358

Intisar

الانتصار لأهل الأثر = نقض المنطق - ط عالم الفوائد

Editsa

عبد الرحمن بن حسن قائد

Mai Buga Littafi

دار عطاءات العلم (الرياض)

Bugun

الثالثة

Shekarar Bugawa

١٤٤٠ هـ - ٢٠١٩ م (الأولى لدار ابن حزم)

Inda aka buga

دار ابن حزم (بيروت)

Nau'ikan

الحدود المتكلَّفة، فكيف يجوزُ أن تكون معرفةُ الأشياء وقفًا عليها؟!
الرابع: أن الله جعَل لابن آدم من الحسِّ الظاهر والباطن ما يحسُّ به الأشياء ويعرفُها، فيعرفُ بسمعه وبصره وشمِّه وذوقه ولمسِه الظاهرِ ما يعرف، ويعرفُ أيضًا بما يشهدُه ويحسُّه بنفسه وقلبه ما هو أعظمُ من ذلك. فهذه هي الطرقُ التي تُعْرَفُ بها الأشياء. فأما الكلامُ فلا يُتَصَوَّرُ أن يَعْرِفَ بمجرَّده مفرداتِ الأشياء إلا بقياس (^١) تمثيلٍ أو تركيب ألفاظ، وليس شيءٌ من ذلك يفيدُه تصوُّرَ الحقيقة.
فالمقصودُ أن الحقيقة إن تصوَّرها بباطنه أو ظاهره استغنى عن الحدِّ القولي، وإن لم يتصوَّرها بذلك امتنع أن يتصوَّر حقيقتَها بالحدِّ القولي، وهذا أمرٌ محسوسٌ يجدُه الإنسانُ من نفسه؛ فإن من عرفَ المحسوسات المَذُوقة مثلًا كالعسل لم يُفِدْه الحدُّ تصوُّرَها، ومن لم يَذُق ذلك كمن أُخْبِر عن السُّكَّر وهو لم يَذُقه لم يمكِن أن يتصوَّر حقيقتَه بالكلام والحدِّ، بل يُمَثَّل له ويقرَّبُ إليه، ويقال له: طعمُه يشبه كذا أو يشبه كذا وكذا، وهذا التشبيه والتمثيل ليس هو التحديدَ الذي يدَّعونه.
وكذلك المحسوساتُ الباطنة، مثل الغضب والفرح والحزن والغَمِّ والعلم ونحو ذلك، مَن وَجَدها فقد تصوَّرها، ومن لم يجدها لم يمكِن أن يتصوَّرها بالحدِّ، ولهذا لا يتصوَّر الأكمهُ الألوانَ بالحدِّ، ولا العِنِّينُ الوِقَاعَ بالحدِّ.

(^١). الأصل: «لقياس».

1 / 309