1- أن عصر المطابع الذي نعيشه يختلف كثيرا عن عصر المخطوطات، حيث أصبح الاعتماد في عصرنا على الكتاب المطبوع المتداول المتوافر بكثرة، سواء في المدارس والمعاهد والكليات العامة والمتخصصة، أم في مراكز البحوث والدراسات. عدا القلة من الباحثين. ناهيك عن اهتمام الأفراد خارج هذه المؤسسات ممن ينحصر اهتمامهم في الغالب في جانب الاطلاع.. ومن هنا فإن الاهتمام عموما بالكتاب المخطوط، يكاد في هذا العصر، ينحصر في غايتين:
أولاهما: في هواية اقتناء الكتاب التراثي المخطوط. وهذه الغاية ترجح جانب القيمة الأثرية التراثية التاريخية فيه على القيمة العلمية.
وثانيتهما: وفي القيمة المرجعية له.. وهذه الغاية يؤمها الباحث الحصيف. وقد أصبحت نادرة، وخصوصا إذا استثنينا الباحثين المتخصصين في كتب التراث أو الاختصاصيين بها.
بينما -بطبيعة الحال- كان الكتاب المخطوط قبل ثلاثين عاما في اليمن بالذات، كتابا مقروءا ومتداولا، يستتنسخه الناس ويشترونه، ويتوارثونه ويحافظون عليه، لغرض القراءة، ولقيمته العلمية قبل كل شيء. ومن هذه المقارنة البسيطة بين عصر المخطوطات وعصر المطابع، تتضح أهمية النشر دافعا وغاية وحرصا على قيمته العلمية من النسيان وعدم الفائدة.
2- ثم إن أقصى ما يمكن أن يلاقيه الكتاب المخطوط من عناية، لا يتجاوز توثيقه في بعض المكتبات العامة ومراكز البحوث. وفي هذه الحال فإن وجوده لا يتجاوز كثيرا مساحة العنوان في أدلة وقوائم هذه المكتبات والمراكز.
ثالثها: ندرة الكتاب، وندرة الكتاب مخطوطا بمعنى قلته وندرته في أيدي الناس، هي حالة تعم كل كتاب مخطوط؛ إذ أن نسخ أي مخطوطة مهما تكن نسخا كثيرة، فإنها في الحد الأقصى لعدد نسخها لن تتجاوز العشرات. ولكن هذا الكتاب (الانتصار) هو وقليل من أمثاله، تظل فيه ندرة الكثرة أو كثرة الندرة حالة أخص به وأظهر فيه.. لسبب واحد كاف ناهيك بغيره. وهو حجم كتاب (الانتصار) الذي يبلغ ثمانية عشر جزءا. وهذا ما جعل منه مخطوطة نادرة حيث توجد، من حيث أنها لا تكاد توجد منه نسخة كاملة بأجزائها الثمانية عشر في مكان واحد. فكل مكان بحثنا فيه عن هذا الكتاب أثناء القيام بجمع نسخ منه لغرض تحقيقه، لم نجد فيه نسخة كاملة من الانتصار، سواء في المكتبات العامة أو الخاصة. وظل السؤال عنه والبحث قائمين طيلة فترة التحقيق وحتى بداية الطبع ولا يزالان.
Shafi 13