنه حيوان لا يؤكل لحمه فلم تكن الذكاة مؤثرة في تطهيره كالخنزير، ولا حل اللحم طهارة الجلد، لأنه قد يؤكل مع اللحم في المسموط(¬2)، فهو تابع له وقد اتفقنا على تحريم اللحم ونجاسته. فهكذا حال الجلد يكون نجسا لا محالة، فإذا عمل من هذا الجلد النجس مطهرة أو حوض فإنه ينظر فيه(¬3)، فإن كان متغيرا بالجلد فهو نجس باتفاق، وإن لم يكن متغيرا فمن قال بأن القليل لا ينجس إلا مع التغير فإن ما هذا حاله يكون طاهرا كما هو رأي القاسم ومالك، وهو الذي اخترناه من قبل، ومن قال بأن القليل ينجس من غير تغير فإن كان دون القلتين فهو نجس على رأي الناصر والمنصور بالله والشافعي وإن كان فوقهما لم ينجس. فأما إذا كان كثيرا فهو لا ينجس بحال.
Shafi 321