Intisar
الأنتصار على علماء الأمصار - المجلد الأول حتى 197
Nau'ikan
والحجة على ذلك: هو أن المقصود من معرفة حد القليل [وهو] تنجيسه وإن لم يتغير، والغرض من معرفة حد الكثير هو أن لا يحكم بنجاسته إلا إذا تغير، وإذا كان الأمر كما قررناه وجب أن يكون للنجاسة مدخل في معرفة حد القليل والكثير، فلأجل ذلك جعلناها أصلا في معرفتهما لما لهما بها من الاتصال، وجعلنا الظن هو المعيار الفارق بين القليل والكثير في النجاسة؛ لأنه هو المعتمد في الأكثر والمعول عليه في التكاليف العملية في العبادات وغيرها، فإذا تقرر هذا فكل ما وقعت فيه نجاسة وغلب على ظن المستعمل له أنه مستعمل لها باستعماله، فهو قليل ينجس بملاقاة النجاسة وإن لم يكن متغيرا ، وكلما وقعت به نجاسة وغلب على ظن من يلابسه ويستعمله أن النجاسة لا يستعملها عند استعماله، فهو كثير لا ينجس بملاقاتها، فلا جرم جعلنا غلب ظنه في الاستعمال وعدمه معيارا فارقا بين قليل الماء وكثيره، هذا ملخص هذه المقالة وزبدتها وثمرة ما عولوا عليه فيها.
المذهب الرابع: حكاه أبو يوسف عن أبي حنيفة في التفرقة بين قليل الماء وكثيره، وحاصل ما قاله: هو أن الحوض والبركة إذا كانا بحيث إذا تحركت منه ناحية لم تضطرب الناحية الأخرى، فما هذا حاله يكون من الكثير فلا ينجس بوقوع النجاسة عليه، وإذا كان بحيث إذا تحرك منه جانب اضطرب الجانب الآخر فهو قليل متنجس إذا لاقته النجاسة.
والحجة على ذلك: هو أن ما هذا حاله من الأمواء إذا كان قليلا فإنه يضعف عن احتمال المصاكة فلهذا يضطرب كله لقلته، بخلاف ما إذا كان كثيرا فإنه إذا وقعت فيه المصاكة فإنه يحتملها، فلهذا لم يضطرب إلا ما قرب من الضرب دون ما بعد منه، فلأجل ذلك جعل المعيار الفارق بين قليله وكثيره هو الاضطراب والمصاكة التي حكيناها، فهذا تقرير هذه المذاهب بأدلتها بحسب الإمكان.
والمختار: ما قررناه آنفا، من أن التعويل في نجاسة الماء وطهارته، إنما هو على تغير أحد أوصافه بالنجاسة، أو كلها، فأما مالم تتغير أوصافه فهو باق على أصل الطهارة كما تشير إليه الظواهر الشرعية.
وتأييد هذا الاختيار إنما يكون بتقريره بالحجة وإيراد الاعتراض على ما يخالفه، فهذان مسلكان:
Shafi 225